كتاب مدينة المعاجز

الجزء الثامن

 

 

مدينة المعاجز

السيد هاشم البحراني ج 8


[ 1 ]

مدينة معاجز الائمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر تأليف العلم العلامة السيد هاشم البحراني (قدس سره) الجزء السابع مؤسسة المعارف الاسلامية

[ 2 ]

هوية الكتاب إسم الكتاب: مدينة معاجز الائمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر - ج 8. تأليف: السيد هاشم بن سليمان البحراني - رحمه الله -. تحقيق: لجنة التحقيق برئاسة الشيخ عباد الله الطهراني الميانجي. صف الحروف ونشر: مؤسسة المعارف الاسلامية. الطبعة: الاولى 1416 ه‍. ق. المطبعة: پاسدار اسلام. العدد: 2000 نسخة.

[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

[ 4 ]

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لمؤسسة المعارف الاسلامية ايران - قم المقدسة ص. ب 768 / 37185 تلفون 732009

[ 5 ]

 

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الباب الثاني عشر في معاجز الامام الثاني عشر سمي جده رسول الله وكنيه: الحجة بن الحسن العسكري ابن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين وصي رسول الله - صلى الله عليه وآله - وخليفته على امته 2657 / 1 - قال الشيخ المفيد في (إرشاده): كان الامام بعد أبي محمد - عليه السلام - إبنه المسمى باسم رسول الله - صلى الله عليه وآله - المكنى بكنيته، ولم يخلف أبوه ولدا غيره ظاهرا ولا باطنا، وخلفه غائبا مستورا (1) على ما قدمنا ذكره، وكان مولده - عليه السلام - ليلة النصف من


(1) في المصدر: مستترا. [ * ]


[ 6 ]

شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وامه ام ولد يقال لها: نرجس، وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة [ وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبيا ] (1)، وجعله إماما في حال الطفولية الظاهرة، كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبيا. وقد سبق النص عليه في أنه الامام (2) من نبي الهدى - عليه السلام - ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام -، ونص عليه الائمة - عليهم السلام - واحدا بعد واحد إلى أبيه الحسن - عليه السلام -، ونص أبوه عليه عند ثقاته وخاصته (3) وشيعته. وكان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده، وبدولته مستفيضا قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمة الهدى - عليهم السلام -، والقائم بالحق المنتظر لدولة الايمان، وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الاخرى، كما جاءت بذلك الاخبار، فأما القصرى منهما فمنذ وقت مولده - عليه السلام - إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد

ى، وفي آخرها يقوم بالسيف. قال الله عزوجل: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) (4)


(1) من المصدر والبحار. (2) في المصدر: في ملة الاسلام. (3) في المصدر: وخاصة شيعته. (4) القصص: 5 - 6 [ * ]


[ 7 ]

وقال جل اسمه: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون) (1). وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: (لن تنقضي الايام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه إسمي، يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وقال - صلى الله عليه وآله -: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا من ولدي، يواطئ اسمه إسمي، يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. (2) 2658 / 2 - وقال الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي في كتاب (إعلام الورى): إنه - عليه السلام - ولد بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة. روى ذلك محمد بن يعقوب الكليني، (عن علي بن محمد) (3)، وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله سبحانه الحكم صبيا كما آتاه يحيى، وجعله في حال الطفولية إماما كما جعل عيسى نبيا في المهد صبيا. (4) 2659 / 3 - وقال الطبرسي ايضا: قد حصلت الغيبتان لصاحب الامر على حسب ما تضمنته الاخبار السابقة لوجوده عن آبائه


(1) الانبياء: 105. (2) الارشاد: 346 وعنه المستجاد: 521 - 523 وكشف الغمة: 2 / 446، وفي الفصول المهمة: 291 - 292 والبحار: 51 / 23 ح 36 وإثبات الهداة: 3 / 554 عنه مختصرا. ويراجع لقول النبي - صلى الله عليه وآله - (لن تنقضي الايام) الخ وقوله - صلى الله عليه وآله - (لو لم يبق) الخ إلى غيبة الطوسي: 180 ح 139 و 140 ومعجم أحاديث الامام المهدي - عليه السلام -: 1 / 170 ح 98. (3) ليس في الكافي. (4) إعلام الورى: 393 - 394، وأخرج صدره في البحار: 51 / 2 ح 2 عن الكافي: 1 / 514. [ * ]


[ 8 ]

وجدوده - عليهم السلام - أما غيبته الصغرى (1) منهما فهي التي كانت [ فيها ] (2) سفراؤه موجودين وأبوابه معروفين لا تختلف الامامية القائلون بإمامة الحسن بن علي - عليهما السلام - فيهم، فمنهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمان وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، وعمرو الاهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمد بن إبراهيم في جماعة اخرى [ ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم ] (3) وكانت مدة هذه الغيبة أربعا وسبعين سنة. وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري بابا لابيه وجده - عليهما السلام - من قبل وثقة لهما، ثم تولى [ الباقية ] (4) من قبله وظهرت المعجزات على يده، ولما مضى لسبيله قام إبنه أبو جعفر محمد مقامه - رحمهما الله - بنصه عليه، ومضى على منهاج أبيه في آخر جمادي الآخرة من سنة اربع أو خمس وثلاثمائة، وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنص أبي جعفر محمد بن عثمان عليه وأقامه مقام نفسه، ومات في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة، وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري بنص أبي القاسم عليه، وتوفي في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. فروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب أنه قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها علي بن محمد السمري،


(1) كذا في المصدر، وفي الاصل: أما الغيبة القصوى. (2 - 4) من المصدر. [ * ]


[ 9 ]

فحضرته قبل وفاته [ بأيام فخرج ] (1)، وأخرج إلى الناس توقيعا نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري اعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة (2)، فلا ظهور إلا بعد أن يأذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الامد وقسوة القلوب وامتلاء الارض جورا، وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة، الا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). قال: فانتسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك ؟ قال: لله أمر هو بالغه فقضى، فهذا (3) آخر كلام سمع منه، ثم حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها، والفرج يكون [ في ] (4) آخرها بمشية الله تعالى. (5) وذكر في بعض الكتب أن الغيبة الاولى كانت أربعا وسبعين سنة، ووفاة علي بن محمد السمري سنة تسع وعشرين وثلاثمائة (6)، وهو الاظهر.


(1) من المصدر. (2) كذا في المصدر، وفي الاصل: الثانية. (3) كذا في المصدر، وفي الاصل: وقضى، وهذا. (4) من المصدر. (5) إعلام الورى: 416 - 417 وعنه كشف الغمة: 2 / 530، ورواه في كمال الدين: 516 ح 42 وغيبة الطوسي: 395 ح 365، وله تخريجات اخر من أرادها فليراجع الغيبة للطوسي - عليه الرحمة - بتحقيقنا. (6) كالغيبة للشيخ الطوسي: 393 - 396. [ * ]


[ 10 ]

 

الاول: في معاجز مولده - عليه السلام -. 2660 / 4 - ابن بابويه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد ابن يحيى العطار، عن الحسين بن رزق الله، عن موسى بن محمد بن القاسم ابن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي الرضا قالت: بعث الي أبو محمد الحسن بن علي - عليهما السلام - فقال: (يا عمة إجعلي إفطارك [ هذه ] (1) الليلة عندنا، فانها ليلة النصف من شعبان، وأن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه)، قالت: فقلت له: ومن امه ؟ قال: (نرجس)، قلت له: جعلني الله فداك ما بها أثر ؟ فقال: (هو ما أقول لك)، قالت: فجئت فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي [ وسيدة أهلي ] (2) كيف أمسيت ؟ فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي. قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا [ يا عمة ؟ قالت: ] (3) فقلت لها: يا بنية إن الله تبارك وتعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت (4) واستحيت، فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلما [ أن ] (5) كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثم جلست معقبة، ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهي راقدة،


(1 - 3) من المصدر. (4) في البحار: فجلست. (5) من المصدر والبحار. [ * ]


[ 11 ]

ثم قامت فصلت ونامت. قالت حكيمة: وخرجت أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الاول كذنب السرحان وهي نائمة، فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمد - عليه السلام - من المجلس فقال: (لا تعجلي يا عمة فهاك الامر قد قرب)، قالت: (فجلست) (1) وقرأت (الم السجدة) و (يس) فبينما أنا كذلك إذا انتبهت فزعة، فوثبت إليها، فقلت: إسم الله عليك، ثم قلت لها: تحسين شيئا ؟ قالت نعم [ يا عمة ] (2)، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك. قالت حكيمة: ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحس سيدي فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به - عليه السلام - ساجدا يتلقى الارض بمساجده فضممته - عليه السلام - إلي فإذا أنا [ به ] (3) نظيف منظف، فصاح بي أبو محمد - عليه السلام - (هلمي إلي ابني يا عمة)، فجئت به إليه فوضع يديه تحت إليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره، ثم ادلى لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: (تكلم يا بني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله [ وحده لا شريك له ] (4) وأشهد أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وآله)، ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الائمة - عليهم السلام - إلى أن وقف على ابيه - عليه السلام -، ثم أحجم (5). ثم قال أبو محمد - عليه السلام -: (يا عمة اذهبي به إلى امه ليسلم عليها


(1) ليس في البحار، وفيه: فان الامر قد قرب. (2) من المصدر. (3 - 4) من المصدر والبحار. (5) يقال: حجمته عن الشئ فأحجم أي كففته فكف (البحار). [ * ]


[ 12 ]

وأتيني به)، فذهبت به فسلم [ عليها ] (1) ورددته فوضعته في المجلس، ثم قال: (يا عمة إذا كان يوم السابع فأتينا)، قالت حكيمة: فلما اصبحت جئت لاسلم على ابي محمد - عليه السلام - وكشفت الستر لا تفقد سيدي - عليه السلام - فلم أره، فقلت (له) (2) جعلت فداك ما فعل سيدي ؟ قال: (يا عمة استودعناه الذي استودعته ام موسى - عليه السلام -). قالت حكيمة: فلما كان في اليوم السابع جئت وسلمت وجلست، فقال: هلمي [ إلي ] (3) إبني) فجئت بسيدي - عليه السلام - وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الاولى، ثم أدلى لسانه في فيه كأنما يغذيه لبنا أو عسلا، ثم قال: (تكلم يا بني)، فقال: - عليه السلام -: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وثنى بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين وعلى الائمة الطاهرين - صلوات الله عليهم أجمعين -، حتى وقف على أبيه - عليه السلام - ثم تلا هذه الآية: [ بسم الله الرحمن الرحيم ] (4) (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) (5). قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذا، فقال (6) صدقت حكيمة. (7)


(1) من المصدر والبحار. (2) ليس في المصدر، وفيه: فقال: يا عمة استودعناه. (3 و 4) من المصدر. (5) القصص: 5 و 6. (6) في المصدر: عن هذه، فقالت. (7) كمال الدين 424 ح 1 وعنه اعلام الورى: 394 - 395 والبحار: 51 / 2 ح 3. [ * ]


[ 13 ]

 

الثاني: كلامه - عليه السلام - حين سقط من بطن امه 2661 / 5 - ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه وأحمد بن محمد بن يحيى العطار قالا [ حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: ] (1) حدثنا الحسين بن علي النيسابوري عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر - عليهما السلام - عن السياري قال: حدثتني نسيم ومارية [ قالتا: ] (2) إنه لما سقط صاحب الزمان - عليه السلام - من بطن امه سقط جاثيا على ركبتيه، رافعا سبابتيه إلى السماء، ثم عطس فقال: (الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله، زعمت الظلمة أن حجة الله داحظة، ولو اذن لنا في الكلام لزال الشك). قال ابراهيم بن محمد بن عبد الله وحدثتني نسيم خادم أبي محمد - عليه السلام - قالت: قال لي صاحب الزمان - عليه السلام - وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده، فقال لي: (يرحمك الله)، قالت نسيم: ففرحت بذلك، فقال لي - عليه السلام - (ألا ابشرك في العطاس ؟) فقلت: بلى [ يا مولاي ] (3) وقال: (هو أمامن من الموت ثلاثة أيام). ورواه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - رحمه الله - قال: وروى علان الكليني قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا الحسين


واورده في روضة الواعظين: 256 - 257. (1) من المصدر والبحار. (2) من المصدر. (3) من المصدر، وفيه: فقال: [ * ]


[ 14 ]

ابن علي النيسابوري قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى ابن جعفر قال حدثتني نسيم ومارية (خادم الحسن بن علي - عليهما السلام -) (1) قالا: لما سقط صاحب الزمان - عليه السلام - وساق الحديث -. (2)

الثالث: قراءته - عليه السلام - في بطن امه وبعد سقوطه من بطن امه ودعاؤه - عليه السلام - والطير الذي عرج به بعد ميلاده معه الطيور وغير ذلك من المعجزات 2662 / 6 - ابن بابويه: قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن ادريس - رضي الله عنه - قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثني محمد بن إبراهيم الكوفي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الطهوي قال: قصدت حكيمة بنت محمد - عليه السلام - بعد مضي أبو محمد - عليه السلام - أسألها عن الحجة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: اجلس فجلست، ثم قالت: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لا يخلي الارض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين - عليهما السلام - تفضيلا للحسن والحسين - عليهما السلام - وتمييزا (3) لهما أن يكون في الارض عديلهما،


(1) ليس في المصدر. (2) كمال الدين: 430 ح 5، غيبة الطوسي: 244 ح 211 و 232 ح 200 وعنهما البحار: 51 / 4 و 6 ح 6 - 8. ورواه في إثبات الوصية: 221 وكشف الغمة: 2 / 498 و 500 واعلام الورى: 395 والخرائج: 1 / 457 ح 2 و 465 ح 11، وله تخريجات اخر من أرادها فليراجع غيبة الطوسي. (3) في المصدر: تنزيها. [ * ]


[ 15 ]

إلا أن الله تبارك وتعالى خص ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن - عليهم السلام - كما خص ولد هارون على ولد موسى - عليهما السلام -، وإن كان موسى حجة على هارون، والفضل لولده إلى يوم القيامة، ولابد للامة من حيرة يرتاب فيها المبطون ويخلص فيها المحقون، لئلا يكون للناس على الله حجة (بعد الرسل) (1)، وإن الحيرة لابد واقعة بعد مضي ابي محمد الحسن - عليه السلام -. فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن - عليه السلام - ولد ؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن - عليه السلام - عقب فمن الحجة من بعده ؟ ! وقد أخبرتك أن الامامة لا تكون لاخوين بعد الحسن والحسين - عليهما السلام -. فقلت: يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته - عليه السلام - قالت: نعم كانت لي جارية يقال [ لها ] (2): (نرجس) فزارني ابن أخي - عليه السلام - واقبل يحد النظر إليها، فقلت له: يا سيدي لعلك هويتها ؟ فارسلها إليك ؟ فقال: (لا يا عمة ولكني أتعجب منها)، فقلت: وما أعجبك ؟ فقال - عليه السلام -: (سيخرج منها ولد كريم على الله عزوجل الذي يملا الله به الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا)، فقلت: أرسلها إليك يا سيدي ؟ فقال (استأذني في ذلك أبي - عليه السلام -). قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن - عليه السلام - فسلمت وجلست، فبدأني - عليه السلام - وقال: (يا حكيمة إبعثي نرجس إلى إبني أبي محمد - عليه السلام -)، قالت: فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك


(1) ليس في المصدر، وفيه: كيلا يكون للخلق على الله حجة. (2) من المصدر والبحار. [ * ]


[ 16 ]

على أن استأذنك في ذلك، فقال [ لي ] (1): (يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الاجر ويعجل لك في الخير نصيبا)، قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لابي محمد - عليه السلام - وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أياما، ثم مضى إلى والده - عليهما السلام -، ووجهت بها معه. قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن - عليه السلام - وجلس أبو محمد - عليه السلام - مكان والده، وكنت أزوره كما [ كنت ] (2) أزور والده، فجاءتني نرجس يوما تخلع خفي وقالت: يا مولاتي ناوليني خفك، فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي والله لا أدفع إليك خفي لتخلعيه ولا خدمتيني (3) بل أنا أخدمك على بصري، فسمع أبو محمد - عليه السلام - ذلك فقال: (جزاك الله خيرا يا عمة) فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية [ وقلت: ] (4) ناوليني ثيابي لانصرف، فقال - عليه السلام -: (يا عمتاه بيتي الليلة عندنا، فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزوجل الذي يحيى الله عزوجل به الارض بعد موتها)، قلت: ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل ؟ ! فقال: (من نرجس لا من غيرها)، قالت: فوثبت إلى نرجس فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثر حبل، فعدت إليه - عليه السلام - فأخبرته بما فعلت، فتبسم ثم قال لي: (إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لان مثلها مثل ام موسى - عليه السلام - لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لان فرعون كان


(1 - 2) من المصدر والبحار. (3) في المصدر: ولا لتخدميني. (4) من المصدر والبحار. [ * ]


[ 17 ]

يشق بطون الحبالى في طلب موسى - عليه السلام -، وهذا نظير موسى - عليه السلام). قالت حكيمة: [ فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها، فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئا من هذا، قالت حكيمة: ] (1) فلم أزل ارقبها إلى [ وقت ] (2) طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنبا إلى جنب، حتى إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة، فضممتها إلى صدري وسميت عليها، فصاح أبو محمد - عليه السلام - وقال: (إقرئي [ عليها ] (3) (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (4)) فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك ؟ قالت: ظهر [ بي ] (5) الامر الذي اخبرك به مولاي، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما (6) اقرأ وسلم علي. قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمد - عليه السلام -: (لا تعجبي من أمر الله عزوجل إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في أرضه كبارا)، فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس، فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمد - عليه السلام - وأنا صارخة، فقال لي: (إرجعي يا عمة فإنك ستجديها في مكانها)، قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف


(1) من المصدر. (2 و 3) من المصدر والبحار. (4) القدر: 1. (5) من المصدر. (6) في المصدر: مثل ما أقرأ. [ * ]


[ 18 ]

الحجاب (1) بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري، وإذا [ أنا ] بالصبي - عليه السلام - ساجدا على وجهه، جاثيا على ركبتيه، رافعا سبابتيه نحو السماء وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن جدي [ محمدا ] (3) رسول الله وأن أبي أمير المؤمنين - عليه السلام -) ثم عد إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه، ثم قال - عليه السلام -: (اللهم انجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري وثبت وطأتي (4)، واملا الارض بي عدلا وقسطا). فصاح أبو محمد - عليه السلام - فقال: (يا عمة تناوليه وهاتيه)، فتناولته وأتيت به نحوه، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي سلم على أبيه، فتناوله الحسن - عليه السلام - [ مني ] (5) والطير ترفرف على رأسه، [ وناوله لسانه فشرب منه، ثم قال: (إمضي به إلى امه لترضعه ورديه الي)، قالت: فتناولته امه فأرضعته، فرددته إلى أبي محمد - عليه السلام - والطير ترفرف على رأسه ] (6)، فصاح بطير منها فقال له: (احمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوما)، فتناوله الطير وطار به في جو السماء وأتبعه سائر الطيور، فسمعت أبا محمد - عليه السلام - يقول: (استودعك الله


(1) في المصدر: أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها. (2) من المصدر والبحار. (3) من المصدر. (4) في حديث علي - عليه السلام - (إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذلك المراد)، وتفسيره - عليه السلام - (الوطأة بالكون): موضع القدم... ويكون المعنى تثبت القدم في موضع تزل فيه الاقدام غالبا (مجمع البحرين). (5) من المصدر وروضة الواعظين. (6) من المصدر وروضة الواعظين. [ * ]


[ 19 ]

الذي استودعته ام موسى [ موسى ] (1))، فبكت نرجس، فقال لها: (اسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك، وسيعاد إليك كما رد موسى إلى امه، وذلك قوله عزوجل: (فرددناه إلى امه كي تقر عينها ولا تحزن) (2). قالت حكيمة: فقلت: وما هذا الطير ؟ قال: (هذا روح القدس الموكل بالائمة - عليهم السلام - يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم). قالت حكيمة: فلما كان بعد أربعين يوما رد الغلام ووجه إلي إبن أخي - عليه السلام -، فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بالصبي متحرك يمشي بين يديه، فقلت: يا سيدي هذا إبن سنتين ؟ ! فتبسم - عليه السلام -، ثم قال: (إن أولاد الانبياء والاوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشأ غيرهم، وإن الصبي منا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، وإن الصبي منا ليتكلم في بطن امه ويقرأ القران ويعبد ربه عزوجل، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحا ومساء). قالت حكيمة: فلم أزل ارى ذلك الصبي في كل أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمد - عليه السلام - بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابي محمد - عليه السلام -: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه ؟ فقال - عليه السلام -: ([ هذا ] (3) ابن نرجس وهو خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي). قالت حكيمة: فمضى أبو محمد - عليه السلام - بعد ذلك بأيام قلائل،


(1) من المصدر وروضة الواعظين. (2) القصص: 13. (3) من المصدر. [ * ]


[ 20 ]

وافترق الناس كما ترى، ووالله إني لاراه (1) صباحا ومساء وإنه لينبئني عما تسألوني عنه فاخبركم، ووالله إني لاريد أن أسأله عن الشئ فيبدأني به، وإنه ليرد علي الامر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إلي وأمرني أن اخبرك بالحق. قال محمد بن عبد الله، فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحدا إلا الله عزوجل، فعلمت أن ذلك صدق وعدل من الله عزوجل، [ وأن الله عزوجل ] (2) قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه. (3)

الرابع: قراءته - عليه السلام - وقت ولادته الكتب المنزلة من الله تعالى والصعود به إلى سرادق العرش 2663 / 7 - الحسين بن حمدان الحضيني في (هدايته): قال: حدثني هارون بن مسلم بن سعدان البصري ومحمد بن أحمد البغدادي وأحمد بن إسحاق وسهل بن زياد الآدمي و عبد الله بن جعفر، عن عدة من المشايخ الثقاة الذين كانوا مجاورين (4) للامامين - عليهما السلام -، عن سيدنا أبي الحسن وابي محمد - عليهما السلام - قالا: (إن الله عزوجل إذا


(1) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: والله لاراه. (2) من المصدر والبحار. (3) كمال الدين: 426 ح 2 وعنه البحار 51 / 11 ح 14. ورواه في روضة الواعظين: 257 - 260، وقد تقدم قطعة منه في الحديث 2510 ويأتي ذيله في الحديث 2681. (4) في المصدر: ملازمين. [ * ]


[ 21 ]

أراد أن يخلق الامام أنزل قطرة من ماء الجنة في ماء [ من ] (1) المزن، فتسقط في ثمار الارض فيأكلها الحجة - عليه السلام -، فإذا استقرت في الموضع الذي تستقر فيه ومضي له أربعون يوما سمع الصوت، فإذا أتت له أربعة أشهر وقد حمل كتب على عضده الايمن: (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) (2)، فإذا ولد قام بأمر الله ورفع له عمود من نور في كل مكان ينظر فيه إلى الخلائق وأعمالهم، وينزل أمر الله إليه في ذلك العمود، والعمود نصب عينيه حيث تولى ونظر). قال أبو محمد - عليه السلام -: دخلت على عمتي في دارها، فرأيت جارية من جواريهن قد زينت تسمى نرجس، فنظرت إليها نظرا أطلته)، فقالت لي عمتي حكيمة: يا سيدي تنظر إلى هذه الجارية نظرا شديدا ؟ فقلت له: (يا عمة ما نظري إليها إلا نظر التعجب مما لله فيها من إرادته وخيرته) فقالت [ لي ] (3): يا سيدي أحسبك تريدها ؟ فأمرتها أن تستأذن أبي علي بن محمد - عليهما السلام - في تسليمها إلي، ففعلت، فأمرها - عليه السلام - بذلك، فجاءتني بها). قال الحسين بن حمدان: وحدثني من أثق به من المشايخ، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا - عليهما السلام - قال: كانت حكيمة تدخل على أبي محمد - عليه السلام - فتدعو له أن يرزقه الله ولدا، وأنها


(1) من المصدر، وفيه: فتسقط في ثمرة من ثمار الجنة. (2) الانعام: 115. (3) من المصدر. [ * ]


[ 22 ]

قالت: دخلت عليه فقلت له كما [ كنت ] (1) أقول ودعوت له كما كنت أدعو، فقال: ([ يا عمة ] (2) أما [ إن الذي ] (3) تدعين [ الله ] (4) أن يرزقنيه [ يولد في هذه الليلة ] (5) فاجعلي إفطارك عندنا)، فقلت: يا سيدي ممن يكون هذا المولود العظيم ؟ فقال: (من نرجس يا عمة). قالت: فقلت [ له ] (6): يا سيدي ما في جواريك أحب إلي منها، وقمت ودخلت عليها وكنت إذا دخلت [ الدار تتلقاني وتقبل يدي وتنزع خفي بيدها، فلما دخلت إليها ] (7) فعلت بي كما كانت تفعل، فانكببت على قدميها (8) فقبلتها ومنعتها مما كانت تفعله، فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها، فقالت [ لي ] (9): فديتك، فقلت لها أنا فداءك وجميع العالمين، فأنكرت ذلك مني، فقلت: لا تنكرين ما فعلت، فإن الله سيهب لك في هذه الليلة غلاما سيدا في الدنيا والآخرة وهو فرج للمؤمنين، فاستحيت فتأملتها فلم أر بها أثر حمل. فقلت لسيدي أبي محمد - عليه السلام -: ما أرى بها حملا، فتبسم - عليه السلام - فقال (إنا معاشر الاوصياء ليس نحمل في البطون وانما نحمل في الجنوب، ولا نخرج من الارحام. إنما نخرج من الفخذ الايمن من امهاتنا، لاننا نور الله الذي لا تناله الدناسات)، فقلت له: يا سيدي لقد أخبرتني انه يولد في هذه الليلة، ففي أي وقت منها ؟ فقال: (في


(1) من المصدر. (2 - 6) من المصدر والبحار. (7) من إثبات الوصية. (8) في المصدر والبحار: يديها، وفي البحار: فقبلتهما. (9) من المصدر والبحار. [ * ]


[ 23 ]

طلوع الفجر يولد الكريم على الله إن شاء الله تعالى). قالت حكيمة: فقمت فأفطرت ونمت بالقرب من نرجس، وبات أبو محمد - عليه السلام - في صفة تلك الدار التي نحن فيها، فلما ورد وقت صلاة الليل [ قمت ] (1) ونرجس نائمة ما بها أثر ولادة، فأخذت في صلاتي ثم أوترت فأنا في الوتر حتى وقع في نفسي أن الفجر قد طلع، ودخل في قلبي شئ فصاح [ بي ] (2) أبو محمد - عليه السلام - من الصفة الثانية (لم يطلع الفجر يا عمة) فأسرعت الصلاة وتحركت نرجس فدنوت منها وضممتها إلي وسميت عليها، ثم قلت لها: هل تحسين بشئ ؟ فقالت: نعم، فوقع علي سبات لم أتمالك معه أن نمت، ووقع على نرجس مثل ذلك، فنامت فلم أنتبه إلا [ بحس ] (3) سيدي المهدي - عليه السلام - وصيحة أبي محمد - عليه السلام - يقول: (يا عمة هاتي إبني إلي)، فقد قبلته فكشفت عن سيدي - عليه السلام - فإذا [ أنا ] (4) به ساجدا يبلغ الارض بمساجده، وعلى ذراعه الايمن [ مكتوب ] (5) (جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا) (6)، فضممته إلي فوجدته مفروغا منه، ولففته في ثوب وحملته إلى أبي محمد - عليه السلام -، فأخذه وأقعده على راحته اليسرى وجعل راحته اليمنى (7) على ظهره، ثم أدخل لسانه


(1 و 2) من المصدر. (3 و 4) من البحار. (5) من المصدر والبحار. (6) الاسراء: 82. (7) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل هكذا: واقعده على راحته اليمنى وأمر يده على ظهره. [ * ]


[ 24 ]

- عليه السلام - في فمه وأمر بيده على ظهره وسمعه ومفاصله، ثم قال له: (تكلم يا بني)، فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وآله - وأن عليا أمير المؤمنين ولي الله - عليه السلام -)، ثم لم يزل يعدد السادة الائمة - عليهم السلام - إلى أن بلغ إلى نفسه، ودعا لاوليائه بالفرج على يده ثم أحجم، فقال أبو محمد - عليه السلام - (يا عمة إذهبي به إلى امه ليسلم عليها وأتيني به)، فمضيت به [ إلى امه ] (1) فسلم عليها ورددته إليه، ثم وقع بيني وبين [ ابي ] (2) محمد - عليه السلام - كالحجاب، فلم أر سيدي، فقلت له: يا سيدي أين مولانا ؟ فقال: أخذه مني من هو أحق به منك فإذا كان يوم السابع فأتينا، فلما كان اليوم السابع جئت فسلمت [ عليه ] (3) ثم جلست، فقال - عليه السلام -: (هلمي بابني)، فجئت بسيدي وهو في ثياب صفر، ففعل به كفعله [ الاول ] (4) وجعل لسانه - عليه السلام - في فمه، ثم قال له: تكلم يا بني، فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله)، واثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والائمة - عليهم السلام - حتى وقف على أبيه، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في


(1) من المصدر. (2) من المصدر والبحار. (3) من المصدر. (4) من المصدر والبحار. [ * ]


[ 25 ]

الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) (1) ثم قال له: إقرأ يا بني مما أنزل الله على أنبيائه ورسله، فابتدأ بصحف آدم - عليه السلام - فقرأها بالسريانية، وكتاب ادريس، وكتاب نوح، وكتاب هود، وكتاب صالح، وصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وزبور داود، وانجيل عيسى، وقرآن (2) محمد جدي رسول الله - صلى الله عليه وآله -، ثم قص قصص النبيين والمرسلين إلى عهده. فلما كان [ بعد ] (3) أربعين يوما دخلت عليه إلى دار أبي محمد - عليه السلام - فإذا مولانا صاحب الزمان يمشي في الدار، فلم أر وجها أحسن من وجهه ولا لغة أفصح من لغته، فقال لي أبو محمد - عليه السلام -: (هذا المولود الكريم على الله عز وجل)، فقلت له: [ يا ] (4) سيدي له أربعون يوما وأنا ارى من أمره ما أرى. فقال - عليه السلام -: (يا عمة أما علمت أنا معاشر الاوصياء ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في جمعة، وننشأ في الجمعة [ مثل ما ينشأ غيرنا في الشهر، وننشأ في الشهر مثل ] (5) ما ينشأ غيرنا في السنة)، فقمت وقبلت راسه وانصرفت ثم عدت وتفقدته فلم اره، فقلت لسيدي ابي محمد - عليه السلام -: ما فعل مولانا ؟ فقال: (يا عمة إستودعناه الذي إستودعته ام موسى - عليه السلام -).


(1) القصص: 5 - 6. (2) في المصدر والبحار: وفرقان. (3) من المصدر والبحار. (4) من المصدر. (5) من إثبات الوصية. [ * ]


[ 26 ]

ثم قال - عليه السلام -: (لما وهب لي ربي مهدي هذه الامة أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقف (1) بين يدي الله عزوجل، فقال له: مرحبا بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري ومهدي عبادي، آليت أني بك آخذ وبك اعطى وبك اغفر وبك اعذب، اردداه أيها الملكان على أبيه ردا رفيقا، وأبلغاه أنه في ضماني وكنفي وبعيني إلى أن احق به الحق وازهق به الباطل، ويكون الدين لي واصبا). ثم قال: لما سقط من بطن امه إلى الارض وجد جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه، ثم عطس فقال: (الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله عبدا ذاكرا لله غير مستنكف ولا مستكبر)، ثم قال - عليه السلام -: (زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة لو أذن [ الله ] (2) لي في الكلام لزال الشك). (3)

الخامس: غيبته - عليه السلام - يوم ولادته وغير ذلك 2664 / 8 - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، عن محمد بن اسماعيل الحسني، عن حكيمة إبنة محمد بن علي الرضا - عليه السلام - انها قالت: قال لي الحسن ابن علي العسكري - عليه السلام - ذات ليلة أو ذات يوم: (احب أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا، فإنه يحدث في هذه الليلة أمر)، فقلت: وما هو ؟


(1) في البحار: وقفا. (2) من المصدر. (3) الهداية الكبرى للحضيني: 70 - 71 (مخطوط) وعنه البحار: 51 / 24 - 28. ورواه في إثبات الوصية: 218 - 221 باختلاف يسير. [ * ]


[ 27 ]

قال: (إن القائم من آل محمد - عليهم السلام - يولد في هذه الليلة)، فقلت: ممن ؟ قال: من نرجس. فصرت إليه، ودخلت إلى الجواري، فكان أول من تلقتني نرجس، فقالت: يا عمة كيف انت ؟ أنا أفديك. فقلت لها: أنا أفديك يا سيدة نساء (1) هذا العالم، فخلعت خفي وجاءت لتصب على رجلي الماء، فحلفتها أن لا تفعل وقلت لها: إن الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة، فرأيتها لما قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة، ولم أر بها حملا ولا أثر حمل. فقالت: أي وقت يكون ذلك ؟ فكرهت أن أذكر وقتا بعينه فأكون قد كذبت. فقال لي أبو محمد - عليه السلام -: في الفجر الاول)، فلما أفطرت وصليت وضعت رأسي ونمت، ونامت نرجس معي في المجلس، ثم انتبهت وقت صلاتنا، فتأهبت، وانتبهت نرجس وتأهبت، ثم إني صليت وجلست أنتظر الوقت، ونام الجواري ونامت نرجس، فلما ظننت أن الوقت قد قرب خرجت فنظرت إلى السماء، وإذا الكواكب قد انحدرت، وإذا هو قريب من الفجر الاول، ثم عدت فكأن الشيطان خبث (2) قلبي. قال أبو محمد - عليه السلام -: (لا تعجلي) فكأنه قد كان وقد سجد، فسمعته يقول في دعائه شيئا لم ادر ما هو، ووقع علي السبات في ذلك الوقت، فانتبهت بحركة الجارية، فقلت لها: بسم الله عليك،


(1) كذا في المصدر، وفي الاصل: أنا فديتك، فقلت: بل بما نشاهد هذا العالم. (2) في المصدر: أخبث. [ * ]


[ 28 ]

فسكنت إلى صدري فرمت به علي وخرت ساجدة، فسجد الصبي وقال: (لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وآله - وعلي - عليه السلام - حجة الله، وذكر إماما إماما حتى انتهى إلى أبيه، فقال أبو محمد - عليه السلام -: (إلي إبني)، فذهبت لاصلح منه شيئا، فإذا هو مسوى مفروغ منه، فذهبت به إليه، فقبل وجهه ويديه ورجليه، ووضع لسانه في فمه، وزقه كما يزق الفرخ، ثم قال: إقرأ، فبدأ بالقرآن من بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخره. ثم إنه دعا بعض الجواري ممن علم أنها تكتم خبره، فنظرت، ثم قال: (سلموا عليه وقبلوه وقولوا: استودعناك الله وانصرفوا)، ثم قال: (يا عمة ادعي لي نرجس)، فدعوتها وقلت لها: إنما يدعوك لتودعيه، فودعته، وتركناه مع أبي محمد - عليه السلام - ثم انصرفنا، ثم إني صرت إليه من الغد، فلم أره عنده، فهنأته فقال: (يا عمة هو في ودائع الله إلى أن يأذن الله في خروجه). (1)

السادس: أنه - عليه السلام - ولد نظيفا مفروغا منه وغير ذلك 2665 / 9 - الشيخ في (الغيبة): قال: أخبرني إبن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار محمد بن الحسن القمي، عن أبي عبد الله المطهري، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا - عليهما السلام - قالت: بعث إلي أبو محمد - عليه السلام - سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال: (يا عمة إجعلي الليلة إفطارك


(1) دلائل الامامة: 268 - 269 وعنه تبصرة الولي: 15 ح 3، وقد تقدم قطعة منه في ؟ ؟ 2574 [ * ]


[ 29 ]

عندي فإن الله عزوجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه خليفتي من بعدي). قالت حكيمة: فتداخلني بذلك (1) سرور شديد وأخذت ثيابي [ علي ] (2)، وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد - عليه السلام -، وهو جالس في صحن داره، وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيدي الخلف ممن هو ؟ قال: (من سوسن)، فأدرت طرفي فيهن فلم ار جارية عليها اثر غير سوسن. قالت حكيمة: فلما أن صليت المغرب والعشاء [ الآخرة ] (3) أتيت بالمائدة، فأفطرت أنا وسوسن وبايتها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت، فلم أزل متفكرة (4) فيما وعدني أبو محمد - عليه السلام - من أمر ولي الله - عليه السلام -، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصليت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت (فزعة) (5) واسبغت الوضوء، ثم عادت فصلت صلاة الليل وبلغت إلى الوتر، فوقع في قلبي أن الفجر قد قرب، فقمت لانظر فإذا بالفجر الاول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد ابي محمد - عليه السلام - فناداني [ من حجرته ] (6) (لا تشكي فإنك بالامر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى).


(1) في المصدر والبحار: لذلك. (2 و 3) من المصدر والبحار. (4) في المصدر والبحار: مفكرة. (5) ليس في البحار. (6) من المصدر والبحار. [ * ]


[ 30 ]

قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد - عليه السلام - وما وقع في قلبي: ورجعت إلى البيت وأنا خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة، فلقيتها على باب البيت، فقلت: بأبي أنت [ وامي ] (1) هل تحسين شيئا ؟ قالت: نعم يا عمة إني لاجد أمرا شديدا، قلت: لا خوف عليك إن شاء الله تعالى، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت، وأجلستها عليها وجلست منها حيث تجلس (2) المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفي وغمزت غمزا شديدا، ثم أنت أنة وتشهدت، ونظرت تحتها فإذا أنا بولي الله - صلوات الله عليه - متلقيا الارض بمساجده، فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فإذا هو نظيف مفروغ منه، فناداني أبو محمد - عليه السلام -. (يا عمة هلمي فأتيني بإبني فأتيته به، فتناوله وأخرج لسانه فمسحه على عينيه ففتحهما (3)، ثم ادخله في فيه فحنكه ثم أذن في اذنيه وأجلسه في راحته اليسرى، فاستوى ولي الله جالسا، فمسح يده على رأسه وقال له: (يا بني إنطق بقدرة الله) فاستعاذ ولي الله - عليه السلام - من الشيطان الرجيم واستفتح: بسم الله الرحمن الرحيم (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) (4) وصلى على رسول الله - صلى الله عليه وآله - وعلى أمير المؤمنين والائمة


(1) من المصدر والبحار. (2) في المصدر والبحار: تقعد. (3) في المصدر والبحار: ففتحها. (4) القصص: 5 و 6. [ * ]


[ 31 ]

- عليهم السلام - واحدا واحدا حتى انتهى إلى أبيه، فناولنيه أبو محمد - عليه السلام - وقال: (يا عمة رديه إلى امه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون (1)) فرددته إلى امه وقد انفجر الفجر الثاني، فصليت الفريضة وعقبت إلى أن طلعت الشمس، ثم ودعت أبا محمد - عليه السلام - وانصرفت إلى منزلي. فلما كان بعد ثلاث اشتقت إلى ولي الله، فصرت إليهم فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها، فلم أر اثرا ولا سمعت ذكرا، فكرهت أن أسأل، فدخلت على أبي محمد - عليه السلام - فاستحييت أن أبدأه بالسؤال، فبدأني فقال: (هو يا عمة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه حتى يأذن الله [ له ] (2)، وإذا غيب الله شخصي وتوفاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم، وليكن عندك وعندهم مكتوما، فإن ولي الله يغيبه الله عن خلقه [ ويحجبه عن عباده ] (3)، فلا يراه أحدا حتى يقدم [ له ] (4) جبرئيل - عليه السلام - فرسه، (ليقضي الله أمر كان مفعولا) (5). (6)

السابع: اشراق النور في البيت الذي ولد فيه - عليه السلام - ونزول جبرئيل والملائكة - عليهم السلام - وغير ذلك 2666 / 10 - الراوندي في (الخرائج): عن حكيمة قالت: دخلت


(1) مقتبس من آية 13 من القصص. (2 و 4) من المصدر والبحار. (5) الانفال: 42. (6) غيبة الطوسي: 234 ح 204 وعنه البحار: 51 / 17 ح 25، وفي إثبات الهداة: 3 / 414 ح 52 وص 506 ح 315 وص 682 ح 89 تقطيعا، وقد تقدم صدره في الحديث 2597 وذيله في الحديث 2649. [ * ]


[ 32 ]

يوما على أبي محمد - عليه السلام -، فقال: يا عمة بيتي الليلة عندنا فإن الله سيظهر الخلف، فيها قلت: وممن ؟ قال: من نرجس، قلت: لست أرى بنرجس حملا، قال: ([ يا عمة ] (1) إن مثلها كمثل ام موسى لم يظهر حملها بها إلا وقت ولادتها)، فبت أنا وهي في بيت، فلما انتصف الليل صليت أنا وهي صلاة الليل، فقلت في نفسي: قد قرب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمد - عليه السلام -. فناداني [ ابو محمد - عليه السلام - ] (2) من الحجرة (لا تعجلي)، فرجعت إلى البيت خجلة، فاستقبلتني نرجس [ وهي ] (3) ترتعد، فضممتها إلى صدري وقرأت عليها (قل هو الله أحد) و (إنا أنزلناه) و (آية الكرسي)، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي. [ قالت: ] (4) وأشرق نور في البيت، فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجد (5) لله تعالى إلى القبلة، فأخذته فناداني أبو محمد - عليه السلام - من الحجرة: (هلمي بابني إلي يا عمة)، قالت: فأتيته به فوضع لسانه في فيه وأجلسه على فخذه، وقال: (انطق يا بني باذن الله تعالى)، فقال - عليه السلام -: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) وصلى الله على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعلي بن الحسين


(1 - 4) من المصدر. (5) كذا في المصدر، وفي الاصل: ساجدا. [ * ]


[ 33 ]

ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي أبي). قالت حكيمة: وغمرتنا طيور خضر، فنظر أبو محمد - عليه السلام - إلى طائر منها فدعاه فقال له: ([ خذه و ] (1) احفظه حتى يأذن الله فيه، فان الله بالغ أمره)، [ قالت حكيمة: ] (2) فقلت لابي محمد - عليه السلام -: ما هذا الطائر وما هذه الطيور ؟ قال: (هذا جبرئيل وهذه ملائكة الرحمة)، ثم قال: (يا عمة رديه إلى امه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، فرددته إلى امه. قالت حكيمة: ولما ولد كان نظيفا مفروغا منه وعلى ذراعه الايمن مكتوب (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (3). (4)

الثامن: إخباره - عليه السلام - حكيمة بالجماعة الذين يسألونها عن ميلاده - عليه السلام - وغير ذلك 2667 / 11 - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون قال: حدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن أبي نعيم (5)، عن محمد بن القاسم العلوي قال: دخلنا جماعة من العلوية على حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى - عليهم السلام - فقالت: جئتم تسألونني عن ميلاد ولي الله ؟ قلنا: بلى والله، قالت: كان عندي


(1 و 2) من المصدر. (3) الاسراء: 81. (4) الخرائج: 1 / 455 ح 1 وعنه كشف الغمة: 2 / 498. (5) هو محمد بن أحمد الانصاري، روى عنه محمد بن جعفر بن عبد الله. [ * ]


[ 34 ]

البارحة، وأخبرني بذلك، وإنه كانت عندي صبية يقال لها نرجس، وكنت اربيها من بين الجواري، ولا يلي تربيتها غيري، إذ دخل أبو محمد - عليه السلام - علي ذات يوم، فبقي يلح النظر إليها، فقلت: يا سيدي هل لك فيها من حاجة ؟ فقال: (إنا معاشر الاوصياء لسنا ننظر نظر ريبة، ولكنا ننظر تعجبا أن المولود الكريم على الله يكون منها)، قالت: قلت: يا سيدي فأروح بها إليك ؟ قال: استأذني أبي في ذلك، فصرت إلى أخي - عليه السلام -، فلما دخلت عليه تبسم ضاحكا وقال: (يا حكيمة جئت تستأذنيني في أمر الصبية، ابعثي بها إلى أبي محمد - عليه السلام -، فإن الله عزوجل يحب أن يشركك في هذا الامر) (1) فزينتها وبعثت بها إلى أبي محمد - عليه السلام - فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبل جبهتي فاقبل رأسها، وتقبل يدي فاقبل رجليها (2)، وتمد يدها إلى خفي لتنزعه فأمنعها من ذلك، واقبل يدها إجلالا وإكراما للمحل الذي أحله الله فيها، فمكثت بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن - عليه السلام - فدخلت على أبي محمد - عليه السلام - ذات يوم فقال: (يا عمتاه إن المولود الكريم على الله ورسوله سيولد ليلتنا هذه. فقلت: يا سيدي في ليلتنا هذه ؟ قال: (نعم)، [ فقمت إلى الجارية ] (3) فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها حملا، فقلت: يا سيدي ليس بها حمل، فتبسم ضاحكا وقال: (يا عمتاه إنا معاشر الاوصياء ليس يحمل


(1) كذا في المصدر، وفي الاصل: في الاجر. (2) في المصدر: رجلها. (3) من المصدر. [ * ]


[ 35 ]

لنا في البطون ولكن يحمل (1) في الجنوب). فلما جن الليل صرت إليه، فأخذ أبو محمد - عليه السلام - محرابه، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل، وعجزت عن ذلك، فكنت مرة أنام ومرة اصلي إلى آخر الليل، فسمعتها آخر الليل في القنوت لما انفتلت من الوتر مسلمة صاحت: يا جارية الطست، [ فجاءت بالطست ] (2) فقدمته إليها فوضعت صبيا كأنه فلقة قمر، على ذراعه الايمن مكتوب: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) وناغاه (3) ساعة حتى استهل وعطس، وذكر الاوصياء قبله حتى بلغ إلى نفسه، ودعا لاوليائه على يده بالفرج. ثم وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمد - عليه السلام - فلم أره، فقلت: يا سيدي، أين الكريم على الله ؟ قال: (أخذه من هو أحق به منك)، [ فقمت ] (4) وانصرفت إلى منزلي، فلم أره، وبعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمد - عليه السلام - فإذا [ أنا ] (5) بصبي يدرج في الدار، فلم أر وجها اصبح من وجهه، ولا لغة افصح من لغته، ولا نغمة أطيب من نغمته، [ فقلت: يا سيدي من هذا الصبي ؟ ما رأيت اصبح وجها منه ولا افصح لغة منه ولا أطيب نغمة منه ] (6)، قال: (هذا المولود الكريم على الله)، قلت: يا سيدي وله اربعون يوما وأنا أدري (7) من أمره هذا !


(1) في المصدر: ليس يحمل بنا في البطون، ولكنا نحمل في الجنوب. (2) من المصدر. (3) المناغاة: المحادثة، وقد ناغت الام صبيها: لاطفته وشاغلته بالمحادثة والملاعبة (النهاية لابن الاثير). (4 - 6) من المصدر. (7) في المصدر: أرى. [ * ]


[ 36 ]

قال: فتبسم ضاحكا وقال: (يا عمتاه أما علمت أنا معاشر الاوصياء ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في الجمعة، وننشأ في الجمعة كما ينشأ غيرنا في الشهر وننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في السنة !) فقمت وقبلت رأسه وانصرفت إلى منزلي، ثم عدت فلم أره، فقلت: يا سيدي يا ابا محمد لست ارى المولود الكريم على الله. قال: (استودعناه من الذي استودعته ام موسى)، وانصرفت وما كنت أراه إلا [ كل ] (1) اربعين يوما. (2)

التاسع: النور الذي سطع منه - عليه السلام - عند ولادته حتى بلغ افق السماء والملائكة التي تمسحت به عند ذلك 2668 / 12 - ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثني أبو علي الخيزراني، عن جارية له كان أهداها لابي محمد - عليه السلام -، فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارة من جعفر فتزوج بها. قال أبو علي: فحدثتني أنها حضرت ولادة السيد - عليه السلام -، [ وأن اسم ام السيد صقيل، وأن أبا محمد - عليه السلام - حدثها بما يجري على عياله، فسألته أن يدعو الله عزوجل لها أن يجعل منيتها قبله، فماتت في حياة أبي محمد - عليه السلام - وعلى قبرها لوح مكتوب عليه: هذا قبر ام محمد - عليه السلام -. قال أبو علي: وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيد


(1) من المصدر. (2) دلائل الامامة: 269 - 270، قد تقدم صدره في الحديث 2509 ويأتي في الحديث 2715. [ * ]


[ 37 ]

- عليه السلام - ] (1) - رأت - له نورا ساطعا قد ظهر منه وبلغ افق السماء، ورأت طيورا بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثم تطير، فأخبرنا أبا محمد - عليه السلام - بذلك، فضحك ثم قال: (تلك ملائكة (السماء) (2) نزلت لتتبرك به وهي أنصاره إذا خرج). (3)

العاشر: النور الذي سطع على رأسه إلى عنان السماء عند ولادته - عليه السلام -، وسجوده لربه وقراءته - عليه السلام - (شهد الله) الآية 2669 / 13 - ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني - رضي الله عنه - قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن خليلان بن خيلان قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن غياث بن اسيد قال: سمعت محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - يقول: لما ولد الخلف المهدي - صلوات الله عليه - سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء، ثم سقط لوجهه ساجدا لربه تعالى ذكره، ثم رفع رأسه وهو يقول: (شهد الله أنه لا إله إلا هو


(1) من المصدر. (2) ليس في المصدر، وفيه: للتبرك بهذا المولود. (3) كمال الدين: 431 ح 7 وعنه البحار: 51 / 5 ح 10 وإثبات الهداة: 3 / 668 ح 36 والصراط المستقيم: 2 / 235. وأورده في الثاقب في المناقب: 584 ح 2 وروضة الواعظين: 260. [ * ]


[ 38 ]

والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الاسلام) (1)، قال: وكان مولده - عليه السلام - ليلة الجمعة. (2)

الحادي عشر: أنه - عليه السلام - ولد مختونا 2670 / 14 - ابن بابويه: بالاسناد المتقدم، عن محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - أنه قال: ولد السيد - عليه السلام - مختونا، وسمعت حكيمة تقول: (إنه) (3) لم ير بامه دم في نفاسها، وهكذا سبيل امهات الائمة - صلوات الله عليهم -. (4) 2671 / 15 - ابن بابويه: عن علي بن الحسن بن الفرج المؤذن، عن محمد بن الحسن الكرخي قال: سمعت أبا هارون - رجلا من أصحابنا - يقول: رأيت صاحب الزمان - عليه السلام - ووجهه [ يضئ ] (5) كأنه القمر ليلة البدر، ورأيت على سرته شعرا يجري كالخط، وكشفت الثوب عنه فوجدته مختونا، فسألت مولانا الحسن بن علي - عليهما السلام - عن ذلك، فقال: (هكذا ولد، وهكذا ولدنا، ولكنا سنمر الموسى [ عليه ] (6) لاصابة السنة). (7)


(1) آل عمران: 18 - 19. (2) كمال الدين: 433 ح 13 وعنه البحار: 51 / 15 ح 19 وإثبات الهداة: 3 / 669 ح 37. (3) ليس في المصدر والبحار. (4) كمال الدين: 433 ح 14 وعنه البحار: 51 / 16 ح 20. (5) من المصدر والبحار. (6) من المصدر. (7) كمال الدين: 434 ح 1 وعنه البحار: 52 / 25 ح 18 وعن غيبة الطوسي: 250 ح 219. وأورده في الخرائج: 2 / 957 واعلام الورى: 397، وله تخريجات اخر من أرادها فليراجع الغيبة بتحقيقنا. [ * ]


[ 39 ]

2672 / 16 - ابن بابويه: قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار - رضي الله عنه - قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة بن النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، عن محمد بن الحسين بن يزيد، عن أبي أحمد محمد بن زياد الازدي قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر - عليه السلام - يقول - لما ولد الرضا - عليه السلام -: (إن ابني هذا ولد مختونا طاهرا مطهرا، وليس من الائمة أحد يولد إلا مختونا طاهرا مطهرا، ولكنا سنمر الموسى [ عليه ] (1) لاصابة السنة واتباع الحنيفية). (2)

الثاني عشر: أن له بيت الحمد يزهر من يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف 2673 / 17 - محمد بن إبراهيم النعماني في (كتاب الغيبة): قال: أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن رباح قال: حدثنا محمد بن العباس بن عيسى الحسيني، عن الحسن بن علي البطائني، عن أبيه، عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: (إن لصاحب هذا الامر بيتا يقال له: بيت الحمد، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف لا يطفأ). (3)


(1) من المصدر. (2) كمال الدين: 433 ح 15 وعنه الوسائل: 15 / 164 ح 1 والبحار: 25 / 44 ح 19. وأخرجه في البحار: 104 / 124 ح 76 عن مكارم الاخلاق: 230. (3) غيبة النعماني: 239 ح 31 وعنه البحار: 52 / 158 ح 21 وعن غيبة الطوسي: 467 ح 483 باختلاف يسير. وأخرجه في إثبات الهداة: 3 / 580 ح 758 عن إثبات الوصية: 226، وفي ص 527 ح 436 عن إعلام الورى: 431، وله تخريجات اخر من أرادها فليراجع غيبة الطوسي بتحقيقنا. [ * ]


[ 40 ]

 

الثالث عشر: خبر العجوز التي حضرت ولادته - عليه السلام - 2674 / 18 - الشيخ الطوسي في (الغيبة) عن أحمد بن علي الرازي، عن محمد بن علي، عن حنظلة بن زكريا قال: حدثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب، وكان عاميا بمحل من النصب لاهل البيت - عليهم السلام - يظهر ذلك ولا يكتمه، وكان صديقا لي يظهر مودة بما فيه من طبع أهل العراق، فيقول - كلما لقيني -: لك عندي خبر تفرح به ولا اخبرك به، فأتغافل عنه إلى أن جمعني واياه موضع خلوة، فاستقصيت عنه وسألته أن يخبرني به، فقال: كانت دورنا بسر من رأى مقابل دار إبن الرضا: يعني أبا محمد الحسن بن علي - عليهما السلام -، فغبت عنها دهرا طويلا إلى قزوين وغيرها، ثم قضي [ لي ] (1) الرجوع إليها، فلما وافيتها وقد كنت فقدت جميع من خلفته (فيها) (2) من أهلي وقراباتي إلا عجوزا كانت ربتني، ولها بنت معها، وكانت من الطبع الاول (3) مستورة صائنة لا تحسن الكذب، وكذلك مواليات لنا بقين في الدار، فأقمت عندهم أياما، ثم أردت (4) الخروج، فقالت العجوز: كيف تستعجل الانصراف وقد غبت زمانا ؟ فأقم عندنا لنفرح بمكانك.


(1) من المصدر والبحار. (2) ليس في المصدر والبحار. (3) أي كانت من طبع الخلق الاول هكذا، أي كانت مطبوعة على تلك الخصال في أول عمرها (البحار). (4) في المصدر: عندهن أياما، ثم عزمت الخروج. [ * ]


[ 41 ]

فقلت لها على جهة الهزء: اريد [ أن اصير ] (1) إلى كربلاء، وكان الناس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة، فقالت: يا بني اعيذك بالله أن تستهين ما ذكرت أو تقوله على وجه (2) الهزء، فإني [ احدثك ] (3) بما رأيته بعد خروجك من عندنا بسنتين. كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز ومعي ابنتي وأنا بين النائمة واليقظانة، إذ دخل رجل حسن الوجه نظيف الثياب طيب الرائحة فقال: (يا فلانة يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران، فلا تمتنعي من الذهاب معه ولا تخافي)، ففزعت وناديت ابنتي، وقلت لها: هل شعرت بأحد دخل البيت ؟ فقالت: لا، فذكرت الله وقرأت ونمت، فجاء الرجل بعينه وقال [ لي ] (4) مثل قوله، ففزعت وصحت بابنتي، فقالت: لم يدخل البيت أحد فاذكري الله ولا تفزعي، فقرأت ونمت. فلما كان في الثالثة جاء الرجل وقال: (يا فلانة قد جاءك من يدعوك ويقرع الباب فاذهبي معه)، وسمعت دق الباب فقمت وراء الباب وقلت: من هذا ؟ فقال: افتحي ولا تخافي، فعرفت كلامه وفتحت الباب فإذا خادم معه إزار، [ فقال: ] (5) يحتاج إليك بعض الجيران لحاجة مهمة فادخلي، ولف رأسي بالملاءة وأدخلني الدار وأنا أعرفها، فإذا بشقاق (6) مشدودة وسط الدار ورجل قاعد بجنب الشقاق، فرفع الخادم طرفه فدخلت، وإذا امرأة قد أخذها الطلق، وامرأة قاعدة خلفها كأنها


(1) من المصدر. (2) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: على جهة الهزء. (3 - 5) من المصدر والبحار. (6) الشقاق جمع الشقة بالكسر، وهو ما شق من الثوب مستطيلا (البحار). [ * ]


[ 42 ]

تقبلها. فقالت المرأة: تعينينا فيما نحن فيه، فعالجتها بما يعالج به مثلها، فما كان إلا قليل حتى سقط غلام، فأخذته على كفي وصحت غلام غلام، وأخرجت رأسي من طرف الشقاق ابشر الرجل القاعد، فقيل لي، (لا تصيحي)، فلما رددت وجهي إلى الغلام قد كنت فقدته من كفي، فقالت لي المرأة القاعدة: لا تصيحي، وأخذ الخادم بيدي ولف رأسي بالملاءة وأخرجني من الدار وردني إلى داري، وناولني صرة وقال: لا تخبري بما رأيت أحدا. فدخلت الدار ورجعت إلى فراشي في هذا البيت وابنتي نائمة بعد، فأنبهتها وسألتها هل علمت بخروجي ورجوعي ؟ فقالت: لا، وفتحت الصرة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة دنانير [ عددا ] (1)، وما أخبرت بهذا أحدا إلا في هذا الوقت لما تكلمت بهذا الكلام على حد الهزء، فحدثتك إشفاقا عليك، [ فإن ] (2) لهؤلاء القوم عند الله عزوجل شأنا ومنزلة، وكلما يدعونه حق. قال: فعجبت من قولها وصرفته إلى السخرية والهزء ولم أسألها عن الوقت غير أني أعلم يقينا أني غبت عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين، ورجعت إلى سر من رأى في وقت أخبرتني العجوزة بهذا الخبر في سنة أحدى وثمانين ومائتين [ في وزارة عبيدالله بن سليمان لما


(1 و 2) من المصدر والبحار. [ * ]


[ 43 ]

قصدته ] (1). قال حنظلة: فدعوت بأبي الفرج المظفر بن أحمد حتى سمع معي منه هذا الخبر. (2)

الرابع عشر: خبر كامل 2675 / 19 - الشيخ في (الغيبة): عن جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثني محمد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعيم محمد بن أحمد الانصاري قال: وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن ابراهيم المدني إلى أبي محمد - عليه السلام -. قال كامل: فقلت في نفسي: أسأله [ عن قوله: ] (3) (لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي). [ قال: ] (4) فلما دخلت على سيدي أبي محمد - عليه السلام - نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله. فقال: متبسما: (يا كامل) وحسر عن ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده، فقال: (هذا لله وهذا لكم)، فسلمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخى، فجاءت الريح فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء اربع سنين أو مثلها.


(1) من المصدر والبحار. (2) غيبة الطوسي: 240 ح 208 وعنه البحار: 51 / 20 ح 28. (3) من دلائل الامامة. (4) من المصدر والبحار. [ * ]


[ 44 ]

فقال [ لي ] (1): (يا كامل بن ابراهيم) فاقشعررت من ذلك والهمت أن قلت: لبيك يا سيدي، فقال: (جئت إلى ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال بمقالتك ؟) فقلت: إي والله، فقال: (إذن والله يقل داخلها، والله إنه ليدخلها قوم يقال لهم: الحقية)، قلت: يا سيدي ومن هم ؟ قال: (قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله). ثم سكت - صلوات الله عليه - [ عني ساعة ] (2) ثم قال: (جئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا، والله يقول: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) (3))، ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه، فنظر إلي أبو محمد - عليه السلام - متبسما فقال: (يا كامل ما جلوسك ؟ وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي !) فقمت وخرجت ولم اعاينه بعد ذلك. قال أبو نعيم: فلقيت كاملا فسألته عن هذا الحديث فحدثني به. ورواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه: قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى قال: حدثني أبي - رضي الله عنه - قال: حدثنا محمد بن همام قال: حدثني جعفر بن محمد قال: حدثني محمد ابن جعفر قال: حدثني أبو نعيم قال: وجهت المفوضة كامل بن إبراهيم المزني إلى أبي محمد الحسن بن علي - عليهما السلام - يباحثون (4) أمره.


(1 و 2) من المصدر والبحار. (3) الانسان: 30 والتكوير: 29. (4) كذا في المصدر، وفي الاصل يتاخون. [ * ]


[ 45 ]

قال كامل بن ابراهيم: فقلت في نفسي: أسأله [ عن قوله ] (1) (لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي)، فلما دخلت على سيدي أبي محمد - عليه السلام - نظرت إلى ثياب، وساق الحديث إلى آخره. (2)

الخامس عشر: خبر أحمد بن إسحاق الوكيل وسعد بن عبد الله القمي وهو خبر مشهور 2676 / 20 - إبن بابويه في (الغيبة): قال: حدثنا محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال: حدثنا احمد بن طاهر القمي قال: حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني قال: حدثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله القمي - والحديث طويل -. قال فيه سعد بن عبد الله: قد كنت اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسأل عنها خير (3) أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد - عليه السلام -، فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأى، فلحقته في بعض المناهل (4)، فلما تصافحنا قال: بخير لحاقك


(1) من المصدر الطبع الجديد: 505. (2) غيبة الطوسي: 246 ح 216، دلائل الامامة: 273 - 274 وعنهما البحار: 52 / 50 ح 35. ورواه في اثبات الوصية: 222 والهداية الكبرى للحضيني: 87 (مخطوط)، وله تخريجات اخر من أرادها فليراجع الغيبة بتحقيقنا. (3) في المصدر: عنها خبير اهل بلدي. (4) في المصدر: المنازل، وفي البحار: لخير لحاقك. [ * ]


[ 46 ]

بي، قلت: الشوق ثم العادة في الاسئلة، قال: قد تكافأنا على هذه الخطة الواحدة، فقد برح بي العزم (1) إلى لقاء مولانا أبي محمد - عليه السلام -، و [ أنا ] (2) اريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة، فإنها تقف بك على ضفة (3) بحر لا تنقضي عجائبه، ولا تفنى غرائبه، وهو إمامنا. فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا - عليه السلام -، فاستأذنا فخرج إلينا (4) الاذن بالدخول عليه، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري، فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم، على [ كل ] (5) صرة منها ختم صاحبها. قال سعد: فما شبهت [ وجه ] (6) مولانا ابا محمد - عليه السلام - حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر، وعلى فخذه الايمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، وعلى رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم، إذا أراد أن يسطر به على البياض [ شيئا ] (7) قبض الغلام على اصابعه، فكان مولانا - عليه السلام - يدحرج


(1) في المصدر والبحار: القرم، وهو بالتحريك شدة الشوق. (2) من المصدر والبحار. (3) أي ساحل البحر. (4) في المصدر: علينا، وفي الاصل: لنا. (5) من المصدر والبحار. (6 و 7) من المصدر. [ * ]


[ 47 ]

الرمانة بين يديه، ويشغله بردها لئلا يصده عن كتبة (1) ما أراد (2) فسلمنا عليه، فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه، فوضعه بين يديه، فنظر أبو محمد - عليه السلام - إلى الغلام وقال له: (يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك). فقال: (يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة، وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها ؟). فقال مولاي - عليه السلام -: (يابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز [ ما ] (3) بين الحلال والحرام منها)، فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: (هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم، تشتمل على اثنين وستين دينارا، فيها من ثمن حجرة (4) باعها صاحبها وكانت إرثا له من أخيه (5) خمسة وأربعون دينارا، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا، وفيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير). فقال مولانا - عليه السلام -: (صدقت يا بني دل الرجل على الحرام


(1) في المصدر: كيلا يصده عن كتابة ما أراد. (2) فيه غرابة من حيث قبض الغلام (عليه السلام) على اصابع أبي محمد (عليه السلام) وهكذا وجود رمانة من ذهب يلعب بها لئلا يصده عن الكتابة، وقد روى في الكافي: 1: 311 ح 15 عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الامر، فقال: إن صاحب هذ الامر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن موسى - وهو صغير - ومعه عناق مكية وهو يقول لها: اسجدي لربك، فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) وضمه إليه وقال: بأبي وامي من لا يلهو ولا يلعب. (3) من المصدر والبحار. (4) في المصدر والبحار: حجيرة. (5) في المصدر: عن أبيه. [ * ]


[ 48 ]

منها). فقال - عليه السلام -: (فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا (وكذا) (1)، قد إنطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه، وقراضة أصلية (2) وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منا وربع من، فأتت على ذلك مدة، وفي انتهائها قيض لذلك الغزل سارق، فأخبر به الحائك صاحبه، فكذبه واسترد [ منه ] (3) بدل ذلك منا ونصف من غزلا أدق مما كان دفعه إليه، وأخذ من ذلك ثوبا، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه) فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة. ثم أخرج صرة اخرى، فقال الغلام - عليه السلام -: (هذه لفلان بن فلان، من محلة كذا بقم، تشتمل على خمسين دينارا لا يحل لنا لمسها)، قال: وكيف ذلك ؟ قال - عليه السلام -: (لانها من ثمن حنطة حاف (4) صاحبها على أكاره في المقاسمة، وذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف وكال ما خص الاكار بكيل بخس)، فقال - مولانا عليه السلام -: (صدقت يا بني)، ثم قال: (يابن اسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها، فلا حاجة لنا في شئ منها، وائتنا بثوب العجوز).


(1) ليس في المصدر والبحار. (2) في المصدر والبحار: آملية. (3) من المصدر والبحار. (4) أي جور وظلم. [ * ]


[ 49 ]

قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته، فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمد - عليه السلام - فقال: (ما جاء بك يا سعد ؟) فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا، قال: (فالمسائل التي أردت أن تسأل (1) عنها ؟) قلت: على حالتها يا مولاي، قال: (فسل قرة عيني) - وأومأ إلى الغلام -، [ فقال لي الغلام: (سل) ] (2)، فقلت له: مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم، وساق الحديث. بطوله حذفنا أوله وآخره هنا من رواية ابن بابويه، والحديث طويل ذكر سعد مسائله وأجاب عنها القائم - عليه السلام - ذكره ابن بابويه بطوله في الغيبة. (3) 2677 / 21 - ورواه أيضا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (كتابه): قال: أخبرني أبو القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزاز قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي قال: كنت إمرءا لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها، كلفا باستظهار ما يصح من حقائقها، مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها، متعصبا لمذهب


(1) في المصدر: أن تسأله عنها. (2) من المصدر. (3) كمال الدين: 456 - 459 قطعة من ح 21 وعنه البحار: 52 / 80 - 82 قطعة من ح 51 وأورده في الثاقب في المناقب: 585 ح 1، وله تخريجات اخر من أرادها فليراجع الخرائج: 1 / 484. [ * ]


[ 50 ]

الامامية، راغبا عن الامن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم، والتعدي إلى التباغض والتشاتم، معيبا للفرق ذوي الخلاف، كشافا عن مثالب أئمتهم، هتاكا لحجب قادتهم، إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة، وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدالا وأقشعهم (1) سؤالا وأثبتهم على الباطل قدما. فقال ذات يوم وأنا اناظره: تبا لك - يا سعد - ولاصحابك، إنكم معشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والانصار بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول الله - صلى الله عليه وآله - ولايتهما وإمامتهما، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أن الرسول - عليه وآله السلام - ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد أمر التأويل والملقى إليه أزمة الامة، وعليه المعول في شعب الصدع [ ولم الشعث ] (2)، وسد الخلل، وإقامة الحدود وتسرية الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلى مكان يستخفي فيه، ولما رأينا النبي - صلى الله عليه وآله - متوجها إلى الانحجار (3) ولم تكن الحال توجب إستدعاء المساعدة من أحد إستبان لنا قصد رسول الله - صلى الله عليه وآله - بأبي بكر إلى الغار للعلة التي شرحناها. وإنما أبات عليا - عليه السلام - على فراشه لما لم يكن يكترث له ولم


