(مجلس آخر 61)

[ تأويل آية ]

إن سأل سائل عن قوله تعالى (ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا). فقال كيف يجوز أن يأمرنا على سبيل العبادة بالدعاء بذلك وعندكم أن النسيان من فعله تعالى فلا تكليف على الناسى في حال نسيانه وهذا يقتضى أحد أمرين إما أن يكون النسيان من فعل العباد على ما يقوله كثير من الناس أو تكون متعبدين بمسئلته تعالى ما نعلم أنه واقع حاصل لان مؤاخذة الناسى مأمونة منه تعالى والقول في الخطأ إذ أريد به ماوقع سهوا أو من غير عمد يجرى هذا المجرى.

الجواب قلنا قد قيل في هذه الآية المراد

[44]

تنسياننا تركنا قال أبوعلى قطرب بن المستنير معنى النسيان ههنا الترك كما قال تعالى (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى) أى ترك ولولا ذلك لم يكن فعله معصية وكقوله تعالى (نسوالله فنسيهم) أى تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته وقد يقول الرجل لصاحبه لاتنسنى من عطيتك أى لاتتركنى منها وأنشد ابن عرفة ولم أك عند الجود للجود قاليا * ولاكنت يوم الروع للطعن ناسيا أى تاركا. ومما يمكن أن يكون على ذلك شاهدا قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) أى تتركون أنفسكم.

ويمكن في الآية وجه آخر على أن يحمل النسيان على السهو وفقد المعلوم ويكون وجه الدعاء بذلك ما قد بيناه فيما تقدم من الامالى من أنه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى وإظهار الفقر إلى مسألته والاستعانة به وإن كان مأمونا منه المؤاخذة بمثله ويجرى مجرى قوله تعالى في تعليمنا وتأديبنا (لاتحملنا ما لا طاقة لنا به) ومجرى قوله تعالى (قل رب احكم بالحق. ولاتخزنى يوم يبعثون) وقوله تعالى حاكيا عن الملائكة (فاغفر للذين تابوا) الآية وهذا الوجه يمكن أيضا في قوله تعالى أو أخطأنا إذا كان الخطأ ما وقع سهوا أو غير عمد فأما على مايطابق الوجه الاول فقد يجوز أن يريد تعالى بالخطأ مايفعل من المعاصى بالتأويل السيئ وعن الجهل بأنها معاص لان من قصد شيئا على اعتقاد أنه بصفة فوقع ماهو بخلاف معتقده يقال قد أخطأ فكأنه أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه متعمدين من غير سهو ولاتأويل ومما أقدموا عليه مخطئين متأولين.

ويمكن إيضا أن يريد بأخطأنا ههنا أذنبنا أو فعلنا قبيحا وإن كنا له متعمدين وبه عالمين لان جميع معاصينا لله تعالى قد توصف بأنها خطأ من حيث فارقت الصواب وإن كان فاعلها متعمدا فكأنه تعالى أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه من الواجبات وممافعلوه من المقبحات ليشتمل الكلام على جهتى الذنوب والله أعلم بمراده.

أخبرنا أبوعبيدالله المرزبانى قال أخبرنا محمد بن العباس قال قال رجل يوما لابى العباس محمد ابن يزيد النحوى ما أعرف ضادية أحسن من ضادية أبى الشيص فقال له كم ضادية حسنة لاتعرفها ثم أنشده لبشار

[45]

غمض الحديد بصاحبيك فغمضا * وبقيت تطلب في الحبالة منهضا

وكأن قلبى عند كل مصيبة * عظم تكرر صدعه فتهيضا

وأخ سلوت له فأذكره أخ * فمضى وتذكرك الحوادث مامضى

فاشرب على تلف الاحبة إننا * جزر المنية ظاعنين وحفضا

ولقد جريت مع الصبا طلق الصبا * ثم ارعويت فلم أجد لى مركضا

وعلمت ماعلم امرؤ في دهره * فأطعت عذالى وأعطيت الرضا

وصحوت من سكر وكنت موكلا * أرعى الحمامة والغراب الابيضا

- الحمامة - المرآة - والغراب الابيض - الشعر الشائب. فيقول كنت كثيرا أتعهد نفسى بالنظر في المرآة وترجيل الشعر. وقوله - والغراب الابيض - لان الشعر كان غريبا أسود من حيث كان شابا ثم ابيض بالشيب

