(مجلس آخر 40)

[ تأويل آية ]

إن سأل سائل عن قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه). وقال ما معنى الحول بين المرء وقلبه وهل يصح ما تأوله قوم من انه يحول بين الكافر والايمان وما معنى قوله لما يحييكم وكيف تكون الحياة في اجابته. الجواب قلنا أما قوله تعالى (يحول بين المرء وقلبه) ففيه وجوه.

أولها أن يريد بذلك تعالى يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بالموت وهذا حث من الله عزوجل على الطاعات والمبادرة بها قبل الفوت وانقطاع التكليف وتعذر ما يستوفى به المكلف نفسه من التوبة والاقلاع فكأنه تعالى قال بادروا إلى الاستجابة لله وللرسول من قبل أن يأتيكم الموت فيحول بينكم وبين الانتفاع بنفوسكم وقلوبكم ويتعذر عليكم ما تسوفون به نفوسكم من التوبة

[165]

بقلوبكم ويقوى ذلك قوله تعالى (وأنه اليه تحشرون).

وثانيها أن يحول بين المرء وقلبه بازالة عقله وإبطال تمييزه وان كان حيا وقد يقال لمن فقد عقله وسلب تمييزه انه بغير عقل قال الله تعالى (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب).

قال الشاعر

ولي ألف وجه قد عرفت مكانه * ولكن بلا قلب إلى أين اذهب

وهذا الوجه يقرب من الاول لانه تعالى أخرج هذا الكلام مخرج الانذار لهم والحث لهم على الطاعات قبل فوتها لانه لا فرق بين تعذر التوبة بانقطاع التكليف بالموت وبين تعذرها بازالة العقل.

وثالثها أن يكون المعنى المبالغة في الاخبار عن قربه من عباده وعلمه بما يبطنون ويخفون وان الضمائر المكتومة له ظاهرة والخفايا المستورة لعلمه بادية ويجري ذلك مجرى قوله تعالى (ونحن أقرب اليه من حبل الوريد) ونحن نعلم انه تعالى لم يرد قرب المسافة بل المعنى الذي ذكرناه واذا كان عزوجل هو أعلم بما في قلوبنا منا وكان ما نعلمه أيضا يجوز أن ننساه ونسهو عنه ونضل عن علمه وكل ذلك لا يجوز عليه جاز أن يقول انه يحول بيننا وبين قلوبنا لانه معلوم في الشاهد ان كل شئ يحول بين شيئين فهو أقرب اليهما. ولما أراد الله تعالى المبالغة في وصف القرب خاطبنا بما نعرف ونألف وان كان القرب الذي عناه جلت عظمته لم يرد به المسافة والعرب تضع كثيرا لفظة القرب على غير معنى المسافة فيقولون فلان أقرب إلى قلبى من فلان وزيد مني قريب وعمرو مني بعيد ولا يريدون قرب المسافة.

ورابعها ما أجاب به بعضهم من ان المؤمنين كانوا يفكرون في كثرة عدوهم وقلة عددهم فيدخل قلوبهم الخوف فأعلمهم تعالى انه يحول بين المرء وقلبه بانه يبدله بالخوف امنا ويبدل عدوهم بظنهم انهم قادرون عليهم وغالبون لهم الجبن والخور.

ويمكن في الآية وجه خامس وهو أن يكون المراد انه تعالى يحول بين المرء وبين ما يدعوه اليه قلبه من القبائح بالامر والنهي والوعد والوعيد لانا نعلم انه تعالى لو لم يكلف العاقل مع ما فيه من الشهوات والنفار لم يكن له عن القبيح مانع ولا عن مواقعته رادع فكان التكليف حائل بينه وبينه من حيث زجر عن فعله وصرف عن مواقعته وليس يجب في الحائل أن يكون في كل موضع مما يمتنع معه الفعل لانا نعلم ان المشير منا على غيره في أمر كان قد هم به

[166]

وعزم على فعله أن يجتنبه والمنبه له على ان الحظ في الانصراف عنه يصح أن يقال منعه منه وحال بينه وبين فعله. قال عبيدالله بن قيس الرقيات

حال دون الهوى ودو * ن سرى الليل مصعب

وسياط على أكف * رجال تقلب

ونحن نعلم انه لم يحل إلا بالتخويف والترهيب دون غيرهما.

فان قيل كيف يطابق هذا الوجه صدر الآية. قلنا وجه المطابقة ظاهر لانه تعالى أمرهم بالاستجابة لله تعالى ولرسوله فيما يدعون اليه من فعل الطاعات والامتناع من المقبحات فاعلمهم انه بهذا الدعاء والانذار وما يجري مجراهما يحول بين المرء وبين ما تدعوه اليه نفسه من المعاصي ثم ان المآب بعد هذا كله والمنقلب إلى ما عنده فيجازي كلا باستحقاقه.

فأما قوله تعالى (اذا دعاكم لما يحييكم) ففيه وجوه. أولها أن يريد بذلك الحياة في النعيم والثواب لان تلك هي الحياة الدائمة الطيبة التي يؤمن من تغيرها ولا يخاف انتقالها فكأنه تعالى حث على اجابته التي تكسب هذه الحال.

وثانيها انه يختص ذلك بالدعاء إلى الجهاد وقتال العدو فكأنه تعالى أمرهم بالاستجابة للرسول عليه الصلاة والسلام فيما يأمرهم به من قتال عدوهم ودفعهم عن حوزة الاسلام وأعلمهم ان ذلك يحيهم من حيث كان فيه قهر للمشركين وتقليل لعددهم وفل لجهدهم وحسم لاطماعهم لانهم متى كثروا وقووا استلانوا جانب المؤمنين وأقدموا عليهم بالقتل وصنوف المكاره فمن ههنا كانت الاستجابة له عليه الصلاة والسلام تقتضي الحياة والبقاء ويجري ذلك مجرى قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة).

وثالثها ما قاله قوم من ان كل طاعة حياة ويوصف فاعلها بأنه حي كما ان المعاصي يوصف فاعلها بانه ميت والوجه في ذلك ان المؤمن الطائع لما كان منتفعا بحياته وكانت تؤديه إلى الثواب الدائم قيل ان الطاعة حياة ولما كان الكافر العاصي لا ينتفع بحياته من حيث كان مصيره إلى العقاب الدائم كان في حكم الميت ولهذا يقال لمن كان منغص الحياة غير منتفع بها فلان بلا عيش ولا حياة وما جرى مجرى ذلك من حيث لا ينتفع بحياته.

ويمكن في الآية وجه آخر وهو أن يكون المراد بالكلام الحياة في الحكم لا في

[167]

الفعل لانا قد علمنا انه عليه الصلاة والسلام كان مكلفا مأمورا بجهاد جميع المشركين المخالفين لملته وقتلهم وان كان فيما بعد كلف ذلك فيمن عدا أهل الذمة على شروطها فكأنه تعالى قال فاستجيبوا للرسول ولا تخالفوه فانكم اذا خالفتم كنتم في الحكم غير أحياء من حيث تعبد عليه الصلاة والسلام بقتالكم وقتلكم فاذا أطعتم كنتم في الحكم أحياء ويجري ذلك مجرى قوله تعالى (ومن دخله كان آمنا) وانما أراد تعالى إنما يجب أن يكون آمنا وهذا حكمه ولم يخبر بان ذلك لا محالة واقع.

فأما المجبرة فلا شبهة لهم في الآية ولا متعلق بها لانه تعالى لم يقل انه يحول بين المرء وبين الايمان بل ظاهر الآية لايقتضي أن يحول بينه وبين أفعاله وانما يقتضي ظاهرها انه يحول بينه وبين قلبه وليس للايمان ولا للكفر ذكر ولو كان للآية ظاهر يقتضي ما ظنوه وليس لها ذلك ولا يضر قناعته بأدلة العقل الموجبة انه تعالى لايحول بين المرء وبين ما أمر به وأراده منه وكلفه فعله لان ذلك قبيح والقبائح عنه منفية.

أخبرنا أبوعبيدالله محمد بن عمران المرزباني قال حدثني احمد بن محمد الجوهري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أحمد بن عمرو بن اسمعيل بن عبدالعزيز بن عمرو بن عبدالرحمن بن عوف قال حدثني عمرو بن خالد بن عبدالله عن الحجاج السلمي قال لما اشتد بحصن بن حذيفة بن بدر وجعه من طعنة كرز بن عامر إياه يوم بني عقيل دعا ولده فقال ان الموت أهون مما أجد فأيكم يطيعني قالوا كلنا نطيعك فبدأ بأكبرهم فقال قم فخذ سيفي واطعن به حيث آمرك ولا تعجل قال يا أبتاه أيقتل المرء أباه فأتي على القوم كلهم فأجابوه بجواب الاول حتى انتهى إلى عيينة فقال يا أبتاه ليس لك فيما تأمرني به راحة ولي بذلك طاعة وهو هواك قال بلى قال فأمرني كيف أصنع قال الق السيف انما أردت ان أعلم أيكم أمضى لما آمر به فأنت خليفتي ورئيس قومك من بعدي فقال القوم انه سيقول في ذلك ابياتا فاحضروه فلما أمسى قال

ولوا عيينة من بعدي أموركم * واستيقنوا انه بعدي لكم حام

إما هلكت فإني قد بنيت لكم * عز الحياة بما قدمت قدامي

[168]

واستوسقوا للتي فيها مروء‌تكم * قود الجياد وضرب القوم في الهام

والقرب من قومكم والقرب ينفعكم * والبعد إن باعدوا والرمي للرامي

ولى حذيفة إذ ولى وخلفني * يوم الهباة يتيما وسط أيتام

لا أرفع الطرف ذلا عند مهلكة * ألقي العدو بوجه خده دامي

حتى اعتقدت لوا قومي فقمت به * ثم ارتحلت إلى الجفني بالشام

لما قضي ما قضى من حق زائره * عجت المطي إلى النعمان من عامي

اسمو لما كانت الاباء تطلبه * عند الملوك فطرفي عندهم سامي

والدهر آخره شبه لاوله * قوم كقوم وأيام كأيام

فابنوا ولا تهدمو فالناس كلهم * من بين بان إلي العليا وهدام

قال ثم أصبح ودعا بني بدر فقال لوائي ورياستي لعيينة واسمعوا مني ما أوصيكم به لا يتكل آخركم على أولكم فانما يدرك الآخر ما أدركه الاول وانكحوا الكف‌ء الغريب فانه عز حادث واذا حضركم أمران فخذوا بخيرهما صدرا فان كل مورد معروف واصحبوا قومكم بأجمل أخلاقكم ولا تخالفوا فيما اجتمعوا عليه فان الخلاف يزرى بالرئيس المطاع واذا وحادثتم فاربعو ثم قولوا الصدق فانه لا خير في الكذب وصونوا الخيل فانها حصون الرجال وأطيلوا الرماح فانها قرون الخيل وأعزوا الكبير بالكبر فإني بذلك كنت أغلب الناس ولا تغزوا الا بالعيون ولا تسرحوا حتى تأمنوا الصباح واعطوا على حسب المال واعجلوا الضيف بالقرى فان خيره أعجله واتقوا فضيحات البغى وفلتات المزاح ولا تجيروا على الملوك فان أيديهم أطول من أيديكم واقتلوا كرز بن عامر ومات حصن فأخذ عيينة الرياسة. وقال

أطعت أبا عيينة في هواه * ولم تخلج صريمتي الظنون

[169]

وقد عرض الرئيس على بنيه * فقال القوم هذا لا يكون

ستحيا أو تموت فطالوه * وقتل المرء والده جنون

فلم أقتل بحمد الله حصنا * وكل فتى سيدركه المنون

ولم أنكل عليه وكل امر * اذا هونته يوما يهون

فإن يك بدء هذا الامر غثا * فآخره بنى بدر سمين

وحكي عمر بن بحر الجاحظ أن اسم عيينة بن حصن حذيفة وانما أصابته اللقوة فجحظت عينه وزال فكه فسمي لذلك عيينة واذا عظمت عين الانسان لقبوه ابا عيينة وأبا العيناء. وروى قيس بن أبي حازم أن عيينة بن حصن بن حذيفة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا أحمق مطاع. وروى أيضا أنه كان يدلع لسانه للحسين بن على عليهما السلام وهو صبي فيرى لسانه فيهش له فقال له عيينة أراك تضع هذا بهذا فو الله انه ليكون لي الابن رجلا قد خرج وجهه ما قبلته قط فقال رسول رسول الله صلى الله وسلم انه لا يرحم من لا يرحم.

