أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)

تربى في مدرسة الإمام باقر العلوم ـ صلوات الله وملائكته عليه ـ تلامذة بارزون ممتازون نشير إشارة عابرة إلى أسماء بعض منهم:

1 ـ « ابان بن تغلب »: وقد حضر مجلس ثلاثة من الأئمة هم الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق:، وقد كان أبان من ابرز الشخصيات العلمية في عصره، وكان متضلعاً في علم التفسير والحديث والفقه والقراءة واللغة.

وكانت منزلته العلمية رفيعة إلى الحدّ الذي أمره الإمام الباقر (عليه السلام) إن يجلس في مسجد المدينة ويفتي الناس، معلّلاً ذلك: بانني أحب ان يرى الناس امثالك بين شيعتنا.

وكلما دخل ابان إلى المدينة تبعثرت حلقات الدرس المنعقدة فيها لتجتمع اليه في مسجد المدينة فتترك له منصة الخطابة التي كان يشغلها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولما بلغ الإمام الصادق (عليه السلام) نبأ وفاته قال:

« أما والله لقد آلم قلبي موت أبان ».

2 ـ « زرارة »: ان علماء الشيعة يعدون ستة رجال هم أفضل من رباهم الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام)، ويعتبر زرارة واحداً من هؤلاء.

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): لو لم يكن « بريد بن معاوية » و « أبو بصير » و « محمد بن مسلم » و « زرارة » لاندثرت آثار النبوة « علوم الشيعة »، فهؤلاء أمناء الله على حلاله وحرامه.

ويقول أيضاً:

«بريد » و «زرارة » و «محمد بن مسلم » و « الاحول » هم أحب الناس إليّ أحياءً وامواتاً.

وقد كان زرارة في حبه للإمام صامداً وصلباً بحيث اضطر الإمام الصادق (عليه السلام) للتظاهر بانه يقدح فيه وينال منه حفاظاً على حياته، وقد بعث إليه سراً: إنني إنما أقدح فيك للتأمين على حياتك فان الأعداء يبذلون قصارى جهدهم لإيذاء من يحبنا ويتمسك بنا، وقد اشتهر عنك انك من محبينا، ولهذا فقد اضطررت للتظاهر بالانتقاص منك.

وقد كان لزرارة حظّ وافر من القراءة والفقه والكلام والشعر والأدب العربيين، وكانت علامات الفضيلة والتدين واضحة عليه(1).

3 ـ « الكميت الاسدي »: وكان شاعراً راقياً، وقد استخدم لسانه الطلق ونظم شعره العذب الرصين في الدفاع عن أهل البيت (عليهم السلام)، ويعدّ شعره قاصماً لظهور الأعداء وفاضحاً لقبائحهم بحيث قد هُدّد بالقتل مرات عديدة من قبل الخلفاء الأمويين.

وذكر الحقائق ولا سيما الدفاع عن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك الزمان كان من الخطورة بمكان بحيث لا يجرؤ عليه إلاّ الرجل الشجاع، ويعدّ الكميت من أقوى الشخصيات التي لم تهب الموت في مرحلة الحكم الأموي، وقد أعلى الحق بكل ما يستطيع من قوة واوضح للناس الوجه الحقيقي للأمويين.

ويصف الكميت في بعض اشعاره الائمة الحق في مقابل بني أمية بهذه الصورة:

« ساسة لا كمن يرى رعيـه النا     س سواء ورعيـة الأنعـام

  لا كعبـد المليك ولا كالوليـد     أو سليمان بعد او كهشـام »

ويصف الحاكم الأموي فيقول:

« مصيب على الأعواد يوم ركوبها     بما قال، مخطـئ حين ينـزل

   كلام النبييـن الهـداة بفيهـم     وأفعال أهل الجاهليـة يفعـل »(2)

وكان الكميت مغرماً بحب الإمام الباقر(عليه السلام)، وهو ينسى نفسه تماماً في سبيل هذا الحب، وفي أحد الأيام كان ينشد للإمام (عليه السلام) بعض الشعر الذي نظمه في مدحه، فاتجه الإمام (عليه السلام) نحو الكعبة وردّد ثلاث مرات: اللهم ارحم الكميت، والتفت نحو الكميت قائلاً له: لقد جمعت لك من أهل بيتي مائة ألف درهم.

فقال الكميت: والله لا أريد ذهباً ولا فضة، وإنما أريد منك ان تمنحني واحداً من ثيابك. فاعطاه الإمام ثوبه(3).

وفي أحد الأيام كان جالساً عند الإمام الباقر(عليه السلام) فأخذ الإمام (عليه السلام) يقرأ هذا البيت من الشعر متذمراً من أوضاع زمانه:

ذهب الذين يُعاش في اكنافهم     لم يبق إلاّ شاتم أو حاسد

فأجاب الكميت على الفور:

وبقى على ظهر البسيطة واحد     فهو المراد وانت ذاك الواحد(4)

4 ـ «محمد بن مسلم »: وهو فقيه أهل البيت ومن الأصحاب الأوفياء للإمامين الباقر والصادق (عليه السلام)، وكما ذكرنا من قبل فان الإمام الصادق (عليه السلام) كان يعدّه من جملة الرجال الأربعة الذين خلدوا آثار النبوة.

ومحمد هو من أهل الكوفه وقد قدم إلى المدينة ليكتسب العلم من الإمام الباقر(عليه السلام) (هذا البحر الزاخر)، وبقي في المدينة لهذا الغرض أربع سنين.

يقول: « عبد الله بن يعفور » ذكرت للإمام الصادق (عليه السلام) إنني في بعض الاحيان اتعرّض لاسئلة لا اعرف جوابها ولا سبيل لي للوصول اليك، فماذا أفعل ؟

فدلنّي الإمام (عليه السلام) على «محمد بن مسلم » وقال لي: لماذا لا تسأله ...(5).

وجاءت امرأة في الكوفة إلى دار محمّد بن مسلم ليلاً وقالت: له لقد ماتت زوجة ولدي وفي بطنها جنين فكيف أتصرّف ؟ قال لها محمد بن مسلم: حسب ما أمر به الإمام الباقر (عليه السلام)، لابد من شق بطنها واخراج الوليد ثم تدفن الميتة.

ثم التفت إلى المرأة وسألها:

من الذي دلّك علي ؟

فقالت: لقد ذهبت إلى «أبي حنيفة » استفتيه فاعتذر عن الجواب وأمرني بالذهاب إلى محمد بن مسلم وقال لي: ان افتاك بشيء فأعلميني بالجواب.

وفي أحد الأيام بعد هذه الحاديثة رأى محمد بن مسلم أبا حنيفة في مسجد الكوفة وهو يحدث أصحابه في تلك المسألة ويحاول ان ينسب الإجابة لنفسه. فتنحنح محمد بن مسلم معرّضاً به ففهم أبو حنيفة مقصوده فقال له:

«غفر الله لك لماذا لا تتركنا نعيش »(6).

 



(1) ـ جامع الرواة: ج1 ص117 و ص 324 ـ 325.

(2) ـ الشيعة والحاكمون: ص128.

(3) ـ سفينة البحار: ج2 ص496.

(4) ـ منتهى الامال: طبعة عام 1372 هـ. ق. ج2 ص7.

(5) ـ تحفة الأحباب للمحدث القمي ص351 ـ جامع الرواة: ج2 ص164.

(6) ـ رجال الكشي: ص162، طبعة جامعة مشهد.