تلامذة مدرسة الإمام الجواد (عليه السلام):

جرى أئمتّنا الطّاهرون على سنّة النّبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في بذل اقصى الجهد لتربية وتعليم النّاس، وينبغي الالتفات الى انّ علمهم هذا لا يمكن مقارنته بعمل المؤسّسات التّعليميّة، وذلك لانّ للمؤسّسات التّعليميّة وقتاً محدّداً للتّدريس والتعليم، وتكون معطّلة لا تقوم بأيّ خدمة خارج ذلك الوقت، بينما أئمّتنا المعصومون(عليهم السلام) مقيّدون بتعليم النّاس وهدايتهم في جميع الأوقات، وهم يعلّمون من يتّصل بهم بأقوالهم وافعالهم و أسلوب معاشرتهم وبكلّ ابعاد حياتهم اليوميّة، فكلّ من كان يحظى بمجالستهم وفي ايّ وقت فانّه يستيطيع التّمتّع بأخلاقهم وعلومهم، واذا كان لديه سؤال فهو يستطيع ان يطرحه، ويسمع الجواب عليه، ولم تكن الاسئلة محصورة بمجال معيّن، فأيّة مشكلة يواجهونها كانوا يستطيعون السّؤال عنها وسماع الجواب عليها.

ومن الواضح انّ مثل هذه المدرسة لم تتيسّر اطلاقاً في ايّ مكان سوى عند الانبياء والأئمّة (عليه السلام)، ومن الطّبيعي ان تكون ثمار هذه المدرسة رائعة ومباركة، ومن هنا حاول الخلفاء الامويّون والعبّاسيّون (الذين كانوا يعلمون انّ النّاس لو التفتوا الى هذه الخصائص والميزات لا نجذبوا نحو أئمّة الحقّ والقادة الالهيّين وعندئذ يهدّد الخير حكومة هؤلاء الغاصبين) بكلّ ما يستطيعون ان يحولوا دون اتصال النّاس بقادة الإسلام الواقعيّين بصورة حرّة، ونستثني من ذلك سنوات قليلة من عهد الإمام الباقر (عليه السلام) بسبب السّلوك الإنسانيّ الّذي اتّبعته حكومة «عمر بن عبد العزيز»، وفي زمان الإمام الصادق (عليه السلام) ايضاً بسبب ضعف الحكومة العباسية الّتي كانت حديثة العهد، فقد استطاع النّاس خلال هذه الفترة ان يستفيدوا من هذين الإمامين الكريمين بصورة اكثر تحرّراً، ومن هنا نلاحظ انّ عدد طلاّب الإمام الصادق (عليه السلام) والرّواة منه يناهز عددهم اربعة آلاف رجل(1)، بينما نلاحظ في المراحل التّاريخيّة الاخرى انَ عدد طلاّب الائمّة (عليه السلام) والرواة منهم قليل جدّاً، وكمثال على ذلك فانّ أصحاب وطلاّب الإمام الجواد (عليه السلام) والرواة منه قد يقارب عددهم مائة وعشرة اشخاص(2)، ويدلّ هذا على مدى صعوبة الاتصّال بهذا الإمام الكريم في ذلك الزّمان.

ومع كلّ هذا فانّ بين هؤلاء الافراد المعدودين توجد شخصيّات لا معة نشير الى بعضهم كنموذج فحسب:

1 ـ عليّ بن مهزيار:

وهو من جملة الاصحاب المقرّبين للإمام الجواد (عليه السلام) ومن وكلائه، ويعتبر ايضاً من أصحاب الإمام الرّضا والإمام الهادي (عليهما السلام).

كان كثير العبادة، ونتيجةً لسجوده الطّويل فقد بدت آثار السّجود في جبهتة. فقد كان يسجد من طلوع الشّمس ولا يرفع رأسه من ذلك السّجود حتّى يدعو لألف شخص من المؤمنين ويطلب من الله تعالى لهم ما يطلبه لنفسه.

وكان عليّ بن مهزيار يعيش في الاهواز وقد ألفّ ما يزيد على ثلاثين كتابا(3)، وقد وصل في مراتب الايمان والعمل الصّالح الى درجة راقية بحيث كتب اليه في احدى المرات الإمام الجواد (عليه السلام) رسالة تقدير وتكريم نتبرّك هنا بذكرها:

«بسم الله الرّحمن الرّحيم، يا عليَ أحسن الله جزاك، واسكنك جنّته ، ومنعك من الخزي في الدّنيا والاخرة وحشرك الله معنا. يا عليّ قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطّاعة والخدمة والتّوقير والقيام بما يجب عليك، فلو قلت: انيّ لم أر مثلك، لرجوت ان اكون صادقاً، فجزاك الله جنّات الفردوس نزلاً، فما خفي عليّ مقامك ولا خدمتك في الحرّ والبرد، في اللّيل والنهار، فأسأال الله اذا جمع الخلائق للقيامة ان يحبوك برحمة تغتبط بها انّه سميع الدّعاء»(4).

2 ـ احمد بن محمّد بن ابي نصر البزنطي:

وهو من اهل الكوفة ومن جملة خواصّ أصحاب الإمام الرّضا والإمام الجواد (عليهما السلام)، وكان رفيع المنزلة جدّاً عند هذين الإمامين المعصومين، وقد ألفّ عدّة كتب، من جملتها كتاب «الجامع»، ويعترف بفقاهته جميع علماء الشّيعة ويطمئنّون بوثاقته(5).

