965 |
وهو الإمام الثامن(1) تاريخ ولادته ومدّة إمامته ومبلغ عمره
ووقت وفاته وعدد أولاده وذكر كنيته ونسبه ولقبه
وغير ذلك ممّا يتّصل به
قال الشيخ كمال الدين بن طلحة : تقدّم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه السلام
966 |
وزين العابدين عليّ بن الحسينعليه السلام وجاء عليّ بن موسى الرضا ثالثهما(2) ، ومَن أمعن نظره وفكره(3) وجِدّه في الحقيقة وارثهما نمى إيمانه وعلا شأنه وارتفع (واتسع )مكانه وكثر أعوانه وظهر برهانه حتّى أحلّه(4) الخليفة المأمون محلّ مهجته وأشركه في مملكته وفوّض إليه أمر خلافته وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته . وكانت مناقبه علية وصفاته سنية (ومكارمه حاتمية وشنشنه أخزمية وأخلاقه
967 |
عربية) ونفسه الشريفة زكية هاشمية وأرومته الكريمة نبوية(5) .
قال صاحب الإرشاد (ره) : و كان الإمام القائم بعد موسى الكاظم ولده عليّ بن موسىالرضاعليه السلام لفضله على جماعة أهل بيته وبنيه وإخوته ووفور علمه وغزير حلمه وإجماع(6) الخاصّة والعامّة على اجتماع ذلك فيه والنصّ بالإمامة من أبيه وإشارته إليه بذلك دون سائر أهل بيته وبنيه(7) .
وممّن روى ذلك من أهل العلم والدين داود بن كثير الرقّي(8) قال : قلت لأبي إبراهيم موسى الكاظمعليه السلام : جُعلت فداك إنّي قد كَبُرت سنِّي فَخُذ بِيَدي وأنقذني من النار مَنْ صاحبُنا بَعدَك؟ قال : فأشار إلى ابنه أبي الحسن الرضا فقال : هذا صاحبكم من بعدي(9) .
968 |
وعن زياد بن مروان القندي(10) قال : دخلت على أبي إبراهيم موسى الكاظم وعنده عليّ ابنه أبو الحسن الرضا فقال لي : يا زياد هذا ابني عليّ كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي ، وما قال فالقول قوله(11) .
وعن المخزومي : وكانت اُمّه من ولد جعفر بن أبي طالب(رض)(12) قال : بعث إلينا موسى أبو الحسن(13) الكاظمعليه السلام فجمعنا ثمّ قال : أتدرون لم جمعتكم؟ فقلنا : لا ، قال : اشهدوا أنّ ابني هذا - وأشار إلى عليّ بن موسى الرضا - هو وصيّي والقائم(14) بأمري وخليفتي من بعدي مَن كان له عندي دَين فليأخذه من ابني هذا ، ومن كانت له عندي عدّة فليتنجّزها(15) منه ، ومَن لم يكن له بُدٌّ من لقائي فلا يلقني إلّا بكتابه(16) .
969 |
ولد عليّ بن موسى الرضاعليه السلام في المدينة سنة ثلاث وخمسين(17) ومائة(18) ، للهجرة وقيل سنة ثمان وأربعين(19) ومائة .
وأمّا نسبه (رض) أبا واُمّاً فهو عليّ الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين ابن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام(20) .
وأمّا اُمّه فاُمّ ولد يقال لها اُمّ البنين(21)
970 |
واسمها أروى(22) ، وقيل شقراء النوبية وهو لقب لها(23) .
وأمّا كنيته فأبو الحسن(24) .
971 |
وأمّا ألقابه : فالرضا(25) والصابر(26) والزكي(27) والولي(28) ، وأشهرها الرضا(29) .
صفته معتدل القامة(30) ، شاعره دعبل الخزاعي(31) ،
972 |
بابه(32) محمّد بن الفرات(33) . نقش خاتمه «حسبي اللَّه»(34) معاصره الأمين والمأمون(35) .
973 |
وأمّا مناقبهعليه السلام فمن ذلك ما كان أكبر دلائل برهانه وشهد له بعلوّ قدره وسموّ مكانه وهو أنّه لما جعله المأمون وليّ عهده وأقامه خليفة من بعده كان في حاشية المأمون اُناس قدكرهوا ذلك وخافوا خروج الخلافة عن بني العباس وردّها إلى(36) بني فاطمة ، فحصل عندهم من عليّ بن موسى الرضاعليه السلام نفور ، وكانت عادة الرضا إذا جاء إلى دار المأمون ليدخل عليه بادر(37) مَن في الدهليز من الحجّاب(38) وأهل النوبة من الخدم والحشم بالقيام له والسلام عليه ويرفعون(39) له الستر حتّى يدخل(40) .
فلمّا حصلت لهم هذه النفرة تفاوضوا في أمر هذه القضية ودخل منها في قلوبهم شيء قالوا فيما بينهم : إذا جاء ليدخل على الخليفة بعد هذا اليوم نعرض عنه ولانرفع له الستر . واتفقوا على ذلك فيما بينهم . فبينماهم جلوس إذ جاء الرضاعليه السلام على جاري عادته فلم يملكوا أنفسهم أن قاموا وسلّموا عليه ورفعوا له الستر ، فلمّا دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون على كونهم مافعلوا ما اتفقو عليه ، وقالوا : الكرّة الثانية(41) إذا جاء لا نرفعه له .
974 |
فلمّا كان اليوم الثاني وجاء الرضاعليه السلام على عادته قاموا وسلّموا عليه ولم يرفعوا له الستر ، فجاءت ريح شديدة فدخلت في الستر ورفعته أكثر ممّا كانوا يرفعونه له ، فدخل ثمّ سكنت ، ثمّ عند خروجه جاءت الريح أيضاً من الجانب الآخر فرفعته له وخرج ، فأقبل بعضهم على بعض وقالوا : إنّ لهذا الرجل عنداللَّه منزلة وله منه(42) عناية انظروا إلى الريح كيف جاءت ورفعت له الستر عند دخوله وعند خرجه من الجهتين ، ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته فهو خيرٌ لكم ، فعادوا إلى ماكانوا عليه وزادت عقيدتهم فيه(43) .
وعن صفوان بن يحيى(44) قال : (لمّا) مضى أبو الحسن موسى الكاظمعليه السلام وقام ولده من بعده أبو الحسن الرضاعليه السلام وتكلّم خفنا عليه من ذلك(45) وقلت(46) له إنّك أظهرت أمراً عظيما وإنّا نخاف عليك من هذا(47) الطاغية -يعني هارون الرشيد - قال ليجهد(48)
975 |
جهده فلا سبيل له عليَ(49) .
قال صفوان : فأخبرنا(50) الثقة أنّ يحيى بن خالد البرمكي قال للطاغي(51) : هذا عليّ بن موسى الرضا قد قعد(52) وادّعى الأمر لنفسه ، فقال هارون : ما يكفينا ماصنعنا بأبيه تريد أن نقتلهم جميعا(53)؟
وعنمسافر قال:كنت معأبي الحسنالرضاعليه السلام بمنى فمرّ يحيىبن خالد البرمكي(54)
976 |
وهو مغطّي(55) وجهه بمنديل من الغبار ، فقال الرضاعليه السلام : مساكين هؤلاء لايدرون مايحلّ بهم في هذه السنة . فكان من أمرهم ما كان . قال : وأعجب من هذا أنا وهارون كهاتين ، وضمّ اصبعيه السبّابة والوسطى . قال مسافر : فواللَّه ماعرفت معنى حديثه في هارون إلّا بعد موت الرضا ودفنه إلى جانبه(56) .
وعن موسى بن مهران(57) قال : رأيت عليّ بن موسى الرضا في المدينة وهارون الرشيد يخطب وقال(58) : أتروني وإيّاه ندفن في بيت واحد(59) .
وعن حمزة بن جعفر الا رجاني قال : خرج هارون الرشيد من المسجد الحرام (مرّتين) من باب وخرج عليّ بن موسى الرضاعليه السلام من باب (مرّتين) فقال الرضاعليه السلام وهو يعني هارون : ما أبعد الدار وأقرب اللقاء ، يا طوس يا طوس يا طوس ستجمعني(60) وإيّاه(61) .
977 |
ومن ذلك ما روي عن بكر بن صالح قال : أتيت الرضاعليه السلام فقلت : امرأتي اُخت محمّد بن سنان وكان من خواصّ شيعتهم بها حمل فادع اللَّه أن يجعله ذكراً ، قال : هما اثنان فولّيت وقلت (في نفسي) : اسمي واحداً محمّداً والاّخر علياً ، فدعاني وردّني فأتيته وقال : سمّ واحداً عليّاً والاُخرى اُمّ عمر(62) ، فقدمت الكوفة وقد ولد لي غلاماً وجارية في بطنٍ فسمّيت الذكر عليّاً والاُنثى اُمّ عمر كما أمرني وقلت لاُمّي : ما معنى اُمّ عمر قالت : جدّتك كانت تسمّى اُمّ عمر(63) .
ومن كتاب إعلام الورى للطبرسي قال : روى الحاكم أبو عبد اللَّه الحافظ بإسناده عن محمّد بن عيسى عن أبي حبيب (النباجي) أنّه قال رأيت النبيّصلى الله عليه وآله في المنام وكأنّه قد وافى النباج ونزل بها في المسجد الّذي ينزله الحجّاج(64) من بلدنا في كلّ سنة ، وكأني مضيت إليه وسلّمت عليه ووقفت بين يديه فوجدت(65) عنده طبقاً من خوص نخل المدينة فيه تمرصيحاني وكأنّه(66) قبض قبضة من ذلك التمر فناولني فعددته فكان(67) ثمانية عشر تمرةً ، فتأوّلت أنّي أعيش بعدد كلّ تمرةٍ سنةً ، فلمّا كان بعد عشرين يوماً وأنا في أرض لي تعمر للزراعة إذ(68) جاءني مَن أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضاعليه السلام من المدينة ونزوله ذلك المسجد ، ورأيت الناس يسعون إلى السلام
978 |
عليه من كلّ جانب ، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الّذي كنت رأيت النبيّصلى الله عليه وآله فيه وتحته حصير مثل الحصير الّذي رأيتها تحتهصلى الله عليه وآله وبين يديه طبق من خوص وفيه تمرصيحاني ، فسلّمت عليه ، فردّ عليَّ السلام واستدناني(69) وناولني قبضة من ذلك التمر فعددتها فإذا عدده مثل ذلك العدد الّذي ناولني(70) رسول اللَّهصلى الله عليه وآله في النوم ثماني عشرة حبّة تمر ، فقلت : زدني ، فقال : لوزادك رسول اللَّه لزدناك(71) .
وروى الحافظ أيضاً بإسناده عن سعيد(72) بن سعد(73) عن أبي الحسن الرضاعليه السلام أنّه نظر إلى رجل فقال : يا عبد اللَّه أوص بما تريد واستعدّ لما لابدّ منه ، فكان ماقد قال : فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيّام(74) .
979 |
وعن الحسين بن موسى قال : كنّا حول أبي الحسن الإمام عليّ الرضا ونحن شبّان(75) من بني هاشم إذ مرّ علينا جعفر(76) بن عليّ العلوي وهو رثّ الهيئة ، فنظر بعضنا إلى بعضٍ وضحكنا من هيئته(77) ، فقال الرضاعليه السلام : لترونه(78) عن قريبٍ كثير المال كثير التبع(79) حسن الهيئة فما مضى إلّا شهر واحد حتّى ولّى أمرة المدينة وحسنت حالته وكان(80) يمرّ علينا وحوله الخدم (ومعه الخصيان )والحشم يسيرون بين يديه(81) .
وعن الحسين بن يسار(82) قال : قال لي الرضاعليه السلام : إنّ عبد اللَّه يقتل محمّداً ، فقلت له : عبد اللَّه بن هارون يقتل محمّد بن هارون؟ فقال (لي) : نعم عبد اللَّه المأمون (الّذي بخراسان) يقتل محمّد الأمين (ابن زبيدة الّذي هو ببغداد )فكان كما قالعليه السلام(83) .
980 |
وعن أبي الحسن القرضي عن أبيه قال حضرنا مجلس أبي الحسن الرضاعليه السلام فجاءه رجل فشكا إليه حاله فأنشأ الرضا يقول(84) :
981 |
وسلّم عليه وقال : يا بن رسول اللَّهصلى الله عليه وآله (قد) قلتُ فيك أبياتاً اُحبّ أن تسمعها منّي فقال له : هات(89) ، فأنشأ أبو نؤاس يقول :
982 |
هاتها(98) ، فأنشأ يقول :
983 |
984 |
وهي قصيدة طويلة عدد أبياتها مائة وعشرون اقتصرت منها على هذا القدر(119) .
995 |
ولمّا فرغ دعبل (ره) من إنشادها نهض أبو الحسن الرضاعليه السلام وقال : لاتبرح ، فأنفذ إليه صرّة فيها مائة دينار(120) واعتذر إليه ، فردّها دعبل وقال : واللَّه مالهذا ، جئت للسلام عليه والتبرّك بالنظر إلى وجهه الميمون ، وإني لفي غنى ، فان رأى أن يعطيني شيئاً من ثيابه للتبرّك فهو أحبّ إلىَّ ، فأعطاه الرضا جبّة خزّ وردّ عليه الصرّة ،وقال للغلام :قلله خذها ولاتردّها فإنّك ستصرفها أحوج ماتكون إليها(121) .
|
996 |
|
فأخذها وأخذ الجبة ثمّ اقام بمرو مدّة فتجهّزت قافلة تريد العراق فتجهّز صحبتها فخرج عليهم اللصوص(122) في أثناء الطريق ونهبوا القافلة عن آخرها ولزموا جماعة من أهلها فكتّفوهم وأخذوا ما معهم ، ومن جملتهم دعبل ، فساروا بهم غير بعيد ، ثمّ جلسوا يقتسمون أموالهم فتمثّل مقدم اللصوص وكبيرهم يقول :
|
997 |
|
ثمّ إنّه رحل من عندهم من قم بعد ثلاثة أيّام فلما صار خارج البلد على نحو ثلاثة أميال وقيل ثلاثة أيّام خرج عليه قوم من أحداثهم اخذوا الجبّة منه فرجع إلى قم وأخبر كبارهم بذلك فأخذوا الجبّة منهم وردّوها عليه ثمّ قالوا : نخشى أن تؤخذ هذه الجبّة منك يأخذها غيرنا ثمّ لاترجع إليك ، فباللَّه إلّا ما أخذت الألف وتركتها ، فأخذ الألف منهم وأعطاهم الجبّة ثمّ سافر عنهم .
وعن أبي الصلت (ره) قال : قال دعبل (رض) : لمّا أنشدت مولاي الرضا هذه القصيده وإنتهيت إلى قولي :
|
998 |
|
قال إبراهيم بن العباس(128) : سمعت العباس يقول : ما سئل الإمام الرضاعليه السلام عن شيءٍ (قطّ) إلّا علمه ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره(129) ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء فيجيبه الجواب الشافي(130) .
وكان قليل النوم (بالليل) كثير الصوم لايفوته صيام ثلاثة أيّام في كلّ شهر ويقول
|
999 |
|
ذلك صيام الدهر ، وكان كثير المعروف والصدقة سرّاً وأكثر مايكون ذلك منه في الليالي المظلمة(131) .
وكان جلوس الرضا(132) في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسحٍ(133) .
قال إبراهيم بن العباس : سمعت الرضاعليه السلام يقول وقد سأله رجل : أيكلف اللَّه العباد ما لايطيقون؟ فقال : هو أعدل من ذلك ، قال : أفيقدرون على فعل كلّ ما يريدون؟ قال : هم أعجز من ذلك .
وقال (الآبي) صاحب كتاب نثر الدرر : سأل الفضل بن سهل(134) عليّ بن موسى الرضاعليه السلام في مجلس المأمون قال : يا أبا الحسن الخلق مجبَرون؟ قال : إنّ اللَّه تعالى أعدل من أن يجبر ثمّ يعذّب ، قال : فمطلَقون؟ قال : اللَّه تعالى أحكم من أن يهمل
|
1000 |
|
عبده ويكله إلى نفسه(135) .
ومن كتاب عيون أخبار الإمام الرضاعليه السلام تصنيف الشيخ عماد الدين أبي جعفر محمّدبن عليّ بن الحسين بن بابويه رحمهماللَّه: إنّ عليّ بن موسى الرضا حدّث عن أبيه عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وعليهم أجمعين أنّ موسى بنعمرانلمّا ناجى ربّه قال:ياربّ أبعيدٌ أنت منّي فاُناديك أمقريبٌ فاُناجيك؟ فاوحى اللَّه تعالى إليه : يا موسى أنا جليس من ذكرني ، فقال(136) موسى : يا ربّ إني أكون في حال أجلّك أن أذكرك فيها ، فقال : يا موسى اذكرني على كلّ حال(137) .
وعن عليّ بن موسى الرضاعليه السلام عن آبائه عن النبيّصلى الله عليه وآله أنه قال : مَن لم يؤمن بحوضي فلا أورده اللَّه حوضي ، ومَن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللَّه شفاعتي . ثمّ قالصلى الله عليه وآله : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل(138) .
وعن عليّ بن موسى الرضاعليه السلام عن آبائه عن عليّ بن أبي طالبعليه السلام قال : قال رسول اللَّهصلى الله عليه وآله : ما كان ولايكون إلى يوم القيامة من مؤمن إلّا وله جار يؤذيه(139) .
وعن عليّ بن موسى الرضا عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب قال : قال رسولاللَّهصلى الله عليه وآله : الشيب في مقدم الرأس عزّ ، وفي العارضين سخاء ، وفي الذوائب شجاعة ، وفي القفا شؤم(140) .
وعنهعليه السلام عن آبائه عليهم السلام : قال رسولاللَّهصلى الله عليه وآله : لمّا اُسري بي إلى السماء رأيت رحماً معلّقة بالعرش تشكو رحماً إلى ربّها أنها قاطعة لها ، قلت : كم بينك وبينها من
|
1001 |
|
أب؟ قال : نلتقي من أربعين أباً(141) .
وعن عليّ بن موسى الرضاعليه السلام أنه قال : مَن صام من شعبان يوماً واحداً ابتغاء ثواب اللَّه إلّا دخل الجنّة(142) ، ومَن استغفر اللَّه تعالى في كلّ يوم منه سبعين مرّة حشره اللَّه يوم القيامة في زمرة النبيّصلى الله عليه وآله ووجبت له من اللَّه الكرامة(143) ، ومَن تصدّق في شعبان بصدقة ولو بشقّ تمرة حرّم اللَّه جسده على النار(144) .
وعن عليّ بن موسى الرضاعليه السلام أنه قال : مَن صام أوّل يوم من رجب رغبةً في ثواب اللَّه تعالى وجبت له الجنّة ، ومَن صام في يوم من وسطه شفّع في مثل ربيعة ومضر ، ومَن صام في يوم من آخره جعله اللَّه من أملاك الجنّة وشفّعه اللَّه في أبيه واُمّه وإخوانه وأخواته وأعمامه وعمّاته وأخواله وخالاته ومعارفه وجيرانه وإن كان فيهم مَن هو مستوجب النار(145) .
وعن ياسر الخادم قال : سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه السلام يقول : أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاث مواطن : يوم يولد المولود ويخرج من بطن اُمّه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يُبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلم اللَّه على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وأمن روعته فقال (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا(146) (147) ) .
وقد سلّم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن أيضاً فقال : (وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(148) ) .
وقال المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمّد بن أبي سعيد(149) بن عبدالكريم
|
1002 |
|
الوزّان في محرّم سنة ستّ وتسعين وخمسمائة قال : أورد صاحب كتاب تاريخ نيشابور في كتابه : أنّ عليّ بن موسى الرضاعليه السلام لمّا دخل إلى نيشابور في السفرة الّتي فاز(150) فيها بفضيلة الشهادة كان في قبّة مستورة بالسقلاط(151) على بغلة شهباء وقد شقّ نيشابور ، فعرض له الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية والمثابران(152) على السنّة المحمّدية أبو زرعة الرازي(153) ومحمّد بن أسلم الطوسي(154) ومعهما خلائق لايُحصون من طلبة العلم وأهل الأحاديث وأهل الرواية والدراية ، فقالا : أيّها السيّد الجليل ابن السادة الأئمّة بحقّ آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلّا ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ورويتَ لنا حديثاً عن آبائك عن جدّك محمّدصلى الله عليه وآله نذكرك به .
فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلّة عن القبّة وأقرّ عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة ، فكانت له ذؤابتان على عاتقه والناس كلّهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه وهم بين صارخٍ وباكٍ ومتمرّغٍ في التراب ومقبلٍ لحافر(155) بغلته ، وعلا الضجيج فصاحت الأئمّة والعلماء والفقهاء : معاشر الناس اسمعوا وعوا وانصتو لسماع ماينفعكم ولاتؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم . وكان المستملي أبوزرعة
|
1003 |
|
ومحمّد بن أسلم الطوسي .
فقال عليّ بن موسى الرضاعليه السلام : حدّثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمّد الباقر عن أبيه عليّ زين العابدين عن أبيه الحسين شهيد كربلاء عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : حدّثني حبيبي وقرّة عين رسول اللَّهصلى الله عليه وآله قال : حدّثني جبرئيل قال : سمعت ربّ العزّة سبحانه وتعالى يقول : كلمة لا إله إلّا اللَّه حصني ، فمن قالها دخل حصني ، ومَن دخل حصني أمن (من) عذابي . ثمّ ارخى الستر على القبّة وسار .
قال فعدّوا أهل المحابر والدوي الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفاً(156) .
قال الاُستاذ أبو القاسم القشيري(157) : اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض الاُمراء السامانية فكتبه بالذهب وأوصى أن يُدفن معه في قبره ، فرؤي بالنوم بعد موته فقيل له : مافعل اللَّه بك؟ قال : غفر اللَّه لي بتلفّظي بلا إله إلّا اللَّه وتصديقي بأنّ محمّداً رسول اللَّه (مخلصاً(158)) .
|
1004 |
|
ودخل على عليّ بن موسى الرضاعليه السلام بنيشابور(159) قوم من الصوفية فقالوا : إنّ أمير المؤمنين المأمون لمّا نظر فيما ولّاه (اللَّه) من الاُمور فرآكم أهل البيت أولى مَن قام بأمر الناس ، ثمّ نظر في أهل البيت فرآك أولى بالناس من كلّ واحد منهم ، فردّ هذا الأمر إليك ، والإمامة(160) تحتاج إلى من يأكل الجشب(161) ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض ويشيّع الجنائز .
قال : وكان الإمام الرضاعليه السلام متّكئاً فاستوى جالساً ثمّ قال : كان يوسف بن يعقوب نبيّاً فلبس(162) أقبية الديباج المزرّرة بالذهب والقباطي المنسوجة بالذهب وجلس على متكآت آل فرعون وحكم وأمر ونهى ، وإنّما يراد من الإمام قسطه وعدله(163) إذا قال صدق وإذا حكم عدل وإذا وعد أنجز ، إنّ اللَّه لم يحرّم ملبوسا ولامطعماً ، وتلا
|
1005 |
|
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِى وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ(164)) (165) .
|
1006 |
|
المأمون له بذلك ، فامتنع منه ، فلم يزالا به حتّى أجاب على أنّه لا يأمر ولا ينهى ولا يولي ولا يعزل ولا يتكلّم بين اثنين في حكم ولا يغيّر شيئاً هو قائم على اُصوله ، فأجابه المأمون إلى ذلك .
ثمّ إنّ المأمون جلس مجلساً خاصّاً لخواصّ أهل دولته من الاُمراء والوزراء والحجّاب والكتّاب وأهل الحلّ والعقد ، وكان ذلك في يوم الخميس وأحضرهم ، فلمّا حضروا قال للفضل بن سهل : أخبر الجماعة الحاضرين برأي أمير المؤمنين في الرضا عليّ بن موسىعليه السلام ، وأنه ولّاه عهده وأمرهم بلبس الخُضْرِة والعود لبيعته في الخميس الآخر وأخذ إعطياتهم وأرزاقهم سنة على حكم التعجيل ، ثمّ صرفهم .
فلمّا كان الخميس الثاني حضر الناس وجلسوا على مقادير طبقاتهم ومنازلهم كلٌّ في موضعه ، وجلس المأمون ، ثمّ جيء بالرضاعليه السلام فجلس بين وسادتين عظيمتين وضعتا له وهو لابس الخضرة وعلى رأسه عمامة مقلّد بسيف ، فأمر المأمون ابنه العباس بالقيام إليه والمبايعة له أوّل الناس ، فرفع الرضاعليه السلام يده (فتلقّى بها وجه نفسهِ وببطنها وجوههم )وحطّها من فوق ، فقال له المأمون : ابسط يدك للبيعة ، فقال الرضاعليه السلام : هكذا كان يبايع رسول اللَّهصلى الله عليه وآله يضع يده فوق أيديهم ، فقال : أفعل ماترى .
ثمّ وُضِعت بِدَر الدراهم(173) والدنانير وقطع(174) الثياب والخلع وقام الخطباء والشعراء وذكروا ما كان أمر المأمون وولاية عهده للرضا ، وذكروا فضل الرضا وفرّقت الصِلات والجوائز على الحاضرين على قدر مراتبهم ، وفرّقت في ذلك اليوم أموال عظيمة .
ثمّ إنّ المأمون قال للرضا : قم واخطب الناس ، فقام وتكلّم ، فحمداللَّه وأثنى عليه
|
1007 |
|
وثنى بذكر نبيّه محمّدصلى الله عليه وآله وقال : أيّها الناس إنّ لنا عليكم حقّاً برسول اللَّهصلى الله عليه وآله ولكم علينا حقّ به ، فإذا أدّيتم إلينا ذلك وجب لكم علينا الحقّ لكم(175) ، والسلام . ولم يسمع منه في هذا المجلس غير هذا .
وخطب للرضا بولاية العهد في كلّ بلد ، وخطب عبدالجبار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول اللَّهصلى الله عليه وآله بالمدينة الشريفة فقال في الدعاء للرضا وهو على المنبر : وليُّ عهد المسلمين عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليه السلام وأنشد :
|
1008 |
|
وهذا مختصر من كتاب العهد الّذي كتبه المأمون الخليفة للرضا بخطّه اختصرته لطوله وذكرت أوّله وآخره وصورته :
بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، هذا كتابٌ كتبه عبد اللَّه بن هارون الرشيد لعليّ بن موسى بن جعفر وليّ عهده :
أمّا بعد ، فإنّ اللَّه عزّوجلّ اصطفى الإسلام ديناً واختار له من عباده رسلاً دالّين عليه وهادين إليه ، يبشّر أوّلهم بآخرهم ، ويصدّق تأليهم ماضيهم ، حتّى انتهت نبوّة اللَّه تعالى إلى محمّدصلى الله عليه وآله على فترةٍ من الرسل ودروسٍ من العلم وانقطاعٍ من الوحي واقتراب من الساعة ، فختم اللَّه به النبيّين وجعله شاهداً لهم(181) ومهيمناً عليهم ، وأنزل عليه الكتاب العزيز الّذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل(182) من حكيمٍ حميد . فلمّا انقضت النبوّة وختم اللَّه بمحمّدصلى الله عليه وآله بالرساله(183) جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين في الخلافة(184) ونظامها والقيام بشرايعها وأحكامها .
|
1009 |
|
ولم يزل أمير المؤمنين منذ انقضت إليه الخلافة وحمل مشاقّها واختبر مرارة طعمها ومذاقها مسهر العينين مضنياً لبدنه مطيلاً لفكره فيما فيه عزّ الدين وقمع المشركين وصلاح الاُمّة وجمع الكلمة ونشر العدل وإقامه الكتاب والسنّة ومنعه ذلك من الحفظ والدعة ومهنأ العيش محبّة أن يلقى اللَّه سبحانه وتعالى مناصحاً له في دينه وعباده ومختاراً لولاية عهده ورعاية الاُمّة من بعده ، أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه ، وأرجاهم للقيام بأمر اللَّه تعالى وحقّه ، مناجياً للَّه تعالى بالاستخارة في ذلك ومسألته الهامّة مافيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره ، معملاً فكره ونظره فيما فيه طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد اللَّه بن العباس وعليّ بن أبي طالب ، مقتصراً ممّن علم حاله ومذهبه منهم على علمه وبالغاً في المسألة ممّن خفي عليه أمره جهده وطاقته ، رضاه وطاعته ، حتّى استقصى اُمورهم معرفة ، وابتلى(185) أخبارهم مشاهدة ، واستبرأ أحوالهم معاينة ، وكشف ماعندهم مسائلة .
وكانت خيرته بعد استخارة اللَّه تعالى واجتهاده نفسه في قضاء حقّه في عباده وبلاده في الفئتين جميعاً عليّ بن موسى الرضا ابن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليه السلام لما رأى من فضله البارع وعلمه الذايع وورعه الظاهر الشايع وزهده الخالص النافع ، وتخليته من الدنيا وتفرّده عن الناس وقد استبان له مالم تزل الأخبار عليه مطبقة والألسن عليه متّفقة والكلمة فيه جامعه والأخبار واسعة ، ولما لم نزل نعرفه به من الفضل يافعاً وناشئاً وحدثاً وكهلاً فلذلك عقد له بالعهد والخلافة من بعده واثقاً بخيرة اللَّه تعالى في ذلك ، إذ علم اللَّه تعالى أنه فعله إيثاراً له وللدين ونظراً للإسلام وطلبا للسلامة وثبات الحجّة والنجاة في اليوم الّذي يقوم الناس فيه لربّ العالمين .
|
1010 |
|
ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصّته وقوّاده وخدمه فبايعه الكلّ مطيعين مسارعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة اللَّه على الهوى في ولده وغيره(186) ممن هو أشبك منه رحماً وأقرب قرابةً . وسمّاه الرضا إذ كان رضيّاً عنداللَّه تعالى وعند الناس ، وقد آثر طاعة اللَّه والنظر لنفسه وللمسلمين ، والحمدللَّه ربّ العالمين . وكتب بيده في يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين(187) .
وهذه صورة ما على ظهر العهد مكتوباً بخطّ الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه السلام من غير اختصار :
بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، الحمدللَّه الفعّال لما يشاء ، لامعقّب لحكمه ولا رادَّ لقضائه ، يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور ، وصلواته على نبيه محمّد خاتم النبيّين وآله الطيّبين الطاهرين .
أقول وأنا عليّ بن موسى بن جعفر : إنّ أمير المؤمنين عضده اللَّه بالسداد ووفّقه للرشاد عرف من حقّنا ما جهله غيره فوصل أرحاماً قُطعت وآمن أنفساً(188) فُزعت ،
|
1011 |
|
بل أحياها وقد تلفت بعد أن أمن الحياة أنسيت(189) وأغناها(190) بعد فقرها(191) ، وعرفها بعد نكرها ، مبتغياً بذلك رضا ربّ العالمين لايريد جزاءً من غيره وسيجزي اللَّه الشاكرين ولايضيع أجر المحسنين .
وإنّه جعل إليَّ عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده ، فمن حلّ عقدة أمر اللَّه بشدّها (أ )وقصم عروةً أحبّ اللَّه إيثاقها(192) فقد أباح اللَّه حريمه وأحلّ محرمه إذا كان بذلك زارياً(193) على الإمام منتهكاً حرمة الإسلام (بذلك جرى السلف فصبر منه على الفلتات ولم يعترض على الفرمات) وخوفاً من شتات الدين واضطراب حبل (194)المسلمين وحذر (195)فرصة تُنتهز وناعقة(196) تُبتدر .
وقد جعلتُ للَّه على نفسي عهداً - إن استرعاني أمر المسلمين وقلّدني خلافتة - العمل فيهم عامّة وفي بني العباس بن عبدالمطلب خاصّة أن أعمل فيهم بطاعة اللَّه تعالى وطاعة رسولهصلى الله عليه وآله و(ان) لا اُسفك دماً حراماً ولا اُبيح فرجاً ولا مالاً إلّا ماسفكته حدوده(197) وأباحته فرائضه ، وأن أتخيّر الكفاة جهدي وطاقتي ، وجعلتُ بذلك على نفسي عهداً مؤكّداً يسألني اللَّه عنه فإنّه عزّوجلّ يقول : (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسُْولًا) . وإن أحدثتُ أو غيّرتُ أو بدّلتُ كنتُ للغِيَر(198) مستحقّاً وللنكال
|
1012 |
|
متعرّضاً ، وأعوذ باللَّه من سخطه وإليه أرغب في التوفيق لطاعته والحول بيني وبين معصيته في عافيةلي وللمسلمين . والجامعة والجفر يدلّان على ضدّ ذلك ، وما أدري مايفعل بي و(لا )بكم إنِ الحكم إلّا للَّه يقضي بالحقّ وهو خير الفاصلين ، لكنني امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه واللَّه تعالى يعصمني وإيّاه ، وأشهدت اللَّه على نفسي بذلك وكفى باللَّه شهيداً . وكتبت بخطّي بحضرة أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه(199) والحاضرين من أولياء نِعَمهِ وخواصّ دولته وهم : الفضل بن سهل ، وسهل بن الفضل ، والقاضي يحيى بن أكثم ، وعبد اللَّه بن طاهر ، وثمامة بن أشرس(200) ، وبشر بن المعتمر ، وحمّاد بن النعمان ، وذلك في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين .
صورة رقم شهادة القاضي يحيى بن أكثم : شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا الكتاب ظهره وبطنه وهو يسأل اللَّه تعالى أن يعرّف أمير المؤمنين وكافّة المسلمين بركة(201) هذا العهد والميثاق . وكتب بخطّه في التاريخ المبيَّن فيه .
صورة رقم شهادة عبد اللَّه بن طاهر : أثبت شهادته فيه بتاريخه ، عبد اللَّه بن ظاهر .
وصورة رقم شهادة حمّاد بن النعمان : شهد حمّاد بن النعمان بمضمونه ظهره و بطنه(202) وكتبه بيده في تاريخه .
وصورة رقم شهادة ابن المعتمر(203) : شهد بذلك بشر بن المعتمر(204) .
وعلى الجانب الأيسر بخطّ الفضل بن سهل : رسم أمير المؤمنين (أطال اللَّه بقاءه )
|
1013 |
|
قراءة(205) هذه الصحيفة الّتي هي صحيفة العهد والميثاق (نرجو أن نجوز بها الصراط )ظهرها وبطنها(206) بحرم سيّدنا رسول اللَّهصلى الله عليه وآله بين الروضة والمنبر على رؤوس الأشهاد وبمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأخيار (والأحفاد) بعد أخذ البيعة عليهم واستيفاء شروطها بما أوجبه أمير المؤمنين من العهد لعليّ بن موسى الرضاعليه السلام لتقوم به الحجّة على جميع المسلمين ولتبطل(207) الشبهة الّتي كانت اعترضت آراء(208) الجاهلين ، وما كان للَّه ليَذرَ المؤمنين على ما أنتم عليه . وكتب الفضل بن سهل بحضرة أمير المؤمنين في تاريخ المعيّن فيه(209) .
|
1018 |
|
روي إبراهيم بن العباس قال : كانت البيعة للرضا لخمس خلون من شهر رمضان المعظّم سنة إحدى ومائتين(210) .
وزوّجه المأمون ابنته اُمّ حبيب في أوّل سنة اثنين ومأتين(211) والمأمون متوجّه إلى العراق .
وممّا نقل إلى الأسماع بالاستماع وروته الألسن بالبقاع في الأصقاع وخطّته الأيدي في الصحائف والرقاع أنّ الخليفة المأمون وجد في يوم عيد انحراف مزاج أحدث عنده ثقلاً له عن الخروج إلى الصلاة فقال لأبي الحسن الرضا : قم يا أبا الحسن اركب وصلّ بالناس العيد ، فامتنع وقال : قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فاعفني من الصلاة ، فقال المأمون : انّما اُريد أن أنوه(212) بذكرك ليشهر أمرك بأنك وليّ عهدي والخليفة من بعدي ، وألحّ عليه في ذلك فقال له الرضا : إن أعفيتني من ذلك كان أحبّ إليَّ ، فإن أبيت إلّا أن أخرج إلى الصلاة بالناس فإنّما أخرج كما كان النبيّصلى الله عليه وآله يخرج للصلاة وعلى الصفة الّتي كان يخرج عليها رسول اللَّهصلى الله عليه وآله ، فقال المأمون : افعل كيف ما أردت .
|
1019 |
|
وأمر المأمون القوّاد والجند وأعيان دولتهبالركوب في خدمته إلى المصلّى فركب الناس إلى بيته وحضر القوّاد والمؤذّنون والمكبّرون إلى بابه ينتظرون أن يخرج .
فخرج إليهم الرضا وقد اغتسل ولبس أفخر ثيابه وتعمّم بعمامة (بيضاء من) قطن وألقى طرفاً منها على عاتقه(213) ومسّ طيباً وأخذ عكّازة(214) في يده وخرج ماشياً ولم يركب ، وقال لمواليه وأتباعه : افعلو كما فعلت ، ففعلوا كفعله ، وساروا بين يديه عند شروقالشمس رافعين أصواتهم بالتكبير والتهليل ، فلمّا رأوه القوّاد والجند على تلك الحالة لم يسعهم إلّا أن نزلوا عن خيولهم ومراكبهم وساروا بين يديه وتركوا دوّابهم مع غلمانهم خلف الناس ، وكان كلّما كبّر الرضا كبّر الناس تكبيرة ، وكلّما هلّل هلّلوا تهليلة وهم سائرون بين يديه حتّى خيل للناس أنّ الحيطان والجدران تجاوبهم بالتكبير والتهليل ، وتزلزلت مرو وارتفع البكاء والضجيج ، فبلغ ذلك المأمون فقال له الفضل : إن بلغ الرضا المصلّى افتتن الناس به وخفنا على دمائنا وأرواحنا وعليك في نفسك فابعث إليه فردّه ، فبعث إليه المأمون قائلاً : قد كلّفناك يا أبا الحسن شططاً ولانحبّ أن تلحقك مشقّة ، ارجع إلى بيتك يصلّي بالناس من كان يصلّي بهم قبل . فرجع عليّ بن موسى الرضاعليه السلام إلى بيته وركب المأمون فصلّى بالناس(215)
|
1020 |
|
قال هرثمة بن أعين(216) - وكان من خدّام الخليفة عبد اللَّه المأمون إلّا أنه كان محبّا لأهل البيت إلى الغاية ويعدّ نفسه من شيعتهم وكان قائماً بخدمة الرضا وجميع مصالحه مؤثراً لذلك على جميع أصحابه مع تقدّمه عند المأمون وقربه منه قال : - طلبني سيّدي أبوالحسن الرضاعليه السلام في يوم من الأيّام فقال لي : يا هرثمة إنّي مطّلعك على أمرٍ يكون سرّاً عندك لا تظهره لأحد مدّة حياتي ، فإن أظهرته حال حياتي كنت خصيماً لك عنداللَّه . فحلفتُ له إنّي لا أتفوّه بما تقوله لي مدّة حياته .
فقال لي : اعلم يا هرثمة إنّه قد دنا(217) رحيلي (إلى اللَّه تعالى )ولحوقي بجدّي وآبائي ، وقد بلغ الكتاب أجله وإنّي اُطعم عنباً ورمّاناً مفروكاً(218) فأموت ، ويقصد الخليفة أن يجعل قبري خلف قبر أبيه الرشيد وأنّ اللَّه لايقدره على ذلك ، وانّ الأرض تشتدّ عليهم فلا تعمل فيها المعاول ولايستطيعون حفر شيء منها فتكون تعلم . يا هرثمة إنّما مدفني في الجهة الفلانية من الحدّ الفلاني ، بموضع عيِّنه له عنده ، فإذا أنا متّ وجهّزت فأعلمه بجميع ما قلته لك ليكونوا على بصيرة من أمري ، وقل له إن اُوضعت في نعشي وأرادوا الصلاة عليَّ فلا يصلى عليَّ وليأني بي قليلاً فإنّه يأتيكم رجل عربي ملثّم على ناقة له مصرع من جهة الصحراء عليه وعثاء(219) السفر فينيخ راحلته وينزل عنها فيصلّي عليَّ وصلّوا معه عليَّ ، فإذا فرغتم من الصلاة عليَّ وحملتموني إلى مدفني الّذي عينته لك فاحفر شيئاً يسيراً من وجه
|
1021 |
|
الأرض تجد قبراً مطبقًا معموراً في قعره ماء أبيض ، إذا كشفت عنه الطبقات نشف(220) الماء فهذا مدفني فادفنوني فيه .
واللَّه اللَّه يا هرثمة أن تخبر بهذا أو بشيء منه قبل موتي . قال هرثمة : فواللَّه ما طالت الأناة حتّى أكل الرضا عند الخليفة عنباً ورمّاناً مفتوتاً فمات(221) .
عن أبي الصلت الهروي(222) ( أنّه ) قال : دخلت على الرضا وقد خرج من عند المأمون فقال لي : يا أبا الصلت قد فعلوها ، وجعل يوحّد اللَّه ويمجّده(223) ، فأقام يومين ومات في اليوم الثالث .
قال هرثمة : فدخلت على عبد اللَّه المأمون لمّا رفع إليه موت أبي الحسن الرضا فوجدت المنديل في يده وهو يبكي عليه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ثَمّ كلام أتاذن لي أن أقوله لك؟ قال : قل ، قلت : إنّ الرضا أسرَّ إليَّ في حياته بأمرٍ وعاهدني أن
|
1022 |
|
لا أبوح به لأحد إلّا لك عند موته . (قال : هات )وقصصت عليه القصة الّتي قالها لي من أوّلها إلى آخرها وهو متعجّب من ذلك ، ثمّ أمر بتجهيزه وخرجنا بجنازته إلى المصلّى وتأنّينا بالصلاة عليه قليلاً فإذا بالرجل قد أقبل على بعيرٍ من جهة الصحراء كما قال ونزل ولم يكلّم أحداً فصلّى عليه وصلّى الناس معه ، وأمر الخليفة بطلب الرجل فلم يروا له أثراً ولالبعيره(224) .
ثمّ إنّ الخليفة قال : نحفر له من خلف قبر الرشيد ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ألم اُخبرك بمقالته؟ قال : نريد ننظر إلى ماقلته ، فعجز الحافرون ، فكانت الأرض أصلب من الصخر الصوان ، وعجزوا عن حفرها وتعجّب الحاضرون من ذلك ، وتبيّن للمأمون صدق ما قلته له عنه . فقال : أرني الموضع الّذي أشار إليه ، فجئت بهم إليه فما كان إلّا أن كشف التراب عن وجه الأرض فظهرت الأطباق فرفعناها فظهر من تحتها قبر معمول وإذا في قعره ماء أبيض ، وأعلمت الخليفة فحفر وأبصره على الصفة الّتي ذكرتها له ، وأشرف عليه المأمون وأبصره . ثمّ إنّ ذلك الماء نشف من وقته فواريناه ورددنا فيه الأطباق على حالها والتراب ، ولم يزل الخليفة المأمون يتعجّب بما رأى وممّا سمعه منّي ويتأسّف عليه ويندم ، وكلّما خلوت في خدمته يقول : يا هرثمة كيف قال لك أبو الحسن الرضا؟ فاُعيد عليه الحديث فيتلهّف ويتأسّف ويقول : إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون(225) .
|
1023 |
|
قال بعض الأئمّة من أهل العلم : مناقب عليّ بن موسى الرضا من أجلّ المناقب ، وإمداد فضائله وفواضله متوالية كتوالي الكتائب ، وموالاته محمودة البوادي والعواقب(226) ، وعجائب أوصافه من غرائب العجائب ، وسؤدده ونبله قد حلّ من الشرف في الذروة والمغارب ، فلمواليه(227) السعد الطالع ولمناويه النحس الغارب . أمّا شرف آبائه فأشهر من الصباح المنير وأضوأ من عارض الشمس المستدير . وأمّا أخلاقه وسماته وسيرته وصفاته ودلائله وعلاماته ونفسه الشريفه فناهيك من فخارٍ وحسبك من علوّ مقدارٍ جاز على طريقة ورثها عن الآباء وورثها عنه البنون ، فهم جميعاً في كرم الاُرومة وطيب الجرثومة كأسنان المشط متعادلون فشرفاً لهذا البيت المعالي الرتبة السامي المحلّة ، لقد طال السماء علاءً ونبلاً ، وسما على الفراقد منزلةً ومحلّاً ، واستوفى صفات الكمال ، فما يستثنى في شيءٍ منه لغيره وإلّا انتظم هؤلاء الأئمّة انتظام اللآلي ، وتناسبوا في الشرف فاستوى المقدّم والتالي ، ونالوا رتبة مجدٍ يحيط عنها المقصّر والعالي ، اجتهد عداتهم في خفض منازلهم واللَّه يرفعه ، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم واللَّه يجمعه ، وكم ضيّعوا من حقوقهم ما لا يهمله اللَّه ولايضيّعه(228) .
كانت وفاة عليّبن موسىالرضاعليه السلام بطوس منخراسان في قرية يقال لها سناباد(229) في آخر صفر سنة ثلاث ومائتين(230) ، وله من العمر يومئذٍ خمس وخمسون سنة(231) .
|
1024 |
|
كانت مدّة إمامته عشرون(232) سنة ، كان أوّلها في بقية ملك الرشيد ، ثمّ ملك ولده محمّد المعروف بالأمين وهو ابنزبيدة بعد ثلاث سنينوخمسة وعشرين يوماً، ثمّ خلع الأمين وأجلس مكانه عمّه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة
|
1025 |
|
عشر يوماً ، ثمّ خرج(233) محمّد الأمين من الحبس وبويع له ثانية وبقي سنة وسبعة(234) أشهر وثلاثة وعشرين يوماً ، وقتله طاهر بن الحسين ، ثمّ ملك بعده المأمون - عبد اللَّه المأمون - ابن هارون الرشيد عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوماً واستشهد الرضاعليه السلام في أيّامه(235) .
|
1031 |
|
قال ابن الخشّاب في كتابه مواليد أهل البيت : ولد للرضا خمس بنين وابنة واحدة ، أسماء أولاده : محمّد القانع والحسن وجعفر وإبراهيم والحسين ، والبنت عائشة (فقط) رضوان اللَّه عليهم أجمعين(236) .