الموقف السّلبيّ للامام:

فالامام حسب الظّاهر وفي مجال القول قد قبل ولاية العهد، لكنّه لم يقبلها عمليّاً وفي واقع الامر، لانّه قد اشترط ان لا تُناط به أيّة مسؤوليَّة وان لا يتدخل في الامور.

وقد قبل المأمون شروطه الاّ انّه في بعض الاحيان كان يحاول فرض بعض الامور على الامام ليجعله وسيلة لتحقيق مآربه، لكنّ الامام كان يقاومه بصلابة ولا يتعاون معه اطلاقاً.

يقول «معمر بن خلاد»: نقل لي الامام الرّضا (عليه السلام) انّ المأمون قال لي سمِّ لي بعض الافرد الّذين تعتمد عليهم حتّى اسند اليهم ولاية المدن الثّائرة عليّ. فقلت له: «اذا وفيت بالشّروط التي قبلتها فسوف افي انا بعهدي، فأنا قبلت هذا الامر بشرط ان لا اكون آمراً ولا ناهياً وان لا اعزل ولا انصب وان لا اكون مستشاراً حتّى يتوفاني الله قبلك ، والله ما كنت افكّر في الخلافة، وعند ما كنت في المدينة كنت اركب على مطيّتي واستخدمها في الذهاب والاياب، وكان أهل المدينة يعرضون عليّ حوائجهم فأقضيها لهم، وكنت معهم كالاعمال (اي انّنا كالاقارب يحب بعضنا بعضاً ويأنس اليه) وكانت رسائلي مقبولة ومحترمة في سائر البلاد، وانت لم تزد على النعمة التي انعم الله بها عليّ، وكل نعمة تريد اضافتها فهي ايضاً من الله تُمنح لي»، فقال المأمون انّي وفيّ للعهد الّذي عاهدتك به(1).

 

حفلة ولاية العهد:

بعد ان قبل الامام (عليه السلام) منصب وليّ العهد بالشّكل المذكور سلفاً اقام المأمون حفلاً بهذه المناسبة لاعلام النّاس والاستفادة من ذلك سياسيّاً والتّظاهر بانّه فَرِح جدّاً ومسرور، فعقد اجتماعاً في يوم الخميس مع حاشيته واعضاء بلاطه، ثمّ خرج «الفضل بن سهل» واعلن للناس رأي المأمون بالنّسبة للامام الرّضا وولاية عهده، وابلغهم بأمر المأمون بان يلبسوا الملابس الخضر (وهي الملابس المتعارفة للعلويّين) ويحضروا في يوم الخميس القادم لمبايعة الامام...

وفي اليوم المحدّد حضر الناس بمختلف طبقاتهم اعمّ من اعضاء البلاط وقادة الجيش والقضاة وغيرهم وهم يرتدون الملابس الخضراء، وقد جلس المأمون، واعدّوا للامام منصّة خاصّة كان يجلس عليها وهو مرتد للملابس الخضراء وعلى رأسه عمامة ويحمل معه سيفا، فأمر المأمون ابنه «العباس بن المأمون» ان يكون أوّل رجل يبايع الامام ففعل، ورفع الامام يده بحيث كان وجه كفّه نحو وجهه وباطن كفّه نحو المبايع.

فقال المأمون: مدّ يدك للبيعة.

قال الامام: هكذا كان يبايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وعندئذ بايع النّاس الامام، بينما يده كانت فوق الايدي، وقد قُسّمت في هذا الحفل أكياس من الاموال، وتحدّث الخطباء وانشد الشّعراء ما طاب لهم في مجال ذكر فضائل الامام وفي مورد العمل الذي انجزه المأمون...

ثمّ قال المأمون للامام: انت ايضاً تحدّث واخطب النّاس.

فقام الامام وحمد الله واثنى عليه ثم خاطب الحاضرين: «انّ لنا حقّاً عليكم من ناحية النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وانتم ايضا لكم حقّ علينا من اجل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، والان بعد ان أديّتم لنا حقّنا فعلينا ايضاً ان نحترم حقّكم  »، ولم يضف شيئاً آخر في ذلك المجلس.

وأمر المأمون بسك الدّراهم وضربها باسم «الرّضا»(2).

 



(1) ـ عيون اخبار الرّضا: ج 2 ص 164.

(2) ـ الارشاد للمفيد: ص 291 ـ 292.