الامام في نيشابور:

تقول السّيّة الّتي نزل الامام (عليه السلام) في دار جدّها في نيشابور:

جاء الامام الرّضا (عليه السلام) الى نيشابور ونزل في دار جديّ «پسنده» الواقعة في المحلّة الغربية في النّاحية المعروفة بـ«لاشاباد»، وقد سمّي جديّ بهذا الاسم لانّ الامام احبّه ونزل في بيته.

وقد زرع الامام بيده المباركة شجرة لوز في زاوية من بيتنا، ومن بركات الامام انّها اصبحت شجرة واثمرت خلال فترة عام واحد، واخذ النّاس يطلبون الشّفاء بواسطة لوز هذه الشّجرة، وكلّ مريض تناول منه شيئاً بقصد الشّفاء فانّه تحسنّت صحّته...(1).

يقول «أبو الصّلت الهروي» وهو من أصحاب الامام المقرّبين:

كنتُ برفقة الامام علي بن موسى الرّضا عندما اراد الخروج من نيشابور وكان راكباً على بغلة رماديّة اللّون وقد اجتمع حوله مجموعة من العلماء منهم «محمّد بن رافع و«احمد بن الحرث» و«  يحيى بن يحيى» و«اسحاق بن راهويه» وقد امسكوا بعنان بغلة الامام وهم يقولون: نقسم عليك بحقّ آبائك الطّاهرين اِلاّ ما حدّثتنا بحديث سمعته من والدك.

فأخرج الامام رأسه من المحمل وقال:

«حدثنا ابي، العبد الصّالح موسى بن جعفر قال حدّثني ابي الصّادق جعفر بن محمّد، قال حدّثني ابي أبو جعفر بن عليّ باقر علوم الانبياء، قال حدّثني ابي عليّ بن الحسين سيّد العابدين، قال حدّثني ابي سيّد شباب اهل الجنّة الحسين، قال حدّثني ابي عليّ بن أبي طالب:، قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول سمعت جبرئيل يقول قال الله جلّ جلاله: انّي انا الله لا اله اِلا انا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة ان لا اله اِلا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي»(2).

وفي رواية اخرى يقول «اسحاق بن راهويه» وهو احد الحاضرين ضمن هذه المجموعة:

انّ الامام بعد ما ذَكَر انّ الله تعالى قال:

«لا اله اِلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي».

سار قليلاً وهو راكب ثمّ قال لنا:

«بشروطها وانا من شروطها»(3).

اي ان الايمان بواحدنيّة الله (الّذي يوجب النّجاة من العذاب الالهيّ) مشروط بشروط من جملتها ولاية وامامة الائمّة:.

وهناك كتب تاريخيّة اخرى تنقل انّ الامام عندما كان يقرأ هذا الحديث ازدحم النّاس في نيشابور (الّتي كانت انذاك من مدن خراسان الكبيرة ومكتظّة بالسّكان ومعمورة لكنّها قدتّم تخريبها في هجوم المغول (وكانوا بين صارخ وباك وممزّق ثوبه ومتمرّغ في التّراب ومقبّل خرام بغلته ومطوّل عنقه الى مظلة المهد الى ان انتصف النّهار وجرت الدموع كالانهار وسكنت الاصوات وصاحب الائمّه والقضاة: معاشر الناس اسمعوا وعوا ولا تؤذوا رسول  الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عترته وانصتوا فأملى صلوات الله عليه هذا الحديث وعدّ من المحابر اربع وعشرون الفاً سوى الدّوى...(4)

يقول «الهروي»:

لمّا خرج الرّضا بن موسى (عليهما السلام) من نيشابور الى المأمون فبلغ قرب القرية الحمراء(5)، قيل له يا ابن رسول الله قد زالت الشّمس أفلا تصلّي فنزل (عليه السلام) فقال ائتوني بماء فقيل ما معنا ماء فحبث (عليه السلام) بيده الارض فنبع من الماء ما توضأ به هو ومن معه واثره باق الى اليوم(6).

فلما دخل سناباد اسند الى الجبل الذي ينحت منه القدور فقال: «  اللّهم انفع به وبارك فيما يجعل ينحت منه ثمّ أمر (عليه السلام) فنحت له قدور من الجبل، وقال لا يطبخ ما آكله اِلا فيها»(7)، وكان (عليه السلام) خفيف الاكل قليل الطّعم(8).

ثمّ دخل دار حميد بن قحطبة الطّائي ودخل القبّة التي فيها قبر هارون الرّشيد(9) ثمّ خطّ بيده الى جانبه ثم قال:

«هذه تربيتي وفيها ادفن وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي واهل محبّتي...»(10).

واخيراً فقد وصل الامام الى مَرْو وأنزله المأمون في دار خاصّة معزولة عن الاخرين وبالغ في احترامه...(11).

 


(1) ـ عيون اخبار الرّضا: ج 2 ص 131.

(2) ـ عيون اخبار الرّضا: ج 2 ص 132 ـ 133.

(3) ـ عيون اخبار الرّضا: ج 2 ص 134.

(4) ـ البحار: ج 49 ص 127.

(5) ـ واسمها في اللغة الفارسية «ده سرخ» وهي واقعة على بعد نصف فرسخ من شريف آباد وستة فراسخ من مدينة مشهد المقدسة (منتخب التواريخ: ص 544).

(6) ـ البحار : ج 49 ص 125 ، عيون الاخبار : ج 2 ص 135 .

(7) ـ انّ الانية والظروف التي تنحت من حجر هذا الجبل يُقبل عليها النّاس حتى اليوم وتصنع منه وسائل اخرى تعتبر من تحف مدينة مشهد المقدّسة، ويعرف عامّة اهل مشهد قصّة دعاء الامام (عليه السلام) فيما يتعلّق بهذا الجبل ويتبرّكون به.

(8) ـ البحار: ج 49 ص 125، عيون الاخبار: ج 2 ص 135.

(9) ـ وهو نفس المكان الذي فيه مرقد الامام الرّضا (عليه السلام).

(10) ـ البحار: ج 49 ص 125. عيون الاخبار: ج 2 ص 135 ـ 136.

(11) ـ الارشاد للمفيد: ص 290.