محاصرة
الإمام (عليه
السلام)
واستشهاده: انّ كلّ باحث عند ما يتأمّل في حياة
الإمام الهادي (عليه
السلام) يدرك أنّ هذا الإمام الجليل
قد عاش حياته كلّها تحت الضّغط والحصار
المروّع، ومن الواضح ان هذا الوضع لم يكن
مقصوراً على هذا الزّمان وانّما كان
الأمر على هذا المنوال طيلة مرحلة بني
أميّة وبني العبّاس سوى فترات محدودة،
فقد كان الخلفاء الغاصبون يدوسون
بأقدامهم على المجتمع ولا يهتمون
بمصالحه ويتخذون النّاس وسيلة لتحقيق
مصالحهم الشّخصية ومنافعهم الذّاتيّة.
وفي أثناء تسلّط الخلفاء الظّالمين كان
الرّعب والفزع مسيطراً بحيث لم يجرؤ
النّاس على القيام ضدّ الطّغاة،
والانتفاع بقيادة الأئمة المعصومين (عليهم
السلام) وإيجاد الحكومة الإسلاميّة
الحقيقيّة، ومن هنا فقد كانت علاقة
الأمّة بالإمام محدودة جدّاً، وكما مرّ
علينا فانّ حكومة ذلك أجبرت الإمام
الهادي (عليه السلام) على الرحيل من المدينة الى مركز الخلافة
حينذاك، أي سامرّاء، وجعلته (عليه
السلام) تحت الرقابة الشديدة، ومع
كلّ الضغوط المسلّطة عليه فانّ الإمام (عليه السلام)
تحمّل الآلآم والمحدوديّات المفروضة
عليه ولم يستسلم لرغبات الظالمين، ومن
البديهي ان شخصيّة الإمام القويّة
ومركزه الاجتماعي الرفيع ونضاله السلبي
وعدم تعاونه مع الخلفاء (كلّ هذه الأمور)
كانت مرعبة للطواغيت ومُرّة المذاق،
وكان بنو العبّاس يعانون من هذا الأمر
كثيراً وباستمرار، وبالتالي فقد توصّلوا
الى الحيلة الوحيدة لمعالجته وهو اطفاء
نور الله وقتل ذلك الإمام الجليل. وهكذا فان الإمام الهادي (عليه السلام) (مثل آبائه الكرام) لم يرحل عن الدّنيا
بواسطة الموت الطّبيعيّ، وانّما قد سُمّ
في خلافة المعتزّ العبّاسي(1)، وفي الثّالث من شهر رجب سنة «254» هجريّة
ارتحل الى الرّفيق الأعلى ودفن في داره
الواقعة في سامرّاء(2). وقد حاول المعتزّ وبطانته اظهار أنفسهم
بمظهر المحبّين والمخلصين للإمام
فاشتركوا في مراسم الصّلاة على الإمام
ودفنه ليستغّلوا هذا الأمر لأغراضهم
الوضيعة ويخدعوا العوام ويغطّوا على
جريمتهم النّكراء، لكنّنا نحن الشّيعة
نعتقد انّ جثمان الإمام لابدّ ان يصلّي
عليه إمام معصوم، ولهذه فانّه قبل اخراج
الجثمان الطّاهر للإمام فقد قام
بالصّلاة عليه ابنه الإمام الحسن
العسكريّ (عليه
السلام)(3)، ثمّ بعد أن أخرجت الجنازة أمر المعتزّ
أخاه أحمد بن المتوكّل بإقامة الصّلاة
على جثمان الإمام (عليه السلام) في شارع «أبي أحمد». وهبّ النّاس
للمشاركة في تشييع الإمام وازدحمت بهم
الشّوارع وارتفع البكاء والنّحيب، وبعد
انتهاء المراسم أُعيدت الجنازة الى بيت
الإمام (عليه السلام)
ودفن فيه جثمانه(4)، سلام الله وصلواته عليه وعلى آبائه
الطّاهرين. |