فهرس الصحيفة

مكتبة الإمام زين العابدين (ع)

 

43 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ إِذا نَظَرَ إِلَى الْهِلالِ

أَيُّهَا الْخَلْقُ الْمُطيعُ الدّائِبُ السَّريعُ، الْمُتَرَدِّدُ في مَنازِلِ التَّقْديرِ، الْمُتَصَرِّفُ في فَلَكِ التَّدْبيرِ. آمَنْتُ بِمَنْ نَوَّرَ بِكَ الظُّلَمَ، وَأَوْضَحَ بِكَ الْبُهَمَ، وَجَعَلَكَ آيَةً مِنْ آياتِ مُلْكِهِ، وَعَلامةً مِنْ عَلاماتِ سُلْطانِهِ، وَامْتَهَنَكَ بِالزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ، وَالطُّلُوعِ وَالاُْفُولِ، وَالاِْنارَةِ وَالْكُسُوفِ، في كُلِّ ذلِكَ أَنْتَ لَهُ مُطيعٌ، وَإِلى إِرادَتِهِ سَريعٌ.

سُبْحانَهُ ما أَعْجَبَ ما دَبَّرَ في أَمْرِكَ، وَأَلْطَفَ ما صَنَعَ في شَأْنِكَ! جَعَلَكَ مِفْتاحَ شَهْر حادِث لاَِمْر حادِث.

فَأَسْاَلُ اللّهَ رَبّي وَرَبَّكَ، وَخالِقي وَخالِقَكَ، وَمُقَدِّري وَمُقَدِّرَكَ، وَمُصَوِّري وَمُصوِّرَكَ، أَنْ يُصَلِّىَ عَلى مُحَمَّد وَآلِه، وَأَنْ يَجْعَلَكَ هِلالَ بَرَكَة لا تَمْحَقُهَا الاَْيّامُ، وَطَهارَة لا تُدَنِّسُهَا الاْثامُ، هِلالَ أَمْن مِنَ الاْفاتِ، وَسَلامَة مِنَ السَّيِّئاتِ، هِلالَ سَعْد لا نَحْسَ فيهِ، وَيُمْن لانَكَدَ مَعَهُ، وَيُسْر لا يُمازِجُهُ عُسْرٌ،

وَخَيْر لايَشُوبُهُ شَرٌّ، هِلالَ أَمْن وَإِيمان، وَنِعْمَة وَإِحْسان، وَسَلامَة وَ إِسْلام.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَرْضى مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَزْكى مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ، وَأَسْعَدَ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فيهِ، وَوَفِّقْنا فيهِ لِلتَّوْبَةِ، وَاعْصِمْنا فيهِ مِنَ الْحَوْبَةِ، وَاحْفَظْنا فيهِ مِنْ مُباشَرَةِ مَعْصِيَتِكَ، وَأَوْزِعْنا فيهِ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَلْبِسْنا فيهِ جُنَنَ الْعافِيَةِ، وَأَتْمِمْ عَلَيْنا بِاسْتِكْمالِ طاعَتِكَ فيهِ الْمِنَّةَ، إِنَّكَ الْمَنّانُ الْحَميدُ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ. 

44 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ إِذا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضانَ

اَلْحَمدُ لِلّهِ الَّذي هَدانا لِحَمْدِهِ، وَجَعَلَنا مِنْ أَهْلِهِ، لِنَكُونَ لاِِحْسانِهِ مِنَ الشّاكِرينَ، وَلِيَجْزِيَنا عَلى ذلِكَ جَزَاءَ الْمُحْسِنينَ.

وَالْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي حَبانا بِدينِهِ، وَاخْتَصَّنا بِمِلَّتِهِ، وَسَبَّلَنا في سُبُلِ إِحْسانِهِ، لِنَسْلُكَها بِمَنِّهِ إِلى رِضْوانِهِ، حَمْداً يَتَقَبَّلُهُ مِنّا، وَيَرْضى بِهِ عَنّا.

وَالْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ، شَهْرَ رَمَضانَ، شَهْرَ الصِّيامِ، وَشَهْرَ الاِْسْلامِ، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ التَّمْحيصِ، وَشَهْرَ الْقِيامِ (الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ).

فَأَبانَ فَضيلَتَهُ عَلى سائِرِ الشُّهُورِ، بِما جَعَلَ لَهُ مِنَ الْحُرُماتِ الْمَوْفُورَةِ، وَالْفَضائِلِ الْمَشْهُورَةِ، فَحَرَّمَ فيهِ ما أَحَلَّ في غَيْرِهِ إِعْظاماً، وَحَجَرَ فيهِ الْمَطاعِمَ وَالْمَشارِبَ إِكْراماً، وَجَعَلَ لَهُ وَقْتاً

بَيِّناً، لايُجيزُ جَلَّ وَ عَزَّ أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ، وَلا يَقْبَلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ.

ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَياليهِ عَلى لَيالي أَلْفِ شَهْر، وَسَمّاها لَيْلَةَ الْقَدْرِ (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر ) سَلامٌ دائِمُ الْبَرَكَةِ إِلى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بِما أَحْكَمَ مِنْ قَضائِهِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ، وَإِجْلالَ حُرْمَتِهِ، وَالتَّحَفُّظَ مِمّا حَظَرْتَ فيهِ، وَأَعِنّا عَلى صِيامِهِ بِكَفِّ الْجَوارِحِ عَنْ مَعاصيكَ، وَاسْتِعْمالِها فيهِ بِما يُرْضيكَ، حَتّى لا نُصْغِىَ بِأَسْماعِنا إِلى لَغْو، وَلا نُسْرِعَ بِأَبْصارِنا إِلى لَهْو، وَحَتّى لانَبْسُطَ أَيْدِيَنا إِلى مَحْظُور، وَلا نَخْطُوَ بِأَقْدامِنا إِلى مَحْجُور، وَحَتّى لاتَعِىَ بُطُونُنا إِلاّ ما أَحْلَلْتَ، وَلا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنا إِلاّ بِما مَثَّلْتَ، وَلا نَتَكَلَّفَ إِلاّ ما يُدْني مِنْ ثَوابِكَ، وَلا نَتَعاطى إِلاّ الَّذي يَقي مِنْ عِقابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِياءِ الْمُرائينَ، وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعينَ، لانُشْرِكُ فيهِ أَحَداً دُونَكَ، وَلا نَبْتَغي بِهِ مُراداً سِواكَ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَقِفْنا فيهِ عَلى مَواقيتِ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ بِحُدُودِهَا الَّتي حَدَّدْتَ، وَفُرُوضِهَا الَّتي فَرَضْتَ، وَوَظائِفِهَا الَّتي وَظَّفْتَ، وَأَوْقاتِهَا الَّتي وَقَّتَّ. وَأَنْزِلْنا

فيها مَنْزِلَةَ الْمُصِيبينَ لِمَنازِلِهَا، الْحافِظينَ لاَرْكانِهَا، الْمُؤَدّينَ لَها في أَوْقاتِها عَلى ما سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ في رُكُوعِها وَسُجُودِها، وَجَميعِ فَواضِلِها عَلى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ، وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ.

وَوَفِّقْنا فيهِ لاَنْ نَصِلَ أَرْحامَنا بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَأَنْ نَتَعاهَدَ جيرانَنا بِالاِْفْضالِ وَالْعَطِيَّةِ، وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوالَنا مِنَ التَّبِعاتِ، وَأَنْ نُطَهِّرَها بِإِخْراجِ الزَّكَواتِ، وَأَنْ نُراجِعَ مَنْ هاجَرَنا، وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنا، وَأَنْ نُسالِمَ مَنْ عادانا، حاشا مَنْ عُودِىَ فيكَ وَلَكَ، فَإِنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذي لانُواليهِ، وَالْحِزْبُ الَّذي لانُصافيهِ، وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَيْكَ فيهِ مِنَ الاَْعْمالِ الزّاكِيَةِ بِما تُطَهِّرُنا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَتَعْصِمُنا فيهِ مِمّا نَسْتَأَنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ، حَتّى لا يُورِدَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ مَلائِكَتِكَ إِلاّ دُونَ ما نورِدُ مِنْ أَبْوابِ الطّاعَةِ لَكَ، وَأَنْواعِ الْقُرْبَةِ إِلَيْكَ.

أَللّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذَا الشَّهْرِ، وَبِحَقِّ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فيهِ مِنِ ابْتِدائِهِ إِلى وَقْتِ فَنائِهِ، مِنْ مَلَك قَرَّبْتَهُ، أَوْ نَبِىٍّ أَرْسَلْتَهُ، أَوْ عَبْد صالِح اخْتَصَصْتَهُ، أَنْ تُصَلِّىَ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَهِّلْنا فيهِ لِما وَعَدْتَ أَوْلِياءَكَ مِنْ كَرامَتِكَ، وَأَوْجِبْ لَنا فيهِ ما أَوْجَبْتَ لاَِهْلِ الْمُبالَغَةِ في طاعَتِكَ، وَاجْعَلْنا في نَظْمِ مَنِ اسْتَحَقَّ الرَّفيعَ الاَْعْلى بِرَحْمَتِكَ. 

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَجَنِّبْنَا الاِْلْحادَ في تَوْحيدِكَ، وَالتَّقْصيرَ في تَمْجيدِكَ، وَالشَّكَّ في دينِكَ، والْعَمى عَنْ سَبيلِكَ، وَالاِْغْفالَ لِحُرْمَتِكَ، وَالاِْنْخِداعَ لِعَدُوِّكَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَإِذا كانَ لَكَ في كُلِّ لَيْلَة مِنْ لَيالي شَهْرِنا هذا رِقابٌ يُعْتِقُها عَفْوُكَ، أَوْ يَهَبُها صَفْحُكَ، فَاجْعَلْ رِقابَنا مِنْ تِلْكَ الرِّقابِ، وَاجْعَلْنا لِشَهْرِنا مِنْ خَيْرِ أَهْل وَأَصْحاب.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَامْحَقْ ذُنُوبَنا مَعَ إِمْحاقِ هِلالِهِ، وَاسْلَخْ عَنّا تَبِعاتِنا مَعَ انْسِلاخِ أَيّامِهِ، حَتّى يَنْقَضِىَ عَنّا وَقَدْ صَفَّيْتَنا فيهِ مِنْ الْخَطيئاتِ، وَأَخْلَصْتَنا فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَإِنْ مِلْنا فيهِ فَعَدِّلْنا، وَإِنْ زُغْنا فيهِ فَقَوِّمْنا، وَإِنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنا عَدُوُّكَ الشَّيْطانُ فَاسْتَنْقِذْنا مِنْهُ.

أَللّهُمَّ اشْحَنْهُ بِعِبادَتِنا إِيّاكَ، وَزَيِّنْ أَوْقاتَهُ بِطاعَتِنا لَكَ، وَأَعِنّا في نَهارِهِ عَلى صِيامِهِ، وَفي لَيْلِهِ عَلَى الصَّلاةِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْكَ، وَالْخُشُوعِ لَكَ، وَالذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ، حَتّى لا يَشْهَدَ نَهارُهُ عَلَيْنا بِغَفْلَة، وَلا لَيْلُهُ بِتَفْريط. 

أَللّهُمَّ وَاجْعَلْنا في سائِرِ الشُّهُورِ وَالاَْيّامِ كَذلِكَ ماعَمَّرْتَنا، وَاجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ (الَّذينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فيهَا خَالِدُونَ)، (وَالَّذينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) وَمِنَ الَّذينَ (يُسارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ).

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ في كُلِّ وَقْت وَكُلِّ أَوان، وَعَلى كُلِّ حال، عَدَدَ ما صَلَّيْتَ عَلى مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ، وَأَضْعافَ ذلِكَ كُلِّهِ بِالاَْضْعافِ الَّتي لا يُحْصيها غَيْرُكَ، إِنَّكَ فَعّالٌ لِما تُريدُ. 

45 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ في وِداعِ شَهْرِ رَمَضانَ

أَللّهُمَّ يا مَنْ لا يَرْغَبُ فِي الْجَزاءِ، وَيَا مَنْ لا يَنْدَمُ عَلَى الْعَطاءِ، وَيا مَنْ لا يُكافِئُ عَبْدَهُ عَلَى السَّواءِ، مِنَّتُكَ ابْتِداءٌ، وَعَفْوُكَ تَفَضُّلٌ، وَعُقُوبَتُكَ عَدْلٌ، وَقَضاؤُكَ خِِيَرَةٌ، إِنْ أَعْطَيْتَ لَمْ تَشُبْ عَطاءَكَ بِمَنٍّ، وَإِنْ مَنعْتَ لَمْ يَكُنْ مَنْعُكَ تَعَدِّياً، تَشْكُرُ مَنْ شكَرَكَ وَأَنْتَ أَلْهَمْتَهُ شُكْرَكَ، وَتُكافِئُ مَنْ حَمِدَكَ وَأَنْتَ عَلَّمْتَهُ حَمْدَكَ، وَتَسْتُرُ عَلى مَنْ لَوْ شِئْتَ فَضَحْتَهُ، وَتَجُودُ عَلى مَنْ لَوْ شِئْتَ مَنَعْتَهُ، وَكِلاهُما أَهْلٌ مِنْكَ لِلْفَضيحَةِ وَالْمَنْعِ، غَيْرَ أَنَّكَ بَنَيْتَ أَفَعالَكَ عَلَى التَّفَضُّلِ، وَأَجْرَيْتَ قُدْرَتَكَ عَلَى التَّجاوُزِ، وَتَلَقَّيْتَ مَنْ عَصاكَ بِالْحِلْمِ، وَأَمْهَلْتَ مَنْ قَصَدَ لِنَفْسِهِ بِالظُّلْمِ، تَستَنْظِرُهُمْ بِأَناتِكَ إِلَى الاِْنابَةِ، وتَتْرُكُ مُعاجَلَتَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ، لِكَيْلا يَهْلِكَ

عَلَيْكَ هالِكُهُمْ، وَلا يَشْقى بِنِعْمَتِكَ شَقِيُّهُمْ، إِلاّ عَنْ طُولِ الاِْعْذارِ إِلَيْهِ، وَبَعْدَ تَرادُفِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، كَرَماً مِن عَفْوِكَ يا كَريمُ، وَعائِدَةً مِنْ عَطْفِكَ يا حَليمُ.

أَنْتَ الَّذي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ باباً إِلى عَفْوِكَ وَسَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، وَجَعَلْتَ عَلى ذلِكَ الْبابِ دَليلاً مِنْ وَحْيِكَ لِئَلاّ يَضِلُّوا عَنْهُ، فَقُلْتَ تَبارَكَ اسْمُكَ: (تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنّات تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِىَّ وَالَّذين آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْديهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ).

فَما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ ذلِكَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ فَتْحِ الْبابِ، وَإِقامَةِ الدَّليلِ؟

وَأَنْتَ الَّذي زِدْتَ فِي السَّوْمِ عَلى نَفْسِكَ لِعِبادِكَ، تُريدُ رِبْحَهُمْ في مُتاجَرَتِهمْ لَكَ، وَفَوْزَهُمْ بِالْوِفادَةِ عَلَيْكَ وَالزِّيادَةِ

مِنْكَ، فَقُلْتَ تَبارَكَ اسْمُكَ وَتَعالَيْتَ: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها) وَقُلْت: (مَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَة ماِئَةُ حَبَّة وَاللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ )وَقُلْتَ: (مَنْ ذَا الَّذي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثيرَةً).

وَما أَنْزَلْتَ مِن نَظائِرِهِنَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَضاعِيفِ الْحَسَناتِ.

وَأَنْتَ الَّذي دَلَلْتَهُمْ بِقَوْلِكَ مِنْ غَيْبِكَ، وَتَرْغيبِكَ الَّذي فيهِ حَظُّهُمْ عَلى ما لَوْ سَتَرْتَهُ عَنْهُمْ لَمْ تُدْرِكْهُ أَبْصارُهُمْ، وَلَمْ تَعِهِ أَسْماعُهُمْ، وَلَمْ تَلْحَقْهُ أَوْهامُهُمْ، فَقُلْتَ: (اذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لي وَلا تَكْفُرُونِ) وَقُلْتَ: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ) وَقُلْتَ: (ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ  داخِرينَ ). 

فَسَمَّيْتَ دُعاءَكَ عِبادَةً، وَتَرْكَهُ اسْتِكْباراً، وَتَوَعَّدْتَ عَلى تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ داخِرينَ. فَذَكَرُوكَ بِمَنِّكَ، وَشَكَرُوكَ بِفَضْلِكَ، وَدَعَوْكَ بِأَمْرِكَ، وَتَصَدَّقُوا لَكَ طَلَباً لِمَزيدِكَ، وَفيها كانَتْ نَجاتُهُمْ مِنْ غَضَبِكَ، وَفَوْزُهُمْ بِرِضاكَ.

وَلَوْ دَلَّ مَخْلُوقٌ مَخْلُوقاً مِنْ نَفْسِهِ عَلى مِثْلِ الَّذي دَلَلْتَ عَلَيْهِ عِبادَكَ مِنْكَ، كانَ مَوْصُوفاً بِالاِْحْسانِ، وَمَنْعُوتاً بِالاِْمْتِنانِ، وَمَحْمُوداً بِكُلِّ لِسان، فَلَكَ الْحَمْدُ ما وُجِدَ في حَمْدِكَ مَذْهَبٌ، وَما بَقِي لِلْحَمْدِ لَفْظٌ تُحْمَدُ بِهِ، وَمَعْنىً  يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ.

يا مَنْ تَحَمَّدَ إِلى عِبادِهِ بِالاِْحْسانِ وَالْفَضْلِ، وَغَمَرَهُمْ بِالْمَنِّ وَالطَّوْلِ، ما أَفْشى فينا نِعْمَتَكَ؟ وَأَسْبَغَ عَلَيْنا مِنَّتَكَ؟ وَأَخَصَّنا بِبِرِّكَ؟ هَدَيْتَنا لِدينِكَ الَّذي اصْطَفَيْتَ، وَمِلَّتِكَ الَّتِي ارْتَضَيْتَ، وَسَبيلِكَ الَّذي سَهَّلْتَ، وَبَصَّرْتَنَا الزُّلْفَةَ لَدَيْكَ، وَالْوُصُولَ إِلى كَرامَتِكَ.

أَللّهُمَّ وَأَنْتَ جَعَلْتَ مِنْ صَفايا تِلْكَ الْوَظائِفِ، وَخَصائِصِ تِلْكَ الْفُرُوضِ، شَهْرَ رَمَضانَ الَّذِي اخْتَصَصْتَهُ مِنْ سائِرِ الشُّهُورِ، وَتَخَيَّرْتَهُ مِنْ جَميعِ الاَْزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ، وَآثَرْتَهُ عَلى كُلِّ أَوْقاتِ

السَّنَةِ بِما أَنْزَلْتَ فيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالنُّورِ، وَضاعَفْتَ فيهِ مِنَ الاِْيمانِ، وَفَرَضْتَ فيهِ مِنَ الصِّيامِ، وَرَغَّبْتَ فيهِ مِنَ الْقِيامِ، وَأَجْلَلْتَ فيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتي هِىَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر. ثُمَّ آثَرْتَنا بِهِ عَلى سائِرِ الاُْمَمِ، وَاصْطَفَيْتَنا بِفَضْلِهِ دُونَ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَصُمْنا بِأَمْرِكَ نَهارَهُ، وَقُمْنا بِعَوْنِكَ لَيْلَهُ، مُتَعَرِّضينَ بِصِيامِهِ وَقِيامِهِ لِما عَرَّضْتَنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَتَسَبَّبْنا إِلَيْهِ مِنْ مَثُوْبَتِكَ. وَأَنْتَ الْمَليءُ بِما رُغِبَ فيهِ إِلَيْكَ، الْجَوادُ بِما سُئِلْتَ مِنْ فَضْلِكَ، الْقَريبُ إِلى مَنْ حاوَلَ قُرْبَكَ.

وَقَدْ أَقامَ فينا هذَا الشَّهْرُ مَقامَ حَمْد، وَصَحِبَنا صُحْبَةَ مَبْرُور، وَأَرْبَحَنا أَفْضَلَ أَرْباحِ الْعالَمينَ، ثُمَّ قَدْ فارَقَنا عِنْدَ تَمامِ وَقْتِهِ وَانْقِطاعِ مُدَّتِهِ، وَ وَفاءِ عَدَدِهِ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وَداعَ مَنْ عَزَّ فِراقُهُ عَلَيْنا، وَغَمَّنا وَأَوْحَشَنَا انْصِرافهُ عَنّا، وَلَزِمَنا لَهُ الذِّمامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّهُّ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِىُّ، فَنَحْنُ قائِلُونَ:

أَلسَّلامُ عَليْكَ يا شَهْرَ اللّهِ الاَْكْبَرَ، وَ يا عيدَ أَوْلِيائِهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَكْرَمَ مَصْحُوب مِنَ الاَْوْقاتِ، وَيا خَيْرَ شَهْر فِي الاَْيّامِ وَالسّاعاتِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر قَرُبَتْ فيهِ الامالُ، وَنُشِرَتْ فيهِ الاَْعْمالُ. 

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ قَرين جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِراقُهُ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ أَليف آنَسَ مُقْبِلاً فَسَرَّ، وَأَوْحَشَ مُنْقَضِياً فَمَضَّ .

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ مُجاوِر رَقَّتْ فيهِ الْقُلُوبُ، وَقَلَّتْ فيهِ الذُّنُوبُ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِن ناصِر أَعانَ عَلَى الشَّيْطانِ، وَصاحِب سَهَّلَ سُبُلَ الاِْحْسانِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ ما أَكْثَرَ عُتَقاءَ اللّهِ فيكَ، وَما أَسْعَدَ مَنْ رَعى حُرْمَتَكَ بِكَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ ما كانَ أَمْحاكَ لِلذُّنُوبِ، وَأَسْتَرَكَ لاَِنْواعِ الْعُيُوبِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ ما كانَ أَطْوَلَكَ عَلَى الْمُجْرِمينَ، وَأَهْيَبَكَ في صُدُورِ الْمُؤْمِنينَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر لا تُنافِسُهُ الاَْيّامُ.

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر هُوَ مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامُ.

السَّلامُ عَلَيْكَ غَيْرَ كَرِيهِ الْمُصاحَبَةِ، وَلا ذَميمِ الْمُلابَسَةِ .

السَّلامُ عَلَيْكَ كَما وَفَدْتَ عَلَيْنا بِالْبَرَكاتِ، وَغَسَلْتَ عَنّا دَنَسَ الْخَطيئاتِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّع بَرَماً، وَلا مَتْرُوك صِيامُهُ سَأَماً. 

السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ مَطْلُوب قَبْلَ وَقْتِهِ، وَمَحْزُون عَلَيْهِ  قَبْلَ فَوْتِهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ كَمْ مِنْ سُوء صُرِفَ بِكَ عَنّا، وَكَمْ مِنْ خَيْر أُفيضَ بِكَ عَلَيْنا.

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلى لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتي هِىَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر.

السَّلامُ عَلَيْكَ ما كانَ أَحْرَصَنا بِالاَْمْسِ عَلَيْكَ، وَأَشَدَّ شَوْقَنا غَداً إِلَيْكَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلى فَضْلِكَ الَّذي حُرِمْناهُ، وَعَلى ماض مِنْ بَرَكاتِكَ سُلِبْناهُ.

أَللّهُمَّ إِنّا أَهْلُ هذَا الشَّهْرِ الَّذي شَرَّفْتَنا بِهِ، وَوَفَّقْتَنا بِمَنِّكَ لَهُ، حينَ جَهِلَ الاَْشْقِياءُ وَقْتَهُ، وَحُرِمُوا لِشَقائِهِمْ فَضْلَهُ، وَأَنْتَ وَلِىُّ ما آثَرْتَنا بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَهَدَيْتَنا لَهُ مِنْ سُنَّتِهِ، وَقَدْ تَوَلَّيْنا بِتَوْفيقِكَ صِيامَهُ وَقِيامَهُ عَلى تَقْصير، وَأَدَّيْنا فيهِ قَليلاً مِنْ كَثير.

أَللّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ إِقْراراً بِالاِْساءَةِ، وَاعْتِرافاً بِالاِْضاعَةِ، وَلَكَ مِنْ قُلُوبِنا عَقْدُ النَّدَمِ، وَمِنْ أَلْسِنَتِنا صِدْقُ الاِْعْتِذارِ، فَأْجُرْنا عَلى ما أصابَنا فيهِ مِنَ التَّفْريطِ، أجْراً نَسْتَدْرِكُ بِهِ الْفَضْلَ الْمَرْغُوبَ فيهِ، وَنَعْتاضُ بِهِ مِنْ أَنْواعِ الذُّخْرِ الْمَحْرُوصِ عَلَيْهِ، وَأَوْجِبْ لَنا عُذْرَكَ عَلى ماقَصَّرْنا فيهِ مِنْ حَقِّكَ، وَابْلُغْ بِأَعْمارِنا ما بَيْنَ أَيْدينا مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ الْمُقْبِلِ، فَإِذا بَلَّغْتَناهُ فَأَعِنّا عَلى تَناوُلِ ما أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْعِبادَةِ، وَأَدِّنا إِلَى الْقِيامِ بِما

يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَ أَجْرِلَنا مِنْ صالِحِ الْعَمَلِ ما يَكونُ دَرَكاً لِحَقِّكَ فِي الشَّهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ الدَّهْرِ.

أَللّهُمَّ وَما أَلْمَمْنا بِهِ في شَهْرِنا هذا مِنْ لَمَم أَوْ إِثْم، أَوْ واقَعْنا فيهِ مِنْ ذَنْب وَاكْتَسَبْنا فيهِ مِنْ خَطيئَة عَلى تَعَمُّد مِنّا، أَوْ عَلى نِسْيان ظَلَمْنا فيهِ أَنْفُسَنا، أَوِ انْتَهَكْنا بِهِ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِنا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاسْتُرْنا بِسِتْرِكَ، وَاعْفُ عَنّا بِعَفْوِكَ، وَلا تَنْصِبْنا فيهِ لاَِعْيُنِ الشّامِتينَ، وَلا تَبْسُطْ عَلَيْنا فيهِ أَلْسُنَ الطّاعِنينَ، وَاسْتَعْمِلْنا بِما يَكُونُ حِطَّةً وَكَفّارَةً لِما أَنَكَرْتَ مِنّا فيهِ، بِرَأْفَتِكَ الَّتي لا تَنْفَدُ، وَفَضْلِكَ الَّذي لا يَنْقُصُ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاجْبُرْ مُصيبَتَنا بِشَهْرِنا، وَبارِكْ لَنا في يَوْمِ عيدِنا وَفِطْرِنا، وَاجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْم مَرَّ عَلَيْنا، أَجْلَبِهِ لِعَفْو، وَأَمْحاهُ لِذَنْب، وَاغْفِرْ لَنا ماخَفِىَ مِنْ ذُنُوبِنا وَما عَلَنَ.

أَللّهُمَّ اسْلَخْنا بِانْسِلاخِ هذَا الشَّهْرِ مِنْ خَطايانا، وَأَخْرِجْنا بِخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئاتِنا، وَاجْعَلْنا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ، وَأَجْزَلِهِمْ قِسْماً فيهِ، وَأَوْفَرِهِمْ حَظّاً مِنْهُ.

أَللّهُمَّ وَمَنْ رَعى حَقَّ هذَا الشَّهْرِ حَقَّ رِعايَتِهِ، وَحَفِظَ حُرْمَتَهُ حَقَّ حِفْظِها، وَقامَ بِحُدُودِهِ حَقَّ قِيامِها، وَاتَّقى ذُنُوبَهُ حَقَّ تُقاتِها، أَوْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ بِقُرْبَة أَوْجَبَتْ رِضاكَ لَهُ، وَعَطَفَتْ

رَحْمَتَكَ عَلَيْهِ، فَهَبْ لَنا مِثْلَهُ مِنْ وُجْدِكَ، وَأَعْطِنا أَضْعافَهُ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّ فَضْلَكَ لايَغيضُ، وَإِنَّ خَزائِنَكَ لا تَنْقُصُ بَلْ تَفيضُ، وَإِنَّ مَعادِنَ إِحْسانِكَ لاتَفْنى، وَإِنَّ عَطاءَكَ لَلْعَطاءُ الْمُهَنّا.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاكْتُبْ لَنا مِثْلَ أُجُورِ مَنْ صامَهُ أَوْ تَعَبَّدَ لَكَ فيْهِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

أَللّهُمَّ إِنّا نَتُوبُ إِلَيْكَ في يَوْمِ فِطْرِنَا الَّذي جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنينَ عيداً وَسُرُوراً، وَلاَِهْلِ مِلَّتِكَ مَجْمَعاً وَمُحْتَشَداً، مِنْ كُلِّ ذَنْب أَذْنَبْناهُ، أَوْ سُوء أَسْلَفْناهُ، أَوْ خاطِرِ شَرٍّ أَضْمَرْناهُ، تَوْبَةَ مَنْ لايَنْطَوي عَلى رُجُوع إِلى ذَنْب، وَلا يَعُودُ بَعْدَها في خَطيئَة، تَوْبَةً نَصُوحاً خَلَصَتْ مِنَ الشَّكِّ وَالاِْرْتِيابِ، فَتَقَبَّلْها مِنّا، وَارْضَ عَنّا، وَثَبِّتْنا عَلَيْها.

