مكتبة الإمام زين العابدين

فهرس الكتاب

 

 

حقائق علمية في الأدعية السجّاديّة :

بالرغم من أنّ الصحيفة السجادية وُظّفت أدعيتها لتربية الإنسان وترشيد حركته الفردية والاجتماعية ولكنّها تضمّنت جملة من الحقائق

العلمية التي تنبئ عن إحاطة الإمام بالحقائق العلمية وشموخ مقامه العلمي ـ كما تضمّنت خطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ودعاء عرفة للإمام الحسين(عليه السلام) قسماً  كبيراً من العلوم والمعارف ـ فيما يرتبط بتركيبة الإنسان الجسمية وكيفية خلقه أو كيفية خلق أنواع الكائنات الاُخرى الأرضية والسماوية.

قال(عليه السلام): «سبحانك تعلم وزن السماوات، سبحانك تعلم وزن الأرضين، سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر، سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء»[1].

كلّ ذلك في عصر لم تكن مثل هذه المفاهيم مطروحة في الأوساط العلمية في دنيا الإسلام أو غيرها.

وأشار(عليه السلام) إلى إمكانية وجود الجراثيم في المياه والأطعمة في دعائه لأهل الثغور ، داعياً على الأعداء:

« اللهمّ وامزج مياههم بالوباء، وأطعمتهم بالأدواء »[2].

وتجد في كثير من أدعيته (عليه السلام) إشارات واضحةً إلى أمثال هذه الحقائق العلمية.

أدب الإمام زين العابدين(عليه السلام) :

إنّ الإمام السجّاد توفّر على نتاج فنّيّ ضخم يجيء ـ من حيث الكمّ ـ بعد الإمام علىّ(عليه السلام) كما يجيء ـ من حيث الكيف ـ متميّزاً بسمات خاصة، وفي مقدمة ذلك أدب الدعاء الذي منحه السجاد(عليه السلام) خصائص فكرية وفنّيّة تفرّد بها[3].

اتّجه الإمام في أدبه الخاصّ إلى نقد الأوضاع المنحرفة، وإلى بناء الشخصية الإسلامية في المستويين الفردي والإجتماعي، بحيث يمكن القول بأنّ أدبه كان تجسيداً للحركة الإسلامية مقابل الأدب الدنيوي الذي بدأ ينحرف مع انحرافات السلطة، وينحدر إلى ما هو عابث ومظلم ومنحرف([i]).

وجاء في الصحيفة السجّادية الجامعة نقلاً عن الأصمعيّ أنّه قال: كنت أطوف حول الكعبة ليلة، فإذا شابّ ظريف الشمائل وعليه ذؤابتان وهو متعلّق بأستار الكعبة ويقول: «نامتِ العيون وغارتِ النجومُ وأنت الملكُ الحيّ القيّومُ، غلّقت الملوك أبوابها وأقامت عليها حُرّاسها، وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين».

ثم أنشأ يقول:

يا من يُجيبُ دعاء المضطرّ في الظُلَمِ      يا كاشفَ الضرّ والبَلوى مع السَقَمِ

قد نام وفدُك حول البيت قاطبةً     وأنت وحـــــــدك يا قيّومُ لم تنَمِ

أدعوك ربِّ دعاءً قد أمرتَ به     فارحم بكائي بحقّ البيتِ والحَرمِ

إن كان عفوك لا يرجوهُ ذو سَرَف      فمن يَجُودُ على العاصينَ بالنِعَمِ؟

قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدين(عليه السلام).

كما جاء فيها عن طاووس اليماني أنّه قال: رأيتُ في جوف الليل رجلاً متعلّقاً بأستار الكعبة وهو يقول:

«ألا يا أيّها المأمول في كلّ حاجة       شكوتُ إليك الضُرّ فاسمع شكايتي

ألا يا رجائي أنت كاشف كُربتي       فهب لي ذنوبي كلّها واقض حاجتي

فزادي قليل لا أراه مبلّغي       أللزادِ أبكي أم لبُعد مسافتي

أتيتُ بـأعمــــــــال قباح ردية       فما في الورى خلقٌ جنى كجنايتي

أتحرِقُني في النار يا غاية المُنى      فأين رجائي منك، أين مخافتي؟

قال: فتأمّلته فإذا هو عليّ بن الحسين(عليهما السلام).

ومن أدبه المنظوم أيضاً ما ذكره أحمد فهمي محمد في كتاب الإمام زين العابدين عن فضل أهل البيت(عليهم السلام) ومكانتهم :

لنحن على الحوض روّاده       نذود ونسقي وراده

وما فاز من فاز إلاّ بنا        وما خاب مَن حبّنا زادُه

ومن سرّنا نال منّا   السرور     ومن ساءنا ساء ميلاده

ومن كان غاصبنا حقّنا        فيوم القيامة ميعادُه

احتجاجات الإمام زين العابدين(عليه السلام) :

إنّ فن الاحتجاج والمناظرة العلمية فنّ جليل لما ينبغي أن يتمتّع به المناظر من مقدرة علمية وإحاطة ودقّة ولياقة أدبية.

وقد تميّز أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بهذا الفنّ، واستطاعوا من خلال هذا المجال إفحام خصومهم وإثبات جدارتهم العلمية بنحو لا يدع مجالاً للريب في أنّهم مؤيّدون بتأييد ربّاني، وكما عبّر بعض أعدائهم: أنّهم أهل بيت قد زُقّوا العِلمَ زقّاً.

وقد جمع العلاّمة الطبرسي جملةً من احتجاجات المعصومين الأربعة عشر: الرسول(صلى الله عليه وآله) والزهراء(عليها السلام) والأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) في كتابه المعروف بالاحتجاج، ونشير هنا إلى بعض احتجاجات الإمام زين العابدين(عليه السلام).

1 ـ جاء رجل من أهل البصرة إلى عليّ بن الحسين(عليه السلام) فقال:

يا عليّ بن الحسين! إنّ جدّك عليّ بن أبي طالب قتل المؤمنين، فهملت عينا عليّ بن الحسين دموعاً حتى امتلأت كفّه منها، ثمّ ضرب بها على الحصى، ثم قال:

«يا أخا أهل البصرة، لا والله ما قتل عليّ مؤمناً، ولا قتل مسلماً، وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام، فلمّا وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه، وقد علمت صاحبة الجدب والمستحفظون من آل محمّد(صلى الله عليه وآله) أنّ أصحاب الجمل وأصحاب صفّين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبيّ الاُمّي، وقد خاب من افترى».

فقال شيخ من أهل الكوفة: يا عليّ بن الحسين! إنّ جدّك كان يقول: « إخواننا بغوا علينا ».

فقال عليّ بن الحسين(عليه السلام): «أما تقرأ كتاب الله (وإلى عاد أخاهم هوداً ) فهم مثلهم أنجى الله عزّوجلّ هوداً والذين معه وأهلك عاداً بالريح العقيم»[4].

2 ـ وعن أبي حمزة الثمالي قال: دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على عليّ بن الحسين(عليه السلام) فقال له: جعلني الله فداك، أخبرني عن قول الله عزوجل:(وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرةً وقدّرنا فيها السير سيروا فيها لياليَ وأيّاماً آمنين)[5].

قال له(عليه السلام): «ما يقول الناس فيها قبلكم ؟».

قال: يقولون إنّها مكّة.

فقال(عليه السلام): «وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكّة».

قال: فما هو ؟

قال(عليه السلام): «إنّما عنى الرجال».

قال: وأين ذلك في كتاب الله ؟

فقال(عليه السلام): «أو ما تسمع إلى قوله عزوجل:(وكأيّن من قرية عتت عن أمر ربها ورسله)[6] وقال:(وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا)[7] وقال:(واسئل القرية التي كنّا فيها والعِيرَ التي أقبلنا فيها)[8] أفيسأل القرية أو الرجال او العير؟

قال: وتلا عليه آيات في هذا المعنى.

قال: جعلت فداك ! فمن هم؟

قال : نحن هم .

فقال(عليه السلام): «أو ما تسمع إلى قوله:(سيروا فيها لياليَ وأيّاماً آمنين)؟».

قال(عليه السلام): «آمنين من الزيغ»[9].

4 ـ وروي: أنّ زين العابدين(عليه السلام) مرّ بالحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى، فوقف(عليه السلام) عليه ثم قال:

«أمسك، أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم، أترضاها لنفسك فيما بينك وبين الله إذا نزل بك غداً؟».

قال: لا.

قال: «أفتحدّث نفسك بالتحوّل والانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟» قال: فأطرق مليّاً ثم قال: إنّي أقول ذلك بلا حقيقة.

قال: «أفترجو نبيّاً بعد محمّد(صلى الله عليه وآله) يكون لك معه سابقة؟».

قال: لا.

قال: «أفترجو داراً غير الدار التي أنت فيها ترد اليها فتعمل فيها؟».

قال: لا.

قال: «أفرأيت أحداً به مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا؟ إنّك على حال لا ترضاها ولا تحدّث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة، ولا ترجو نبيّاً بعد محمّد، ولا داراً غير الدار التي أنت فيها فترد إليها فتعمل فيها، وأنت تعظ الناس»، قال: فلمّا ولّى(عليه السلام) قال الحسن البصري: من هذا؟

قالوا: عليّ بن الحسين.

قال: أهل بيت علم، فما رُئِي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس[10].

5 ـ وعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت عليّ بن الحسين(عليه السلام) يحدّث رجلاً من قريش قال:

لمّا تاب الله على آدم واقع حوّاء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلاّ في الأرض، وذلك بعد ما تاب الله عليه، قال: وكان آدم يعظّم البيت وما حوله من حرمة البيت، فكان إذا أراد أن يغشى حوّاء خرج من الحرم وأخرجها معه، فإذا جاز الحرم غشيها في الحلّ، ثمّ يغتسلان إعظاماً منه للحرم، ثمّ يرجع إلى فناء البيت.

