الإمام جعفر الصادق

أما عمر فنما في أكناف بيت طالما حاول طمس فضائل علي. فلما شب عن الطوق أصبح يعلن للناس إسرار أبيه له أن الناس لو عرفوا فضائل علي لانصرفوا إليه عن دولتهم، حتى إذا ولي إمرة المدينة أبطل سب علي على المنابر. وكان عمر يرزح تحت الرقابة الشديدة من الخليفة الوليد، والسباق المجنون من الحجاج لظلم بني علي، مع استرضاء بني مروان للحجاج، حتى ليعزل الوليد عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه، لإرضاء الحجاج ابن يوسف الثقفي
فلما ولي عمر الخلافة أقسم أن يتخذها طريقاً إلى الجنة. فرد لأهل البيت مظالمهم وأعاد لهم « فدكا ». وبعث إليهم عشرة آلاف دينار ليعوضهم عما سلبهم سابقوه. وكانت الشهور الثلاثون - مدة خلافته - تلقى على كاهل رجل هزل الورع جسده، أعباء الدين والدنيا، يدرك أن أيامه معدودات، ويتهمه أهله بأنه يوشك أن يخرج الخلافة منهم إلى بني علي(1).
بل أعلن عمر أنه لو استطاع لعهد بالخلافة لمن كان مثله، فقال: «لو كان لي من الأمر شيء لاستخلفت أعيمش بني تيم القاسم بن محمد بن أبي بكر». وهو العليم أن محمدا ترعرع في حجر «علي» قبل أن يستخلف. وأنه حارب معه معاوية. فلما ولاه مصر، باء بدمه قواد معاوية. فهو عدو بني أمية من كل وجه. وأن «القاسم» همزة الوصل بين الصديق وبين «أهل البيت». بنته أم فروة تحت جناح الباقر، وابنهما «جعفر الصادق» في عنفوان صباه، أمل تتجه الأبصار تلقاءه.
وأما «المأمون» فعبقري العلم، سواء العلم الديني من أصول وفقه ودين وحديث، أو العلم العام، وفيه التاريخ والفلسفة والعلوم التطبيقية والرياضية


(1) أتى «العمري» مالكا فقال له: يا أبا عبد اللّه. بايعني أهل الحرمين. وأنت ترى سيرة أبي جعفر فما ترى؟ فقال له مالك: أتدري ما الذي منع عمر بن عبد العزيز أن يولي رجلا صالحا؟ قال: لا أدري. قال مالك لكني أنا أدري: إنما كانت البيعة ليزيد (بن عبد الملك) بعده، فخاف عمر إن ولي رجلا صالحا أن لا يكون ليزيد بد من القيام، فتقوم هجمة ويفسد مالا يصلح . .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة