فهرس الصحيفة

مكتبة الإمام زين العابدين (ع)

 

32 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ الْفَراغِ مِنْ صَلوةِ اللَّيْلِ لِنَفْسِهِ فِي الاِْعْتِرافِ بِالذَّنْبِ

أَللّهُمَّ يا ذَا الْمُلْكِ الْمُتَأَبِّدِ بِالْخُلُـودِ، وَالسُّلْطانِ الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ جُنُود وَلا أَعْوان، وَالْعِزِّ الْباقي عَلى مَرِّ الدُّهُورِ، وَخَوالِي الاَْعْوامِ وَمَواضِي الاَْزْمانِ وَالاَْيّامِ، عَزَّ سُلْطانُكَ عِزّاً لا حَدَّ لَهُ بِأَوَّلِيَّة، وَلا مُنْتَهى لَهُ بِآخِرِيَّة، وَاسْتَعْلى مُلْكُكَ عُلُوّاً سَقَطَتِ الاَْشْياءُ دُونَ بُلُوغِ أَمَدِهِ، وَلا يَبْلُغُ أَدْنى مَا اسْتَأْثَرْتَ بِهِ مِنْ ذلِكَ أَقْصى نَعْتِ النّاعِتينَ. ضَلَّتْ فيكَ الصِّفاتُ، وَتَفَسَّخَتْ دُونَكَ النُّعُوتُ، وَحارَتْ في كِبْرِيائِكَ لَطائِفُ الاَْوْهامِ. كَذلِكَ أَنْتَ اللّهُ الاَْوَّلُ في أَوَّلِيَّتِكَ، وَعلى ذلِكَ أَنْتَ دائِمٌ لا تَزُولُ، وَأَنَا الْعَبْدُ الضَّعيفُ عَمَلاً، الْجَسِيمُ أَمَلاً، خَرَجَتْ مِنْ يَدي أَسْبابُ الْوُصُلاتِ إِلاّ ما وَصَلَهُ رَحْمَتُكَ، وَتَقَطَّعَتْ عَنّي عِصَمُ الاْمالِ إِلاّ ما أَنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِكَ، قَلَّ عِنْدي ما أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طاعَتِكَ، وَكَثُرَ عَلَىَّ ما أَبُوءُ بِهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ،

وَلَنْ يَضيقَ عَلَيْكَ عَفْوٌ عَنْ عَبْدِكَ وَإِنْ أَساءَ، فَاعْفُ عَنّي.

أَللّهُمَّ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلى خَفايَا الاَْعْمالِ عِلْمُكَ، وَانْكَشَفَ كُلُّ مَسْتُور دُونَ خُبْرِكَ، وَلا تَنْطَوي عَنْكَ دَقائِقُ الاُْمُورِ، وَلا تَعْزُبُ عَنْكَ غَيّباتُ السَّرائِرِ، وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَىَّ عَدُوُّكَ الَّذِي اسْتَنْظَرَكَ لِغَوايَتي فَأَنْظَرْتَهُ، وَاسْتَمْهَلَكَ إِلى يَوْمِ الدّينِ لاِِضْلالي فَأَمْهَلْتَهُ، فَأَوْقَعَني، وَ قَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ مِنْ صَغائِرِ ذُنُوب مُوبِقَة، وَكَبائِرِ أَعْمال مُرْدِيَة، حَتّى إِذا قَارَفْتُ مَعْصِيَتَكَ، وَاسْتَوْجَبْتُ بِسُوءِ سَعْيي سَخْطَتَكَ، فَتَلَ عَنّي عِذارَ غَدْرِهِ، وَتَلَقّاني بِكَلِمَةِ كُفْرِهِ، وَتَوَلَّى الْبَراءَةَ مِنّي، وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً عَنّي، فَأَصْحَرَني لِغَضَبِكَ فَريداً، وَأَخْرَجَني إِلى فِناءِ نَقِمَتِكَ طَريداً، لا شَفيعٌ يَشْفَعُ لي إِلَيْكِ، وَلا خَفيرٌ يُؤْمِنُني عَلَيْكَ، وَلا حِصْنٌ يَحْجُبُني عَنْكَ، وَلا مَلاذٌ أَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنْكَ. فَهذا مَقامُ الْعائِذِ  بِكَ، وَمَحَلُّ الْمُعْتَرِفِ لَكَ، فَلا يَضيقَنَّ عَنّي فَضْلُكَ، وَلا يَقْصُرَنَّ دُوني عَفْوُكَ، وَلا أَكُنْ أَخْيَبَ عِبادِكَ التّائِبينَ، وَلا أَقْنَطَ وُفُودِكَ الاْمِلينَ، وَاغْفِرْ لي إِنَّكَ خَيْرُ الْغافِرينَ.

أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَني فَتَرَكْتُ، وَنَهَيْتَني فَرَكِبْتُ، وَسَوَّلَ لِىَ الْخَطاءَ خاطِرُ السُّوءِ فَفَرَّطْتُ، وَلا أَسْتَشْهِدُ عَلى صِيامي

نَهاراً، وَلا أَسْتَجيرُ بِتَهَجُّدي لَيْلاً، وَلا تُثْني عَلَىَّ بِإِحْيائِها سُنَّةٌ، حاشا فُرُوضِكَ الَّتي مَنْ ضَيَّعَها هَلَكَ، وَلَسْتُ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَضْلِ نافِلَة مَعَ كَثيرِ ما أَغْفَلْتُ مِنْ وَظائِفِ فُرُوضِكَ، وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقاماتِ حُدُودِكَ إِلى حُرُمات انْتَهَكْتُها، وَكَبائِرِ ذُنُوب اجْتَرَحْتُها، كانَتْ عافِيَتُكَ لي مِنْ فَضائِحِها سِتْراً. وَهذا مَـقامُ مَنِ اسْتَحْيا لِنَفْسِهِ مِنْكَ، وَسَخِطَ عَلَيْها، وَرَضِىَ عَنْكَ، فَتَلَقّاكَ بِنَفْس خاشِعَة، وَرَقَبَة خاضِعَة، وَظَهْر مُثْقَل مِنَ الخَطايا، واقِفاً بَيْنَ الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَوْلى مَنْ رَجاهُ، وَأَحَقُّ مَنْ خَشِيَهُ وَاتَّقاهُ، فَأَعْطِني يا رَبِّ مارَجَوْتُ، وَآمِنّي ما حَذرْتُ، وَعُدْ عَلَىَّ بِعائِدَةِ رَحْمَتِكَ، إِنَّكَ أَكْرَمُ الْمَسْؤولينَ.

أَللّهُمَّ وَإِذْ سَتَرْتَني بِعَفْوِكَ، وَتَغَمَّدْتَني بِفَضْلِكَ في دارِ الْفَناءِ بِحَضْرَةِ الاَْكْفاءِ، فَأَجِرْني مِنْ فَضيحاتِ دارِ الْبَقاءِ، عِنْدَ مَواقِفِ الاَْشْهادِ مِنَ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبينَ، وَالرُّسُلِ الْمُكَرَّمينَ، وَالشُّهَداءِ وَالصّالحِينَ، مِنْ جار كُنْتُ أُكاتِمُهُ سَيِّئاتي، وَمِنْ ذي رَحِم كُنْتُ أَحْتَشِمُ مِنْهُ في سَريراتي، لَمْ أَثِقْ بِهِمْ رَبِّ فِي السِّتْرِ عَلَىَّ،

وَوَثِقْت بِكَ رَبِّ فِي الْمَغْفِرَةِ لي، وَأَنْتَ أَوْلى مَنْ وُثِقَ بِهِ، وَأَعْطى مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ، وَأَرْأَفُ مَنِ اسْتُرْحِمَ، فَارْحَمْني.

أَللّهُمَّ وَأَنْتَ حَدَرْتَني ماءً مَهيناً، مِنْ صُلْب مُتَضائِقِ الْعِظامِ، حَرِجِ الْمَسالِكِ، إِلى رَحِم ضَيّقَة، سَتَرْتَها بِالْحُجُبِ، تُصَرِّفُني حالاً عَنْ حال، حَتَّى انْتَهَيْتَ بي إِلى تَمامِ الصُّورَةِ، وَأَثْبَتَّ فِىَّ الْجَوارِحَ، كَما نَعَتَّ في كِتابكَ: نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عِظْاماً ثُمَّ كَسَوْتَ الْعِظامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْتَني خَلْقاً آخَرَ كَما شِئْتَ.

حَتّى إِذَا احْتَجْتُ إِلى رِزْقِكَ، وَلَمْ أَسْتَغْنِ عَنْ غِياثِ فَضْلِكَ، جَعَلْتَ لي قُوتاً مِنْ فَضْلِ طَعام وَشَراب أَجْرَيْتَهُ لاَِمَتِكَ الَّتي أَسْكَنْتَني جَوْفَهَا، وَأَوْدَعْتَني قَرارَ رَحِمِها.

وَلَوْ تَكِلْني يا رَبِّ في تِلْكَ الْحالاتِ إِلى حَوْلي، أَوْ تَضْطَرُّني إِلى قُوَّتي، لَكانَ الْحَوْلُ عَنّي مُعْتَزِلاً، وَلَكانَتِ القُوَّةُ مِنّي بَعيدَةً، فَغَذَوْتَني بِفَضْلِكَ غِذاءَ الْبَرِّ اللَّطيفِ، تَفْعَلُ ذلِكَ بي تَطَوُّلاً عَلَىَّ إِلى غايَتي هذِه، لا أَعْدَمُ بِرَّكَ، وَلا يُبْطِئُ بي حُسْنُ صَنيعِكَ، وَلا تَتَأَكَّدُ مَع ذلِكَ ثِقَتي، فَأَتَفَرَّغَ

لِما هُوَ أَحْظى لي عِنْدَكَ. قَدْ مَلَكَ الشَّيْطانُ عِناني في سُوءِ الظَّنِّ وَضَعْفِ الْيَقينِ، فَأَنا أَشْكُو سُوءَ مُجاوَرَتِهِ لي، وَطاعَةَ نَفْسي لَهُ، وَأَسْتَعْصِمُكَ مِنْ مَلَكَتِهِ، وَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ في صَرْفِ كَيْدِهِ عَنّي.

وَأَسْأَلُكَ في أَنْ تُسَهِّلَ إِلى رِزْقي سَبيلاً. فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ابْتِدائِكَ بِالنِّعَمِ الْجِسامِ، وَإِلْهامِكَ الشُّكْرَ عَلَى الاِْحْسانِ وَالاِْنْعامِ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَهِّلْ عَلَىَّ رِزْقي، وَأَنْ تُقْنِعَني بِتَقْديرِكَ لِي، وَأَنْ تُرْضِيَني بِحِصَّتي فيما قَسَمْتَ لي، وَأَنْ تَجْعَلَ ما ذَهَبَ مِنْ جِسْمي وَعُمْري في سَبيلِ طاعَتِكَ، إِنَّكَ خَيْرُ الرَّازِقينَ.

أَللّهُمَّ إِنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ نار تَغَلَّظْتَ بِها عَلى مَنْ عَصاكَ، وَتَوَعَّدْتَ بِها مَنْ صَدَفَ عَنْ رِضاكَ، وَمِنْ نار نُورُها ظُلْمَةٌ، وَهَيِّنُها أَليمٌ، وَبَعيدُها قَريبٌ، وَمِنْ نار يَأْكُلُ بَعْضَها بَعْضٌ، وَيَصُولُ بَعْضُها عَلى بَعْض، وَمِنْ نار تَذَرُ الْعِظامَ رَميماً، وَتَسْقي أَهْلَها حَميماً، وَمِنْ نار لاتُبْقي عَلى مَنْ تَضَرَّعَ إِلَيْها، وَلا تَرْحَمُ مَنِ اسْتَعْطَفَها، وَلا تَقْدِرُعَلَى التَّخْفيفِ عَمَّنْ خَشَعَ لَها وَاسْتَسْلَمَ إِلَيْها، تَلْقى سُكّانَها بِأَحَرِّ ما لَدَيْها، مِنْ أَلِيمِ النَّكالِ وَشَديدِ

الْوَبالِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَقارِبِهَا الْفاغِرَةِ أَفْواهَها، وَحَيّاتِها الصّالِقَةِ بِأَنْيابِها، وَشَرابِها الَّذي يُقَطِّعُ أَمْعاءَ وَأَفْئِدَةَ سُكّانِها، وَيَنْزِعُ قُلُوبَهُمْ، وَأَسْتَهْديكَ لِما باعَدَ مِنْها، وَأَخَّرَ عَنْها.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَجِرْني مِنْها بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ، وَ أَقِلْني عَثَراتي بِحُسْنِ إِقالَتِكَ، وَلا تَخْذُلْني يا خَيْرَ الْمُجيرينَ.

