السنة جميعاً أن باب الاجتهاد مفتوح إذا لم يكن ثمة نص. وأن يجمع علماؤهم أن أحدا لا يقول الكلمة الأخيرة فيه. وأن يكون هذا منهج الفقه الشيعي الذي دأب عليه علماؤه.
يقول ابن إدريس(598) من فقهاء الشيعة المتقدمين (إذا فقدت الثلاثة - الكتاب والسنة والإجماع - فالمعتمد عند المحققين التمسك بدليل العقل).
ومن فحولهم المحقق نجم الدين الحلي (676) يقسم الدليل العقل قسمين الأول يتعلق بالخطاب - فحواه ولحنه ودليله - والثاني ما ينفرد العقل بالدلالة عليه لحسنه أو قبحه.
والشهيد الأول محمد بن مكي (786) يوسع في القسم الأول ويفصل في القسم الثاني فيزيد البراءة الأصلية. وما لا دليل عليه. والأخذ بالأقل عند التردد بين الأكثر والأقل. والاستصحاب.
وربما أجمل التفصيل قول بعض المتأخرين(1) من الأصولين عن الدليل العقلي: إنه كل حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي. فالدليل العقلي يوجب القطع. وليس بعد القطع حجة.
بالعقل أدرك الإنسان وجود ربه. ودان بالرسالات. وأدرك المعاني والعلل. وقدر على تمييز القبيح والحسن بفطرة البشر.
فالقبح مفسدة والحسن مصلحة(2). وما يدركه العقل منهما هو حكم عقلي يستقل الإنسان بتقريره. وما يستقل العقل بتقريره من مصلحة أو مفسدة هو مصلحة أو مفسدة شرعية. وعلى كليهما تدور الأحكام. فالشرع هاد للبشر والبشر مفطورون على استعمال نعمة الشارع. ولا يمنع هذا التأييد الشرعي للعقل أو التأييد العقلي للشرع، أن توجد بعض مصالح يراها الشرع ولا يفطن لها العقل العادي فيتردد أمامها بظنه.
(1) الشيخ محمد رضا المظفر.
(2) الحسن والقبيح قضية يمسك بطرفيها الأشاعرة فيقولون إن الشرع وحده هو الذي يعطي الفعل وصفه. والشيعة، ويتبعهم في ذلك المعتزلة، يقررون أنهما وصفان ذاتيان يستقل العقل بإدراكهما. فالصدق والمروءة أمران حسنان. والكذب وانعدام المروءة أمران قبيحان.