وإذا كان أصل استعمال العقل يسع كل وسائل النظر، فالفقيه ملزم بالاحتياط - وهو أول ما تستوجبه النزاهة العقلية - لوجود احتمال التزاحم والتعارض. فلا تجوز المجازفة بالتحليل والتحريم مع وجود هذا الاحتمال وإنما يلجأ الفقيه لاستخراج الحكم، عند عدم ظهور النص، إلى استعمال العقل، وبقواعد يمليها العقل والنقل، مثل وجوب دفع الضرر المحتمل ومثل عدم العقاب بلا بيان.
والعقل إذ يقرر قبح العقاب بلا بيان. يسوغ للمكلف أن يصنع ما يراه عند عدم البيان. ويعتبر آخر تصبح الإباحة هي الأصل. والحرية هي الأصل، حتى تتقيد بنص.
يقول الإمام الصادق (كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه) ومن هنا اتسع مجال النشاط الإنساني. فلا حرام إلا ما حرم اللّه.
والنص نقطة الثبات، أو حجر الزاوية في الفقه. فلا اجتهاد مع وروده. والتزام فحواه أو التزام مقاصد الشارع التي ينطق النص بها، أو يدل على معناها مجموع النصوص، لا يدخل بالمصلحة أو بالقياس شيئا على الشرع ليس منه.
والإمام الصادق يفتح أبواب رحمة اللّه و يرفع الحرج ويبيح الرخص . يقول (الوضوء نصف الإيمان) ويقول (إنه توبة من غير استغفار) ومع هذا سئل عن رجل يكون معه الماء في السفر ويخاف قلته؟ فقال: «يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء».
ويقول: «من خاف عطشا فلا يهريق قطرة. وليتيمم بالصعيد. فالصعيد أحب إلي».
سئل عن رجل ليس معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك (الغلوة مسافة مرمى السهم)؟ فقال «لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع».
وسئل عن رجل يمر بالركية (البئر) وليس معه دلو. قال: «ليس عليه أن يدخل الركية. لأن رب الماء هو رب الأرض. فليتيمم. إن اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً».