مكتبة الإمام زين العابدين

فهرس الكتاب

 

 

حقـوق الأئـمّة:

1 ـ وحقّ السلطان : أن تعلم أنّك جعلت له فتنة، وأنّه مبتل فيك بما جعله الله عزّوجلّ له عليك من السلطان، وأنّ عليك أن لا تتعرّض لسخطه فتلقى بيدك الى التهلكة، وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء.

2 ـ وحقّ سائسك بالعلم: التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، وأن لا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدّث في مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوّاً، ولا تعادي له وليّاً، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للناس.

3 ـ وأمّا حقّ سائسك بالملك : فأن تطيعه ولا تعصيه إلاّ فيما يسخط الله عزّوجلّ، فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

حقـوق الرعيـّة:

1 ـ وأمّا حقّ رعيّتك بالسلطان : فأن تعلم أنّهم صاروا رعيّتك لضعفهم وقوّتك، فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله عزّوجلّ على ما آتاك من القوّة عليهم.

2 ـ وأمّا حقّ رعيّتك بالعلم : فأن تعلم أنّ الله عزوجل إنّما جعلك قيّماً لهم فيما آتاك من العلم، وفتح لك من خزائنه، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تفجر عليهم زادك الله من فضله، وإن أنت منعت النّاس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقّاً على الله عزّوجلّ أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلّك.

3 ـ وأمّا حقّ الزوجة: فأن تعلم أنّ الله عزّوجلّ جعلها لك سكناً واُنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقّك عليها أوجب فإنّ لها عليك أن ترحمها، لأنّها أسيرك وتطعمها وتكسوها، فإذا جَهِلتْ عَفوتَ عنها.

4 ـ وأمّا حقّ مملوكك : فأن تعلم أنّه خلق ربّك وابن أبيك واُمّك ولحمك ودمك، لم تملكه لأنّك صنعته دون الله، ولا خلقت شيئاً من جوارحه ولا أخرجت له رزقاً، ولكنّ الله عزّوجلّ كفاك ذلك، ثمّ سخّره لك وائتمنك عليه واستودعك إيّاه، ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك، وإن كرهته استبدلت به، ولم تعذِّب خلق الله عزّوجلّ، ولا قوّة إلاّ بالله.

حقـوق الرحـم:

1 ـ وحقّ اُمّك : أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحداً، ووَقَتْك بجميع جوارحها، ولم تبالِ أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلّك، وتهجر النوم لأجلك، ووَقَتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها  إلاّ بعون الله تعالى وتوفيقه.

2 ـ وأمّا حقّ أبيك : فأن تعلم أنّه أصلك، وأنّه لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ممّا يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوّة إلاّ بالله.

3 ـ وأمّا حقّ ولدك : فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّوجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه.

4 ـ وأمّا حقّ أخيك : فأن تعلم أنّه يدك وعزّك وقوّتك، فلا تتّخذه سلاحاً على معصية الله، ولا عدّة للظالم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوّه والنصيحة له، فإن أطاع الله وإلاّ فليكن الله أكرم عليك منه، ولا قوّة إلاّ بالله.

5 ـ وأمّا حقّ مولاك المنعم عليك : فأن تعلم أنّه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذلّ الرقّ ووحشته إلى عزّ الحرية واُنسها، فأطلقك من أسر الملكة، وفكّ عنك قيد العبودية، وأخرجك من السجن، وملكك نفسك، وفرّغك لعبادة ربّك، وتعلم أنّه أولى الخلق بك في حياتك وموتك، وأنّ نصرته عليك واجبة بنفسك وما احتاج إليه منك، ولا قوّة إلاّ بالله.

6 ـ وأمّا حقّ مولاك الذي أنعمت عليه : فأن تعلم أنّ الله عزّوجلّ جعل عتقك له وسيلةً إليه، وحجاباً لك من النار، وأنّ ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم مكافأة بما أنفقت من مالك وفي الآجل الجنّة.

حقوق عامّة الناس والأشياء:

1 ـ وأمّا حقّ ذي المعروف عليك : فأن تشكره وتذكر معروفه وتكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزوجل، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانيةً، ثمّ إن قدرت على مكافأته يوماً  كافيته.

2 ـ وأمّا حقّ المؤذِّن : أن تعلم أنّه مذكّر لك ربّك عزّوجلّ، وداع لك إلى حظّك، وعونك على قضاء فرض الله عليك، فاشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.

3 ـ وأمّا حقّ إمامك في صلاتك : فأن تعلم أنّه قد تقلّد السفارة فيما بينك وبين ربّك عزّوجلّ، وتكلّم عنك ولم تتكلّم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وكفاك هول المقام بين يدي الله عزّوجلّ، فإن كان به نقص كان به دونك، وإن كان تماماً  كنت شريكه، ولم يكن له عليك فضل فوقى نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكّر له على قدر ذلك.

4 ـ وأمّا حقّ جليسك : فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجازاة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلاّ بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاّته، وتحفظ خيراته، ولا تُسمعه إلاّ خيراً.

