الجامعة
الإسلامية: سعى الأمويون، ومن ورائهم
العباسيون، في القضاء على أهل البيت(عليه
السلام) وطاردوا شيعتهم
في كل مكان، وكان الناس يتداولون
الروايات عن أهل البيت سرّاً، خوفاً. وعندما أتيحت القرصة إلى الإمام
الباقر ثم ابنه الإمام الصادق (عليهما
السلام) انصرفا إلى نشر علوم الدين،
وتحكيم اُسس الإيمان في قلوب الناس. وقد اتّسم العصر
الذي عاشه الإمام بظهور الحركات
الفكرية، ووفور الآراء الاعتقادية
الغربية إلى المجتمع الإسلامي،
وأهمهاعنده هي حركة الغلاة
الهدّامة، الذين تطلّعت رؤوسهم في
تلك العاصفة الهوجاءإلى بثْ روح
التفرقة بين المسلمين، وترعرعت بنا
ت أفكارهم في ذلك العصر ليقوموا
بمهمّة الانتصار لمبادئهم التي قضى
عليها الإسلام، فقد اغتنموا الفرصة
في بثّ تلك الآراء الفاسدة في
المجتمع الإسلامي، فكانوا يبثّون
الأحاديث الكاذبة ويسندونها إلى
حملة العلم من آل محمّد، ليغرّروا به
العامّة، فكان المغيرة بن سعيد
يدّعي الاتّصال بأبي جعفر الباقر،
ويروي عنه الأحاديث الـمـكـذوبة,
فأعلن الامام الصادق(عليه
السلام) كذبه والبراءة
منه، وأعطى لأصحابه قاعدة
فيالأحاديث التي تروى عنه فقال: «لا
تقبلوا عليناً حديثا إلا ما وافق
القرآن والسنّة , أو تجدون معهشاهداً
من أحاديثنا المتقدّمة». ثم إن الإمام قام بهداية الأمّة إلى
النهج الصواب في عصر تضاربت فيه
الاراء والأفكار, و اشتعلت فيه نار
الحرب بين الأمويّين ومعارضيهم من
العباسيّين , ففي تلك الظروف
الصعبة و القاسية استغلّ الإمام
الفرصة فـنـشر من أحاديث جدّه،
وعلوم آبائه ما سارت به الركبان,
وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين
والـفـقـهـاء ولـقـد جمع أصحاب
الحديث أسماء الرواة عنه من الثقاة ـ
على اختلافآرائهم ومقالاتهم ـ
فكانوا أربعة آلاف رجل وهذه سمة
امتاز بها الامام الصادق عن غيره
من الأئمّة ـ عليه و عليهم السلام. إن الإمام(عليه
السلام)
شرع بالرواية عن جدّه و آبائه عندما
اندفع المسلمون إلى تدوين أحاديث النبي(صلى الله
عليه وآله وسلم)
بعدالغفلةالـتـي استمرّت إلى عام 143ه
حيث اختلط آنذاك الحديث الصحيح
بالضعيف وتسرّبت إلـى الـسـنـة ,
العديد من الروايات الإسرائيلية الموضوعة
من قبل اعداء الإسلام منالصليبيّين
والمجوس، بالإضافة إلى المختلقات
والمجعولات على يد علماء السلطة
ومرتزقة البلاط الأموي. ومن هنا فقد وجـد الإمام(عليه
السلام) أن
أمر السنّة النبوية قد بدأ يأخذ
اتّجاهات خطيرة وانحرافات واضحة،
فـعـمد(عليه
السلام) للتصدّي لهذه
الظاهرة الخطيرة , وتفنيد الآراء
الدخيلة على الإسلام والتي تسرّب
الكثير منها نتيجة الاحتكاك الفكري
والعقائدي بين المسلمين وغيرهم. إن تلك الفترة شكّلت تحدّيا خطيراً
لوجود السنة النبوية، وخلطاً فاضحاً
في كثير من المعتقدات , لذا فإن
الإمام(عليه السلام) كان بحقّ سفينة
النجاة من هذا المعترك العسر. إن علوم أهل البيت(عليهم
السلام)
متوارثة عن جدّهم المصطفى(صلى
الله عليه وآله وسلم)، الذي أخذها عن الله تعالى بواسطة الأمين
جبرئيل(عليه
السلام)، فلا غرو أن تجد
الأمة ضالّتها فيهم(عليهم
السلام)، وتجد مرفأ
الأمان في هذه اللجج العظيمة، ففي
ذلك الوقت، حيث أخذ كلّ يحدّث عن
مجاهيل ونكرات ورموز ضعيفة ومطعونة،
أو أسانيد مشوّشة، تجد أن الإمام
الصادق(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «حديثي
حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي،
وحديث جدّي حديث علي بن أبي طالب،
وحديث عليّ حديث رسول الله(صلى الله
عليه وآله وسلم)، وحديث رسول
الله(صلى الله
عليه وآله وسلم) قول الله عزّ
وجلّ. فتأسّست بذلك على
يديه(عليه
السلام) جامعة إسلامية
كبرى تضمّ أكثر من أربعة آلاف عالم
تخرّجوا على يديه، في علوم الدين
والرياضيات والكيمياء، وحتى الطب. وكان جابر بن حيّان الكيميائي
المشهور يبدأ مقالاته في هذا العلم
بقوله: حدّثني سيّدي " جعفرُ بن
محمدٍ الصادق(عليه السلام) ". كان الإمام الصادق(عليه
السلام)
يحترم العلماء المؤمنين ويشجّعهم
ويوضّح لهم الطريق الصحيح للبحث
والحوار لخدمة الدين وتعميق أساس
الإيمان، وكان يشعر بالحزن لدى
رؤيته المنحرفين الضالّين الذين
يسعون إلى بلبلة عقائد الناس ونشر
الضلال. واجتمع أربعة من هؤلاء الضالّين في
مكة وراحوا يسخرون من الحُجّاج وهم
يطوفون بالكعبة، ثم اتّفقوا على نقض
القرآن بتأليف كتابٍ مثله، فتعهّد
كلّ واحد منهم بربع القرآن، وقالوا
ميعادنا العام القادم. ومرّ العام، واجتمعوا مرّة أخرى. قال الأول: قضيت العام كلَّه أفكّر في هذه الآية: ((فلّما
استيأسوا خلصوا نجيّاً)) وقد حيّرتني
فصاحتها وبلاغتها. قال الثاني: فكّرت في هذه الآية: ((يا أيها
الناس ضُرِب مثلٌ فاستمعوا له إنّ
الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا
ذباباً ولو اجتمعوا له } فلم أقدر أن
آتي بمثلها)). وقال الثالث: وأنا فكّرت في هذه
الآية: ((لو كان
فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا)) فلم أستطع أن آتي
بمثلها. وقال الرابع:
انه ليس من صنع البشر. لقد قضيت العام كلّه أفكّر في هذه
الآية: ((وقيل يا
أرض ابلعي ماءكِ ويا سماء أقلعي وغيض
الماء وقُضي الأمر واستوت على
الجوديّ وقيل بُعداً للقوم الظالمين)). ومرّ بهم الإمام الصادق(عليه السلام) فنظَر إليهم وتلا قوله تعالى: ((لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً))..
|