حلية الأبرار الجزء الأول

السيد هاشم البحراني

[ 1 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد، فيقول، فقير الله الغني، عبده هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني: إني لما نظرت في كتب الحديث، مما عثرت عليه من القديم والحديث، رأيت أحاديث كثيرة، تتضمن حلية الابرار: محمد وآله الائمة الاثني عشر الاطهار، عليهم أفضل الصلوات وأكمل التحيات، صلوات وتحيات لا يحصيها إلا الواحد القهار. وتلك الاحاديث متبددة لم يحوها سلك نظام، كأنها عقد انفصم، فتناثرت لآليه، ففاته الانتظام. أحببت أن أجمعها في كتاب يسهل تناولها على الطلاب، لان هذا المطلب من أجل المطالب، ومن أنفس نفائس الرغائب، إذ صفاتهم ومزاياهم خارجة عن طوق البشر، وخصالهم في العلم والعمل لا تعد بقدر. اصطفاهم الله جل جلاله من برياته، واختارهم على علم على العالمين، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فهم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، يجب اتباعهم في العلم والعمل، إذ طاعتهم مفروضة على الرعية كملا، إذ بهذه، الآثار والخواص يعلم أنهم المقتدى بهم في الافعال والاقوال، ولا عن ذلك مناص. وهذا الذي أذكر في هذا الكتاب من حليتهم وصفاتهم قليل من كثير،


[ 2 ]

رشحة من ذلك البحر الغزير، لكن به يأنس الطالب، ويكتفي به المحب الراغب. وخدمت به حضرة ذي النفس الزكية، والروح القدسية، المكرم بالرئاسة الانسية، والكرامات السنية، والنفحات البهية، والمطالب العلية، والخصال الحميدة، والصفات المجيدة، ناظورة (1) ديوان الوزارة، الفائز في الكمالات النفسية بالقدح المعلى، المشهور في العوارف باليد الطولى، ظل الله على العالمين (إيماني بيك) ربط الله جل جلاله دولته بأوتاد الخلود، ولا زالت سعوده تتزايد بتزايد الدهور آمين. وسميت الكتاب بحلية الابرار: محمد وآله الائمة الاطهار، وهو مبني على ثلاثة عشر منهجا: المنهج الاول في حلية نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصفاته العليا، وفيه سبعون بابا: الباب الاول في شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته صلى الله عليه وآله في أول الامر. الباب الثاني في مولده الشريف صلى الله عليه وآله. الباب الثالث في توحيده الله سبحانه في حال ولادته، وتيقظه للايمان بالله سبحانه وتعالى في صغره. الباب الرابع في معرفة أهل الكتاب له صلى الله عليه وآله في وقت ولادته أنه النبي المبعوث وخاتم النبيين. الباب الخامس في معرفة أهل الكتاب له صلى الله عليه وآله بالنعت له في كتبهم، وما ظهر لهم من دلائل النبوة في صغره. الباب السادس في دفاع الله سبحانه وتعالى عنه صلى الله عليه وآله الكفار من أهل الكتاب قبل البعثة لما عرفوه بنعته.


(1) الناظور: الامين (جمهرة اللغة: 2 / 760).

[ 3 ]

الباب السابع في بعثته صلى الله عليه وآله. الباب الثامن في ثقل الوحي، وما كان يأخذ رسول الله من الاغماء، إذا كان بغير واسطة جبرائيل عليه السلام. الباب التاسع في كيفية تبليغه الكافة. الباب العاشر في إظهاره صلى الله عليه وآله الدعوة إلى الله ونزوله الشعب. الباب الحادي عشر في نزول الشعب وحماية أبي طالب عليه السلام وما يدل على إيمانه من طريق العامة. الباب الثاني عشر في أذى المشركين له صلى الله عليه وآله. الباب الثالث عشر في قوله تعالى: (إنا كفيناك المستهزءين) (1) وإهلاكه سبحانه الفراعنة. الباب الرابع عشر فيما عمله صلى الله عليه وآله بعد موت عمه أبي طالب قبل الهجرة. الباب الخامس عشر في الهجرة إلى المدينة. الباب السادس عشر وهو من الباب الاول. الباب السابع عشر في صفته صلى الله عليه وآله. الباب الثامن عشر في صفته صلى الله عليه وآله في الانجيل. الباب التاسع عشر في صفته ومدخله ومخرجه ومجلسه وسكنته صلى الله عليه وآله. الباب العشرون في مجلسه للعلم، وقسمته لحظاته صلى الله عليه وآله بين أصحابه وغيرها وتقديم السابق في السؤال. الباب الحادي والعشرون في تواضعه لاهل بيته صلى الله عليه وآله: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام.


(1) الحجر: 95.

[ 4 ]

الباب الثاني والعشرون في تواضعه وحسن خلقه صلى الله عليه وآله. الباب الثالث والعشرون في زهده صلى الله عليه وآله. الباب الرابع والعشرون في زهده صلى الله عليه وآله في المطعم والمشرب والملبس. الباب الخامس والعشرون وهو من الباب الاول. الباب السادس والعشرون من الباب الاول من طريق المخالفين. الباب السابع والعشرون في اجتهاده صلى الله عليه وآله في العبادة. الباب الثامن والعشرون في اجتهاده صلى الله عليه وآله في العبادة من طريق المخالفين. الباب التاسع والعشرون في كيفية صلاته صلى الله عليه وآله صلاة الليل. الباب الثلاثون من الباب الاول من طريق المخالفين. الباب الحادي والثلاثون في خشوعه صلى الله عليه وآله وخوفه من الله تعالى. الباب الثاني والثلاثون في استغفاره وتوبته صلى الله عليه وآله من غير ذنب في كل يوم. الباب الثالث والثلاثون فيما يقوله صلى الله عليه وآله من التحميد إذا أصبح وأمسى. الباب الرابع والثلاثون فيما يقوله صلى الله عليه وآله إذا ورد عليه ما يسره وما يغمه، وعند دخول المسجد وخروجه، وإذا أصبح، وعند النوم والانتباه، وعند هلال شهر رمضان، وعند إفطاره، وإذا أكل من عند أحد، وعند شرب الماء واللبن، وعند الفاكهة الجديدة، وعند ركوب الدابة. الباب الخامس والثلاثون في صيامه صلى الله عليه وآله. الباب السادس والثلاثون في جوده صلى الله عليه وآله.


[ 5 ]

الباب السابع والثلاثون في جوده صلى الله عليه وآله من طريق المخالفين. الباب الثامن والثلاثون أنه صلى الله عليه وآله أشجع الناس من طريق الخاصة والعامة. الباب التاسع والثلاثون في عفوه صلى الله عليه وآله. الباب الاربعون في عفوه صلى الله عليه وآله من طريق المخالفين. الباب الحادي والاربعون في مداعبته وضحكه صلى الله عليه وآله من طريق الخاصة والعامة. الباب الثاني والاربعون في تعظيم الناس له صلى الله عليه وآله في الجاهلية والاسلام من طريق الخاصة والعامة. الباب الثالث والاربعون في حيائه وكفه صلى الله عليه وآله عن المجازاة من طريق الخاصة والعامة. الباب الرابع والاربعون في نصيحته صلى الله عليه وآله وشفقته من طريق الخاصة والعامة. الباب الخامس والاربعون في أنه كان صلى الله عليه وآله يعمل بيده. الباب السادس والاربعون في جلوسه صلى الله عليه وآله. الباب السابع والاربعون في سجداته الخمس للشكر. الباب الثامن والاربعون في صبره صلى الله عليه وآله. الباب التاسع والاربعون في صبره صلى الله عليه وآله من طريق المخالفين. الباب الخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله الطيب. الباب الحادي والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله الخضاب. الباب الثاني والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله الكحل. الباب الثالث والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله السدر والنورة.


[ 6 ]

الباب الرابع والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله السواك والخلال. الباب الخامس والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله الحجامة. الباب السادس والخمسون في المفردات. الباب السابع والخمسون في أنه أولم عند التزويج. الباب الثامن والخمسون في حبه صلى الله عليه وآله النساء، وأكله اللحم والعسل، واستعماله الطيب. الباب التاسع والخمسون في أنه كان صلى الله عليه وآله يحب من اللحم الذراع. الباب الستون في أكله صلى الله عليه وآله مع الضيف. الباب الحادي والستون في أكله صلى الله عليه وآله الهريسة. الباب الثاني والستون فيما أكله صلى الله عليه وآله من الفواكه والرمان وغيره. الباب الثالث والستون في أنه كان صلى الله عليه وآله يعجبه القرع. الباب الرابع والستون في أنه كان صلى الله عليه وآله يعجبه العسل. الباب الخامس والستون في أكله صلى الله عليه وآله الخل والزيت. الباب السادس والستون في اجتنابه صلى الله عليه وآله الطعام الحار. الباب السابع والستون في المفردات. الباب الثامن والستون في قلانسه صلى الله عليه وآله. الباب التاسع والستون في خواتيمه صلى الله عليه وآله وحلية سيفه ودرعه. الباب السبعون في معراجه صلى الله عليه وآله.


