بعض أصحاب الإمام (عليه السلام):

 صحيح انّ الاصحاب المقرّبين للإمام العسكري (عليه السلام) لم يكونوا كثيرين بسبب ما كان يعيشه الإمام من محدودّيات وما كان يعيشه المجتمع من اضطهاد، إلاّ انّ هؤلاء الافراد القليلين الّذين فازوا بمرافقة الإمام والانتفاع به يعتبرون من جملة كبار رجال الله ومن ابرز العلماء المتقين، ونذكر هنا باختصار بعضاً من هؤلاء:

 1 ـ أحمد بن اسحاق الأشعريّ القميّ: وهو من الأصحاب المقرّبين وعمّال الإمام العسكري (عليه السلام)، ويعدّ كبير القميّين، وكان يحمل مسائل أهل قم إلى الإمام ويستلم منه الجواب عليها، وقد ادرك أيضاً زمان الإمام الجواد والإمام الهادي (عليهما السلام) وروى عنها كذلك(1).

 وكتب أحمد بن اسحاق رسالة إلى الحسين بن روح القميّ ـ النّائب الثالث للإمام في عصر الغيبة الصّغرى ـ يستأذنه في الحجّ، فأذن له وبعث إليه بثوب، فقال أحمد بن اسحاق: نعى إليّ نفسي، فانصرف من الحج فمات بحلوان(2).

 يقول سعد بن عبدالله فيما يتعلّق بوفاة أحمد بن اسحاق:

 اصابته الحمّى في مكان يبعد ثلاثة فراسخ عن حلوان (پل ذهاب) ومرض مرضاً شديداً بحيث يئسنا منه، ولمّا وصلنا إلى حلوان أقمنا في خان فقال أحمد: اتركوني اللّيلة وحدي وأذهبوا إلى أماكنكم، فذهب كلّ واحد منّا إلى مكانه الخاصّ، وقريب الصّباح فكرّت فيه وقلقت عليه، وبمجرّد ان فتحت عيني شاهدت أمامي كافوراً خادم مولاي الإمام العسكري (عليه السلام) وهو يقول:

 « أحسن الله بالخير عزاءكم وجبر بالمحبوب رزيّتكم ».

 ثمّ اضاف: لقدتمّ تغسيل وتكفين مرافقكم أحمد، فانهضوا لدفنه، انّه بسبب قربه إلى الله تعالى كان أكرم منكم جميعاً عند مولاكم. ثم غاب عن أنظارنا(3).

 2 ـ أبو هاشم داوودد بن القاسم الجعفري:

 وهو من أحفاد جعفر الطيّار (عليه السلام) (4) ومن أعظم رجال أهل بيته وأهل بغداد، وكانت له منزلة رفيعة ومقام محمود عند الأئمة (عليهم السلام)، وقد ادرك الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عليهم السلام)، وكان من جملة الوكلاء والعمّال للإمام صاحب العصر والزمان (عليه السلام) في أوائل الغيبة الصّغرى.

 وكان أبو هاشم مقرّباً جدّاً عند الأئمّة (عليهم السلام) ويعدّ من محبّيهّم الواقعيّين وأصحابهم الخاصّين، وقد نقل عدداً كبيراً من الرّوايات عنهم (عليهم السلام) وألّف كتاباً أيضاً، وهناك طائفة كبيرة من أبرز رجال الشّيعة تروي عن كتابه هذا(5).

 وكان أبو هاشم رجلاً متحرّراً شجاعاً غير مبال، فعندما جاءوا برأس يحيى بن عمر الزّيدي(6) إلى محمّد بن عبدالله بن طاهر والي بغداد بارك له البعض هذا النّصر وهنّأوه عليه، فذهب أبو هاشم إلى هذا الوالي وخاطبه من دون تحفّظ: أيها الأمير جئتك لأبارك لك شيئاً لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيّاً لأقام العزاء عليه!

 وسكت الوالي ولم يقل شيئاً في جواب أبي هاشم(7).

 3 ـ عبدالله بن جعفر الحميري:

 وهو من ابرز رجال قم ومن جملة الأصحاب المقرّبين للإمام العسكريّ (عليه السلام)، وقد ألّف كتباً كثيرة، منها كتاب « قرب الاسناد » الّذي كان ولا يزال مورد اهتمام كبار علماء الشّيعة وفقهائها.

 وبعد عام (290) بقليل رحل إلى الكوفة واقتبس منه أهل الكوفة الحديث(8).

 4 ـ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري:

 وهو النّائب الأوّل للإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشّريف أثناء الغيبة الصّغرى، وكان رجلاً شريفاً وموثّقاً ومن كبار أصحاب ووكلاء الإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي (عليهم السلام)، وقد نشأ وشبّ منذ سنّ الحادية عشرة في خدمة الإمام الهادي (عليه السلام) وكان الرّابط والواسطة بين النّاس والإمام الهادي والإمام العسكري والإمام الغائب (عليهم السلام)، وكانت تظهر على يديه أحياناً بعض الكرامات.

 وكما أشرنا من قبل فقد كان أوّل نائب من النّواب الخاصّين لإمام العصر (عج)، وقبل ذلك كان الإمام الهادي والإمام العسكري (عليهما السلام)يرجعان النّاس إليه ليتعلّموا منه المسائل والأحكام. وكلّ واحد من الإمام الهادي والإمام العسكري (عليهما السلام) كان يقول في حقّه: أبو عمرو (عثمان بن سعيد) ثقتي وأميني، وما ينقله فهو ينقل عنيّ، وما يوصله إليكم فهو يوصله من قبلي(9).


(1) تنقيح المقال، ج1، ص50.

(2) اختيار معرفة الرجال، ص557.

(3) منتهى الآمال، ص279.

(4) جامع الرواة، ج1، ص307: « داوود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب... ».

(5) تنقيح المقال، ج1، ص412 ـ 413، وليرجع من شاء إلى الأجزاء التي تتناول حياة الإمام التاسع والإمام العاشر والإمام الحادي عشر من بحار الأنوار.

(6) يحيى هو أحد العلويين الاتقياء الشجعان وقد ثار على حكومة المستعين العباسي وقتل.

(7) قاموس الرجال، ج4، ص59.

(8) تنقيح المقال، ج2، ص174.

(9) تنقيح المقال، ج2، ص245، قاموس الرجال، ج6، ص245.