الإمام جعفر الصادق

أصلا. بل علم إقناعي يبلغ أن يكون: أحرى وأولى وأجدر لا غير، لكن استعمال الناس له وتقبلهم فيه واستدلالهم به والعمل في أمورهم عليه أكثر كثيراً جداً وليس في هذا الباب علم يقين واجب. وإنما وقع منه تعلق واستشهاد الشاهد على الغائب. لما في النفس من الظن والحسبان فان الأمور « ينبغي أن تجري على نظام ومشابهة ومماثلة » فانك تجد أكثر الناس يجرون أمورهم على هذا الحسبان والظن).
يقول جابر (وبالجملة فليس لأحد أن يدعى أنه ليس في الغائب إلا مثل ما شاهد . إنما ينبغي له أن يتوقف حتى يشهد البرهان بوجوده من عدمه . .) فهو ينقد القياس من الناحية المنطقية أو الرياضية ليترك المجال مفتوحا للحقائق القاطعة التي تثبت بالتجارب.
وحسبك دليلا على دقة طريقة التدليل بآثار الأشياء، أن تجدها احدى المسلمات في المعامل والجامعات، في القارات جميعا. منذ بدأ الأخذ بطريقة التجربة والاستخلاص حتى اليوم. وستبقى أبدا.
و عندما توضع أقوال جابر(1) في القرن الثاني للهجرة إلى جوار أقوال « الحسن بن الهيثم »(354 - 430) بعد أكثر من قرنين. وقد عمل في خدمة الدولة الفاطمية، وهي دولة من دول الشيعة، وله 47 كتابا في الرياضيات و 58 كتابا في الهندسة، تتأكد لنا طريقة التجربة والاستخلاص


(1) يقول جابر «وكذلك ينبغي إذا ذهب الدهري (القائلون: إنما يخلقنا ويهلكنا الدهر - لا اللّه) يمنع أن يكون العالم مكونا مصنوعا، لأنه لم يشاهد، ولا واحد من الناس، بدء تكوينه، أن يقال له: ما ينكر أن يكون وجود الناس بعد وجود العالم بوقت طويل . وتذكر كون مدينة أو قصر ولا يذكر أحد من أهل بلده إبتداء بنائه؟ فسلم أن يثبت قدم ذلك بالعلة التي أثبت بها قدم العالم. وإذا قال: إنما علمت أن المدينة والقصر التي لم نشاهد، ولا من توفى، إبتداء بنائها، أنها مبنية من قبل، أنى رأيت مثلها بني، ولم أر مثل العالم مبنيا - قيل له إن هذا بعينه ما نقول. وندفع كونه في طريق الاستدلال - فمن أين قلت إن كل عالم تشاهده، وليس له شبيه ولا مثيل، موجود. وأن كل ما لم تشاهده وليس له شبيه ولا مثيل فليس بموجود إذ قد بان تقصيرك وتقصير أمثالك عن مشاهدة جميع الموجودات فأمكن أن يكون أكثر الموجودات مما لم تشاهده ».

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة