الإمام الثالث

 الحسين بن علي (عليه السلام)

في اليوم الثّالث من شعبان، من السّنة الرّابع للهجرة(1)، ولد المولود الثّاني لعليّ وفاطمة:، في بيت الوحي والولاية.

وحين بلغ نبأ ولادته للنّبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلم)، جاء إلى بيت عليّ وفاطمة (عليه السلام)، وطلب من أسماء(2)، أن تأتي بإبنه، فلفّته أسماء بملاءة بيضاء، وجاءت به للنّبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلم)، فأذَّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى(3).

وفي الايّام الأولى من ولادته المباركة أو اليوم السّابع منها، هبط الأمين جبرئيل وقال: «إنّ الله ـ عزّوجلّ ذكره ـ يقرئك السّلام ويقول لك، إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه بإسم ابن هارون، قال: ما كان اسمه ؟ قال: شبير(4) قال: لساني عربيّ، قال: سمّه الحسين، فسمّاه الحسين(5).

وعقّت فاطمة (عليها السلام) عن ابنيها وحلقت رؤوسهما في اليوم السّابع(6)، وتصدّقت بوزن الشعّر ورقا(7).

 

الحسين (عليه السلام) والنبـيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم):

كان الرّسول(صلّى الله عليه وآله وسلم) يؤكّد على محبّته وحنانه للإمام الحسين(عليه السلام) في مناسبات عديدة، منذ ولادته في السّنة الرّابعة للهجرة، حتّى يوم وفاته(صلّى الله عليه وآله وسلم)، الّتي تمتد ستّة سنوات وعدّة أشهر، ويعرّف النّاس بمقام الإمام الثّالث وسموّه.

يقول سلمان الفارسي: «كان الحسين على فخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو يقبّله ويقول: أنت السّيد وإبن السّيد أبو السّادة، أنت الامام وابن الإمام أبو الأئمّة، أنت الحجّة أبو الحجج، تسعة من صُلبك وتاسعهم قائمهم»(8).

عن أنس بن مالك، قال: سئل النّبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلم) أيّ أهل بيتك أحبّ إليك قال: الحسن والحسين(عليهما السلام)(9)، وكان يقول لفاطمة: أدعي لي إبنيَّ، فيشّمهما ويضمّهما إليه(10).

عن أبي هريرة: قال خرج علينا رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلم) ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرّة ، وهذا مرّة، حتى انتهى إلينا، فقال: من أحبّهما فقد أحبّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني(11).

وعن مدى العلاقة المعنويّة الملكوتيّة بين النبيّ والحسين، بما تملكه من سموّ وإنشداد وتعبير، يمكن التعرّف عليها بهذه الجملة الموجزة المعبّرة الّتي نطق بها الرّسول(صلّى الله عليه وآله وسلم): « حسين منّي وأنا من حسين »(12).

 

الحسين مع أبيه:

أمضى الحسين (عليه السلام) ستّة أعوام من عمره مع النّبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلم) وحين ودّع الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) هذه الحياة، عاش مع أبيه ثلاثين عاماً، ذلك الأب الّذي لم يحكم إلاّ بالعدل والأنصاف، ولم يعش إلاّ بالطّهارة والعبوديّة، ولم ير إلاّ الله، ولم يطلب، ولم يشهد إلاّ الله، ذلك الأب الّذي لم توفّر له الظّروف الصّعبة القاسية الّتي عاشها خلال خلافته الهدؤ والاستقرار، كما آذوه حين إغتصاب خلافته.

والإمام الحسين (عليه السلام) خلال هذه المدّة الطّويلة الصّعبة، كان مطيعاً بقلبه وروحه، لأوامر أبيه وتوجيهاته، وفي السّنوات الّتي تولّى بها الإمام عليّ (عليه السلام) الخلافة الظاهريّة الصوريّة، كان الحسين (عليه السلام) جنديّاً مقاتلاً فدائيّاً كأخيه، وبذل أقصى جهوده في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية، وساهم في معارك الجمل وصفّين والنّهروان(13).

وبذلك كان مدافعاً عن أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكان أحياناً، يندّد أمام الرّأي العام بمغتصبي الخلافة.

وأبان خلافة عمر، دخل آلاما الحسين (عليه السلام) يوماً المسجد، فرأى الخليفة الثّاني على منبر الرّسول(صلّى الله عليه وآله وسلم) يخطب، وبلا تردّد، إرتقى الإمام الحسين (عليه السلام) المنبر، وهتف: «إنزل عن منبر أبي...»(14).

 

الإمام الحسين (عليه السلام) مع أخيه:

بعد شهادة الإمام عليّ (عليه السلام) إنتقلت إمامة الشيعة للإمام الحسن (عليه السلام) ، إتّباعاً لأمر النّبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلم) ووصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ووجب على جميع النّاس الاستجابة لتوجيهات الإمام الحسن (عليه السلام) وإرشاداته، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) الّذي نشأ في أحضان الوحي المحمّدي، والولاية العلويّة، مشاركاً لأخيه ومعيناً.

