(مجلس آخر 51)
[ تأويل آية ]
إن سأل سائل عن قوله تعالى (ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذهديتنا) الاية. فقال أو ليس ظاهر الآية يقتضى أنه تعالى يجوز أن يزيغ القلوب عن الايمان حتى تصح مسألته تعالى ألا يزيغها ويكون هذا الدعاء مفيدا. الجواب قلنا في هذه الآية وجوه.
أولها أن يكون المراد بالآية ربنا لاتشدد علينا المحنة في التكليف ولاتشق علينا فيه فيفضى بنا ذلك إلى زيغ القلوب منا بعدالهداية وليس يمتنع أن يضيفوا مايقع من زيغ قلوبهم عند تشديده تعالى عليهم المحنة اليه كما قال عزوجل في السورة (إنها زأدتهم رجسا إلى رجسهم) وكما قال مخبرا عن نوح عليه السلام (فلم يزدهم دعائى إلا فرارا). فإن قيل كيف يشدد المحنة عليهم. قلنا بأن يقوى
[115]
شهواتهم لما قبحه في عقولهم ونفورهم عن الواجب عليهم فيكون التكليف عليهم بذلك شاقا والثواب المستحق عليهم عظيما متضاعفا وإنما يحسن أن يجعله شاقا تعريضا لهذه المنزلة.
وثانيها أن يكون ذلك دعاء بالتثبيت لهم على الهداية وإمدادهم بالالطاف التى معها يستمرون على الايمان فإن قيل وكيف يكون مزيغا لقلوبهم بان لايفعل اللطف. قلنا من حيث المعلوم أنه متى قطع إمدادهم بألطافه وتوفيقاته زاغوا وانصرافوا عن الايمان ويجرى هذا مجرى قولهم اللهم لاتسلط علينا من لايرحمنا معناه لاتخل بيننا وبين من لايرحمنا فيتسلط علينا ومثله قول لفرزدق
أتانى ورحلى بالمدينة وقعة * لآل تميم أقعدت كل قائم
أراد قعد لها كل قائم فكأنهم قالوا لاتخل بيننا وبين نفوسنا وتمنعنا ألطافك فنزيغ ونضل.
وثالثها ماأجاب به أبوعلى الجبائى محمد بن على لانه قال المراد بالآية ربنا لاتزغ قلوبنا عن ثوابك ورحمتك ومعنى هذا السؤال أنهم سألوا الله تعالى أن يلطف لهم في فعل الايمان حتى يقيموا عليه ولايتركوه في مستقبل عمرهم فيستحقوا بترك الايمان أن يزيغ قلوبهم عن الثواب وأن يفعل تعالى بهم بدلا منه العقاب. قال فإن قال قائل فما هذا الثواب الذى هو في قلوب المؤمنين حتى زعمتم أنهم سألوا الله أن لايزيغ قلوبهم عنه وأجاب بأن من الثواب الذى في قلوب المؤمنين ماذكره الله تعالى من الشرح والسعة بقوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام) وقوله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك) وذكر أن ضد هذا الشرح هو الضيق والحزن اللذان يفعلان بالكفار عقوبة قال ومن ذلك أيضا التطهير الذى يفعله في قلوب المؤمنين وهو الذى منعه الكافرين فقال تعالى (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) قال ومن ذلك أيضا كتابته الايمان في قلوب المؤمنين كما قال تعالى (أولئك كتب في قلوبهم الايمان) وضد هذه الكتابة هى سمات الكفر التى في قلوب الكافرين فكأنهم سألوالله تعالى أن لايزيغ قلوبهم عن هذا الثواب لي ضده من العقاب.
ورابعها أن تكون الآية محمولة على الدعاء بأن لايزيغ القلوب
[116]
عن اليقين والايمان ولا يقتضى ذلك انه تعالى سئل ما كان لايجب أن يفعله وما لولا المسألة لجاز فعله لانه غير ممتنع أن يدعوه على سبيل الانقطاع اليه والافتقار إلى ما عنده بأن يفعل تعالى ما نعلم انه لابد من أن يفعله وبأن لايفعل مانعلم أنه واجب أن لايفعله تعالى إذا تعلق بذلك ضرب من المصلحة كما قال تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام (ولاتحزنى يوم يبعثون) وكما قال في تعليمنا ما ندعوه به (قال رب احكم بالحق) وكقوله تعالى (ربنا ولاتحملنا ما لاطاقة لنا به) على أحد الاجوبة وكل ماذكرناه واضح بحمدالله.
[ قال الشريف ] رضى الله عنه وإنى لاستحسن قول الراعى في وصف الاثافى والرماد فلقد طبق وصفه المفصل مع جزالة الكلام وقوته واستوائه واطراده
وأورق من عهد ابن عفان حوله * حواضن ألاف على غير مشرب
وراد الاعالى أقبلت بنحورها * على راشح ذى شامة متقوب
كأن بقايا لونه في متونها * بقايا هناء في قلائص مجرب
- الاورق - الرماد جعل الاثافى له كالحواضن لاحتضانها له واستدراتها حوله. وأراد - بوراد الاعالى - أن ألوانها تضرب إلى الحمرة وخص الاعالى لانها مواضع القدر فلا تكاد تسود - والراشح - هوالراضع وإنما شبه الرماد بينهن بفصيل بين أظآر - المتقوب - الذى قد انحسر أعلاه وشبه ما سودت النار منهن بأثر قطران على قلائص جربى - والمجرب - الذى قد جربت إبله.
ونظير هذا المعنى بعينه أعنى تشبيه تسويد النار بالهناء قول ذى الرمة
عفا الزرق من أطلال مية فالدحل * فأجماد حوضى حيث زاحمها الحبل(1)
___________________________________
(1) - الزرق - رمال بالدهناء وقيل هي قرية بين النباج وسمينة وهي صعبة المسالك - والدحل - بالفتح ماء نجدي الغطفان - والاطلال - جمع طلل محركة وهو الشاخص من آثار الدار - والاجماد - جمع جمد بالتحريك وهو ما ارتفع من الارض - وحوضى -
[117]
سوى أن يرى سودا من غير خلقه * تخاطأها وارتث جاراتها النقل
من الرضمات البيض غير لونها * نبات فراض المرخ واليابس الجزل
كجزباء دست بالهناء فأصبحت * بأرض خلاء أن تقاربها الابل
قوله - سوداء من غير خلقه - يعنى أثفية لان السواد ليس بخلقه بها وإنما سودتها النار. وقوله - تخطأها النقل - أى تجاوزها فلم تحمل من مكان إلى مكان بل بقيت منفردة - وارتث جاراتها - بمعنى بجاراتها أى نقلن عنها الاثافى اللواتي كن معها - والمرتث - هو المنقول من مكان إلى مكان وأصل ذلك في الجريح والعليل يقال ارتث الرجل ارتثاثا إذا حمل من المعركة وبه رمق.
قال النضر بن شميل معنى ارتث صرع. وقال أبوزيد مأخوذ من قولهم ارتثينا رثة القوم إذا جمعوا ردى متاعهم بعد أن يتحملوا من موضعهم وكلا المعنيين يليق ببيت ذى الرمة لانه يجوز أن يريد صرعن وبقيت ثانية قائمة - والرضمات - حجارة بيض بعضها على بعض - والفراض - جمع فرض وهو الحز يكون في الزند. وعنى ببنات فراض المرخ شرر النار الخارجة من ذلك الفرض - والمرخ - شجر تتخذ منه الرندة. ومن أمثالهم في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار وهذا المثل يضرب للرجل الكريم الذى يفضل على القوم ويزيد عليهم فكأن المعنى كل القوم كرام وأكرمهم فلان(1). ومعنى - كجرباء دست بالهناء - انه
___________________________________
بالفتح ثم السكون مقصور بوزن سكرى اسم ماء لبنى طهمان بن عمرو بن سلمة إلى جنب جبل في ناحية الرمل - وزاحمها - ضايقها - والحبل - الرمل المستطيل
(1) وقال الميدانى في تفسيره له يقال مجدت الابل تمجد مجودا اذا نالت من الخلي قريبا من الشبع واستمجد المرخ والعفار أى استكثرا وأخذا من النار ما هو حسبهما شبها بمن يكثر العطاء طلبا للمجد لانهما يسرعان الورى يضرب في تفضيل بعض الشئ على بعض.
قال أبوزياد ليس في الشجر كله أورى زنادا من المرخ قال وربما كان المرخ مجتمعا ملتفا وهبت الريح فحك بعضه بعضا فأورى فاحترق الوادي كله ولم نر
[118]
شبه الاثفية المفردة بناقة جرباء قد أفردت وأبعدت عن الابل حتى لاتجربها ولا تعديها ومعنى دست بالهناء أي طليت به.
وفى معني القول الراعى وراد الاعالى شبه من قول الشماخ بن ضرار
أقامت عى ربعيهما جارتا صفا * كميتا الاعالى جونتا مصطلاهما(1)
___________________________________
ذلك في سائر الشجر.
قال الاعشى
زنادك خير زناد الملوك * خالط فيهن مرخ عفارا
ولو بت تقدح في ظلمة * حصاة بنبع لا وريت نارا
والزند الاعلى يكون من العفار والاسفل من المرخ.
قال الكميت
اذا المرخ لم يور تحت العفار * وضن بقدر فلم تعقب
(1) وقبله
أمن دمنتين عرج الركب فيهما * بحقل الرخامي قد أني لبلاهما
أقامت على ربعيهما جارتا صفا * كميتا الاعالي جونتا مصطلاهما
وإرث رماد كالحمامة ماثل * ونؤيان من مظلومتين كداهما
أقاما لليلى والرباب وزالتا * بذات السلام قد عفا طللاهما
ففاضت دموعي في الرداء كأنها * عزالي شعيب مخلف وكلاهما
ليالي ليلى لم يشب عذب مائها * بملح وحبلانا متين قواهما
ولو دين للبيض الهجان وحالك * من اللون غربيب بهيم علاهما
اذا اجتهدا الترويح مدا عجاجة أعاصير مما يستثير خطاهما
وسر بين كدر بين قدرعت غدوة * على الماء معروف الي لغاهما
اذا غادرا منه قطاتين ظلتا * أديم النهار تطلبان قطاهما
وإنى عداني عنكم غير ماقت * نواران مكتوب على بغاهما
وعنس كألواح الاران نسأتها * اذا قيل للمشبوبتين هماهما
تغالى برجليها اليك ابن مربع * فيانعم نعم المغتلي مغتلاهما
[119]
يعنى - بربعيهما - منزلى المرأتين اللتين ذكرهما ويعنى - بجارتا صفا - الاثفيتين لانهما مقطوعتان من الصفا الذى هو الصخر. ويمكن في قوله جارتا وجه آخر هو أحسن من هذا وهو أن الاثفيتين توضعان قريبا من الجبل لتكون حجارة الجبل ثالثة لهما وممسكة للقدر معهما ولهذا تقول العرب رماه بثالثة الاثافى أى بالصخرة أو الجبل وشبه أعلاهما بلون الكميت وهو لون الحجر نفسه لان النار لم تصل اليه فتسوده - ومصطلاهما جون - أي اسود لان النار قد سفعته سودته.
وقال الراعى في وصف الاثافى إيضا
أذاع بأعلاه، وأبقى شريده * ذرى مجنحات بينهن فروج
كأن بجزع الدار لما تحملوا * سلائب ورقا بينهن خديج
- أذاع بأعلاه - يعنى الرماد لان السافى طير ظاهره وماعلامنه - وأبقى شريده - يريد به الذى أبقى لما شرد على السافي فلم يطيره - وذرى مجنحات - يعنى الاثافى وذرى كل شئ جانبه وما استذريت به منه - والمجنحات - المسبلات منه - والسلائب - جمع سلوب وهى الناقة التى قد سلبت ولدها بموت أونحر فقد عطفت على حوار آخر - والخديج - الذى قد سقط لغير تمام - والورق - اللواتى ألوانهن كلون الرماد. وفى معنى قول الراعي وأبقى شريده ذرى قول المخبل السعدى
___________________________________
اذا ما حصيرا زورها لم يعلقا * لها الضفر إلا من امام رحاهما
كست عضديها زورها وانتحت بها * ذراعا لجوج عوهج ملتقا هما
فباتت بأبلى ليلة ثم ليلة * بحاذة واجتابت نوي عن نواهما
وراحت على الافواه أفواه غيقة * نجاه تفتلاوين ماض سراهما
أجدت هبابا عن هباب وسامحت * قوى نسعتيها بعد طول اذاهما
ولولا فتى الانصار ماسك سمعها * ضمير ولا حورانه فقراهما
وإني لارجو من يزيد بن مربع * حذيته من خيرتين اصطفاهما
حذيته من نائل وكرامة * سعى في بغاء المجد حتى احتواهما
[120]
وأرى لها دارا بأغدرة السيدان لم يدرس لها رسم(1)
إلا رمادا هامدا دفعت * عنه الرياح خوالد سحم(2)
- لا - ههنا بمعنى الواو فكأنه قال وأرى رمادا هامدا ولولا ان إلا ههنا بمعنى الواو لفسد الكلام ونقض آخره أوله لانه يقول في آخر البيت ان الخوالد السحم دفعت عنه الرياح فكيف خبر بأنه قد درس وإنما أراد أنه باق ثابت لان الاثافي دفعت عنه الرياح فلم تستنه إذ هو من جملة مالم يدرس بل هو داخل في جملته وللراعى أيضا في لاثافى
أنحن وهن أغفال عليها * فقد ترك الصلاء بهن نارا
شبه الاثافى بنوق أنخن أغفالا لست عليهن سمة ثم أخبر ان الوقود قد أثر فيهن أثرا كالسمة فالنار السمة تقول العرب ما ناربعيرك أى ماسمته وفى أمثالهم نجارها نارها أى
___________________________________
(1) - الاغذرة - جمع غدير وهو القطعة من الماء يغادرها السيل أى يتركها وهو فعيل في معنى مفعول على اطراح الزائد وقد قيل انه من الغدر لانه يخون وراده فينضب عنهم ويغدر بأهله فينقطع عند شدة الحاجة اليه. وقال اللحياني الغدير اسم ولايقال هذا ماء غدير وقال الليث الغدير مستنقع الماء ماء المطر صغيرا كان أو كبيرا غير انه لايبقى إلى القيظ إلا مايتخذه الناس من عد ووجذ ووقط أو صهريج أو حائر قال أبومنصور العد الماء الدائم الذي لا انقطاع له ولايسمي الماء الذى يجمع في غدير أو صهريج أو صنع عدا لان العد ما يدوم مثل ماء العين والركية
(2) - الرماد - دقاق الفحم من حراقة النار وما هبا من الجمر فصار دقاقا والطائفة منه ومادة. وفي حديث أم زرع زوجي عظيم الرماد أى كثير الاضياف لان الرماد بكثرة الطبخ - وهامدا. طافئا.
قال الاصمغي طفئت النار اذا سكن لهبها وهمدت همودا اذا طفئت البتة فاذا صارت رمادا قيل هبا يهبو وهو هاب - والخوالد - الصخور. قال الجوهرى قيل لاثافى الصخور خوالد لطول بقائها بعد دروس الاطلال - وسحم - جمع سحماء أي سوداء وهو صفة لخوالد
[121]
سمتها تدل على كرمها يضرب ذلك للرجل ترى له ظاهرا حسنا يدل على باطن خبره.
وقال عدي بن الرقاع العاملى
إلا رواكد كلهن قد اصطلى * حمراء أشعل أهلها إيقادها
كانت رواحل للقدور فعريت * منهن واستلب الزمان رمادها
وقال مالك الجعفى
إلا رواكد بينهن خصاصة * سفع المناكب كلهن قد اصطلى
وقال حميد بن ثور
فتغيرت إلا ملاعبها * ومعرسا من جونة ظهر
عرش الثقاب لها بدار مقامة * للحى بين نظائر وتر
- الجونة - للقدر ويقال قدر ظهر وقدور ظهور اذا كانت قديمة - وعرش - أى جعل مثل العريش يعنى الوقود - والثقاب - ما أثقبت به النار من الوقود - والنظائر - هي الاثافى - والوتر - الفرد وأراد انها ثلاث.
وقال الكميت بن زيد
ولن تحييك أظار معطفة * بالقاع لاتمك فيها ولاميل
ليست بعوذ ولم تعطف على ربع * ولايهيب بها ذوالنية الابل
يعنى الاثافى فشبه عطفها على الرماد بنوق أظآر قد عطفت على فصيل - والتمك - انتصاب السنام - والميل - من صفة السنام أيضا - والعائذ - من النوق التى يتبعها ولدها - والربع - الذى نتج في الربيع - والاهابة - الدعاء أهاب بابله إذا دعاها - وذوالنية - الذى قد نوى الرحيل - الابل - صاحب الابل.
وقال ذوالرمة
فلم يبق إلا أن ترى في محله * رمادا نحت عنه الخيول جنادله
كأن الحمام الوزق في الدار وقعت * على خرق بين الظوور جواز له
شبه الاثافى بالحمام الورق وجعلها ظؤورا لتعطفها على الرماد وشبه الرماد بفرخ خرق(16 - أمالى لث)
[122]
قد سقط ريشه - والجوازل - الفراخ واحدها جوزل.
وقال البعيث
ألا حييا الربع القواء وسلما * ورسما كجثمان الحمامة أدهما
قيل إن الحمام هاهنا القطاة وإنه شبه ألوان الرسوم من الرماد ومو قد نار، ودمنة ومجر طنب وماأشبه الاشياء بألوان ريش القطاة.
ومثله لجرير
كأن رسوم الدار ريش حمامة * محاها البلى واستعجمت إن تكلما
ولقد أحسن كله الاحسان كثير في قوله
أمن ال قيلة بالدخول رسوم * وبحومل طلل يلوح قدوم
لعب الرياح برسمه فأجده * جون عواكف في الرماد جثوم
سفع الخدود كأنهن وقد مضت * حجج عوائد بينهن سقيم
وقيل في قوله - فأجده جون عواكف - يعنى الاثافى لان الريح لما كشفت عنها وظهرت صارت كأنها أجدت الرسم.
ويحتمل وجه آخر وهو أن يكون معنى أجدت انها حملت الرماد الذى أحاطت به من لعب الرياح فبقى بحالة يستدل به المترسم فكأن الرياح درست الربع ومحته إلا ما أجدته هذه الاثافي من الرماد ومنعت الريح عنه ويجرى ذلك مجرى قول المخبل * إلا رمادا هامدا * البيت.
وقال المرار الفقعسى في الاثافى
أثر الوقود على جوانبها * بخدودهن كأنه لطم
ويقال ان أباتمام الطائى أخذ ذلك في قوله
قفوا نعط المنازل من عيون * لها في الشوق أحشاء غزار
عفت آياتهن وأى ربع * يكون له على الزمن الخيار
اثاف كالخدود لطمن حزنا * ونؤي مثل ماانفصم السوار
وقد عاب عليه قوله لطمن حزنا بعض من لامعرفة له وقال لا فائدة في قوله حزبا ولذلك فائدة وذلك أن لطم الحزن أوجع فتأثيره أبلغ وأظهر وأبين وقد يكون اللطم
[123]
لغير الحزن فأما قوله * ونؤى مثل ما انفصم السوار
فمأخوذ من قول الشاعر
نؤى كما انقض الهلال مخافة * أو مثلما فصم السوار المعصم
وقد شبه الناس النؤى بالسوار والخلخال كثيرا أو بغير ذلك.
قال كثير
عرفت لسعدى بعد عشرين حجة * بها درس نؤي في المحلة منحن(1)
قديم كوقف العاج ثبت حواؤه * مغادر أوتاد برضم موضن
- الوقف - السوار من الذبل ومن العاج - والرضم - صخور عظام - والموضن - الذى بعضه فوق بعض.
وقال بشار
ونؤي كخلخال الفتاة وصائم * أشج على ريب الزمان رقوب
- الصائم الاشج - يعنى الوتد وانما وصفه بأنه صائم لقيامة وثباته وجعله رقوبا لانفراده والمرأة الرقوب والشيخ الرقوب الذى لايعيش له ولد.
ومن مستحسن ماوصف به النؤى قول أبى تمام
والنؤى أهمد شطره فكأنه * تحت الحوادث حاجب مقرون(2)
___________________________________
(1) - درس - بسكون الراء أصله درس بفتحها وسكنت وكل ذلك جائز في كل فعل ثلاثي فان كانت عينه حلقية فهو مقيس وإلا فحكمه الضرورة يقال درس الرسم عفا ودرسته الريح محته لازم متعد - ومنحن - دارس
(2) البيت من قصيدة يمدح بها الواثق بالله أولها
وأبي المنازل إنها لشجون * وعلى العجومة انه لتبين
فاعقل بنضوالدار نضوك يقتسم * فرط الصبابة مسعد وحزين
لاتمنعني وقفة أشفى بها * داء الفؤاد فانها ماعون
واسق الاثافي من شؤونك ريها * ان الضنين بدمعه لضنين
والنؤى أهمد شطره فكأنه * تحت الحوادث حاجب مقرون
حزن غداة الحزن هاج غليله * في أبرق الحنان منك حنين
[124]
وقال المتنبى في ذلك قف على الدمنتين بالدومن ريا كخال في وجنة جنب خال
بطلول كأنهن نجوم * في عراص كأنهن ليالى
ونؤي كأنهن عليهن * خدام خرس بسوق خدال(1)
- الخدام - جمع خدمة وهى الخلخال وجعلها خرس لانها غير قلقة وشبه ما أحدق به النؤى من الارض وامتلائها بامتلاء الخلخال من الساق الخدلة وهي الممتلئة
___________________________________
سمة الصبابة زفرة أو عبرة * متكفل بهما حشا وشؤون
لولا التفجع لادعى هضب الحمى * وصفى المشقر انه محزون
(1) الابيات من قصيدة يمدح بها عبدالرحمن بن المبارك الانطاكى ومطلعها
صلة الهجر لي وهجر الوصال * نكسانى في السقم نكس الهلال
فغدا الجسم ناقصا والذى ينقص * منه يزيد في بلبال
قف على الدمنتين. الابيات الثلاثة.
ومنها ما تريد النوى من الحية الذؤاق حر الفلا وبرد الظلال فهو أمضى في الروع من ملك الموت وأسرى في ظلمة من خيال
ولحتف في العز يدنو محب * ولعمر يطول في الذل قال
نحن ركب ملجن في زى ناس * فوق طير لها شخوص الجمال
من بنات الجديل تمشى بنا في البيد * مشى الايام في الآجال
كل هو جاء للدياميم فيها * أثر النار في سليط الذبال
عامدات للبدر والبحر والضرغامة * ابن المبارك المفضال
من يزره يزر سليمان في الملك * جلالا ويوسفا في الجمال
وربيع يضاحك الغيث فيه * زهر الشكر من رياض المعالي
نفحتنا منه الصبا بنسيم * ورواحا في ميت الآمال
هم عبدالرحمن نفع الموالي * وبوار الاعداء والاموال