إن سيرة الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) وتعاملهم مع الناس هي المثل الأعلى في كافة ميادين الحياة الاجتماعية.. فإنهم القدوة في حبهم وعطفهم. وفي رأفتهم حتى بعدوهم. وفي أخلاقهم وحسن معاشرتهم. وقد جعلهم الله تعالى الأسوة الحسنة حيث أمرنا جل جلاله باتباعهم والسير على هداهم فقال عز من قائل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كانوا يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)(1). إذن فمن أراد الله والنجاة في يوم القيامة فعليه باتخاذ هؤلاء الأطهار (ع) قدوة ومثلاً أعلى له في الحياة الدنيا وذلك لأنهم سفن النجاة التي من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى. وقد كان الإمام السجاد (ع) في سلوكه وتعامله مع الآخرين نموذجاً في الأخلاق الإسلامية وكان (ع) محط إعجاب الناس وتعلقهم بالرسول (ص) والرسالة. وفي هذا يحدثنا الإمام الصادق (ع) ويقول: «كان علي بن الحسين (ع) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم أن يكون من خدام الرفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه، فقال لهم: أتدرون من هذا؟ فقالوا: لا. قال: هذا علي بن الحسين (ع) . فوثبوا إليه فقبلوا يده ورجليه، وقالوا: يا ابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت إليك منا يد أو لسان أما كنا قد هلكنا إلى آخر الدهر، فما الذي يحملك على هذا. فقال: إني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله (ص) ما لا أستحق فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحب إلي»(2). هكذا أراد أن يخفي الإمام (ع) أمره تواضعاً فأبى الله إلا أن يظهره ويرفعه. وأما مشيته (ع) فكانت السكينة والوقار فلا طيش ولا خفة ولاشموخ بالأنف، لأن الإنسان مهما بالغ في مشيته فسوف لن يخرق الأرض ولا يبلغ الجبال طولاً، قال أبو عبد الله الصادق (ع) : «كان علي بن الحسين (صلوات الله عليه) يمشي مشية كأن على رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله»(3). وفي تعامله مع من كان يؤذيه كان مصداقاً لقوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)(4). وقد كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين (ع) في إمارته، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال: ما أخاف إلا من علي بن الحسين، وقد وقف عند دار مروان وكان علي بن الحسين (ع) قد تقدم إلى خاصته ألا يعرض له أحد منكم بكلمة، فلما مر ناداه هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالاته(5). وفي أحد الأيام مر الإمام (ع) على بعض المجذومين وكان (ع) راكباً على حمار وهم يتغذون فدعوه إلى الغذاء فقال (ع) : «إني صائم ولولا أني صائم لفعلت» فلما صار إلى منزله أمر بطعام فصنع وأمر أن يتنوقوا فيه ثم دعاهم فتغذوا عنده وتغذى معهم(6).
(1) سورة الأحزاب: 21. (2) وسائل الشيعة: ج11 ص430 ب46 ح15177. (3) مستدرك الوسائل: ج8 ص239 ب49 ح9345. (4) سورة فصلت: 34. (5) المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص163 فصل في كرمه وصبره وبكائه (ع) . (6) بحار الأنوار: ج46 ص94 ب5 ضمن ح84. |