وحين أرغم الإمام الحسن (عليه السلام) على الصّلح مع معاوية، حفاظاً على مصالح الإسلام العليا، والامّة الإسلامية، وتحمل كلّ المتاعب والتّحدّيات، في هذا السّبيل، كان الإمام الحسين (عليه السلام) شريكاً لاخيه في أوجاعه ومحنه، ولانّه كان يعلم بأنّ هذا الصّلح في صالح الاسلام والمسلمين، لذلك لم يعترض على أخيه، وحتى أنّه في يوم من الايّام، تحدّث معاوية بكلام بذي عن الإمام الحسن وأبيه (عليهما السلام)، وكان الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) حاضرين في المجلس فلما اندفع الإمام الحسين (عليه السلام) للردّ على معاوية، دعاه الإمام الحسن (عليه السلام) إلى الصّمت والهدوء، فاستجاب الإمام الحسين (عليه السلام) لطلب أخيه، وجلس، وبعد ذلك، تصدّى الإمام الحسن (عليه السلام) نفسه للرّدّ على معاوية، وأسكته ببيان بليغ قويّ(15).

 

الإمام الحسين(عليه السلام) في زمان معاوية:

حينما فارق الإمام الحسن (عليه السلام) الحياة إنتقلت إمامة الشيعة، لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، إتّباعاً لنصّ النّبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلم) ووصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعيّن من قبل الله، قائداً وإماماً للامّة.

ورأى الإمام الحسين (عليه السلام) معاوية، مستولياً على زمام الخلافة الإسلامية، معتمداً في ذلك على القوّة الكامنة في الإسلام، وهو يبذل أقصى جهوده الجهنّميّة، وبشتّى الأساليب العدوانيّة، في هدم أُسس الامّة الإسلامية، والتّعاليم الإلهية، وكانت هذه الدّولة الهدّامة الجوفاء تغيض الإمام الحسين (عليه السلام)، وتؤلمه بشدّة، ولكن لم يتمكّن من مواجهتها بالقوّة، وتحشيد القوى، لضربها، وعزل معاوية عن مسند الخلافة الإسلامية، كما عاش أخوه الإمام الحسن (عليه السلام) ظروفاً مشابهة لما يعيشه.

كان الإمام الحسين (عليه السلام) على علم، بأنّه لو أظهر نواياه وطموحاته ، وعمل على تجميع القوى وتحشيدها، والسّعي في خرب الدّولة الأموية، فإنّه سوف يقتل، قبل القيام بأيّة إنتفاضة أو تحرّك فاعل، لذلك إضطرّ للسّكوت والصّبر على مضيض، متألّماً من واقعه الموجع، وأنه لو تحرّك سوف يقتل ، دون أن يؤدّي قتله إلى أيّة نتيجة فاعلة، ومن هنا عاش كما عاش أخوه خلال حياة معاوية، ولم يرفع لواء المعارضة الواسعة الشديدة بوجه حكم معاوية، سوى بعض الاعتراضات التي كان يوجهها لبيئة معاوية الفاسدة، وأعماله وممارساته المنحرفة، ويبعث الامل بين الجماهير في مستقبل قريب، وأنّه سيقوم بعمل مثمر فاعل، وخلال المدّة الّتي كان معاوية يطالب فيها النّاس بالبيعة ليزيد، كان الإمام الحسين (عليه السلام) يقف موقف المعارضة الصّارمة، ولم يستسلم لبيعة يزيد أبداً، ورفض ولاية عهده، وأحياناً كان يوجّه لمعاوية خطاباً شديد اللّهجة ، أو يبعث إليه رسالة ثائرة.

ولم يصرّ معاوية على مطالبته بالبيعة ليزيد، وبقي الإمام الحسين (عليه السلام) كذلك، إلى أن مات معاوية(16).

 


(1) هناك أقوال أخرى حول السّنة أو الشّهر أو اليوم الّذي ولد فيه الإمام الحسين (عليه السلام)، ونحن قد ذكرنا القول المشهور بين الشّيعة، يراجع كتاب أعلام الورى للطّبرسي، ص 213.

(2) يحتمل المراد من أسماء هي إبنة يزيد بن سكن الانصاري، يراجع أعيان الشّيعة، ج11، ص167.

(3) أمالي الشّيخ الطّوسي، ج1، ص377.

(4) شبر على وزن حسن، وشبير كحسين، ومشبر كمحسن، أبناء هارون، وقد سمّى النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأسمائهم أولاده الحسن والحسين ومحسن، يراجع تاج العروس، ج3، ص389 ; وشبر وشبير ومشبر، هم أولاد هارون على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام، ومعناها بالعربيّة حسن وحسين ومحسناً، لسان العرب، ج6، ص60.

(5) معاني الأخبار، ص57.

(6) قد أكدَّ في النّصوص الإسلامية كثيراً على العقيقة، لسلامة الأبناء والحفاظ عليهم، وسائل الشّيعة، ج15، ص143.

(7) الكافي، ج6، ص33.

(8) مقتل الخوارزمي، ج1، ص146 وكمال الدين للصدوق، ص152.

(9) سنن الترمذي، ج5، ص323.

(10) ذخائر العقبى، ص122.

(11) الإصابة، ج1، ص330.

(12) سنن الترمذي، ج5، ص324 ; وقد نقلنا هنا بعض الروايات من كتب أهل السنة، لتكون معتبرة ونافذة عليهم.

(13) الاصابة، ج1، ص333.

(14) تذكرة الخواصّ لابن الجوزيّ، ص234 ; الاصابة، ج1، ص333، وكما ذكر المؤرّخون بأنّ هذه الواقعة حدثت، وكان عمر الإمام(عليه السلام) عشر سنوات.

(15) الإرشاد للشّيخ المفيد، ص173.

(16) رجال الكشي، ص50، كشف الغمة، ج2، ص206.