ونعود إلى ما كنا وعدنا به من الكلام على شعر مروان فمما يختار من شعره قوله من قصيدة أولها

صحا بعد جهل فاستراحت عواذله * وأقصر عنه حين أقصر باطله

ومن مد في أيامه فتأخرت * منيته فالشيب لاشك شامله

هو المرء إما دينه فهو مانع * صؤن وإما ماله فهو باذله

أمر وأحلى ما بلى الناس طعمه * عقاب أميرالمؤمنين ونائله

أبي لما يأبي ذوو الحزم والتقى * فعول إذا ما جد بالامر فاعله

تروك الهوى لا السخط منه ولا الرضا * - لدى موطن إلا علي الحق حامله

[170]

(22 - أمالى نى)

يرى أن مر الحق أحلى مغبة * وأنجى ولو كانت زعافا مناهله

فإن طليق الله من هو مطلق * وإن قتيل الله من هو قاتله

وإنك بعد الله للحكم الذي * تصاب به من كل حق مفاصله

أما قوله -

ومن مد في أيامه فتأخرت * منيته فالشيب لا شك شامله

فمأخوذ من قول طريح بن اسمعيل الثقفي

والشيب غاية من تأخر حينه * لا يستطيع دفاعه من يجزع

والاصل في هذا قول امية بن أبي الصلت

من لم يمت عبطة يمت هرما * والموت كأس والمرء ذائقها

ويشبه ذلك قول الآخر

قل لعرسى ليس شيبي بعجب * من يعش يا أم عمار يشب

ومثله قول أبي العتاهية

من يعش يكبر ومن يكبر يمت * والمنايا لا تبالى من أتت

ويشبه قول البحتري

ولا بد من ترك إحدى اثنتين * فإما الشباب واما العمر

وقوله

والشيب مهرب من جارى مشيته * ولا نجاء له من ذلك الهرب

وقريب منه قول ابن المعتز

قالت كبرت وانتفيت من الصبا * فقلت لها ما عشت إلا لاكبرا

ولبعضهم

ولا بد من موت فإما شبية * وإما مشيب والشبية أصلح

معنى قوله - والشبيبة أصلح - إن الانسان اذا مات شابا كان أكثر للحزن عليه

[171]

والاسف على مفارقته فاذا أسن برم به أهله وهان عندهم فقده.

فأما قوله

هو المرء إما دينه فهو مانع * صؤن وأما ماله فهو باذله

فمعناه متكرر في الشعر كثير جدا. وأحسن شعر جمع بين وصف الممدوح بمنع ما يجب منعه وبذل مايجب بذله قول مسلم بن الوليد الانصاري

يذكر نيك الجود والبخل والنهى * وقول الخنا والحلم والعلم والجهل

فالقاك عن مذمومها متنزها * والقاك في محمودها ولك الفضل

وأحمد من أخلاقك البخل إنه * بعرضك لا بالمال حاشا لك البخل

وقد أحسن البحتري في قوله

بلونا ضرائب من قد نرى * فما إن وجدنا لفتح ضريبا

تنقل في خلقي سؤدد * سماحا مرجى وباسا مهيبا

فكالسيف إن جئته صارخا * وكالبحر إن جئته مستثيبا

فأما قوله - تروك الهوي لا السخط منه ولا الرضى - البيت. فمعنى متداول مطروق في الشعر وقد ذكره هو في قوله

إذا هن القين الرحال ببابه * حططن به ثقلا وأدركن مغنما

إلى طاهر الاثواب ما نال في رضى * ولا غضب مالا حراما ولا دما

وأحسن من هذا قول أبي تمام في محمد بن عبدالملك الزيات

ثبت الجنان إذا اصطكت بمظلمة * في رحله السن الاقوام والركب

لا المنطق اللغو يزكو في مقاومه * يوما ولا حجة الملهوف تستلب

كأنما هو في نادى قبيلته * لا القلب يغفو ولا الاحشاء تضطرب

وتحت ذاك قضاء حز شفرته * كما يعض بظهر الغارب القتب

[172]

لا سورة تتقى منه ولا بله * ولا يخاف رضى منه ولا غضب

ومثله قول البحترى في ابن الزيات أيضا

وجه الحق بين أخذ وإعطا * ء وقصد في الجمع والتبديد

واستوى الناس فالقريب قريب * عنده والبعيد غير بعيد

لا يميل الهوى به حين يمضى الامر * بين المقلي وبين الودود

وسواء لديه أبناء إبرا * هيم في حكمه وأنباء هود

مستريح الاحشاء من كل ضغن * بارد الصدر من غليل الحقود

فأما قوله - وان قتيل الله من هو قاتله - فيشبه أن يكون مأخوذا من قول يزيد بن مفرغ في عبيدالله بن زياد لعنهما الله

إن الذي عاش ختارا بذمته * ومات عبدا قتيل الله بالزاب

- أما قوله وانك بعد الله للحكم الذي تصاب به من كل حق مفاصله -. فيشبه قول أبي تمام في وصف القلم من قصيدة يمدح بها ابن الزيات. وأجمع العلماء أن هذه الابيات أحسن أفخم من جميع ما قيل في القلم

لك القلم الاعلى الذي بشباته * تصاب من الامر الكلى والمفاصل(1)

له الخلوات اللاء لولا نجيها * لما احتفلت للملك تلك المحافل(2)

___________________________________

(1) - الشباة - حد القلم وغيره ومثلها الشبا بالفتح والقصر. وقوله - تصاب من الامر - روى أيضا ينال من الامر - والكلي - جمع كلية وكلوة جاء بالياء والواو - والمفاصل - جمع مفصل وهو ملتقى كل عظمين. أراد ان القلم يطبق المفصل ويصادف المحز وبه ينال مقاصد الامور فانه ينال بالاقلام ما يعجز عنه مجالدة الحسام

(2) قوله - له الخلوات - يعنى ان أصحاب القلم هم أهل المشورة وموضع السر يخلم (*)

[173]

لعاب الافاعي القاتلات لعابه * وأري الجني اشتارته أيد عواسل(1)

___________________________________

لهم الملوك المجالس للمشورة وبهم يحصل نظام الملك - والنجى - المسارر والتناجي المسارة. وأراد به المشير فان المشورة تكون سرا غالبا - والاحتفال - حسن القيام بالامور - والمحافل - جمع محفل كمجلس ومقعد وهو المجتمع

(1) قوله - لعاب الافاعى - الخ اللعاب مايسيل من الفم - والقاتلات - صفة كاشفة للافاعى ذكرها تهويلا - والاري - بفتح الهمزة وسكون الراء مالزق من العسل في جوف الخلية - والجنى - بفتح الجيم والقصر العسل والاضافة للتخصيص فان الارى يأتى أيضا بمعنى مالزق بأسفل القدر من الطبيخ وان جعلت الارى بمعنى العسل والجنى بمعني كل مايجتنى من ثمرة ونحوها يلزم اضافة الموضوف إلى للصفة - واشتارته - استخرجته يقال شار فلان العسل شورا وشيارا وشيارا وشيارة اذا استخرجه وكذلك أشاره واشتاره - وأيد - جمع يد - والعواسل - جمع عاسله أى مستخرجة العسل والعاسل مستخرج العسل من موضعه والمصراع الاول بالنسبة إلى الاعداء والثانى بالنسبة إلى الاولياء. يعنى ان لعاب قلمه بالنسبة الي الاعداء سم قاتل وبالنسبة إلى الاولياء شفاء عاجل.