5 ـ وأمّا حقّ جارك : فحفظه غائباً، وإكرامه شاهداً، ونصرته إذا  كان مظلوماً، ولا تتّبع له عورة، فإن علمت عليه سوءاً سترته عليه، وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلّمه عن شديدة، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرةً كريمةً، ولا قوّة إلاّ بالله.

6 ـ وأمّا حقّ الصاحب : فأن تصحبه بالتفضّل والإنصاف، وتكرمه كما يكرمك، وكن عليه رحمةً، ولا تكن عليه عذاباً، ولا قوّة إلاّ بالله.

7 ـ وأمّا حقّ الشريك : فإن غاب كفيته، وإن حضر رعيته، ولا تحكم دون حكمه، ولا تعمل رأيك دون مناظرته، وتحفظ عليه ماله، ولا تخونه فيما عزّ أو هان من أمره، فإنّ يد الله تبارك وتعالى على الشريكين ما لم يتخاونا، ولا قوّة إلاّ بالله.

8 ـ وأمّا حقّ مالك : فأن لا تأخذه إلاّ من حلّه، ولا تنفقه إلاّ في وجهه، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربّك، ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع السعة، ولا قوّة إلاّ بالله.

9 ـ وأمّا حقّ غريمك الذي يطالبك : فإن كنت موسراً أعطيته، وإن كنت معسراً لرضيته بحسن القول، ورددته عن نفسك ردّاً لطيفاً.

10 ـ وحقّ الخليط : أن لا تغرّه، ولا تغشّه ولا تخدعه، وتتّقي الله تبارك وتعالى في أمره.

11 ـ وحقّ الخصم المدّعي عليك : فإن كان ما يدّعي عليك حقّاً  كنتَ شاهده على نفسك ولم تظلمه، وأوفيته حقّه، وإن كان ما يدّعي باطلاً رفقت به، ولم تأت في أمره غير الرفق، ولم تسخط ربّك في أمره، ولا قوّة إلاّ بالله.

12 ـ وحقّ خصمك الذي تدّعي عليه : إن  كنت محقّاً في دعوتك أجملت مقاولته ولم تجحد حقّه، وإن كنت مبطلاً في دعوتك اتّقيت الله عزّوجلّ وتبت إليه وتركت الدعوى.

13 ـ وحقّ المستشير : إن علمت أنّ له رأياً أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم.

14 ـ وحقّ المشير عليك : أن لا تتّهمه فيما لا يوافقك من رأيه، فإن وافقك حمدت الله عزّوجلّ.

15 ـ وحقّ المستنصح : أن تؤدّي إليه النصيحة وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به.

16 ـ وحقّ الناصح : أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى الصواب حمدت الله عزّوجلّ، وإن لم يوافق رحمته ولم تتّهمه، وعلمت أنّه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك إلاّ أن يكون مستحقّاً للتهمة فلا تعبأ بشيء من أمره على حال، ولا قوّة إلاّ بالله.

17 ـ وحقّ الكبير : توقيره لسنّه، وإجلاله لتقدّمه في الإسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخِصام، ولا تسبقه إلى طريق ولا تتقدّمه، ولا تستجهله، وإن جهل عليك احتملته وأكرمته لحقّ الإسلام وحرمته.

18 ـ وحقّ الصغير : رحمته في تعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له.

19 ـ وحقّ السائل : إعطاؤه على قدر حاجته.

20 ـ وحقّ المسؤول : إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وإن منع فاقبل عذره.

21 ـ وحقّ من سرّك لله تعالى ذكره : أن تحمد الله عزّوجلّ أوّلاً ثمّ تشكره.

22 ـ وحقّ من أساءك : أن تعفو عنه، وإن علمت أنّ العفو عنه يضرّ انتصرت، قال الله تبارك وتعالى:(ولمن انتصر بعد ظلمه فاُولئك ما عليهم من سبيل)[1].

23 ـ وحقّ أهل ملّتك : إضمار السلامة والرحمة لهم، والرفق بمسيئهم، وتألّفهم واستصلاحهم، وشكر محسنهم، وكفّ الأذى عنهم، وتحبّ لهم ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبّانهم بمنزلة إخوتك، وعجائزهم بمنزلة اُمّك، والصغار بمنزلة أولادك.

24 ـ وحقّ أهل الذمّة : أن تقبل منهم ما قبل الله عزّوجلّ، ولا تظلمهم ما وفوا لله عزّوجلّ بعهده.

وقد تصدّى جملة من العلماء[2] والقانونيّين لشرح هذه الرسالة الفريدة وبشتّى اللغات وعلى مختلف المستويات، وإن شئت التفصيل والاستضاءة بأنوارها ـ أكثر ممّا مرّ ـ فراجعها .

[1] الشورى (42) : 41 .

[2] منهم العلاّمة السيد حسن القبانچي فقد شرحها في جزئين كبيرين باسم : شرح رسالة الحقوق.