48
وَكانَ
مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
يَوْمَ الاَْضْحى وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ
أَللّهُمَّ هذا يَوْمٌ مُبارَكٌ مَيْمُونٌ، وَالْمُسْلِمُونَ فيهِ مُجْتَمِعُونَ في أَقْطارِ أَرْضِكَ، يَشْهَدُ السّائِلُ مِنْهُمْ، وَالطّالِبُ وَالرّاغِبُ وَالرّاهِبُ، وَأَنْتَ النّاظِرُ في حَوائِجِهِمْ، فَأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، وَهَوانِ ما سَأَلْتُكَ عَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّىَ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ. وَأَسْأَلُكَ اللّهُمَّ رَبَّنا بِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَلَكَ الْحَمْدَ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الْحَليمُ الْكَريمُ، الْحَنّانُ الْمَنّانُ، ذُو الْجَلالِ وَالاِْكْرامِ، بَديعُ السّماواتِ وَالاَْرْضِ، مَهْما قَسَمْتَ بَيْنَ عِبادِكَ الْمُؤْمِنينَ مِنْ خَيْر أَوْ عافِيَة، أَوْ بَرَكَة، أَوْ هُدىً، أَوْ عَمَل بِطاعَتِكَ، أَوْ خَيْر تَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، تَهْديهِمْ بِهِ إِلَيْكَ، أَوْ تَرْفَعُ لَهُمْ عِنْدكَ دَرَجَةً، أَوْ تُعْطيهِمْ بِهِ خَيْراً مِنْ خَيْرِ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، أَنْ تُوَفِّرَ حَظّي وَنَصيبي مِنْهُ. وَأَسْأَلُكَ اللّهُمَّ رَبَّنا بِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَلَكَ الْحَمْدَ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ، أَنْ تُصَلِّىَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَحَبيبِكَ وَصَفْوَتِكَ، وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَعَلى آلِ مُحَمَّد الاَْبْرارِ الطّاهِرينَ الاَْخْيارِ، صَلاةً لايَقْوى عَلى إِحْصائِها إِلاّ أَنْتَ، وَأَنْ تُشْرِكَنا في صالِحِ مَنْ دَعاكَ في هذَا الْيَوْمِ مِنْ عِبادِكَ الْمُؤْمِنينَ، يا رَبَّ الْعالَمينَ، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنا وَلَهُمْ، إِنَّك عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ. أَللّهُمَّ إِلَيْكَ تَعَمَّدْتُ بِحاجَتي، وَبِكَ أَنْزَلْتُ الْيَوْمَ فَقْري وَفاقَتي وَمَسْكَنَتي، وَإِنّي بِمَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ أَوْثَقُ مِنّي بِعَمَلي، وَلَمَغْفِرَتُكَ وَرَحْمَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَتَوَلَّ قَضاءَ كُلِّ حاجَة هِىَ لي، بِقُدْرَتِكَ عَلَيْها، وَتَيْسيرِ ذلِكَ عَلَيْكَ، وَبِفَقْري إِلَيْكَ، وَغِناكَ عَنّي، فَإِنّي لَمْ أُصِبْ خَيْراً قطُّ إِلاّ مِنْكَ، وَلَمْ يَصْرِفْ عَنّي سُوءاً قَطُّ أَحَدٌ غَيْرُكَ، وَلا أَرْجُو لاَِمْرِ آخِرَتي وَدُنْياىَ سِواكَ. أَللّهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ
وَتَعَبَّأَ وَأَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوَفادَة إِلى مَخْلوق، رَجاءَ رِفْدِهِ
وَنَوافِلِهِ، وَطَلَبَ نَيْلِهِ وَجائِزَتِهِ، فَإِلَيْكَ يا مَوْلاىَ كانَتِ
الْيَوْمَ تَهْيِئَتي وَتَعْبِئَتي، وَإِعْدادي وَاسْتِعْدادي، رَجاءَ عَفْوِكَ
وَرِفْدِكَ، وَطَلَبَ نَيْلِكَ وَجائِزَتِكَ. أَللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد
وَآلِ مُحَمَّد، وَلا تُخَيِّبِ
الْيَوْمَ ذلِكَ مِنْ رَجائي، يا مَنْ لا يُحْفيهِ سائِلٌ، وَلا يَنْقُصُهُ نائِلٌ،
فَإِنّي لَمْ آتِكَ ثِقَةً مِنّي بَعَمل صالِح قَدَّمْتُهُ، وَلا شَفاعَةِ مَخْلُوق
رَجَوْتُهُ، إِلاّ شَفاعَةَ مُحَمَّد وَأَهْلِ بَيْتِهِ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ
سَلامُكَ، أَتَيْتُكَ مُقِرّاً بِالْجُرْمِ وَالاِْساءَةِ إِلى نَفْسي، أَتَيْتُكَ
