علمـه: كان
الإمام الباقر (عليه السلام) كسائر
الأئمة يأخذ علمه من منبع الوحي فلم يكن
لهم من يعلمهم وهم لا يتعلمون من بشر فكان
جابر بن عبد الله يأتيه ويكتسب منه العلم
ويقول: « يا باقر ! اشهد
انك أوتيت العلم صبياً »(1). يقول
عبد الله بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء
يتواضعون لأحد كتواضع الحكم بن عتيبة ـ
وكان له عند الناس منزلة علمية رفيعة ـ
بين يدي الإمام الباقر (عليه
السلام)، فكأنه طفل بين
يدي معلمه(2). وقد
كان سمو شخصيته وعظمة علمه تأخذ بالألباب
حتى أن جابر بن يزيد الجعفي كان يقول عنه: «حدثني
وصي الأوصياء ووارث علوم الأنبياء محمد
بن علي بن الحسين...»(3). سأل
رجل عبد الله بن عمر عن مسألة فبقي
متحيراً في جوابها ثم أشار إلى الإمام
الباقر (عليه السلام) وقال:
سل من هذا الغلام وأعلمني بالجواب. فسأل
الرجل الإمام عنها وسمع منه جواباً
مقنعاً، ونقل ذلك لعبد الله بن عمر، فقال
عبد الله: « إن هؤلاء أهل بيت جاءهم العلم
من عند الله »(4). ينقل
أبو بصير: إنني كنت برفقة الإمام الباقر (عليه
السلام)
فدخلنا مسجد المدينة والناس تروح وتجي،
فقال لي الإمام (عليه
السلام): سل الناس هل
يشاهدونني ؟ فكنت كلما لقيت رجلاً سألته:
هل رأيت أبا جعفر، فيجيبني بالسلب،
والإمام (عليه السلام) واقف
إلى جانبي وهم لا يرونه. وبينا نحن كذلك
إذ دخل علينا أبو هارون وهو أحد أصحاب
الإمام المخلصين وقد كان بصيراً، فقال لي
الإمام أسأله أيضاً. فسألت
أبا هارون: هل رأيت أبا جعفر ؟ فأجابني:
أليس هو واقفاً إلى جنبك ؟ قلت:
من أين عرفت ؟ قال:
كيف لا أعرف وهو نور ساطع(5). وينقل
أبو بصير أيضاً: إن الإمام الباقر (عليه
السلام)
سأل رجلاً من أهل أفريقيا عن رجل من شيعته
اسمه « راشد »، فأجاب: انه بخير ويبلغك
سلامه. فقال
الإمام: يرحمه الله. فقال
الرجل متعجباً: أهو قد مات ؟ فقال:
نعم. فسأل:
متى حدث ذلك ؟ قال:
بعد مغادرتك بيومين. فقال
الرجل: انه والله لم يكن مريضاً. فأجاب:
وهل كل من يموت فهو عن مرض ؟ وعندئذ
سأل أبو بصير الإمام (عليه السلام)
عن ذلك الشخص المتوفى. فقال
الإمام: انه كان من شيعتنا
ومحبينا، أتظن انه ليس لنا عيون بصيرة
وآذان سميعة معكم، بئس الظن ! والله ما من
شيء من أفعالكم يخفى علينا، فاعلموا إننا
معكم وعودّوا أنفسكم على فعل الخير
وكونوا من أهله حتى تُعرفوا به ويصبح
علامة عليكم، وإنّني لأمر أبنائي وشيعتي
بهذا المنهج(6). يقول
أحد الرواة: كنت في الكوفة اعلّم القرآن
لإحدى النساء ، فلاطفتها يوماً، ثم قصدت
لقاء الإمام الباقر (عليه السلام)
فلما
لقيته بادرني قائلاً: إن
الله لا يعبأ بمرتكب الذنب حتى في
الخفاء، ماذا قلت لتلك المرأة ؟ فأخفيت
وجهي من الخجل وتبت، فقال لي الإمام (عليه السلام):
لا تعد لمثل هذا(7). (1)
ـ علل الشرائع للشيخ الصدوق، ج1 ص222،
طبعة قم. (2)
ـ الإرشاد للشيخ المفيد ـ طبعة
الاخوندي ـ ص246. (3)
ـ الإرشاد للشيخ المفيد ـ طبعة
الآخوندي ـ ص246. (4)
ـ المناقب لابن شهر آشوب ـ طبعة النجف ـ
ج3 ص329. (5)
ـ بحار الأنوار ج46 ص243، نقلاً عن خرائج
الراوندي. (6)
ـ بحار الانوار ج46 ص243، نقلاً عن خرائج
الراوندي. (7)
ـ بحار الأنوار ج46 ص247، نقلاً عن خرائج
الراوندي.
|