وقد رافق هذا الرّجل ثلاثة اشخاص آخرين في زيارة للإمام الرّضا (عليه السلام)، وقد اظهر لهم الإمام (عليه السلام) حبّاً خاصّاً واحتراماً فائقاً(6).

3 ـ زكريّا بن آدم:

وهو من أهل قم، ومزاره اليوم في مدينة قم معروف ومشهور ، ويعد من الاصحاب المقرّبين للإمام الرّضا والإمام الجواد (عليهما السلام)، وقد دعا له الإمام الجواد (عليه السلام) وعدّه من جملة أصحابه المقرّبين(7).

وفي احدى المرّات زار الإمام الرّضا (عليه السلام) فاستبقاه الإمام (عليه السلام)واخذ يتبادل معه الحديث من أوّل اللّيل وحتى الصّباح منفردين(8) .

وسأل الإمام الرضا (عليه السلام) شخص قال:

شقّتي بعيدة ولست اصل اليك في كلّ وقت فعمّن آخذ معالم ديني ؟ قال (عليه السلام): من زكريّا بن آدم القمّي المأمون على الدّين والدّنيا(9).

 

4 ـ محمّد بن إسماعيل بن بزيع:

وهو من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرّضا والإمام الجواد (عليهم السلام) ، ويعدّ من جملة الموّثقين عند الشّيعة.

وكان رجلاً صالحاً حسن السّيرة ومن أهل العبادة وقد ألّف كتباً، وهو في نفس الوقت يعمل في بلاط العبّاسيّين(10)، وقد قال له الإمام الرضّا (عليه السلام) فيما يتعلّق بهذا الامر: «انّ للهِ تعالى بأبواب الظّالمين من نوّر الله له البرهان، ومكنّ له في البلاد، ليدفع بهم عن أوليائه، ويصلح الله بهم أمور المسلمين، اليهم ملجأ المؤمن من الضّر، واليهم يفزع ذو الحاجة من شعيتنا، وبهم يؤمن الله روعة المؤمن في دار الظّلمة، اولئك المؤمنون حقّاً، اولئك أمناء الله في أرضه اولئك نور في رعيّتهم يوم القيامة، ويزهر نورهم لأهل السّماوات كما تزهر الكواكب الدّرية لأهل الأرض، اولئك من نورهم يوم القيامة تضىء منهم القيامة، خلقوا والله للجنّة وخلقت الجنّة لهم، فهنيئاً لهم، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه».

قال محمّد بن إسماعيل: قلت بماذا جعلني الله فداك؟

قال (عليه السلام): «يكون معهم، فيسرّنا بادخال السّرور على المؤمنين من شيعتنا (بمعنى أنّه يحتلّ منصباً وهدفه من ذلك رفع الظّلم عن المؤمنين)، فكن منهم يا محمّد»(11).

يقول الحسين بن خالد الصيرفي:

كنّا عند الرضا (عليه السلام)، ونحن جماعة، فذكر محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، فقال (عليه السلام): «وددت انّ فيكم مثله»(12).

يقول محمّد بن أحمد بن يحيى:

كنت بفَيْد([13]) فقال لي محمّد بن علي بن بلال: مرّبنا الى قبر محمّد بن إسماعيل بن بزيع لنزره: فلّما أتيناه، جلس عند رأسه مستقبل القبلة إمامه، ثمّ قال: أخبرني صاحب هذا القبر، يعني محمّد بن اسماعيل، انّه سمع ابا جعفر (عليه السلام) يقول: «من زار قبر أخيه ، ووضع يده على قبره، وقرأ «انّا أنزلناه في ليلة القدر» سبع مراّت أمن من الفزع الاكبر»(14).

ويقول محمّد بن اسماعيل بن بزيع:

سألت أبا جعفر (الإمام الجواد) (عليه السلام) ان يأمر لي بقميص من قمصه أعدّه لكفني، فبعث به اليّ فقلت له كيف أصنع به جعلت فداك؟ قال: انزع ازراره(15).



(1) ـ رجال الشيخ الطوسي: ص 142 ـ 342.

(2) ـ رجال الشيخ الطوسي: ص 397 ـ 409.

(3) ـ الكنى والالقاب: ج 1 ص 424.

(4) ـ غيبة الشّيخ الطّوسي: ص 225، البحار: ج 50 ص 105.

(5) ـ معجم رجال الحديث: ج 2 ص 237، رجال الكشّي: ص 558.

(6) ـ ليرجع من شاء التّفصيل الى كرّاسة «الإمام الثّامن الرّضا (عليه السلام)» من منشورات مؤسّسة في طريق الحق.

(7) ـ رجال الكشي: ص 503.

(8) ـ منتهى الامال: حياة الإمام الرّضا (عليه السلام): ص 85.

(9) ـ رجال الكشي: ص 595.

(10) ـ رجال النجاشي: ص 254.

(11) ـ رجال النجاشي: ص 255.

(12) ـ رجال النجاشي: ص 255.

(13) ـ وهي مكان في طريق مكّة (ليرجع من شاء الى تحفة الاحباب للمحدّث القمّي: ص 317).

(14) ـ رجال الكشي: ص 564.

(15) ـ رجال الكشي: ص 245 و264.