لحصر الأوصاف التي تصلح للعلية. واستبعاد ما لا يصلح منها، ومقارنة الأوصاف للحكم، ودوران العلة مع المعلول وجودا وعدما الخ مع تكامل اختبار الوقائع وسلامة النتائج ثم قبولها.
كل أولئك دون دخل لمقررات أو نظريات سابقة. ومع التقرير بأن ما يصل إليه المجتهد ليس الحقيقة وإنما هو الراجح بغلبة الظن. فإن اجتهاداً آخر قد يغيره. والاجتهاد مفتوح. وقانونه الحرية. فإذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران. وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.
وعلى هذا التحديد أخذ المنهج التجريبي في الوجود: تمحيص الواقعة والاستخلاص بحرية ونزاهة.
والقرآن يحوى جميع صور الاستدلالات العقلية ومنها قياس الأولى. وفي هذه الصور تبرز طريقة الاعتبار بآيات اللّه المادية الواقعية المحيطة بالناس والتي تحسها حواسهم. وكذلك كانت طريقة الأنبياء في الاستدلال على اللّه بلفت النظر إلى آياته أو بقياس الأولى، وهو ما يكون الحكم المطلوب فيه أولى بالثبوت من الصورة المذكورة في الدليل الدال عليه - وكان أحمد بن حنبل يستعمل هذا القياس، وهو القائل إنه لا يصار إلى القياس إلا عند الضرورة.
و ابن تيمية يجعل للفطرة مكانها في الميزان الذي تعرف به الأحكام . و يروي أن معرفة الاختلاف و التماثل أمر فطري . واستعماله ضروري. والميزان عنده هو العدل. وما يعرف به العدل. وأنه هو القياس العقلي القرآني(1).
(1) يقول (فليست العلوم النبوية مقصورة على مجرد الخبر، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام، ويجعلون ما يعلم بالعقل قسيما للعلوم النبوية، وهذا خطأ. إن العلم هو علم محمد صلى اللّه عليه وسلم. وعلم في ميراث محمد صلى اللّه عليه وسلم. وغير هذا العلم لا يكون علما. لقد بين صلى اللّه عليه وسلم - مختتما دورة الرسالة العظمى - العلوم العقلية التي يتم بها دين الناس علما وعملا. وضرب الأمثال. فكانت الفطرة بما ينبهها عليه .. ولذلك أتى الخبر من السماء القرآن والحديث - بهذا. يبين الحقائق لا بطريقة خبرية فقط بل «بالمقاييس العقلية» فبين طريقة التسوية بين المتماثلين والتفرقة بين المختلفين).
ويضرب ابن تيمية أمثالا من الآيات للتسوية بين متماثلين والتفرقة بين مختلفين. ويقول (وكذلك أنزل اللّه سبحانه الميزان في القلوب لما بينت الرسل العدل وما يوزن به عرفت القلوب ذلك. فأنزل اللّه على القلوب من العلم ما تزن به الأمور حتى تعرف التماثل والاختلاف وتضع من الآلات الحسية ما يحتاج له في ذلك. كما وضعت موازين النقد وغير ذلك قال اللّه تعالى (والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) فالميزان هو العدل وهو ما يعرف به العدل. وهو القياس القرآني المنزل، ليتعرف به صحيح الفكر من باطله. بالإضافة إلى أن نزن الأمور عامة حسية أو عقلية).