ما كل بارقة تجود بمائها * ولربما صدق الربيع فروضا

هكذا أنشده المبرد ويحيى بن على وأنشده ابن الاعرابى

ما كل بارقة تجود بمائها * وكذاك صدق الربيع لروضا

قد ذقت الفته وذقت فراقه * فوجدت ذاعسلا وذاجمر الغضا

ياليت شعرى فيم كان صدوده * ء‌أسأت أم رعد السحاب وأومضا

وغير من ذكرنا يرويه - أم أجم الخلال فأحمضا -

ويلى عليه وويلتى من بينه * ما كان الا كالخضاب فقد نضا

سبحان من كتب الشقاء لذى الهوى * كان الذى قد كان حكما فانقضا

قال المبرد وهى طويلة.

وذكريوسف بن على بن يحيى عن أبيه أن أبا نواس أخذ قوله

[46]

جريت مع الصبا طلق الجموح(1) من قول بشار ولقد جريت مع الصبا طلق الصبا [ قال الشريف المرتضى ] رضى الله عنه ولابى تمام والبحترى على هذا الوزن والقافية وحركة القافية قصيدتان إن لم يزيدا على ضادية بشار التى استحسنها المبرد لم يقصرا عنها وأول قصيدة أبى تمام

أهلوك أضحوا شاخصا ومقوضا * ومزمما يصف النوى ومعرضا

إن يدج ليلك أنهم أموااللوى * فيما إضاؤهم على ذات الاضا

بدلت من برق الثغور وبردها * برقا إذا ظعن الاحبة أومضا

يقول فيها

ما أنصف الشرخ الذى بعث الهوى * فقضى عليك بلوعة ثم انقضى

عندى من الايام مالو أنه * أضحى بشارب مرقد ما غمضا

___________________________________

(1) هو أول أبيات وتمامه * وهان على مأثور القبيح *

وبعده وجدت الذعارية الليالى * قران النغم بالوتر الفصيح

ومسمعة اذا ما شئت غنت * متى كالن الخيام بذى طلوح

تمتع من شباب ليس يبقى * وصل بعري الغبوق عرى الصبوح

وخذها من معتقة كميت * تنزل درة الرجل الشحيح

تخيرها لكسرى رائدوه * لها حظان من طعم وريح

ألم ترنى أبحت الراح عرضى * وعض مراشف الظبي المليح

واني عالم أن سوف تنأى * مسافة بين جثماني وروحي

وقال أبوالعتاهية لقد جمع بين هذين البيتين يعني قوله جريت مع الصبا الخ وقوله واني عالم الخ خلاعة ومجونا واحسانا وعظة وكان أبوالعتاهية أنشدهما دون غيرهما (*)

[47]

لاتطلبن الرزق بعد شماسه * فترومه سبعا إذا ماغيضا

ما عوض الصبر امرو إلا رأى * مافاته دون الذى قد عوضا

ياأحمد بن أبى دؤاد دعوة * ذلت بذكرك لى وكانت ريضا

لما انتضيتك للخطوب كفيتها * والسيف لايرضيك حتى ينتضى

قد كان صوح نبت كل قرارة * حتى تروح في نداك فروضا

أوردتنى العد الخسيف وقد أرى * أتبرض الثمد البكى تبرضا

وأما قصيدة البحترى فأولها

ترك السواد للابسية وبيضا * ونضا من الستين عنه مانضا

وسباه أغيد في تصرف لحظة * مرض أعل به القلوب وأمرضا

وكأنه وجد الصبا وجديدة * دينا دنا ميقاته أن يقتضى

أسيان أثرى من جوى وصبابة * وأساف من وصل الحسان وأنفضا(1)

كلف يكفكف عبرة مهراقة * أسفا على عهد الشباب وماانقضى

عدد تكامل للشباب مجيئة * وإذا مضى الشئ حان فقد مضي

يقول فيها

قعقعت للبخلاء أذعر جأشهم * ونذيره من فاضل أن ينتضى

___________________________________

(1) - الجوى - والحزن الصبابة والشوق - وأساف - ذهب غرامه مأخوذ من قولهم أساف الرجل ذهب ماله والاسم السواف بالضم وقال أبوعمرو انه بالفتح ولم يقع ذلك لغيره والصواب الاول لان فعال بالضم مطرد فيما يدل على الداء كالرعاف والزكام - وانفض - خلا وهذا من عطف الشئ على مرادفه. المعنى يستوى ان كثر غرامه وأخلا منه (*)

[48]

وكفاك من حنش الصريم تهددا * أن مد فضل لسانه أو نضنضا

وفيها

لاتنكرن من جار بيتك أن طوى * أطناب جانب بيته أو قوضا

فالارض واسعة لنقلة راغب * عمن تنقل وده وتنقضا

لاتهتبل إغضاى إما كنت قد * أغضيت مشتملا على جمر الغضا

لست الذى إن عارضته ملمة * أصغى إلى حكم الزمان وفوضا

لايستقر ني الطفيف ولاأرى * تبعا لبارق خلب إن أومضا

أنا من أحب تجاريا وكأننى * فيما أعاين منك ممن أبغضا

أغببت سيبك كى يجم وإنما * غمد الحسام المشرفى لينتضى

وسكت إلا أن أعرض قائلا * نزرا وصرح جهده من عرضا

وأخبرنا أبوعبيدالله المرزبانى قال حدثنى يوسف بن يحيى بن على عن أبيه قال من مختار شعر بشار قوله في وصف الزمان

عتبت على الزمان وأى حى * من الاحياء أعتبه الزمان

وآمنة من الحدثان تزرى * على وليس من حدث أمان

وليس بزائل يرمى ويرمى * معان مرة أو مستعان

متى تأب الكرامة من كريم * فمالك عنده إلا الهوان

وله في نحوه

ياخليلى أصيبا إو ذرا * ليس كل البرق يهدى المطرا

لاتكونا كامرئ صاحبته * يترك العين ويبغى الاثرا

[49]

ذهب المعروف إلا ذكره * ربما أبكى الفتى ما ذكرا

وبقينا في زمان معضل * يشرب الصفو ويبقى الكدرا

قال وله

قد أدرك الحاجة ممنوعة * وتولع النفس بما لاتنال

والهم ماامسكته في الحشا * داء وبعض الداء لايستقال

فاحتمل الهم على عاتق * إن لم تساعفك العلندى الجلال

قال يحيى قوله - عاتق - يعنى الخمر وهذا مثل قوله

لما رأيت الحظ حظ الجاهل * ولم أر المغبون غير العاقل

رحلت عنسا من شراب بابل * فبت من عقلى على مراحل

[ قال الشريف المرتضي ] رضى الله عنه هذا الذى ذكره يحتمله البيت على استكراه ويحتمل أيضا أن يريد بالعاتق العضو ويكون المعنى إن لم تجد من يحمل عنك همومك ويقوم بأثقالك ويخفف عنك فتحمل ذلك أنت بنفسك واصبر عليه فكأنه يأمر نفسه بالتجلد والتصبر على البأس وهذا البيت له نظائر كثيرة في الشعر.

وأخبرنا المرزبانى قال حدثنا على بن هارون قال حدثني أبى قال من بارع شعر بشار قوله يصف جارية مغنية قال على ومافى الدنيا شئ لقديم ولامحدث من منثور ولامنظوم في صفة الغناء واستحسانه مثل هذه الابيات

ورائحة للعين فيها مخيلة * إذا برقت لم تسق بطن صعيد

من المستهلات الهموم على الفتى * خفا برقها في عصفر وعقود

حسدت عليها كل شئ يمسها * وماكنت لولا حبها بحسود

وأصفر مثل الزعفران شربته * على صوت صفراء الترائب رود

كأن أميرا جالسا في ثيابها * تؤمل رؤياه عيون وفود

[50]