أَرْجُو عَظيمَ عَفْوِكَ الَّذي عَفَوْتَ بِهِ عَنِ الْخاطِئينَ، ثُمَّ لَمْ
يَمْنَعْكَ طُولُ عُكُوِفهِمْ عَلى عَظيمِ الْجُرْمِ أَنْ عُدْتَ عَلَيْهِمْ
بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. فَيا مَنْ رَحْمَتُهُ واسِعَةٌ، وَعَفْوُهُ عَظيمٌ،
يا عَظيمُ يا عَظيمُ، يا كَريمُ ياكَريمُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد،
وَعُدْ عَلَىَّ بِرَحْمَتِكَ، وَتَعَطَّفْ عَلَىَّ بِفَضْلِكَ، وَتَوَسَّعْ عَلَىَّ
بِمَغْفِرَتِكَ.أَللّهُمَّ إِنَّ هذَا الْمَقامَ لِخُلْفائِكَ، وَأَصْفِيائِكَ
وَمَواضِعَ اُمَنائِكَ، فِي الدَّرَجَةِ الرَّفيعَةِ الَّتي اخْتَصَصْتَهُمْ بِها،
قَدِ ابْتَزُّوها وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذلِكَ، لايُغالَبُ أَمْرُكَ، وَلا
يُجاوَزُ الْمَحْتومُ مِنْ تَدْبيرِكَ كَيْفَ شِئْتَ، وَأَنّى شِئْتَ، وَلِما
أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، غَيْرُ مُتَّهَم عَلى خَلْقِكَ، وَلا لاِرادَتِكَ، حَتّى
عادَ صَفْوَتُكَ وَخُلَفاؤُكَ مَغْلُوبينَ مَقْهُورينَ مُبْتَزِّينَ، يَرَوْنَ
حُكْمَكَ مُبَدَّلاً، وَكِتابَكَ مَنْبُوذاً، وَفَرائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهاتِ أَشْراعِكَ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً.أَللّهُمَّ الْعَنْ أَعْداءَ هُمْ مِنَ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ، وَمَنْ رَضِىَ بِفِعالِهِمْ، وَأَشْياعَهُمْ وَأَتْباعَهُمْ. أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، كَصَلَواتِكَ وَبَرَكاتِكَ وَتَحِيّاتِكَ عَلى أَصْفِيائِكَ إِبْراهيمَ وَأَلِ إِبْراهيمَ، وَعَجِّلِ الْفَرجَ وَالرَّوْحَ وَالنُّصْرَةَ وَالتَّمْكينَ وَالتَّأْييدَ لَهُمْ. أَللّهُمَّ وَاجْعَلْني مِنْ أَهْلِ التَّوْحيدِ وَالاْيمانِ بِكَ، وَالتَّصْديقِ بِرَسُولِكَ وَالاَْئِمَّةِ الَّذينَ حَتَمْتَ طاعَتَهُمْ، مِمَّنْ يَجْري ذلِكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ، آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ. أَللّهُمَّ لَيْسَ يَرُدُّ غَضَبَكَ إِلاّ حِلْمُكَ، وَلا يَرُدُّ سَخَطَكَ إِلاّ عَفْوُكَ، وَلا يُجيرُ مِنْ عِقابِكَ إِلاّ رَحْمَتُكَ، وَلا يُنجيني مِنْكَ إِلاّ التَّضَرُّعُ إِلَيْكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَهَبْ لَنا يا إِلهي مِنْ لَدُنْكَ فَرَجاً، بِالْقُدْرَةِ الَّتي بِها تُحْيي أَمْواتَ الْعِبادِ، وَبِها تَنْشُرُ مَيْتَ الْبِلادِ. وَلا تُهْلِكْني يا إِلهي غَمّاً حَتّى تَسْتَجيبَ لي، وَتُعَرِّفَني الاِْجابَةَ في دُعائي، وَأَذِقْني طَعْمَ الْعافِيَةِ إِلى مُنْتَهى أَجَلي، وَلا تُشْمِتْ بي عَدُوّي، وَلا تُمَكِّنْهُ مِنْ عُنُقي، وَلا تُسَلِّطْهُ عَلَىَّ. إِلهي إِنْ رَفَعْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَضَعُني؟ وإِنْ وَضَعْتَني فَمَنْ ذَا الَّذَي يَرْفَعُني؟ وَإِنْ أَكْرَمْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يُهينُني ؟ وَإِنْ أَهَنْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يُكْرِمُني؟ وَإِنْ عَذَّبْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَرْحَمُني؟ وَإِنْ أَهْلَكْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَعْرِضُ لَكَ في عَبْدِكَ، أَوْ يَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِهِ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ في حُكْمِكَ ظُلُمٌ، وَلا في نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ، وَإِنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ، وَإِنَّما يَحْتاجُ إِلَى الظُّلْمِ الضَّعيفُ، وَقَدْ تَعالَيْتَ يا إِلهي عَنْ ذلِكَ عُلُوّاً كَبيراً.أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَلا تَجْعَلْني لِلْبَلاءِ غَرَضاً، وَلا لِنَقِمَتِكَ نَصَباً، وَمَهِّلْني، وَنَفِّسْني وَأَقِلْني عَثْرَتي، وَلا تَبْتَلِيَنّي بِبَلاء عَلى أَثَرِ بَلاء، فَقَدْ تَرى ضَعْفي، وَقِلَّةَ حيلَتي، وَ تَضَرُّعي إِلَيْكَ. أَعُوذُ بِكَ اللّهُمَّ
الْيَوْمَ مِنْ غَضَبِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وآلِهِ
وَأَعِذْني، وَأَسْتَجيرُ بِكَ الْيَوْمَ مِنْ سَخَطِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وآلِهِ وَأَجِرْني، وَأَسْأَلُكَ أَمْناً مِنْ عَذابِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَآمِنّي، وَأَسْتَهْديكَ فَصَلّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاهْدِني، وَأَسْتَنْصِرُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآله وَانْصُرْني، وَأَسْتَرْحِمُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَارْحَمْني، وَأَسْتَكْفيكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاكْفِني، وَأَسْتَرْزِقُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَارْزُقْني، وَأَسْتَعينُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَعِنّي، وَأَستَغْفِرُكَ لِما سَلَفَ مِنْ ذُنُوبي، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاغْفِرْ لي، وَأَسْتَعْصِمُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاعْصِمْني، فَإِنّي لَنْ أَعُودَ لِشَىْء كَرِهْتَهُ مِنّي إِنْ شِئْتَ ذلِكَ. يا رَبِّ يا رَبِّ، يا حَنّانُ
يا مَنّانُ، يا ذَا الْجَلالِ وَالاِْكْرامِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ،
وَاسْتَجِبْ لي جَميعَ ما سَأَلْتُكَ وَطَلَبْتُ إِلَيْكَ، وَرَغِبْتُ فيهِ
إِلَيْكَ، وَأَرِدْهُ وَقَدِّرْهُ، وَاقْضِهِ وَامْضِهِ، وَخِرْ لي فيما تَقْضي
مِنْهُ، وَبارِكْ لي في ذلِكَ، وَتَفَضَّلْ عَلَىَّ بِهِ، وَأَسْعِدْني
بِما تُعْطيني مِنْهُ، وَزِدْني مِنْ فَضْلِكَ وَسَعَةِ ما عِنْدَكَ، فَإِنَّكَ واسِعٌ كَريمٌ.وَصِلْ ذلِكَ بِخَيْرِ الاْخِرَةِ وَنَعيمِها، يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ. (ثُمَّ تَدْعوُبِما بَدا لَكَ وَتُصَلّي عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ أَلْفَ مَرَّة، هكَذا كانَ يَفْعَلُ عَلَيْهِ السَّلامُ).
49
وَكانَ
مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ في
دِفاعِ كَيْدِ الاَْعْداءِ، وَرَدَّ بَأْسِهِمْ
إِلهي هَدَيْتَني فَلَهَوْتُ، وَوَعَظْتَ فَقَسَوْتُ، وَأَبْلَيْتَ الْجَميلَ فَعَصَيْتُ، ثُمَّ عَرفْتُ ما أَصَدَرْتَ إِذْ عَرَّفتَنيه، فَاسْتَغْفَرْتُ فَأَقَلْتَ، فَعُدْتُ فَسَتَرْتَ، فَلَكَ إِلهي الْحَمْدُ. تَقَحَّمْتُ أَوْدِيَةَ الهَلاكِ، وَحَلَلْتُ شِعابَ تَلَف، تَعَرَّضْتُ فيها لِسَطَواتِكَ، وَبِحُلُولِها ِعُقُوباتِكَ، وَوَسيلَتي إِلَيْكَ التَّوْحيدُ، وَذَريعَتي أَنّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ شَيْئاً، وَلَمْ أتَّخِذْ مَعَكَ إِلهاً، وَقَدْ فَرَرْتُ إِلَيْكَ بِنَفْسي، وَإِلَيْكَ مَفَرُّ الْمُسيءِ، وَمَفْزَعُ الْمُضَيِّعِ لحَظِّ نَفْسِهِ، الْمُلْتَجِئِ. فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ انْتَضى عَلَىَّ سَيْفَ عَداوَتِهِ، وَشَحَذَ لي ظُبَةَ مُدْيَتِهِ، وَأَرْهَفَ لي شَبا حَدِّهِ، وَدافَ لي قَواتِلَ سُمُومِه، وَسَدَّدَ نَحْوي صَوائِبَ سِهامِهِ، وَلَمْ تَنَمْ عَنّي عَيْنُ حِراسَتِهِ، وَأَضْمَرَ أَنْ يَسُومَنِي الْمَكْرُوهَ، وَيُجَرِّعَني زُعاقَ مَرارَتِهِ. فَنَظَرْتَ يا إِلهي إِلى ضَعْفي عَنِ احْتِمالِ الْفَوادِحِ، وَعَجْزي عَنِ الاْنْتصارِ مِمَّنْ قَصَدَني بِمُحارَبَتِهِ، وَوَحْدَتي في كَثيرِ عَدَدِ مَنْ ناوَاني، وَأَرْصَدَ لِىَ الْبَلاءَ فيما لَمْ أُعْمِلْ فيهِ فِكْري، فَابْتَدَأْتَني بِنَصْرِكَ، وَشَدَدْتَ أَزْري بِقُوَّتِكَ، ثُمَّ فَلَلْتَ لي حَدَّهُ، وَصَيَّرْتَهُ مِنْ بَعْدِ جمْع عَديد وَحْدَهُ، وَأَعْلَيْتَ كَعْبي عَلَيْهِ، وَجَعَلْتَ ماسَدَّدَهُ مَرْدُوداً عَلَيْهِ، فَرَدَدْتَهُ لَمْ يَشْفِ غَيظَهُ، وَلَمْ يَسْكُنْ غَليلُهُ، قَدْ عَضَّ عَلَىَّ شَواهُ، وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً قَدْ أَخْلَفْتَ سَراياهُ. وَكَمْ مِنْ باغ بَغاني
بِمَكائِدِهِ، وَنَصَبَ لي شْراكَ مَصائِدِهِ، وَوَكَّلَ بي تَفَقُّدَ رِعايَتِهِ،
وَأَضْبَأَ إِلَىَّ إِضْباءَ السَّبُعِ لِطَريدَتِهِ، انْتِظاراً لانْتِهازِ
الْفُرْصَةِ لِفَريسَتِهِ، وَهُوَ يُظْهِرُ لي بَشاشَةَ الْمَلَقِ، وَيَنْظُرُني
عَلى شِدَّةِ الْحَنَقِ. فَلَمّا رَأَيْتَ يا إِلهي تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ دَغَلَ
سَريرَتِهِ، وَقُبْحَ مَا انْطَوى عَلَيْهِ، أَرْكَسْتَهُ لاُمِّ
رَأْسِهِ في زُبْيَتِهِ، وَرَدَدْتَهُ في مَهْوى حُفْرَتِهِ، فَانْقَمَعَ بَعْدَ اسْتِطالَتِهِ ذليلاً في رِبَقِ حِبالَتِهِ، الّتي كانَ يُقَدِّرُ أَنْ يَراني فيها، وَقَدْ كادَ أَنْ يَحُلَّ بي لَوْلا رَحْمَتُكَ ما حَلَّ بِساحَتِهِ، وَكَمْ مِنْ حاسِد قَدْ شَرِقَ بي بِغُصّتِهِ، وَشَجِي مِنّي بِغَيْظِهِ، وَسَلَقَني بِحَدّ لِسانِهِ، وَوَحَرَني بِقَرْفِ عُيُوبِهِ، وَجَعَلَ عِرْضي غَرَضاً لِمَراميهِ، وَقَلَّدَني خِلالاً لَمْ تَزَل فيهِ، وَوَحَرَني بِكَيدِهِ، وَقَصَدَني بِمَكيدَتِهِ. فَنادَيْتُكَ يا إِلهي مُسْتَغيثاً بِكَ، واثِقاً بِسُرْعَةِ إِجابَتِكَ، عالِماً أَنَّهُ لا يُضْطَهَدُ مَنْ أَوى إِلى ظِلِّ كَنَفِكَ، وَلَنْ يَفْزَعَ مَنْ لَجَأَ إِلى مَعقِلِ انْتِصارِكَ، فَحَصَّنْتَني مِنْ بَأْسِهِ بِقُدْرَتِكَ. وَكَمْ مِنْ سَحائِبِ مَكْرُوه جَلَّيْتَها عَنّي، وَسَحائِب نِعَم أَمْطَرْتَها عَلَيَّ، وَجَداوِلِ رَحْمَة نَشَرْتَها، وَعافِيَة أَلْبَسْتَها، وَأَعْيُنِ أَحْداث طَمَسْتَها، وَغَواشِىَ كُرُبات كَشَفْتَها. وَكَمْ مِنْ ظَنّ حَسَن حَقَّقْتَ، وَعَدم جَبَرْتَ، وَصَرعَة أَنْعَشْتَ، وَمَسْكَنَة حَوَّلْتَ. كُلّ ذلِكَ إِنْعاماً وَتَطَوُّلاً مِنْكَ، وَفي جَميعِهِ انْهِماكاً مِنّي عَلى مَعاصيكَ، لَمْ تَمْنَعْكَ إِسـاءَتي عَنْ إِتْمامِ إِحْسانِكَ، وَلاحَجَرَني ذَلِكَ عَنِ ارْتِكابِ مَساخِطِكَ، لا تُسْأَلُ عَمّا تَفْعَلُ. وَلَقَدْ سُئِلْتَ فَأَعْطَيْتَ، وَلَمْ تُسْأَلْ فَابْتَدَأْتَ، وَاسْتُميحَ فَضْلُكَ فَما أَكْدَيْتَ، أَبَيْتَ يا مَولاي إِلاّ إِحْساناً، وَامْتِناناً، وَتَطَوٌّلاً وَإِنْعاماً، وَأَبَيْتُ إِلاّ تَقَحُّماً لِحُرُماتِكَ، وَتَعَدِّياً لحُدُودِكَ، وَغَفْلَةً عَنْ وَعيدِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ إِلهي مِنْ مُقْتَدِر لا يُغْلَبُ، وَذي أَناة لا يَعْجَلُ. هذا مَقامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسُبُوغِ النِعَمِ، وَقابَلَها بِالتَّقْصيرِ، وَشَهِدَ عَلى نَفْسِهِ بِالتَّضْييعِ.أَللّهُمَّ فَإِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالْمُحَمَّدِيَّةِ الرَّفيعَةِ، وَالْعَلَوِيّةِ الْبَيْضاءِ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِما أَن تُعيِذَني مِنْ شَرِّ كَذا وَكَذا، فَإِنَّ ذلِكَ لايَضيقُ عَليْكَ فيوُجْدِكَ، وَلا يَتَكَأَدُكَ في قُدْرَتِكَ، وَأنْتَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ. فَهَبْ لي يا إِلهي مِنْ رَحْمَتِكَ، وَدَوامِ تَوْفيقِكَ، ما اتّخِذُه سُلّماً أَعْرُجُ بِه إِلى رِضْوانِكَ، وَآمَنُ بِه مِنْ عِقابكَ، يا أَرْحَمْ الرّاحِمينَ.
50
وَكانَ
مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
فِي الرَّهْبَةِ
أَللّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَني سَوِيّاً، وَرَبَّيْتَني صَغيراً، وَرَزَقْتَني مَكْفِيّاً. أَللّهُمَّ إِنّي وَجَدْتُ فيما أَنْزَلْتَ مِنْ كِتابِكَ، وَبَشَّرْتَ بِهِ عِبادَكَ، أَنْ قُلْت: (يا عِبادِىَ الَّذينَ أَسْرَفوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً). وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنّي ما قَدْ
عَلِمْتَ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي، فَيا سَوْأَتا مِمّا أَحْصاهُ عَلَىَّ
كِـتابُكَ، فَلَـولاَ الْمَواقِـفُ الَّتي اُؤَمِّـلُ مِنْ عَفْوِكَ الَّذي شَمِلَ
كُلَّ شَىْء، لاََلْقَيْتُ بِيَدي، وَلَوْ أَنَّ أَحَداً اسْتَطاعَ الْهَرَبَ مِنْ
رَبِّهِ، لَكُنْتُ أَنا أَحَـقَّ بِالْهَـرَبَ مِنْـكَ، وَأَنْـتَ لا تَخْـفى
عَلَيْكَ خافِيَةٌ فِي الاَْرْضِ وَلا فِي السَّماءِ إِلاّ أَتَيْتَ بِها، وَكَفى
بِكَ جازِياً، وَكَفى بِكَ حَسيباً. أَللّهُمَّ إِنَّكَ طالِبي
إِنْ أَنَا هَرَبْتُ، وَ مُدْرِكي إِنْ أَنَا فَرَرْتُ، فَها أَنَا ذا بَيْنَ يَدَيْكَ خاضِعٌ ذَليلٌ راغِمٌ، إِنْ تُعَذِّبْني فَاِنّي لِذلِكَ أَهْلٌ، وَهُوَ يا رَبِّ مِنْكَ عَدْلٌ، وَإِنْ تَعْفُ عَنّي فَقَديماً شَمَلَني عَفْوُكَ، وَأَلْبَسْتَني عافِيَتَكَ. فَأَسْأَلُكَ اللّهُمَّ بِالْمَخْزُونِ مِنْ أَسْمائِكَ، وَبِما وارَتْهُ الْحُجُبُ مِنْ بَهائِكَ، إِلاّ رَحِمْتَ هذِهِ النَّفْسَ الْجَزُوعةَ، وَهذِهِ الرِّمَّةَ الْهَلُوعَةَ، الَّتي لا تَسْتَطيعُ حَرَّ شَمْسِكَ، فَكَيْفَ تَسْتَطيعُ حَرَّ نارِكَ؟ وَالَّتي لا تَسْتَطيعُ صَوْتَ رَعْدِكَ، فَكَيْفَ تَسْتَطيعُ صَوْتَ غَضَبِكَ؟ فَارْحَمْني اللّهُمَّ، فَإِنّي امْرُؤٌ حَقيرٌ، وَخَطَري يَسيرٌ، وَلَيْسَ عَذابي مِمّا يَزيدُ في مُلْكِكَ مِثْقالَ ذَرَّة، وَلَوْ أَنَّ عَذابي مِمّا يَزيدُ في مُلْكِكَ لَسَأَلْتُكَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ لَكَ، وَلكِنَّ سُلْطانَكَ اللّهُمَّ أَعْظَمُ، وَمُلْكَكَ أَدْوَمُ، مِنْ أَنْ تَزيدَ فيهِ طاعَةُ الْمُطيعينَ، أَوْ تَنْقُصَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْمُذْنِبينَ. فَارْحَمْني يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ، وَتَجاوَزْ عَنّي ياذَا الْجَلالِ وَالاِْكْرِام، وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ.
51
وَكانَ
مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
فِي التَّضَرُّعِ وَالاِْسْتِكانَةِ
إِلهي أَحْمَدُكَ وَأَنْتَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ عَلى حُسْنِ صَنيعِكَ إِلَىَّ، وَسُبوُغِ نَعْمائِكَ عَلَىَّ، وَجَزيلِ عَطائِكَ عِنْدي، وَعَلى ما فَضَّلْتَني مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ، فَقَدِ اصْطَنَعْتَ عِنْدي ما يَعْجِزُ عَنْهُ شُكْري. وَلَوْلا إِحْسانُكَ إِلَىَّ، وَسُبوُغُ نَعْمائِكَ عَلَىَّ، ما بَلَغْتُ إِحْرازَ حَظّي، وَلا إِصْلاحَ نَفْسي، وَلكِنَّكَ ابْتَدَأْتَني بِالاِْحْسانِ، وَرَزَقْتَني في أُموري كُلِّها الْكِفايَةَ، وَصَرَفْتَ عِنِّي جَهْدَ الْبَلاءِ، وَمَنَعْتَ مِنّي مَحْذوُرَ الْقَضاءِ. إِلهي فَكَمْ مِنْ بَلاء جاهِد
قَدْ صَرَفْتَ عَنّي، وَكَمْ مِنْ نِعْمَة سابِغَة أَقْرَرْتَ بِها عَيْني، وَكَمْ
مِنْ صَنيعَة كَريمَة لَكَ عِنْدي، أَنْتَ الَّذي أَجَبْتَ عِنْدَ الاْضْطِرارِ
دَعْوَتي، وَأَقَلْتَ عِنْدَ الْعِثارِ زَلَّتي، وَأَخَذْتَ لي مِنَ الاَْعْداءِ
بِظُلامَتي.إِلهي ما وَجَدْتُكَ بَخيلاً حينَ سَأَلْتُكَ، وَلا مُنْقَبِضاً حينَ
أَرَدْتُكَ، بَلْ وَجَدْتُكَ لِدُعائي سامِعاً، وَلِمَطالِبي مُعْطِياً،
وَوَجَدْتُ نُعْماكَ عَلَىَّ سابِغَةً في كُلِّ شَأْن مِنْ شَأْني، وَكُلِّ زَمان مِنْ زَماني، فَأَنْتَ عِندي مَحْموُدٌ، وَصَنيعُكَ لَدَىَّ مَبْرورٌ. تَحْمَدُكَ نَفْسي وَلِساني
وَعَقْلي، حَمْداً يَبْلُغُ الْوَفاءَ وَحَقيقَةَ الشُّكْرِ، حَمْداً يَكونُ
مَبْلَغَ رِضاكَ عَنَّي، فَنَجِّني مِنْ سَخَطِكَ.يا كَهْفي حينَ تُعْيينِي
الْمَذاهِبُ، وَيا مُقيلي عَثْرَتي، فَلَوْلا سَتْرُكَ عَوْرَتي لَكُنْتُ مِنَ
الْمَفْضوحينَ، وَيا مَؤَيِّدي بِالنَّصْرِ، فَلَوْلا نَصْرُكَ إِيّاىَ لَكُنْتُ
مِنَ الْمَغْلوبينَ، وَيا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلوكُ نيرَ الْمَذَلَّةِ عَلى
أَعْناقِها، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفونَ، وَيا أَهْلَ التَّقْوى، وَيا مَنْ
لَهُ الاْسْماءُ الْحُسْنى، أَسْأَلُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَنّي، وَتَغْفِرَ لي،
فَلَسْتُ بَريئاً فَأَعْتَذِرَ، وَلا بِذي قُوَّة فَأَنْتَصِرَ، وَلا مَفَرَّ لي
فَأَفِرَّ، وَأَسْتَقيلُكَ عَثَراتي، وَأَتَنَصَّلُ إِلَيْكَ مِنْ ذُنوبِىَ الَّتي
قَدْ أَوْبَقَتْني، وَأَحاطَتْ بي فَأَهْلَكَتْني، مِنْها فَرَرْتُ إِلَيْكَ رَبِّ
تائِباً فَتُبْ عَلَىَّ، مُتَعَوِّذاً فَأَعِذْني، مُسْتَجيراً فَلا تَخْذُلْني،
سائِلاً فَلا تَحْرِمْني، مُعْتَصِماً فَلا تُسْلِمْني، داعياً فَلا تَرُدَّني خائِباً. دَعَوْتُكَ يا رَبِّ مِسْكيناً مُسْتَكيناً، مُشْفِقاً خائِفاً، وَجِلاً فَقيراً، مُضْطَرّاً إِلَيْكَ.أَشْكو إِلَيْكَ يا إِلهي ضَعْفَ نَفْسي عَنِ الْمُسارَعَةِ فيما وَعَدْتَهُ أَوْلِياءَكَ، وَالْمُجانَبَةِ عَمّا حَذَّرْتَهُ أَعْداءَكَ، وَكَثْرَةَ هُمومي، وَوَسْوَسَةَ نَفْسي. إِلهي لَمْ تَفْضَحْني بِسَريرَتي، وَلَمْ تُهْلِكْني بِجَريرَتي، أَدْعوكَ فَتُجيبُني، وَإِنْ كُنْتُ بَطيئاً حينَ تَدْعوني، وَأَسْأَلُكَ كُلَّما شِئْتُ مِنْ حَوائِجي، وَحَيْثُ ما كُنْتُ وَضَعْتُ عِنْدَكَ سِرّي، فَلا أَدْعُو سِواكَ، وَلا أَرْجو غَيْرَكَ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، تَسْمَعُ مَنْ شَكا إِلَيْكَ، وَتَلْقى مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ، وَتُخَلِّصُ مَنِ اعْتَصَمَ بِكَ، وَتُفَرِّجُ عَمَّنْ لاذَ بِكَ. إِلهي فَلا تَحْرِمْني خَيْرَ الاْخِرَةِ وَالاُْولى لِقِلَّةِ شُكْري، وَاغْفِرْ لي ما تَعْلَمُ مِنْ ذُنوبي، إِنْ تُعَذِّبْ فَأَنَا الظّالِمُ الْمُفَرِّطُ، الْمُضَيِّعُ الاْثمُ، الْمُقَصِّرُ الْمُضَجِّعُ، الْمُغْفِلُ حَظَّ نَفْسي، وَإِنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمينَ.
52
وَكانَ
مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
فِي الاِْلْحاحِ عَلَى اللّهِ تَعالى
يا أَللّهُ الَّذي لا يَخْفى عَلَيْهِ شَىْءٌ فِي الاَْرْضِ وَلا فِي السَّماءِ، وَكَيْفَ يَخْفى عَليْكَ يا إِلهي ما أَنْتَ خَلَقْتَهُ؟ وَكَيْفَ لا تُحْصي ما أَنْتَ صَنَعْتَهُ؟ أَوْ كَيْفَ يَغيبُ عَنْكَ ما أَنْتَ تُدَبِّرُهُ؟ أَوْ كَيْفَ يَسْتَطيعُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْكَ مَنْ لا حَياةَ لَهُ إِلاّ بِرِزْقِكَ؟ أَوْ كَيْفَ يَنْجُو مِنْكَ مَنْ لا مَذْهَبَ لَهُ في غَيْرِ مُلْكِكَ؟ سُبْحانَكَ أَخْشى خَلْقِكَ لَكَ أَعْلَمُهُمْ بِكَ، وَأَخْضَعُهُمْ لَكَ أَعْمَلُهُمْ بِطاعَتِكَ، وَأَهْوَنُهُمْ عَلَيْكَ مَنْ أَنْتَ تَرْزُقُهُ وَهُوَ يَعْبُدُ غَيْرَكَ. سُبْحانَكَ لا يَنْقُصُ سُلْطانَكَ مَنْ أَشْرَكَ بِكَ وَكَذَّبَ رُسُلَكَ، وَلَيْسَ يَسْتَطيعُ مَنْ كَرِهَ قَضاءَكَ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَكَ، وَلا يَمْتَنِعُ مِنْكَ مَنْ كَذَّبَ بِقُدْرَتِكَ، وَلا يَفوتُكَ مَنْ عَبَدَ غَيْرَكَ، وَلا يُعَمَّرُ فِي الدُّنيا مَنْ كَرِهَ لِقاءَكَ. سُبْحانَكَ ما أَعْظَمَ شَأْنَكَ، وَأقْهَرَ سُلْطانَكَ، وَأشَدَّ قُوَّتَكَ، وَأَنْفَذَ أَمْرَكَ! سُبْحانَكَ قَضَيْتَ عَلى جَميعِ خَلْقِكَ الْمَوْتَ، مَنْ وَحَّدَكَ وَمَنْ كَفَرَ بِكَ، وَكُلٌّ ذائِقُ الْمَوتَ، وَكُلٌّ صائِرٌ إِلَيْكَ. فَتَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ، آمَنْتُ بِكَ، وَصَدَّقْتُ رُسُلَكَ، وَقَبِلْتُ كِتابَكَ، وَكَفَرْتُ بِكُلِّ مَعْبُود غَيْرِكَ، وَبَرِئْتُ مِمَّنْ عَبَدَ سِواكَ. أَللّهُمَّ إِنّي أُصْبِحُ وَأُمْسي مُسْتَقِلاًّ لِعَمَلي، مُعْتَرِفاً بِذَنْبي، مُقِرّاً بِخَطاياىَ، أَنَا بِإِسْرافي عَلى نَفسي ذَليلٌ، عَمَلي أَهْلَكَني، وَهَواىَ أَرْداني، وَشَهَواتي حَرَمَتْني. فَأَسْأَلُكَ يا مَولاىَ سُؤالَ
مَنْ نَفْسُهُ لاهِيَةٌ لِطُولِ أَمَلِهِ، وَبَدَنُهُ غافِلٌ لِسُكُونِ عُرُوقِهِ،
وَقَلْبُهُ مَفْتونٌ بِكَثْرَةِ النِّعَمِ عَلَيْهِ، وَفِكْرُهُ قَليلٌ لِما هُوَ
صائِرٌ إِلَيْهِ، سُؤالَ مَنْ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الاَْمَلُ، وَفَتَنَهُ الْهَوى،
وَاسْتَمْكَنَتْ مِنْهُ الدُّنْيا، وَأَظَلَّهُ الاَْجَلُ، سُؤالَ مَنِ اسْتَكْثَرَ
ذُنُوبَهُ، وَاعْتَرَفَ بِخَطيئَتِهِ، سُؤالَ مَنْ لا رَبَّ لَهُ غَيْرُكَ، وَلا وَلِىَّ لَهُ دُونَكَ، وَلا مُنْقِذَ لَهُ مِنْكَ، وَلا مَلْجَأَ لَهُ مِنْكَ إِلاّ إِلَيْكَ. إِلهي أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ الْواجِبِ عَلى جَميعِ خَلْقِكَ، وَبِاسْمِكَ الْعَظيمِ، الَّذي أَمَرْتَ رَسُولَكَ أَنْ يُسَبِّحَكَ بِهِ، وَبِجَلالِ وَجْهِكَ الْكَريمِ الَّذي لا يَبْلى، وَلا يَتَغَيَّرُ، وَلا يَحُولُ، وَلايَفْنى، أَنْ تُصَلِّىَ عَلى مُحَمَّد وَِآلِ مُحَمَّد، وَأَنْ تُغْنِيَني عَنْ كُلِّ شَىْء بِعِبادَتِكَ، وَأَنْ تُسَلِّىَ نَفْسي عَنِ الدُّنْيا بِمَخَافَتِكَ، وَأَنْ تُثْنِيَني بِالْكَثيرِ مِنْ كَرامَتِكَ بِرَحْمَتِكَ، فَإِلَيْكَ أَفِرُّ.وَمِنْكَ أَخافُ، وَبِكَ أَسْتَغيثُ، وَإِيّاكَ أَرْجُو، وَلَكَ أَدْعُو، وَإِلَيْكَ أَلْجَأُ، وَبِكَ أَثِقُ، وَإِيِّاكَ أَسْتَعينُ، وَبِكَ أُؤْمِنُ، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ، وَعَلى جُودِكَ وَكَرَمِكَ أَتَّكِلُ.
53
وَكانَ
مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
فِي التَّذَلُّلِ لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ
رَبِّ أَفْحَمَتْني ذُنُوبي، وَانْقَطَعَتْ مَقالَتي، فَلاحُجَّةَ لي، فَأَنَا الاَْسيرُ بِبَلِيَّتي، الْمُرْتَهَنُ بِعَمَلي،الْمُتَرَدِّدُ في خَطيئَتي، الْمُتَحَيِّرُ عَنْ قَصْدي، الْمُنْقَطِعُ بِي. قَدْ أَوْقَفْتُ نَفْسي مَوْقِفَ الاَْذِلاّءِ الْمُذْنِبينَ، مَوْقِفَ الاَْشْقِياءِ الْمُتَجَرِّئينَ عَلَيْكَ، الْمُسْتَخِفّينَ بِوَعْدِكَ. سُبْحانَكَ أَىَّ جُرْأَة اجْتَرَأْتُ عَلَيْكَ؟ وَأىَّ تَغْرير غَرَّرْتُ بِنَفْسي؟ مَوْلاىَ ارْحَمْ كَبْوَتي لِحُرِّ وَجْهي، وَزَلَّةَ قَدَمي، وَعُدْ بحِلْمِكَ عَلى جَهْلي، وَبِإِحْسانِكَ عَلى إِساءَتي، فَأَنَا الْمُقِرُّ بِذَنْبي، الْمُعْتَرِفُ بِخَطيئَتي، وَهذِهِ يَدي وَناصيَتي، أَسْتَكينُ بِالْقَوَدِ مِنْ نَفْسي، ارْحَمْ شَيْبَتي وَنَفادَ أَيّامي، وَاقْتِرابَ أَجَلي، وَضَعْفي وَمَسْكَنَتي، وَقِلَّةَ حيلَتي. مَوْلاىَ وَارْحَمْني إِذَا انقَطَعَ مِنَ الدُّنْيا أَثَري، وَامَّحى مِنَ الْمَخْلُوقينَ ذِكْري، وَكُنْتُ فِي الْمَنْسِيّينَ كَمَنْ قَدْ نُسِىَ. مَوْلاىَ وَارْحَمْني عِنْدَ تَغَيُّرِ صُورَتي وَحالي، إِذا بَلِىَ جِسْمي، وَتَفَرَّقَتْ أَعْضائي، وَتَقَطَّعَتْ أَوْصالي، يا غَفْلَتي عَمّا يُرادُ بِي. موْلاىَ وَارْحَمني في حَشْري وَنَشْري، وَاجْعَلْ في ذلِكَ الْيَومِ مَعَ أَوْلِيائِكَ مَوْقِفي، وَفي أَحِبّائِكَ مَصْدَري، وَفي جِوارِكَ مَسْكَني، يا رَبَّ الْعالَمينَ.
54
وَكانَ
مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
فِي اسْتِكْشافِ الْهُمُومِ
يا فارِجَ الْهَمِّ، وَكاشِفَ الْغَمِّ، يا رَحْمنَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَرَحيمَهُما، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَافْرُجْ هَمّي، وَاكْشِفْ غَمّي. يا واحِدُ يا أَحَدُ يا صَمَدُ، يا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، اعْصِمْني وَطَهِّرْني وَاذْهَبْ بِبَلِيَّتي. (وَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوَّذَتَيْنِ وَ «قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ» وَقُلْ:) أَللّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ سُؤالَ مَنِ اشتَدَّتْ فاقَتُهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَكَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، سُؤالَ مَن لايَجِدُ لِفاقَتِهِ مُغيثاً، وَلا لِضَعْفِهِ مُقَوِّياً، وَلا لِذَنْبِهِ غافِراً غَيْرَكَ. يا ذَا الْجَلالِ وَالاِْكْرامِ، أَسْأَلُكَ عَمَلاً تُحِبُّ بِهِ مَنْ عَمِلَ بِهِ، وَيَقيناً تَنْفَعُ بِهِ مَنِ اسْتَيْقَنَ بِهِ حَقَّ الْيَقينِ في نَفاذِ أَمْرِكَ. أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاقْبِضْ عَلَى الصِّدْقِ نَفْسي، وَاقْطَعْ مِنَ الدُّنْيا حاجَتي، وَاجْعَلْ فيما عِنْدَكَ رَغْبَتي، شَوْقاً إِلى لِقائِكَ، وَهَبْ لي صِدْقَ التَّوكُّلِ عَلَيْكَ. أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ كِتاب قَدْ خَلا، وَأَعْوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كِتاب قَدْ خَلا، أَسْأَلُكَ خَوْفَ الْعابِدينَ لَكَ، وَعِبادَةَ الْخاشِعينَ لَكَ، وَيَقينَ الْمُتَوَكِّلينَ عَلَيْكَ، وَتَوَكُّلَ الْمُؤْمِنينَ عَلَيْكَ. أَللّهُمَّ اجْعَلْ رَغْبَتي في مَسْأَلَتي مِثْلَ رَغْبَةِ أَوْلِيائِكَ في مَسائِلِهِمْ، وَرَهْبَتي مِثْلَ رَهْبَةِ أَوْلِيائِكَ، وَاسْتَعْمِلْني في مَرْضاتِكَ، عَمَلاً لا أَتْرُكُ مَعَهُ شَيْئاً مِنْ دينِكَ مَخافَةَ أَحَد مِنْ خَلْقِكَ. أَللّهُمَّ هذِهِ حاجَتي فَأَعْظِمْ فيها رَغْبَتي، وَأَظْهِرْ فيها عُذْري، وَلَقِّني فيها حُجَّتي، وَعافِ فيها جَسَدي. أَللّهُمَّ مَنْ أَصْبَحَ لَهُ
ثِقَةٌ أَوْ رَجِاءٌ غَيْرُكَ، فَقَد أَصْبَحْتُ وَأَنْتَ ثِقَتي وَرجائي فِي
الاُْمُورِ كُلِّها، فَاقْضِ لي بِخَيْرِها عاقِبَةً،
وَنَجِّني مِنْ مُضِلاّتِ الفِتَنِ، بَِرحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ. وَصَلَّى اللّهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّد رَسُولِ اللّهِ الْمُصْطَفى، وَعَلى آلِهِ الطّاهِرينَ. |