الفهرس

مسؤولية العلماء

 

1 ـ الإمام عليّ عليه السّلام : أمَا وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَولا حُضورُ الحاضِرِ وقِيامُ الحُجَّةِ بِوُجودِ النّاصِرِ وما أخَذَ اللهُ عَلَى العُلَماءِ أن لا يُقارّوا عَلى كِظَّةِ ظالِمٍ ولا سَغَبِ مَظلومٍ لَأَلقَيتُ حَبلَها عَلى غارِبِها ، ولَسَقَيتُ آخِرَها بِكَأسِ أوَّلِها ، ولَأَلفَيتُم دُنياكُم هذِهِ أزهَدَ عِندي مِن عَفطَةِ عَنزٍ[1] .

2 ـ عنه عليه السّلام ـ في بَيانِ صِفاتِ المُتَّقينَ وصِفاتِ الفُسّاقِ ، وَالتَّنبيهِ إلى مَكانِ العِترَةِ الطَّيِّبَةِ وَالظَّنِّ الخاطِئَ لِبَعضِ النّاسِ ـ : عِبادَ اللهِ ، إنَّ مِن أحَبِّ عِبادِ اللهِ إلَيهِ عَبدًا أعانَهُ اللهُ عَلى نَفسِهِ ، فَاستَشعَرَ الحُزنَ وتَجَلبَبَ الخَوفَ ، فَزَهَرَ مِصباحُ الهُدى في قَلبِهِ ، وأعَدَّ القِرى لِيَومِهِ النّازِلِ بِهِ ... فَهُوَ مِن مَعادِنِ دينِهِ وأوتادِ أرضِهِ . قَد ألزَمَ نَفسَهُ العَدلَ ، فَكانَ أوَّلَ عَدلِهِ نَفيُ الهَوى عَن نَفسِهِ ، يَصِفُ الحَقَّ ويَعمَلُ بِهِ ، لا يَدَعُ لِلخَيرِ غايَةً إلّا أمَّها ، ولا مَظِنَّةً إلّا قَصَدَها ، قَد أمكَنَ الكِتابَ مِن زِمامِهِ ، فَهُوَ قائِدُهُ وإمامُهُ ، يَحُلُّ حَيثُ حَلَّ ثِقلُهُ ، ويَنزِلُ حَيثُ كانَ مَنزِلُهُ .
وآخَرُ قَد تَسَمّى عالِمًا ولَيسَ بِهِ ، فَاقتَبَسَ جَهائِلَ مِن جُهّالٍ ، وأضاليلَ مِن ضُلّالٍ، ونَصَبَ لِلنّاسِ أشراكًا مِن حَبائِلِ غُرورٍ ، وقَولِ زورٍ، قَد حَمَلَ الكِتابَ عَلى آرائِهِ ، وعَطَفَ الحَقَّ عَلى أهوائِهِ ، يُؤمِنُ النّاسَ مِنَ العَظائِمِ ، ويُهَوِّنُ كَبيرَ الجَرائِمِ ، يَقولُ : أقِفُ عِندَ الشُّبُهاتِ وفيها وَقَعَ ، ويَقولُ : أعتَزِلُ البِدَعَ وبَينَهَا اضطَجَعَ ، فَالصّورَةُ صورَةُ إنسانٍ ، وَالقَلبُ قَلبُ حَيَوانٍ ، لا يَعرِفُ بابَ الهُدى فَيَتَّبِعَهُ، ولا بابَ العَمى فَيَصُدَّ عَنهُ، وذلِكَ مَيِّتُ الأَحياءِ .
فَأَينَ تَذهَبونَ ؟! وأنّى تُؤفَكونَ ؟! وَالأَعلامُ قائِمَةٌ ، وَالآياتُ واضِحَةٌ، وَالمَنارُ مَنصوبَةٌ ، فَأَينَ يُتاهُ بِكُم ؟! وكَيفَ تَعمَهونَ وبَينَكُم عِترَةُ نَبِيِّكُم وهُم أزِمَّةُ الحَقِّ ، وأعلامُ الدّينِ ، وألسِنَةُ الصِّدقِ ؟! فَأَنزِلوهُم بِأَحسَنِ مَنازِلِ القُرآنِ ، ورِدوهُم وُرودَ الهِيمِ العِطاشِ .
أيُّهَا النّاسُ ، خُذوها عَن خاتَمِ النَّبِيّينَ صلّى الله عليه و آله : إنَّهُ يَموتُ مَن ماتَ مِنّا ولَيسَ بَمَيِّتٍ، ويَبلى مَن بَلِيَ مِنّا ولَيسَ بِبالٍ، فَلا تَقولوا بِما لا تَعرِفونَ ، فَإِنَّ أكثَرَ الحَقِّ فيما تُنكِرونَ ، وَاعذِروا مَن لا حُجَّةَ لَكُم عَلَيهِ وهُوَ أنَا . ألَم أعمَل فيكُم بِالثَّقَلِ الأَكبَرِ وأترُك فيكُمُ الثَّقَلَ الأَصغَرَ ؟! قَد رَكَزتُ فيكُم رايَةَ الإِيمانِ ، ووَقَفتُكُم عَلى حُدودِ الحَلالِ وَالحَرامِ ، وألبَستُكُمُ العافِيَةَ مِن عَدلي ، وفَرَشتُكُمُ المَعروفَ مِن قَولي وفِعلي ، وأرَيتُكُم كَرائِمَ الأَخلاقِ مِن نَفسي ، فَلا تَستَعمِلُوا الرَّأيَ فيما لا يُدرِكُ قَعرَهُ البَصَرُ ، ولا تَتَغَلغَلُ إلَيهِ الفِكَرُ[2] .

3 ـ الإمام الحسين عليه السّلام ـ فِي الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ ـ : اِعتَبِروا أيُّهَا النّاسُ بِما وَعَظَ اللهُ بِهِ أولِياءَ هُ مِن سوءِ ثَنائِهِ عَلَى الأَحبارِ إذ يَقولُ : لَولا يَنهاهُمُ الرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ عَن قَولِهِمُ الإِثمَ [3] وقالَ : لُعِنَ الَّذينَ كَفَروا مِن بَني إسرائيلَ ـ إلى قوله : ـ لَبِئسَ ما كانوا يَفعَلونَ [4] . وإنَّما عابَ اللهُ ذلِكَ عَلَيهِم لِأَنَّهُم كانوا يَرَونَ مِنَ الظَّلَمَةِ الَّذينَ بَينَ أظهُرِهِمُ المُنكَرَ وَالفَسادَ فَلا يَنهَونَهُم عَن ذلِكَ ؛ رَغبَةً فيما كانوا يَنالونَ مِنهُم، ورَهبَةً مِمّا يَحذَرونَ ، وَاللهُ يَقولُ: فَلا تَخشَوُا النّاسَ وَاخشَونِ [5] وقالَ : المُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بَعضُهُم أولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمَعروفِ ويَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ[6]، فَبَدَأَ اللهُ بِالأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ فَريضَةً مِنهُ ؛ لِعلمِهِ بِأَنَّها إذا اُدِّيَت واُقيمَتِ استَقامَتِ الفَرائِضُ كُلُّها هَيِّنُها وصَعبُها ، وذلِكَ أنَّ الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ دُعاءٌ إلَى الإِسلامِ مَعَ رَدِّ المَظالِمِ ومُخالَفَةِ الظّالِمِ وقِسمَةِ الفَي ءِ وَالغَنائِمِ وأخذِ الصَّدَقاتِ مِن مَواضِعِها ووَضعِها في حَقِّها .
ثُمَّ أنتُم أيَّتُهَا العِصابَةُ عِصابَةٌ بِالعِلمِ مَشهورَةٌ ، وبِالخَيرِ مَذكورَةٌ ، وبِالنَّصيحَةِ مَعروفَةٌ ، وبِاللهِ في أنفُسِ النّاسِ مُهابَةٌ ، يَهابُكُمُ الشَّريفُ، ويُكرِمُكُمُ الضَّعيفُ ، ويُؤثِرُكُم مَن لا فَضلَ لَكُم عَلَيهِ ولا يَدَ لَكُم عِندَهُ ، تَشفَعونَ فِي الحَوائِجِ إذَا امتَنَعَت مِن طُلّابِها ، وتَمشونَ فِي الطَّريقِ بِهَيبَةِ (بِهَيئَةِ ـ خ ل) المُلوكِ وكَرامَةِ الأَكابِرِ ، ألَيسَ كُلُّ ذلِكَ إنَّما نِلتُموهُ بِما يُرجى عِندَكُم مِنَ القِيامِ بِحَقِّ اللهِ وإن كُنتُم عَن أكثَرِ حَقِّه تُقَصِّرونَ ؟! فَاستَخفَفتُم بِحَقِّ الأَئِمَّةِ ، فَأَمّا حَقَّ الضُّعَفاءِ فَضَيَّعتُم ، وأمّا حَقَّكُم بِزَعمِكُم فَطَلَبتُم ، فَلا مالاً بَذَلُتموهُ ، ولا نَفسًا خاطَرتُم بِها لِلَّذي خَلَقَها ، ولا عَشيرَةً عادَيتُموها في ذاتِ اللهِ ، أنتُم تَتَمَنَّونَ عَلَى اللهِ جَنَّتَهُ ومُجاوَرَةَ رُسُلِهِ وأمانًا مِن عَذابِهِ .