[ 7 ]

بسم الله الرحمن الرحيم المنهج الاول في رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، خاتم النبيين وسيد المرسلين، وصفوة رب العالمين صلى الله عليه وآله، وفيه سبعون بابا.


[ 9 ]

1 - محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (1) قدس الله روحه قال: حدثنا الحسن (2) بن محمد بن سعيد الهاشمي (3)، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (4)، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني، قال: حدثني أبو الفضل العباس بن عبد الله البخاري، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا


(1) ابن بابويه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي المشتهر بالصدوق المتوفى سنة (381). (2) الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي: من مشايخ الصدوق، ويروى عن علي بن إبراهيم المفسر القمي الذي كان في عصر الامام الحسن العسكري عليه السلام وبقي إلى سنة (307)، ويروي أيضا عن والد أبي قيراط جعفر بن محمد المتوفى (308) - وعن فرات بن إبراهيم الكوفي، وكان حيا في سنة (354) فإنه حدث في تلك السنة بالكوفة كما نقل الصدوق في " العيون " وحدث عنه أيضا في " العلل " و " كمال الدين " و " الخصال " و " معاني الاخبار " و " الامالي ". (3) قال الصدوق قدس سره في " العيون ": حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي بالكوفة سنة (354). (4) فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي: كان من أكابر علمي الحديث والتفسير في المائة الثالثة والرابعة، فإنه حدث في تفسيره عن جعفر بن محمد بن مالك البزاز الكوفي المتوفى حدود سنة (300)، وأكثر الرواية عن عبيد بن كثير العامري الكوفي المتوفى (294). قال شيخنا وأستاذنا في الرواية العلامة الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ج 4 ص 299. بعد تحقيقات وافية: فيقوى إحتمال أن فرات أدرك أوائل المائة الرابعة.

[ 10 ]

عبد السلام بن صالح الهروي (1)، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما خلق الله خلقا أفضل مني، ولا أكرم عليه مني. قال علي عليه السلام: فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل ؟ فقال صلى الله عليه وآله: يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي، وللائمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا. يا علي " الذين يحملون العرش ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم، ويستغفرون للذين آمنوا " (2) بولايتنا. يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم، ولا حواء، ولا الجنة، ولا النار، ولا السماء، ولا الارض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا، وتسبيحه، وتهليله، وتقديسه ؟ ! لان أول ما خلق الله عزوجل خلق أرواحنا، فأنطقنا بتوحيده وتحميده (3). ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا.


(1) عبد السلام بن صالح الهروي: أبو الصلت المتوفى سنة (236) - لا خلاف بين الخاصة والعامة إلا بعضهم في وثاقته وصدق حديثه، وإنما الخلاف في كونه شيعيا أو عاميا أو إنه اثنان: أحدهما شيعي والآخر عامي: ومن أراد التفصيل فعليه بتنقيح المقال وقاموس الرجال وجامع الرواة. (2) إشارة إلى قوله تعالى في سورة غافر: 7. (3) في الاكمال والعيون: وتمجيده.

[ 11 ]

فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا، لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله، وأنا عبيد، ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله. فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا، لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل (1) إلا به. فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا: لا حول ولا قوة إلا (2) بالله، لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله (3). فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا، وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله، لتعلم الملائكة ما يحق (4) لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته (5)، فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده. ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبة، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما، وكان سجودهم لله عزوجل عبودية، ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون ؟ ! وإنه لما عرج بي إلي السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال: تقدم يا محمد صلى الله عليه وآله، فقلت له: يا جبرئيل أتقدم عليك ؟ فقال: نعم لان الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة، فتقدمت فصليت بهم ولا فخر. فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرائيل: تقدم يا محمد وتخلف عني، فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني ؟ فقال: يا محمد إن (6) انتهاء حدي الذي وضعني الله عزوجل فيه إلى هذا المكان، وإن تجاوزته


(1) في الاكمال: أن الله أكبر من أن ينال، وأنه عظيم المحل. (2) في الاكمال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (3) في الاكمال زيادة: (فقالت الملائكة: لا حول ولا قوة إلا بالله). (4) في الاكمال: ما يحق الله، وفي " العيون " ما يستحق لله. (5) في الاكمال والعيون: نعمة. (6) في الاكمال: فقال: يا محمد إن هذا انتهاء حدي الذي وضعه الله عزوجل لي في هذا المكان.

[ 12 ]

احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جل جلاله فزج بي في النور زجة (1) حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه (2)، فنوديت فقلت: لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت، فنوديت: يا محمد أنت عبدي وأنا ربك، فإياي فاعبد، وعلي فتوكل، فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي على (3) بريتي، لك ولمن تبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولاوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي. فقلت: يا رب ومن أوصيائي ؟ فنوديت: يا محمد أوصيائك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا، في كل نور سطر أخضر، عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم مهدي أمتي. فقلت: يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي ؟ فنوديت: يا محمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك، وخير خلقي بعدك. وعزتي وجلالي لاظهرن بهم ديني، ولاعلين بهم كلمتي، ولاطهرن الارض بآخرهم من أعدائي، ولامكنة (4) مشارق الارض ومغاربها، ولاسخرن له الرياح، ولاذللن له السحاب الصعاب، ولارقينه في الاسباب، ولانصرنه بجندي، ولامدنه بملائكتي حتى تعلو (5) دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لاديمن ملكه، ولاداولن الايام بين أوليائي إلى يوم القيامة (6).


(1) في " العلل " كما في " الكتاب ": فزج بي في النور زجة (بالزاي المعجمة والجيم المشددة) - يقال: زج بالشئ أي رماه، وفي " الاكمال " و " العيون ": فزخ بي في النور زخة (بالزاي المعجمة والخاء المشددة) - يقال: زخ به أي سار به سيرا عنيفا. (2) في الاكمال: حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله عزوجل من ملكوته. (3) في الاكمال: في بريتي. (4) في " الاكمال " و " العيون ": ولاملكنه، وفي العلل: ولامكننه. (5) في " الاكمال " و " العيون ": حتى يعلن. (6) عيون أخبار الرضا عليه السلام الباب (26) الحديث (22) - وكمال الدين وتمام النعمة ط =

[ 13 ]

2 - محمد بن خالد الطيالسي (1)، ومحمد بن عيسى بن عبيد (2)، بإسنادهما عن جابر بن يزيد الجعفي (3)، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام: كان الله ولا شئ غيره، ولا معلوم ولا مجهول، فأول ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمدا صلى الله عليه وآله، وخلقنا أهل البيت


= مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين ص 254 - 256 - الباب (23) الحديث (4) - وعلل الشرائع ط النجف الاشرف ص 5 - 7 - الباب (7) - الحديث (1) وأخرجه في البحار ج 26 / 335 ح 1 وج 60 / 303 ح 16 عن العيون والاكمال والعلل، وأخرجه القندوزي في الينابيع: 485. ولا يخفى أن هذا الحديث بعين السند والمتن يأتي في المنهج الثاني في الباب (45) تحت عنوان أن أمير المؤمنين وبنيه الائمة عليهم السلام أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. (1) محمد بن خالد الطيالسي أبو عبد الله التميمي الكوفي توفي سنة (259) وهو ابن (97) سنة وعده الشيخ الطوسي تارة من أصحاب الكاظم عليه السلام، وأخرى ممن لم يرو عنهم، وقال في " الفهرست " له كتاب رويناه عن الحسين بن عبد الله.. الخ. (2) محمد بن عيسى بن عبيد: بن يقطين أبو جعفر العبيدي اليقطيني، قال النجاشي في " الرجال " ص 235: جليل في أصحابنا، ثقة عين كثير الرواية، حسن التصانيف، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة ومشافهة، وقال الكشي: كان الفضل بن شاذان يحب العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه ويقول: ليس في أقرانه مثله. وقال التستري في " القاموس " ج 8 ص 332: لم نقف على ما قاله النجاشي من روايته عن الجواد عليه السلام لا مكاتبة ولا مشافهة وإنما وجد روايته مكاتبة عن الهادي عليه السلام ونقل عن الكشي أنه قال: العبيدي أصغر من أن يروي عن ابن محبوب. مع أن الحسن بن محبوب، مات في آخر سنة (224) والمشهور أن وفاة الامام الجواد عليه السلام في سنة (220) فكيف يروي عنه عليه السلام. وقال التستري أيضا: أول من ضعف العبيدي ابن الوليد وتبعه ابن بابويه لحسن ظنه به وتبع ابن بابويه الشيخ الطوسي لحسن ظنه به وحينئذ فكأن المضعف منحصر بابن الوليد وأما من تقدم عليه أو من عاصره أو من تأخر عنه غير تابعيه فمجمعون على جلاله ويكفي في فضله ثناء مثل الفضل عليه. (3) جابر بن يزيد الجعفي: أبو عبد الله لقي الامامين الهمامين الصادقين أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام، وروي أنه روى عن الباقر عليه السلام سبعين ألف حديث - وروى الكشي وغيره أحاديث كثيرة تدل على مدحه وتوثيقه - وروى فيه ذم يصلح الجواب عنه بما روي في زرارة، توفي بالكوفة سنة (128).

[ 14 ]

معه من نور عظمته، فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه، لا سماء (1)، ولا أرض، ولا مكان، ولا ليل، ولا نهار، ولا شمس، ولا قمر، يفصل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس، نسبح الله تعالى ونقدسه، ونحمده ونعبده حق عبادته، ثم بدا لله تعالى أن يخلق المكان فخلقه، وكتب على المكان: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين وصيه، به أيدته، وبه نصرته. ثم خلق الله العرش، فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك. ثم خلق السموات، فكتب على أطرافها مثل ذلك، ثم خلق الجنة والنار، فكتب عليهما مثل ذلك، ثم خلق الله الملائكة وأسكنهم السماء، ثم (2) تراءى لهم الله تعالى، وأخذ منهم الميثاق له بربوبيته، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، ولعلي عليه السلام بالولاية، فاضطربت فرائص (3) الملائكة، فسخط الله تعالى على الملائكة، واحتجب عنهم، فلاذوا بالعرش سبع سنين، يستجيرون الله من سخطه، ويقرون بما أخذ عليهم، ويسألونه الرضا فرضي عنهم بعد ما أقروا بذلك، فأسكنهم بذلك الاقرار السماء، واختصهم لنفسه، واختارهم لعبادته. ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا، ولولا تسبيح أنوارنا مادروا كيف يسبحون الله، ولا كيف يقدسونه. ثم إن الله خلق الهواء فكتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين وصيه، به أيدته، وبه نصرته. ثم الله تعالى خلق الجن، فأسكنهم الهواء، وأخذ الميثاق منهم له


(1) في " بحار الانوار ": حيث لا سماء. (2) تراءى له: تصدى له ليراه، قيل: المراد أن الله عزوجل عرف نفسه لهم فعرفوه. (3) الفرائص: جمع الفريصة وهي كما في " المنجد " اللحمة بين الجنب والكتف أو بين الثدي والكتف ترعد عند الفزع، يقال: ارتعدت فريصته أي فزع فزعا شديدا.

[ 15 ]

بالربوبية، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، ولعلي عليه السلام بالولاية، فأقر منهم بذلك من أقر، وجحد منهم من جحد، فأول من جحد إبليس لعنه الله، فختم له بالشقاوة وما صار إليه. ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحت، فسبحوا بتسبيحنا، ولولا ذلك ما دروا كيف يسبحون الله. ثم خلق الله الارض فكتب على أطرافها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين وصيه، به أيدته، وبه نصرته، فبذلك يا جابر قامت السموات بلا عمد، وثبتت الارض. ثم خلق الله تعالى آدم عليه السلام من أديم الارض، ونفخ فيه من روحه، ثم أخرج ذريته من صلبه، فأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، ولعلي عليه السلام بالولاية، أقر منهم من أقر، وجحد منهم من جحد، فكنا أول من أقر بذلك. ثم قال لمحمد صلى الله عليه وآله: وعزتي وجلالي وعلو شأني لولاك ولولا علي وعترتكما الهادون والمهديون الراشدون ما خلقت الجنة، ولا النار، ولا المكان، ولا الارض، ولا السماء، ولا الملائكة، ولا خلقا يعبدني. يا محمد أنت حبيبي وخليلي وصفيي وخيرتي من خلقي، أحب الخلق إلي، وأول من ابتدأت من خلقي. ثم من بعدك الصديق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وصيك به أيدتك ونصرتك، وجعلته العروة الوثقى، ونور أوليائي، ومنار الهدى، ثم هؤلاء الهداة المهتدون، من أجلكم ابتدأت خلق ما خلقت، فأنتم خيار خلقي وأحبائي وكلماتي وأسمائي الحسنى، وأسبابي، وآياتي الكبرى، وحجتي (1) فيما بيني وبين خلقي، خلقتكم من نور عظمتي، واحتجبت بكم عن من سواكم من خلقي، أستقبل بكم وأسأل بكم، فكل شئ هالك إلا وجهي، وأنتم


(1) ليس في البحار كلمات: (وأحبائي وكلماتي وأسمائي الحسنى وأسبابي وآياتي الكبرى وحجتي).

[ 16 ]

وجهي، لا تبيدون، ولا تهلكون، ولا يهلك، ولا يبيد من تولاكم، ومن استقبلني بغيركم فقد ضل وهوى، وأنتم خيار خلقي، وحملة سري، وخزان علمي، وسادة أهل السموات وأهل الارض. ثم إن الله تعالى هبط إلى الارض (1) في ظلل من الغمام والملائكة وأهبط أنوارنا أهل البيت معه، فأوقفنا صفوفا بين يديه، نسبحه في أرضه، كما سبحناه في سمائه، ونقدسه في أرضه، كما قدسناه في سمائه، ونعبده في أرضه، كما عبدناه في سمائه. فلما أراد الله إخراج ذرية آدم عليه السلام لاخذ الميثاق، سلك النور فيه، ثم أخرج ذريته من صلبه يلبون، فسبحنا فسبحوا بتسبيحنا، ولولا ذلك لما دروا كيف يسبحون الله عزوجل، ثم تراءى لهم لاخذ الميثاق منهم بالربوبية، فكنا أول من قال: بلى عند قوله: الست بربكم ؟ ثم أخذ الميثاق منهم بالنبوة لمحمد صلى الله عليه وآله، ولعلي عليه السلام بالولاية، فأقر من أقر، وجحد من جحد. ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فنحن أول خلق ابتدء الله، وأول خلق عبد الله، وسبحه، ونحن سبب خلق الخلق، وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والادميين، فبنا عرف الله، وبنا وحد الله، وبنا عبد الله. وبنا أكرم الله من أكرم من جميع خلقه، وبنا أثاب الله من أثاب، وعاقب من عاقب، ثم تلا قوله تعالى: (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) (2) وقوله تعالى: (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) (3). فرسول الله صلى الله عليه وآله أول من عبد الله، وأول من أنكر أن يكون له ولد أو شريك، ثم


(1) لعل نسبة الهبوط إليه تعالى للتشريف وعظمة ما أهبطه، وكناية عن أمره وتوجهه إلى الارض لجعل الخليفة فيه، ولعل الصحيح كما في نسخة أخرى: (اهبط إلى الارض ظللا من الغمام). (2) الصافات: 165 - 166. (3) الزخرف: 81.

[ 17 ]

نحن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم أودعنا بعد ذلك صلب آدم عليه السلام فما زال ذلك النور ينتقل من الاصلاب والارحام، من صلب إلى صلب، ولا استقر في صلب إلا تبين عن الذي انتقل منه انتقاله، وشرف الذي استقر فيه، حتى صار في عبد المطلب، فوقع بأم عبد الله فاطمة، فافترق النور جزئين: جزء في عبد الله، وجزء في أبي طالب عليه السلام، فذلك قوله تعالى: (وتقلبك في الساجدين) (1) يعني في أصلاب النبيين وأرحام نسائهم، فعلى هذا أجرانا الله تعالى في الاصلاب والارحام (2)، حتى أخرجنا في أوان عصرنا وزماننا، فمن زعم أنا لسنا ممن جرى في الاصلاب والارحام، وولدنا الآباء والامهات فقد كذب (3). 3 - محمد بن يعقوب (4)، عن الحسين بن محمد الاشعري (5) عن معلى بن


(1) الشعراء: 219. (2) في " البحار " بعد كلمة " والارحام ": وولدنا الآباء والامهات من لدن آدم عليه السلام - وليس فيه إضافة: " حتى أخرجنا في أوان عصرنا وزماننا، فمن زعم أنا لسنا ممن جرى في الاصلاب والارحام، وولدنا الآباء والامهات فقد كذب ". ولا يخفى أن المؤلف الجليل لم يذكر المصدر الذي روى الحديث عنه، ويمكن أن المصدر " رياض الجنان " كما أخرج الحديث عنه العلامة المجلسي قدس سره في البحار ج 25 ص 17 ح 31 - وأخرج أيضا قطعة منه في ج 15 / 23 ح 41 - وج 57 / 169 ح 112 ولكن ليس فيما أخرجه رجال الحديث أي (محمد بن خالد ومحمد بن عيسى) بل أخرجه مرفوعا إلى جابر. وأما كتاب " رياض الجنان " فهو كتاب يشتمل على أخبار غريبة في المناقب غير مطبوع إلى الآن، وكان من مصادر البحار، وأما مؤلفه فهو الشيخ الاجل فضل الله بن محمود الفارسي، كان فاضلا فقيها، وعالما كاملا نبيها - ومعاصرا للشيخ الطوسي، وكان من تلامذة أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي الذي كان حيا قبل سنة (360). (3) البحار ج 25 - و 15 - و 57 كما تقدم. (4) محمد بن يعقوب: أبو جعفر الكليني صاحب الكافي ألفه في مدة (20) سنة هو أشهر وأجل من أن يعرف. توفي ببغداد سنة (329). (5) الحسين بن محمد الاشعري القمي من أجلاء مشايخ الكليني - جامع الرواة ج 1 / 225.

[ 18 ]

محمد (1)، عن أبي الفضل عبد الله بن إدريس (2)، عن محمد بن سنان (3)، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة عليهم السلام، فمكثوا ألف دهر (4)، ثم خلق جميع الاشياء، فأشهدهم خلقها (5)، وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورها إليهم فهم يحلون ما يشاؤون، ويحرمون ما يشاؤون (6)، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى. ثم قال: يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق (7)، ومن تخلف عنها محق (8)، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد (9).


(1) المعلى بن محمد: أبو الحسن البصري روى عنه الصدوق بواسطة والده وأستاذه ابن الوليد. (2) أبو الفضل عبد الله بن إدريس: الخزاز، له كتاب روى عنه الشيخ بالاسناد. (3) محمد بن سنان: أبو جعفر الزاهري روى عن الكاظم والرضا والجواد والهادي عليهم السلام، توفي بالكوفة سنة (220). (4) الدهر: الزمان - الزمان الطويل - ألف سنة. (5) فأشهدهم خلقها: أي خلقها بحضرتهم، قال المجلسي قدس سره في " مرآة العقول " ج 5 / 191: فإن قيل: كيف يستقيم هذا مع قوله تعالى: (ما أشهدتهم خلق السماوات والارض) ؟ قلنا: لا ينافي ذلك لان الضمير في (ما أشهدتهم) راجع إلى الشيطان وذريته أو إلى المشركين فلا ينافي اشهاد الهادين للخلق. (6) فهم يحلون ما يشاؤون: فوض الله تعالى أمورها إليهم لبيان علمهم بجميع الامور بحيث لا يتوقفون في شئ منها، وإحلالهم وتحريمهم يستحيل أن يتعلق بشئ إلا بعد علمهم بإحلال الله وتحريمه. وهذا معنى قوله: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) - مرآة العقول -. (7) مرق: خرج من الاسلام. (8) محق (بفتح الميم والحاء المهملة): أبطل دينه و (بضم الميم وكسر الحاء): بطل. (9) الكافي ج 1 / 441 ح 5 وعنه البحار 15 / 19 ح 29 وج 57 / 195 ح 141 وأخرجه في البحار ج 25 / 25 ح 44 عن مشارق الانوار: 41.

[ 19 ]

4 - وعنه (1)، عن الحسين (2)، عن محمد بن عبد الله (3)، عن محمد بن سنان، عن المفضل (4)، عن جابر بن يزيد، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا جابر إن الله تبارك وتعالى أول ما خلق، خلق محمدا صلى الله عليه وآله وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله. قلت: وما الاشباح ؟ قال: ظل النور، أبدان نورانية بلا أرواح، وكان مؤيدا بروح واحدة، وهي روح القدس فيه كان يعبد الله، وعترته (5)، ولذلك خلقهم حلماء علماء، بررة أصفياء، يعبدون الله بالصلوة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل، ويصلون الصلوات، ويحجون، ويصومون عليهم السلام (6).


(1) الظاهر أن الذي روى الحديث عنه الكليني بلا واسطة حذف من السند في النسخ المطبوعة. والصحيح هو الذي ذكره المجلسي قدس سره في " البحار " ج 57 ص 197 في باب حدوث العالم ح 144 - قال: الكافي: عن أحمد بن إدريس - عن الحسين بن عبد الله، عن محمد بن عبد الله.. الخ. وكذا في ج 15 ص 25، وأحمد بن إدريس كان من أجلاء مشايخ الكليني، وترجمته موجودة في تراجم الرجال مثل رجال النجاشي ص 67 والفهرست ص 50 وخلاصة الرجال ص 9 وجامع الرواة ج 1 ص 40 وقالوا في ترجمته: أحمد بن إدريس أبو علي الاشعري القمي كان ثقة في أصحابنا فقيها، كثير الحديث، صحيح الرواية وتوفي بالقرقاء (منهل بطريق مكة) سنة (306). (2) الحسين بن عبد الله، أو عبيدالله الصغير، لم يعرف حاله إلا أن جمعا من المحدثين الاجلاء حدثوا عنه كأحمد بن إدريس المذكور قبيل هذا، وسعد بن عبد الله الاشعري القمي المتوفى سنة (301) وغيرهما. (3) محمد بن عبد الله بن زرارة - فاضل دين، كثير الحديث كما قال النجاشي في ضمن ترجمة الحسن بن علي بن فضال. (4) المفضل بن عمر الجعفي، وثقه المفيد في الارشاد وجعله من شيوخ أصحاب الصادق عليه السلام - وفيه قول آخر يعرف من تنقيح المقال ج 3 ص 238. (5) أي وعترته أيضا كانوا مؤيدين بروح القدس. (6) الكافي ج 1 / 442 - وعنه البحار ج 15 / 25 ح 47 - وج 57 / 197.

[ 21 ]

1 - الشيخ الطوسي (1) في تهذيبه، عن أبي عبد الله بن عياش (2) قال: حدثني أحمد بن زياد الهمداني (3)، وعلي بن محمد التستري (4)، قالا: حدثنا محمد بن الليث المكي، قال: حدثني أبو إسحاق بن عبد الله العريضي (5)، قال: وحك في صدري ما الايام التي تصام ؟ فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد عليهما السلام، وهو بصريا (6)، ولم أبد ذلك لاحد من خلق الله،


(1) الشيخ الطوسي: محمد بن الحسن بن علي من أجلاء علمائنا الموثقين توفي سنة (460)، وله مصنفات قيمة تناهز (200) مصنف منها " تهذيب الاحكام " في شرح المقنعة لاستاذه المفيد، ابتدأ بتأليفه وهو ابن (25) سنة، وأورد فيه (13590) حديثا. (2) أبو عبد الله بن عياش: أحمد بن محمد بن عبيدالله بن الحسن بن عياش الجوهري له مصنفات منها مقتضب الاثر في عدد الائمة الاثني عشر، توفي سنة (401). (3) أحمد بن زياد الهمداني: بن جعفر، من العلماء الموثقين، وقد أكثر الصدوق في الرواية عنه. (4) علي بن محمد التستري بن زياد، قال التستري في القاموس ج 7 / 49: الظاهر أنه علي بن محمد بن عيسى بن زياد القيسي، وهو منسوب إلى تستر أحد طساسيج الكوفة وأول من نزلها من البصرة عيسى بن زياد جده في فتنة إبراهيم بن عبد الله الحسني. (5) أبو إسحاق بن عبد الله العريضي، أو إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي وعلى أي نحو هو مجهول كما أن محمد بن الليث المكي أيضا مجهول. (6) صريا: قرية أسسها موسى بن جعفر عليهما السلام على ثلاثة أميال من المدينة، وبها ولد الامام الهادي عليه السلام. (*)

[ 22 ]

فدخلت عليه فلما بصر بي، قال عليه السلام يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الايام التي يصام فيهن وهي الاربعة: أولهن اليوم السابع والعشرون من رجب، يوم بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله إلى خلقه رحمة للعالمين، ويوم مولده بمكة، وهو السابع عشر من شهر ربيع الاول، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، فيه دحيت الكعبة، ويوم الغدير، فيه أقام رسول الله صلى الله عليه وآله أخاه عليا عليه السلام علما للناس، وإماما من بعده، قلت: صدقت جعلت فداك لذلك قصدت، أشهد أنك حجة الله على خلقه (1). 2 - ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي (2)، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله (3)، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (4)، عن أبان بن عثمان (5)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان إبليس لعنه الله يخترق السموات السبع، فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلث سموات، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله حجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه. وقال عمرو بن أمية: وكان من أزجر (6) أهل الجاهلية: أنظروا هذه النجوم التي تهتدى بها وتعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمي بها فهو


(1) التهذيب ج 4 / 305 ح 4 وعنه الوسائل ج 7 / 324 ح 3 وص 330 ح 6 وص 332 ح 6 وص 335 ح 1 تقطيعا. (2) علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي من شيوخ الصدوق ويروي عنه كثيرا في كتبه. (3) أحمد بن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي توفي سنة (274) - أو سنة (280). (4) أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي الكوفي لقى الرضا والجواد عليهما السلام، توفي سنة (221). (5) أبان بن عثمان بن أحمد البجلي الكوفي البصري، روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام. (6) الزجر للطير: التيمن والتشؤم بطيرانها.

[ 23 ]

هلاك كل شئ، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث، وأصبحت الاصنام كلها صبيحة ولد النبي ليس منهم صنم إلا وهو منكب على وجهه، وارتجس (1) في تلك الليلة أيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشر شرفة (2)، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة، وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الموبذان (3) في تلك الليلة في المنام إبلا صغيرا تقود خيلا عرابا (4) قد قطعت دجلة، وانسربت في بلادهم. وانفصم طاق الملك كسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء (5) وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا، والملك مخرسا، لا يتكلم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة، ولم يبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب، وسموا آل الله عزوجل. قال أبو عبد الله عليه السلام: إنما سموا آل الله لانهم في بيت الله الحرام. وقالت آمنة: إن ابني والله سقط فاتقى الارض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نور أضاء له كل شئ، وسمعت في الضوء قائلا يقول: إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمدا صلى الله عليه وآله وأتي به عبد المطلب لينظر إليه، وقد بلغه ما قالت أمه، فأخذه ووضعه في حجره ثم قال:


(1) ارتجس: اضطرب بحيث يسمع منه الصوت الشديد. (2) الشرفة (بفتح الحروف): مثلثة أو مربعة تبنى في أعلى السور أو القصر. (3) المؤبذان (بضم الميم وفتح الباء الموحدة): حاكم المجوس - كلمة فارسية -. (4) الخيل العراب (بكسر العين) كرائم سالمة من الهجنة. (5) دجلة العوراء: قال المجلسي قدس سره: إن كسرى سكر بعض الدجلة وبنى عليها بناء. فوصفوا الدجلة بعد ذلك بالعوراء لانه عود وطم بعضها وانهدم بنيانه.

[ 24 ]

الحمد لله الذي أعطاني * هذا الغلام الطيب الاردان (1) قد ساد في المهد على الغلمان ثم عوذه (2) بأركان الكعبة وقال فيه أشعارا. قال: وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه، وقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا ؟ فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السموات والارض منذ الليلة، لقد حدث في الارض حدث عظيم، ما حدث مثله منذ رفع (3) الله عيسى بن مريم عليه السلام، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث ؟ فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئا. فقال إبليس لعنه الله: أنا لهذا الامر، ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوفا بالملائكة، فذهب ليدخل، فصاحوا به، فرجع ثم صار مثل الصر (4)، وهو العصفور، فدخل من قبل حراء (5) وقال له جبرئيل: وراك لعنك الله، فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الارض ؟ فقال له: ولد محمد صلى الله عليه وآله، فقال له: هل لي فيه نصيب ؟ قال: لا. قال: في أمته ؟ قال: نعم، قال: رضيت (6).


(1) الاردان: جمع الردن (بضم الراء) وهو أصل الكم، ولعله إنما خصهما بالطيب لان الرائحة الخبيثة غالبا تكون فيها لمجاورتها للاباط. (2) عوذه بأركان الكعبة: أي مسحه بها، أو دعا له عندها، أو كتب أسمائها وعلقها عليه صلى الله عليه وآله. (3) في نسخة من الامالي: منذ ولد عيسى بن مريم. (4) الصر (بكسر الصاد وتشديد الراء): طائر كالعصفور، أصفر. (5) الحراء (بكسر الحاء) جبل في جزيرة العرب شمال شرقي مكة، فيه غار اختفى فيه النبي صلى الله عليه وآله في عودته من الطائف حتى استطاع دخول مكة، وتعرف أيضا بجبل النور. (6) أمالى الصدوق ص 235 ح 1 - وعنه البحار ج 15 / 257 ح 9 وأورده ابن شهر اشوب في المناقب ج 1 / 30 - 31 محتصرا.

[ 25 ]

3 - وعنه قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (1) رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم (2)، عن أبيه إبراهيم بن هاشم (3)، عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر (4)، عن ليث بن سعد (5)، قال: قلت لكعب (6)، وهو عند معاوية: كيف تجدون صفة مولد النبي صلى الله عليه وآله وهل تجدون لعترته فضلا ؟ فالتفت كعب إلى معاوية (7) لينظر كيف هواه، فأجرى الله


(1) محمد بن موسى بن المتوكل: من الموثقين. روى عن عبد الله بن جعفر الحميري. وروى عنه الصدوق. وثقه العلامة في الخلاصة ص 73 وابن داود في رجاله ص 337. (2) علي بن إبراهيم: بن هاشم القمي من شيوخ الكليني، ثقة في الحديث، ثبت معتمد صحيح المذهب. سمع فأكثر وصنف كتبا وأضر في وسط عمره، كان في عصر الامام الحادي عشر الحسن العسكري عليه السلام وبقي إلى سنة (307)، فإن حمزة بن محمد بن أحمد أخبر عنه أنه أخبره في سنة (307) كما عن الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام. (3) إبراهيم بن هاشم: أبو إسحق القمي أول من نشر حديث الكوفيين بقم - وقالوا: أنه لقى الرضا عليه السلام، ويفهم توثيقه من أول تفسير ولده علي بن إبراهيم حيث قال: ونحن ذاكرون ومخبرون ما انتهى إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عز الدين فرض الله طاعتهم. وروايته فيه عن غير أبيه قليلة جدا. (4) زياد بن المنذر: أبو الجارود الهمداني الكوفي الزيدي كان من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام. وروى عن الصادق عليه السلام أيضا ولكن لما خرج زيد تغير. لم يرد فيه توثيق بوجه. بل ذموه وضعفوه عن ابن الغضائري أنه قال: حديثه في أصحابنا أكثر، منه في الزيدية وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه، مات سنة (150)، وولد أعمى وما رأى الدنيا قط. (5) ليث بن سعد ليس له ذكر في كتب التراجم التي عندنا. (6) كعب: الاحبار بن ماتع الحميري التابعي، كان من كبار علماء اليهود في اليمن وأسلم في زمن أبي بكر أو عمر وقدم المدينة في حكومة عمر، وخرج إلى الشام فسكن حمص وتوفي فيها سنة (32) عن (104) سنة، وليعلم أن أخبار كعب الاحبار ليس لها قيمة عند أولي الابصار لانه عند الفريقين كان من الكاذبين. قال ابن أبي الحديد في شرحه ج 1 ص 342: روى جماعة من أهل السير أن عليا عليه السلام كان يقول في كعب الاحبار: إنه الكذاب. كان كعب يخبر عن أخبار كاذبة بحيث منعه عمر عن التحديث وقال له: لتتركن الحديث ولالحقنك بأرض دوس - تاريخ ابن كثير ج 8 ص 106. (7) معاوية: بن أبي سفيان أسلم ظاهرا يوم فتح مكة - وجعل من كتاب النبي صلى الله عليه = (*)

[ 26 ]

على لسانه، فقال: هات يا أبا اسحاق رحمك الله ما عندك، فقال كعب: إني قرأت اثنين وسبعين كتابا كلها أنزلت من السماء، وقرأت صحف دانيال كلها، فوجدت في كلها ذكر مولده، وذكر مولد عترته، وأن إسمه لمعروف، وإنه لم يولد نبي قط فنزلت عليه الملائكة ما خلا عيسى وأحمد صلوات الله عليهما، وما ضرب على آدمية حجب الجنة غير مريم وآمنة أم أحمد، وما وكلت الملائكة بانثى حملت غير مريم أم المسيح، وآمنة أم أحمد عليهما السلام. وكان من علامة حمله أنه لما كانت الليلة التي حملت آمنة به عليه السلام نادى مناد في السموات السبع: أبشروا، فقد حمل الليلة بأحمد، وفي الارضين كذلك حتى في البحور، وما بقي يومئذ في الارض دابة تدب ولا طاير يطير إلا علم بمولده، ولقد بني في الجنة ليلة مولده سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر، وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب، فقيل: هذه قصور الولادة. ونجدت الجنان وقيل لها: اهتزي وتزيني فإن نبي أوليائك قد ولد، فضحكت الجنة يومئذ، فهي ضاحكة إلى يوم القيمة. وبلغني أن حوتا من حيتان البحر يقال له طموسا، وهو سيد الحيتان، له سبعمائة ألف ذنب يمشي على ظهره سبعمائة ألف ثور، الواحد منهم أكبر من الدنيا، لكل ثور سبعمائة ألف قرن من زمرد أخضر، لا يشعر (1) بهن، إضطرب فرحا لمولده ولولا أن الله تبارك وتعالى ثبته لجعل عاليها سافلها. ولقد بلغني أن يومئذ ما بقي جبل إلا نادى صاحبه بالبشارة ويقول: لا إله إلا الله، ولقد خضعت الجبال كلها لابي قبيس كرامة لمحمد صلى الله عليه


= وآله، ولما ولي أبو بكر ولاه قيادة جيش تحت أمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان - ولما ولي عمر جعله واليا على الاردن ثم جعله واليا على دمشق. إلى أن قتل عثمان فعزله أمير المؤمنين عليه السلام، فنشبت الحروب الطاحنة - وانتهى الامر إلى التحكيم، ودامت الخلافة له بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام إلى سنة (60) ه‍ - فهلك فيها. (1) هذه القصة من أعجب القصص الخرافية، ألم يشعر الجاعل الذي جعلها إن حوتا على ظهره سبعمائة ألف ثور الواحدة منها أكبر من الدنيا كيف يمكن أن يكون في بحر من الدنيا ؟ !

[ 27 ]

وآله، ولقد قدست الاشجار أربعين يوما بأنواع أفنائها (1) وثمارها فرحا بمولده صلى الله عليه وآله، ولقد ضرب بين السماء والارض سبعون عمودا من أنواع الانوار لا يشبه كل واحد صاحبه، ولقد بشر آدم بمولده صلى الله عليه وآله فزيد في حسنه سبعين ضعفا، وقد كان وجد مرارة الموت وكان قد مسه ذلك فسري (2) عنه ذلك، ولقد بلغني أن الكوثر اضطرب في الجنة واهتز، فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا لمولد محمد صلى الله عليه وآله. ولقد زم (3) ابليس وكبل (4) وألقي في الحصن أربعين يوما وغرق عرشه أربعين يوما، ولقد تنكست الاصنام كلها وصاحت وولولت، ولقد سمعوا صوتا من الكعبة: يا آل قريش جاءكم البشير، جاءكم النذير، معه العز الابد، والربح الاكبر، وهو خاتم الانبياء. ونجد في الكتب أن عترته خير الناس بعده، وأنه لا يزال الناس في أمان من العذاب ما دام من عترته في دار الدنيا خلق يمشي. فقال معاوية: يا أبا اسحاق ومن عترته ؟ قال كعب: ولد فاطمة، فعبس وجهه، وعض على شفتيه، وأخذ يعبث بلحيته، فقال كعب: وإنا نجد صفة الفرخين المستشهدين وهما فرخا فاطمة، يقتلهما شر البرية، قال: ومن يقتلهما ؟ قال: رجل من قريش، فقال معاوية: قوموا إن شئتم، فقمنا (5). 4 - محمد بن يعقوب، عن حميد بن زياد (6)، عن محمد بن أيوب (7)، عن


(1) الافنان: الاغصان. (2) فسري عنه: انكشف. (3) الزم: الشد (4) الكبل: القيد الضخم. (5) الامالي: ص 356 - وص 357 - المجلس (88) - وعنه البحار ج 15 ص 261 وص 262 ح 12. (6) حميد بن زياد: أبو القاسم الكوفي من ثقاة العلماء الاجلاء، توفي سنة (310) أو (320). (7) محمد بن أيوب: بن نوح، روى الصدوق في " الاكمال " حديثا على اختصاصه بالعسكري =

[ 28 ]

محمد بن زياد (1)، عن أسباط بن سالم (2)، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: كان حيث طلقت (3) آمنة بنت وهب (4) وأخذها المخاض بالنبي صلى الله عليه وآله حضرتها فاطمة (5) بنت أسد امرأة أبي طالب، فلم تزل معها حتى وضعت، فقالت إحديهما للاخرى: هل ترين ما أرى ؟ قالت: وما ترين ؟ قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب، فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب، فقال لهما: ما لكما ؟ من أي شئ تعجبان ؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت، فقال لها أبو طالب: ألا أبشرك ؟ فقالت: بلى، فقال: أما إنك ستلدين غلاما يكون وصي هذا المولود (6). (5) وعنه، عن محمد بن يحيى (7) عن سعد بن عبد الله (8)، عن إبراهيم بن محمد الثقفي (9)، عن علي بن المعلي، عن أخيه محمد، عن


= عليه السلام. (1) محمد بن زياد: هو محمد بن أبي عمير البغدادي أدرك الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام وروى عن مائة من أصحاب الصادق عليه السلام، وتوفي سنة (217). (2) أسباط بن سالم: الكوفي روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام، وله أصل رواه عنه ابن أبي عمير. (3) طلقت (بضم الطاء وكسر اللام): أصابها وجع الولادة. (4) آمنة بنت وهب: بن عبد مناف كانت أفضل امرأة في قريش نسبا ومكانة توفيت بالابداء سنة (45) ق. ه‍. (5) فاطمة بنت أسد: بن هاشم بن عبد مناف والدة أمير المؤمنين عليهما السلام توفيت بالمدينة. (6) الكافي ج 8 / 302 ح 460 - وعنه البحار ج 15 / 295 ح 30. (7) محمد بن يحيى: أبو جعفر العطار القمي من العلماء الاجلاء الثقاة في القرن الثالث. (8) سعد بن عبد الله: بن أبي خلف الاشعري القمي من فقهائنا الاجلاء توفي سنة (299) أو (300) أو (301). (9) إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي الاصبهاني كان زيديا ثم انتقل إلى القول بالامامة وصنف كتاب " المعرفة ".

[ 29 ]

درست بن أبي منصور (1)، عن علي بن أبي حمزة (2)، عن أبي بصير (3)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما ولد النبي صلى الله عليه وآله، مكث أياما ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا، فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها (4).


(1) درست (بضم الدال والراء المهملتين) بن أبي منصور الواسطي روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام. (2) علي بن أبي حمزة: سالم أبو الحسن البطاشي الكوفي من أكابر الواقفة. (3) أبو بصير: يحيى بن القاسم الاسدي الكوفي روي عن الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام وتوفي سنة (150). (4) الكافي ج 1 / 448 ح 27 - وعنه البحار ج 15 / 340 ح 11.

[ 31 ]

1 - الشيخ أحمد بن علي الطبرسي (1) في كتاب " الاحتجاج " قال: روي عن موسى بن جعفر عليهما السلام عن أبيه: عن آبائه، عن الحسين بن علي عليهم السلام، قال: إن يهوديا من يهود الشام وأحبارهم، كان قد قرأ التوراة والانجيل والزبور، وصحف الانبياء عليهم السلام، وقد عرف دلائلهم، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وفيهم علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن سعيد الجهني (2). فقال: يا أمة محمد ما تركتم لنبي درجة ولا لمرسل فضيلة إلا نحلتموها نبيكم، فهل تجيبوني عما أسألكم عنه ؟ فكاع (3) القوم عنه.


(1) أحمد بن علي الطبرسي: بن أبي طالب، أبو منصور من أعلام القرن السادس كان مؤرخا وفقيها، ومحدثا، له عدة كتب منها " الاحتجاج " وأخطأ من نسب هذا الكتاب إلى أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، صاحب " مجمع البيان " المتوفي سنة (548). ونشأ الخطأ اشتراكهما في اللقب والعصر وفي أنهما من شيوخ ابن شهر اشوب المتوفى (588). (2) ابن سعيد الجهني: في النسخة المطبوعة ببيروت بتعليقات الخرسان: (أبو سعيد) ولكن كلاهما مصحف، وإنما الصحيح (أبو معبد الجهني) وهو عبد الله بن حكيم (بالحاء المهملة) أو عكيم (بالعين المهملة) أدرك النبي صلى الله عليه وآله ولكن لا يعرف له سماع. (3) كاع يكيع كيعا عنه: جبن عنه وهابه. (*)

[ 32 ]

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: نعم ما أعطى الله نبيا درجة، ولا مرسلا فضيلة، إلا وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه وآله، وزاد محمدا صلى الله عليه وآله على الانبياء أضعافا مضاعفة. وساق الحديث مما ذكره اليهودي مما أعطى الله سبحانه الانبياء، وأمير المؤمنين عليه السلام يذكر ما أعطى الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وآله وزاده عليهم إلى أن قال اليهودي: فإن هذا عيسى بن مريم، يزعمون أنه تكلم في المهد صبيا. قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله سقط من بطن أمه، واضعا يده اليسرى على الارض، ورافعا يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد. فقال (1) له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى، وأحاطت دلالته بعلم الايمان به. قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، وأعطي محمد صلى الله عليه وآله أفضل من ذلك، قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى وأحاطت دلالته بعلم الايمان به، وتيقظ إبراهيم وهو ابن خمس عشرة سنة، ومحمد صلى الله عليه وآله كان ابن سبع سنين، قدم تجار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ونعته، وخبر مبعثه وآياته. فقالوا له: يا غلام ما اسمك ؟ قال: محمد، قالوا: ما اسم أبيك ؟ قال: عبد الله، قالوا: ما اسم هذه ؟ وأشاروا بأيديهم إلى الارض، قال:


(1) ما أورد المؤلف قدس سره الحديث بتمامه، بل قطعه وأورد بعضه من غير رعاية الترتيب الذي يكون في " الاحتجاج " بل قدم المؤخر وبالعكس مثلا هذه القطعة من جملة (فقال له اليهودي) إلى جملة (وهو يقول: لا إله إلا الله) كانت في المصدر قبل قوله: (فإن هذا عيسى بن مريم... الخ) بخمسة عشر صفحة.

[ 33 ]

الارض، قالوا: فما اسم هذه ؟ وأشاروا بأيديهم إلى السماء، قال: السماء، قالوا: فمن ربهما ؟ قال: الله، ثم انتهرهم وقال: أتشككوني في الله عزوجل ؟ ! ويحك يا يهودي لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عزوجل مع كفر قومه، إذ هو بينهم يستقسمون بالازلام ويعبدون الاوثان، وهو يقول: لا إله إلا الله. قال اليهودي (1): فهذا يحيى بن زكريا يقال: إنه أوتي الحكم صبيا والحلم والفهم، وإنه كان يبكي من غير ذنب، وكان يواصل الصوم (2). قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، إن يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية، ومحمد صلى الله عليه وآله أوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الاوثان وحزب الشيطان، فلم يرغب لهم في صنم قط، ولم ينشط لاعيادهم، ولم ير منه كذب قط، وكان أمينا صدوقا حليما، وكان يواصل صوم الاسبوع والاقل والاكثر، فيقال له في ذلك، فيقول: إني لست كأحدكم، إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني، وكان يبكي حتى يبتل مصلاه خشية من الله عزوجل من غير جرم (3). 2 - وذكر ابن أبي الحديد (4): أنه روي أن بعض أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر سأله عن قول الله عز وجل: (إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) (5) فقال عليه السلام: يوكل الله بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم، ويؤدون إليه تبليغهم الرسالة، ووكل


(1) الاحتجاج ج 1 / 213 ومنه البحار ج 10 / 31 وج 17 / 277. (2) هذه القطعة أيضا تكون في المصدر قبل القطعة السابقة الحاكية عن تكلم عيسى بن مريم في المهد. (3) الاحتجاج ج 1 ص 223 - والبحار نقلا عنه ج 10 ص 44 ح 1 - وج 17 / 293. (4) ابن أبي الحديد: عبد الحميد بن هبة الله المدائني المعتزلي المتوفي سنة (655). (5) سورة الجن: 27.

[ 34 ]

بمحمد صلى الله عليه وآله ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات ومكارم الاخلاق، ويصده عن الشر ومساوي الاخلاق، وهو الذي كان يناديه: السلام عليك يا محمد يا رسول الله، وهو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد، فيظن أن ذلك من الحجر والارض، فيتأمل فلا يرى شيئا (1). 3 - وروى محمد بن علي بن شهر اشوب (2) في كتاب " الفضايل " قال: روى الشعبي (3)، وداود بن عامر (4): أن الله تعالى قرن جبرائيل بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ثلاث سنين، يسمع حسه ولا يرى شخصه، ويعلمه الشئ بعد الشئ، ولا ينزل عليه القرآن، فكان في هذه المدة مبشرا بالنبوة (5) غير مبعوث إلى الامة (6). 4 - قال الشيخ المتكلم الفاضل أبو علي محمد بن أحمد بن الفتال (7) النيسابوري المعروف بابن الفارسي رضي الله عنه في " روضة الواعظين ": اعلم أن الطائفة قد اجتمعت على أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان رسولا نبيا مستخفيا، يصوم ويصلي على خلاف ما كانت قريش تفعله منذ كلفه الله (8).


(1) شرح نهج البلاغة ج 13 / 207 - وعنه البحار ج 15 / 361. (2) ابن شهر اشوب: محمد بن علي بن شهر اشوب السروي المازندراني المتوفى سنة (588). (3) الشعبي: (بفتح الشين) عامر بن شراحيل التابعي الحميري المتوفي في سنة (103). (4) داود بن عامر: بن سعد بن أبي وقاص المديني الزهري. (5) المناقب والبحار المطبوعان خاليان من لفظ (بالنبوة). (6) المناقب ج 1 / 43 - وعنه البحار ج 18 / 193 ح 29. (7) الفتال النيسابوري: أبو علي محمد بن الحسن بن علي بن أحمد بن علي الشهيد سنة (508). (8) روضة الواعظين: 52.

[ 35 ]

1 - محمد بن علي بن بابويه، باسناده عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، رفعه باسناده قال: لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب (1) زوجه عبد المطلب (2) آمنة بنت وهب الزهري، فلما تزوج بها حملت برسول الله صلى الله عليه وآله. فروي عنها أنها قالت: لما حملت به لم أشعر بالحمل، ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، ورأيت في نومي كان آتيا أتاني فقال لي: قد حملت بخير الانام، فلما كان وقت الولادة خف علي ذلك حتى وضعته، وهو يتقي الارض بيديه وركبتيه، وسمعت قائلا يقول: وضعت خير البشر فعوذيه بالواحد الصمد، من شر كل باغ وحاسد. فولد رسول الله صلى الله عليه وآله عام الفيل لاثنتي عشرة مضت من شهر ربيع الاول يوم الاثنين. فقالت آمنة: لما سقط إلى الارض إتقى الارض بيديه وركبتيه، ورفع يده


(1) عبد الله بن عبد المطلب الملقب بالذبيح ولد بمكة المكرمة سنة (81 ق ه‍) وتوفي بالمدينة سنة (53 ق ه‍). (2) عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف زعيم قريش في الجاهلية، ولد بالمدينة سنة (127 ق ه‍) وتوفي بمكة سنة (45 ق ه‍).

[ 36 ]

إلى السماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السماء إلى الارض، ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا عن السماء، ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السماء، ففزعوا لذلك وقالوا: هذا قيام الساعة، واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة (1) فأخبروه بذلك، وكان شيخا كبيرا مجربا، فقال: أنظروا إلى هذه النجوم الذي يهتدي (2) بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة، وإن كانت ثابتة فهو لامر قد حدث. وأبصرت الشياطين ذلك، فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه بأنهم قد منعوا من السماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا، فإن أمرا قد حدث، فجالوا في الدنيا ورجعوا وقالوا: لم نر شيئا. فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب، فلما انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفا بالملائكة، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل عليه السلام فقال له: إخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصر (3) قال: يا جبرئيل ما هذا ؟ قال: هذا نبي قد ولد وهو خير الانبياء، فقال: هل لي فيه نصيب ؟ قال: لا، قال: ففي أمته ؟ قال: بلى، قال: قد رضيت. قال: وكان بمكة يهودي، يقال له: يوسف، فلما رأى النجوم يقذف بها وتتحرك، قال: هذا نبي قد ولد في هذه الليلة، وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد، وهو آخر الانبياء، رجمت الشياطين، وحجبوا عن السماء فلما أصبح


(1) الوليد بن المغيرة: بن عبد الله ولد سنة (95 ق ه‍). كان من قضاة العرب في الجاهلية. وكان من المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله، وهلك في مكة بثلاثة أشهر من الهجرة، وهو والد خالد بن الوليد. (2) في المصدر: تهتدوا بها. (3) في المصدر: الصرد (بضم الصاد وفتح الراء) طائر أخضر الظهر وأبيض البطن يسمى الاخطب الاخطل، وأما الصر (بفتح الصاد وتشديد الراء) فهو طائر أصفر اللون.

[ 37 ]

جاء إلى نادي (1) قريش فقال: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ قالوا: لا، قال: أخطأتم والتوراة (2): ولد إذا بفلسطين وهو آخر الانبياء وأفضلهم، فتفرق القوم، فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كل واحد منهم أهله بما قال اليهودي، فقالوا: لقد ولد لعبدالله بن عبد المطلب ابن في هذه اليلة: فأخبروا بذلك يوسف اليهودي. فقال لهم: قبل أن أسألكم أو بعده ؟ فقالوا: قبل ذلك، قال: فأعرضوه علي فمشوا إلى باب بيت آمنة، فقالوا: أخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي، فأخرجته في قماطه، فنظر في عينيه وكشف عن كتفيه، فرأى شامة سوداء بين كتفيه، وعليها شعرات، فلما نظر إليه وقع على الارض مغشيا عليه، فتعجب منه قريش وضحكوا عليه، فقال: أتضحكون يا معشر قريش هذا نبي السيف ليبترنكم (3) وقد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الابد، وتفرق الناس ويتحدثون بخبر اليهودي. ونشأ رسول الله صلى الله عليه وآله في اليوم كما ينشؤ غيره في الجمعة (4)، وينشؤ في الجمعة كما ينشؤ غيره في الشهر (5). 2 - محمد بن يعقوب، بإسناده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لما ولد النبي صلى الله عليه وآله جاء رجل من أهل الكتاب إلى ملا من قريش، فيهم هشام بن المغيرة (6)، والوليد بن المغيرة، والعاص بن


(1) النادي: مجلس القوم وما داموا مجتمعين فيه. (2) أخطأتم والتوراة: أي بحق التوراة صرف عنكم هذا المولود العظيم إلى غيركم. (3) في المصدر: ليبيرنكم أي ليهلكنكم، وفي بعض النسخ: ليبرنكم أي ليصيرنكم ابترا، والابتر من لا عقب له. (4) الجمعة: (بضم الجيم وسكون الميم): الاسبوع. (5) كمال الدين: 196 ح 39 وعنه البحار 15 / 369 ح 15 - وأورده اليعقوبي مختصرا في تاريخه ج 2 / 9 ط بيروت. (6) هشام بن المغيرة: بن عبد الله بن عمر المخزومي، كان من أكابر العرب في الجاهلية من أهل مكة، وكانت قريش وكنانة ومن والاهم يؤرخون بثلاثة أشياء: بناء الكعبة، وعام الفيل، ثم =

[ 38 ]

هشام (1)، وأبو وحرة (2) بن أبي عمرو بن أمية وعتبة بن ربيعة (3) فقال: أولد فيكم مولود الليلة ؟ قالوا: لا، قال: فولد إذن بفلسطين (4) غلام اسمه أحمد، به شامة (5) كلون الخز الادكن (6) ويكون هلاك أهل الكتاب واليهود على يديه، قد أخطأتم (7) والله يا معشر قريش. فتفرقوا وسألوا، فأخبروا أنه قد ولد لعبدالله بن عبد المطلب غلام، فطلبوا الرجل فلقوه، فقالوا: إنه قد ولد فينا والله غلام، قال: قبل أن أقول لكم أو بعد ما قلت لكم ؟ قالوا: قبل أن تقول لنا، قال: فانطلقوا بنا إليه حتى ننظر إليه، فانطلقوا حتى أتوا أمه، فقالوا: اخرجي ابنك حتى ننظر إليه، فقالت: إن ابني والله لقد سقط وما سقط كما يسقط الصبيان، لقد إتقى


= بموت هشام، وهو قريب عهد من البعثة النبوية وكان ابنه الحارث بن هشام من الصحابة توفي سنة (18) ه‍. (1) العاص بن هشام: مشترك بين شخصين: أحدهما العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي قتل على الشرك يوم بدر سنة (2)، والثاني العاص بن هشام بن الحارث بن أسد من زعماء قريش في الجاهلية، وكان ممن نقض الصحيفة التي تعاقد فيها مشركو قريش على مقاطعة بني هاشم حتى يسلموا إليهم محمدا صلى الله عليه وآله، واتفق مع آخرين على تمزيقها فشقوها، ولم يعرف عنه إذاء للنبي صلى الله عليه وآله، بل كان في بدء الدعوة يكف الناس عنه، ولما كانت وقعة بدر حضرها مع المشركين، ونحر لهم على ماء بدر عشرة جزر، ونهى النبي صلى الله عليه وآله عن قتله، إلا أن المجذر بن زياد البلوي قتله. (2) أبو وحرة: بن عمرو بن أمية من زعماء الجاهلية، والوجرة بتحريك الحاء المهملة: الوحش، بسكون الحاء: الجمامة. (3) عتبة بن ربيعة: بن عبد الشمس من كبراء قريش في الجاهلية، شهد بدرا مع المشركين، فقتله أمير المؤمنين عليه السلام والحمزة وعبيدة بن الحارث سنة (2) ه‍. (4) فلسطين (بكسر الفاء وفتح اللام) آخر كور الشام من ناحية مصر ومن مدنها المشهورة بيت المقدس وعسقلان والرملة وغزة. (5) الشامة: الخال أي بثر سوداء في البدن حولها شعر. (6) الادكن: شئ مال لونه إلى السواد. (7) في المصدر والبحار: أخطأكم، وعلى التقديرين يكون المراد أن أمره أو خبره جاوزكم ولم يصل بعد إليكم، وصرف عنكم هذا المولود العظيم إلى غيركم.

[ 39 ]

الارض بيديه ورفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى قصور بصرى (1). فسمعت هاتفا في الجو يقول: لقد ولدتيه سيد الامة فإذا وضعتيه فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد وسميه محمدا. قال الرجل: فأخرجيه لنا، فأخرجته فنظر إليه، ثم قلبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه، فخر مغشيا عليه، فأخذوا الغلام فأدخلوه إلى أمه، وقالوا: بارك الله لك فيه، فلما خرجوا أفاق، فقالوا له: مالك ويلك ؟ قال: ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيمة، هذا والله يبيرهم، ففرحت قريش بذلك، فلما رآهم قد فرحوا قال: أفرحتم ؟ ! أما والله ليسطون بكم سطوة (2) يتحدث بها أهل المشرق والمغرب، وكان أبو سفيان (3) يقول: يسطو بمصره (4) (5)


(1) بصرى (كصغرى): بلد بالشام وهي أول مدينة فتحها العرب في الشام، وهي التي وصل إليها النبي صلى الله عليه وآله للتجارة. (2) السطوة (بفتح السين وسكون الطاء): القهر بالبطش. (3) أبو سفيان: سخر بن حرب بن أمية من رؤساء الكفار في حروب الاسلام ولد سنة (57) قبل الهجرة النبوية، وأسلم ظاهرا يوم فتح مكة سنة (8) وفقئت عيناه يوم الطائف ويوم اليرموك فعمى ظاهره كباطنه، وهلك بالمدينة وقيل: بالشام سنة (31) ه‍. (4) يسطو بمصره: قال المجلسي قدس سره في مرآة العقول في شرح الحديث: قوله: يسطو بمصره، الظاهر أنه قال ذلك على الهزء والانكار، أي كيف يقدر على أن يسطو بمصره، أو كيف يسطو بقومه وعشيرته، ويحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الاذعان في ذلك الوقت. وفيما رواه القطب الراوندي قدس سره في " الخرائج " ج 1 / 71 وكان أبو سفيان يقول: إنما يسطو بمضر (بالضاد المعجمة) أي بقبيلة مضر. (5) الكافي ج 8 / 300 ح 459 - وعنه البحار ج 15 / 294 ح 29.