|
[ 263 ]
وفيه نزلت (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم
خصاصة) 1 - الشيخ الثقة محمد بن العباس بن ماهيار، " فيما نزل في اهل البيت
" قال: حدثنا سهل بن محمد العطار (1)، عن احمد بن عمر الدهقان (2)، عن محمد
بن كثير (3)، عن عاصم بن كليب، عن ابيه، عن جده، عن ابى هريرة، قال: ان رجلا جاء
إلى النبي صلى الله عليه وآله فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله صلى الله على وآله
وسلم إلى بيوت ازواجه، فقلن: ما عندنا شئ الا الماء، قال صلى الله عليه وآله: من
لهذا الرجل الليلة ؟ فقال على عليه السلام: انا يا رسول الله فاتى فاطمة عليها
السلام فاعلمها، فقالت: ما عندنا الا قوت الصبية (4)، ولكنا نؤثر به ضيفنا، فقال
عليه السلام: يا ابنة محمد صلى الله عليه وآله نومى الصبية واطفئى السراج. فلما
اصبح على عليه السلام غدا على رسول الله صلى الله عليه وآله
1)
في تأويل الآيات المطبوع حديثا: محمد بن سهل، وهكذا في " احقاق الحق " و
" شواهد التنزيل "، وفى " الجامع في الرجال ": محمد بن الحسن
بن سهل العطار، وعلى أي تقدير ما وجدناه في كتب الرجال. 2) قال الزنجانى في "
جامع الرجال ": احمد بن عمر الدهقان، روى المفيد عن الجعابى، والشهرزورى عن
محمد بن الحسن بن سهل العطار، عنه، عن رجاله احاديث - والمظنون انه من الناس. 3)
في احقاق الحق: محمد بن كثير مولى عمر بن عبد العزيز. 4) الصبية (بضم الصار
المهملة وفتحها وكسرها) جمع الصبى.
[ 264 ]
فاخبره
الخبر، فلم يبرح حتى نزلت هذه الآية: (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن
يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون) (1) (2). 2 - ورواه الشيخ في " الامالى
" قال: اخبرنا محمد بن محمد، يعنى المفيد، قال: اخبرنا ابونثر محمد بن الحسين
المقرى، قال: حدثنا محمد بن سهل العطار، قال: حدثنا احمد بن عمر الدهقان، قال:
حدثنا محمد بن كثير مولى عمر بن عبد العزيز، قال: حدثنا عاصم (3) بن كليب، عن
ابيه، عن ابى هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فشكا إليه الجوع،
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بيوت ازواجه، فقلن: ما عندنا الا الماء
(4). وساق الحديث إلى قوله: المفلحون. ورواه ابن شهر اشوب من طريق المخالفين من
تفسير ابى يوسف يعقوب بن سفيان، وعلى بن حرب الطائى (5)، ومجاهد، باسانيدهم عن ابن
عباس، وابى هريرة (6). وروى جماعة عن عاصم بن كليب، واللفظ له، عن ابى هريرة انه
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكى إليه الجوع وذكر الحديث (7). 3 -
محمد بن العباس ايضا قال: حدثنا احمد بن ادريس، عن احمد بن
1)
الحشر: 9. 2) تأويل الآيات ج 2 / 678 ح 4 - وعنه البحار ج 36 / 59 ح 1 والبرهان ج
4 / 317 ح 9 - واورده في احقاق الحق ج 14 / 542 عن شواهد التنزيل ج 2 / 246 ط
بيروت. 3) عاصم بن كليب: بن شهاب الكوفى المتوفى بعد سنة (130) ه. 4) امالي الطوسى
ج 1 / 188 - تقدم الحديث في الباب (23) من المنهج الاول برقم (12) مع تخريجات
ذكرناها هناك. 5) على بن حرب الطائى: أبو الحسن الموصلي، ترجمه ابن ابى حاتم في
" الجرح والتعديل " ج 6 / 183. 6) المناقب لابن شهر اشوب ج 2 / 73 -
وعنه البحار ج 41 / 28 ح 3. 7) المناقب لابن شهر اشوب ج 2 / 74 وفى ذيله: (ومن يوق
شح نفسه) يعنى عليا وفاطمة والحسن والحسين (فاولئك هم المفلحون).
[ 265 ]
محمد
بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن ايوب، عن كليب (1) بن معاوية الاسدي، عن
ابى عبد الله في قوله تعالى: (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح
نفسه فاولئك هم المفلحون) (2) قال: بينما على عليه السلام عند فاطمة عليها السلام
إذ قالت له: يا على اذهب إلى ابى فابغنا (3) منه شيئا، فقال: نعم، فاتى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فاعطاه دينارا، وقال يا على: اذهب فابتع لاهلك طعاما،
فخرج من عنده، فلقيه المقداد بن الاسود رحمه الله، وقاما ما شاء الله ان يقوما،
وذكر له حاجته، فاعطاه الدينا، وانطلق إلى المسجد، فوضع راسه فنام، فانتظره رسول
الله صلى الله عليه وآله فلم يات، ثم انتظره فلم يات. فخرج يدور في المسجد، فإذا
هو بعلى عليه السلام نائم في المسجد، فحركه رسول الله صلى الله عليه وآله فقعد،
فقال له: يا على ما صنعت ؟ فقال: يا رسول الله خرجت من عندك فلقينى المقداد بن
الاسود فذكر لى ما شاء الله ان يذكر، فاعطيته الدينار، فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: اما ان جبرئيل عليه السلام فقد انبانى بذلك، وقد انزل الله فيك
كتابا: (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم
المفلحون) (4). 4 - وعنه قال: حدثنا محمد بن احمد بن ثابت، عن القاسم بن اسماعيل،
عن محمد بن سنان، عن سماعة بن مهران، عن جابر بن يزيد، عن ابى جعفر عليه السلام
قال: اوتى رسول الله صلى الله عليه وآله بمال وحلل، واصحابه حوله جلوس، فقسمه
عليهم حتى لم يبق منه حلة ولا دينار، فلما فرغ منه جاء رجل من فقراء المهاجرين،
وكان غائبا رآه رسول الله صلى الله
1)
كليب بن معاوية: بن جبلة أبو محمد الاسدي الصيداوي الكوفى روى عن الباقر والصادق
عليهما السلام، ويروى عنه جماعة كفضالة، وصفوان، وابن ابى عمير - مجمع الرجال ج 5
/ 72 - 2) الحشر: 9. 3) ابغاه الشئ: جعله طالبا له، واعانه على طلبه. 4) تأويل
الآيات: 2 / 679 ح 5 - وعنه البحار ج 36 / 59 ح 2 والبرهان ج 4 / 317 ح 1.
[ 266 ]
عليه
وآله وسلم قال: ايكم يعطى هذا نصيبه ويؤثره على نفسه ؟ فسمعه على عليه السلام
فقال: نصيبي فاعطاه اياه، فاخذه رسول الله صلى الله عليه وآله فاعطاه الرجل. ثم
قال: يا على ان الله جعلك سباقا للخير، سخاء بنفسك من المال، انت يعسوب المؤمنين
(1) والمال يعسوب الظلمة، والظلمة هم يحسدونك، ويبغون عليك، ويمنعونك حقك بعدى
(2). 5 - وعنه بالاسناد عن القاسم بن اسماعيل بن ابان، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن
يزيد، عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا
ذات يوم، اصحابه جلوس حوله، فجاء على عليه السلام، وعليه سمل (3) ثوب مخرق عن بعض
جسده، فجلس قريبا من رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر إليه ساعة، ثم قرا:
(ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون) (4).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام: اما انك راس الذين نزلت
فيهم هذه الآية وسيدهم وامامهم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه
السلام: اين حلتك التى كسوتها (5) يا على ؟
1)
اليعسوب: امير النحل - والرئيس الكبير الكيس. هذا اللقب الشريف من الالقاب التى
اعطاها النبي صلى الله عليه وآله امير المؤمنين عليا عليه السلام، رواه جماعة من
اعلام القوم، واليك بعضها: الحافظ ابن عبد البر المتوفى سنة (463) في "
الاستيعاب " المطبوع بذيل " الاصابة " ج 4 / 169 ط مصر - والعلامة
ابن الاثير الجزرى المتوفى سنة (630) في " اسد الغابة " ج 5 / 287 ط
مصر، والعلامة الهيثمى المتوفى سنة (807) في " مجمع الزوائد " ج 9 / 101
ط مصر، والعلامة ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (853) ه في " لسان الميزان
" ج 2 / 414 ط حيدر آباد الدكن، وغيرهم، ومن اراد التفصيل فليرجع إلى "
احقاق الحق " ج 4 / 26 إلى 35. 2) تأويل الآيات ج 2 / 679 ح 6 - وعنه البحار
ج 36 / 60 ح 3 والبرهان ج 4 / 318 ح 11. 3) السمل (بفتح السين المهملة وكسر
الميم): الثوب الخلق البالى. 4) الحشر: 9. 5) في المصدر المطبوع، والبحار:
كسوتكها.
[ 267 ]
فقال:
يا رسول الله ان بعض اصحابك اتانى يشتكى عراه وعرى اهل بيته، فرحمته وآثرته بها
على نفسي، وعرفت ان الله سيكسوني خيرا منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
صدقت، اما ان جبرئيل فقد اتانى يحدثنى ان الله اتخذ لك مكانها في الجنة حلة خضراء
من استبرق، وصبغتها (1) من ياقوت وزبرجد، فنعم الجواز جواز ربك بسخاوة نفسك، وصبرك
على سملتك هذه المنخرقة، فابشر يا على، فانصرف على عليه السلام فرحا مسرورا بما اخبرها
به رسول الله صلى الله عليه وآله (2). 6 - الشيخ في " مجالسه " قال:
اخبرنا جماعة عن ابى المفضل (3)، قال: حدثنا عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الازدي
بارتاج، قال: حدثنا أبو عبد الغنى (4) الحسن بن على الازدي المعاني، قال: حدثنا
عبد الوهاب (5) بن الهمام الحميرى، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعى البصري (6)،
قدم علينا من اليمن، قال: حدثنا أبو هارون العبدى عن ربيعة السعدى، قال: حدثنى
حذيفة بن اليمان، قال: لما خرج جعفر بن ابى طالب من ارض الحبشة إلى النبي صلى الله
عليه وآله: قدم جعفر رحمه الله، والنبى صلى الله عليه وآله بارض خيبر، فاتاه
بالفرع (7) من الغالية والقطيفة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: لادفعن هذه
القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فمد اصحاب النبي صلى الله
عليه وآله اعناقهم إليها، فقال النبي
1)
في المصدر المطبوع، والبحار: وصنفتها، والمصنفة (بكسر الصاد المهملة وسكون النون،
وبفتحها وكسر النون): الحاشية والجانب. 2) تأويل الآيات ج 2 / 680 ح 7 - وعنه
البحار ج 36 / 60 ح 4 والبرهان ج 4 / 318 ح 12. 3) أبو المفضل محمد بن عبد الله
الكوفى نزيل بغداد المتوفى سنة (387) ه تقدم ذكره. 4) أبو عبدالغنى الحسن بن على
بن عيس الازدي المعاني، له ترجمة في ميزان الاعتدال للذهبي ج 1 / 505. 5) عبد
الوهاب بن همام بن نافع الحميرى الصنعانى اخو عبد الرزاق المتوفى سنة (211) ه،
ترجمه الذهبي في الميزان ج 2 / 684 ونقل توثيقه عن ابن معين. 6) جعفر بن سليمان
أبو سليمان الضبعى البصري، ترجمه الذهبي وقال: هو من ثقات الشيعة وزهادهم، توفى
سنة (178) ه - تذكرة الحفاظ ج 1 / 241 - 7) قال في البحار: " بالفرع من
الغالية والقطيفة " أي بالنفس العالي منهما.
[ 268 ]
صلى
الله عليه وآله اين على ؟ فوثب عمار بن ياسر (ر ض) فدعا عليا عليه السلام. فلما
جاءه قال له النبي صلى الله عليه وآله: يا على هذه القطيفة اليك، فاخذها على عليه
السلام وامهل حتى قدم المدينة، فانطلق إلى البقيع، وهو سوق المدينة، فامر صائغا
(1) ففصل القطيفة سلكا سلكا، فباع الذهب وكان الف مثقال، ففرقه على عليه السلام في
فقراء المهاجرين والانصار، ثم رجع إلى منزله ولم يترك له من الذهب قليلا ولا كثيرا
فلقيه النبي صلى الله عليه وآله من غد، في نفر من اصحابه فيهم حذيفة، وعمار، فقال:
يا على انك اخذت بالامس الف مثقال، فاجعل غدائي اليوم واصحابي هؤلاء عندك، ولم يكن
على عليه السلام يرجع يومئذ إلى شئ من العروض ذهب أو فضة، فقال حياء منه وتكرما:
نعم يارسول الله وفى الرحب والسعة، ادخل انت يا نبى الله ومن معك. قال: فدخل النبي
صلى الله عليه وآله، ثم قال لنا: ادخلوا، قال حذيفة: وكنا خمسة نفر: انا، وعمار،
وسلمان، وابوذر، والمقداد، رضى الله عنهم، فدخلنا ودخل على عليه السلام على فاطمة
عليها السلام، يبتغى عندها شيئا من زاد، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور،
وعليها عراق كثير، وكان رائحتها المسك، فحملها على عليه السلام حتى وضعها بين يدى
رسول الله صلى الله عليه وآله ومن حضر معه، فاكلنا منها حتى تملانا، ولا ينقص منها
قليل ولا كثير. وقام النبي صلى الله على وآله وسلم حتى دخل على فاطمة عليها السلام
وقال: انى لك هذا الطعام يا فاطمة ؟ فردت عليه ونحن نسمع قولهما، فقالت: هو من عند
الله يرزق من يشاء بغير حساب، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم الينا مستعبرا،
وهو يقول: الحمدلله الذى لم يمتنى حتى رايت لابنتي ما راى زكريا لمريم، كان إذا
دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا
1)
في بعض النسخ: فامر صابغا.
[ 269 ]
فيقول:
يا مريم انى لك هذا ؟ فتقول: هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب (1).
7 - أبو سعيد الخدرى قال: اصبح على عليه السلام ذات يوم ساغبا (2) فقال: يا فاطمة
عندك شئ تغدينيه ؟ قالت: لا والذى اكرم ابى بالنبوة، واكرمك بالوصية، ما اصبح
اليوم (3) عندي شئ اغديكه وما كان عندي منذ يومين الا شئ كنت اوثرك به على نفسي
وعلى ابني هذين: حسن وحسين، فقال على عليه السلام: يا فاطمة الا كنت اعلمتني
فابغيكم شيئا ؟ فقالت: يا ابا الحسن انى لاستحيى من الهى ان تكلف نفسك ما لا تقدر
عليه، فخرج على من عند فاطمة عليها السلام واثقا بالله حسن الظن به عزوجل، فاستقرض
دينارا، فاخذه ليشترى لعياله ما يصلحهم، فعرض له المقداد بن الاسود في يوم شديد
الحر قد لوحته الشمس من فوقه، وآذته من تحته، فلما رآى على عليه السلام انكر شانه،
فقال: يا مقداد ما ازعجك هذه الساعة من رحلك ؟ فقال: يا ابا الحسن خل سبيلى ولا
تسألني عما ورائي، قال عليه السلام: يا اخى لا يسعني ان تجاوزني حتى اعلم علمك،
فقال: يا ابا الحسن رغبت إلى الله عزوجل، واليك ان تخلى سبيلى، ولا تكشفني عن
حالى، قال: يا اخى لا يسعك ان تكتمني حالك. فقال: يا ابا الحسن اما إذا ابيت
فوالذي اكرم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة، واكرمك بالوصية ما ازعجنى من
رحلى الا الجهد، وقد تركت عيالي جياعا، فلما سمعت بكائهم لم تحملني الارض، فخرجت
مهموما راكبا راسى، هذه حالى وقصتي، فانهملت عينا على عليه السلام بالبكاء، حتى
بلت دموعه لحيته، فقال: احلف بالذى حلفت به ما ازعجنى الا الذى ازعجك، وقد اقترضت
دينارا فهاكه فقد آثرتك على نفسي، فدفع الدينا إليه، ورجع حتى دخل المسجد، فصلى
الظهر، والعصر، والمغرب.
1)
امالي الطوسى ج 2 / 227 - وعنه البحار ج 37 / 105 ح 8 - والبرهان ج 1 / 281 ح 4.
2) البحار خال من كلمة " ساغبا " 3) في البحار: ما اصبح الغداة عندي.
[ 270 ]
فلما
قضى رسول الله صلى الله عليه وآله المغرب مر بعلى وهو في الصف الاول، فغمزه برجله
فقام على عليه السلام فلحقه في باب المسجد وسلم عليه، فرد رسول الله صلى الله عليه
وآله وقال: يا ابا الحسن هل عندك عشاء تعشيناه فنميل معك ؟ فمكث مطرقا لا يحير
جوابا حياء من رسول الله صلى الله عليه وآله، وعرف ما كان من امر الدينار ومن اين اخذ
واين وجهه بوحى من الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله وامره ان يتعشى عند على تلك
الليلة. فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وامره ان يتعشى عند على تلك
الليلة. فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى سكوته قال: يا ابا الحسن مالك
لا تقول: لا فانصرف، أو نعم فامضى معك ؟ فقال حياء وتكرما: فاذهب بنا، فاخذ رسول
الله صلى الله عليه وآله بيد على، فانطلقا حتى دخلا على فاطمة عليها السلام، وهى
في مصلاها قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلا م رسول الله صلى
الله عليه وآله خرجت من مصلاها فسلمت عليه، وكانت اعز الناس عليه، فرد السلام ومسح
بيديه على راسها، وقال لها: يا بنتاه كيف امسيت رحمك الله ؟ قالت: بخير، قال:
عشينا رحمك الله وقعد، فاخذت الجفنة فوضعتها بين يدى رسول الله صلى الله عليه وآله
وعلى (ر ض). فلما نظر على عليه السلام إلى الطعام وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رميا
شحيحا، قالت له فاطمة: سبحان الله ما اشح نظرك واشده ! هل اذنبت فيما بينى وبينك
ذنبا استوجبت به منك السخط ؟ فقال: واى ذنب اعظم من ذنب اصبتيه ؟ اليس عهدي بك
اليوم الماضي وانت تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما منذ يومين ؟ قال: فنظرت إلى
السماء، وقالت: الهى يعلم، في سمائه وارضه انى لم اقل الا حقا، فقال لها: يا فاطمة
انى لك هذا الطعام الذى لم انظر إلى مثل لونه قط، ولم اشم مثل رائحته قط، ولم آكل
اطيب منه. قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله كفه الطيبة المباركة بين كتفي
على عليه السلام فغمزها، ثم قال: يا على هذا بدل عن دينارك، هذا
[ 272 ]
جزاء
دينارك، ان الله يرزق من يشاء بغير حساب، ثم استعبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
باكيا ثم قال: الحمدلله الذى ابى لكما ان تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما أو يجزيك يا
على مجرى زكريا عليه السلام ويجزى فاطمة مجرى مريم بنت عمران عليها السلام (1). 8
- ابن شهر اشوب قال: سال اعرابي امير المؤمنين عليه السلام شيئا فامر بالف، فقال
الوكيل: من ذهب أو فضة ؟ فقال: كلاهما عندي حجران، فاعط الاعرابي انعفهما إليه
(2).
1)
كشف الغمة ج 1 / 469 - وعنه البحار ج 37 / 103 ح 7 وفى 43 / 59 ح 51 عنه وعن تفسير
فرات وامالي الشيخ ج 2 / 228 - واخرجه في تأويل الآيات ج 1 / 108 ح 15 والبحار ج
96 / 147 ح 25 عن مصباح الانوار: 226 مخطوط. 2) المناقب لابن شهر اشوب ج 2 / 118 -
وعنه البحار ج 41 / 32 ذيل ح 2.
[ 273 ]
1 - ابن بابويه في " اماليه " قال:
حدثنا احمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمة الله عليه، قال: حدثنا عمر بن سهل
اسماعيل الدينورى قال: حدثنا زيد بن اسماعيل الصائغ، قال: حدثنا معاوية بن هشام،
عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن خالد بن ربعى قال: ان امير المؤمنين على بن
ابى طالب عليه الصلاة والسلام دخل مكة في بعض حوائجه، فوجد اعرابيا متعلقا باستار
الكعبة، وهو يقول: البيت (1) بيتك، والضيف ضيفك، ولكل ضيف من مضيفة قرى (2)، فاجعل
قراى منك الليلة المغفرة، فقال امير المؤمنين عليه السلام لاصحابه: اما تسمعون
كلام الاعرابي ؟ قالوا: نعم، فقال: الله اكرم (3) ان يرد ضيفه. قال: فلما كانت
الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن، وهو يقول: يا عزيزا في عزك، فلا اعز منك
في عزك، اعزني بعز عزك، في عز لا يعلم احد كيف هو، اتوجه اليك واتوسل اليك بحق
محمد وآل محمد عليك، اعطني ما لا يعطينى احد غيرك، فاصرف عنى ما لا يصرفه احد
غيرك، قال: فقال امير المؤمنين عليه السلام: هذا والله الاسم الاكبر بالسريانية،
اخبرني حبيبي
1)
في البحار: يا صاحب البيت البيت بيتك. 2) القرى: ما يقدم للضيف. 3) في البحار:
الله اكرم من ان يرد ضيفه.
[ 274 ]
رسول
الله صلى الله عليه وآله، ساله الجنة فاعطاه، وساله صرف النار وقد صرفها. قال:
فلما كان الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن، وهو يقول: يا من لا يحويه
مكان، ولا يخلو منه مكان، بلا كيف (1) كان، ارزق الاعرابي اربعة آلاف درهم. قال:
فتقدم إليه امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام فقال: يا اعرابي سالت ربك
القرى فقراك، سالت الجنة فاعطاك، وسالت ان يصرف عنك النار وقد صرفها عنك، وفى هذه
الليلة تسأله اربعة آلاف درهم، قال الاعرابي: من انت ؟ قال: انا على بن ابى طالب،
قال الاعرابي: انت والله بغيتى، وبك انزلت حاجتى، قال: سل يا اعرابي، قال: اريد
الف درهم للصداق، والف درهم اقضي به دينى، والف درهم اشترى به دارا، والف درهم
اعيش منه (2). قال: انصفت يا اعرابي، فإذا خرجت من مكة فسل عن دارى بمدينة الرسول
صلى الله عليه وآله، واقام الاعرابي بمكة اسبوعا، وخرج في طلب امير المؤمنين على
بن ابى طالب عليه السلام إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ونادى من
يدلني على دار امير المؤمنين عليه السلام ؟ فقال الحسين بن على بن ابى طالب عليه
السلام من بين الصبيان: انا ادلك على دار امير المؤمنين عليه السلام وانا ابنه
الحسين بن على، فقال الاعرابي من ابوك ؟ قال: امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه
السلام، قال: من امك ؟ قال: فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام قال:
من جدك ؟ قال: محمد رسول الله صلى الله عليه وآله بن عبد الله بن عبد المطلب، قال:
من جدتك ؟ قال: خديجة بنت خويلد، قال: من اخوك ؟ قال: أبو محمد الحسن بن على
عليهما السلام قال: اخذت (3) بطرفيها، امش إلى امير المؤمنين وقل (4):
1)
في البحار: بلا كيفية كان. 2) في البحار: اتعيش منه. 3) في البحار: لقد اخذت
الدنيا. 4) في البحار: وقل له.
[ 275 ]
ان
الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب. قال: فدخل الحسين بن على عليهما السلام
فقال: يا ابت اعرابي بالباب يزعم انه صاحب الضمان بمكة، قال: فقال: يا فاطمة عندك
شئ ياكله الاعرابي ؟ قالت: اللهم لا، فتلبس امير المؤمنين عليه السلام وخرج، وقال:
ادعوا لى ابا عبد الله سلمان الفارسى، قال: فدخل إليه سلمان الفارسى فقال: يا ابا
عبد الله اعرض الحديقة التى غرسها رسول الله صلى الله عليه وآله لى على التجار.
قال: فدخل سلمان إلى السوق، وعرض الحديقة، فباعها باثنى عشر الف درهم، واحضر
المال، واحضر الاعرابي، فاعطاه اربعة آلاف درهم واربعين درهما نفقة، ووقع الخبر
إلى سؤال المدينة فاجتمعوا، ومضى رجل من الانصار إلى فاطمة الزهراء عليها السلام
فاخبرها بذلك، فقالت آجرك الله في ممشاك، فجلس على عليه السلام والدراهم مصبوبة
بين يديه، حتى اجتمع إليه اصحابه، فقبض قبضة قبضة، وجعل يعطى رجلا رجلا، حتى لم
يبق درهم واحد، فلما اتى المنزل قالت له فاطمة عليها السلام: يا ابن عم بعت الحائط
الذى غرسه لك والدى ؟ قال: نعم بخير منه عاجلا وآجلا، قالت: فاين الثمن ؟ قال:
دفعته إلى اعين استحييت ان اذلها بذل المسالة قبل ان تسألني، قالت فاطمة: انا
جائعة، وابناي جائعان، ولا اشك انك مثلنا في الجوع، لم يكن لنا منه درهم ؟ واخذت
بطرف ثوب على عليه السلام، فقال على عليه السلام: يا فاطمة خليني، قالت: لا والله
أو يحكم بينى وبينك ابى. فهبط جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه
وآله وقال: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول: اقرا عليا منى السلام، وقل لفاطمة:
ليس لك ان تضربى على يديه، ولا تلزمي (1) بثوبه، فلما اتى رسول الله صلى الله عليه
وآله منزل على عليه السلام وجد فاطمة ملازمة لعلى عليه السلام، فقال لها: يا بنية
مالك ملازمة لعلى عليه السلام ؟ قالت: يا
1)
البحار خال من جملة (ولا تلزمي بثوبه).
[ 276 ]
ابت
باع الحائط الذى غرست له باثنى عشر الف درهم لم يحبس لنا منه درهما نشترى به
طعاما. فقال: يا بنية ان جبرئيل يقرانى من ربى السلام ويقول: اقرا عليا من ربه
السلام، وامرني ان اقول: ليس لك ان تضربى على يديه، ولا تلزمي بثوبه، قالت فاطمة:
فانى استغفر الله، ولا اعود ابدا. قالت فاطمة: فخرج ابى عليه السلام في ناحية،
وزوجي في ناحية، فما لبث ان اتى ابى ومعه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: يا فاطمة
اين ابن عمى ؟ قلت له: خرج فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هاك هذه الدراهم
فإذا جاء ابن عمى فقولي يبتاع لكم طعاما، فما لبثت الا يسيرا حتى جاء على عليه
السلام، فقال: رجع ابن عمى، فانى اجد رائحة طيبة، قلت: نعم (1)، ودفع إلى شيئا
تبتاع لنا به طعاما، قال على عليه السلام: هاتيه، فدفعت إليه سبعة دراهم سود
هجرية، فقال: بسم الله، والحمد لله كثيرا طيبا، وهذا من رزق الله. ثم قال: يا حسن
قم معى، فاتيا السوق، فإذا هما برجل واقف، وهو يقول: من يقرض الملى الوفى ؟ قال يا
بنى نعطيه ؟ قال: أي والله يا ابت، فاعطاه على عليه السلام الدراهم، فقال الحسن
عليه السلام: يا ابتاه اعطيته الدراهم كلها ؟ قال: نعم يا بنى، ان الذى يعطى
القليل قادر على ان يعطى الكثير. قال: فمضى على عليه السلام بباب رجل يستقرض منه
شيئا، فلقيه اعرابي، ومعه ناقة فقال: يا على اشتر منى هذه الناقة، قال: ليس معى
ثمنها، قال: انى انظرك به إلى القيظ، قال: بكم يا اعرابي ؟ قال: بمائة درهم، قال
على: خذها يا حسن، فمضى على عليه السلام فلقيه اعرابي آخر، المثال واحد، والثياب
مختلفة، فقال: يا على تبيع الناقة ؟ قال على عليه السلام: وما تصنع بها ؟ قال:
اغزو عليها اول غزوة يغزوها ابن عمك،
1)
في البحار: وقد دفع.
[ 277 ]
قال:
ان قبلتها فهى لك بلا ثمن، قال معى ثمنها وبالثمن اشتريها، فبكم اشتريتها ؟ قال:
بمائة درهم، قال الاعرابي: فلك سبعون ومائة درهم، قال على عليه السلام للحسن: خذ
السبعين والمائة وسلم الناقة، والمائة للاعرابي الذى باعنا والسبعين لنا نبتاع بها
شيئا، فاخذ الحسن عليه السلام الدراهم وسلم الناقة. قال على عليه السلام: فمضيت
اطلب الاعرابي الذى ابتعت منه الناقة لاعطيه ثمنها، فرايت رسول الله صلى الله عليه
وآله جالسا في مكان لم اره فيه قبل ذلك ولا بعده، على قارعة الطريق، فلما نظر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبسم ضاحكا بدت نواجده، قال على عليه السلام اضحك
الله سنك وبشرك ليومك، فقال: يا ابا الحسن (1) تطلب الاعرابي الذى باعك الناقة
لتوفيه الثمن، فقلت: أي والله فداك ابى وامى، فقال: يا ابا الحسن الذى باعك الناقة
جبرئيل، والذى اشتراها منك ميكائيل، والناقة من نوق الجنة، والدراهم من عند رب
العالمين عزوجل، فانفقها في خير ولا تخف اقتارا (2). 2 - ابن بابويه في "
العلل " ابى رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسن (3) بن
عرفة بسر من راى، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا محمد بن اسرائيل (4) قال: حدثنا أبو
صالح (5)، عن ابى ذر (ر ض) قال: كنت انا وجعفر بن ابى طالب مهاجرين إلى بلاد
الحبشة، فاهديت لجعفر بن ابى طالب عليه السلام جارية قيمتها اربعة آلاف درهم، فلما
قدمنا المدينة اهداها لعلى عليه السلام تخدمه، فجعلها على عليه السلام في منزل
1)
في البحار: انك تطلب الاعرابي. 2) الامالى للصدوق: 337 ح 10 - وعنه البحار ج 41 /
44 - 47 ح 1 واورد الحديث ابن شهر اشوب مختصرا في المناقب ج 2 / 78 وتقدم في الباب
(45) من المنهج الاول برقم (6). 3) الحسن بن عرفة بن يزيد العبدى أبو على المعمر
المتوفى سنة (257) ه. 4) محمد بن اسرائيل: مولى بنى هلال الكوفى من اصحاب الصادق
عليه السلام. 5) أبو صالح: ذكوان المدنى توفى سنة (101) ه.
[ 278 ]
فاطمة،
فدخلت فاطمة عليها السلام يوما فنظرت إلى راس على عليه السلام في حجر الجارية،
فقالت: يا ابا الحسن فعلتها، فقال: لا والله يا بنت محمد ما فعلت شيئا، فما الذى
تريدين ؟ قالت: تأذن لى في المصير إلى منزل ابى رسول الله، فقال لها: قد اذنت.
فتجلببت بجلبابها وتبرقعت (1)، وارادت النبي صلى الله عليه وآله، فهبط جبرئيل عليه
السلام، فقال: يا محمد ان الله يقرئك السلام، ويقول لك: ان هذه فاطمة قد اقبلت
تشكو عليا عليه السلام فلا تقبل منها في على شيئا، فدخلت فاطمة عليها السلام، فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وآله: جئت تشكين عليا ؟ قالت: أي ورب الكعبة، فقال
لها: ارجعي إليه، فقولي له: رغم انفي لرضاك. فرجعت إلى على عليه السلام، فقالت له:
يا ابا الحسن رغم انفي لرضاك، تقولها ثلاثا، فقال لها على عليه السلام: شكوتني إلى
خليلي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله، واسواتاه من رسول الله، اشهد (2) يا
فاطمة ان الجارية حرة لوجه الله، وان الاربعمائة درهم التى فضلت من عطائي صدقة على
فقراء المدينة. ثم تلبس وانتعل واراد النبي صلى الله عليه وآله، فهبط جبرئيل عليه
السلام، فقال: يا محمد ان الله عزوجل يقرئك السلام، ويقول لك: قل لعلى عليه
السلام: قد اعطيتك الجنة بعتقك الجارية في رضا فاطمة، والنار للاربعمائة درهم التى
تصدقت بها فادخل الجنة من شئت برحمتي، واخرج من النار من شئت بعفوى، فعندها قال
على عليا السلام: انا قسيم الله بين الجنة والنار (3). 3 - محمد بن يعقوب، عن
الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن احمد بن محمد، عن الحسن بن (4) محمد الهاشمي،
عن ابيه، عن احمد بن
1)
في المصدر: وتبرقعت ببرقعها. 2) في المصدر: اشهد الله يا فاطمة. 3) العلل: 163 ح 2
وعنه البحار ج 43 / 147 ح 3 وعن مناقب ابن شهر اشوب: 3 / 342 وبشارة المصطفى: 101.
وفى البحار: 39 / 207 ح 26. 4) الحسن بن محمد الهاشمي: بن الفضل بن يعقوب بن سعد
بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب. وثقه النجاشي، وروى عن الرضا عليه السلام.
[ 279 ]
عيسى،
عن ابى عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (انما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا) قال: انما يعنى اولى بكم أي احق بكم وباموركم وانفسكم واموالكم، الله ورسول
(والذين آمنوا) يعنى عليا واولاده الائمة عليهم السلام إلى يوم القيامة. ثم وصفهم
الله عزوجل فقال: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1) وكان امير
المؤمنين عليه السلام في صلوة الظهر، وقد صلى ركعتين وهو راكع، وعليه حلة قيمتها
الف دينار، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساه اياها، وكان النجاشي اهداها
له. فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولى الله واولى بالمؤمنين من انفسهم تصدق على
مسكين: فطرح الحلة إليه، واومى بيده ان احملها: فانزل الله عزوجل فيه هذه الآية،
وصير نعمة اولاده (2) بنعمته، فكل من بلغ من اولاده مبلغ الامامة يكون بهذه النعمة
(3) مثله، فيتصدقون وهم راكعون، والسائل الذى سأل امير المؤمنين عليه السلام من
الملائكة، والذين يسألون الائمة من أولاده يكونون من الملائكة (4).
1)
المائدة: 55. 2) أي جعل نعمة اولاده ملصقة بنعمته فاتى بصيغة الجمع. 3) في بعض
النسخ: بهذه الصفة. 4) الكافي ج 1 / 288 ح 3 - وعنه تأويل الآيات ج 1 / 153 ح 12
والوسائل ج 6 / 334 ح 1 - والبرهان ج 1 / 480 ح 4.
[ 281 ]
1 - الشيخ في
" اماليه " قال: اخبرنا محمد بن محمد، يعنى المفيد، قال: اخبرنا أبو
الحسن على بن محمد الكاتب (1) قال: اخبرنا أبو محمد الحسن (2) بن على بن عبد
الكريم، قال: حدثنا ابراهيم بن محمد الثقفى، قال: اخبرني عبيد الله بن (3) هاشم
قال: حدثنا عمرو بن ثابت (4)، عن جبلة بن سحيم (5)، عن ابى، قال: لما بويع امير
المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام بلغة ان معاوية قد توقف عن اظهار البيعة له،
وقال: ان اقرني على الشام واعمالي التى ولانيها عيمان بايعته، فجاء المغيرة (6)
إلى امير المؤمنين عليه السلام، فقال له: يا امير المؤمنين ان معاوية من قد عرفت،
وقد ولاه
1)
أبو الحسن على بن محمد الكاتب: بن عبد الله المعروف بابن الحبش أو ابن الحبيش،
عنونه الخطيب في " تاريخ بغداد " ج 12 / 87. 2) أبو محمد الحسن بن على
بن عبد الكريم: الزعفراني روى عن ابراهيم القفى الاصفهانى المتوفى سنة (283) وروى
ايضا عن ابى نعيم الفضل بن دكين المتوفى سنة (219) ه كما في " تهذيب التهذيب
". 3) في المصدر المطبوع: عبيد الله بن القاسم، وفى البحار: عبيد الله بن ابى
هاشم، وعلى أي تقدير لم نجد ترجمة له في كتب الرجال. 4) عمرو بن ثابت: ابى المقدام
بن هرمز ابو ثابت الكوفى سنة (172). 5) جبلة بن سحيم: أبو سويرة التيمى الكوفى
المتوفى في فتنة الوليد بن يزيد، وثقه ابن معين وابن حنبل. 6) المغيرة بن شعبة: الثقفى
الكوفى مات سنة (50) ه وهو ابن (70) سنة.
[ 282 ]
الشام
من كان قبلك، فوله أنت كيما تتسق عرى الامور، ثم اعزله إن بدالك. فقال أمير
المؤمنين عليه السلام: أتضمن لى عمرى يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه ؟ قال:
لا، قال: لا يسألنى الله عزوجل عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا:
(وما كنت متخذ المضلين عضدا) (1) لكن أبعث إليه وأدعوه إلى ما في يدى من الحق، فإن
أجاب فرجل من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، وإن أبى حاكته إلى الله، فولى
المغيرة، وهو يقول: فحاكمه أذا، فحاكمه إذا، فأنشأ يقول: نصحت عليا في ابن حرب
نصيحة فرد فما منى له الدهر ثانية ولم يقبل النصح الذى جئته به وكانت له تلك
النصيحة كافية وقالوا له: ما أخلص النصح كله فقلت له: إن النصيحة عالية (2) فقام
قيس بن (3) سعد رحمه الله، فقال يا امير المومنين: إن المغيرة أشار عليك بأمر لم
يرد الله به، فقدم فيه رجلا وأخر فيه أخرى، وإن كان لك الغلبة تقرب إليك بالنصيحة،
وإن كانت لمعاوية تقرب إليه بالمشورة، ثم أنشأ يقول: يكاد ومن أرسى ثبيرا مكانه *
مغيرة أن يقوى عليك معاوية وكنت بحمد الله فيها موفقا * وتلك التى راأكها (4) غير
كافية فسبحان من أعلى السماء مكانها * والارض دحاها فاستقرت كماهيه (5)
1)
الكهف: 51. 2) في المصدر المطبوع والبحار: غالية (بالغين المعجمة). 3) قيس بن سعد:
بن عبادة بن دليهم، أبو عبد الملك الساعدي الانصاري الخزرجي المدنى المتوفى سنة
(60) ه - رجال صحيح البخاري ج 2 / 615 - 4) في المصدر والبحار: " أراكها
" ولكن المصراع كما ترى غير موزون والظاهر أن الصحيح: " راأكها "
أي شاوركها. 5) أمالى الطوسى ج 1 / 85 - وعنه البحار ج 32 / 386 ح 359.
[ 283 ]
2 - وعنه، قال:
اخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثنا أبو الحسن (1) على بن بلال المهلبى، قال أخبرنا
على بن عبد الله بن أسد الاصفهانى (2)، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفى قال:
حدثنا محمد بن عبد الله بن (3) عثمان، قال: حدثنى على بن أبى سيف (4) عن على بن
حباب (5)، عن ربيعة (6)، وعمارة، أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين على بن أبى طالب
عليه السلام مشوا إليه عند تفرق الناس عنه، وفرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما
في يديه من الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين اعط هذه الاموال، وفضل هذه الاشراف
من العرب وقريش على الموالى والعجم، ومن تخاف عليه من الناس وفراره إلى معاوية.
فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمروني (7) أن أطلب النصر بالجور، لا والله
لا أفعل (8) ما طلعت شمس، وما لاح في السماء نجم، والله لو كان مالهم لى لواسيت
بينهم، وكيف وإنما هو (9) أموالهم، قال: ثم أزم (10)
1)
أبو الحسن على بن بلال: بن أبى معاوية المهلبى الازدي، من فقهاء الشيعة، ذكره
الشيخ في رجاله وقال: له كتاب الغدير، ووثقه النجاشي، وكان حيا في سنة (353) ه. 2)
هو على بن عبد الله بن كوشيد الاصفهانى. له رواية عن إبراهيم الثقفى في التهذيب
باب الدعاء بين الركعات. 3) محمد بن عبد الله بن عثمان الخزاعى البصري المتوفى سنة
(223). 4) على بن أبى سيف: محمد بن عبد الله أبو الحسن المدائني المؤرخ المعروف
المولود سنة (135) والمتوفى ببغداد سنة (225) ه. 5) في بعض النسخ وفى المستدرك
نقلا عن مجالس المفيد: " على بن أبى حباب " وفى " الغارات ":
" أبى حباب " وليس المراد به سعيد بن يسار المدنى فإنه كما في "
التقريب " توفى سنة (117) ه، والمدائني ولد كما مر سنة (135) ولا يمكن روايته
عنه، ويمكن أن يكون الصواب كما قال في تعليقات " أمالى المفيد " "
أبا جناب " (بالجيم قبل النون) وهو يحيى بن أبى حية الكلبى الذى روى عن ربيعة
غير مرة. 6) هذا الرجل وكذا عمارة لم نتمكن من تطبيقهما على أحد من المسمين بهما.
7) قال ابن أبى الحديد في شرحه: أصل " تأمرونني بنونين فأسكن الاولى وأدغم،
قال تعالى: (أفغير الله تأمروني أيها الجاهلون) الزمر: 64. 8) في البحار: لا أضل.
9) في الغارات وأمالى المفيد: فكيف وإنما هي أموالهم. 10) في مجمع البحرين: أزم
القوم أي أمسكوا عن الكلام. قال بعض أهل اللغة: " أرم القوم (بالراء المهملة
والميم المشددة): سكتوا.
[ 284 ]
أمير
المؤمنين عليه السلام طويلا ساكتا ثم قال: من كان له مال فإياه والفساد، فإن إعطاء
المال في غير حفه تبذير وإسراف، وهو وإن كان ذكرا لصاحبه في الدنيا، فهو يضيعه عند
الله عزوجل، ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم، وكان
لغيره ودهم، فإن بقى معه من يوده ويظهر له الشكر فإنما هو ملق وكذب يريد التقرب به
إليه لينال منه مثل الذى كان يأتي إليه من قبل، فإن زلت بصاحبه النعل (1) فاحتاج
إلى معونته أو مكافاته فشر خليل وألام خدين (2). ومن صنع المعروف فيما آتاه الله
فليصل به القرابة، وليحسن فيه الضيافة، وليفك به العانى، وليعن به الغرام، وابن
السبيل والفقراء والمجاهدين في سبيل الله، وليصبر نفسه على النوائب والحقوق فإن
الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك فضائل الآخرة (3). 3 - ابن بابويه في
" أماليه " حدثنا أبى رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال:
حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن عبد الرحمن بن أبى نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن
قيس، عن أبى جعفر عليه السلام، قال: كان عليه السلام كل بكرة يطوف في اسواق الكوفة
سوقا سوقا، ومعه الدرة على عاتقه، وكان لها طرفان، وكانت تسمى السبيبة (4) فيقف
سوقا (5) وسوقا فينادى يا معشر التجار قدموا الاستخارة (6)، وتبركوا بالسهولة،
1)
في مجمع الامثال: " زلت به نعله ": يضرب لمن نكب وزالت نعمته. 2)
الخدين: الصديق. 3) امالي الطوسى ج 1 / 197 - وعنه البحار ج 41 / 108 ح 15 وج 96 /
164 ح 4 وعن امالي المفيد: 175 ح 6 - واخرج صدره في الوسائل ج 11 / 81 ح 6، وذيله
في ص 532 ح 3 عنه وعن الكافي ج 4 / 31 ح 3 نحوه، واخرجه في البحار ج 8 / 695
ومستدرك الوسائل ج 12 / 351 ح 2 عن الغارات ج 1 / 74. 4) في هامش الامالى للمفيد
والكافي: وجه تسمية درته بالسبيبة لكونها ذا سبابتين وذا شقتين - والسب: الشق. 5)
في امالي المفيد: فيقف على أهل كل سوق، وفى البحار: فيقف على سوق سوق. 6) في هامش
الكافي: " قدموا الاستخارة " أي اطلبوا الخير من الله تعالى في أوله
" وتبركوا بالسهولة " أي وابتغوا البركة أيضا منه تعالى بالسهولة في
البيع والشراء أي بكونكم سهل البيع والشراء.
[ 285 ]
واقتربوا
(1) من المبتاعين وتزينوا بالحلم وتناهوا عن الكذب (2) واليمين وتجافوا عن الظلم،
وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان، (ولا تبخسوا الناس
أشيائهم ولا تعثوا في الارض مفسدين) (3) يطوف في جميع أسواق الكوفة فيقول: هذا، ثم
يقول: تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها * من الحرام ويبقى الاثم والعار تبقى عواقب سوء
في مغبتها * لا خير في لذة من بعدها النار (4) 4 - السيد الرضى في الخصائص قال:
ذكر أن بعض عمال أمير المؤمنين أنفذ إليه في عرض ما أنفذ من جباية مال الفئ أقطفا
غلاظا، وكان عليه السلام يفرق كل شئ يحمل إليه من مال الفئ لوقته ولا يؤخره، وكانت
هذه القطف قد جاءته مساء، فأمر بعدها ووضعها في الرحبة ليفرقها من الغد. فلما أصبح
عدها فنقصت واحدة، فسأل عنها، فقيل له: إن الحسن بن على عليهم السلام استعارها في
ليلته، على أن يردها اليوم، فهرول عليه السلام مغضبا إلى منزل الحسن عليه السلام،
وكان من عادته أن يستأذن على منزله إذ جاء، فهجم بغير إذن، فوجد القطيفة في منزله
فأخذها بطرفها يجرها وهو يقول: النار يا أبا محمد، النار يا أبا محمد حتى خرج (5).
5 - قال السيد الرضى أيضا: ذكروا أن بعض العمال أيضا حمل إليه في جملة الجباية
حبات من اللؤلؤ فسلمها إلى بلال، وهو خازنه على بيت المال، إلى أن ينضاف إليها
غيرها فيفرقها، فدخل يوما إلى منزله فوجد في أذن إحدى بناته الاصاغر حبة من تلك
الحبات، فلما رآها اتهمها بالسرقة، فقبض على يدها،
1)
واقتربوا من المبتاعين: أي لا تغالوا في الثمن فينفروا. 2) في أمالى المفيد:
وتناهوا عن اليمين، وجانبوا الكذب. 3) هود: 85 - الشعراء: 183. 4) أمالى الصدوق: 2
/ 402 ح 6 - وعنه البحار ج 103 / 94 ح 10 والبحار ج 41 / 104 ح 5 عنه وعن أمالى
المفيد: 197 ح 31 بسند آخر وفى الوسائل ج 12 / 283 ح 1 عنه وعن الكافي ج 5 / 151 ح
3 - والتهذيب ج 7 / 6 ح 17 - والفقيه ج 3 / 193 ح 3726 مرسلا نحوه. 5) الخصائص:
78.
[ 286 ]
فقال
والله لئن وجب عليك حد لا قيمنه فيك، فقالت: يا أمير المؤمنين إن بلالا أعارنيها
ليفرحني بها إلى أن تقرن مع أخواتها، فجذبها إلى بلال جذبا عنيفا، وهو مغضب، فسأله
عن صدق قولها، فقال: هو كما ذكرت يا أمير المؤمنين، فقال: والله لا وليت لى عملا
أبدا، وخلى يد الجارية (1). 6 - الشيخ في " التهذيب " بإسناده عن على بن
إبراهيم، عن الحجال، عن صالح بن السندي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب
(2)، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن على بن أبى رافع (3)، قال كنت على بيت مال
على بن أبى طالب عليه السلام وكاتبه، وكان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان أصابه يوم
البصرة، قال: فأرسلت إلى بنت على بن أبى طالب عليه السلام فقالت لى: بلغني أن في
بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام عقد لؤلؤ، وهو في يدك، وأنا أحب أن تعيرنيه
أتجمل به في أيام عيد الاضحى، فأرسلت إليها عارية مضمونة مردودة يا بنت أمير
المؤمنين ؟ فقالت: نعم عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام، فدفعته إليها، وأن
أمير المؤمنين عليه السلام رآه عليها فعرفه، فقال لها: من أين صار هذا العقد إليك
؟ فقالت: استعرته من على بن أبى رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام
لاتزين به في العيد ثم أرده. قال: فبعث إلى أمير المؤمنين عليه السلام فجئته، فقال
لى: أتخون المسلمين يا ابن أبى رافع ؟ فقلت له: معاذ الله أن أخون المسلمين، فقال:
كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذى في بيت مال المسلمين بغير إذنى ورضاهم ؟
فقلت: يا أمير المؤمنين إنها ابنتك، وإنها سألتنى أن أعيرها إياها تتزين به
فأعرتها إياه عارية مضمونة مردودة، فضمنته في مالى وعلى أن أرده سليما إلى موضعه،
قال: فرده من يومك وإياك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي.
1)
الخصائص: 78. 2) عبد الله بن غالب: الاسدي الفقيه الشاعر روى عن الباقر والصادق
والكاظم عليهم السلام. 3) على بن أبى رافع: التابعي من خيار الشيعة، وجمع كتابا في
فنون من الفقه.
[ 287 ]
ثم
أولى لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت إذا أول هاشمية
قطعت يدها في سرقة، قال: فبلغ مقالته ابنته، فقالت له: يا أمير المؤمنين أنا ابنتك
وبضعة منك، فمن أحق بلبسه منى ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا بنت على بن
أبى طالب لا تذهبن بنفسك عن الحق، أكل نساء المهاجرين تتزين في هذا العيد بمثل هذا
؟ قال: فقبضته منها ورددته إلى موضعه (1). 7 - محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد
العاصمى (2)، عن محمد بن أحمد النهدي (3) عن محمد بن على، عن شريف بن سابق، عن
الفضل بن أبى قرة، عن أبى عبد الله عليه السلام، قال: أتت الموالى أمير المؤمنين
عليه السلام فقالوا: نشكوا إليك هؤلاء العرب، إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يعطينا معهم العطايا بالسوية، وزو ج سلمان، وبلالا، وصهيبا، وأبوا علينا هؤلاء،
وقالوا: لا نفعل، فذهب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فكلمهم فيهم، فصاح
الاعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن، أبينا ذلك، فخرج وهو مغضب يجر رداءه، وهو يقول:
يا معشر الموالى إن هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصارى، يتزوجون إليكم ولا
يزوجونكم، ولا يعطونكم مثل ما يأخذون، فاتجروا بارك الله، فإنى سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول: الرزق عشرة أجزاء: تسعة أجزاء في التجارة، وواحدة في غيرها
(4). 8 - وعنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن (5) فضال، عن ابن بكير،
عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام
1)
التهذيب ج 10 / 151 ح 37 - وعنه الوسائل ج 18 / 521 ح 1 - وأخرجه في البحار ج 4 /
337 ح 22 في تنبيه الخواطر ج 2 / 3 باختلاف. 2) أحمد بن محمد العاطمى: بن أحمد بن
طلحة أبو عبد الله الكوفى البغدادي له كتب: منها كتاب النجوم، وكتاب مواليد الائمة
وأعمارهم، تقدم ذكره. 3) النهدي: محمد بن أحمد بن خاقان أبو جعفر القلانسى الفقيه
الكوفى. 4) الكافي ج 5 / 318 ح 59 - تقدم في الباب (56) من المنهج الاول الحديث
التاسع، وله تخريجات ذكرناها هناك. 5) هو الحسن بن على بن فضال الكوفى تقدم ذكره.
[ 288 ]
يقول:
أقيم عبيد الله بن عمر، وقد شرب الخمر فأمر به عمر أن يضرب فلم يتقدم إليه أحد
يضربه حتى قام على عليه السلام بنسعة (1) مثنية فضربه أربعين (2).
1)
النسع: سير أو حبل طويل عريض تشد به الرحال، وحزام يكون في صدر البعير ينسج عريضا.
2) الكافي ج 7 / 214 ح 3 - وعنه الوسائل ج 18 / 466 ح 2 واخرجه في البحار ج 79 /
164 ح 20 عن التهذيب ج 10 / 90 ح 6.
[ 289 ]
1 -
الشيخ في " أماليه " قال أخبرنا أبو الفتح (1) هلال بن محمد بن جعفر
الحفار، قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن (2) على بن على الدعبلي، قال: حدثنا
أبى، قال: حدثنا أخى دعبل (3)، قال: حدثنا محمد بن سلامة الشامي، عن زرارة بن
أعين، عن أبى جعفر محمد بن على، عن ابن عباس، وعن محمد (4) عن أبيه عن جده، قال:
ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام. فقال: والله لقد
تقمصها ابن أبى قحافة وإنه ليعلم أن محلى منها محل القطب من الرحا، ينحدر عنى
السيل، ولا يرقى إلى الطير، ولكني سدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا وقد طفقت عنها
برهة بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يضيع فيها الصغير، ويدب فيها
الكبير (5)
1)
هو أبو الفتح هلال بن محمد: عالم، فاضل، عظيم القدر والشأن له كتاب الامالى ينقل
عنه ابن شهر اشوب في المناقب، توفى سنة (414) ه. 2) إسماعيل بن على بن على بن رزين
بن عثمان بن عبد الرحمان بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعى أبو القاسم ابن أخى
دعبل، كان بواسط وولى الحسبة بها، ترجمه الشيخ في الفهرست، سمع من أبيه ببغداد سنة
(272) ه. 3) دعبل بن على بن رزين الخزاعى الشاعر المولود سنة (148) والمتوفى سنة
(246) ه. 4) (وعن محمد) يعنى الباقر عليه السلام. 5) في نهج البلاغة: طخية عمياء،
يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت..
[ 290 ]
فرايت
الصبر على هاتى أحجى لى، وفى العين قذى، وفى الحلق شجا، بين أن أرى تراث محمد صلى
الله عليه وآله نهبا، إلى أن حضرته الوفاة، فأدلى بها إلى عمر، فيا عجبا، بينما هو
يستقيلها في حياته، إذ عهد بها وعقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا ضرعيها، ثم
تمثل: شتان ما يومى على كورها ويوم حيان أخى جابر فعقدها والله في ناحية خشناء،
يخشن مسها ويغلظ كلمها، ويكثر العثار والاعتذار فيها، فصاحبها منها كراكب الصعبة
إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها عسفت به. فمنى الناس لعمر الله بخبط وشماس، وتلون
واعتراض إلى أن مضى لسبيله، فجعلها شورى بين ستة زعم أنى أحدهم، فيا للشورى ولله،
متى اعترض الريب في مع الاولين فأنا الآن أقرن إلى هذه النظائر، ولكن أسففت مع القوم
حيث أسفوا، وطرت مع القوم حيث طاروا، وأصبر لطول المحنة وانقضاء المدة، فمال رجل
لضغنه، وأصغى آخر إلى صهره، مع هن وهن، إلى أن قام الثالث، نافجا حضنيه بين نثيله
ومعتلفه منها، وأسرع معه بنو أبيه في مال الله، يخضمونه خضم الابل نبتة الربيع،
حتى انتكثت به بطانته، وأجهز عليه عمله. فما راعني من الناس إلا وهم رسل كعرف
الضبع، يسألونى أبايعهم وأبى ذلك وانثالوا على حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفا
رداى، فلما نهضت بها وبالامر فيها، نكثت طائفة، ومرقت طائفة، وقسط آخرون، كأنهم لم
يسمعوا الله يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا
فسادا والعاقبة للمتقين) (1) بلى والله لقد سمعوها، ولكن راقهم دنياهم، وأعجبهم
زبرجها. أما والذى خلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، ولزوم
1)
القصص: 83.
[ 291 ]
صحة
الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله من أوليائه أن لا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب
مظلوم، لالقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولالفوا دنياهم أزهد
عندي من عفطة عنز. فناوله رجل من أهل السواد كتابا فانقطع كلامه فما أسفت على شئ
كأسفي على ما فات من كلامه، فلما فرغ من قرائته، قلت له: يا أمير المؤمنين عليه
السلام لو اطردت مقالتك من حيث افضيت إليه منها ؟ فقال: هيهات يا بن عباس كانت
شقشقة هدرت ثم قرت (1). 2 - ورواه ابن بابويه في " العلل " قال: حدثنا
محمد (2) بن على ماجيلويه، عن محمد بن أبى القاسم (3)، عن أحمد بن أبى عبد الله
البرقى، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة،
عن ابن عباس، قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام
فقال (أما) والله لقد تقمصها ابن أبى قحافة أخوتيم، وإنه ليعلم أن محلى منها محل
القطب من الرحا، ينحدر عنى السيل، ولا يرقى إلى الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت
عنها كشحا، وطفقت أرتأى بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يشيب فيها
الصغير، ويهرم الكبير، فيكدح مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتى احجى،
فصبرت وفى العين قذى، وفى الحلق شجى، أرى تراثي نهبا. حتى إذا مضى لسبيله، فأدلى
بها إلى فلان بعده، عقدها لاخى عدى بعده، فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ
عقدها لآخر بعد وفاته ! فصيرها والله في حوزة خشناء يخشن مسها، ويغلظ كلمها، ويكثر
العثار والاعتذار
1)
أمالى الطوسى ج 1 / 382 - وعنه البحار ج 8 / 153 ط - الحجرى معاني الاخبار: 360 ح
1 - الارشاد للمفيد: 152. 2) محمد بن على ماجيلويه القمى: يفهم من العلامة الحلى
قدس سره توثيقه، إذ صحح طريق الصدوق إلى إسماعيل بن رباح وهو فيه - جامع الرواة ج
2 / 157 - 3) محمد بن أبى القاسم: عبيد الله أو عبد الله بن عمران الخبابى البرقى
الملقب بماجيلويه، القمى، عالم، فقيه، عارف بالادب والشعر، وهو صهر أحمد بن أبى
عبد الله البرقى على ابنته - جامع الرواة ج 2 / 56 -
[ 292 ]
منها،
فصاحبها كراكب الصعبة إن عنف بها حرن، وإن أسلس غسق، فمنى الناس لعمر الله بخبط
وشماس، وتلون واعتراض، وهو مع هن وهن، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة. حتى إذا
مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنى منهم، فيالله وللشورى متى اعترض الريب في مع
الاول منهم، حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر فمال رجل لضغنه، وأصغى آخر لصهره. وقام
ثالث القوم نافجا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقاموا معه بنو امية يخضمون مال الله
خضم الابل نبت الربيع، حتى أجهز عليه عمله، وكبت به مطيته، فما راعني إلا والناس
إلى كعرف الضبع، قد انثالوا على من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاى، حتى
إذا نهضت بالامر، نكثت طائفة، وفسقت اخرى، ومرق آخرون، كأنهم لا يسمعون الله تبارك
وتعالى يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا
والعاقبة للمتقين) (1) بلى والله لقد سمعوها ووعوها، لكن احلولت الدنيا في أعينهم،
وراقهم زبرجها. أما والذى فلق الحبة، وبرئ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة
بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يصبروا على كظة ظالم، ولا لسغب
مظلوم، لالقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولالفيتم دنياكم هذه
عندي أزهد من عفطة عنز. قال: وناوله رجل من أهل السواد كتابا، فقطع كلامه وتناول
الكتاب، فقلت: يا أمير المؤمنين: لو اطردت مقالتك إلى حيث بلغت ؟ فقال: هيهات يا
بن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت (2). قال ابن بابويه عقيب الحديث: سألت الحسن بن
عبد الله (3) بن سعيد
1)
القصص: 83. 2) علل الشرائع: 150 ح 12. 3) الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري: بن
الحسن بن إسماعيل بن حكيم منسوب إلى عسكر = = مكرم مدينة من كور الاهواز، ولد سنة
(293) وتوفى سنة (382)، وله مصنفات - الجامع في الرجال ج 1 / 511 - (*)
[ 293 ]
العسكري
عن تفسير هذا الخبر ففسره لى قال: تفسير الخبر. قوله عليه السلام: " لقد
تقمصها " أي لبسها مثل القميص، يقال: تقمص الرجل، وتدرع، وتردى، وتمندل. قوله
عليه السلام: " محل القطب من الرحى " أي تدور على كما تدور الرحى على
قطبها. قوله عليه السلام: " ينحدر عنى السيل ولا يرقى إلى الطير "، يريد
أنها ممتنعة على غيرى، لا يتمكن منها، ولا يصلح لها. قوله عليه السلام: "
فسدلت دونها ثوبا " أي أعرضت عنها، ولم أكشف وجوبها لى، والكشح، والجنب،
والخاصرة بمعنى. قوله عليه السلام: " طويت عنها كشحا " أي أعرضت عنها،
والكاشح: الذى يوليك كشحه، أي جنبه. قوله: " وطفقت أرتأى " أفكر وأستعمل
الرأى، وأنظر في أن أصولها بيد جذاء، وفى المقطوعة، وأراد قلة الناصر. قوله:
" أو أصبر على طخية "، فللطخية موضعان، فأحدهما الظلمة، والآخر الغم
والحزن يقال: أخذ على قلبى طخياء، أي حزنا وغما، وهو ههنا يجمع الظلمة، والغم،
والحزن. قوله عليه السلام: " يكدح مؤمن " أي يدأب ويكسب لنفسه، ولا يعطى
حقه. قوله عليه السلام: " أحجى " أي أولى من هذا، وأخلق، وأحرى، وأوجب،
كله قريب المعنى. قوله عليه السلام: " في حوزة " أي في ناحية، يقال: حزت
الشئ
[ 294 ]
أحوزه
حوزا، إذا جمعته، والحوزة ناحية الدار، وغيرها. قوله عليه السلام: " كراكب
الصعبة " يعنى: الناقة التى لم ترض إن عنف بها، والعنف ضد الرفق. قوله عليه
السلام: " حرن "، أي وقف، ولم يمش وإنما يستعمل الحران في الدواب فأما
في الابل، فيقال: خلت الناقة وبها خلا، وهو مثل حران الدواب، إلا أن العرب إنما
تستعيره في الابل. قوله: " أسلس بها غسق " أي أدخله في الظلمة. قوله:
" مع هن وهن " يعنى الادنياء من الناس تقول العرب: فلان هنى، وهو تصغير
هن أي دون الناس، ويريدون تصغير أموره. قوله: " فمال رجل بضغنه " ويروى
بضيعه، وهما قريب، وهو أن يميل بهواه ونفسه إلى رجل بعينه. قوله: " وأصغى آخر
لصهره " فالصغو: الميل، يقال صغوك مع فلان، أي ميلك معه. قوله: " نافجا
حضنيه " فيقال في الطعام والشراب وما اشبههما: قد انتفج بطنه بالجيم، ويقال
في داء يعترى الناس: قد انتفخ بطنه بالخاء، والحضنان: جانبا الصدر. قوله: "
بين نثيله ومعتلفه " فالنثيل: قضيب الجمل، وإنما استعاره للرجل هيهنا،
والمعتلف: الموضع الذى يعتلف فيه، أي يأكل، ومعنى الكلام: أي بين مطعمه ومنكحه.
قوله: " يخضمون " أي يكسرون وينقضون، ومنه قوله: هضمني الطعام، أي نقض.
قوله: " أجهز " أي أتى عليه وقتله، يقال: أجهزت على الجريح، إذا كانت به
جراحة فقتله. قوله عليه السلام: " كعرف الضبع " شبههم به لكثرته،
والعرف:
[ 295 ]
الشعر
الذى يكون على عنق الفرس، فاستعاره للضبع. قوله عليه السلام: " وقد انثالوا
" أي انصبوا على، وكثروا، ويقال: انثلت ما في كنانتي من السهام، إذا أصببته.
قوله عليه السلام: " وراقهم زبرجها " أي أعجبهم حسنها، وأصل الزبرج:
النقض، وهو ههنا زهرة الدنيا وحسنها. وقوله عليه السلام: " أن لا يقروا على
كظة ظالم " والكظة: الامتلاء، يعنى أنهم لا يصبرون على امتلاء الظالم من
المال الحرام، ولا يقاروه على ظلمه. قوله: " ولا سغب مظلوم " فالسغب:
الجوع، ومعناه منعه من حق الواجب. قوله: " لالقيت حبلها على غاربها "
هذا مثل، تقول العرب: ألقيت حبل البعير على غاربه ليرعى كيف شاء. ومعنى قوله:
" لسقيت آخرها بكأس أولها " أي لتركتهم في ضلالتهم وعماهم. قوله عليه
السلام: " أزهد عندي " فالزهيد: القليل. قوله عليه السلام: " من
جيفة عنز " فالجيفة تخرج من دبر العنز من الريح، والعفطة: ما تخرج من أنفها.
قوله عليه السلام: " تلك شقشقة هدرت ثم قرت " فالشقشقة ما يخرجه البعير
من جانب فيه، إذا هاج وسكر. ثم قال ابن بابويه: فحدثنا بهذا الحديث محمد بن
إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودى،
قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عمار بن خالد، قال: حدثنا يحيى (1) بن عبد الحميد
الحمانى، قال: حدثنا عيسى بن راشد، عن على بن حذيفة، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله
سواء.
1)
يحيى بن عبد الحميد الحمانى: الحافظ الكوفى المتوفى سنة (228) ه.
[ 296 ]
والخطبة
الشقشقية ذكرها السيد الرضى قدس الله سره في كتاب " نهج البلاغة " والخبر
بها مستفيض (1).
1)
الخطبة الشريفة من الخطب المشهورة وقد روتها العامة والخاصة، وشرحوها، وضبطوا
ألفاظها من دون غمز في متنها، ولا طعن في أسانيدها إلا ممن في قلبه مرض فزاده الله
مرضا، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى " مصادر نهج البلاغة ج 1 / 309 - إلى 318
- تأليف السيد عبد الزهراء الحسينى الخطيب.
[ 297 ]
1 - الشيخ في "
أماليه " قال: حدثنا محمد بن محمد، يعنى المفيد، قال أبو الحسن على بن محمد
الكاتب: قال: حدثنا الحسن بن على الزعفراني، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد
الثقفى قال: حدثنا المسعودي (1): قال: حدثنا محمد بن كثير، عن يحيى بن حماد
القطان، قال: حدثنا أبو محمد الحضرمي، عن أبى (2) على الهمداني، أن عبد الرحمن بن
أبى ليلى قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إنى سائلك لآخذ عنك، وقد انتظرنا
أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله، ألا تحدثنا من أمرك هذا ؟ أكان بعهد من رسول الله
صلى الله عليه وآله أو لشئ رأيته ؟ فإنا قد أكثرنا فيك الاقاويل، وأوثقه عندنا ما
قبلناه عنك وسمعناه من فيك، إنا كنا نقول: لو رجعت (3) إليكم بعد رسول الله صلى
الله عليه وآله لم ينازعكم فيها أحد، والل ما أدرى إذا سئلت ما أقول ؟ أزعم أن
القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك، فإن قلت: ذلك، فعلى - م - نصبك رسول الله صلى
الله عليه وآله بعد حجة
1)
المسعودي: يوسف بن كليب بن عبد الملك، لم أظفر بذكر له في كتب الرجال إلا ان
المفيد قدس سره نقل في أماليه روايات يكون الرجل في إسنادها. 2) أبو على الهمداني:
ثمامة بن شفى الاصبحي المتوفى في خلافة هشام بن عبد الملك، وثقه النسائي، ترجمه
ابن أبى حاتم الرازي في " الجرح والتعديل " ج 2 / 466. 3) لو رجعت: يعنى
الخلافة.
[ 298 ]
الوداع
؟ فقال: " أيها الناس من كنت مولاه فعلى مولاه " (1) وإن كنت أولى منهم
بما كانوا فيه فعلى م نتولاهم ؟ فقال عليه السلام: يا عبد الرحمن إن الله تعالى
قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا يوم قبضه صلى الله عليه وآله أولى بالناس
منى بقميصي هذا، وقد كان من نبى الله إلى عهد لو خرمتمونى (2) بأنفى لاقررت سمعا
لله وطاعة، وإن أول ما انتقصنا بعده إبطال حقنا في الخمس، فلما رق أمرنا طمعت
رعيان (3) قريش فينا، وقد كان لى على الناس حق لو ردوه إلى عفوا (4) قبلته وقمت
به، وكان إلى أجل معلوم، وكنت كرجل له على الناس حق إلى أجل، فإن عجلوا له ماله
أخذه وحمدهم عليه، وإن أخروه أخذه غير محمودين، وكنت كرجل يأخذ السهولة وهو عند
الناس محزون (5)، وإنما يعرف الهدى بقلة من يأخذه من الناس، فإذا سكت فاعفوني،
فإنه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلى الجواب أجبتكم، فكفوا عنى ما كففت عنكم. فقال عبد
الرحمن: يا أمير المؤمنين فأنت لعمرك كما قال الاول:
1)
في هامش أمالى المفيد: يدل أولا أن المسلمين في صدر الاسلام والذين شهدوا القول من
رسول الله صلى الله عليه وآله فهموا من لفظ (المولى) الولاية بمعنى الحكومة
والاولى بالتصرف لاغير، وثانيا يعطينا خبرا بأن الشكوك والتشكيك في اللفظ إنما
حدثت بعد لتلبيس الامر وإخفاء الحق وإعذار من تقمصها وارتدى بها. 2) خرم فلانا: شق
وترة أنفه، وفى أمالى المفيد: لو خزمتمونى (بالزاى) يقال: خزم أنف فلان: أذله. 3)
الرعيان (بضم الراء وكسرها) جمع الراعى، وفى أمالى المفيد: طمعت رعيان البهم من
قريش فينا. 4) في هامش أمالى المفيد: " لو ردوه إلى عفوا " أي بغير
مسألة، وذلك إنما ينفذ حكم الوالى ويجرى إذا كان له مضافا إلى مشروعيته بالنص من
الله تعالى ورسوله القبول من قبل العامة، وإلا وإن أثموا في عدم ردهم إليه لا يكون
الحكومة بالعنف والتحميل، ولا رأى لمن لا يطاع. 5) قال العلامة المجلسي قدس سره:
قوله: " وهو عند الناس محزون " لعل الاصواب " حرون " (بفتح
الحاء المهملة وضم الراء) وهى الشاة السيئة الخلق، ولما لم يمكنه عليه السلام في
هذا الوقت التصريح بجور الغاصبين أفهم السائل بالكناية التى هي أبلغ.
[ 299 ]
لعمري
لقد ايقظت من كان نائما * وأسمعت من كانت له اذنان (1) 2 - عنه قال: أخبرنا محمد
بن محمد قال: أخبرني أبو الحسن على بن محمد الكاتب، قال: أخبرنا الحسن بن على بن
عبد الكريم، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفى، قال: أخبرني أبو نعيم
الفضل بن دكين، قال: حدثنا أبو عاصم (2) عن قيس (3) بن مسلم، قال: سمعت طارق بن
شهاب (4) يقول: لما نزل على عليه السلام بالربذة، سألت عن قدومه إليها، فقيل: خالف
عليه طلحة، والزبير، وعائشة، وصاروا إلى البصرة، فخرج يريدهم، فصرت إليه فجلست حتى
صلى الظهر والعصر، فلما فرغ من صلاته، قام إليه ابنه الحسن بن على عليهما السلام،
فجلس بين يديه، ثم بكى وقال: يا أمير المؤمنين إنى لا أستطيع أن أكلمك وبكى، فقال
له أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبك يا بنى وتكلم، ولا تحن حنين الجارية، فقال
يا أمير المؤمنين إن القوم حصروا عثمان يطلبونه بما يطلبونه، إما ظالمون أو
مظلومون، فسألتك أن تعتزل الناس وتلحق بمكة حتى تؤب العرب وتعود إليها أحلامها
ويأتيك وفودها: فوالله لو كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الابل حتى تستخرجك
منه، ثم خالفك طلحة والزبير، فسألتك ألا تتبعهما وتدعهما، فإن اجتمعت الامة فذاك،
وإن اختلفت رضيت بما قسم الله (5)، وأنا اليوم أسألك أن لا تقدم العراق، وأذكرك
بالله أن لا تقتل بمضيعة.
1)
أمالى الشيخ ج 1 / 7 وعنه البحار ج 8 / 142 ط الحجرى وفى ص 166 عن أمالى المفيد:
223 ح 2. 2) أبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد الشيباني النبيل البصري الحافظ المتوفى
سنة (212) تقدم من قبل. 3) قيس بن مسلم: أبو عمرو الجدلي، وثقه أحمد بن محمد بن
حنبل، ويحيى بن معين، له ترجمة في " الجرح والتعديل " لابن أبى حاتم
الرازي ج 7 / 103. 4) طارق بن شهاب: البجلى الاحمسي الكوفى أبو عبد الله أدرك
الجاهلية، رأى النبي صلى الله عليه وآله، وثقه يحيى بن معين، توفى سنة (83) ه -
الجرح والتعديل ج 4 / 485 - تقريب التهذيب - 5) في المصدر: رضيت بما قضى الله.
[ 300 ]
فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: أما قولك: إن عثمان حصر فما ذاك وما على منه، وقد كنت
بمعزل عن حصره، وأما قولك: إيت مكة، فوالله ما كنت لاكون الرجل الذى يستحل به مكة،
وأما قولك: اعتزل العراق ودع طلحة والزبير، فوالله ما كنت لاكون كالضبع ينتظر حتى
يدخل عليها طالبها، فيضع الحبل في رجلها حتى يقطع عرقوبها (1)، ثم يخرجها فيمزقها
إربا إربا، ولكن أباك يا بنى يضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع
العاصى المخالف أبدا، حتى يأتي على يومى، فوالله ما زال أبوك مدفوعا عن حقه
مستأثرا عليه، منذ قبض الله نبيه حتى يوم الناس هذا. فكان طارق بن شهاب أي وقت حدث
بهذا الحديث بكى (2). 3 - المفيد في أماليه قال: أخبرني أبو الحسن على بن محمد
الكاتب قال: أخبرني الحسن بن على الزعفراني، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد
الثقفى، قال: حدثنى المسعودي، قال: حدثنا الحسن بن حماد (3)، عن أبيه، قال: حدثنى
رزين (4) بياع الانماط، قال: سمعت زيد بن على بن الحسين عليهم السلام، يقول: حدثنى
أبى، عن أبيه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يخطب الناس، قال في خطبته:
والله لقد بايع الناس أبا بكر، وأنا أولى الناس بهم منى بقميصي هذا، فكظمت غيظي،
وانتظرت أمر
1)
العرقوب (بضم العين المهملة وسكون الراء وضم القاف): عصب غليظ فوق العقب. 2) أمالى
الطوسى ج 1 / 51 - وعنه البحار ج 32 / 103 ح 73 - وأخرج ذيله مع تفاوت يسير في
" نهج البلاغة " الخطبة السادسة: لما أشبر عليه أن لا يتبع طلحة
والزبير، ولا يرصد لهما القتال، قال عليه السلام: " والله لا أكون كالضبع...
الخ ". نقل الحديث في " مصادر نهج البلاغة " عن أمالى الشيخ، ثم
قال: ولعل غاية الحسن صلوات الله عليه أن يظهر للناس غاية أبيه من اتباع طلحة
والزبير وغير ذلك من الامور التى ذكرها فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام عنها،
وإلا فهو يعلم علم اليقين أن أباه سلام الله عليه لا يرد ولا يصدر إلا بأمر من
الله سبحانه كما رسم له ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله. 3) الحسن بن حماد
الطائى: عده الشيخ الطوسى من أصحاب الصادق عليه السلام. 4) رزين بياع الانماط من
اصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، واستظهر الوحيد البهبهانى من رواية الكليني
في باب القول عند الصباح والمساء بسنده عن ابن عمير عن الحسن بن عطية عنه عن
أحدهما عليهما السلام كونه من الثقات الجامع في الرجال ج 1 / 775 -
[ 301 ]
ربى،
والصقت كلكلى (1) بالارض. ثم إن أبا بكر هلك واستخلف عمر، وقد علم الله أنى أولى
الناس بهم منى بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربى. ثم إن عمر هلك وقد جعلها
شورى، فجعلني سادس ستة، كسهم الجدة، وقال: اقتلوا الاقل، وما أراد غيرى، فكظمت
غيظي، وانتظرت أمر ربى، وألصقت كلكلى بالارض، ثم كان من أمر القوم من بعد بيعتهم
لى ما كان، ثم لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بالله عزوجل (2) (3). 4 - وعنه، قال:
أخبرني أبو القاسم جعفر (4) بن محمد بن قولويه رحمه الله، عن أبيه، عن سعد بن عبد
الله، عن أحمد بن (5) علوية، عن إبراهيم بن محمد الثقفى، قال: أخبرنا محمد بن (6)
عمرو الرازي، قال: حدثنا الحسين (7) بن مبارك، قال: حدثنا الحسن بن (8) سلمة، قال:
لما بلغ
1)
الكلكل (بفتح الكاف): الصدر. 2) قوله عليه السلام: " ثم لم أجد إلا قتالهم،
والكفر بالله عزوجل " في هامش أمالى المفيد: ذلك لان ترك قتال الناكث المحارب
والكف عنه حال كونه محاربا تقرير لنكثه وتجويز لاراقة الدماء بغير حق، وترك لما
أمر الله به من قتال الباغى فقال عز من قائل: " فقاتلوا التى تبغى "
الحجرات: 9. 3) أمالى المفيد: 153 - وعنه البحار ج 8 / 166 ط الحجرى - والخبر رواه
العامة بطرق اخر. راجع تاريخ دمشق قسم على بن أبى طالب ج 3 / 175. 4) أبو القاسم
جعفر بن محمد بن موسى بن قولويه القمى من أجلاء الامامية، توفى سنة (368) ه. 5)
أحمد بن علوية الاصبهاني الكرماني الكاتب الشاعر، كان حيا في سنة (310) وله (98)
عاما، له كتب. - بغية الوعاة: 146 - معجم الادباء ج 4 / 72 - 6) محمد بن عمرو بن
عتبة الرازي أبو جعفر، له ترجمة في الجرح والتعديل ج 8 / 32. 7) الحسين بن
المبارك: ذكره الشيخ في الفهرست والنجاشى في رجاله، وله كتاب روى عنه محمد بن خالد
البرقى. 8) لم نعثر عليه بهذا العنوان، وإن قلنا بتصحيف " الحسين "
بالحسن فلا بد من الارسال أو الاضمار، لان الحسين بن سلمة كان من أصحاب الصادق
عليه السلام - هامش أمالى المفيد: 154 -
[ 302 ]
أمير
المؤمنين صلوات الله عليه مسير طلحة، والزبير، وعائشة من مكة إلى البصرة، نادى:
الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد فإن الله
تبارك وتعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قلنا: نحن أهل بيته وعصبته،
وورثته، وأوليائه، وأحق خلائق الله به، لا تنازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك،
إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا صلى الله عليه وآله منا، وولوه غيرنا،
فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور، وأيم الله لولا
مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلى الكفر، ويعور الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما
استطعناه، وقد ولى ذلك ولاة ومضوا لسبيلهم، ورد الله الامر إلينا وقد بايعانى (1)،
وقد نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، اللهم فخذهما بغشهما
بهذه الامة، وسوء نظرهما للعامة. فقام أبو الهيثم بن التيهان رحمه الله، فقال: يا
أمير المؤمنين إن حسد قريش إياك على وجهين: أما خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل،
وارتفاعا في الدرجة، وأما شرارهم فحسدوك حسدا أحبط الله به أعمالهم، وأثقل به
أوزارهم، وما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم
المضمار، وكنت أحق قريش بقريش، نصرت نبيهم حيا، وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما
بغيهم إلا على أنفسهم، ونحن ناصروك وأعوانك، فمرنا بأمرك، ثم أنشأ يقول: إن قوما
بغوا عليك وكادوك وعابوك بالامور القباح ليس من عيبها جناح بعوض فيك حقا ولا كعشر
جناح أبصروا نعمة عليك من الله وقرما (2) يدق قرن النطاح وإماما تأوى الامور إليه
ولجاما يلين غرب (3) الجماح
1)
في المصدر: وقد بايعني هذان الرجلان طلحة والزبير فيمن بايعني. 2) القرم: السيد أو
العظيم - والنطاح (بكسر النون): الكباش الناطحة. 3) الغرب: الحدة - وجماع الفرس:
امتناعه من راكبه.
[ 303 ]
حاكما
تجمع الامامة فيه هاشميا له عراض (1) البطاح حسدا للذى أتاك من الله وعادوا إلى
قلوب قراح (2) وقلوب (3) هناك أوعية البغض على الخير للشقاء شحاح من مسر يكنه حجب
الغيب ومن مظهر العداوة لاح يا وصى النبي نحن من الحق على مثل بهجة الاصباح فخذ
(4) الاوس والقبيل من الخز رج بالطعن في الوغا والكفاح ليس منا من لم يكن لك في
الله وليا على الهدى والفلاح فجزاه أمير المؤمنين عليه السلام خيرا، ثم قام الناس
بعده فتكلم كل واحد بمثل مقاله (5).
1)
العراض (بكسر العين المهملة): الناحية - والبطاح جمع الابطح يعنى بها أبطح مكة. 2)
قلوب قراح: مقروحة بالحسد. 3) في المصدر: ونفوس - وشحاح نعمت لنفوس. 4) فخذ: يحتمل
أن يكون بالتخفيف أي خذهم بالطعن، ويمكن أن يكون مشددا والفاء جزء الكلمة، يقال:
فخذ القوم عن فلان: خذلهم، وفخذ بينهم: فرقهم. 5) امالي المفيد: 154 ح 6 - وعنه
البحار ج 8 / 166 ط الحجرى.
[ 305 ]
1 - محمد بن
على بن بابويه قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان (1) قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد
الحسينى، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن حفص الخثعمي، قال: حدثنا الحسن بن عبد
الواحد (2)، قال: حدثنى أحمد بن التغلبي (3) قال: حدثنى محمد (4) بن عبد الحميد،
قال: حدثنى حفص بن منصور العطار، قال: حدثنى أبو سعيد الوراق، عن أبيه، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: لما كان من أمر أبى بكر، وبيعة الناس
له، وفعلهم بعلى بن أبى طالب عليه السلام ما كان، لم يزل أبو بكر يظهر له
الانبساط، ويرى منه عليه السلام انقباضا، فكبر ذلك على أبى بكر فأحب لقائه
واستخراج ما عنده، والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه، وتقليدهم إياه أمر الامة،
وقلة رغبته في ذلك، وزهده فيه.
1)
القطان أبو على أحمد بن الحسن الرازي روى عنه الصدوق كثيرا ويصفه بالعدل ويقول
أحيانا: إنه شيخ كبير لاصحاب الحديث - الجامع في الرجال ج 1 / 103. 2) الحسن بن
عبد الواحد: يحتمل أنه الحسن بن محمد بن عبد الواحد المزني الراوى عنه محمد بن
القاسم بن زكريا المحاربي الكوفى السوداني وقع في طريق كامل الزيارة في باب (32)
وفى الجزء (17) و (18) من مجالس الشيخ. 3) الظاهر هو أحمد بن عبد الله بن ميمون
التغلبي وثقه ابن حجر. 4) في المصدر: حدثنى أحمد بن عبد الحميد، وعلى أي حال لم
أعثر على ترجمة له ولسائر رجال السند إلى سعيد الوراق وأبيه.
[ 306 ]
أتاه
في وقت غفلة، وطلب منه الخلوة. وقال له: والله يا أبا الحسن ما كان هذا الامر
مواطاة منى، ولا رغبة فيما وقعت فيه، ولا حرصا عليه، ولا ثقة بنفسى فيما تحتاج
إليه الامة، ولا قوة لى بمال. ولا كثرة العشيرة، ولا ابتزاز له دون غيرى (1) فما
لك تضمر على ما لا أستحقه منك، وتظهر لى الكراهة فيما صرت إليه، وتنظر إلى بعين
السأمة (2) منى ؟ فقال له على عليه السلام، فما حملك عليه إذا لم ترغب فيه، ولا
حرصت عليه، ولا وثقت بنفسك في القيام به وما يحتاج منك فيه ؟ ! فقال أبو بكر: حديث
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله لا يجمع أمتى على ضلال
"، ولما رأيت اجتماعهم (3) اتبعت حديث النبي صلى الله عليه وآله، وأحلت أن
يكون اجتماعهم (4) على خلاف الهدى، وأعطيتهم قود الاجابة، ولو علمت أن أحدا يتخلف
لا متنعت. قال: فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أما ما ذكرت من حديث النبي صلى
الله عليه وآله: " إن الله لا يجمع أمتى على ضلال " أفكنت من الامة أولم
أكن ؟ قال: بلى قال: وكذلك العصابة الممتنعة عليك: من سلمان، وعمار، وأبى ذر،
والمقداد، وابن عبادة، ومن معه من الانصار ؟ قال: كل من الامة. فقال على عليه
السلام: وكيف تحتج بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمثال هؤلاء قد تخلفوا
عنك ؟ وليس للامة فيهم طعن، ولا في صحبة الرسول صلى الله عليه وآله ونصيحته منهم
تقصير، قال: ما علمت بتخلفهم إلا من بعد إبرام الامر، وخفت إن دفعت (5) عنى الامر
أن
1)
في الاحتجاج: ولا استيثار به دون غيرى. 2) في الاحتجاج: وتنظر إلى بعين الشنآن. 3)
في الاحتجاج: لما رأيت إجماعهم. 4) في الاحتجاج: إجماعهم. 5) في الاحتجاج: وخفت إن
قعدت عن الامر أن يرجع الناس مرتدين عن الدين.
[ 307 ]
يتفاقم
(1) إلى يرجع الناس مرتدين عن الدين، وكان ممارستكم (2) إلى إن أجبتم أهون مؤنة
على الدين وأبقى له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفارا، وعلمت أنك لست بدونى
في الابقاء عليهم وعلى أديانهم. قال على عليه السلام: أجل، ولكن أخبرني عن الذى
يستحق هذا الامر بما يستحق (3) ؟ فقال أبو بكر: بالنصيحة والوفاء، ورفع المداهنة،
والمحاباة، وحسن السيرة، وإظهار العدل، والعلم بالكتاب والسنة، وفصل الخطاب، مع
الزهد في الدنيا، وقلة الرغبة فيها، إنصاف المظلوم من الظالم، والقريب والبعد، ثم
سكت. فقال على عليه السلام: والسابقة والقرابة. فقال أبو بكر: والسابقة والقرابة
(4). فقال على عليه السلام: أنشدك بالله يا أبا بكر أفى نفسك تجد هذه الخصال أوفى
؟ قال: بل فيك يا أبا الحسن. قال: أنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله صلى الله
عليه وآله قبل ذكران المسلمين أم أنت ؟ قال: بل أنت. قال: أنشدك بالله أنا الاذان
(5) لاهل الموسم ولجميع الامة بسورة براءة أم أنت ؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك
بالله أنا وقيت رسول الله بنفسى يوم الغار أم أنت ؟ قال: بل أنت.
1)
تفاقم الامر: عظيم ولم يجر على استواء. 2) في الاحتجاج: وكان ممارستهم إلى إن
أجبتهم أهون مؤنة على الدين وإبقاء له. 3) في المصدر: بما يستحقه. 4) احتجاجه عليه
السلام بالسابقة والقرابة واعتراف أبى بكر بهما ليس في " الخصال "
المطبوع نعم موجود في " الاحتجاج ". 5) في الاحتجاج أنا صاحب الاذان
لاهل الموسم والجمع الاعظم للامة.
[ 308 ]
قال:
أنشدك بالله ألى الولاية من الله مع رسول الله في آية زكاة الخاتم (1) أم لك ؟
قال: بل لك. قال: أنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلى الله عليه
وآله وسلم يوم الغدير أم أنت ؟ قال: بل أنت. قال: أنشدك بالله ألى الوزارة من رسول
الله والمثل من هارون من موسى أم لك ؟ قال: بل لك. قال: فأنشدك بالله أبى برز رسول
الله صلى الله عليه وآله وبأهل بيتى وولدى في مباهلة المشركين من النصارى أم بك
وبأهلك وولدك ؟ قال: بل بكم. قال: فأنشدك بالله ألى ولاهلي وولدى آية التطهير من
الرجس أم لك ولاهل بيتك ؟ قال: بل لك، ولاهل بيتك. قال: فأنشدك بالله أنا صاحب
دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وأهلي وولدى يوم الكساء " اللهم هؤلاء
أهلى إليك لا إلى النار " أم أنت ؟ قال: بل أنت وأهلك وولدك. قال: فأنشدك
بالله أنا صاحب الآية: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) (3) أم أنت ؟
قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت الفتى الذى نودى من السماء: " لا سيف إلا
ذو الفقار ولا فتى إلا على " أم أنا ؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت
الذى ردت له الشمس لوقت صلاته فصلاها، ثم توارت أم أنا ؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك
بالله أنت الذى حباك رسول الله برايته يوم خيبر ففتح الله له أم أنا ؟ قال: بل أنت.
1)
في الاحتجاج: في آية الزكاة بالخاتم. 2) الدهر: 8.
[ 309 ]
قال:
فأنشدك بالله أنت الذى نفست عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كربته، وعن
المسلمين بقتل عمرو بن عبدود أم أنا ؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت الذى
ائتمنك رسول الله على رسالته إلى الجن فأجابت أم أنا ؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك
بالله أنت الذى طهرك رسول الله من السفاح من آدم إلى أبيه بقوله: " خرجت أنا
وأنت من نكاح لا من سفاح من آدم إلى عبد المطلب " أم أنا ؟ قال: بل أنت. قال:
فأنشدك بالله أنا الذى اختارني رسول الله صلى الله عليه وآله وزوجني ابنته فاطمة
عليها السلام وقال: " الله زوجك إياها في السماء " أم أنت ؟ قال: بل
أنت. قال: فأنشدك بالله أنا والد الحسن والحسين ريحانتيه الذين يقول (1) فيهما:
" هذان سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما " أم أنت ؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك بالله أخوك المزين بجناحين في الجنة ليطير بهما مع الملائكة أم أخى ؟
قال: بل أخوك. قال: فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله وناديت في المواسم بإنجاز
موعده أم أنت ؟ قال: بل أنت (2). قال: فأنشدك بالله أنا الذى دعاه رسول الله صلى
الله عليه وآله لطير عنده يريد أكله فقال: " اللهم ائتنى بأحب الخلق إليك
بأحب الخلق إليك بعدى يأكل معى من هذا الطير " فلم يأته غيرى أم أنت (3) ؟
قال: بل أنت.
1)
في المصدر: قال فيهما. 2) أخرجه المتقى في " كنز العمال " ج 6 / 396. 3)
في الخصال: " اللهم إيتنى بأحب خلقك إليك بعدى " والزائد مطابق لنقل
الاحتجاج ولا يخفى أن حديث الطير المشوى من المتواترات ولا ينكره إلا المعاند،
راجع " أسد الغابة " ج 4 / 30 - و " المستدرك " للحاكم ج 3 /
130 - وفضائل أحمد بن حنبل: 2 / 560 ح 945.
[ 310 ]
قال:
فأنشدك بالله أنا الذى بشرني رسول الله صلى الله عليه وآله بقتل الناكثين
والقاسطين والمارقين على تأويل القرآن أم أنت ؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله
أنا الذى شهدت آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووليت غسله ودفنه، أم
أنت ؟ قال: بل أنت (1). قال: فأنشدك بالله أنا الذى دل عليه رسول الله صلى الله
عليه وآله بعلم القضاء (2) بقوله: " على أقضاكم " أم أنت ؟ قال: بل أنت
(3). قال: فأنشدك بالله أنا الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بالسلام
عليه بالامرة في حياته أم أنت ؟ قال: بل أنت ؟ (4). قال: فأنشدك بالله الذى سبقت
له القرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم أنا ؟ قال: بل أنت (5). قال
فأنشدك بالله أنت الذى حباك الله عزوجل بالدينار عند حاجته، وباعك جبرئيل عليه
السلام وأضفت محمدا، وأطعمت ولده (6) أم أنا، قال: فبكى أبو بكر، وقال: بل أنت. قال:
فأنشدك بالله أنت الذى حملك رسول الله صلى الله عليه وآله على كتفه في طرح صنم
الكعبة وكسره حتى لو شاء أن ينال أفق السماء لنالها أم أنا ؟ قال: بل أنت (7).
قال: فأنشدك بالله أنت الذى قال له رسول الله صلى الله عليه
1)
ذخائر العقبى: 72 - والرياض النضرة ج 2 / 237 لمحب الدين الطبري. 2) في الاحتجاج:
بعلم القضاء وفصل الخطاب. 3) " الاستيعاب " ج 2 / 461 - وفى الملحق
بالاصابة ج 3 / 38. 4) " اليقين في إمرة أمير المؤمنين عليه السلام ".
5) الرياض النضرة ج 2 / 215. 6) راجع مناقب الخوارزمي الحنفي: 224. 7) الرياض
النضرة ج 2 / 265 - 266.
[ 311 ]
وآله
وسلم: أنت صاحب لوائى في الدنيا والآخرة أم أنا ؟ قال: بل أنت (1). قال: فأنشدك
بالله انت الذى امر رسول الله صلى الله عليه وآله بفتح بابه في مسجده حين أمر بسد
جميع أبواب أصحابه وأهل بيته، فأحل له فيه ما أحله الله له أم أنا ؟ قال: بل أنت
(2). قال: فأنشدك بالله أنت الذى قدم بين يدى نجواه (3) لرسول الله صلى الله عليه
وآله صدقة فناجاه أم أنا ؟ فناجيته إذ عاتب الله قوما فقال: (أءشفقتم أن تقدموا
بين يدى نجواكم صدقات) (4) قال: بل أنت (5). قال: فأنشدك بالله أنت الذى قال فيه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام زوجتك أول الناس إيمانا،
وأرجحهم إسلاما في كلامه له، أم أنا ؟ قال: بل أنت (6). قال: فلم يزل (7) عليه
السلام يعد مناقبه التى جعل الله عزوجل له دونه، ودون غيره، ويقول له أبو بكر: بل
أنت، قال: فبهذا وشبهه يستحق القيام بأمور أمة محمد صلى الله عليه وآله فقال له
على عليه السلام: فما الذى غرك عن الله وعن رسوله وعن دينه، وأنت خلو مما يحتاج
إليه أهل دينه. فبكى أبو بكر وقال: صدقت يا أبا الحسن أنظرني يومى هذا، فأدبر ما
1)
ذخائر العقبى: 75 - الرياض النضرة ج 2 / 267. 2) حديث سد الابواب: أخرجه غير واحد
من القوم، راجع المستدرك للحاكم ج 3 / 125 وكنز العمال ج 6 / 125 - و 159. 3) في
المصدر: بين يدى نجوى رسول الله صلى الله عليه وآله. 4) المجادلة: 13. 5) حديث
النجوى مذكور في غير واحد من كتب القوم وإليك بعضها: تفسير القرطبى ج 17 / 320 -
وتفسير الطبري ج 28 / 14 - وأسباب النزول للواحدي: 308 - الخصائص للنسائي: 39 -
كنز العمال ج 1 / 268. 6) نحوه في كنز العمال ج 6 / 153 عن أبى هريرة وعن ابن
عباس، وفى مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 / 208 - وينابيع المودة: 80 - 81. 7) في
الاحتجاج: قال: فأنشدك بالله يا أبا بكر أنت الذى سلمت عليه ملائكة سبع سماوات يوم
القليب أم أنا ؟ قال: بل أنت قال: فلم يزل يورد مناقبه..
[ 312 ]
أنا
فيه وما سمعت منك، قال: فقال له على عليه السلام: لك ذلك يا أبا بكر، فرجع من عنده
وخلا (1) بنفسه يومه، ولم يأذن لاحد إلى الليل، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من
خلوته بعلى عليه السلام، فبات في ليلته فراى رسول الله صلى الله عليه وآله في
منامه، متمثلا له في مجلسه، فقام إليه أبو بكر ليسلم عليه، فولى وجهه. فقال أبو
بكر يا رسول الله هل أمرت بأمر فلم أفعله ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم أرد عليك
السلام وقد عاديت الله ورسوله (2)، رد الحق إلى أهله، قال: قلت: فمن أهله ؟ قال:
من عاتبك عليه وهو على عليه السلام، قال: فقد رددت عليه يا رسول الله بأمرك (3).
قال: فأصبح وبكر إلى (4) على وقال: أبسط يدك، فبايعه، وسلم إليه الامر، وقال له:
اخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، فأخبر الناس بما رأيت في ليلتى، وما
جرى بينى وبينك فأخرج نفسي من هذا الامر، وأسلم عليك بالامرة، قال: فقال له على
عليه السلام: نعم، فخرج من عنده متغيرا لونه (5) فصادفه عمر، وهو في طلبه، فقال:
مالك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فأخبره بما كان منه، وما راى، وما
جرى بينه وبين على عليه السلام، فقال له عمر: أنشدك بالله يا خليفة رسول الله أن
تعتر بسحر بنى هاشم، وليس هذا بأول سحر منهم، فما زال به حتى رده عن رأيه، وصرفه
عن عزمه، ورغبه فيما هو فيه، وأمره بالثياب عليه والقيام به. قال: فأتى على عليه
السلام المسجد للميعاد، فلم ير فيه أحدا فأحس بالشر منهم، فقعد إلى قبر رسول الله
صلى الله عليه وآله فمر به عمر،
1)
في الاحتجاج: وطابت نفسه يومه. 2) في المصدر: وقد عاديت الله ورسوله ؟ وعاديت من
والى الله ورسوله ؟ 3) في الاحتجاج: قلت: فقد رددته عليه يا رسول الله، ثم يره. 4)
في المصدر: قال: فأصبح وبكى وقال لعلى: أبسط يدك. 5) في الاحتجاج: متغيرا لونه
عاتبا نفسه.
[ 313 ]
فقال
له: يا على دون ما تروم (1) خرط القتاد (2)، فعلم بالامر، وقام ورجع إلى بيته (3).
2 - وروى من طريق المخالفين عامر الشعبى، عن عروة بن الزبير بن العوام، قال: لما
قال المنافقون: إن أبا بكر تقدم عليا السلام وهو يقول: أنا أولى بالمكان منه، قام
أبو بكر خطيبا، فقال: صبرا على من ليس يؤل إلى دين، ولا يحتجب برعاية، ولا يرعوى
(4) لولاية أظهر الايمان ذلة، وأسر النفاق علة، هؤلاء عصبة الشيطان، وجمع الطغيان
يزعمون أنى أقول: أنى أفضل من على عليه السلام، وكيف أقول ذلك، وما لى سابقته ولا
قرابته ولا خصوصيته ؟ عبد الله وأنا ملحده، وعبده قبل أن أعبده، ووالى الرسلو وأنا
عدوه، وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شاوه (5) ولم أقطع غباره، إن ابن أبى طالب
فاز (6) من الله بمحبة، ومن الرسول بقرابة، ومن الايمان برتبة، لو جهد الاولون
والآخرون إلا النبيين لم يبلغوا درجته، ولم يسلكوا منهجه، بذل لله (7) مهجته،
ولابن عمه مودته، كاشف الكرب، ودافع (8) الريب، قاطع السبب، الرشاد، وقامع الشرك،
ومظهر ما تحت سويداء حبة
1)
في الاحتجاج: دون ما تريد. 2) القتاد: شجر صلب له شوك كالابر، وخرط القتاد: انتزاع
قشره أو شوكه باليد من أعلاه إلى أسفله، يقال: " من دون ذلك خرط القتاد
" يعنى خرط القتاد باليد دون ذلك في المشقة. 3) الخصال للصدوق: 548 ح 30 -
وعنه البحار ج 8 / 78 ط الحجرى وعن الاحتجاج ج 1 / 115. 4) الارعواء: الرجوع عن
الجهل. 5) وفى البحار - لم ألحق ثناءه ثم قال المجلسي (ر ه) في بيان الحديث: قوله
لم ألحق ثناءه، كذا في بعض النسخ أي لا اطيق اثنى عليه كما هو أهله، وفى بعضها
شأوه وهو الغاية والامد والسبق، يقال: شأوت القوم شؤوا: أي سبقتهم، وفى بعضها
شاره، ولعله من الشاره وفى الهيئة الحسنة، والحسن والجمال، والزينة، ولا يبعد أن
يكون ناره، لاستقامة السجع وبلاغة المعنى. 6) في المصدر: وإن على بن أبى طالب فاز
والله من الله بمحبة. 7) في المصدر: بذل في الله مهجته. 8) في المصدر: دامغ الريب
دمغ الحق الباطل: أبطله وأذهبه.
[ 314 ]
النفاق،
محنة لهذا العالم، لحق قبل أن يلاحق وبرز قبل أن يسابق، جمع العلم والحلم والفهم،
فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا لا يدخر منها مثقال ذرة إلا أنفقه في بابه، فمن ذا
يأمل (1) أن ينال درجته ؟ وقد جعله الله ورسوله للمؤمنين وليا، وللنبى صلى الله
عليه وآله وصيا، وللخلافة راعيا، وبالامامة قائما، أفيغتر (2) بمقام قمته إذ
أقامنى وأطعته إذ أمرنى، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الحق مع على
عليه السلام وعلى مع الحق من أطاع عليا رشد، ومن عصى عليا فسد، ومن أحبه سعد، ومن
أبغضه شقى. والله لو لم نحب ابن أبى طالب إلا لاجل أنه لم يواقع لله محرما، ولا
عبد من دونه صنما، ولحاجة الناس إليه بعد نبيهم لكان في ذلك ما يجب، فكيف لاسباب
أقلها موجب، أهونها مرغب، له الرحم المماسة (3) بالرسول، والعلم بالدقيق والجليل،
والرضا بالصبر الجميل، والمواساة في الكثير والقليل، وخلال لا يبلغ عدها ولا يدرك
مجدها، ود المتمنون أن لو كانوا تراب أقدام ابن أبى طالب عليه السلام أليس هو صاحب
لواء الحمد ؟ والساقي يوم الورود جامع كل كرم، وعالم كل علم، والوسيلة إلى الله
وإلى رسوله (4).
1)
في المصدر: فمن ذا يؤمل. 2) في المصدر: أفيغتر الجاهل بمقام قمته. 3) في المصدر:
للرحم الماسة بالرسول. 4) الاحتجاج للطبرسي ج 1 / 88 - وعنه بحار الانوار ج 8 / 89
ط الحجرى. (*)
[ 315 ]
1 - الشيخ في " مجالسه " قال: أخبرنا جماعة، عن أبى المفضل (1)
قال: حدثنى أبو على أحمد بن على بن مهدى بن صدقة البرقى (2) أملاه على إملاءا من
كتابه قال: حدثنا أبى قال: حدثنا الرضا أبو الحسن على بن موسى عليه السلام قال: حدثنى
أبى موسى بن جعفر عليه السلام قال: حدثنى أبى جعفر بن محمد عليه السلام قال: حدثنى
أبى محمد بن على عليه السلام قال: حدثنى أبى على بن الحسين عليه السلام قال: حدثنى
الحسين بن على عليهما السلام، قال: لما أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين
عليه السلام وخاطباه في أمر البيعة، وخرجا من عنده، خرج أمير المؤمنين عليه السلام
إلى المسجد، فحمد
1)
أبو الفضل: محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني المتوفى سنة (387) ه كان من
المعمرين لانه سمع الحديث من أهله سنة (306) ه - تقدم ذكره. 2) أبو على أحمد بن
على بن مهدى بن صدقة: بن هشام بن غالب بن محمد بن على البرقى أو الرقى الانصاري.
كان من العلماء الاجلاء في القرن الرابع، يروى عنه عن أبيه عن الرضا عليه السلام
صاحب " كامل الزيارات " كما في سند زيارة أمين الله وصرح ابن قولويه في
" الكامل " ص 4 بأن من يروى هو عنه في الكتاب علماء أجلة وسمع أجلة وسمع
منه التلعكبرى بمصر سنة (340). وعنونه الذهبي في " الميزان " ج 1 / 120
وقال: أحمد بن على بن مهدى الرقى، عن على الرضا بخبر باطل. ولنعم ما قال التسترى
في " قاموس الرجال " بعد قول الذهبي: قلت: ولا بد للناصي أن بكذب كل حق
على خلاف مذهبه، والذهبي من أشدائهم.
[ 316 ]
الله
وأثنى عليه بما اصنطع عندهم أهل البيت، إذ بعث فيهم رسولا منهم، وأذهب عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا. ثم قال: إن فلانا أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني،
أنا ابن عم النبي وأبوابنيه (1)، والصديق الاكبر، وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله
لا يقولها أحد غيرى إلا كاذب، وأسلمت وصليت قبل كل أحد، وأنا وصيه وزوج ابنته سيدة
نساء العالمين فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو حسن وحسين سبطى رسول
الله صلى الله عليه وآله، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم الله، وبنا استنقذكم
الله من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح (2)، وفى نزلت سورة (3) من القرآن، وأنا
الوصي على الاموات من أهل بيته صلى الله عليه وآله، وأنا بقية (4) على الاحياء من
امته، فاتقوا الله يثبت اقدامكم، ويتم نعمته عليكم، ثم رجع عليه السلام إلى بيته
(5). 2 - ومن طريق المخالفين ابن أبى الحديد في شرح " نهج البلاغة " قال
أبو بكر (6):
1)
في بحار الانوار: وأبو بنيه. 2) يريد عليه السلام (كما في هامش البحار) يوم
الغدير، حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بدوحات فقممن، ومنه قول كميت: ويوم
الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا روى الكراجكى في " كنز الفوائد
" ص 154 بإسناده عن هناد بن السرى المتوفى سنة (243)، قال: رأيت أمير
المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام في المنام فقال لى: يا هناد، قلت: لبيك يا
أمير المؤمنين، قال: أنشدني قول الكميت: ويوم الدوح دوح غدير خم.. قال: فأنشدته، فقال
لى: خذ إليك يا هناد، فقلت: هات يا سيدى فقال عليه السلام: " ولم أر مثل ذاك
اليوم يوما * ولم أر مثله حقا أضيعا " 3) المراد بها سورة الدهر. 4) في
البحار: أنا بقيته على الاحياء. 5) أمالى الطوسى ج 2 / 181 - وعنه البحار ج 28 /
247 ح 29. 6) هو أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى البصري صاحب " كتاب
السقيفة " كان من أعلام العلماء في القرن الرابع، وفى سنة (322) ه قرئ عليه
كتابه " السقيفة "، ذكره الشيخ الطوسى في الفهرست ولم يذكر له طريقا
ولكن روى في " المجالس " عن جماعة عن أبى المفضل = = المتوفى (387) ه
عنه أحاديث جيدة، ونقل عنه أبو الفرج الاصفهانى المتوفى (356) ه في " الاغانى
" ج 7 / 259 حديث ركوب الحسنين عليهما السلام على ظهر النبي صلى الله عليه
وآله، وينقل عن كتابه ابن أبى الحديد كثيرا، ويصفه بالورع والثقة والعلم والادب.
[ 317 ]
قال:
حدثنا أبو زيد عمر بن شبة (1)، بإسناد رفعه إلى ابن عباس، قال: إنى لاماشى عمر في
سكة من سكك المدينة (2)، فقال: يا بن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما، فقلت (3): يا
أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته: فانتزع يده من يدى ثم مر يهمهم ساعة، ثم وقف،
فلحقته، فوقف فقال: يا بن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه
فقلت (4): والله ما استصغره الله عزوجل حين أمره بأخذ سورة براءة من أبى بكر (5).
3 - وقال ابن أبى الحديد في شرح " نهج البلاغة " أيضا قال أبو بكر (6):
حدثنا أبو زيد (7)، قال: حدثنا محمد بن حاتم (8)، قال: حدثنا الخزامى (9)، قال:
حدثنا الحسين (10) بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: مر عمر
بعلى عليه السلام: وعنده ابن عباس (11)، بفناء داره،
1)
أبو زيد عمر بن شبة بن أبى عبيدة الحافظ النميري البصري صاحب التصانيف، كان بصيرا
بالسير والمغازى وأيام الناس، صنف تاريخا للبصرة، وكتابا في أخبار المدينة، توفى
بسامرا سنة (262) ه وله (89) سنة تذكرة الحفاظ ج 2 / 516 - 2) في المصدر: في سكة
من سكك المدينة يده في يدى. 3) في المصدر: فقلت في نفسي: والله لا يسبقنى بها،
فقلت يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته. 4) في المصدر: فقلت في نفسي: هذه شر من
الاولى، فقلت: والله.. 5) شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 6 / 45. 6) هو أحمد
بن عبد العزيز الجوهرى المتقدم ذكره. 7) هو عمر بن شبة البصري تقدم ذكره أيضا. 8)
محمد بن حاتم: الظاهر أنه ابن بزيع أبو سعيد البصري نزيل بغداد من شيوخ البخاري،
توفى سنة (249) - تهذيب التهذيب ج 9 / 137 - 9) في المصدر: الحرامى (بالمهملتين)
وعلى أي حال لم أعثر على ترجمة له. 10) الحسين بن زيد بن على بن الحسين عليهم
السلام كان يلقب بذى الدمعة لكثرة بكائه وتهجده، توفى سنة (135) - روى عن الصادق
والكاظم عليهما السلام. 11) لا يخفى اضطراب القصة من حيث انه إذا كان ناقلها ابن
عباس فلا يصح أن يقول: " مر عمر بعلى عليه السلام وعنده ابن عباس " بل
الصواب أن يقول: وكنت عنده، وكذلك " فسألاه " الصحيح أن يقول: فسألناه،
وهكذا ألفاظ أخر.
[ 318 ]
فسلم،
فسألاه أين تريد ؟ قال: مالى بينبع، قال على عليه السلام: أفلا نصل جناحك ونقيم
معك ؟ قال: بلى، فقال لابن عباس: قم معه، قال: فشبك أصابعه في أصابعي ومضى حتى إذا
خلفنا البقيع، قال: يا بن عباس أما والله إن صاحبكم هذا لاولى الناس بالامر بعد
وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنا خفنا على اثنين. قال ابن عباس: فجاء
بمنطق لم أجد بدا معه من مسألته عنه قلت: ما هما ؟ قال: خشيناه على حداثة السن
وحبه بنى عبد المطلب (1). 4 - ثم قال ابن أبى الحديد: قال أبو بكر: وحدثنا أبو
زيد، قال: حدثنى هارون (2) بن عمر، بإسناد رفعه إلى ابن عباس (رض)، قال: تفرق
الناس ليلة الجابية (3) عن عمر، فسار كل واحد مع إلفه (4)، ثم صادفت عمر تلك
الليلة في مسيرنا، فحادثته، فشكا إلى تخلف على عليه السلام عنه، فقلت: ألم يعتذر
إليك ؟ قال: بلى، قلت: فهو على ما اعتذر به، فقال: يا ابن عباس إن أول من ريثكم
(5) عن هذا الامر أبو بكر، إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة، قلت: لم
ذاك يا أمير المؤمنين ؟ ألم ننلهم خيرا ؟ قل: بلى، ولكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم
جحفا (6) جحفا (7). 5 - ثم قال ابن أبى الحديد: قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد،
قال:
1)
شرح نهج البلاغة ج 2 / 57. 2) هارون بن عمر: بن عبد العزيز بن محمد أبو موسى
المجاشعى، صحب الرضا عليه السلام، له كتب منها: " ما نزل في القرآن في على
عليه السلام " ذكره الكشى - الذريعة ج 19 / 29. 3) الجابية: (بالجيم وكسر
الباء) قال ياقوت: أصله في اللغة: الحوض الذى يجبى فيه الماء للابل، وقرية من
أعمال دمشق، وفى هذا الموضع خطب عمر بن الخطاب خطبته المشهورة معجم البلدان ج 2 /
91 - 4) الالف (بكسر الهمزة وسكون اللام): الصديق والمؤانس. 5) ريثكم: قصركم. 6)
حجفا جحفا: فخرا فخرا وشرفا شرفا - النهاية لابن الاثير ج 1 / 145. 7) شرح نهج
البلاغة لابن أبى الحديد ج 2 / 57.
[ 319 ]
حدثنا
عبد العزيز بن الخطاب (1)، قال: حدثنا على بن هاشم (2)، مرفوعا إلى عاصم بن عمر بن
قتادة (3) قال: لقى على عليه السلام عمر، فقال له على: أنشدك الله هل استخلفك رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: لا، قال: كيف تصنع أنت وصاحبك ؟ قال: أما
صاحبي فقد مضى لسبيله، وأما أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك، فقال جدع (4) الله أنف
من ينقذك منها ! ولكن جعلني الله تعالى علما، فإذا قمت فمن خالفني ضل (5). قال
مؤلف هذا الكتاب: انظر إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام في استدراكه: "
ولكن جعلني الله علما " الخ بعد سؤاله لعمر: " استخلفك رسول الله صلى
الله عليه وآله ؟ فقال عمر: لا. يعطى كلامه عليه السلام: أن الامامة لا تكون إلا
بالنص من رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله جل جلاله، وأنه عليه السلام هو
العلم المنصوب من الله تعالى إماما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا واضح
بين من الحديث، فالعامة في هذه المسألة لا يعقلون شيئا ولا يهتدون. ثم قال ابن أبى
الحديد عقيب هذه الاحاديث شعرا (6). وقال بعض شعراء الشيعة: حملوها يوم السقيفة
أوزارا تضيق عن حملهن الجبال
1)
عبد العزيز بن الخطاب: أبو الحسن الكوفى ساكن البصرة - توفى سنة (224) ه. ترجمه
ابن أبى حاتم وقال: روى عن قيس بن الربيع، ومنصور بن أبى الاسود، ويعقوب القمى،
سمع منه أبى وروى عنه، وأبو زرعة - الجرح والتعديل ج 5 / 381. 2) على بن هاشم: بن
البريد أبو الحسن الخزاز العائذى الكوفى من أصحاب الصادق عليه السلام، وثقه ابن
معين، توفى سنة (180) ه، ذكره ابن حجر في التهذيب ج 7 / 392 - والخطيب في تاريخ
بغداد ج 12 / 116 - 3) عاصم بن عمر بن قتادة: بن النعمان أبو عمر الانصاري الاوسي
المدينى كان من التابعين، توفى سنة (120) أو (129) ه تهذيب التهذيب ج 5 / 53 4)
جدع أنفه: قطعه. 5) شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 2 / 58. 6) ما عثرت على شعر
عقيب هذه الاحاديث في المصدر المطبوع.
[ 320 ]
وأتوا
بعدها يستقيلون وهيهات تلك عثرة لا تقال 6 - ثم قال ابن أبى الحديد: فأما امتناع
على عليه السلام عن البيعة حتى أخرج على الوجه الذى اخرج عليه، فقد ذكره المحدثون،
ورواة السير، منه ما قاله الجوهرى (1) في هذا الباب، وهو من رجال الحديث، ومن
الثقات المأمونين (2). قال مؤلف هذا الكتاب: لم أذكر هنا الاحاديث التى أشار إليها
ابن أبى الحديد في إخراج على عليه السلام للبيعة على الوجه الذى اخرج عليه، إذ يطول
بذلك الكتاب، وفى ذلك العجب العجاب، ومن أراد الوقوف عليها فليطلبها من " شرح
نهج البلاغة " لابن أبى الحديد وهو من أعيان علماء المعتزلة. 7 - ابن أبى
الحديد أيضا في " الشرح " نقله من كتاب " تاريخ بغداد " لاحمد
(3) بن أبى طاهر، بسنده عن ابن عباس، قال: دخلت على عمر في أول خلافته، وقد ألقى
له صاع من تمر على خصفة (4)، فدعاني إلى الاكل، فأكلت تمرة واحدة، وأقبل يأكل حتى
أتى عليه، ثم شرب من جرة (5) كانت عنده،
1)
قال الجوهرى في " السقيفة " كما نقل عنه ابن أبى الحديد: لما جلس أبو
بكر على المنبر وكان على عليه السلام، والزبير، وناس من بنى هاشم في بيت فاطمة
(عليها السلام) فجاء عمر إليهم، فقال: والذى نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو
لاحرقن البيت عليكم.. الخ - شرح النهج ج 2 / 56. وقال الجوهرى أيضا: قد روى في
رواية أخرى أن سعد بن أبى وقاص كان معهم في بيت فاطمة عليها السلام والمقداد بن
الاسود أيضا، وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا عليه السلام، فأتاهم عمر ليحرق
عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة عليها السلام تبكى وتصيح.. الخ
- شرح النهج ج 2 / 56 - 2) شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 2 / 59. 3) أحمد بن
أبى طاهر: طيفور أبو الفضل المؤرخ الخراساني، هو أول من صنف لبغداد تاريخا. طبع
منه المجلد السادس، توفى سنة (280) ه - كشف الظنون ج 1 / 288 الاعلام ج 1 / 138 4)
الخصفة (بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة): القفة تعمل من الخوص. 5) الجرة (بفتح
الجيم والراء المشددة): آنية من الخزف.
[ 321 ]
واستلقى
على مرفقته (1)، وطفق يحمد الله ويكرر ذلك، ثم قال: من أين جئت يا عبد الله ؟ قلت:
من المسجد، قال: كيف خلفت ابن عمك ؟ فظننته، يعنى عبد الله بن جعفر، فقلت: خلفته
يلعب مع أترابه، قال: لم اعن ذاك، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت، قلت: خلفته يمتح
بالغرب (2) على نخيلات له (3) وهو يقرأ القرآن. فقال: يا عبد الله عليك دماء البدن
إن كتمتنيها أبقى في نفسه شئ من أمر الخلافة ؟ قلت: نعم، قال: أيزعم أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم نص عليه ؟ قلت: نعم وأزيدك، سألت أبى عما يدعيه، فقال:
صدق، قال عمر: لقد كان من رسول الله في أمره ذرو من قول لا يثبت حجة، ولا يقطع
عذرا، وقد كان يربع في أمره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من
ذلك إشفاقا وحيطة على الاسلام، لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا، ولو
وليها لا نتقضت عليه العرف من أقطارها، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله أنى
علمت ما في نفسه فأمسك، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم (4). قلت: يشير إلى اليوم الذى
قال: إيتونى بدواة وبيضاء كتف، الحديث. فقال عمر: إن الرجل ليهجر. 8 - صاحب "
كتاب الاربعين في الاربعين " (5) وهو الحديث الثاني قال: أخبرنا أبو الفتوح
محمود بن محمد بن عبد الجبار المذكر الهرمز ديارى السروى ثم الجرجاني، قدم علينا
الرى قراءة عليه، أخبرنا القاضى أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد
الرويانى (6) من لفظه، أخبرنا أبو محمد
1)
المرفقة: المخدة والمتكأ. 2) يمتح بالغرب: ينزح الماء بالدلو. 3) في المصدر: يمتح
بالغرب على نخيلات من فلان. 4) شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 12 / 20 - وعنه
البحار ج 8 / 213 ط الحجرى. 5) هو منتجب الدين على بن عبيد الله الرازي المتوفى
سنة (585) ه - الذريعة: ج 1 / 433 - 6) عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد أبو المحاسن
الرويانى الاملي الشافعي المقتول سنة (502) ه - طبقات الشافعية لابن شهبة ج 1 /
287 -
[ 322 ]
عبد
الملك بن أحمد الفقاعى بالرى، حدثنا أبو محمد عبد الله بن سعيد الاصطخرى (1)
الانصاري، حدثنا محمد بن عبد الله بن أدران الخياط بشيراز، حدثنا إبراهيم بن سعيد
الجوهرى (2) وصى المأمون الخليفة، حدثنا أمير المؤمنين المأمون، حدثنا أمير
المؤمنين الرشيد، حدثنا أمير المؤمنين المهدى، حدثنا أمير المؤمنين المنصور، عن
أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب، وعنده جماعة، فتذاكروا
السابقين إلى الاسلام، يقول: أما على بن أبى طالب عليه السلام فسمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أن لى واحدة منهن وكانت أحب إلى من
الدنيا وما فيها (3)، وكنت أنا، وأبو بكر، وأبو عبيدة، وجماعة من الصحابة، إذ ضرب
النبي صلى الله عليه وآله بيده (4) على منكب على عليه السلام فقال: يا على أنت اول
المؤمنين إيمانا، وأول المسلمين إسلاما وأنت منى بمنزلة هارون من موسى (5).
1)
الاصطخرى: عبد الله بن محمد بن سعيد الانصاري الشافعي المتوفى سنة (384) - تاريخ
بغداد ج 10 / 133 - 2) إبراهيم بن سعيد الجوهرى أبو إسحاق الحافظ البغدادي صاحب
" المسند " توفى سنة (247) ه - العبر ج 1 / 448 - 3) في المصدر: وكانت
أحب إلى مما طلعت عليه الشمس. 4) في المصدر: إذ ضرب النبي صلى الله عليه وآله يده
على منكب.. 5) الاربعين: 20 ح 2 - وأخرجه في البحار ج 38 / 246 عن كشف الغمة ج 1 /
86 نحوه، وذيله في ج 37 / 267 عن فردوس الاخبار للديلمي ورواه الخوارزمي في
المناقب: 19 باختلاف، وعنه مصباح الانوار: 132.
[ 323 ]
1 - الشيخ في " مجالسه " قال: أخبرنا جماعة، عن أبى المفضل، قال: حدثنا
الحسن بن على (1) بن زكريا العاصمى، قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله العدانى (2)،
قال: حدثنا الربيع بن يسار، قال: حدثنا الاعمش، عن سالم بن أبى الجعد (3) يرفعه
إلى أبى ذر رضى الله عنه، أن عليا عليه السلام، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد
الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا، ويغلقوا
عليهم بابه، ويتشاورون في أمرهم، وأجلهم ثلاثة أيام، فإن توافق خمسة على قول واحد،
وأبى رجل منهم، قتل ذلك الرجل، وإن توافق أربعة وأبى إثنان قتل الاثنان، فلما
توافقوا جميعا على رأى واحد قال لهم على بن أبى طالب عليه السلام: إنى أحب أن
تسمعوا منى ما أقول لكم، فإن يكن حقا فاقبلوه، وإن يكن باطلا فأنكروه، قالوا: قل.
قال: أنشدكم بالله، أو قال: أسألكم بالله الذى يعلم سرائركم،
1)
الحسن بن على بن زكريا بن عاصم بن زفر العدوى أبو سعيد البصري اعتمد عليه الوحيد
لقول أبى المفضل الشيباني كما عن " كفاية الاثر ": كان ثقة في الحديث،
ولد سنة (210) ه وتوفى سنة (319) ه وله (109) سنة - الجامع في الرجال ج 1 / 524 -
2) في المصدر: أحمد بن عبيد الله العدلى - وعلى أي تقدير لم أعثر على ترجمة له كما
لم أعثر على ترجمة المروى عنه ايضا. 3) سالم بن أبى الجعد الكوفى من مشاهير
المحدثين توفى سنة (100) ه - العبر ج 1 / 119 -
[ 324 ]
ويعلم
صدقكم إن صدقتم، ويعلم كذبكم إن كذبتم، هل فيكم أحد آمن قبلى بالله ورسوله، وصلى
القبلتين قبلى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم من يقول الله عزوجل فيه: (يا أيها
الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم) (1) سواى ؟ قالوا:
اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد نصر أبوه رسول الله صلى الله عليه وآله وكفله غيرى ؟
قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد زين أخوه بالجناحين في الجنة غيرى ؟ قالوا:
اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد وحد الله قبلى، ولم يشرك بالله عزوجل شيئا ؟ قالوا:
اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد عمه حمزة سيد الشهداء غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال:
فهل فيكم أحد زوجته سيدة نساء أهل الجنة غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم
أحد ابناه سيدا شباب اهل الجنة غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد أعلم
بناسخ القرآن، ومنسوجه، والسنة منى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد سماه
الله عزوجل في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم
أحد سماه الله عزوجل في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال:
فهل فيكم أحد ناجى رسول الله صلى الله عليه وآله عشر مرات يقدم بين يدى نجواه صدقة
غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله:
" من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ليبلغ الشاهد
الغائب ذلك " غيرى ؟ قالوا: لا.
1)
النساء: 59.
[ 325 ]
قال:
فهل فيكم رجل قال له رسول الله: لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله
ورسوله، كرارا غير فرار، ولا يولى الدبر، يفتح الله على يديه، وذلك حيث رجع أبو
بكر وعمر منهزمين، فدعاني وأنا أرمد، فتفل في عينى، وقال: اللهم أذهب عنه الحر
والبرد، فما وجدت بعدها حرا ولا بردا يؤذياني، ثم أعطاني الراية، فخرجت بها ففتح
الله على يدى خيبر، فقتلت مقاتليهم، وفيهم مرحب، وسبيت ذراريهم، فهل كان ذلك غيرى
؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إيتنى
بأحب الخلق إليك، وإلى وأشدهم حبا لى ولك، يأكل معى من هذا الطائر، فأتيت وأكلت
معه غيرى قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لتنهن
يا بنى وليعة (1) أو لابعثن عليكم رجلا نفسه كنفسي، طاعته كطاعتي، ومعصيته
كمعصيتي، يعصاكم (2) أو يقصعكم (3) بالسيف غيرى قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال
له رسول الله صلى الله عليه وآله: " كذب من زعم أنه يجبنى ويبغض عليا "
غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من
الملائكة، وفيهم جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل ليلة القليب، لما جئت بالماء إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له جبرئيل عليه
السلام: هذا هو المواساة، وذلك يوم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه
منى وأنا منه،
1)
بنو وليعة: حى من كندة، أنشد ابن برى لعلى بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب:
" أبى العباس قوم بنى قصى وأخوالى الملوك بنو وليعة " - لسان العرب ج 8
/ 411 - 2) عصى يعصا بالسيف: ضرب به. 3) يقصعكم: يقتلكم.
[ 326 ]
فقال
جبرئيل: وأنا منكما غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد نودى (1) من السماء لا
سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا على غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من يقاتل
الناكثين، والقاسطين، والمارقين على لسان النبي صلى الله عليه وآله غيرى ؟ قالوا:
لا. قال فهل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إنى قاتلت على تنزيل
القرآن، وستقاتل أنت يا على على تأويله، غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد غسل
رسول الله صلى الله عليه وآله مع الملائكة المقربين بالروح والريحان، تقلبه لى
الملائكة، وأنا أسمع قولهم، وهم يقولون: " استروا عورة نبيكم ستركم الله
" غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من كفن رسول الله صلى الله عليه وآله،
ووضعه في حفرته غيرى ؟ قالوا: لا. قال عليه السلام: فهل فيكم أحد بعث الله عزوجل
إليه بالتعزية، حيث قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة عليها السلام تبكيه،
إذ سمعنا حسا على الباب، وقائلا يقول نسمع صوته، ولا نرى شخصه، وهو يقول: "
السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، ربكم عزوجل يقرئكم السلام، ويقول لكم:
إن في الله خلفا من كل مصيبة، وعزاء من كل هالك، ودركا من كل فوت، فتعزوا بعزاء
الله، واعلموا أن أهل الارض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته "، وأنا في البيت، وفاطمة، والحسن، والحسين، أربعة، لا خامس لنا
إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسجى بيننا غيرنا ؟ قالوا: لا. قال: فهل
فيكم أحد ردت عليه الشمس بعدما غربت أو كادت، حتى
1)
في المصدر: نودى به من السماء.
[ 327 ]
صلى
العصر في وقتها غيرى ؟ قالوا: لا (1). قال: فهل فيكم أحد أمره رسول الله صلى الله
عليه وآله أن يأخذ براءة بعدما انطلق أبو بكر بها، فقبضها منه، فقال أبو بكر بعدما
رجع، يا رسول الله أنزل في شئ ؟ فقال له: " لا إنه لا يؤدى عنى إلا على
" غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من قال له رسول الله صلى الله عليه وآله:
" أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى، ولو كان نبى بعدى لكنته
يا على " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله
عليه وآله: " إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا كافر " غيرى ؟ قالوا:
لا. قال: أتعلمون أنه أمر بسد أبوابكم وفتح بابى، فقلتم في ذلك، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: " ما أنا سددت أبوابكم، ولا أنا فتحت بابه، بل الله سد
أبوابكم وفتح بابه " ؟ قالوا: نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه
وآله: ناجانى يوم الطائف دون الناس، فأطال ذلك، فقال بعضكم: يا رسول الله إنك
انتجيت عليا دوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أنا انتجيته، بل الله
عزوجل انتجاه ؟ قالوا: نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
" الحق بعدى مع على وعلى عليه السلام مع الحق، يزول الحق معه حيث ما زال
" ؟ قالوا: نعم.
1)
حديث رد الشمس من الاحاديث التى رواها الفريقان إلا ابن الجوزى ومن تبعه، وقوله
بمعزل عن التحقيق ولذلك خطأه غير واحد، حتى سبطه، قال في تذكرته: 30 ط إيران و 55
ط الغرى: قول جدى: " هذا حديث موضوع " دعوى بلا دليل.. وقال العينى في
عمدة القارى شرح صحيح البخاري ج 7 / 146: هو حديث متصل، ورواته ثقات، وإعلال ابن
الجوزى لا يلتفت إليه. وقال الزرقاني في شرح المواهب ج 5 / 113: أخطأ ابن الجوزى
في عده من الموضوعات.
[ 328 ]
قال:
فهل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " إنى تارك فيكم الثقلين:
كتاب الله، وعترتي أهل بيتى، وإنهما ان يفترقا حتى يردا على الحوض، وإنكم لن تضلوا
ما اتبعتموهما واستمسكتم بهما ؟، قالوا: نعم. قال: فهل فيكم أحد وقى رسول الله صلى
الله عليه وآله بنفسه، ورد به كيد المشركين، واضطجع مضجعه، وشرى بذلك من الله نفسه
؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم حيث آخا رسول الله بين أصحابه أحد كان له صلى الله
عليه وآله وسلم أخا غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد ذكره الله عزوجل بما
ذكرني إذ قال: (والسابقون السابقون أولئك المقربون) (1) غيرى ؟ فهل سبقني منكم أحد
إلى الله ورسوله ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد آتى الزكاة وهو راكع، فنزلت فيه:
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون) (2) غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد برز لعمرو بن عبدود، حيث عبر
خندقكم وحده، ودعا جميعكم (3) إلى البراز، فنكصتم عنه، وخرجت إليه فقتلته، وفت
الله بذلك في أعضاد المشركين والاحزاب، غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد ترك
رسول الله صلى الله عليه وآله بابه مفتوحا في المسجد، يحل له ما يحل لرسول الله
صلى الله عليه وآله، ويحرم عليه ما يحرم على رسول الله صلى الله عليه وآله فيه
غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير حيث يقول الله
تعالى:
1)
الواقعة: 11. 2) المائدة: 55. 3) في المصدر: ودعا جمعكم.
[ 329 ]
(إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1) غيرى وزوجتي، وابنى ؟ قالوا: لا.
قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أنا سيد ولد
آدم، وعلى سيد العرب " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله
صلى الله عليه وآله: " ما سألت الله عزوجل لى شيئا إلا سألت الله عزوجل لك
مثله " غيرى قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد كان صاحب رسول الله صلى الله عليه
وآله في المواطن كلها غيرى ؟ قالوا: لا. قال فهل فيكم أحد ناوله رسول الله صلى
الله عليه وآله قبضة من تراب من تحت قدميه فرمى بها في وجوه الكفار فانهزموا غيرى
؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قضى دين رسول الله صلى الله عليه وآله وأنجز عداته
غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد اشتاقت الملائكة إلى رؤيته فاستأذنت الله
تعالى في زيارته غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد ورث سلاح رسول الله صلى الله
عليه وآله وأداته غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد استخلفه رسول الله صلى الله
عليه وآله في أهله وجعل أمر أزواجه إليه من بعده غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم
أحد حمله رسول الله صلى الله عليه وآله على كتفه حتى كسر الاصنام التى كانت على
الكعبة غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد اضطجع هو ورسول الله في لحاف واحد إذ
كفلني غيرى ؟ قالوا: لا.
1)
الاحزاب: 33.
[ 330 ]
قال:
فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " أنت صاحب رايتى ولوائى
في الدنيا والآخرة " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد كان أول داخل على
رسول الله، آخر خارج من عنده لا يحجب عنه غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد
نزلت فيه وفى زوجته وولده: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (1) إلى
سائر ما اقتص الله تعالى من ذكرنا في هذه السورة غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم
أحد نزلت فيه هذه الآية: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله
واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) (2) غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أنزل
الله تعالى فيه: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) (3) إلى آخر ما اقتص
الله تعالى من خبر المؤمنين غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد أنزل الله
عزوجل فيه، وزوجته، وولده: آية المباهلة، وجعل الله عزوجل نفسه نفس رسوله غيرى ؟
قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء
مرضات الله) (4) لما وقيت رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الفراش غيرى ؟ قالوا:
لا. قال: فهل فيكم أحد سقى رسول الله صلى الله عليه وآله من المهراس (5) لما اشتد
ظماؤه وأحجم (6) عن ذلك أصحابه، غيرى ؟ قالوا: لا.
1)
الانسان: 8. 2) التوبة: 19. 3) السجدة: 18 4) البقرة: 207. 5) المهراس: الهاون. 6)
أحجم عن الشئ: كف عنه.
[ 331 ]
قال:
فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إنى أقول كما قال عبدك
(1) موسى: (رب اشرح لى صدري ويسر لى أمرى واجعل لى وزيرا من أهلى هارون أخى أشدد
به أزرى) (2) إلى آخر دعوة موسى عليه السلام إلا النبوة، غيرى ؟ قالوا: لا. قال:
فهل فيكم أحد أدنى الخلائق برسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة، وأقرت إليه
منى، كما أخبركم بذلك صلى الله عليه وآله، غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد
قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن من شيعتك رجلا يدخل في شفاعته
الجنة مثل ربيعة ومضر " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد (3) قال له رسول
الله صلى الله عليه وآله: " أنت وشيعتك هم الفائزون تردون يوم القيامة رواء
مرويين، ويرد عدوك ظماء مقحمين " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له
رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أحب هذه الشعرات فقد أحبنى، ومن أحبنى
فقد أحب الله تعالى، ومن أبغضها أو آذاها فقد أبغضني، وآذاني، ومن آذانى فقد آذى
الله تعالى، ومن آذى الله لعنه الله، وأعد له جهنم وساءت مصيرا، فقال أصحابه: وما
شعراتك هذه يا رسول الله ؟ قال: على، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام "
غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: "
أنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وأنت الصديق الاكبر، وأنت الفاروق
الاعظم الذى يفرق بين الحق والباطل " غيرى ؟ قالوا: لا.
1)
في المصدر: كما قال موسى. 2) طه: 31. 3) في المصدر: وهل فيكم من قال له..
[ 332 ]
قال:
فهل فيكم أحد طرح عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ثوبه، وأنا تحت الثواب،
وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام ثم قال: " اللهم أنا وأهل بيتى هؤلاء
إليك لا إلى النار " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله
صلى الله عليه وآله: بالجحفة بالشجيرات من خم: " من أطاعك فقد أطاعنى، ومن
أطاعنى فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله تعالى "
غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه
وبين زوجته، وجلس بين رسول الله وبين زوجته قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" لا ستر دونك يا على " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد احتمل باب
خيبر يوم فتحت حصنها، ثم مشى به ساعة ثم ألقاه، فعالجه بعد ذلك أربعون رجلا فلم
يقلبوه من الارض ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من (1) قال له رسول الله صلى الله
عليه وآله: " أنت معى في قصرى، ومنزلك تجاه منزلي في الجنة " غيرى ؟
قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " أنت
أولى الناس بأمتى من بعدى، والى الله من والاك، وعدى الله من عاداك، وقاتل (2) من
قاتلك بعدى " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد صلى مع رسول الله صلى الله
عليه وآله قبل الناس سبع سنين وأشهرا، وغيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال
له رسول الله صلى الله عليه وآله: " إنك عن يمين العرش يا على يوم القيامة،
يكسوك الله عزوجل بردين:
1)
في المصدر: فهل فيكم أحد. 2) في المصدر: وقاتل الله من قاتلك بعدى.
[ 333 ]
أحدهما
الاحمر والآخر الاخضر " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أطعمه رسول الله
صلى الله عليه وآله من فاكهة الجنة لما هبط بها جبرئيل، وقال: " لا ينبغى أن
يأكله في الدنيا إلا نبى، أو وصى نبى " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد
قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " أنت أقومهم بأمرالله، وأوفاهم بعهد
الله، وأعلمهم بالقضية، وأقسمهم بالسوية، وأرأفهم بالرعية " غيرى ؟ قالوا:
لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت قسيم النار تخرج
منها من (1) أقر وتدع فيها من كفر " غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال
للعين وقد غاضت: " انفجري " فانفجرت، فشرب منها القوم، وأقبل رسول الله
صلى الله عليه وآله والمسلمون معه، فشرب وشربوا، وشربت خيلهم وملؤوا رواياهم (2)،
غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله حنوطا من
حنوط الجنة، فقال: اقسم هذا أثلاثا: " ثلثا حنطنى به، وثلثا لابنتي، وثلثا لك
" غيرى ؟ قالوا: لا. قال: فما زال يناشدهم، ويذكر لهم (3) ما أكرمه الله
تعالى، وأنعم عليه، حتى قام قائم الظهيرة، ودنت الصلاة. ثم أقبل عليهم، فقال: أما إذا
أقررتم على أنفسكم، وبان لكم من نسبي الذى ذكرت، فعليكم بتقوى الله وحده، وأنهاكم
عن سخط الله، فلا تعرضوا، ولا تضيعوا أمرى، وردوا الحق إلى أهله، واتبعوا سنة
نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، وسنتى من بعده، فإنكم إن خالفتموني خالفتم نبيكم
1)
في المصدر: تخرج منها من آمن وأقر. 2) الروايا: جمع الراوية وهى المزادة من ثلاثة
جلود يجعل فيها الماء. 3) في المصدر: ويذكرهم.
[ 334 ]
صلى
الله عليه وآله، فقد سمع ذلك منه جميعكم، وسلموها إلى من هو لها أهل، وهى له أهل،
أما والله ما أنا بالراغب في دنياكم، ولا قلت ما قلت لكم افتخارا ولا تزكية لنفسي،
ولكن حدثت بنعمة ربى، وأخذت عليكم بالحجة. ثم نهض إلى الصلوة، قال فتوامر القوم
فيما بينها، وتشاوروا، فقالوا: قد فضل الله على بن ابى طالب عليه السلام بما ذكر
لكم، ولكنه رجل لا يفضل أحدا على أحد، ويجعلكم ومواليكم سواء، وإن وليتموه إياها
ساوى بين أسودكم وأبيضكم، ولو وضع السيف على عنقه، ولكن ولوها عثمان، فهو أقدمكم
ميلادا، وألينكم عريكة، وأجدر أن يتبع مسيرتكم، والله غفور رحيم (1). والروايات في
طرق الحديث كثيرة أعرضت عن ذكرها مخافة الاطالة. 2 - ابن بابويه قال: حدثنا حمزة
بن محمد بن أحمد العلوى (2) قال: أخبرنا أحمد بن محمد الكوفى (3) قال: حدثنا عبد
الله بن حمدون (4)، قال: حدثنا الحسين بن النصر، قال: حدثنا خالد بن حصين، عن يحيى
(5) بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن على بن الحسين عليهما السلام قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمي، حتى أن كان عقيل ليصيبه رمد
فيقول: لا تذروني (6) حتى تذروا عليها، فيذروني، وما بى من رمد (7).
1)
الامالى للشيخ الطوسى ج 2 / 159 - 166 - وعنه بحار الانوار ج 8 / 332 ط الحجرى،
وعن إرشاد القلوب: 259. 2) حمزة بن محمد العلوى: بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد
بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم السلام. كان من أهل قزوين فنزل بقم،
وسمع من على بن إبراهيم القمى سنة (307) وسمع منه الصدوق سنة (339) ه. 3) هو أحمد
بن محمد بن سعيد الكوفى المعروف بابن عقدة المتوفى سنة (333) ه وقد تقدم ذكره. 4)
في المصدر، والبحار: عبيدالله بن حمدون. 5) يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن
على بن أبى طالب عليهم السلام من كبار الطالبيين في أيام الهادى وهارون العباسيين
وتوفى في حبس هارون نحو سنة (180) ه. 6) ذر يذر الدواء: نشره ورشه. 7) علل
الشرائع: 45 في ذيل ح 3 - وعنه البحار ج 67 / 228 ذيل ح 38. = = ولا يخفى على
المتأمل أن هذه القصة بعيدة جدا، فإن أمير المؤمنين عليه السلام ولد ولعقيل عشرون
سنة. كيف يعقل أن إنسانا له من العمر ذلك المقدار إذا اقتضى صلاحه شرب الدواء
يمتنع منه إلا إذا شرب مثله أخوه البالغ سنة واحدة أو سنتين، كلا لا يفعله أي
عاقل، فكيف بمثل عقيل المتربى بحجر أبى طالب والمرتضع در المعرفة، خصوصا مع ما
يشاهده من الآيات الباهرة من أخيه الامام منذ ولادته - الشهيد مسلم بن عقيل
للمقرم: 35.
[ 335 ]
3 - ومن طريق
المخالفين أبو المؤيد صدر الائمة عند المخالفين في كتابه في فضائل على عليه السلام
قال: أخبرني العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، أخبرنا الاستاذ
الامين أبو الحسن على بن الحسين بن مردك الرازي، أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو
سعد إسماعيل بن على بن الحسين السمان (1)، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله
المحمودى (2)، بقرائتي عليه سنة ست وثمانين وثلاثمائة، حدثنى أبو محمد (3) عبد
الرحمن بن حمدان بن عبد الرحمن بن المرزبان الجلاب، حدثنى أبو بكر محمد بن إبراهيم
السوسى البصري، نزيل حلب، حدثنى عثمان (4) بن عبد الله القرشى الشامي بالبصرة قدم
علينا، حدثنا يوسف (5) بن أسباط، عن محل (6) الضبى، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة
(7)، عن أبى ذر رضى الله عنه قال: لما كان أول يوم في البيعة لعثمان (ليقضى الله
أمرا كان مفعولا) (8)، (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة) (9).
1)
أبو سعيد السمان: إسماعيل بن على بن الحسين بن زنجويه الحافظ الكبير الرازي توفى
سنة (445) / 443 - تذكرة الحفاظ ج 3 / 1121 - والعبر ج 3 / 209. 2) في المصدر
المطبوع: أبو بكر محمد بن عبد الله الحمدونى. 3) أبو محمد الجلاب: عبد الرحمن بن
حمدان الهمداني المتوفى سنة (342) - العبر ج 2 / 266 - 4) عثمان بن عبد الله بن
عمرو بن عثمان بن عفان الشامي. وقبل في نسبه غير ذلك، له ترجمة في ميزان الاعتدال
للذهبي ج 3 / 41 - ولسان الميزان لابن حجر ج 4 / 143. 5) يوسف بن أسباط: أبو محمد
الشيباني الزاهد الواعظ المتوفى سنة (195) ه. 6) محل الضبى: بن محرز الكوفى
الضرير، وثقه أحمد، وله ترجمة في الجرح والتعديل لابن أبى حاتم الرازي ج 8 / 413.
7) هو علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفى المتوفى بعد سنة (60) وقيل: قتل
بصفين كأخيه. 8) الانفال: 44. 9) الانفال: 42.
[ 336 ]
فاجتمع
المهاجرون والانصار في المسجد، فنظرت إلى أبى محمد عبد الرحمن بن عوف، وقد اعتجر
(1) بريطة، وقد اختلفوا. وكثرت المناجزة (2) إذ جاء أبو الحسن عليه السلام بأبى هو
وأمى، قال: فلما بصروا بأبى الحسن على بن أبى طالب كرم الله وجهه سر القوم طرا،
فأنشأ على عليه السلام يقول: إن أحسن ما ابتدأ به المبتدئون، ونطق به الناطقون،
وتفوه به القائلون، حمد الله وثناء الله بما هو أهله، والصلاة على النبي محمد
وآله، الحمد لله المتفرد بدوام البقاء، والمتوجد بالملك، الذى له الفخر والمجد
والثناء (خضعت له الآلهة بحاله، ووجلت القلوب من مخافته، فلا عدل له ولا ند، ولا
يشبهه أحد من خلقه، ونشهد له بما شهد لنفسه، وأولوا العلم من خلقه، أن لا إله إلا
الله، ليس له صفة ولا حد يضرب له الامثال، المدر صوب الغمام. وساق الخطبة في
الثناء على الله جل جلاله بما هو أهله إلى أن قال عليه السلام: وسبحان الذى ليس
لصفته نعمت موجود، ولا حد محدود، ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبده
المرتضى، ونبيه المصطفى، ورسوله المجتبى، أرسله الله إلينا كافة، والناس أهل عبادة
الاوثان وجميع الضلالة، يسفكون دمائهم، ويقتلون أولادهم، ويخيفون سبيلهم، غشاهم
الظلم وأمنهم الخوف وعزهم الذل مع عنجهية (3) وعمياء وحمية، حتى استنقذنا الله
بمحمد صلى الله عليه وآله من الضلالة، وهدانا من الجهالة، وأنشأنا بمحمد صلى الله
عليه وآله من الهلكة. ونحن معشر العرب أضيق الامم معاشا وأخشنهم رياشا، جعل طعامنا
الهبيد (4) ولباسنا الوبر والجلود، مع عبادة الاوثان والنيران، فهدانا الله بمحمد
صلى الله عليه وآله إلى صالح الاديان، ثم أنقذنا من عبادة الاوثان، بعد
1)
اعتجر: لف عمامته - والريطة (بفتح الراء المهملة): الملاءة إذا كانت قطعة واحدة.
2) المناجزة: المبارزة. 3) العنجهى (بضم العين المهملة وسكون النون وضم الجيم):
المتكبر - وبالهاء في آخره: الجهل والحمق - كما في القاموس. 4) الهبيد (بفتح الهاء
وكسر الباء): الحنظل.
[ 337 ]
أن
أمكنه من شعلة النور، فأضاء بمحمد صلى الله عليه وآله مشارق الارض ومغاربها، فقبضه
الله إليه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فما أجل رزيته، وأعظم مصيبة المؤمنين فيه
طرا مصيبتهم واحدة) (1). ثم قال على كرم الله وجهه: فأنشدتكم (2) الله يا معشر
المهاجرين والانصار هل تعلمون أن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا
محمد (3). لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا على هل تعلمون كان هذا ؟ قالوا:
اللهم نعم. قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن جبرئيل نزل على النبي صلى الله عليه
وآله فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تحب عليا وتحب من يحبه فإن الله تعالى يحب
عليا ويحب من يحبه قالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: لما أسرى بى إلى السماء السابعة رفعت إلى رفارف من نور، ثم
رفعت إلى حجب من نور فوعد النبي صلى الله عليه وآله الجبار لا إله إلا هو بأشياء،
فلما رجع من عنده نادى مناد من وراء الحجب: نعم الاب أبوك إبراهيم، ونعم الاخ أخوك
على بن أبى طالب واستوص به، أتعلمون معاشر المهاجرين والانصار كان هذا ؟ فقال أبو
محمد من بينهم، يعنى عبد الرحمن بن عوف: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله
وإلا صمتا: ثم قال: أتعلمون أن أحدكم كان يدخل المسجد جنبا غيرى ؟ قالوا: اللهم
لا.
1)
ما بين القوسين ليس في المصدر المطبوع أي من قوله: خضعت له الآلهة.. إلى مصيبتهم
واحدة. 2) في المصدر المطبوع: معاشر المسلمين ناشدتكم الله. 3) ليس في المصدر
المطبوع: يا محمد.
[ 338 ]
قال:
فأنشدكم الله هل تعلمون أن أبواب المسجد سدها وترك بابى (1) ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: هل (2) تعلمون أنى كنت إذا قاتلت أكون عن يمين رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى ؟ قالوا: نعم (3). قال: هل
(4) تعلمون أن رسول الله أخذ الحسن والحسين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: إيها (5) يا حسن، فقالت فاطمة عليها السلام: يا أباه إن الحسين أصغر وأضعف
ركنا منه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: يا فاطمة ألا ترضين أنا أقول
إيها يا حسن، ويقول جبرئيل عليه السلام: إيها يا حسين ؟ فهل لاحدكم مثل هذا الفضل
وهذه المنزلة ؟ نحن الصابرون ليقضى الله أمرا مفعولا في هذه البيعة (6).
1)
في المصدر: وترك بابى بأمر من الله. 2) في المصدر: فانشدكم الله هل تعلمون. 3) في
المصدر: اللهم نعم. 4) في المصدر: فأنشدكم الله هل تعلمون. 5) إيه: اسم فعل
لاستزادة الحديث أو الفعل وقد يستعمل بالتنوين. 6) مناقب الخوارزمي: 213.
[ 339 ]
1 - ابن بابويه، عن
أبيه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن الهيثم (1) بن أبى مسروق النهدي، عن الحسن بن
محبوب، عن على بن رئاب، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنما سار
على عليه السلام بالكف عن عدوه، من أجل شيعتنا، لانه كان يعلم أنه سيظهر عليهم
بعده، فأحب أن يقتدى به من جاء بعده يسير فيهم بسيرته، ويقتدى بالكف عنهم بعده
(2). 2 - عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور (3)، قال: حدثنا الحسين بن محمد
(4) بن عامر، عن عمه (5) ابن أبى عمير، عمن ذكره عن أبى عبد الله عليه السلام قال
قلت له: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل فلانا
1)
الهيثم بن أبى مسروق عبد الله أبو محمد النهدي الكوفى، قال الاردبيلى في "
جامع الرواة " ج 2 / 319: الظاهر أنه ممن لم يرو، لعدم روايته في موضع عنهم
عليهم السلام، فذكر الشيخ إياه في (قر) أي في أصحاب الباقر عليه السلام ليس له
وجه. 2) علل الشرائع: 146 ح 1 من الباب 122 - وعنه البحار ج 8 / 143 و 573 ط
الحجرى. 3) جعفر بن محمد بن مسرور: أكثر عنه الصدوق في كتبه مترضيا والظاهر حسن
حاله، واحتمل بعض اتحاده مع ابن قولويه المتوفى سنة (368) والله يعلم. 4) الحسين
بن محمد بن عامر: بن عمران أبو عبد الله الاشعري القمى كان من أجلاء شيوخ الكليني.
5) في المصدر: عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبى عمير.
[ 340 ]
وفلانا
وفلانا ؟ قال عليه السلام: لآية في كتاب الله عزوجل: (لو تزيلوا لعذبنا الذين
كفروا منهم عذابا أليما) (1) قال: قلت: وما يعنى بتزايلهم ؟ قال: ودائع المؤمنين
في أصلاب قوم كافرين، وكذلك القائم عليه السلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع الله
عزوجل، فإذا خرجت، ظهر على من ظهر من أعداء الله، فقتلهم (2). 3 - وعنه، قال:
حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوى رحمه الله، قال: حدثنا جعفر (3) بن محمد بن
مسعود، عن أبيه، عن على بن محمد (4)، عن أحمد بن محمد (5)، عن الحسن بن محبوب، عن
إبراهيم الكرخي (6)، قال قال رجل لابي عبد الله عليه السلام: أصلحك الله ألم يكن
على عليه السلام قويا في دين الله عزوجل ؟ قال: بلى، قلت: كيف ظهر عليه القوم ولم
يمنعهم، وكيف لم يدفعهم وما منعهم من ذلك ؟ قال: آية في كتاب الله عزوجل منعته،
قال: قلت: وأى آية ؟ قال: قوله تعالى: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا
أليما) (7) إنه كان لله عزوجل ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن
على عليه السلام ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع، فلما خرج الودائع ظهر من ظهر
فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت عليهم السلام، لن يظهر أبدا حتى يظهر ودائع الله
عزوجل فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله (8).
1)
الفتح: 25. 2) علل الشرائع: 147 ح 2 من الباب 122 - وكمال الدين: 641 - وعنهما
البحار ج 8 / 143 ط الحجرى - والبرهان ج 4 / 198 ح 1. 3) جعفر بن محمد بن مسعود:
والده العياشي، روى عن أبيه جميع كتبه، وروى عنه أبو المفضل الشيباني المتوفى سنة
(387)، وابن قولويه المتوفى سنة (369). 4) على بن محمد: بن فيروزان القمى أبو
الحسن كان مقيما بكش جامع الرواة ج 1 / 601 - 5) أحمد بن محمد: بن عيسى بن عبد
الله بن سعد الاشعري القمى أبو جعفر لقى الائمة الرضا والجواد والهادي عليهم
السلام، وصنف كتبا، وكان حيا في سنة (264) - الجامع في الرجال: 179. 6) إبراهيم
الكرخي بن أبى زياد البغدادي روى عن الامامين الصادق والكاظم عليهما السلام. 7) الفتح:
25. 8) علل الشرائع: 147 ح 3 من الباب 122 - وكمال الدين: 642 - وعنهما البحار ج 8
/ 143 ط الحجرى - والبرهان ج 4 / 198 ح 2.
[ 341 ]
4 - وعنه حدثنا
المظفر بن جعفر العلوى (ر ض) قال: حدثنا جعفر بن مسعود، عن أبيه، قال: حدثنا
جبرئيل (1) بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن
منصور بن حازم (2)، عن أبى عبد الله عليه السلام، قال: في قول الله عزوجل: (لو
تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) قال: لو أخرج الله ما في أصلاب
المؤمنين من الكافرين، وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين، لعذب الذين كفروا (3).
5 - وعنه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رض)، قال: حدثنا أبو
سعيد الحسن بن على العدوى (4)، قال: حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني (5)، قال:
سألت على بن موسى الرضا عليه السلام، فقلت له: يا بن رسول الله أخبرني عن على بن
أبى طالب، لم لم يجاهد أعدائه خمسا وعشرين سنة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله،
ثم جاهد في أيام ولايته ؟ فقال: لانه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وآله في ترك
جهاد المشركين بمكة ثلاث عشر سنة بعد النبوة، بالمدينة تسعة عشر شهرا، وذلك لقلة
أعوانه عليهم، وكذلك على عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلة أعوانه عليهم، فلما
لم تبطل نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة وتسعة
عشر شهرا، كذلك لم تبطل إمامة على عليه السلام مع ترك الجهاد خمسا وعشرين سنة إذا
كانت العلة المانعة لهما من الجهاد واحدة (6). 6 - وعنه قال: حدثنا أحمد بن زياد
بن جعفر الهمداني رضى الله عنه
1)
جبرئيل بن أحمد: الفاريابى أبو محمد كان مقيما بكش له حلقة كثير الرواية. 2) منصور
بن حازم: أبو أيوب الكوفى البجلى روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام. 3) علل
الشرائع: 147 - وكمال الدين: 642 - وعنهما البحار ج 8 / 143 - والبرهان ج 4 / 198
ح 3. 4) الحسن بن على العدوى: بن زكريا بن عاصم بن زفر البصري العاصمى سمع منه
الطالقاني سنة (317) وله حينئذ (107) سنة، اعتمد عليه الوحيد البهبهانى - الجامع
في الرجال: 524 - 5) الهيثم بن عبد الله الرماني الكوفى روى عن الامامين الكاظم
والرضا عليهما السلام. 6) علل الشرائع: 148 ح 5 من الباب 122 - وعيون أخبار الرضا
عليه السلام ج 2 / 81 ح 16 - وعنهما البحار 8 / 143 ط الحجرى.
[ 342 ]
قال:
حدثنا على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا أنه سئل أبا عبد
الله عليه السلام ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم ؟ قال: الذى سبق في
علم الله أنه يكون، وما كان له أن يقاتلهم وليس معه إلا ثلاثة رهط من المؤمنين
(1). 7 - وعنه قال: حدثنا حمزة بن محمد العلوى (7)، قال: أخبرنا أحمد بن (3) محمد
بن سعيد قال: حدثنى الفضل (4) بن الجباب الجمحى، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم
الحمصى، قال: حدثنى محمد بن أحمد بن موسى الطائى، عن أبيه، عن ابن مسعود (5) قال:
احتجوا في مسجد الكوفة، فقالوا: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع
الثلاثة كما نازع طلحة، والزبير، وعائشة، ومعاوية ؟ فبلغ ذلك عليا عليه السلام
فأمر أن ينادى: الصلاة الجامعة (6)، فلما اجتمعوا صعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه، ثم قال: معاشر الناس إنه بلغني عنكم كذا وكذا، قالوا: صدق أمير المؤمنين قد
قلنا ذلك، قال: إن لى بستة من الانبياء أسوة فيما فعلت، قال الله تعالى: (لقد كان لكم
في رسول الله أسوة حسنة) (7) قالوا: ومن هم يا أمير المؤمنين ؟ قال: أولهم إبراهيم
عليه السلام إذ قال لقومه: (وأعتزلكم وما تدعون
1)
علل الشرائع: 148 ح 6 من الباب 122 - وعنه البحار ج 8 / 144 ط الحجرى. 2) حمزة بن
محمد العلوى: بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب
عليهم السلام، أبو يعلى القزويني توفى سنة (346) ه كما أرخه السمعاني، أخذ عن على
بن إبراهيم سنة (307) وسمع منه الصدوق سنة (339) - الفخري في أنساب الطالبين: 52 -
والجامع في الرجال: 689 - 3) هو ابن عقدة الكوفى سنة (333) وقد تقدم ذكره. 4)
الفضل بن الحباب الجمحى: أبو خليفة البصري مسند العصر المتوفى سنة (305) - العبر
في خبر من غبر ج 2 / 136 - 5) ابن مسعود المتبادر منه هو عبد الله بن مسعود
الصحابي، ولكن القضية آبية عن أن تكون مروية عنه، فإنها كانت في خلافة أمير
المؤمنين عليه السلام، وابن مسعود الصحابي توفى سنة (32) في خلافة عثمان، ولعل
المراد منه عبد الله بن مسعدة بن مسعود الفزارى الذى كان مع أمير المؤمنين عليه
السلام أولا فاستعماله معاوية، ومات نحو سنة (65) والله يعلم. 6) في المصدر:
بالصلاة جامعة. 7) الاحزاب: 21.
[ 343 ]
من
دون الله) (1) فإن قلتم: إن إبراهيم اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم فقد كفرتم،
وإن قلتم اعتزلهم لمكروه رآه منهم فالوصى أعذر. ولى بابن خالة لوط أسوة إذ قال
لقومه: (لو أن لى بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد) (2) فإن قلتم: إن لوطا كانت له بهم
قوة فقد كفرتم، وإن قلتم: لم يكن له بهم قوة فالوصى أعذر. ولى بيوسف عليه السلام
أسوة إذ قال: (رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه) (3) فإن قلتم: إن يوسف دعا ربه
وسأله السجن لسخط ربه فقد كفرتم، وإن قلتم: إنه أراد بذلك لئلا يسخط ربه عليه
فاختار السجن، فالوصى أعذر. ولى بموسى عليه السلام أسوة إذ قال: (ففررت منكم لما
خفتكم) (4) فإن قلتم: إن موسى فر من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم، وإن
قلتم: إن موسى خاف منهم، فالوصى أعذر. ولى بأخى هارون عليه السلام أسوة إذ قال
لاخيه: (يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتولنني) (5) فإن قلتم: لم يستضعفوه
ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم، وإن قلتم: استضعفوه وأشرفوا على قتله فلذلك سكت
عنهم، فالوصى أعذر. ولى بمحمد صلى الله عليه وآله أسوة حين فر من قومه، ولحق
بالغار من خوفهم، وأنا منى على فراشه، فإن قلتم: فر من قومه لغير خوف منهم فقد
كفرتم، وإن قلتم: خافهم وأنا منى على فراشه ولحق هو بالغار من خوفهم، فالوصى أعذر
(6).
1)
مريم: 48. 2) هود: 80. 3) يوسف: 33. 4) الشعراء: 21. 5) الاعراف: 150. 6) علل
الشرائع: 148 ح 6 - وعنه البحار ج 8 / 144 ط الحجرى.
[ 344 ]
8 - وعنه، قال:
أخبرني على بن حاتم، قال: حدثنا أحمد (1) بن محمد بن موسى النوفلي، قال: حدثنا
محمد بن حماد السائى (2)، عن الحسن بن راشد (3)، عن على بن إسماعيل الميثمى (4)،
قال: حدثنا ربعى (5)، عن زرارة، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما منع أمير
المؤمنين عليه السلام أن يدعو الناس إلى نفسه ؟ قال: خوفا أن يرتدوا. قال على بن
حاتم: وأحسب في الحديث: ولا يشهدوا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله (6). 9
- وعنه قال: حدثنا أبو العباس محمد بن جعفر الرازي، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن
أبى الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس بن عبد الرحمن، عن بكار (7) بن
أبى بكر الحضرمي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لسيرة على بن أبى طالب
في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس، إنه علم أن للقوم دولة، فلو
سباهم لسبيت شيعته، قال: قلت: فأخبرني عن القائم عليه السلام يسير بسيرته ؟ قال:
لا، إن عليا عليه السلام سار فيهم بالمن لما علم من دولتهم، وإن القائم يسير فيهم
بخلاف تلك السيرة، لانه لا دولة لهم (8).
1)
أحمد بن موسى النوفلي: بن الحرث بن عون بن عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن
عبد المطلب بن هاشم، له كتاب نوادر كبير، قاله النجاشي. 2) في المصدر: محمد بن حماد
الشاشى، وعلى أي تقدير لم أظفر على ترجمة له. 3) الحسن بن راشد: أو الحسن بن أسد
الطفاوى أبو محمد البصري له ترجمة في " جامع الرواة " ج 1 / 198. 4) على
بن إسماعيل الميثمى: بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار أبو الحسن الكوفى كان من وجوه
المتكلمين وأول من تكلم على مذهب الامامية، سكن البصرة جامع الرواة ج 1 / 558 5)
ربعى: بن عبد الله بن الجارود العبدى بن أبى سبرة الهذلى أبو نعيم البصري روى عن
الامامين الصادق والكاظم عليهما السلام. 6) علل الشرائع: 149 ح 8 من الباب 122 -
وعنه البحار ج 8 / 144 ط الحجرى. 7) بكار بن أبى بكر عبد الله بن محمد الحضرمي
الكوفى عده الشيخ من أصحاب الصادق عليه السلام. 8) علل الشرائع: 149 ح 9 - وعنه
البحار ج 8 / 573 ط الحجرى.
[ 345 ]
10 - وعنه قال:
حدثنا أبى (ره)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن
العباس بن معروف، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن بريد (1) بن معاوية، عن أبى جعفر
عليه السلام، قال: إن عليا لم يمنعه من أن يدعو الناس إلى نفسه إلا أنهم إن يكونوا
ضلالا لا يرجعون عن الاسلام، أحب إليه من أن يدعوهم فيأبون عليه فيصيرون كفارا
كلهم. قال حريز: حدثنى زرارة عن أبى أبى جعفر عليه السلام قال: لولا أن عليا عليه
السلام سار في أهل حربه بالكف عن السبى والغنيمة، للقيت شيعته من الناس بلاء
عظيما، ثم قال: والله لسيرته كانت خيرا لكم مما طلعت عليه الشمس (2). 11 - وعنه -
قال: حدثنا محمد بن الحسن (ره) (3)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن
يزيد، عن حماد بن عيسى (4)، عن ربعى، عن فضيل بن يسار، قال: قلت لابي جعفر عليه
السلام أو لابي عبد الله عليه السلام حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لمن كان الامر من بعده ؟ فقال: لنا أهل البيت، قلت: فكيف صار في غيركم ؟ قال: إنك
قد سألت فافهم الجواب، إن الله عزوجل لما علم أن يفسد في الارض وتنكح الفروج
الحرام، ويحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى أراد أن يلى ذلك غيرنا (5).
1)
بريد بن معاوية: أبو القاسم العجلى الكوفى عده الشيخ من أصحاب الامامين: الباقر
والصادق عليهما السلام ومات في حياة أبى عبد الله عليه السلام، وروى عن ابن فضال
أن وفاته في سنة (150) الجامع في الرجال: 300 - 2) علل الشرائع: 150 ح 10 - وصدره
في البحار ج 8 / 144 ط القديم. 3) محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أبو جعفر نزيل
قم توفى سنة (343) ه. 4) حماد بن عيسى: الجهنمي البصري أصله كوفى عده الشيخ في
أصحاب الامام الصادق عليه السلام وبقى إلى زمان الامام الرضا عليه السلام وتوفى
سنة (208) أو سنة (209)، وعده الكشى من أصحاب الاجماع. 5) علل الشرائع: 153 ح 14 -
وعنه البحار ج 8 / 144 ط القديم.
[ 347 ]
1 - الشيخ في "
أماليه " قال: أخبرنا محمد بن محمد، يعنى المفيد، قال: أخبرنا أبو الحسن على
بن محمد الكاتب، قال: أخبرني الحسن (1) بن على الزعفراني، قال: حدثنى أبو إسحاق
إبراهيم بن محمد الثقفى، قال: حدثنى إبراهيم (3) بن عمرو، قال: حدثنى أبى، عن
أخيه، عن بكر بن عيسى (3)، قال: لما اصطف الناس للحرب بالبصرة، خرج طلحة، والزبير
في صف أصحابهما، فنادى أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام الزبير بن
العوام، فقال له: يا أبا عبد الله ادن منى لافضى إليك بسر عندي، فدنا منه حتى
اختلف أعناق فرسيهما، فقال له أمير المؤمنين: نشدتك بالله إن ذكرتك شيئا فذكرته،
أما تعترف به ؟ فقال له: نعم. فقال عليه السلام: أما تذكر يوما كنت مقبلا على
بالمدينة تحدثني، إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فرآك معى، وأنت تبسم إلى ؟
فقال
1)
الحسن بن على بن عبد الكريم الزعفراني أبو محمد، وهو غير الحسين بن على الزعفراني
أبو عبد الله الذى كان من مشايخ ابن قولويه المتوفى سنة (369) ه. 2) إبراهيم بن
عمرو بن المبارك البجلى. 3) بكر بن عيسى الراسبى أبو بشر البصري، ويكنى أيضا بأبى
زيد توفى سنة (204)، ولا يخفى سقوط راو أو راويين بعد بكر بن عيسى. 4) في المصدر:
أنشدتك الله.
[ 348 ]
لك:
يا زبير أتحب عليا ؟ فقلت: وكيف لا أحبه وبيني وبينه من النسب والمودة في الله ما
ليس لغيره ؟ فقال: إنك ستقاتله وأنت له ظالم، فقلت: أعوذ بالله من ذلك، فنكس الزبير
رأسه، ثم قال: إنى نسيت هذا المقام، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: دع هذا،
أفلست بايعتني طائعا، قال: بلى، قال: أفوجدت منى حدثا يوجب مفارقتي ؟ فسكت. ثم
قال: لا جرم والله لا قاتلتك، ورجع متوجها نحو البصرة، فقال له طلحة: ما لك يا
زبير تنصرف عنا ؟ سحرك ابن أبى طالب ؟ فقال: لا، ولكن ذكرني ما كان أنسانيه الدهر،
واحتج على بيعتى له، فقال له طلحة: لا، ولكن جبنت، وانتفخ سحرك، فقال الزبير: لم
أجبن، ولكن أذكرت فذكرت. فقال له عبد الله: يا أبت جئت بهذين العسكرين العظيمين،
حتى إذا اصطفا لله للحرب، قلت: أتركهما وانصرف، فما تقول قريش غدا بالمدينة ؟ الله
الله يا أبت لا تشمت الاعداء، ولا تشمر (1) نفسك بالهزيمة قبل القتال، قال: يا بنى
ما أصنع وقد حلفت له بالله أن لا اقاتله ؟ قال له: فكفر عن يمينك، ولا تفسد أمرنا،
فقال الزبير: عبدى مكحول حر لوجه الله كفارة ليمينى، ثم عاد معهم للقتال. فقال
همام الثقفى في فعل الزبير ما فعل، وعتقه عبده في قتال على عليه السلام: أيعتق
مكحولا ويعصى نبيه لقد تاه عن قصد الهدى ثم عوق أينوى بهذا الصدق والبر والتقى
سيعلم يوما من يبر ويصدق لشتان ما بين الضلالة والهدى وشتان من يعصى النبي ويعتق
ومن هو في ذات الاله مشمر يكبر برا ربه ويصدق أفى الحق أن يعصى النبي سفاهة ويعتق
عن عصيانه ويطلق
1)
في المصدر المطبوع: لا تشمر، أي لا تقصد الهزيمة ولا تهيئ نفسك لها، وفى البحار:
لا تشن نفسك: أي لا تهنها بالهزيمة.
[ 349 ]
كدافق
ماء للسراب يؤمه ألا في ضلال من يصب ويدفق (1) 2 - ومن طريق المخالفين أبو المؤيد
موفق بن أحمد من أعيان المخالفين في كتاب فضائل أمير المؤمنين قال: أخبرنا الشيخ
الامام الزاهد الحافظ أبو الحسن على بن أحمد العاصمى الخوارزمي، أخبرنا القاضى
الامام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، حدثنى والدى شيخ السنة أبو بكر أحمد بن
الحسين البيهقى الحافظ، حدثنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب (2)، حدثنا الحسن بن على بن عفان العامري (3)، حدثنا عبيدالله بن موسى (4)،
حدثنا أبو ميمونة (5)، عن أبى بشير الشيباني قال: لما قتل عثمان اختلف الناس إلى
على عليه السلام يقولون له: نبايعك، ومعهم طلحة، والزبير، والمهاجرون، والانصار،
فقال: لا حاجة لى في الامارة (6)، أنظروا إلى من تختارون أكون معكم، قال: فاختلفوا
إليه أربعين ليلة، فأبوا عليه إلا أن يكون يفعل، وقالوا: نحن منذ أربعين ليلة ليس
أحد يأخذ على سفهنا (7)، فقال على عليه السلام أصلى بكم، ويكون مفتاح بيت المال
بيدى، وليس بأمرى دونكم (8) أترضون بهذا ؟ قالوا: نعم، قال: وليس لى أن أعطى أحدا
درهما دونكم ؟ قالوا: نعم. (فجعل يقول لهم ذلك ثلاثة أيام، ويقولون: نعم) (9). فصعد
(10) المنبر وبايعه الناس ونزل، فأعطى كل ذى حق حقه، وسكن
1)
الامالى للشيخ الطوسى ج 1 / 136 - وعنه البحار ج 32 / 204 ح 158. 2) أبو العباس:
محمد بن يعقوب الاصم النيشابوري المتوفى سنة (346) ه - العبر ج 2 / 279 - 3) الحسن
بن على بن عفان أبو محمد العامري الكوفى المتوفى سنة (270) ه. 4) عبيدالله بن موسى
أبو محمد الحافظ الكوفى المقرئ المتوفى سنة (213) ه - العبر ج 1 / 364 - 5) في
المصدر: ابن ميمونة وعلى أي حال لم أظفر على ترجمته كما لم أظفر على ترجمة من روى
عنه. 6) في المصدر المطبوع: في الامرة. 7) في المصدر: سفيهنا. 8) في المصدر: وليس
أمرى دونكم. 9) ما بين القوسين ليس في المصدر. 10) في المصدر: فقعد على المنبر.
[ 350 ]
الناس
وهدؤا، قال: فلم يكن إلا يسيرا حتى دخل عليه طلحة، والزبير فقالا: يا أمير
المؤمنين إن أرضنا أرض شديدة، وعيالنا كثير، ونفقتنا قليلة، قال: ألم أقل لكم: إنى
لا أعطى أحدا دون أحد ؟ قالا: بلى (1)، قال: فأتيا (2) بأصحابكم، فإن رضوا بذلك
أعطيتكما، وإلا لم اعطكما دونهم، ولو كان عندي شئ لنفسي أعطيتكما من الذى لى، ولو
انتظرتم حتى يخرج عطائي أعطيتكما من عطائي، قالا: ما نريد من مالك شيئا، وخرجا من
عنده، فلم يلبثا إلا قليلا حتى دخلا عليه، فقالا: ائذن (3) لنا في العمرة، فقال:
ما تريدان العمرة، ولكن تريدان الغدرة، قالا: كلا، قال: قد أذنت لكما اذهبا. قال:
فخرجا حتى أتيا مكة، وكانت أم سلمة، وعائشة بمكة، فدخلا على أم سلمة رضى الله
عنها، وقالا لها وشكيا إليها، فوقعت فيهما، وقالت: أنتما تريدان الفتنة، ونهتهما
عن ذلك نهيا شديدا، قال: فخرجا من عندها حتى أتيا عائشة، فقال لها مثل ذلك وقالا:
نريد أن تخرجي معنا نقاتل هذا الرجل ؟ قالت: نعم. قال: فكتب أمير مكة إلى على
(رض): أن طلحة، والزبير جاءا فأخرجا عائشة، ولا نعلم (4) أين خرجا بها، قال: فصعد
المنبر، ودعا الناس، وقال: أنا كنت أعلم بكم فأبيتم، قالوا: وما ذاك ؟ قال عليه
السلام: إن طلحة، والزبير أتياني وذكرا حالهما، فقلت لهما: ليس عندي شئ،
فاستأذنانى في العمرة، وأذنت (5) لهما، وقد أخرجا عائشة إلى البصرة تقاتلكم،
قالوا: نحن معك، فمرنا بأمرك، قال: إن هؤلاء يجتمعون عليكم، وأرضكم شديدة، فسيروا
أنتم إليهم، وكتب إلى أمير الكوفة يستنفر
1)
في المصدر المطبوع: نعم. 2) في المصدر: فأتوني بأصحابكم. 3) في المصدر: أتأذن لنا
في العمرة ؟ 4) في المصدر: ما ندرى أين خرجا بها. 5) ليس في المصدر: (وأذنت لهما).
[ 351 ]
الناس،
قال: فاجتمعوا بالبصرة فقال عليه السلام: من يأخذ المصحف ثم يقول لهم: ماذا تنقمون
تريقون دماءنا ودمائكم ؟ فقال رجل: أنا يا أمير المؤمنين أمضى إليهم، قال: إنك
مقتول، قال: لا أبالى، قال عليه السلام: خذ المصحف، قال: فذهب إليهم، فقتلوه. ثم
قال من الغد مثل ما قال بالامس، فقال رجل: أنا، فقال: إنك مقتول، كما قتل صاحبك
بالامس، فقال: لا أبالى، قال: فذهب، ثم قتل، وذهب آخر في اليوم الثالث، فقتل، فقال
على عليه السلام: قد حل لكم الآن قتالهم، فبرز هؤلاء، وهؤلاء، فاقتتلوا قتالا شديدا.
قال: وقتل طلحة في المعركة، وانهزم أصحاب الجمل، قال: وعائشة واقفة على بعيرها ليس
عندها أحد، فقال على عليه السلام لمحمد (1): خذ بزمام بعير اختك، قال: فأتاها،
قالت: من أنت ؟ قال أنا أخوك من أبيك، قالت: كلا، قال: بلى ولو كرهت. قال: وقد كان
على عليه السلام قبل ذلك قال: أين الزبير ؟ قالوا: هو ذا واقف، فأرسل إليه رسولا
فأتى إليه (2) فقال له: ادن منى حتى اخبرك، وهو في السلاح، وعلى عليه السلام عليه
قباطاق وبرنس، وسيف وقلنسوة، فقال له الحسن: يا أمير المؤمنين ذاك في السلاح، وليس
عليك إلا ما أرى ؟ فقال له على عليه السلام إنته عنى، قال: فدنا كل واحد منهما إلى
صاحبه حتى اختلفت رؤوس دابتيهما، فقال له على عليه السلام: تذكر يوم كنت أنا وأنت
في مكان كذا وكذا فمر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لك: لتقاتلن هذا وأنت
ظالم له، فقال له الزبير: ذكرتني ما نسيت (3) فلن أسل عليك سيفا وأدبر. فقال له
عبد الله ابنه: ما هذا الذى ذكر لك على ؟ فقال: ذكرني شيئا
1)
في المصدر المطبوع: لمحمد بن أبى بكر. 2) في المصدر: فأرسل إليه رسولا أن ادن منى
حتى أخبرك. 3) في المصدر: ذكرتني ما قد نسيته.
[ 352 ]
كنت
ناسيته (1)، فقال: بعدما أخرجت القوم تتركهم وتذهب. قال أبو بشير: (فرد عليهم ما
كان أخذ في العسكر حتى القدر) (2). وروى (3) أن ابنه عبد الله ويخه بترك القتال
وقال له: لعلك رأيت الموت الاحمر تحت رايات ابن أبى طالب، والله لقد فضحتنا فضيحة
لا نغسل منها رؤوسنا أبدا، فغضب الزبير من ذلك، وصاح صيحة بفرسه، وحمل على أصحاب
على عليه السلام حملة منكرة، فقال على عليه السلام لاصحابه افرجوا له فإن الشيخ
موبخ، فأوسعوا له، فشق الصفوف حتى خرج منها، ثم رجع فشقها ثانية، ولم يطعن أحدا،
ولم يضرب أحدا. ثم رجع إلى ابنه عبد الله بن الزبير فقال: هذه حملة جبان ؟ فقال له:
فلم تنصرف عنا الآن وقد التقت حلقتا البطان ؟ (4) فقال الزبير: يا بنى ارجع لاخبار
كان النبي صلى الله عليه وآله عهده إلى ثم نسيتها حتى أذكرنيها على عليه السلام،
فعرفتها. قال: ثم خرج الزبير من عسكرهم تائبا مما كان منه وهو ينشد ويقول: ترك
الامور التى نخشى عواقبها لله أجمل في الدنيا وفى الدين نادى على بأمر لست أنكره
(5) قد كان عمر أبيك اليوم مذ حين فاخترت عارا على نار مؤججة أنى يقوم لها خلق من
الطين إخال طلحة وسط القوم منجد لا ركن الضعيف ومأوى كل مسكين قد كنت أنصره حينا
وينصرني في النائبات ويرمى من يرامينى حتى ابتلينا بأمر ضاق مذهبه (6) فأصبح اليوم
ما يعنيه يعنينى
1)
في المصدر: قد كنت نسيته. 2) ما بين القوسين من (قال أبو بشير) إلى (حتى القدر)
ليس في المصدر. 3) في المصدر: أخذ يوبخه وقال: لعلك.. 4) البطان (بكسر الباء):
الحزام الذى يجعل تحت بطن الدابة - والتقت حلقتا البطان: عظم الخطب واشتد الامر.
5) في المصدر: لست أذكره. 6) في المصدر: صاق مصدره.
[ 353 ]
قال:
ثم مضى الزبير منفردا، وتبعه خمسة من الفرسان، فحمل عليهم ففرقهم ومضى حتى سار إلى
وادى السباع، فنزل على قوم من بنى تميم، فقام إليه عمرو بن جرمور المجاشعى، فقال:
يا أبا عبد الله كيف تركت الناس ؟ قال: تركتهم والله وقد عزموا على القتال، ولا شك
أنهم قد التقوا، قال: فسكت عنه عمرو بن جرموز، وأمر له بطعام وشئ من لبن، فأكل
وشرب، ثم قام فصلى، وأخذ مضجعه، فلما علم ابن جرموز أن الزبير قد نام، وثب عليه
فضربه بسيفه ضربة على أم رأسه فقتله (1). 3 - الشيخ في " أماليه " قال:
أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو عبيدالله محمد بن عمران المرزبانى (2) قال:
حدثنى محمد بن إسحاق الاشعري النحوي، قال: حدثنى الوليد بن محمد بن إسحاق الحضرمي،
عن أبيه، قال: استأذن عمرو بن العاص على معاوية بن أبى سفيان، فلما دخل عليه
استضحك معاوية، فقال له عمرو: وما أضحكك يا معاوية ؟ قال: ذكرت ابن أبى طالب، وقد
غشيك بسيفه فاتقيته ووليت، فقال: أتشمت بى يا معاوية ؟ وأعجب من هذا اليوم دعاك
إلى البراز فالتمع لونك، وأطت (3) أضلاعك وانتفخ سحرك (4) والله لو بارزته لاوجع
قذالك (5) وأيتم عيالك، ونزل سلطانك وأنشأ عمرو يقول: معوى لا تشمت بفارس بهمة لقى
فارسا لا تعتليه الفوارس معاوى لو أبصرت في الحرب مقبلا أبا حسن يهوى عليك الوساوس
وأيقنت أن الموت حق وأنه لنفسك إن لم تمعن الركض خالس
1)
مناقب الخوارزمي: 111 - 114. 2) المرزبانى: أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى
بن عبيدالله الخراساني الاصل البغدادي المولد المتوفى سنة (378) ه. 3) أطت: تحركت
وصوتت. 4) السحر (بفتح السين المهملة وضمها): الرئة، يقال: انتفخ سحره أي جبن كأن
الخوف ملا جوفه وانتفخ سحره. 5) القذال (بفتح القاف): ما بين الاذنين من مؤخر
الرأس.
[ 354 ]
دعاك
فصمت دونه الاذن إن دعا (1) ونفسك قد ضاقت عليها الامالس أتشمت بى أن نالنى حد
رمحه وعضضنى ناب من الحرب ناهس فأى امرة لاقاه لم يلق شلوه بمعترك تسفى عليه
الروامس أبى الله إلا أنه ليث غابة أبو أشبل تهدى إليه الفرائس فإن كنت في شك
فأوهج عجاجه وإلا فتلك الترهات البسابس فقال معاوية: مهلا يا أبا عبد الله ولا كل
هذا، قال: أنت استدعيته (2). 4 - وعنه قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو
الحسن على بن محمد الكاتب، قال: أخبرني الحسن بن على الزعفراني، قال: أخبرني
إبراهيم بن محمد الثقفى، قال: حدثنى أبو المؤيد الضبى، قال: حدثنا أبو بكر الهذلى
قال: دخل الحارث بن حوط الليثى على أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام
فقال: يا أمير المؤمنين ما أرى طلحة، والزبير، وعائشة أضحوا إلا على حق، فقال: يا
حارث إنك إن نظرت تحتك ولم تنظر فوقك جزت عن الحق، إن الحق والباطل لا يعرفان
بالناس، ولكن اعرف الحق باتباع من اتبعه، والباطل باجتناب من اجتنبه. قال: فهلا
أكون كعبد الله بن عمر (3)، وسعد بن مالك (4)، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن
عبد الله بن عمر، وسعدا خذلا الحق، ولم ينصرا الباطل، متى كانا إمامين في الخير
فيتبعان ؟ (5)
1)
في المصدر: اذرعا. 2) أمالى الطوسى ج 1 / 134 - وعنه البحار ج 50 33 ح 394 3) عبد
الله بن عمر: بن الخطاب أبو عبد الرحمن توفى بمكة سنة (73) ه. 4) سعد بن مالك: أبى
وقاص بن أهيب بن عبد مناف القرشى مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال بالمدينة سنة
(55) ه. 5) أمالى الطوسى ج 1 / 133 - وعنه بحار الانوار ج 22 / 105 ح 64
|
|
|
|