قال: فولد لآدم من حوّاء عشرون ذكراً وعشرون اُنثى، فولد له في كلّ بطن ذكر واُنثى، فأول بطن ولدت حواء « هابيل » ومعه جارية يقال لها: «أقليما»، قال: وولدت في البطن الثاني « قابيل » ومعه جارية يقال لها: «لوزا»، وكانت لوزا أجمل بنات آدم، (قال): فلمّا أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة فدعاهم إليه فقال: اُريد أن اُنكحك يا هابيل لوزا، واُنكحك يا قابيل أقليما.

قال قابيل: ما أرضى بهذا، أتنكحني أخت هابيل القبيحة، وتنكح هابيل اُختي الجميلة؟

قال: فأنا أقرع بينكما، فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا وخرج سهمك يا هابيل على أقليما زوّجت كلّ واحد منكما التي خرج سهمه عليها، قال: فرضيا بذلك فاقترعا، قال: فخرج سهم هابيل على لوزا اُخت قابيل، وخرج سهم قابيل على أقليما اُخت هابيل، قال: فزوّجهما على ما خرج لهما من عند الله، قال: ثمّ حرّم الله نكاح الأخوات بعد ذلك».

قال: فقال له القرشي: فأولداهما ؟

قال: نعم.

قال: فقال القرشي: فهذا فعل المجوس اليوم !

قال: فقال عليّ بن الحسين: «إنّ المجوس إنّما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله».

ثمّ قال له عليّ بن الحسين(عليه السلام): «لا تنكر هذا، إنّما هي الشرايع جرت، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثمّ أحلّها له ؟! فكان ذلك شريعة من شرايعهم، ثمّ أنزل الله التحريم بعد ذلك»[11].

6 ـ روي عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: «لمّا قتل الحسين بن علىّ(عليه السلام) أرسل محمّد بن الحنفية إلى عليّ بن الحسين(عليه السلام) فخلا به ثم قال:

يابن أخي! قد علمت أنّ رسول الله كان جعل الوصيّة والإمامة من بعده لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ثمّ إلى الحسن، ثمّ الى الحسين، وقد قتل أبوك(رضي الله عنه) وصُلّيَ عليه ولم يوص، وأنا عمّك وصنو أبيك، وأنا في سنّي وقدمتي أحقّ بها منك في حداثتك، فلا تنازعني الوصيّة والإمامة ولا تخالفني.

فقال له عليّ بن الحسين(عليه السلام): «اتق الله ولا تدّعِ ما ليس لك بحقّ، إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين، يا عم! إنّ أبي صلوات الله عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجه الى العراق، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله(صلى الله عليه وآله) عندي، فلا تعرض لهذا فإنّي أخاف عليك بنقص العمر وتشتت الحال، وإنّ الله تبارك وتعالى أبى إلاّ أن يجعل الوصيّة والإمامة إلاّ في عقب الحسين، فإن أردت أن تعلم فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك».

قال الباقر(عليه السلام): «وكان الكلام بينهما وهما يومئذ بمكّة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال عليّ بن الحسين(عليه السلام) لمحمّد:

إبدأ فابتهل إلى الله واسأله أن ينطق لك الحجر ثمّ سله، فابتهل محمّد في الدعاء وسأل الله ثمّ دعا الحجر فلم يجبه، فقال عليّ بن الحسين(عليه السلام):

«أما إنّك يا عمّ لو كنت وصيّاً وإماماً; لأجابك».

فقال له محمّد: فادع أنت يابن أخي، فدعا الله عليّ بن الحسين(عليه السلام) بما أراد ثمّ قال: « أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا بلسان عربيّ مبين مَن الوصيّ والإمام بعد الحسين بن عليّ»، فتحرّك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثمّ أنطقه الله بلسان عربيّ مبين فقال:

اللّهمّ إنّ الوصية والإمامة بعد الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وابن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)»، فانصرف محمّد وهو يتولّى عليّ بن الحسين(عليه السلام)[12].

وعن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليّ بن الحسين(عليهم السلام) قال:

«نحن أئمّة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرّ المحجّلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض ولو لا ما في الأرض منّا; لساخت الأرض بأهلها».

ثمّ قال: «ولم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله، ولو لا ذلك لم يعبد الله».

[1] الدعاء 51 من الصحيفة الثانية التي جمعها الشيخ الحرّ العاملي.

[2] دعاءه لأهل الثغور في الصحيفة الكاملة أو الجامعة .

[3] تأريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي: 353 .

[4] الاحتجاج للطبرسي : احتجاجات الإمام زين العابدين (عليه السلام) .

[5] سبأ (34) : 18 .

[6] الطلاق (65) : 8 .

[7] الكهف (18) : 59 .

[8] يوسف (12) : 82 .

[9] الاحتجاج  2 : احتجاجات الإمام زين العابدين (عليه السلام) .

[10] الاحتجاج للطبرسي : احتجاجات الإمام زين العابدين (عليه السلام) .

[11] الاحتجاج : احتجاجات الإمام زين العابدين (عليه السلام) .

[12] الاحتجاج : احتجاجات الإمام زين العابدين (عليه السلام) .