الإمام جعفر الصادق

وذات يوم قال رجل: إن بيني وبين رجل منازعة في أمر وإني أريد أن أتركه فيقال لي إن تركك ذلة. فقال الإمام (إن الذليل هو الظالم). فهو لا يرى الترك عيبا إنما العيب بالظلم، أيا كان مصدره، التارك أو المتروك له.
ودخل عليه عمار الساباطي فقال له: «يا عمار إنك رب مال كثير فتؤدي ما افترض عليك اللّه من الزكاة؟ قال نعم. قال فتخرج الحق المعلوم من مالك؟ قال نعم. قال: فتصل قرابتك؟ قال: نعم. قال فتصل إخوانك قال نعم. قال: يا عمار إن المال يفنى. والبدن يبلى. والعمل يبقى. والديان حي لا يموت. يا عمار. ما قدمت فلم يسبقك. وما أخرت فلن يلحقك»
والأيادي قروض، والإمام يعد بالرد المضاعف، ويعلن فضل من أعطى. ويؤثر عليه فضل الآخذ. والعرف لا يذهب بين اللّه والناس.
قال له تلميذ: إني لا أتغذى أو أتعشى إلا ومعي اثنان أو ثلاثة. أو أكثر. فأرضاه الإمام بالجزاء الموعود، وأعلن له أن فضلهم يفوق فضله. قال (فضلهم عليك أكثر من فضلك عليهم. إذا دخلوا عليك دخلوا بالرزق الكثير)(1)
والإمام يحض على دوام التواصل، إذ يجعل النعمة التي يخولها المعطي للآخذ نعمة تتكرر إذ تشكر، لتتكرر. يقول «اشكر من أنعم عليك. وأنعم على من شكرك. فإنه لا إزالة لها إذا شكرت ولا إقالة لها إذا كفرت».
والبخل قبض القادر يده عن العطاء ونفسه عن الأمل. فذلك داء البخلاء. والإمام الذي يوجب السخاء عند إقبال الدنيا وحين يفيض الخير، يوجب الرجاء والصبر عند إدبارها. فالدنيا تدور. يقول


(1) قارن هذا المجتمع الإسلامي الذي يقول فقهاؤه (ما المعطي عن سعة بأفضل من الآخذ لو كان محتاجا) بالمجتمع الإنجليزي الذي جاء بعد ذلك بقرون سبعة في عصر الملكة اليزابيت(1558 - 1603) وفيه صدرت قوانين بإعدام المتسولين وأعدم بها المئات.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة