(مجلس آخر 59)

[ تأويل آية ]

إن سأل سائل عن قوله تعالى (وإذ نجيناكم من آل فرعون

[24]

يسومونكم سوم العذاب - إلى قوله تعالى - بلاء من ربكم عظيم) فقال ماتنكرون أن يكون في هذه الآية دلالة على إضافة الافعال التى تظهرمن العباد إلى الله تعالى من وجهين. أحدهما أنه قال تعالى بعد ماتقدم ذكره من أفعالهم ومعاصيهم وفى ذلك بلاء من ربكم عظيم فأضافها إلى نفسه. والثانى أنه أضاف نجاتهم من آل فرعون إليه فقال وإذ نجيناكم ومعلوم أنهم هم الذين سارواحتى نجوا فيجب أن يكون ذلك السير من فعله على الحقيقة حتى تصح الاضافة جينئذ. الجواب قلنا أما قوله تعالى وفي ذلكم فهو إشارة إلى ماتقدم ذكره من إنجائه لهم من المكروه والعذاب وقد قال قوم إنه معطوف على ما تقدم من قوله تعالى (يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى) الآية والبلاء ههنا الاحسان والنعمة ولاشك في أن تخليصه لهم من ضروب المكاره التى عددها الله نعمة عليهم وإحسان إليهم.

والبلاء عند العرب قد يكون حسنا وقد يكون شيئا قال الله تعالى (وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا) ويقول الناس في الرجل إذا أحسن القتال والثبات في الحرب قد أبلى فلان ولفلان بلاء والبلوى أيضا قد يستعمل في الخير والشر إلا أن أكثر مايستعملون البلاء الممدود في الجميل والخير والبلوى المقصورة في السوء والشر فقال قوم أصل البلاء في كلام العرب الاختبار والامتحان ثم يستعمل في الخير والشر لان الاختبار والامتحان قد يكون في الخير والشر جميعا كما قال تعالى (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) يعنى اختبرناهم وكما قال تعالى (ونبلونكم وبالخير والشر فتنة) فالخير يسمى بلاء والشر يسمى بلاء غير إن الاكثر في الشر أن يقال بلوته أبلوه بلا وفى الخير أبلوته أبليته إبلاء وبلاء.

وقال زهير في البلاء الذى هو الخير

جزى الله بالاحسان ما فعلابكم * أبلاهما خير البلاد الذى يبلو

فجمع بين اللغتين لانه أراد أنعم الله عليهما خير النعمة التى يختبر بها عباده وكيف يجوز أن يضيف تعالى ما ذكره عن آل فرعون من ذبح الابناء وغيره إلى نفسه وهو قد ذمهم عليه ووبخهم وكيف يكون ذلك من فعله وهو قد عد تخليصهم منه نعمة عليهم وكان يجب على هذا أن يكون إنما نجاهم من فعله تعالى بفعله وهذا مستحيل لايعقل

[25]

ولايحصل على أنه يمكن يرد قوله ذلكم إلى ما حكاه عن آل فرعون من الافعال القبيحة ويكون المعنى في تخليته بين هؤلاء وبينكم وتركه منعهم من ايقاع هذه الافعال بكم بلاء من ربكم عظيم أى محنة واختبار لكم والوجه الاول أقوى وأولى وعليه جماعة من المفسرين.

وروى أبوبكر الهذلى عن الحسن في قوله تعالى (وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم) قال نعمة عظيمة إذ أنجاكم من ذلك وقد روى مثل ذلك عن ابن عباس والسدى ومجاهد وغيرهم. فأما إضافة النجاة إليه وإن كانت واقعة بسيرهم وفعلهم فلو دل على ما ظنوه لوجب إذا قلنا إن الرسول عليه الصلاة والسلام أنقدنا من الشك وأخرجنا من الضلالة إلى الهدى ونجانا من الكفر أن يكون فاعلا لافعالنا وكذلك قد يقول أحدنا لغيره أنا نجيتك من كذا وكذا واستنقذتك وخلصتك ولايريد أنه فعل بنفسه فعله والمعنى في ذلك ظاهر لان ماوقع بتوفيق الله تعالى ودلالته وهدايته ومعونته وألطافه قد يصح إضافته إليه فعلى هذا صحت إضافة النجاة إليه تعالى. ويمكن أيضا أن يكون مضيفا لها اليه تعالى من حيث ثبط عنهم الاعداء وشغلهم عن طلبهم وكل هذا يرجع إلى المعونة فتارة تكون بأمر يرجع إليهم وتارة بأمر يرجع إلى أعدائهم.

فإن قيل كيف يصح أن يقول (وإذ أنجيناكم من آل فرعون) فيخاطب بذلك من لم يدرك فرعون ولانجا من شره. قلنا ذلك معروف مشهور في كلام العرب وله نظائر لان العربى قد يقول مفتخرا على غيره قتلناكم يوم عكاظ وهزمناكم وإنما يريد أن قومى فعلوا ذلك بقومك.

قال الاخطل يهجو جرير بن عطية

ولقد سمالكم الهذيل فنالكم * بإراب حيث نقسم الانفالا

في فيلق يدعو الاراقم لم تكن * فرسانه عزلا ولا أكفالا

ولم يلحق جرير الهذيل ولا أدرك اليوم الذى ذكره غير أنه لما كان يوم من أيام قوم الاخطل على قوم جرير أضاف الخطاب إليه وإلى قومه فكذلك خطاب الله تعالى بالآية إنما توجهت إلى أبناء من نجى من آل فرفون وأحلافهم والمعنى وإذ نجينا آباء‌كم وأسلافكم والنعمة على السلف نعمة على الخلف.

[ قال الشريف المرتضى ] رضى الله(4 - امالى رابع)

[26]

عنه ومن أحسن الشعر في تعود الضيافة والانس بها والاستمرار عليها قول حاتم بن عبدالله الطائى

إذا مابخيل الناس هرت كلابه * وشق على الضيف الغريب عقورها

فإنى جبان الكلب بيتى موطا * جواد إذا ما النفس شح ضميرها

وإن كلابى مذاقرت وعودت * قليل على من يعترينا هريرها

أراد بقوله - على من يعترينا هريرها - أنها لاتهر جملة ولذلك نظائر كثيرة(1) ومثله قوله تعالى (فقليلا مايؤمنون) ومثل قوله فإنى جبان الكلب معنا ولفظا قول الشاعر

ومايك في من عيب فإنى * جبان الكلب مهزول الفصيل

وإنما أراد أنى أوثر الضيف بالالبان ففصالى مهازيل.

ومثل اللفظ والمعنى قول أبى وجرة

___________________________________

(1) قوله ولذلك نظائر. يريد ان قليلا وقليلة يردان للنفى وهما في ذلك تابعان لقل وأقل يقال قل رجل يقول ذلك الا زيد بالضم وأقل رجل يقول ذلك الا زيد معناهما ما رجل يقوله الا هو فالقلة فيه للنفى المحض. وقال ابن جنى لما ضارع المبتدأ حرف النفى بقوا المبتدا بلا خبر.

وقد عقد ابن مالك فصلا في التسهيل لهذه الكلمات ونصه فصل قد يقوم ما يفعل أحد أقل ملازما للابتداء والاضافة إلى نكرة موصوفة بصفة مغنية عن الخبر لازم كونها فعلا أو ظرفا وقد تجعل خبرا ولابد من مطابقة فاعلها للنكرة المضاف اليها ويساوى أقل المذكور قل رافعا مثل المجرور ويتصل بقل ما كافة عن طلب الفاعل فيلزم في غير ضرورة مباشرتها الافعال وقد يراد بها حينئذ التقليل حقيقة وقد يدل على النفى بقليل وقليلة فقوله ملازما للابتداء أي فلا تقول كان أقل رجل يقول ذلك لانه لما ناب مناب النفي كان له الصدر كالنفى وشمل قوله نكرة ما يقبل أل كرجل وما لايقبلها نحو أقل من يقول ذلك والجملة الواقعة بعد هذه النكرة صفة لها في موضع جر والخبر محذوف أي كائن وليست خبر لمطابقتها النكرة نحو أقل امرأة تقول ذلك (*)

[27]

وآل الزبير بنو حرة * مروا بالسيوف الصدور الجنافا

يموتون والقتل من دأبهم * ويغشون يوم السيوف السيافا

وأجبن من صافر كلبهم * وإن قذفته حصاة أضافا

يقول أدركوا بسيوفهم ثاراتهم فكأنهم شفوا وغر قلوبهم وأزالوا ما كان فيها من الاحقاد ومعنى - مروا - استخرجوا كما تمرى الناقة إذا أردت أن تحلبها لتدر - والجانف - المائل.

ثم قال وإن مات بعضهم على فراشه فإن أكثرهم يموت مقتولا لشجاعتهم وإقدامهم فلذلك قال والقتل من دأبهم وجعل كلبهم جبانا لكثرة من يغشاهم ويطرقهم من النزال والاضياف فقد ألفتهم كلابهم وأنست بهم فهى لاتنبحهم وقيل أيضا إنها لاتهر عليهم لانها تصيب مما ينحر لهم وتشاركهم فيه. ومعنى - وإن قذفته حصاة أضافا أى أشفق وهذا تأكيد لجبنه ويقال أضاف الرجل من الامر إذا أشفق منه. ومعنى - أجبن من صافر كلبهم - قد تقدم ذكره في الامالى. ومثله في المعنى

يغشون حتى ماتهر كلابهم * لايسألون عن السواد المقبل(1)

___________________________________

(1) هذا البيت من قصيدة لحسان بن ثابت رضى الله عنه يمدح بها جبلة بن الايهم الغسانى وقيل عمرو بن الحارث الاعرج ولكل من الروايتين قصة وعلى أنه عمرو قيل ان حسان لما قدم عليه اعتاص وصوله اليه ثم دخل عليه فوجد عنده النابغة الذبيانى وعلقمة الفحل فقال له عمرو يابن الفريعة قد عرفت عيصك ونسبك في غسان فارجع فاني باعث اليك بصلة سلية ولا أحتاج الي الشعر فانى أخاف عليك هذين السبعين أن يفضحاك وفضيحتك فضيحتى وأنت والله لاتحسن أن تقول

دقاق النعال طيب حجراتهم * يحيون بالريحان يوم السباسب

فلما أنشده حسان لم يزل يزحل عن موضعه سرورا وهو يقول هذا وأبيك الشعر لا ما يعللاني به منذ اليوم هذه والله البتارة التى بترت المدائح هات له يا غلام ألف دينار مرجوحة وهي التى في كل دينار منها عشرة دنانير ثم قال لك على في كل سنة مثلها.

ومطلع القصيدة (*)

[28]

وقالوا المرار بن المنقذ العدوى

أعرف الحق ولا أنكره * وكلابي أنس غير عقر

لاترى كلبي إلا آنسا * إن أتى خابط ليل لم يهر

كثر الناس فما ينكرهم * من أسيف يبتغى الخير وحر

- الاسيف - العبد ههنا.

وقال آخر

إلى ماجد لاينبح الكلب ضيفه * ولا يتأداه احتمال المغارم

معنى - يتأداه - يثقله وأراد أن يقول يتأوده فقلب.

وقال ابن هرمة

وإذا أتانا طارق متنور * نبحت فدلته على كلابى

وفرحن إذ أبصرنه فلقينه * يضربنه بشرا شر الاذناب(1)

وإنما تفرح به لانها قد تعودت إذا نزلت الضيوف أن ينحر لهم فتصيب من قراهم ومثله له

ومستنبح تستكشط الريح ثوبه * ليسقط عنه وهو بالثوب معصم

عوى في سواد الليل بعد اعتسافه * لينبح كلب أو ليفزع نوم

فجاوبه مستمسمع الصوت للقرى * له مع إتيان المهبين مطعم

يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا * يكلمه من حبه وهو أعجم

أراد بقوله - فجاوبه مستسمع الصوت - أنه جاوبه كلب - والمهبون - الموقظون له ولاهله وهم الاضياف وإنما كان له معهم مطعم لانه ينحر لهم مايصيب منه. وأراد بقوله -

___________________________________

أسألت رسم الدار أم لم تسأل * بين الجوابي فالبضيع فحومل

ومنها لله در عصابة ناد منهم * دهرا بجلق في الزمان الاول

بيض الوجوه كريمة أحسابهم * شر الانوف من الطراز الاول

(1) شر شر الكلب اذا ضرب بذنبه وحركه للانس (*)

[29]

يكلمه من حبه وهو أعجم - بصبصته وتحريكه ذنبه. وأما قوله - ليفزع نوم - فإنما أراد ليغيث نوم يقال فزعت لفلان إذا أعثته. ومعنى - عوى في سواد الليل - أن العرب تزعم أن سائر الليل إذا أظلم عليه واد لهم فلم يستبن محجة ولم يدر أين الحى وضع وجهه على الارض وعوى عواء الكلب ليسمع ذلك الصوت الكلاب إن كان الحى قريبا منه فتجيبه فيقصد الابيات وهذا معنى قوله أيضا ومستنبح أى ينبح نبح الكلاب.

وقال الفرزدق

وداع بلحن الكلب يدعو ودونه * من الليل سجفا ظلمة وغيومها

دعا وهو يرجو أن ينبه إذ دعا * فتى كابن ليلى حين غارت نجومها

- ابن ليلى - يعنى أباه غالبا

بعثت له دهماء ليست بلقحة * تدر إذا ماهب نحسا عقيمها

معنى - بعثت له دهماء - أى رفعتها على أثافيها ويعنى بالدهماء القدر - واللحقة - الناقة وأراد أن قدره تدر إذا هبت الريح عقيما لامطر فيها

كأن المحال الغر في حجراتها * عذارى بدت لما أصيب حميمها

أراد أن قطع اللحم فيها لاتستتر بشئ منها كما لاتستتر العذارى اللواتى أصيب حميمهن وظهرن حواسر

غضوبا كحيزوم النعامة أحمشت * بأجواز خشب زال عنها هشيمها

- الاجواز - الاوساط وأوسط الخشب أصلبه وأبقى نارا

محضرة لايجعل الستر دونها * إذا المرضع العوجاء جال بريمها

- البريم - الحقاب، وإنما يجول من الهزال والجهد والطوى - والعوجاء - التى قد اعوجت من الطوى.

وقال الاخطل في الضيف

دعانى بصوت واحد فأجابه * مناد بلاصوت وآخر صيت

ذكر ضيفا عوى بالليل والصدى من الجبل يجيبه فذلك معنى قوله - بصوت واحد -

[30]

وقوله - فأجابه مناد - يعنى نارا رفعها له فرأى سناها فقصدها - والآخر الصيت - الكلب لانه أجاب دعواه.

ومثله

وسارى ظلام مفقعل وهبوة * دعوت بضوء ساطع فاهتدى ليا

يعنى نارارفعها ليقصده طراق الليل - والمفقعل - المتنقض من شدة البرد.

وأنشد محمد ابن يزيد

ومستنبح تهوى مساقط رأسه * إلى كل شخص فهو للصوت أصور

جيب إلى كلب الكرام مناخه * بغيض إلى الكوماء والكلب أبصر

دعته بغير اسم هلم إلى القرى * فأسرى يبوع الارض شقراء تزهر(1)

معنى - أصور - مائل أراد أنه يميل رأسه إلى كل شخص يتخيل له يظنه إنسانا.

___________________________________

(1) الابيات من قطعة في غاية الحسن أردنا الاتيان بها مرتبة وهي

ومستنبح تهوي مساقط رأسه * إلى كل شخص فهو للسمع أصور

يصفقه أنف من الريح بارد * ونكباء ليل من جمادي وصرصر

حبيب إلى كلب الكريم مناخه * بغيض إلى الكوماء والكلب أبصر

حضأت له نارى فابصر ضوء‌ها * وما كان لولا حضأة النار يبصر

دعته بغير اسم هلم الي القرى * فأسرى يبوع الارض والنار تزهر

فلما أضاء‌ت شخصه قلت مرحبا * هلم وللصالين بالنار أبشروا

فجاء ومحمود القري يستفزه * اليها وداعى الليل بالصبح يصفر

تأخرت حتى كدت لم تصطفى القرى * على أهله والحق لايتأخر

وقمت بنصل السيف والبرك هاجد * بهازره والموت بالسيف ينظر

فأعضضته الطولي سناما وخيرها * بلاء وخير الخير مايتخير

فأوفضن عنها وهي ترغو حشاشة * بذى نفسها والسيف عريان أحمر

فباتت رحاب جونه من لحامها * وفوها بما في جوفها يتغرغر (*)

[31]

ومعنى - حبيب إلى كلب الكرام - المعنى الذى تقدم. ومعنى - بغيض إلى الكوماء - إلى الناقة لانها تنحرله. وقوله - دعته شقراء - بغير اسم يعنى نارأ ضوء‌ها فقصدها فكأنها دعته.

وقال ابن هرمة وقد نزل به ضيف

فقلت لقينى ارفعاها وحرقا * لعل سنا نارى بآخر تهتف

وفى معنى قوله بغيض إلى الكوماء.

قول بعض الشعراء يمدح رسول الله صلى الله عليه وآله

وأبيك خيرا إن إبل محمد * عزل تناوح أن تهب شمال

وإذا رأين لدى الفناء غريبة * ذرفت لهن من الدموع سجال

وترى لها زمن الشتاء على الثرى * رخما وما بحيا لهن فصال

أراد أبيك الخير فلما الالف واللام نصب - والعزل - التى لاسلاح معها وسلاح إلابل سمنها وأولادها وإنما جعلوا ذلك كالسلاح لها من حيث كان صاحبها إذا رأى سمنها وحسن حسانها ورأى أولادها تتبعها نفس بها على الاضياف فامتنع من نحرها فلما كان ذلك صادا عن الذبح ومانعا منه جرى مجرى السلاح لها فكأنه يقول هذه الابل وإن كانت ذوات سلاح من حيث كانت سخيمة سمينة فهى كالعزل إذ كان سلاحها لايغنى عنها شيئا ولايمنع من عقرها.

ومعنى - تناوح - تقابل بعضها بعضعا أى هن مدفآت باسنتها وأوبارها لاتبالى بهبوب الشمال ولايدخل بعضها في بعض من البرد. وقوله - وإذا رأين لدى الفناء غريبة - أى إذا نزل ضيف فعقل ناقته التي جاء عليها وفى الغريبة علمن أنه سينحر بعضهن لا محالة فلذلك تذرف دموعهن. وقوله - وترى لها زمن الشتاء على الثرى رخما - فقد قيل فيه إنه أراد به أن يهب فصالهن فتبقى ألبانهن على الارض كهيئة الرخم.

وحكى عن ابن عباس أنه قال الرخم قطع العلق من الدم وعندى أن المعنى غير هذين جميعا وإنما أراد أنها تنحر وتعقر فتسقط الرخم على موضع عقرها وبقايا دمائها وأسلائها فهذا معنى قوله لا ما تقدم.

وقال آخر في معنى سلاح الابل يمدح بنى عوذ بن غالب من عبس

[32]

جزى الله عنى غالبا خير ما جزى * إذا حدثان الدهر نابت نوائبه(1)

إذا أخذت بزل المخاض سلاحها * تجرد فيها متلف المال كاسبه

أراد أن سمنها وحسنها وتمامها لايمنعه من عقرها للاضياف.

ومثله

إذا البقل في أصلاب شول ابن مسهر * نما لم يزده البقل إلا تكرما

إذا أخذت شول البخيل رماحها * وحى برماح الشول حتى تحطما

وقوله - أخذت رماحها - من المعنى المتقدم.

وقال مسكين الدارمى

فقمت ولم تأخذ إلى رماحها * عشارى، ولم أرجب عراقبها عقرا

- أرجب - أكبر ذلك ولم يعظم على وسمى رجب رجبا من ذلك لانه شهر معظم.

وقالت ليلى الاخيلية

ولاتأخذ الكوم الجلاد سلاحها * لتوبة في قر الشتاء الصنابر

ومثله

لا أخون الصديق ماحفظ العهد * ولا تأخذ السلاح لقاحى

وقال النمر بن تولب

أزمان لم تأخذ إلى سلاحها * إبلى بجلتها ولا أبكارها

أبتزها ألبانها ولحومها * فأهين ذاك لضيفها ولجارها

وقال المضرس بن ربعى الاسدى

ومانلعن الاضياف إن نزلوا بنا * ولايمنع الكوماء منا نصيرها

___________________________________

(1) ويروى * جزي الله خيرا لبا من عشيرة الخ وبين البيتين بيتان وهما

فكم دافعو من كربة قد تلاحت * على وموج قد علتنى غواربه

اذا قلت عودوا عاد كل شمر دل * أشم من الفيتان جزل مواهبه

[33]

ومعنى - لانلعنهم - أى لانبعدهم واللعين البعيد - ونصيرها - ههنا مايمنع من عقرها من حسن وتمام وولد وماجرى ذلك المجرى والنصير والسلاح في المعنى واحد