إِنَّكَ تَقِي الْكَريهَةَ، وتُعْطِي الْحَسَنَةَ، وَتَفْعَلُ ماتُريدُ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ إِذا ذُكِرَ الاَْبْرارُ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، صَلاةً لا يَنْقَطِعُ مَدَدُها، وَلا يُحْصى عَدَدُها، صَلاةً تَشْحَنُ الْهَواءَ، وَتَمْلاَُ الاْرْضَ وَالسَّماءَ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ حَتّى يَرضى، وَصَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَعْدَ الرِّضا، صَلاةً لا حَدَّ لَها وَلا مُنْتَهى، يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ. 

33 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الاِْسْتِخارَةِ

أَللّهُمَّ إِنّي أَسْتَخيرُكَ بِعِلْمِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاقْضِ لي بِالْخِيَرَةِ، وَأَلْهِمْنا مَعْرِفَةَ الاِْخْتِيارِ، وَاجْعَلْ ذلِكَ ذَريعةً إِلَى الرِّضا بِما قَضَيْتَ لَنا، وَالتَّسْليمِ لِما حَكَمْتَ، فَأَزِحْ عَنّا رَيْبَ الاِْرْتِيابِ، وَأَيِّدْنا بِيَقينِ الْمُخْلِصينَ، وَلا تَسُمْنا عَجْزَ الْمَعْرِفَةِ عَمّا تَخَيَّرْتَ، فَنَغْمِطَ قَدْرَكَ، وَنَكْرَهَ مَوْضِعَ رِضاكَ، وَنَجْنَحَ إِلَى الَّتي هِىَ أَبْعَدُ مِنْ حُسْنِ الْعاقِبَةِ، وَأَقْرَبُ إِلى ضِدِّ الْعافِيَةِ. حَبِّبْ إِلَيْنا مانَكْرَهُ مِنْ قَضائِكَ، وَسَهِّلْ عَلَيْنا ما نَسْتَصْعِبُ مِنْ حُكْمِكَ، وَأَلْهِمْنَا الاِْنْقِيادَ لِما أَوْرَدْتَ عَلَيْنا مِنْ مَشِيَّتِكَ، حَتّى لا نُحِبَّ تَأْخيرَ ما عَجَّلْتَ، وَلا تَعْجيلَ ما أخَّرْتَ، وَلا نَكْرَهَ ما أَحْبَبْتَ، وَ لا نَتَخَيَّرَ ما كَرِهْتَ. وَاخْتِمْ لَنا بِالَّتي هِىَ أَحْمَدُ عاقِبَةً، وَأَكْرَمُ مَصيراً، إِنَّكَ تُفيدُ الْكَريمَةَ، وَتُعْطِي الْجَسيمَةَ، وَتَفْعَلُ ما تُريدُ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ. 

34 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا ابْتُلِىَ أَوْ رَأى مُبْتَلىً بِفَضيحَة بِذَنْب

أَللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى سِتْرِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَمُعافاتِكَ بَعْدَ خُبْرِكَ، فَكُلُّنا قَدِ اقْتَرَفَ الْعائِبَةَ فَلَمْ تَشْهَرْهُ، وَارْتَكَبَ الْفاحِشَةَ فَلَمْ تَفْضَحْهُ، وَتَسَتَّرَ بِالْمَساوي فَلَمْ تَدْلُلْ عَلَيْهِ. كَمْ نَهْي لَكَ قَدْ أَتَيْناهُ، وَأَمْر قَدْ وَقَفْتَنا عَلَيْهِ فَتَعَدَّيْناهُ، وَسَيِّئَة اكْتَسَبْناها، وَخَطيئَة ارْتَكَبْناها، كُنْتَ الْمُطَّلِعَ عَلَيْها دونَ النّاظِرينَ، وَالْقادِرَ عَلى إِعْلانِها فَوْقَ الْقادِرينَ، كانَتْ عَافِيَتُكَ لَنا حِجاباً دُونَ أَبْصارهِمْ، وَرَدْماً دُونَ أَسْماعِهِمْ. فَاجْعَلْ ما سَتَرْتَ مِنَ الْعَوْرَةِ، وَأَخْفَيْتَ مِنَ الدَّخيلَةِ، واعِظاً لَنا وَزاجِراً عَنْ سُوءِ الْخُلْقِ وَاقْتِرافِ الْخَطيئَةِ، وَسَعْياً إِلَى التَّوْبَةِ الْماحِيَةِ، وَالطَّريقِ الْمَحْمُودَةِ، وَقَرِّبِ الْوَقْتَ فيهِ، وَلا تَسُمْنَا الْغَفْلَةَ عَنْكَ،

إِنّا إِلَيْكَ رَاغِبُونَ، وَمِنَ الذُّنُوبِ تائِبُونَ.

وَصَلِّ عَلى خِيَرَتِكَ اللّهُمَّ مِنْ خَلْقِكَ، مُحَمَّد وَعِتْرَتِهِ الصَّفْوَةِ مِنْ بَرِيَّتِكَ الطّاهِرينَ، وَاجْعَلْنا لَهُمْ سامِعينَ وَمُطِيعينَ كَما أَمَرْتَ. 

35 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الرِّضا إِذا نَظَرَ إِلى أَصْحابِ الدُّنْيا

اَلْحَمْدُ للّهِ رِضاً بِحُكْمِ اللّهِ، شَهِدْتُ أَنَّ اللّهَ قَسَّمَ مَعايِشَ عِبادِهِ بِالْعَدْلِ، وَأَخَذَ علَى جَميعِ خَلْقِهِ بالْفَضْلِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَلاَ تَفْتِنّي بِما أَعْطَيْتَهُمْ، وَلا تَفْتِنْهُمْ بِما مَنَعْتَني، فَأَحْسُدَ خَلْقَكَ، وَأَغْمِطَ حُكْمَكَ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَطَيِّبْ بِقَضائِكَ نَفْسي، وَوَسِّعْ بِمَواقِع حُكْمِكَ صَدْرِي، وَهَبْ لِىَ الثِّقَةَ لاُِقِرَّ مَعَها بِأَنَّ قَضاءَكَ لَمْ يَجْرِ إِلاّ بِالْخِيَرَةِ، وَاجْعَلْ شُكْري لَكَ عَلى ما زَوَيْتَ عَنّي أَوْفَرَ مِنْ شُكْري إِيّاكَ عَلى ما خَوَّلْتَني، وَاعْصِمْني مِنْ أَنْ أَظُنَّ بِذي عَدَم خَساسَةً، أَوْ أَظُنَّ بِصاحِبِ ثَرْوَة فَضْلاً، فَإِنَّ الشَّريفَ مَنْ شَرَّفَتْهُ طاعَتُكَ، وَالْعَزيزَ مَنْ أَعَزَّتْهُ عِبادَتُكَ. فَصَلِّ عَلى

مُحَمَّد وَآلِهِ، وَمَتِّعْنا بِثَرْوَة لا تَنْفَدُ، وَأَيِّدْنا بِعِزٍّ لا يُفْقَدُ، وَأَسْرِحْنا في مُلْكِ الاَْبَدِ، إِنَّكَ الْواحِدُ الاَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ. 

36 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ إِذا نَظَرَ إِلَى السَّحابِ وَالْبَرْقِ وَسَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ

أَللّهُمَّ إِنَّ هذَيْنِ آيَتانِ مِنْ آياتِكَ، وَهذَيْنِ عَوْنانِ مِنْ أَعْوانِكَ، يَبْتَدِرانِ طاعَتَكَ بِرَحْمَة نافِعَة، أَوْ نِقْمَة ضارَّة، فَلا تُمْطِرْنا بِهِما مَطَرَ السَّوْءِ، وَلا تُلْبِسْنا بِهِما لِباسَ الْبَلاءِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنا نَفْعَ هذِه السَّحائِبِ وَبَرَكَتَها، وَاصْرِفْ عَنّا أَذاها وَمَضَرَّتَها، وَلا تُصِبْنا فيها بِآفَة، وَلا تُرْسِلْ عَلى مَعايِشِنا عاهَةً.

أَللّهُمَّ وَإِنْ كَنْتَ بَعَثْتَها نِقْمَةً، وَأَرْسَلْتَها سَخْطَةً، فَإِنّا نَسْتَجيرُكَ مِنْ غَضَبِكَ، وَنَبْتَهِلُ إِلَيْكَ في سُؤالِ عَفْوِكَ، فَمِلْ بِالْغَضَبِ إِلَى الْمُشْرِكينَ، وَأَدِرْ رَحى نَقِمَتِكَ عَلَى الْمُلْحِدينَ.