فقوله لعاب مبتدأ مؤخر لعاب الافاعى خبر مقدم وأرى معطوف على الخبر وجاز هذا مع تعريف الطرفين لان المعني دال عليه لان اللعاب القاتل انما هو لعاب الافاعى فلعاب القلم مشبه به في التأثير وعلم من هذا انه ليس من التشبيه المقلوب فان لعاب القلم قد شبه بشيئين وهو السم والعسل باعتبارين وان جعلته من التشبيه المقلوب كان من عطف الجمل والخبر في المعطوف محذوف وفيه تكلف اه‍ من شرح الشواهد الكبرى. فقوله السابق وان جعلت الارى بمعنى العسل والجنى بمعنى كل مايجتنى من ثمرة ونحوها يلزم اضافة الموصوف إلى الصفة. قلت ان لزم ذلك فلا محذور فيه فان ابن مالك نص في التسهيل على جواز اضافة الصفة إلى الموصوف والموصوف إلى قائم مقام الوصف وعلى كل حال فهي مسألة خلافية فذهب البصريون إلى منع ذلك مطلقا وتأولوا ماورد منه وذهب الكوفيون إلى الجواز اذا اختلف اللفظان من غير تأويل (*)

[174]

له ريقة طل ولكن وقعها * بآثاره في الشرق والغرب وابل (1)

فصيح إذا استنطقته وهو راكب * واعجم إن خاطبته وهو راجل

اذا ما امتطي الخمس اللطاف وافرغت * - عليه شعاب الفكر وهي حوافل(2)

أطاعته أطراف القنا وتقوضت * لنجواه تقويض الخيام الجحافل(3)

إذا استغزر الذهن الذكى وأقبلت * أعاليه في القرطاس وهى أسافل(4)

وقد رفدته الخنصران وسددت * ثلاث نواحيه الثلاث الانامل (5)

___________________________________

محتجين بنحو تعالى (حق اليقين. ولدار الآخرة. بجانب الغربى) وغير ذلك

(1) قوله - له ريقة طل - ريقة مبتدا وطل وصفة والظرف قبلة خبره والطل المطر الضعيف - والوابل - وكذا الوبل المطر الشديد الضخم القطر. يقول إن مايجرى من القلم حقير تافه في ظاهر الامر لكن له أثر خير عم المشارق والمغارب

(2) قوله - اذا ماامتطى الخمس اللطاف - الخ. أراد بالخمس اللطاف الاصابع الخمس - والشعاب - جمع شعب بكسرهما الطريق في الجبل - والحوافل - جمع حافله يقال حفل اللبن وغيره حفلا وحفولا اجتمع واحتفل الوادي امتلا وسال

(3) قوله - أطاعته أطراف القنى - الخ. هو جواب اذا وروى أطاعته أطراف الرماح - وتقوضت - يقال تقوضت الصفوف اذا انتقضت وأصله من تقويض البناء وهو نقضه من غير هدم - والنجوى - السر وتقويض أى كتويض الخيام - والجحافل - فاعل قوضت وهو جمع جحفل بتقديم الجيم على المهملة كجعفر الجيش

(4) قوله - اذا استغزر الذهن - استغزره وجده غزيرا وفاعله ضمير القلم - والذكى - المتوقد وروى الخلى بدله والخلى الخالي وانما تكون أعالي القلم أسافل حين الكتابة

(5) قوله - وقد رفدته الخنصران - الخ رفدته أعانته - وسددت - قومت - (*)

[175]

رأيت جليلا شأنه وهو مرهف * ضني وسمينا خطبه وهو ناحل(1)

تم ولله الحمد الجزء الثانى من كتاب أمالى السيد المرتضى. وقد صحح هذا الجزء من أوله الي نهاية الملزمة الخامسة عشر منه بتصحيح السيد محمد بدر الدين النعساني ومن ثم إلى آخره بتصحيح حضرة الشيخ احمد بن الامين الشنقيطي نزيل القاهرة حالا وقد بذلا غاية جهدهما فيه تصحيحا وضبطا وتفسير ما يحتاج إلى إيضاح غامضه أحسن الله اليهما وشكر مسعاهما. وقد تم ولله الحمد طبعه في آوائل جمادي الثانية سنة 1325 هجريه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

___________________________________

(1) قوله - رأيت جليلا شأنه - الخ. رأيت جواب اذا وشأنه فاعل جليلا وجملة - وهو مرهف - حال وهو اسم مفعول من أرهفت السيف ونحوه اذا رققت شفرته ويقال أيضا رهفته رهفا فهو رهيف ومرهوف - وضنى - تمييز وهو مصدر ضنى من باب تعب اذا مرض مرضا ملازما - وسمينا - معطوف على جليلا - وناحل - من نحل الجسم ينحل بفتحهما نحو لا سقم ومن باب تعب (*)