مكتبة الإمام زين العابدين

فهرس الكتاب

 

 

النهضة الثقافية والعاطفية

اتخذ الإمام زين العابدين (ع) بعد شهادة أبيه الإمام الحسين (ع) في فاجعة كربلاء أسلوب (الجهاد الهادئ) ضد الظلم والطغيان، والجهل والكبت.

وقد كان لهذا الأسلوب الحكيم في تلك الظروف الحرجة آثاراً مباركة كثيرة، منها النهضة الثقافية والعاطفية في سبيل توعية الأمة.

فزين العابدين (ع) سعى جاهداً، سواء كان في ساحة كربلاء، أو الكوفة، أو في طريقه إلى الشام، وفي الشام نفسها أيضاً إلى جذب عواطف الناس وإحياء ضمائرهم لمعرفة ما جرى من ظلامة على أهل بيت الرسالة (ع) الذين يمثلون الإسلام من قبل طغاة بني أمية الذين يدعون الإسلام كذباً وزوراً، وذلك عن طريق:

أولا: النهضة الفكرية والثقافية: حيث وجه الإمام (ع) أنظار الناس إلى الهدف السامي الذي قام من أجله أبوه الإمام الحسين (ع) وضحى بنفسه وأولاده وأهل بيته وأصحابه الكرام في سبيله، وهو إحياء الإسلام، والوقوف أمام المؤامرات التي أرادت القضاء على الإسلام، وأن يعيش الإنسان حراً كما خلقه الله، من دون أن يستسلم للظلم والاستبداد ولا يخنع للجور والطغيان، وأن لا تكون أزمة الأمور ومصير الشعوب بيد حاكم ظالم مستبد.

وفي الواقع إن الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) لم يكن مخالفاً ليزيد بن معاوية فقط بل كان مخالفاً لجميع الظلمة الفاسدون والمفسدون في كل زمان ومكان، كما أراد للإنسان بما هو إنسان أن يعيش سعيداً حراً، في أي زمان ومكان، سواء كان مؤمناً أم كافراً.

قال الإمام الحسين (ع) : «ويحكم.. إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم»(1).

وقال (ع) : «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً
ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (ع) »(2).

وقال: «إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما»(3).

نعم إن من يريد الخلاص من الذل والعبودية، ومن أراد العزة والسعادة، فعليه أن يتعلم من مدرسة أبي الأحرار الحسين بن علي (ع) درس الشهامة والشجاعة، وسمو النفس وعزة الروح، والاستقلال الفكري وعدم العبودية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح المجتمع وإنقاذ الإنسان، وأخيراً الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الإنسانية ضد الظلم والطغيان .

إن المتتبع في صفحات التاريخ يرى بوضوح آثار نهضة الإمام الحسين (ع) المباركة، فكم من الحركات الإصلاحية والمنادية بالحرية التي نبعت من هذه النهضة المقدسة وتعلمت منها درس المقاومة والفداء، وذلك منذ يوم عاشوراء عام 60 هجرية وإلى يومنا هذا وستسمر المسيرة إلى أي يوم يوجد هناك سطوة ظالم وصرخة مظلوم في الأرض.

وقد حكي عن غاندي أنه قال: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر.

ثانياً: النهضة العاطفية: فبالقدر الذي كان قيام سيد الشهداء (ع) مؤثراً في إحياء الإسلام والقرآن الكريم.. كذلك فإن استمرار وبقاء تلك النهضة له نفس التأثير في استمرارية المفاهيم الإسلامية وشريعتها، وربما كانت أهمية العلة المبقية أكثر من العلة المحدثة على اصطلاح الحكماء ، فإذا لم تكن عملية استمرار النهضة المقدسة للإمام الحسين (ع) ، فان تلك النهضة سوف تحجم وتحد بزمانها وتنسى وربما تحرف وتغير عن واقعها الموجود عبر الإعلام المزيف والكاذب، حالها حال الكثير من النهضات والحركات الأخرى، ولكن عملية استمرار النهضة جعلتها حية وخالدة في كل عصر وزمان بكل تفاصيلها وأحداثها.

والنهضة العاطفية التي تحيي فطرة الناس هي من أهم أسباب حفظ واقعة عاشوراء على مر التاريخ، ومن هنا يعرف فلسفة البكاء والعزاء على الإمام الحسين (ع) .

فإن إقامة المجالس وموكب العزاء على سيد الشهداء (ع) وإحياء الشعائر الحسينية بكل أقسامها وأنواعها المتعارفة من البكاء واللطم والزنجيل والتطبير وما أشبه، تجعل من هذه النهضة غضة طرية كأنها وقعت اليوم، وتبين أهدافها الإنسانية للبشرية بأجمعها وتدعو المجتمعات الإنسانية للاستجابة إلى نداء الفطرة في كافة الأزمنة باتباع أفكار ونهج سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) والسير على خطاه ضد الظلم والطغيان.

(1) بحار الأنوار: ج45 ص51 ب37.

(2) بحار الأنوار: ج44 ص329 ب37.

(3) المناقب: ج4 ص68 فصل في مكارم أخلاقه.