فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الصادق (ع)

 

 

الحضور في أجهزة السلطة

و من الخطوات التي تحرّك نحوها الإمام الصادق (عليه السلام) في هذه المرحلة وأسس لها عملياً هي الحضور المحدود في أجهزة السلطة لغرض الحفاظ على المسيرة الإسلامية من التحريف والدفاع عنها عن طريق رصد المعلومات والمخطّطات والمواقف التي يفكّر بها الحكّام بواسطة هذا النشاط ليتسنّى للإمام دفع الأخطار وإحباط المؤامرات. ثم يوفّر هذا النشاط للإمام ردّ المظالم والقيام ببعض الخدمات للمحرومين، ولهذا نجد الإمام (عليه السلام) يصدر رسالة شفوية لبعض الشيعة تتضمّن توجيهات وتحذيرات للعاملين في هذا الميدان ردّاً على رسالة شيعي يطلب من الإمام توضيحاً لهذه المهمّة إذ جاء فيها: وحاجتي أن تهدي إليّ من تبصيرك على مداراة هذا السلطان وتدبير أمري كحاجتي إلى دعائك لي .

فقال (عليه السلام) لرسوله : قل له، إحذر أن يعرفك السلطان : بالطعن عليه في اختيار الكفاة وإن أخطأ في اختيارهم أو مصافات من يباعد منهم ، وإن قربت الاواصر [1] بينك وبينه ، فإن الاولى تغريه [2] بك والاُخرى توحشه، ولكن تتوسط في الحالين ، واكتف بعيب من اصطُفوا له والامساك عن تقريظهم عنده ومخالفة من اقصوا بالتنائي عن تقريبهم. وإذا كدت فتأن في مكايدتك... إلى أن قال فلا تبلغ بك نصيحة السلطان أن تعادي له حاشيته وخاصّته فإن ذلك ليس من حقّه عليك ، ولكن الاقصى لحقه والأدعى إليك للسلامة أن تستصلحهم جهدك... [3] .

وقد برز هذا النشاط بشكل ملحوظ زمن الإمام الكاظم (عليه السلام) بينما نجد الإمام الصادق (عليه السلام) قد حذّر كثيراً وحرّم على شيعته التعاون مع الظالمين والاشتراك في أجهزتهم حفاظاً على الوجود الإسلامي من الضياع والتحريف فقد جاء عنه (عليه السلام) « لا تعنهم ـحكّام الجور ـ على بناء المسجد » [4] وقال لبعض أصحابه: «يا عذافر نبّئت أنك تحامل أبا أيّوب والربيع فما حالك إذا نودي بك في اعوان الظلمة؟!». [5]

الإمام الصادق يرسّخ الاعتقاد بالإمام المهدي (عليه السلام)

من المبادئ التي سعى الإمام الصادق (عليه السلام) لترسيخها في نفوس الشيعة و ضمن الدور المشترك الذي مارسه الأئمة (عليهم السلام) من قبله هي مسألة القيادة العالميّة المهدويّة التي تمثّل الإمتداد الشرعي لقيادة الرسول (صلى الله عليه وآله) لأنها العقيدة التي تجسّد طموحات الأنبياء والأئمة حسب التفسير الإسلامي للتأريخ الذي يؤكّد بأن وراثة الأرض سوف تكون للصالحين من عباده قال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذّكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) [6] .

وترسيخ فكرة الإمام المهدي وتربية الشيعة على الاعتقاد الدائم بها تمنح الإنسان الشيعي الثائر روح الأمل الذي لا يتوقّف والقدرة على الصمود والمصابرة وعدم التنازل للباطل، فكان الإمام الصادق (عليه السلام) يقول : « إذا قام القائم المهدي لا تبقى أرض إلاّ نودي فيها شهادة أن لا اله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله» [7] .

و بالإيمان بقضية الإمام المهدي(عليه السلام) يشعر الإنسان المسلم إلى جانب الدعم الغيبي بأنّ أهدافه التي سعى لايجادها سوف تتحقّق وأن النصر حليفه مهما طال الزمن، فقد سأل عبد الله بن عطاء المكّي الإمام الصادق(عليه السلام) عن سيرة المهدي كيف تكون ؟ قال : «يصنع كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله أمر الجاهلية ، ويستأنف الإسلام جديداً» [8] .

وبهذه الحقيقة التأريخية يزداد الشيعي اعتقاداً بأن جهده سوف يكون جزءاً من الحركة الإلهيّة بجهوده المستمرّة سوف يقترب من الهدف المنشود ويرى الاضطهاد الذي يتعرّض له الشيعة والمسلمون سيزول حتماً حين ينتقم اصحاب الحق ممن ظلمهم وتعمّ العدالة وجه الأرض جميعاً .

 

[1] بمعنى العهود .

[2] غري بالشيء : أو لع به ولزمه .

[3] نزهة الناظر : 114 ، ومستدرك الوسائل : 12 / 188 .

[4] وسائل الشيعة : 17/180 ح8 عن تهذيب الأحكام للطوسي .

[5] المصدر السابق : 17/178 ح3 عن الكافي .

[6] الأنبياء (21): 105 .

[7] بحار الأنوار : 52 / 340 .

[8] المصدر السابق : 52 / 352 .