لَقَد خَشيتُ عَلَيكُم أيُّهَا المُتَمَنّونَ عَلَى اللهِ أن تَحُلَّ بِكُم نَقِمَةٌ مِن نَقِماتِهِ ؛ لِأَنَّكُم بَلَغتُم مِن كَرامَةِ اللهِ مَنزِلَةً فُضِّلتُم بِها ، ومَن يُعرَفُ بِاللهِ لا تُكرِمونَ وأنتُم بِاللهِ في عِبادِهِ تُكرَمونَ ، وقَد تَرَونَ عُهودَ اللهِ مَنقوضَةً فَلا تَفزَعونَ ، وأنتُم لِبَعضِ ذِمَمِ آبائِكُم تَفزَعونَ ، وذِمَّةُ رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه و آله مَحقورَةٌ (مَخفورَةٌ ـ خ ل) ، وَالعُميُ وَالبُكمُ وَالزَّمنى[7] فِي المَدائِنِ مُهمَلَةٌ ، لا تَرحَمونَ ، ولا في مَنزِلَتِكُم تَعمَلونَ ، ولا مَن عَمِلَ فيها تُعينونَ ، وبِالاِدِّهانِ وَالمُصانَعَةِ عِندَ الظَّلَمَةِ تَأمَنونَ ، كُلُّ ذلِكَ مِمّا أمَرَكُمُ اللهُ بِهِ مِنَ النَّهيِ وَالتَّناهي وأنتُم عَنهُ غافِلونَ . وأنتُم أعظَمُ النّاسِ مُصيبَةً لِما غُلِبتُم عَلَيهِ مِن مَنازِلِ العُلَماءِ لَو كُنتُم تَشعُرونَ (تَعنونَ ـ خ ل) . ذلِكَ بِأَنَّ مَجارِيَ الاُمورِ وَالأَحكامِ عَلى أيدِي العُلَماءِ بِاللهِ الاُمَناءِ عَلى حَلالِهِ وحَرامِهِ ، فَأَنتُمُ المَسلوبونَ تِلكَ المَنزِلَةَ ، وما سُلِبتُم ذلِكَ إلّا بِتَفَرُّقِكُم عَنِ الحَقِّ وَاختِلافِكُم فِي السُّنَّةِ بَعدَ البَيِّنَةِ الواضِحَةِ . ولَو صَبَرتُم عَلَى الأَذى وتَحَمَّلتُمُ المَؤونَةَ في ذاتِ اللهِ كانَت اُمورُ اللهِ عَلَيكُم تَرِدُ وعَنكُم تَصدُرُ وإلَيكُم تَرجِعُ ، ولكِنَّكُم مَكَّنتُمُ الظَّلَمَةَ مِن مَنزِلَتِكُم ، وأسلَمتُم[8] اُمورَ اللهِ في أيديهِم ، يَعمَلونَ بِالشُّبُهاتِ ويَسيرونَ فِي الشَّهَواتِ ، سَلَّطَهُم عَلى ذلِكَ فِرارُكُم مِنَ المَوتِ وإعجابُكُم بِالحَياةِ الَّتي هِيَ مُفارِقَتُكُم ، فَأَسلَمتُمُ الضُّعَفاءَ في أيديهِم ، فَمِن بَينِ مُستَعبَدٍ مَقهورٍ وبَينَ مُستَضعَفٍ عَلى مَعيشَتِهِ مَغلوبٍ ، يَتَقَلَّبونَ فِي المُلكِ بِآرائِهِم (بآرائِكُم ـ خ ل) ويَستَشعِرونَ الخِزيَ بِأَهوائِهِمُ ، اقتِداءً بِالأَشرارِ وجُرأَةً عَلَى الجَبّارِ . في كُلِّ بَلَدٍ مِنهُم عَلى مِنبَرِهِ خَطيبٌ يَصقَعُ ، فَالأَرضُ لَهُم شاغِرَةٌ ، وأيديهِم فيها مَبسوطَةٌ ، وَالنّاسُ لَهُم خَوَلٌ[9] ، لا يَدفَعونَ يَدَ لامِسٍ ، فَمِن بَينِ جَبّارٍ عَنيدٍ وذي سَطوَةٍ عَلَى الضَّعَفَةِ شَديدٍ ، مُطاعٍ لا يَعرِفُ المُبدِئَ المُعيدَ .
فَيا عَجَبًا ! وما ليَ (لا) أعجَبُ وَالأَرضُ مِن غاشٍّ غَشومٍ، ومُتَصَدِّقٍ ظَلومٍ ، وعامِلٍ عَلَى المُؤمِنينَ بِهِم غَيرِ رَحيمٍ ، فَاللهُ الحاكِمُ فيما فيهِ تَنازَعنا ، وَالقاضي بِحُكمِهِ فيما شَجَرَ بَينَنا .
اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ لَم يَكُن ما كانَ مِنّا تَنافُسًا في سُلطانٍ ولَا الِتماسًا مِن فُضولِ الحُطامِ ، ولكِن لِنُرِيَ المَعالِمَ مِن دينِكَ ، ونُظهِرَ الإِصلاحَ في بِلادِكَ ، ويَأمَنَ المَظلومونَ مِن عِبادِكَ ، ويُعمَلَ بِفَرائِضِكَ وسُنَنِكَ وأحكامِكَ ، فَإِن لَم تَنصُرونا وتُنصِفونا قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيكُم وعَمِلوا في إطفاءِ نورِ نَبِيِّكُم . وحَسبُنَا اللهُ، وعَلَيهِ تَوَكَّلنا وإلَيهِ أنَبنا وإلَيهِ المَصيرُ[10] .

4 ـ الإمام زين العابدين عليه السّلام ـ في كِتابِهِ إلى مُحَمَّدِ بنِ مُسلِمٍ الزُّهرِيِّ يَعِظُهُ ـ : كَفانَا اللهُ وإيّاكَ مِنَ الفِتَنِ ورَحِمَكَ مِنَ النّارِ ، فَقَد أصبَحتَ بِحالٍ يَنبَغي لِمَن عَرَفَكَ بِها أن يَرحَمَكَ ، فَقَد أثقَلَتكَ نِعَمُ اللهِ بِما أصَحَّ من بَدَنِكَ وأطالَ مِن عُمُرِكَ ، وقامَت عَلَيكَ حُجَجُ اللهِ بِما حَمَّلَكَ مِن كِتابِهِ ، وفَقَّهَكَ فيهِ مِن دينِهِ ، وعَرَّفَكَ مِن سُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍصلّى الله عليه و آله ، فَرَضِيَ لَكَ في كُلِّ نِعمَةٍ أنعَمَ بِها عَلَيكَ ، وفي كُلِّ حُجَّةٍ اِحتَجَّ بِها عَلَيكَ الفَرضَ بِما قَضى ، فَما قَضى إلَّا ابتَلى شُكرَكَ في ذلِكَ وأبدى فيهِ فَضلَهُ عَلَيكَ ، فَقالَ : لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم ولَئِن كَفَرتُم إنَّ عَذابي لَشَديدٌ[11] .
فَانظُر أيَّ رَجُلٍ تَكونُ غَدًا إذا وَقَفتَ بَينَ يَدَيِ اللهِ فَسَأَلَكَ عَن نِعَمِهِ عَلَيكَ كَيفَ رَعَيتَها ؟ وعَن حُجَجِهِ عَلَيكَ كَيفَ قَضَيتَها ؟ ولا تَحسَبَنَّ اللهَ قابِلاً مِنكَ بِالتَّعذيرِ ولا راضِيًا مِنكَ بِالتَّقصيرِ ، هَيهاتَ هَيهاتَ ! لَيسَ كَذلِكَ، أخَذَ عَلَى العُلَماءِ في كِتابِهِ إذ قالَ : لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ ولا تَكتُمونَهُ [12].
وَاعلَم أنَّ أدنى ما كَتَمتَ وأخَفَّ مَا احتَمَلتَ أن آنَستَ وَحشَةَ الظّالِمِ وسَهَّلتَ لَهُ طَريقَ الغَيِّ بِدُنُوِّكَ مِنهُ حينَ دَنَوتَ وإجابَتِكَ لَهُ حينَ دُعيتَ ، فَما أخوَفَني أن تَكونَ تَبوءُ بِإِثمِكَ غَدًا مَع الخَوَنَةِ ، وأن تُسأَلَ عَمّا أخَذتَ بِإِعانَتِكَ عَلى ظُلمِ الظَّلَمَةِ ، إنَّكَ أخَذتَ ما لَيسَ لَكَ مِمَّن أعطاكَ ، ودَنَوتَ مِمَّن لَم يَرُدَّ عَلى أحَدٍ حَقًّا ولَم تَرُدَّ باطِلاً حينَ أدناكَ ، وأحبَبتَ (وأجَبتَ ـ خ ل) مَن حادَّ اللهَ . أوَلَيسَ بِدُعائِهِ إيّاكَ حينَ دَعاكَ جَعَلوكَ قُطبًا أداروا بِكَ رَحى مَظالِمِهِم ، وجِسرًا يَعبُرونَ عَلَيكَ إلى بَلاياهُم ، وسُلَّمًا إلى ضَلالَتِهِم ؟! داعِيًا إلى غَيِّهِم ، سالِكًا سَبيلَهُم ، يُدخِلونَ بِكَ الشَّكَّ عَلَى العُلَماءِ ، ويَقتادونَ بِكَ قُلوبَ الجُهّالِ إلَيهِم ، فَلَم يَبلُغ أخَصُّ وُزَرائِهِم ولا أقوى أعوانِهِم إلّا دونَ ما بَلَغتَ مِن إصلاحِ فَسادِهِم وَاختِلافِ الخاصَّةِ وَالعامَّةِ إلَيهِم ، فَما أقَلَّ ما أعطَوكَ في قَدرِ ما أخَذوا مِنكَ ؟! وما أيسَرَ ما عَمَروا لَكَ فَكَيفَ ما خَرَّبوا عَلَيكَ ؟!
فَانظُر لِنَفسِكَ فَإِنَّهُ لا يَنظُرُ لَها غَيرُكَ ، وحاسِبها حِسابَ رَجُلٍ مَسؤولٍ . وَانظُر كَيفَ شُكرُكَ لِمَن غَذّاكَ بِنِعَمِهِ صَغيرًا وكَبيرًا ؟ فَما أخوَفَني أن تَكونَ كَما قالَ اللهُ في كِتابِهِ : فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ وَرِثُوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذَا الأَدنى ويَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا[13] . إنَّكَ لَستَ في دارِ مُقامٍ ، أنتَ في دارٍ قَد آذَنَت بِرَحيلٍ ، فَما بَقاءُ المَرءِ بَعدَ قُرَنائِهِ ؟! طوبى لِمَن كانَ فِي الدُّنيا عَلى وَجَلٍ ، يا بُؤسَ لِمَن يَموتُ وتَبقى ذُنوبُهُ مِن بَعدِهِ !
اِحذَر فَقَد نُبِّئتَ . وبادِر فَقَد اُجِّلتَ . إنَّكَ تُعامِلُ مَن لا يَجهَلُ . وإنَّ الَّذي يَحفَظُ عَلَيكَ لا يَغفُلُ . تَجَهَّز فَقَد دَنا مِنكَ سَفَرٌ بَعيدٌ، وداوِ ذَنبَكَ فَقَد دَخَلَهُ سُقمٌ شَديدٌ .
ولا تَحسَب أنّي أرَدتُ تَوبيخَكَ وتَعنيفَكَ وتَعييرَكَ ، لكِنّي أرَدتُ أن يَنعَشَ اللهُ ما (قَد) فاتَ مِن رَأيِكَ ويَرُدَّ إلَيكَ ما عَزَبَ مِن دينِكَ ، وذَكَرتُ قَولَ اللهِ تَعالى في كِتابِهِ : وذَكِّر فَإِنَّ الذِّكرى تَنفَعُ المُؤمِنينَ [14] .
أغفَلتَ ذِكرَ مَن مَضى مِن أسنانِكَ وأقرانِكَ ، وبَقيتَ بَعدَهُم كَقَرنٍ أعضَبَ . اُنظُر هَلِ ابتُلوا بِمِثلِ مَا ابتُليتَ ؟ أم هَل وَقَعوا في مِثلِ ما وَقَعتَ فيهِ ؟ أم هَل تَراهُم ذَكرتَ خَيرًا أهمَلوهُ وعَلِمتَ شَيئًا جَهِلوهُ ؟ بَل حَظيتَ بِما حَلَّ مِن حالِكَ في صُدورِ العامَّةِ وكَلَفِهِم[15] بِكَ ، إذ صاروا يَقتَدونَ بِرَأيِكَ ويَعمَلونَ بِأَمرِكَ ؛ إن أحلَلتَ أحَلّوا وإن حَرَّمتَ حَرَّموا ، ولَيسَ ذلِكَ عِندَكَ ، ولكِن أظهَرَهُم عَلَيكَ رَغبَتُهُم فيما لَدَيكَ ، [ و ] ذَهابُ عُلَمائِهِم وغَلَبَةُ الجَهلِ عَلَيكَ وعَلَيهِم ، وحُبُّ الرِّئاسَةِ وطَلَبُ الدُّنيا مِنكَ ومِنهُم . أما تَرى ما أنتَ فيهِ مِنَ الجَهلِ وَالغِرَّةِ ومَا النّاسُ فيهِ مِنَ البَلاءِ وَالفِتنَةِ ؟! قَدِ ابتَلَيتَهُم وفَتَنتَهُم بِالشُّغلِ عَن مَكاسِبِهِم مِمّا رَأَوا ، فَتاقَت نُفوسُهُم إلى أن يَبلُغوا مِنَ العِلمِ ما بَلَغتَ ، أو يُدرِكوا بِهِ مِثلَ الَّذي أدرَكتَ ، فَوَقَعوا مِنكَ في بَحرٍ لايُدرَكُ عُمقُهُ ، وفي بَلاءٍ لايُقدَرُ قَدرُهُ ، فَاللهُ لَنا ولَكَ وهُوَ المُستَعانُ .
أمّا بَعدُ ، فَأَعرِض عَن كُلِّ ما أنتَ فيهِ حَتّى تَلحَقَ بِالصّالِحينَ ، الّذينَ دُفِنوا في أسمالِهِم ، لاصِقَةً بُطونُهُم بِظُهورِهِم ، لَيسَ بَينَهُم وبَينَ اللهِ حِجابٌ ، ولا تَفتِنُهُمُ الدُّنيا ولا يُفتَنونَ بِها ، رَغِبوا فَطَلَبوا فَما لَبِثوا أن لَحِقوا . فَإِذا كانَتِ الدُّنيا تَبلُغُ مِن مِثلِكَ هذَا المَبلَغَ ـ مَعَ كِبَرِ سِنِّكَ ورُسوخِ عِلمِكَ وحُضورِ أجَلِكَ ـ فَكَيفَ يَسلَمُ الحَدَثُ في سِنِّهِ ، الجاهِلُ في عِلمِهِ ، المَأفونُ في رَأيِهِ ، المَدخولُ في عَقلِهِ ؟! إنّا ِللهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ . عَلى مَنِ المُعَوَّلُ ؟ وعِندَ مَنِ المُستَعتَبُ ؟ نَشكو إلَى اللهِ بَثَّنا وما نَرى فيكَ ، ونَحتَسِبُ عِندَ اللهِ مُصيبَتَنا بِكَ .
فَانظُر كَيفَ شُكرُكَ لِمَن غَذّاكَ بِنِعَمِهِ صَغيرًا وكَبيرًا ؟ وكَيفَ إعظامُكَ لِمَن جَعَلَكَ بِدينِهِ فِي النّاسِ جَميلاً ؟ وكَيفَ صِيانَتُكَ لِكِسوَةِ مَن جَعَلَكَ بِكِسوَتِهِ فِي النّاسِ سَتيرًا ؟ وكَيفَ قُربُكَ أو بُعدُكَ مِمَّن أمَرَكَ أن تَكونَ مِنهُ قَريبًا ذَليلاً ؟ ما لَكَ لا تَنتَبِهُ مِن نَعسَتِكَ وتَستَقيلُ مِن عَثرَتِكَ ؟! فَتَقولَ : وَاللهِ ما قُمتُ ِللهِ مَقامًا واحِدًا أحيَيتُ بِهِ لَهُ دينًا أو أمَتُّ لَهُ فيهِ باطِلاً ، فَهذا شُكرُكَ مَنِ استَحمَلَكَ (استَعمَلَكَ ـ خ ل) ! ما أخوَفَني أن تَكونَ كَمَن قالَ اللهُ تَعالى في كِتابِهِ : أضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا[16] اِستَحمَلَكَ كِتابَهُ وَاستَودَعَكَ عِلمَهُ فَأَضَعتَها ، فَنَحمَدُ اللهَ الَّذي عافانا مِمَّا ابتَلاكَ بِهِ ، وَالسَّلامُ[17] .

5 ـ يَزيدُ بنُ عَبدِ اللهِ عَمَّن حَدَّثَهُ : كَتَبَ أبو جَعفَرٍعليه السّلام إلى سَعدِ الخَيرِ : بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أمّا بَعدُ ، فَإِنّي اُوصيكَ بِتَقوَى اللهِ فَإِنَّ فيهَا السَّلامَةَ مِنَ التَّلَفِ وَالغَنيمَةَ فِي المُنقَلَبِ ، إنَّ اللهَ عَزَّوجَلَّ يَقي بِالتَّقوى عَنِ العَبدِ ما عَزُبَ عَنهُ عَقلُهُ[18]، ويَجلي بِالتَّقوى عَنهُ عَماهُ وجَهلَهُ ، وبِالتَّقوى نَجا نوحٌ ومَن مَعَهُ فِي السَّفينَةِ وصالِحٌ ومَن مَعَهُ مِنَ الصّاعِقَةِ ، وبِالتَّقوى فازَ الصّابِرونَ ونَجَت تِلكَ العُصَبُ[19] مِنَ المَهالِكِ ، ولَهُم إخوانٌ عَلى تِلكَ الطَريقَةِ يَلتَمِسونَ تِلكَ الفَضيلَةَ ، نَبَذوا طُغيانَهُم مِنَ الإِيرادِ بِالشَّهَواتِ لِما بَلَغَهُم فِي الكِتابِ مِنَ المَثُلاتِ ، حَمِدوا رَبَّهُم عَلى مارَزَقَهُم وهُوَ أهلُ الحَمدِ ، وذَمّوا أنفُسَهُم عَلى مافَرَّطوا وهُم أهلُ الذَّمِّ ، وعَلِموا أنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى الحَليمَ العَليمَ ، إنَّما غَضَبُهُ عَلى مَن لَم يَقبَل مِنهُ رِضاهُ ، وإنَّما يَمنَعُ مَن لَم يَقبَل مِنهُ عَطاهُ ، وإنَّما يُضِلُّ مَن لَم يَقبَل مِنهُ هُداهُ . ثُمَّ أمكَنَ أهلَ السَّيِّئاتِ مِنَ التَّوبَةِ بِتَبديلِ الحَسَناتِ ، دَعا عِبادَهُ فِي الكِتابِ إلى ذلِكَ بِصَوتٍ رَفيعٍ لَم يَنقَطِع ولَم يَمنَع دُعاءَ عِبادِهِ ، فَلَعَنَ اللهُ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أنزَلَ اللهُ ، وكَتَبَ عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ فَسَبَقَت قَبلَ الغَضَبِ ، فَتَمَّت صِدقًا وعَدلاً . فَلَيسَ يَبتَدِئُ العِبادَ بِالغَضَبِ قَبلَ أن يُغضِبوهُ ، وذلِكَ مِن عِلمِ اليَقينِ وعِلمِ التَّقوى . وكُلُّ اُمَّةٍ قَد رَفَعَ اللهُ عَنهُم عِلمَ الكِتابِ حينَ نَبَذوهُ ووَلّاهُم عَدُوَّهُم حينَ تَوَلَّوهُ .
وكانَ مِن نَبذِهِمُ الكِتابَ أن أقاموا حُروفَهُ وحَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم يَروونَهُ ولا يَرعَونَهُ ، وَالجُهّالُ يُعجِبُهُم حِفظُهُم لِلرِّوايَةِ ، وَالعُلَماءُ يَحزُنُهُم تَركُهُم لِلرِّعايَةِ .
وكانَ مِن نَبذِهِمُ الكِتابَ أن وَلَّوهُ الَّذينَ لايَعلَمونَ[20] ، فَأَورَدوهُمُ الهَوى ، وأصدَروهُم إلَى الرَّدى ، وغَيَّروا عُرى الدّينِ ، ثُمَّ وَرَّثوهُ فِي السَّفَهِ وَالصِّبا[21] ، فَالاُمَّةُ يَصدُرونَ عَن أمرِ النّاسِ بَعدَ أمرِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى وعَلَيهِ يَرِدونَ ، فَبِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلاً وَلايَةُ النّاسِ[22] بَعدَ وَلايَةِ اللهِ ، وثَوابُ النّاسِ بَعدَ ثَوابِ اللهِ ، ورِضَا النّاسِ بَعدَ رِضَا اللهِ ، فَأَصبَحَتِ الاُمَّةُ كَذلِكَ وفيهِمُ الُمجتَهِدونَ فِي العِبادَةِ عَلى تِلكَ الضَّلالَةِ ، مُعجَبونَ مَفتونونَ ، فَعِبادَتُهُم فِتنَةٌ لَهُم ولِمَنِ اقتَدى بِهِم .