من البيض لم تسرح على أهل ثلة * سواما ولم ترفع حداج قعود

تميت به ألبابنا وقلوبنا * مرارا وتحييهن بعد همود(1)

إذا انطقت صحنا وصاح لنا الصدى * صياح جنود وجهت لجنود

ظلنا بذاك الديدن اليوم كله * كأنا من الفردوس تحت خلود

ولابأس إلا أننا عند أهلنا * شهود وما ألبابنا بشهود

قال وأنشدنى أبى له في وصف مغنية

لعمر أبى زوارها الصيد إنهم * لفى منظر منها وحسن سماع

تصلى لها آذاننا وعيوننا * إذا ماالتقينا القلوب دواعى

وصفراء مثل الخيزرانة لم تعش * ببؤس ولم تركب مطية راعى

إذا اقلدت أطرافها العود زلزلت * قلوبا دعاها للوساوس داع

كأنهم في جنة قد تلاحقت * محاسنها من روضة وبقاع

يروحون من تغريدها وحديثها * نشاوى وماتسقيهم بصواع

لعوب بالباب الرجال وإن دنت * أطيع التقى والغي غير مطاع

قال على بن هارون - الصواع - المكيال يقول إذا غنت شربوا جزافا بلاكيل ولا وزن منحسن مايسمعون. [ قال الشريف المرتضى ] رضى الله عنه هذا خطأ منه وإنما أراد أنما غناؤها لفرط حسنه وشدة إطرابه ينسيان شرة الخمر وإن لم يكن هناك شرب

___________________________________

(1) قوله - تميت به ألبابنا وقلوبنا - إلى آخره ظاهر القاموس ان مضارع مات مثلث وليس كذلك والضم انما هو في الواوي كقال يقول والكسر انما هو في اليائى كيبيع في باع وهي لغة مرجوحة آثرها جماعة والفتح انما هو في المكسور الماضى كعلم يعلم ونظيره من المعتل خاف يخاف خوفا (*)

[51]

بصواع وهذا يجرى مجرى قول الشاعر

ويوم ظللنا عند أم محلم * نشاوى ولم نشرب طلاء ولا خمرا

وماكان عندى أن أحد يتوهم في معنى هذاالبيت ماظنه هذا الرجل. وأما قوله في القطعة الاولى وأصفر مثل الزعفران شربته البيت فيحتمل وجوها ثلاثة أولها أن يكون أراد بصفرة ترائبها الكناية عن كثرة تطيبها وتضمخها وأن ترائبها صفر لذلك كما قال الاعشى

بيضاء ضحوتها وصفراء * العشية كالعرار

- والعرار - بهار البر وإنما أراد أنها تتضمخ بالعشى بالطيب فيصفرها ومثله لذى الرمة

بيضاء في دعج كحلاء في برج * كأنها فضة قد مسها ذهب

وقيل في بيت قيس بن الخطيم

فرأيت مثل الشمس عند طلوعها * في الحسن أو كدنوها لغروب

صفراء أعجلها الشباب لداتها * موسومة بالحسن غير قطوب

أي انها سبقت أقرانها.

ومثله قول ابن الرقيات لم تلتفت للداتها * فمضت على غلوائها(1)

___________________________________

(1) - البيت من جملة أبيات يقولها في أم البنين بنت عبدالعزيز بن مروان زوج الوليد بن عبدالملك وهي أصحوت عن أم البنين وذكرها وعنائها

وهجرتها هجر امرئ * لم يقل صفو صفائها

من خيفة الاعداء أن * يوهوا أديم صفائها

قرشية كالشمس أشرق * نورها ببهائها (*)

[52]

وجهان. أحدهما انه أراد انها تتطيب بالعنبر فتصفر لان الشمس تغيب صفراء الوجه. والآخر أراد المبالغة في الحسن لان الشمس أحسن ما تكون في وقتيها هذين ومن ذلك قول قيس بن الخطيم صفراء أعجلها الشباب لداتها ومثله للاعشى

إذا جردت يوما حسبت خميصة * عليها وجريال النضير الدلا مصا

- الخميصة - ثوب ناعم لين ناعم شبه به نعومة جسمها - والنضير - الذهب - والجريال - كل صبغ أحمر وإنما يعنى لون الطيب عليها - والدلامص - البراق فهذا وجه. والوجه الثانى أن يكون أراد بوصفها بالصفرة رقة لونها فعندهم أن المرأة إذا كانت صافية اللون رقيقة ضرب لونها بالعشى إلى الصفرة.

