معاجزه (عليه السلام) وارتباطه بعالم الغيب:

 انّ الإمام العسكري (عليه السلام) ـ كآبائه الكرام ـ يتمتّع بارتباط خاصّ بالله تعالى والملائكة وعالم الغيب وله علوم تتعلّق بما وراء هذا العالم وإحاطة هي من لوازم الولاية الّتي هي من شؤون الإمامة. وقد ذكرت الكتب وروايات العلماء موارد كثيرة من المعاجز والأخبار الغيبيّ الّتي صدرت من الإمام (عليه السلام)، واستعراضها جميعاً يحتاج إلى كتاب مستقلّ، ونحن هنا في هذه الدّراسة المضغوطة نكتفي بذكر عدّة أمثلة من هذا الباب:

 1 ـ يقول أبو هاشم الجعفري:

 دخلت على أبي محمّد (الإمام العسكري (عليه السلام)) يوماً وأنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتماً أتبرّك به فجلست وأُنسيت ما جئت له، فلمّا ودعّت ونهضت رمى اليّ بالخاتم فقال: أردت فضّة فأعطيناك خاتماً، ربحت الفصّ والكرا، هنّاك الله يا أبا هاشم. فقلت: يا سيّدي أشهد انّك ولىّ الله وأمامي الّذي أدين الله بطاعته، فقال: غفر الله لك يا أبا هاشم(1).

 2 ـ يقول أبو هاشم داوود بن القاسم:

 كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر، انا والحسن بن محمّد العقيقي ومحمّد بن ابراهيم العمري وفلان وفلان، إذ ورد علينا أبو محمّد الحسن (عليه السلام) وأخوه جعفر، فخففنا إلى خدمته وكان المتولّي لحبسه صالح بن وصيف، وكان معنا في الحبس رجل جميحي يقول: انه علويّ. قال: فالتفت أبو محمّد (عليه السلام)فقال: لو لا انّ فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرج عنكم، وأومأ إلى الجميحي ان يخرج فخرج، فقال أبو محمّد (عليه السلام): هذا الرّجل ليس منكم فاحذذروه فانّ في ثيابه قصّة قد كتبها إلى السّلطان يخبره بما تقولون فيه، فقام بعضهم ففتّش ثيابه فوجد فيها القصّة يذكرنا فيها بكلّ عظيمة...(2).

 3 ـ ويقول محمد بن الربيع الشيباني:

 ناظرت رجلاً من الثنويّة (الّذين يؤمنون بالهين) بالأهواز ثمّ قدمت سرّ من رأى وقد علق بقلبي شيء من مقالته، فانّي لجالس على باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمّد من دار العامّة يوم الموكب فنظر إليّ واشار بسبّابته: أحد أحد فوَحِّدْه، فسقطت مغشيّاً عليّ(3).

 4 ـ يقول اسماعيل بن محمّد:

 قعدت لأبي محمّد الحسن (العسكري (عليه السلام)) على باب داره حتى خرج فقمت في وجهه وشكوت إليه الحاجة والضّرورة وأقسمت انّي لا املك الدّرهم فما فوقه، فقال: تقسم وقد دفنت مأتي دينار، وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطيّة اعطه يا غلام ما معك، فأعطاني الغلام مأة دينار، فشكرت الله تعالى ووليّت، فقال (عليه السلام): ما اخوفني ان تفقد مأتي دينار احوج ما تكون إليها. فذهبت إليها فافتقدتها فاذا هي في مكانها فنقلتها إلى موضع آخر ودفنتها من حيث لا يطّلع أحد ثمّ قعدت مدّة طويلة فاضطررت إليها فجئت اطلبها في مكانها فلم أجدها فجئت وشقّ ذلك عليّ فوجدت ابناً لي قد عرفت مكانها وأخذها وابعدها ولم يحصل لي شيء فكان كما قال(4).

 5 ـ يقول محمّد بن عيّاش:

 تذاكرنا آيات الإمام (معاجز الإمام العسكري (عليه السلام)) فقال ناصبي: ان أجاب عن كتاب بلا مداد (أي حبر) علمت انه حقّ، فكتبنا مسائل وكتب الرّجل بلا مداد على ورق وجعل في الكتب وبعثنا إليه، فأجاب عن مسائلنا، وكتب على ورقه (ورقة النّاصبي) اسمه واسم أبويه، فدهش الرّجل فلما أفاق اعتقد الحقّ(5).

 6 ـ ويقول عمر بن أبي مسلم:

 كان سميع المسمعي يؤذيني كثيراً ويبلغني عنه ما اكره، وكان ملاصقاً لداري، فكتبت إلى أبيى محمّد (الإمام العسكري (عليه السلام)) أسأله الدّعاى بالفرج منه، فرجع الجواب ابشر بالفرج سريعاً وأنت مالك داره، فمات بعد شهر واشتريت داره فوصلتها بداري ببركته(6).

 7 ـ يقول أبو حمزة نصير الخادم:

 سمعت أبا محمد (الإمام العسكري (عليه السلام)) غير مرّة يكلّم غلمانه بلغاتهم وفيهم ترك وروم وصقالبة، فتعجّبت من ذلك وقلت هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتّى مضى أبو الحسن (عليه السلام) ولا رأه أحد فكيف هذا احدّث نفي بذلك، فأقبل عليّ فقال: ان الله عزّوجلّ أبان حجّته من ساير خلقه واعطاه معرفة كلّ شيء فهو يعرف الّلغات والأنساب والحوادث، ولو لا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق(7).



(1) أصول الكافي، ج1 ز ص 512.

(2) اعلام الورى، ص373 ـ نور الأبصار، طبعة القاهرة، ص183 ـ الفصول المهّمة لابن صباغ المالكي، ص286، مع بعض الاختلاف.

(3) كشف الغمة في معرفة الأئمّة، ج3، ص305.

(4) أحقاق الحق، ج12، ص470، نقلاً عن الفصول المهّمة لابن صباغ المالكي: ص286.

(5) المناقب، طبعة النجف، ج3، ص538.

(6) كشف الغمّة، ج3، ص302.

(7) الارشاد للمفيد، ص322.