وقَد كانَ فِي الرُّسُلِ ذِكرى لِلعابِدينَ ، إنَّ نَبِيًّا مِنَ الأَنبِياءِ كانَ يَستَكمِلُ الطّاعَةَ ، ثُمَّ يَعصِي اللهَ تَبارَكَ وتَعالى فِي البابِ الواحِدِ ، فَخَرَجَ بِهِ مِنَ الجَنَّةِ[23] . و[24] يُنبَذُ بِهِ في بَطنِ الحوتِ ، ثُمَّ لا يُنجيهِ إلَّا الاِعتِرافُ وَالتَّوبَةُ . فَاعرِف أشباهَ الأَحبارِ وَالرُّهبانِ الَّذينَ ساروا بِكِتمانِ الكِتابِ وتَحريفِهِ ، فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم وما كانوا مُهتَدينَ .
ثُمَّ اعرِف أشباهَهُم مِن هذِهِ الاُمَّةِ الَّذينَ أقاموا حُروفَ الكِتابِ وحَرَّفوا حُدودَهُ[25] ، فَهُم مَعَ السّادَةِ وَالكَبَرَةِ (وَالكَثرَةِ ـ خ ل) ، فَإِذا تَفَرَّقَت قادَةُ الأَهواءِ كانوا مَعَ أكثَرِهِم دُنيا ، وذلِكَ مَبلَغُهُم مِنَ العِلمِ[26] . لايَزالونَ كَذلِكَ في طَبَعٍ وطَمَعٍ ، لايَزالُ يُسمَعُ صَوتُ إبليسَ عَلى ألسِنَتِهِم بِباطِلٍ كَثيرٍ . يَصبِرُ مِنهُمُ العُلَماءُ عَلَى الأَذى وَالتَّعنيفِ ، ويَعيبونَ عَلَى العُلَماءِ بِالتَّكليفِ[27] . وَالعُلَماءُ في أنفُسِهِم خانَةٌ إن كَتَمُوا النَّصيحَةَ ، إن رَأَوا تائِهًا ضالّاً لايَهدونَهُ أو مَيِّتًا لا يُحيونَهُ ، فَبِئسَ ما يَصنَعونَ ! لِأَنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى أخَذَ عَلَيهِمُ الميثاقَ فِي الكِتابِ أن يَأمُروا بِالمَعروفِ وبِما اُمِروا بِهِ ، وأن يَنهَوا عَمّا نُهوا عَنهُ ، وأن يَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى ولايَتَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ ، فَالعُلَماءُ مِنَ الجُهّالِ في جَهدٍ وجِهادٍ ؛ إن وَعَظَت قالوا : طَغَت ، وإن عَلِموا (عَمِلوا ـ خ ل) الحَقَّ الَّذي تَرَكوا قالوا : خالَفَت ، وإنِ اعتَزَلوهُم قالوا : فارَقَت، وإن قالوا : هاتوا بُرهانَكُم عَلى ما تُحَدِّثونَ قالوا : نافَقَت ، وإن أطاعوهُم قالوا :عَصَتِ اللهَ عَزَّوجَلَّ ، فَهَلَكَ جُهّالٌ فيما لايَعلَمونَ ، اُمِّيّونَ فيما يَتلونَ، يُصَدِّقونَ بِالكِتابِ عِندَ التَّعريفِ ويُكَذِّبونَ بِهِ عِندَ التَّحريفِ ، فَلا يُنكَرونَ . اُولئِكَ أشباهُ الأَحبارِ وَالرُّهبانِ ، قادَةٌ فِي الهَوى ، سادَةٌ فِي الرَّدى .
وآخَرونَ مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَةِ وَالهُدى ، لايَعرِفونَ إحدَى الطّائِفَتَينِ مِنَ الاُخرى ، يَقولونَ ما كانَ النّاسُ يَعرِفونَ هذا ولا يَدرونَ ما هُوَ ، وصَدَقوا ، تَرَكَهُم رَسولَ اللهِ صلّى الله عليه و آله عَلَى البَيضاءِ[28] لَيلُها مِن نَهارِها ، لَم يَظهَر فيهِم بِدعَةٌ ولَم يُبَدَّل فيهِم سُنَّةٌ ، لا خِلافَ عِندَهُم ولَا اختِلافَ ، فَلَمّا غَشِيَ النّاسَ ظُلمَةُ خَطاياهُم صاروا إمامَينِ : داعٍ إلَى اللهِ تَبارَكَ وتَعالى وداعٍ إلَى النّارِ ، فَعِندَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيطانُ ، فَعَلا صَوتُهُ عَلى لِسانِ أولِيائِهِ ، وكَثُرَ خَيلُهُ ورَجِلُهُ[29] ، وشارَكَ فِي المالِ وَالوَلَدِ مَن أشرَكَهُ ، فَعَمِلَ بِالبِدعَةِ وتَرَكَ الِكتابَ وَالسُّنَّةَ . ونَطَقَ أولِياءُ اللهِ بِالحُجَّةِ وأخَذوا بِالكِتابِ وَالحِكمَةِ ، فَتَفَرَّقَ مِن ذلِكَ اليَومِ أهلُ الحَقِّ وأهلُ الباطِلِ ، وتَخاذَلَ[30] وتَهادَنَ أهلُ الهُدى ، وتَعاوَنَ أهلُ الضَّلالَةِ ، حَتّى كانَتِ الجَماعَةُ مَعَ فُلانٍ وأشباهِهِ ، فَاعرِف هذَا الصِّنفَ .
وصِنفٌ آخَرُ ، فَأَبصِرهُم رَأيَ العَينِ نُجَباءَ[31] ، وَالزَمهُم حَتّى تَرِدَ أهلَكَ ، فَـ ـإِنَّ الخاسِرينَ الَّذينَ خَسِروا أنفُسَهُم وأهليهِم يَومَ القِيامَةِ ألا ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبينُ [32] [33] .


الهامش


(1) نهج البلاغة : الخطبة 3 .
(2) نهج البلاغة : الخطبة 87 .
(3) المائدة : 63 .
(4) المائدة : 78 و 79 .
(5) المائدة : 44 .
(6) التوبة : 71 .
(7) الزَّمنى: جمع زَمِن : جنس للبلايا التي يصابون بها ويدخلون فيها وهم لها كارهون . (لسان العرب : 13 / 199)
(8) في المصدر «واستسلمتم» والصحيح ما أثبتناه كما في طبعة النجف سنة 1380 ه : ص 169 .
(9) الخَوَل : الخدم والحشم (المصباح المنير : 184) .
(10) تحف العقول : 237 .
(11) إبراهيم : 7 .
(12) آل عمران : 187 .
(13) الأعراف : 169 .
(14) الذاريات : 55 .
(15) كَلِف بالشي ء كَلَفًا وكُلفةً فهو كلِف ومكلّف : لهج به ، كلِف بها أشدّ الكَلَف أي: أحبّها . الكَلَف : الولوع بالشي ء مع شغل قلب ومشقّة . (لسان العرب : 9 / 307)
(16) مريم : 59 .
(17) تحف العقول : 274 .
(18) عزب ، أي: بعُد ، وفي بعض النسخ «نفى بالتقوى عن العبد ماعزب عنه عقله» (كما في هامش الكافي) .
(19) العصب : جمع العصبة ، و هي من الرجال والخيل والطير مابين العشرة إلى الأربعين (كما في هامش الكافي) .
(20) أي: جعلوا وليّ الكتاب والقيّم عليه والحاكم به الذين لايعلمونه ، وجعلوهم رؤساء على أنفسهم يتّبعونهم في الفتاوى وغيرها (كما في هامش الكافي نقلاً عن مرآة العقول) .
(21) أي: جعلوه ميراثًا يرثه كلّ سفيه جاهل أو صبيّ غير عاقل . وقوله الآتي : «بعد أمرالله» أي: صدوره أو الاطّلاع عليه أو تركه ، والورود والصدور كنايتان عن الإتيان للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول (كما في هامش الكافي نقلاً عن مرآة العقول) .
(22) «ولاية الناس» هو المخصوص بالذمّ (كما في هامش الكافي) .
(23) أشار به إلى آدم عليه السّلام ، والمراد بالعصيان هنا ترك الأولى .
(24) الواو هنا بمعنى «أو» ، أشار به إلى يونس عليه السّلام .
(25) إنّما شبّه هؤلاء العباد وعلماء العوام المفتونين بالحُطام بالأحبار والرهبان لشرائهم الدنيا بالآخرة بكتمانهم العلم ، وتحريفهم الكلم عن مواضعه وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وصدّهم عن سبيل الله ، كما أنّهم كانوا كذلك على ما وصفهم الله في القرآن في عدّة مواضع ، والمراد بالسادة والكبرة : السلاطين والحكّام وأعوانهم الظلمة (كما في هامش الكافي نقلاً عن الوافي) .
(26) إشارة إلى الآية 31 من سورة النجم . والطبع ـ بالتحريك ـ : الرين ، و ـ بالسكون ـ : الختم (كما في هامش الكافي) .
(27) «منهم» أي من أشباه الأحبار والرهبان«العلماء» يعني العلماء بالله الربّانيّين . «بالتكليف» يعني تكليفهم بالحقّ (كما في هامش الكافي نقلاً عن الوافي) .
(28) يعني: الشريعة ، الواضح مجهولها عن معلومها ، وعالمها عن جاهلها (كما في هامش الكافي) .
(29) الخيل : جماعة الفرسان ، والرَجِل : جماعة المشاة ؛ أي: أعوانه الأقوياء والضعفاء (كما في هامش الكافي نقلاً عن مرآة العقول) .
(30) أي: تركوا نصرة الحقّ . وفي بعض النسخ «تخادن» من الخِدْن وهو الصديق . وتهادن من المهادنة بمعنى المصالحة ، وفي بعض النسخ «تهاون» أي: عن نصرة الحقّ ، وهذا أنسب للتخاذل ، كما أنّ التهادن أنسب للتخادن (كما في هامش الكافي نقلاً مرآة العقول) .
(31) بالنون والجيم والباء الموحّدة ، وفي بعض النسخ «تحيا» من الحياة (كما في هامش الكافي نقلاً عن الوافي) .
(32) الزمر : 15 .
(33) الكافي : 8 / 52 / 16 .

الصفحة السابقة

          اهل البيت (ع) في الكتاب و السنة

طباعة

الصفحة اللاحقة