قال على بن مهدى الاصفهانى قال لى أبى قال لى الجاحظ زعموا أن المرأة إذا كانت صافية اللون رقيقة يضرب لونها بالغداة إلى البياض وبالعشى إلى الصفرة واحتج في ذلك بقول الراجز قد علمت بيضاء صفراء الاصل

___________________________________

زادت على البيض الحسا * ن بحسنها ونقائها

لما أسبكرت للشبا * ب وقنعت بردائها

لم تلتفت للداتها * ومضت على غلوائها

لولا هوي أم البنين * وحاجتي للقائها

قد قربت لى بغلة * محبوسة لنجائها

ومعنى - مضت على غلوائها - أى مضت على أول شبابها يقال فعل ذلك في غلواء شبابه أي في أوله. قال الاعشى

إلا كنا شرة الذى ضيعتم * كالغصن في غلوائه المتنبت

وقيل الغلواء سرعة الشباب وحقيقته من الغلو وهو الارتفاع والتحدد ويقال مضي الرجل على غلوائه اذا ركب أمره وبلغ فيه غايته (*)

[53]

وزعم أن بيت ذى الرمة الذى أنشدناه من هذا المعنى وكذلك بيت الاعشى الذى أنشدناه والابيات محتملة للامرين فأما البيت الذى لايحتمل إلا وجها واحدا فهو قول الشاعر

وقد خنقتها عبرة فدموعها * على خدها حمر وفى نحرها صفر

فأنها لاتكون صفرا في نحرها إلا لاجل الطيب. فأما قوله - على خدها حمر - فإنما أراد أنها تنصبغ بلون خدها.

والوجه الثالث أن تكون المرأة كانت صفراء على الحقيقة فإن بشارا كثيرا مايشبب بامرأة صفراء كقوله

أصفراء لا أنسى هواك ولاودى * ولامامضى بينى وبينك من عهد

لقد كان مابينى زمانا وبينها * كما كان بين المسك والعنبر الورد

أى كما كان بين طيب المسك والعنبر وكقوله

أصفراء كان الود منك مباحا * ليالى كان الهجر منك مزاحا

وكان جوارى الحى إذ كنت فيهم * قباحا فلما غبت صرن ملاحا

وقد روى - ملاحا فلما غبت صرن قباحا - وقوله قباحا فلما غبت يشبه قول السيد بن محمد الحميرى

وإذا حضرن مع الملاح بمجلس * أبصرتهن وماقبحن قباحا

فأما قوله - من البيض لم تسرح سواما - فانه لايكون مناقضا لقوله صفراء وإن أراد بالصفرة لونها لان البياض ههنا ليس بعبارة عن اللون وإنما هو عبارة عن نقاء العرض وسلامته من الادناس والعرب لاتكاد تستعمل بيضاء إلا في هذا المعنى دون اللون لان البياض عندهم البرص ويقولون في الابيض الاحمر ومنه قول الشاعر

جاء‌ت به بيضاء تحمله * من عبد شمس صلتة الخد

ومثله بيض الوجوه.

فأما قول بشار في القطعة الثانية - وصفراء مثل الخيزرانة - فإنه يحتمل ما تقدم من الوجوه، وإن كان اللون الحقيقى خص بقوله كالخيزرانة لان الخيزران يضرب إلى الصفرة ويحتمل أيضا أن يريد بصفراء غير اللون الثابت ويكون قوله كالخيزرانة

[54]

أنها مثلها في التثنى والتعطف.

ولقد أحسن جران العود في قوله في المعنى الذى تقدم

كأن سبيكه صفراء صبت * عليها ثم ليث بهاالازار

برود العارضين كأن فاها * بعيد النوم مسك مستثار