أَللّهُمَّ ارْزُقْنا خَوْفَ عِقابِ الْوَعيدِ، وَشَوْقَ ثَوابِ الْمَوْعُودِ، حَتّى نَجِدَ لَذَّةَ ما نَدْعُوكَ بِهِ، وَكَأْبَةَ ما نَسْتَجيرُكَ مِنْهُ، وَاجْعَلْنا عِنْدَكَ مِنَ التَّوّابينَ الَّذينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ، وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مُراجَعَةَ طاعَتِكَ، يا أَعْدَلَ الْعادِلينَ. 

أَللّهُمَّ تَجاوَزْ عَنْ آبائِنا وَأُمَّهاتِنا وَأهْلِ دينِنا جَميعاً، مَنْ سَلَفَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَبَرَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد نَبِيِّنا وَآلِهِ كَما صَلَّيْتَ عَلى مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَما صَلَّيْتَ عَلى أَنْبِيائِكَ الْمُرْسَلينَ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَما صَلَّيْتَ عَلى عِبادِكَ الصّالِحينَ، وَأَفْضَل مِنْ ذلِكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ، صَلاةً تَبْلُغُنا بَرَكَتُها، وَيَنالُنا نَفْعُها، وَيُسْتَجابُ لَها دُعاؤُنا، إِنَّكَ أَكْرَمُ مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ، وَأَكْفى مَنْ تُوُ كِّلَ عَلَيْهِ، وَأَعْطى مَنْ سُئِلَ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ.  

46 وَكانَ مِنْ دُعائِهِ  عَلَيْهِ السَّلامُ في يَوْمِ الْفِطْرِ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلوتِهِ قامَ قائِمًا

ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَفي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقالَ:

يا مَنْ يَرْحَمُ مَنْ لا يَرْحَمُهُ الْعِبادُ، وَيا مَنْ يَقْبَلُ مَنْ لا تَقْبَلُهُ الْبِلادُ، وَيا مَنْ لا يَحْتَقِرُ أَهْلَ الْحاجَةِ إِلَيْهِ، وَيا مَنْ لا يُخَيِّبُ الْمُلِحِّينَ عَلَيْهِ، وَيا مَنْ لا يَجْبَهُ بِالرَّدِّ أَهْلَ الدّالَّةِ عَلَيْهِ، وَيا مَنْ يَجْتَبي صَغِيرَ ما يُتْحَفُ بِهِ، وَيَشْكُرُ يَسيرَ ما يُعْمَلُ لَهُ، وَيا مَنْ يَشْكُرُ عَلَى الْقَليلِ، وَيُجازِي بِالْجَليلِ، وَيا مَنْ يَدْنُو إِلى مَنْ دَنا مِنْهُ، وَيا مَنْ يَدْعُو إِلى نَفْسِهِ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ، وَيا مَنْ لا يُغَيِّرُ النِّعْمَةَ، وَلا يُبادِرُ بِالنَّقِمَةِ، وَيا مَنْ يُثْمِرُ الْحَسَنَةَ حَتّى يُنَمِّيَها، وَيَتَجاوَزُ عَنِ السَّيِئَةِ حَتّى يُعَفِّيَهَا، انْصَرَفَتِ الامالُ دونَ مَدى كَرَمِكَ بِالْحاجاتِ، وَامْتَلاََتْ بِفَيْضِ جُودِكَ أَوْعِيَةُ الطَّلِباتِ، وَتَفَسَّخَتْ دوُنَ بُلُوغِ نَعْتِكَ الصِّفاتُ. فَلَكَ الْعُلُوُّ الاَْعْلى فَوْقَ كُلِّ عال، وَالْجَلالُ الاَْمْجَدُ فَوْقَ كُلِّ جَلال، كُلُّ جَليل عِنْدَكَ صَغيرٌ، وَكُلُّ شَرِيف في جَنْبِ شَرَفِكَ حَقيرٌ.

خابَ الْوافِدُونَ عَلى غَيْرِكَ، وَخَسِرَ الْمُتَعَرّضونَ إِلاّ لَكَ، وَضاعَ الْمُلِمُّونَ إِلاّ بِكَ، وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ إِلاّ مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ.

بابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرّاغِبينَ، وَجُودُكَ مُباحٌ لِلسّائِلينَ، وَإِغاثَتُكَ قَريبَةٌ مِنَ الْمُسْتَغيثينَ، لايَخيبُ مِنْكَ الاْمِلُونَ، وَلا يَيْأَسُ مِنْ عَطائِكَ الْمُتَعَرِّضونَ، وَلا يَشْقى بِنِقْمَتِكَ الْمُسْتَغْفِرُونَ.

رِزْقُكَ مَبْسوطٌ لِمَنْ عَصاكَ، وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ ناواكَ. عادَتُكَ الاِْحْسانُ إِلَى الْمُسيئينَ، وَسُنَّتُكَ الاِْبْقاءُ عَلَى الْمُعْتَدينَ، حَتّى لَقَدْ غَرَّتْهُمْ أَناتُكَ عَنِ الرُّجُوعِ، وَصَدَّهُمْ إِمْهالُكَ عَنِ النُّزُوعِ، وَإِنَّما تَأَنَّيْتَ بِهِمْ لِيَفيئوا إِلى أَمْرِكَ، وَأَمْهَلْتَهُمْ ثِقَةً بِدَوامِ مُلْكِكَ، فَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ خَتَمْتَ لَهُ بِها، وَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقاوَةِ خَذَلْتَهُ لَها، كُلُّهُمْ صائِرُونَِ إِلى حُكْمِكَ، وَأُمُورُهُمْ آئِلَةٌ إِلى أمْرِكَ، لَمْ يَهِنْ عَلى طولِ مُدَّتِهِمْ سُلْطانُكَ، وَلَمْ يُدْحَضْ لِتَرْكِ مُعاجَلَتِهِمْ بُرْهانُكَ.

حُجَّتُكَ قائِمَةٌ لا تُدْحَضُ، وَسُلْطانُكَ ثابِتٌ لا يَزُولُ، فَالْوَيْلُ الدّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ عَنْكَ، وَالْخَيْبَةُ الخاذِلَةُ لِمَنْ خابَ مِنْكَ، وَالشَّقاءُ الاَْشْقى لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ، ما أَكْثَرَ تَصَرُّفَهُ في عَذابِكَ؟ وَما أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ في عِقابِكَ؟ وَما أَبْعَدَ غايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ؟ وَما أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ؟ عَدْلاً مِنْ قَضائِكَ لا تَجُورُ فيهِ، وَإِنْصافاً مِنْ حُكْمِكَ لا تَحيفُ عَلَيْهِ. فَقَدْ ظاهَرْتَ الْحُجَجَ، وَأَبْلَيْتَ الاَْعْذارَ، وَقَدْ تَقَدَّمْتَ بِالْوَعيدِ، وَتَلَطَّفْتَ فِي التَّرْغيبِ، وَضَرَبْتَ الاَْمْثالَ، وَأَطَلْتَ الاِْمْهالَ، وَأَخَّرْتَ وَأَنْتَ مُسْتَطيعٌ لِلْمُعاجَلَةِ، وَتَأَنَّيْتَ وَأَنْتَ مَلِيءٌ بِالْمُبادَرَةِ، لَمْ تَكُنْ أَناتُكَ عَجْزاً، وَلا إِمْهالُكَ وَهْناً، وَلا إِمْساكُكَ غَفْلَةً، وَلاَ انْتِظارُكَ مُداراةً، بَلْ لِتَكُونَ حُجَّتُكَ أَبْلَغَ، وَكَرَمُكَ أَكْمَلَ، وَإِحْسانُكَ أَوْفى، وَنِعْمَتُكَ أَتَمَّ، كُلُّ ذلِكَ كانَ وَلَمْ تَزَلْ، وَهُوَ كائِنٌ وَلا تَزالُ.

حُجَّتُكَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تُوصَفَ بِكُلِّها، وَمَجْدُكَ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ يُحَدَّ بِكُنْهِهِ، وَنِعْمَتُكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصى بِأَسْرِها، وَإِحْسانُكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُشْكَرَ عَلى أَقَلِّهِ، وَقَدْ قَصَّرَ بِىَ السُّكُوتُ عَنْ تَحْميدِكَ، وَفَهَّهَنِي الاِْمْساكُ عَنْ تَمْجيدِكَ، وَقُصاراىَ الاِْقْرارُ

بِالْحُسُورِ، لا رَغْبَةً يا إِلهي بَلْ عَجْزاً، فَها أَنَا ذا أَؤُمُّكَ بِالْوِفادَةِ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ الرِّفادَةِ.

فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاسْمَعْ نَجْواىَ، وَاسْتَجِبْ دُعائي، وَلا تَخْتِمْ يَوْمي بِخَيْبَتي، وَلا تَجْبَهْني بِالرَّدِّ في مَسْأَلَتي، وَأَكْرِمْ مِنْ عِنْدِكَ مُنْصَرَفي، وَإِلَيْكَ مُنْقَلَبي، إِنَّكَ غَيْرُ ضائِق بِما تُريدُ، وَلا عاجِز عَمّا تُسْأَلُ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ الْعَلِىِّ الْعَظيمِ.