أَللّهُمَّ أَذْهِبْ مَحْلَ بِلادِنا بِسُقْياكَ، وَأَخْرِجْ وَحَرَ صُدُورِنا

بِرِزْقِكَ، وَلا تَشْغَلْنا عَنْكَ بِغَيْرِكَ، وَلا تَقْطَعْ عَنْ كافَّتِنا مادَّةَ بِرِّكَ، فَإِنَّ الْغَنِىَّ مَنْ أَغْنَيْتَ، وَإِنَّ السّالِمَ مَنْ وَقَيْتَ، ما عِنْدَ أَحَد دُونَكَ دِفاعٌ، وَلابِأَحَد عَنْ سَطْوَتِكَ امْتِناعٌ، تَحْكُمُ بِما شِئْتَ عَلى مَنْ شِئْتَ، وَتَقْضي بِما أَرَدْتَ في مَنْ أَرَدْتَ.

فَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما وَقَيْتَنا مِنَ الْبَلاءِ، وَلَكَ الشُّكْرُ عَلى ما خَوَّلْتَنا مِنَ النَّعْماءِ، حَمْداً يُخَلِّفُ حَمْدَ الْحامِدينَ وَراءَهُ، حَمْداً يَمْلاَُ أَرْضَهُ وَسَماءَهُ، إِنَّكَ الْمَنّانُ بِجَسيمِ الْمِنَنِ، الْوَهّابُ لِعَظيمِ النِّعَمِ، الْقابِلُ يَسيرَ الْحَمْدِ، الشّاكِرُ قَليلَ الشُّكْرِ، الْمُحْسِنُ الْمُجْمِلُ ذُو الطَّوْلِ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ إِلَيْكَ الْمَصيرُ. 

37 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا اعْتَرَفَ بِالتَّقْصيرِ عَنْ تَأْدِيةِ الشُّكْرِ

أَللّهُمَّ إِنَّ أَحَداً لا يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غايَةً إِلاّ حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إِحْسانِكَ ما يُلْزِمُهُ شُكْرَكَ، وَلا يَبْلُغُ مَبْلَغاً مِنْ طاعَتِكَ وَإِنِ اجْتَهَدَ إِلاّ كانَ مُقَصِّراً دُونَ اسْتِحْقاقِكَ بِفَضْلِكَ، فَأَشْكَرُ عِبادِكَ عاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ، وَأَعْبَدُهُمْ لَك َمقَصِّرٌ عَنْ طاعَتِكَ.

لا يَجِبُ لاَِحَد مِنْهُم أَنْ تَغْفِرَ لَهُ بِاسْتِحْقاقِهِ، وَلا يَحِقُّ لَهُ أَنْ تَرْضى عَنْهُ بِاسْتيجابِهِ. فَمَنْ غَفَرْتَ لَهُ فَبِطَوْلِكَ، وَمَنْ رَضيتَ عَنْهُ فَبِفَضْلِكَ، تَشْكُرُ يَسيرَ ما شُكِرْتَهُ، وَتُثيبُ عَلى قَليْلِ ما تُطاعُ فيهِ، حَتّى كَأَنَّ شُكْرَ عِبادِكَ الَّذي أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ ثَوابَهُمْ، وَأَعْظَمْتَ عَنْهُ جَزاءَهُمْ، أَمْرٌ مَلَكُوا اسْتِطاعَةَ الاِْمْتِناعِ مِنْهُ دُونَكَ فَكافَأْتَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ بِيَدِكَ فَجازَيْتَهُمْ، بَلْ مَلَكْتَ يا إِلهي أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا عِبادَتَكَ، وَأَعْدَدْتَ ثَوابَهُمْ قَبْلَ أَنْ

يُفِيضُوا في طاعَتِكَ، وَذلِكَ أَنَّ سُنَّتَكَ الاِْفْضالُ، وَعادَتَكَ الاِْحْسانُ، وَسَبِيلَكَ الْعَفْوُ.

كُلُّ الْبَرِيَّةِ مُعْتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيْرُ ظالِم لِمَنْ عاقَبْتَ، وَشاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلى مَنْ عافَيْتَ، وَكُلٌّ مُقِرٌّ عَلى نَفْسِهِ بِالتَّقْصيرِ عَمَّا اسْتَوْجَبْتَ، فَلَوْلا أَنَّ الشَّيْطانَ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طاعَتِكَ ما عَصاكَ أَحَدٌ، وَلَوْلا أَنَّهُ يُصَوِّرُ لَهُمُ الْباطِلَ في مِثالِ الْحَقِّ ما ضَلَّ عَنْ طَريقِكَ ضالٌّ.

فَسُبْحانَكَ ما أَبْيَنَ كَرَمَكَ في مُعامَلَةِ مَنْ أَطاعَكَ أَوْ عَصاكَ، تَشْكُرُ الْمُطيعَ عَلى ما أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ، وَتُمْلي لِلْعاصي فيما تَمْلِكُ مُعاجَلَتَهُ فيهِ، أَعْطَيْتَ كُلاًّ مِنْهُما مالا يَجِبُ لَهُ، وَتَفَضَّلْتَ عَلى كُلٍّ مِنْهُما بِما يَقْصُرُ عَمَلُهُ عَنْهُ، وَلَوْ كافَيْتَ الْمُطِيعَ عَلى ما أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ لاََوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ ثَوابَكَ، وَأَنْ تَزُولَ عَنْهُ نِعْمَتُكَ، وَلكِنَّكَ بِكَرَمِكَ جازَيْتَهُ عَلَى الْمُدَّةِ الْقَصيرَةِ الْفانِيَةِ بِالْمُدَّةِ الطَّويلَةِ الْخالِدَةِ، وَعَلَى الْغايَةِ الْقَريبَةِ الزّائِلَةِ بِالْغايَةِ الْمَديدَةِ الْباقِيَةِ. ثُمَّ لَمْ تَسُمْهُ الْقِصاصَ فيما أَكَلَ مِنْ رِزْقِكَ الَّذي يَقْوى بِهِ عَلى طاعَتِكَ، وَلَمْ تَحْمِلْهُ عَلَى الْمُناقَشَةِ فِي الاْلاتِ الَّتي تَسَبَّبَ

بِاسْتِعْمالِها إِلى مَغْفِرَتِكَ، وَلَوْ فَعَلْتَ ذلِكَ بِهِ لَذَهَبَ جَميعُ ما كَدَحَ لَهُ، وجُمْلَةُ ما سَعى فيهِ جَزاءً لِلصُّغْرى مِنْ أَياديكَ ومِنَنِكَ، وَلَبَقِيَ رَهيناً بَيْنَ يَدَيْكَ بِسائِرِ نِعَمِكَ، فَمَتى كانَ يَستَحِقُّ شَيْئاً مِنْ ثَوابِكَ؟ لا، مَتى؟

هذا يا إِلهي حالُ مَنْ أَطاعَكَ، وَسَبِيلُ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ، فَأَمَّا الْعاصي أَمْرَكَ، وَالْمُواقِعُ نَهْيَكَ، فَلَمْ تُعاجِلْهُ بِنِقْمَتِكَ لِكَىْ يَسْتَبْدِلَ بِحالِهِ في مَعْصِيَتِكَ حالَ الاِْنابَةِ إِلى طاعَتِكَ، وَلَقَدْ كانَ يَسْتَحِقُّ يا إِلهي في أَوَّلِ ما هَمَّ بِعِصْيانِكَ كُلَّ ما أَعْدَدْتَ لِجَمِيعِ خَلْقِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، فَجَميعُ ما أَخَّرْتَ عَنْهُ مِنْ الْعَذابِ، وَأَبْطَأْتَ عَلَيْهِ مِنْ سَطَواتِ النِّقْمَةِ والعِقابِ، تَرْكٌ مِنْ حَقِّكَ وَرِضاً بِدُونِ واجِبِكَ.

فَمَنْ أَكْرَمُ ياإِلهي مِنْكَ؟ وَمَنْ أَشْقى مِمَّنْ هَلَكَ عَلَيْكَ؟ لا، من؟! فَتَبارَكْتَ أَنْ تُوصَفَ إِلاّ بِالاِْحْسانِ، وَكَرُمْتَ أَنْ يُخافَ مِنْكَ إِلاَّ الْعَدْلُ، لايُخْشى جَوْرُكَ عَلى مَنْ عَصاكَ، وَلا يُخافُ إِغْفالُكَ ثَوابَ مَنْ أَرْضاكَ.

فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَهَبْ لي مِنْكَ أَمَلي، وَزِدْني مِنْ هُداكَ ما أَصِلُ بِهِ إِلَى التَّوْفيقِ في عَمَلي، إِنَّكَ مَنّانٌ كَريمٌ.