فعرفه عمرو فولّى عنه ركضاً وهو يقول : مكره أخاك لا بطل ، فلحقه عليّ عليه السلام فطعنه طعنة جاءت في فضول(188)
درعه فألقته إلى الأرض فظنّ أنّ علياً قاتله فرفع
أجب إلى كتاب اللَّه تعالى إذا دعيت إليه وإلى ما فيه أوّلاً وإلّا دفعناك برمّتك إلى القوم(278) . وكان الأشتر (رض) في الميمنة وعليّ عليه السلام في القلب وابن عباس في الميسرة على ما سبق ذكره .
فكفّ عليّ وابن عباس عن القتال(279) ولم يكفّ الأشتر(280) وذلك لمّا رأى منلوايح النصر والظفر فقالوا : ابعث إلى الأشتر فليأتك ويكفّ عن القتال فبعث إليه عليّ يزيد بن هانئ يستدعيه(281) ، فقال الأشتر : قل لأمير المؤمنين : ليست هذه الساعة بالساعة الّتى ينبغي أن يزيلني بها عن موقفي(282) فإنّي قد وجدت ريح الظفر(283) . فأتى علياً وأخبره بمقالته فردّه إليه ثانياً وهو يقول له : اقبل إليَّ فإنّ الفتنة قد وقعت ، فجاءه(284) الأشتر (رض) وقال : ما هذا ؟ أ لرفع المصاحف ؟ قال : نعم ، قال : واللَّه لقد ظننت أنها ستوقع(285) اختلافاً وفرقةً وأنها مشورة ابن العاص(286) .
فأقبل الأشتر على القوم من أصحابه وقال : يا أهل العراق يا أهل الذلّ والوهن ، أحين عَلَوتم القوم وعرفوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟ ويلكم أمهلوني فُوَاقاً فإنّ الفتح قد حصل والنصر قد أقبل ، قالوا : لا يكون ذلك أبداً فقال : أمهلوني عدو الفَرس ، قالوا : إذن ندخل معك في خطيئتك ، قال : محدِّثوني(287)
88) ذكر ابن أعثم في الفتوح : 1 / 508 ، والطبري في تاريخه : 3 / 560 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 5 / 98 ، وابن الأثير في الكامل : 3 / 276 ، وصاحب الأخبار الطوال : 156 ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 110 - 113 - 116 ، ونصر بن مزاحم المنقري في وقعة صفين : 15 أنّ الإمام عليّ عليه السلام كتب إلى جرير بن عبداللَّه كتاباً وأرسله مع زَحْرِ بن قيس الجعُفي الكوفي - أحد أصحاب عليّ عليه السلام أنزله المدائن في جماعة جعلهم هناك رابطة كما ذكر صاحب تاريخ بغداد تحت رقم 4605 ، وفي تاج العروس (زحر) وفي الإصابة : 3 / 39 يزجر ، وقيل : زفر كما ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة - وقد جاء فيه بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، من عليّ أمير المؤمنين ، أمّا بعد ، يا جرير فإنّ اللَّه تبارك وتعالى (لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ )الرعد : 11 . وإنّي اُخبرك عن نبأ من سرَنا إليه من جموع طلحة والزبير عند نكثهم بيعتهم ، وما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف ، إنّي هبطت من المدينة بالمهاجرين والأنصار ، حتّى إذا كنت بالعُذَيب بعثت إلى أهل الكوفة بالحسن بن عليّ وعبداللَّه بن عباس وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد بن عُبادة ، فاستنفروهم فأجابوا ، فسرتُ بهم حتّى نزلت بظهر البصرة فأعذرت في الدعاء . . . وقد بعثت إليكم زَحر بن قيس ، فاسأل عمّا بدا لك .
وذكرت المصادر التاريخية جواب جرير أيضاً . قالوا : فلمّا قرأ جرير الكتاب قام فقال : أيّها الناس ، هذا كتاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وهو المأمون على الدين والدنيا ، وقد كان من أمره وأمر عدوِّه ما نحمد اللَّه عليه ، وقد بايعه السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان . ولو جُعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقّهم بها ، ألا وإنَّ البقاء في الجماعة ، والفناء في الفرقة ، وعليّ حاملكم على الحقّ ما استقمتم ، فإن ملتم أقام ميلكم . . . فقال الناس : سمعاً وطاعة ، رضينا رضينا . فأجاب جرير وكتب جواب كتابه بالطاعة ، وكان مع عليّ رجلٌ من طي ، ابن اُخت لجرير فحمل زحر بن قيس شعراً له إلى خاله جرير .
جرير بن عبداللَّه لا تردّد الهدى
وبايع علياً إنّني لك ناصح
إلى آخر الأبيات . انظرها في وقعة صفّين : 16، والفتوح لابن أعثم: 1/509 في الهامش رقم 1 وص 510 هامش رقم 1 . وانظر تعقيب ابن أبي الحديد في شرح النهج على هذه الخطبة والشعر : 1 / 247 .
ثمّ قام زَحْرُ بن قيس خطيباً فحمد اللَّه واثنى عليه . . . ثمّ قال : أيّها الناس إنّ علياً قد كتب إليكم كتاباً لا يقال بعده إلّا رجيع من القول ، ولكن لابدّ من ردِّ الكلام ، إن الناس بايعوا علياً بالمدينة من غير محاباة له ببيعتهم . . . وإنّ طلحة ، والزبير نقضا بيعته على غير حدث ، وألّبا عليه الناس ، ثمّ لم يَرضَيا حتّى نصبا له الحرب ، وأخرجا اُمّ المؤمنين فلقيهما فأعذر في الدعاء . . . ولئن سالتم الزيادة زدناكم ، ولا قوّة إلّاباللَّه . (انظر ابن أعثم : 1 / 510 ، ووقعة صفّين : 18 ، والإمامة والسياسة : 1 / 110) .
وقال جرير في ذلك شعراً :
أتانا كتابُ عليّ فلم
نردَّ الكتاب بأرضِ العجم
إلى آخر الأبيات . (انظر وقعة صفين : 18 ، وابن أعثم في الفتوح : 1 / 510) .
وقال ابن الأزور القسري في جرير شعراً يمدحه :
لعمر أبيك والأبناء تُنْمى
لقد جَلّى بخطبته جرير
إلى آخر الأبيات . (انظر المصدر السابق) .
وقال النهديُّ في ذلك :
أتانا بالنبأ زَحْرُ بنُ قيسٍ
عظيم الخَطْبِ من جُعْفِ بن سعد
إلى آخر الأبيات . انظر المصدر السابق .
قالوا : ثمّ أقبل جرير سائراً من ثغر همدان حتّى ورد على عليّ عليه السلام بالكوفة ، فبايعه ودخل فيما دخل فيه الناس ، من طاعة عليّ ، واللزومُ لأمره ، وأنشأ شعراً . انظر المصادر السابقة .
وذكرت المصادر التاريخية السابقة أيضاً بأنّ الإمام عليّ عليه السلام بعث إلى الأشعث بن قيس الكندي كتاباً مع زياد بن كعب جاء فيه : أمّا بعد ، فلولا هنَاتٌ كنَّ فيك كنتَ المقدَّم في هذا الأمر قبل الناس ، ولعلّ أمرك يحمل بعضهُ بعضاً إن اتّقيت اللَّه ، ثمّ إنّه كان من بيعة الناس إيّاي ما قد بلغك ، وكان طلحة والزبير ممن بايعاني ثمّ نقَضا بيَعتي على غير حدَث . . . وإنّ عملك ليس لك بطُعمةٍ ، ولكنّه أمانة . وفي يديك مالٌ من مال اللَّه ، وأنتَ من خُزّان اللَّه عليه حتّى تسلِّمه إليَّ ولعلي أن لا أكونَ شرَّ وُلاتك لك إن استَقمت . ولا قوة إلّا باللَّه .
وذكر ابن أعثم في 1 / 511 وقال : ثمّ طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى رجل من أصحابه يقال له زياد بن مرحب الهمداني ، وأمره بسرعة السير إلى الأشعث .
وذكر نصر بن مزاحم في وقعة صفين : 21 وقال : فلمّا قرأ الكتاب قام زياد بن مرحب فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّ مَنْ لم يكفه القليل لم يكفه الكثير . . . ثمّ قام الأشعث بن قيس ، فحمداللَّه وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس إنّ أمير المؤمنين عثمان ولّاني اذربيجان ، فهلك وهي في يدي ، وقد بايع الناس علياً ، وطاعتُنا له كطاعة من كان قبله . . . فلمّا أتى منزله دعا أصحابه فقال : إنّ كتاب عليّ قد أوحشَني ، وهو آخذٌ بمال أذربيجان ، وأنا لاحقٌ بمعاوية ، فقال القوم : الموت خيرٌ لك من ذلك ؛ أتدع مِصرَك وجماعةَ قومك وتكون ذنباً لأهل الشام ؟ فاستحيى فسار حتّى قدم على عليّ . فقال السكوني - وقد خاف أن يلحق بمعاوية - :
إنِّي اُعيذك بالّذي هو مالك
بمُعاذةِ الآباء والأجداد
إلى آخر الأبيات . (انظر وقعة صفين : 21 وابن أعثم في الفتوح : 1 / 513 هامش رقم 1 مع اختلاف يسير في اللفظ) ، وقيلت قصائد في الأشعث بن قيس وكذلك ممّا قيل من شعر على لسان الأشعث فانظرها في المصادر السابقة .
ثمّ ذكر المؤرّخون أن الأشعث بن قيس قدم على عليّ بعد قدومه الكوفة ومعه أيضاً وفود فيها جاريةُ بن قُدامة وحارثةُ بن بدر وزيد بن جَبَلة وأعْيَن بن ضُبيعة وعظيم الناس بنو تميم ، وكان فيهم أشراف ، ولم يقدم هؤلاء على عشيرة من أهل الكوفة ، فقام الأحنف بن قيس . وجارية بن قدامه ، وحارثة بن بدر ، فتكلم الأحنف فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه إن تك سعدٌ لم تنصرك يوم الجمل فإنها لم تنصر عليك . . . إلى أن قال عليٌ لجارية بن قدامة وكان رجُلَ تميم بعد الأحنف - : ما تقول يا جارية ؟ فقال : أقول هذا جمعٌ حشره اللَّه لك بالتقوى ولم تستكره فيه شاخصاً ، ولم تشخص فيه مقيماً . . .
وكان حارثة بن بدر أشدَّ الناس رأياً عند الأحنف وكان شاعر بني تميم وفارسهم فقال عليٌ : ما تقول يا حارثة ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّا نشوب الرجاء بالمخافة واللَّه لَوَددت أنّ أمواتنا رجعوا إلينا فاستعنّا بهم على عدوِّنا ولسنا نلقي القوم بأكثر من عددهم . . . فوافق الأحنف في رأيه فقال عليٌّ للأحنف : اكتب إلى قومك . فكتب الأحنف إلى بني سعد : انظر الكتاب في المصادر السابقة .
(97) انظر الفتوح لأبن أعثم : 1 / 558 . وذكر نصر بن مزاحم في وقعة صفين : 42 و 43 وقصيدة لعليّ عليه السلام فيما صنع معاوية وعمرو بن العاص مطلعها :
يا عجباً لقد سمعتُ منكراً
كِذْباً على اللَّه يُشيب الشَّعرا
وقال فيها :
أن يقرنوا وصِيَّه والأبترا
شانِي الرسولِ واللعين الأخْزَرا
وهذه إشارة إلى والد عمرو بن العاص الّذي نزل فيه قوله تعالى (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) وبالأخزر عمرو بن العاص لأ نّه ينظر بمؤخرة عينيه .
وقال فيها أيضاً :
لو أن عندي يابن حربٍ جعفرا
أو حمزةَ القَرْمَ الهُمامَ الأزهرا
رأتْ قريشٌ نجمَ ليلٍ ظُهُرا
(135) هو شرحبيل بن السمط الكندي ، كان سيّد قومه ، وهوعدوٌ لجرير بن عبداللَّه البجلي كما يقول ابن أعثم في الفتوح : 1/530 ، وهو الّذي كتب إليه معاوية بنأبي سفيان - وكان شرحبيل يومئذٍ بمدينة حمص - : أمّا بعد فإن جريراً قدم علينا من عند عليّ بن أبي طالب بأمر فظيع ، فاقدم إلينا يرحمك اللَّه . . . ثمّ قال : فلمّا ورد إليه كتاب معاوية وقرأه أقبل على عبدالرحمن بن غنم الأزدي . (كما في التجريد : 1 / 381) . وهو صاحب معاذ بن جبل ، وكان أفقه أهل الشام فاستشاره في المسير إلى معاوية فقال له عبدالرحمن : ويحك ياشرحبيل ، إنّ اللَّه لم يزل يريد بك خيراً مذ هاجرت إلى وقتك هذا . . . ثمّ قال شعراً :
أيا شرحُ يا ابن السمط إنّك بالغُ
بأخذ عليّ ما تريد من الأمر
إلى آخر الأبيات ، انظر في الفتوح : 1 / 531 هامش رقم 2 .
قال : فلمّا سمع شرحبيل بن السمط هذا الشعر كأنه وقع في قلبه ، ثمّ أقبل على عبدالرحمن بن غنم فقال : إنّي سمعتُ ما قلت وقد أحببتُ أن أسمع كلام معاوية في نفر من بني عمّه .
وكتب إليه الأسود بن عبداللَّه أبياتاً من الشعر :
أبا شرحُ يا ابن السمط لاتتبع الهوى
فمالك في الدنيا من الدين بالبدل
إلى آخرها ، أوردها أيضاً ابن أعثم في الفتوح أيضاً : 1 / 532 هامش رقم 1 .
قال : فلما تفهّم شرحبيل هذا الشعر ذعر منه ذعراً شديداً وفكّر في أمره ثمّ قال : هذه واللَّه نصيحة لي في ديني ودنياي ، لا واللَّه لاعجّلت في هذا الأمر بشيء ، وفي نفسي منه حاجة . قال : ثمّ سَار إلى معاوية ودخل عليه - إلى ان قال : - إن شهدا عندي رجلان من سادات أهل الشام أنّ علياً قتل عثمان صدقتك وقاتلت بين يديك أنا وجميع من أطاعني من قومي . . . ثمّ انصرف . . . فلمّا أصبح وجّه إليه معاوية بالقوم الّذين أعدّهم له ، فشهدوا عنده أنّ علياً قتل عثمان ، قال : فعندها أقبل شرحبيل حتّى دخل على معاوية فقال : يا هذا لقد شهد عندي العدول . . . قال : فجعل ابن اُخت لشرحبيل يقول أبياتاً مطلعها :
رمى شرحبيل بالدواهي وقد رمى
هنالك بالسهم الّذي هو قاتله
إلى آخرها ، وقد ذكرها أيضاً ابن أعثم : 1 / 533 هامش رقم 1 .
قال : فهمّ معاوية بقتل قائل هذا الشعر ، فهرب حتّى صار إلى عليّ عليه السلام وحدّثه بالحديث من أوّله إلى آخره . قال : وبعث النجاشي شاعر عليّ إلى شرحبيل بن السمط الكندي أبياتاً مطلعها :
أيا شرحُ ما للدين فارقْت أمرنا
ولكن لبغض المالكيّ جرير
إلى آخرها ، كما أوردها ابن أعثم في الفتوح : 1 / 533 هامش رقم 2 .
وهنالك رسائل ومساجلات أوردها ابن أعثم في الفتوح : 1 / 19 وما بعدها بين سعيد بن قيس الهمداني وشرحبيل أعرضنا عنها للاختصار ، وكذلك انظر تاريخ الطبري : 3 / 571 ، ووقعة صفين : 44 و 52 و 81 و 182 و 196 و 200 و 201 و 536 ، والعقد الفريد : 4 / 303 ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 99 و 100 و 155 .
(146) هو هاشم بن عُتبة بن أبي وقاص الزهري ، الملقّب بالمِرْقال ، وكان مع عليّ عليه السلام يوم صفِّين ، ومن أشجع الناس ، وكان أعور ، وهو القائل :
أعور يبغي أهلَه محلاًّ
قد عالج الحياةَ حتّى ملّا
لابدّ أن يَغُلّ أو يُغَلّا
وقيل هكذا ترتيب الأبيات كما ورد في مروج الذهب : 2 / 22 والطبري : 6 / 22
قد أكثروا لومي وما أقلّا
إنّي شَرَيْتُ النفْسَ لن أعتلّا
أعورُ يبغي نَفْسه مَحَلاًّ
لابدّ أن يَغُلَّ أو يُغَلّا
قد عالج الحياة حتّى مَلّا
أشدُّهُم بذي الكُعوبِ شَلَّا
وفي الطبري : 6 / 24 : يتلهم بذي الكعوب تلّا .
فقتل من القوم تسعة نفر أو عشرة وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط رحمه الله ، وقد رثاه الإمام عليّ عليه السلام فقال كما ذكر نصر بن مزاحم في وقعة صفين : 356
جَزَى اللَّه خيراً عُصبةً أسلميةً
صِبَاحَ الوُجوهِ صرِّعوا حولَ هاشم
ولكن ما أن سقط هاشم رحمه الله فأخذ رايته ابنه عبداللَّه بن هاشم وخطب خطبةً عظيمة وقال فيها : إنّ هاشماً كان عبداً من عباد اللَّه الّذين قدّر أرزاقهم وكتب آثارهم وأحصى اعمالَهم وقضى آجالهم ، فدعاه ربّه الّذي لا يعصى فأجابه . . . ولهاشم المرقال مواقف كثيرة ذكرها ابن نصر في وقعة صفين : 92 و 154 و 193 و 205 و 208 و 214 و 258 و 326 و 328 و 335 و 340 و 346 و 348 و 353 و 359 و 384 و 401 - 405 و 426 و 428 و 431 و 455 . وانظر ترجمته في اُسد الغابة : 5 / 49 ، والمستدرك : 3 / 396 ، وتاريخ الطبري : 5 / 44 ، الإصابة : 3 / 593 ، الاستيعاب بهامش الإصابة : 3 / 616 ، وتاريخ الخطيب البغدادي : 1 / 196 .
(184) في (ج) : وطلب البراز .
ووردت هذه القصة بألفاظ مختلفة وفي مصادر تاريخيه متعدّدة ولكن كلّها تؤدّي نفس المعنى ، فقد ذكرها ابن مزاحم في وقعة صفين : 406 و 408 و 423 و 424 و 432 ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 127 ، كشف اليقين : 157 - 158 ، طبقات ابن سعد : 7 / 188 ، اُسد الغابة : 4 / 420 ، الكامل في التاريخ : 2 / 232 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 20 ، و : 8 / 53 . ونقل لنا نصر بن مزاحم في وقعة صفين المحاورة والأشعار والفرار وكشف العورة من قِبل عمرو بن العاص ، قال : وحمل أهلُ العراق وتلقّاهم أهل الشام فاجتلَدوا ، وحمل عمرو بن العاص مَعلِماً وهو يقول :
شدّوا عليَّ شكتي لاتنكشف
بعد طليح والزبير فأْتَلِف
يومٌ لهمدانَ ويومٌ للصّدِف
وفي تميمٍ نخوةٌ لاتنحرف
أضربُها بالسيف حتّى تنصرِفْ
إذا مشيتُ مِشْيةَ العَوْدِ الصلِف
ومثلها لحمير أو تنحرف
والربَعيُّون لهم يوم عَصِف
فاعترضه عليٌّ عليه السلام يقول :
قد علمت ذات القُرون الميل
والخصْرِ والأنامِلِ الطفول
إنِّي بنصل السيف خنْشَليلُ
أحمى وأرْمى أوّل الرعيل
بصارمٍ ليس بذي فُلولِ
ثمّ طعنه فصرعه واتَّقاهُ عمرو بِرجْلهِ ، فبدت عورتهُ ، فصرف عليٌّ وجهه عنه وارتُثّ ، فقال القوم : أفلتَ الرجلُ يا أمير المؤمنين قال : وهل تدرون مَن هو ؟ قالوا : لا ، قال : فإنّه عمرو بن العاص تَلَقّاني بعورته فصرفْتُ وجهي عنه .
ورجع عمروٌ إلى معاوية فقال له : ما صنعتَ يا عمرو ؟ قال : لقيني عليٌّ فَصَرعني . قال : احمد اللَّه وعَورَتَك ، أما واللَّه أن لو عرفتَه ما أقحمتَ عليه ، وقال معاوية في ذلك شعراً :
ألا للَّه من هَفَوات عمروٍ
يعاتبُني على تركي برازي
فقد لاقى أبا حَسَنٍ عليّاً
فآب الوائليُّ مآبَ خازِي
فلو لم يُبْدِ عورتَه للاقى
به ليثاً يذلِّلُ كلَّ نازِي
فغضب عمرو وقال : ما أشدّ تغبيطك علياً في أمري هذا ؟ هل هو إلّا رجلٌ لقيه ابنُ عمِّه فصرعه ، أفترَى السماءَ قاطرةً لذلك دماً ؟ قال : ولكنَّها معقبة لك خِزْياً .
ثمّ قال في : 432 : إنّ معاويةَ أظهر لعَمْرٍو شماتةً وجعل يقرِّعه ويوبّخه . . . وإنّك لجبانٌ فغضب عمروٌ ثمّ قال : واللَّه لو كان علياً ما قحمتُ عليه يا معاوية ، فهلّا برزتَ إلى عليٍّ إذْ دعاك إن كنت شجاعاً كما تزعمُ ، وقال عمرو في ذلك شعراً :
فهل لكَ في أبي حسنٍ عليٍّ
لعلّ اللَّهَ يُمكِنُ من قَفَاكا
دعاك إلى النِزال فلم تُجِبْهُ
ولو نازلتَهُ تَرِبَتْ يَدَاكا
وانظر المحاورة والشعر في صفحة اخرى من الكتاب وهي : 472-473. وقال جورج جرداق في كتابه الإمام عليّ عليه السلام صوت العدالة الإنسانية : 1 / 82 : وقد أصبح ذوالفقار فوق هامته ، ولو قضى عليّ عليه السلام على عمرو آنذاك لكان قضى على المكر والدهاء وجيش معاوية . وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 3 / 330 ، وكشف اليقين لابن المطهّر الحلّي : 157 - 158 وابن أعثم في الفتوح : 2 / 44 وما بعدها .
(187) أورد الشعر ابن أعثم في الفتوح : 2 / 43 بهذا اللفظ
يا قادة الكوفة من أهل الفتن
يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن
كفى بهذا حزناً من الحزن
أضربكم ولا أرى أبا الحسن
قال : فرجع عليّ عليه السلام وهو يقول :
أنا الغلام القرشي المؤتمن
الماجد الأبلج ليثٌ كالشطن
ترضى بي السادة من أهل اليمن
من ساكن نجد ومن أهل عدن
أبو حسين فأعلمن أبو الحسن
(197) أورد صاحب وقعة صفين : 460 الشعر بهذا اللفظ :
تنازله يا بُسرُ إنْ كنت مثله
وإلّا فإنّ اللّيْثَ للضبْع آكل
كأ نّكَ يا بُسرُ بن أرطاة جاهلٌ
بآثاره في الحرب أو متجاهِل
إلى أن قال :
مَتى تَلْقَهُ فالموتُ في رأس رُمْحِهِ
وفي سيفه شُغلٌ لنفسك شاغِل
وقد ورد عجز هذا البيت في نسخة (ج) بلفظ : ولا قبله في أوّل الخيل حامل .
(204) وردت هذه الأبيات في الاستيعاب : 64 - 67 لكنه نسبها إلى الحارث بن النضر السهميّ ، ووقعة صفّين : 462 ونسبها إلى النضر بن الحارث ، وفيه : أفي كلِّ يوم فارس تندبونه . . . وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 301 ، وكذلك مناقب الخوارزمي : 241 : قال الأشتر :
أكلُّ يوم رجل شيخ شاغره
وعورةٌ وسطَ العَجاجة ظاهره
تبرزُها طَعنةُ كفٍّ واتره
عمرو وبُسرٌ مُنِيا بالفاقره
وفي مناقب الخوارزمي : رميا بالقافرة .
وانظرها في الفتوح لابن أعثم : 2 / 104 و 105 ، ووقعة صفين : 462 وفيهما : رُمِيَا بالفاقرة ، وانظر القصة أيضاً في كشف اليقين : 158 والمصادر السابقة في ترجمة بُسر بن أرطاة .
وقيل : ونظر لاحق غلام بُسر إلى ما نزل ببُسر ، فكأنه أحبّ أن يكون له ذكر في أهل الشام ، فخرج على فرسٍ له ، وجعل يجول في ميدان الحرب وهو يقول :
قل لعليّ قولَه ونافره
أرديت شيخاً عنه ناصره
أرديت بُسراً والغلام ثائره
وكلّما أتى فليس ياسره
فحمل عليه الأشتر وهو يقول - ثمّ ذكر الأبيات السابقة - .
قال : ثمّ طعنه الأشتر طعنةً كسر منها صلبه ، فسقط عن فرسه واضطرب ساعةً ومات . ذكر ذلك ابن أعثم في الفتوح : 2 / 105 . أمّا ابن مزاحم في وقعة صفين : 461 فقال القائل هو ابن عمٍّ لبّسر :
أرديت بُسراً والغلام ثائرُه
أرديت شيخاً غاب ناصره
وكلُّنا حامٍ لبُسرٍ واتِره
فحمل عليه الأشتر فكسر صُلبه .
(