مكتبة الإمام زين العابدين

فهرس الكتاب

 

 

مكانته (ع) الاجتماعية

وفي التاريخ: أنه حج هشام بن عبد الملك، فلم يقدر على الاستلام من الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه، وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك، إذ أقبل علي بن الحسين (ع) ، وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجها، وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة، كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر، تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له، فقال: شامي من هذا يا أمير.

فقال: لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام.

فقال الفرزدق ـ وكان حاضراً ـ: لكني أنا أعرفه.

فقال الشامي: من هو يا أبا فراس.

فأنشأ قصيدة:

يا سائــلي أين حـل الجود والكرم***عـنـــدي بـــيـــان إذا طــــلابه قدموا

هـــذا الذي تعرف البطحاء وطأته***والبـــيـــت يعــــرفه والحـل والحرم

‏هـــــذا ابن خـــــير عـباد الله كلهم***هـــــذا التــــقي النقي الطاهر العلم

هـــــذا الـــذي أحمد المختار والده***صلى عـــــليه إلـهي ما جرى القلم

‏لو يعـــــلم الـركن من قد جاء يلثم***لخـــــر يلـــــثم منــه موطئ القـــدم

هـــــذا عـــــلي رســــول الله والده***أمســـــت بنـــــور هداه تهتدي الأمم

هـــــذا الـــــذي عـمه الطيار جعفر***والمقـــــتول حــــمزة ليث حبه قسم

هـــــذا ابـــن سيدة النسوان فاطمة***وابــــن الوصي الذي في سيفه نقم

إذا رأتـــــه قـــــريش قـــــال قـائلها***إلـــــى مكـــــارم هــذا ينتهي الكرم‏

يكـــــاد يمـــــسكه عـــــرفان راحته***ركـــــن الحـــطيم إذا ما جاء يستلم

وليـــــس قـــــولك مــن هذا بضائره***العـــــرب تعرف من أنكرت والعجم

ينـــــمي إلـــى ذروة العز التي قصر***عــــن نيــلها عرب الإسلام والعجم

يغـــــضي حـياء ويُغضى من مهابته***فــــما يـــــكلـم إلا حـــــين يبـــــتـسم‏

ينجاب نور الدجى عن نـــور غـرته***كالشمـس ينجاب عن إشراقها الظلم

بكـــــفه خـــــيزران ريحـــــه عـــبق***مـــــن كــف أروع في عرنينه شمم

ما قـــــال لا قـــــط إلا فـــــي تشهده***لـــــولا التشـــــهد كــــــانت لاؤه نعم

مشتـــــقة مـــــن رســـول الله نبعته***طـــــابت عـــــناصره والخيم والشيم

حـــــمال أثـــــقال أقــــوام إذا قدحوا***حلـــــو الشـــــمائل تحـــلو عنده نعم‏

إن قـــــال قـــــال بما يهوى جميعهم***وإن تكـــــلم يـــــوماً زانـــــه الكــلم

هـــــذا ابــــن فاطمة إن كنت جاهله***بجـــــدّه أنبـــــياء الله قـــــد خـــتموا

‏مـــــن جـــــده دان فضـل الأنبياء له***الله فضـــــله قـــــدما وشـــــرفــــــه

عـــــم البريــــة بالإحسان وانقشعت***عـــــنها العـــماية والإملاق والظلم

كــــــــلتا يديه غــــــــياث عم نفعهما***يستــــــــوكفان ولا يعـــروهما عدم

‏ســــــــهل الخــليفة لا تخشى بوادره***يزينــــــــه خـــصلتان الحلم والكرم

‏لا يــــــــخلف الوعــــد ميمونا نقيبته***رحــــــــب الفــناء أريب حين يعترم

من معــــــــشر حــبهم دين وبغضهم***كــــــــفر وقــــربهم منجى ومعتصم‏

يستــــــــدفع الســــوء والبلوى بحبه***ويستــــــــزاد بــه الإحسان والنعم

‏مقــــــــدم بعــــــــد ذكر الله ذكـــــرهم***فـــــي كل فرض ومختوم به الكلم‏

إن عــــــــد أهـل التقى كانوا أئمتهم***أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جــــــــواد بعـــــــد غايتهم***ولا يــــــــدانيهم قـــــوم وإن كرموا

هم الغــــــــيوث إذا مـــا أزمة أزمت***والأسد أسد الشرى والبأس محتدم

يأبــــــــى لهــم أن يحل الذم ساحتهم***‏خيــــــــم كــــريم وأيد بالندى هضم‏

لا يقبــــــض العسر بسطا من أكفهم***سيـــــان ذلك إن أثروا وإن عدموا

إن القــــــــبائل ليســـــت في رقابهم***لأوليــــــــة هــــــــذا أو لــــــــه نعم

من يعــــــــرف الله يعـــرف أولية ذا***‏فالديــــــــن من بـيت هذا ناله الأمم

بــــــــيوتهم في قــريش يستضاء بها***في النــائبات وعند الحلم إن حلموا

فجــــــــده من قـــــريش في أرومتها***محــــــــمد وعــــــــلي بعــــــده علم

‏بــــــــدر له شاهد والشعــب من أحد***والخـــــندقان ويوم الفتح قد علموا

وخيــــــــبر وحنــــــــين يشــهدان له***وفــــــــي قريظــــــــة يوم صيلم قتم

‏مــــــــواطن قــــــد علت في كل نائبة***عــــلى الصحابة لم أكتم كما كتموا

فغضب هشام ومنع جائزته، وقال: ألا قلت فينا مثلها.

قال: هات جدا كجده، وأبا كأبيه، وأما كأمه، حتى أقول فيكم مثلها.

فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين (ع) ، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، وقال: «أعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به».

فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت، إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا.

فردها إليه وقال: «بحقي عليك لما قبلتها، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك» فقبلها.

فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله:

أ يحبسني بين المدينة والتي

إليها قلوب الناس تهوى منيبها

تقلب رأسا لم يكن رأس سيد

وعينا له حولاء باد عــــــيوبها

فأخبر هشام بذلك فأطلقه، وفي رواية أنه أخرجه إلى البصرة(1).

 

(1) راجع المناقب: ج4 ص169-172 فصل في سيادته (ع) .