(1) كذا في المصدر، وفي الاصل: وأقعشهم. (2) من المصدر. (3) أي الاستتار. [ * ]


[ 51 ]

يحفل به، لاستثقاله إياه ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها. قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتى، فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض والرد علي، ثم قال: يا سعد دونكها اخرى بمثلها تحطم آناف الروافض، ألستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسران النفاق، واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها ؟ قال سعد: فاحتلت لدفع [ هذه ] (1) المسألة عني خوفا من الالزام وحذرا من أني إن أقررت له بطوعهما في الاسلام احتج بأن بدء النفاق ونشوءه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة، وإظهار اليأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه، نحو قول الله عزوجل (فلما رأوا بأسنا قالوا ءامنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) (2) وإن قلت: أسلما كرها، كان يقصدني بالطعن، إذا لم يكن ثمة (3) سيوف منتضاة كانت تريهما البأس. قال سعد: فصدرت عنه مزورا (4) قد انتفخت أحشائي من الغضب وتقطع كبدي من الكرب، وكنت قد اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل التي لم أجد لها مجيبا على أن اسأل


(1) من المصدر. (2) المؤمن: 84 - 85. (3) كذا في المصدر، وفي الاصل: ثم. (4) الازورار عن الشئ: العدول عنه. [ * ]


[ 52 ]

عنها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد - عليه السلام -، فارتحلت خلفه، وقد كان خرج قاصدا نحو مولاي بسر من رأى، فلحقته في بعض المناهل، فلما تصافحنا قال: لخير لحاقك بي، قلت: الشوق ثم العادة في الاسئلة. قال: قد تكافأنا عن هذه الخطة الواحدة، فقد برح بي الشوق إلى لقاء مولانا أبي محمد - عليه السلام -، واريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل من التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة، فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو إمامنا. فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا - عليه السلام -، فاستأذنا فخرج [ إلينا ] (1) الاذن بالدخول عليه، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري، فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم، على كل صرة ختم صاحبها. قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد - عليه السلام - حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه اربعا بعد عشر، وعلى فخذه الايمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، على رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا - عليه السلام - رمانة ذهبية تلمع ببدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده، قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه، وكان مولانا - عليه السلام - يدحرج الرمانة بين يديه يشغله بردها لئلا يصده عن كتبة ما أراد.


(1) من المصدر. [ * ]


[ 53 ]

فسلمنا عليه، فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه، فوضعه بين يدي مولانا، فنظر أبو محمد - عليه السلام - إلى الغلام وقال: (يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك). فقال: (يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها ؟ !) فقال مولانا - عليه السلام - (يابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز بين الا حل منها والاحرم)، فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: (هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم، تشتمل على اثنين وستين دينارا، فيها من ثمن حجرة باعها - وكانت إرثا له من أبيه - خمسة وأربعون دينارا، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا، وفيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير). فقال مولانا - عليه السلام - (صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها)، فقال - عليه السلام - (فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا، قد انطمس [ من ] (1) إحدى صفحتيه [ نصف ] (2) نقشه، وقراضة أصلية وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا (من سنة كذا) (3) على حائك من جيرانه من الغزل منا وربع من، فأتت على ذلك مدة، وفي انتهائها قيض (4) لذلك الغزل سارق، فأخبر [ به ] (5) الحائك صاحبه، فكذبه، واسترد منه بدل ذلك منا ونصف غزلا أدق مما


(1 و 2) من المصدر. (3) ليس في المصدر. (4) كذا في المصدر، وفي الاصل: مدة قصيرة انتهزها لذلك. (5) من المصدر. [ * ]


[ 54 ]

كان [ قد ] (1) دفعه إليه، واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه)، فلما فتح الصرة صادف في وسط الدنانير رقعة باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال - عليه السلام -، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة. ثم أخرج صرة اخرى، فقال الغلام - عليه السلام -: (هذه لفلان بن فلان، من محلة كذا بقم، تشتمل على خمسين دينارا لا يحل لنا لمسها). قال: وكيف ذلك ؟ قال - عليه السلام -: (لانها [ من ] (2) ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة، وذلك أنه قبض حصته [ منها ] (3) بكيل واف، وكال ما خص الاكار [ منها ] (4) بكيل بخس)، فقال مولانا - عليه السلام - (صدقت يا بني)، ثم قال: (يابن إسحاق إحملها بأجمعها لتردها [ أو توصي بردها ] (5) على اربابها، فلا حاجة لنا في شئ منها، وائتنا بثوب العجوز). قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته، فلما انصرف أحمد بن اسحاق [ ليأتيه بالثوب ] (6) نظر إلي مولانا أبو محمد - عليه السلام - فقال: [ (ما جاء بك يا سعد ؟) فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا، فقال: ] (7) (والمسائل التي أردت أن تسأل (8) عنها ؟) قلت: على حالتها يا مولاي، فقال: (سل قرة عيني - وأومأ إلى الغلام - عما بدا لك منها).


(1) من المصدر. (2 - 5) من المصدر وحاف: أي جار وظلم. (6 و 7) من المصدر. (8) في المصدر: أن تسأله عنها. [ * ]


[ 55 ]

فقلت: مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: (إنك قد أرهجت على الاسلام [ وأهله ] (1) بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عني غربك (2) وإلا طلقتك). ونساء رسول الله - صلى الله عليه وآله - قد كان طلاقهن بوفاته. قال: - عليه السلام -: (ما الطلاق ؟) قلت: تخلية السبيل، قال: (فإذا كان وفاة رسول الله - صلى الله عليه وآله - قد خلى سبيلهن (3) فلم لا يحل لهن الازواج ؟) قلت: لان الله عزوجل حرم [ الازواج ] (4) عليهن، قال: (كيف ؟ وقد خلى الموت سبيلهن ؟) [ قلت: ] (5) فأخبرني يا بن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله - صلى الله عليه وآله - حكمه إلى أمير المؤمنين - عليه السلام -. قال: (إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي - صلى الله عليه وآله - فخصهن بشرف الامهات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: (يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق [ لهن ] (6) ما دمن لله على الطاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فاطلق لها في الازواج، واسقطها [ من شرف الامهات ] (7) من شرف امومة المؤمنين). قلت:: فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته، قال: (السحق دون الزنا، وإن


(1) من المصدر، والرهج: الشغب والفتنة، وأرهج: أثار الغبار. (2) أي حدتك (نهاية ابن الاثير). (3) في المصدر: قد خلت لهن السبيل. (4 - 7) من المصدر. [ * ]


[ 56 ]

المرأة إذا زنت واقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج (1) بها لاجل الحد، وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، [ ومن أبعده ] (2) فليس لاحد أن يقربه). قلت: فأخبرني يابن رسول الله عن أمر الله لنبيه موسى - عليه السلام - (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) (3) فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب (4) الميتة، فقال - عليه السلام -: (من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته، لانه ما خلا الامر فيها من خصلتين: إما أن تكون صلاة موسى - عليه السلام - فيها جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاة موسى جائزة جاز له أن يكون لابسهما في البقعة، إذ لم تكن مقدسة، وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأطهر وأقدس من الصلاة، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب أن موسى - عليه السلام - لم يعرف الحلال من الحرام وعلم (5) ما جاز فيه الصلاة وما لا يجوز، وهذا كفر). قلت: فأخبرني يا بن مولاي عن التأويل فيها، قال: (إن موسى ناجى ربه بالواد المقدس، فقال: يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك، وكان شديد الحب لاهله، فقال الله تعالى


(1) في المصدر: من التزوج. (2) من المصدر. (3) طه: 12. (4) الاهاب: الجلد. (5) كذا في المصدر، وفي الاصل: ولم يعلم. [ * ]


[ 57 ]

(فاخلع نعليك) (1) أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلى سواي مغسولا). قلت: فأخبرني يابن رسول الله عن تأويل (كهيعص) (2). قال: هذه الحروف من أنباء الغيب، اطلع [ الله ] (2) عليها عبده زكريا، ثم قصها على محمد - صلى الله عليه وآله - وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل - عليه السلام - فعلمه إياها، فكان [ زكريا ] (4) إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سري عنه همه وانجلى كربه، فإذا ذكر اسم الحسين - عليه السلام - خنقته العبرة، ووقعت عليه الهموم، فقال ذات يوم: (إلهي ما بالي إذا (5) ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور (6) زفرتي). فأنبأه الله عن قصته، فقال: (كهيعص) فالكاف: اسم كربلاء والهاء: هلاك العترة، والياء: يزيد - لعنه الله - وهو ظالم الحسين - عليه السلام -، والعين: عطشه والصاد: صبره، فلما سمع بذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع (فيهن) (7) الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكانت ندبته (8): (إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده، إلهي


(1) طه 12. (2) مريم: 1. (3 و 4) من المصدر. (5) كذا في المصدر، وفي الاصل: إلهي إن ذكرت. (6) كذا في المصدر، وفي الاصل: وتفور. (7) ليس في المصدر. (8) كذا في المصدر، وفي الاصل: أنته. [ * ]


[ 58 ]

أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه، إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما). ثم كان يقول: (إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر، واجعله وارثا رضيا يوازي محله مني محل الحسين - عليه السلام -، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم أفجعني [ به ] (1) كما تفجع محمدا حبيبك بولده)، فرزقه الله يحيى - عليه السلام - وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين - عليه السلام - كذلك، وله قصة طويلة. [ قلت: ] (2) فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لانفسهم، قال: (مصلح أو مفسد ؟) قلت: مصلح. قال: (هل يجوز أن تقع خيرتهم على الفساد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟) قلت: بلى. قال: (فهي العلة أوردها لك ببرهان ينقاد (3) بذلك عقلك. أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم علمه، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الامم وأهدى إلى الاختيار منهم، مثل موسى وعيسى - عليهما السلام - هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما، إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن ؟) قلت: لا. قال - عليه السلام -: (فهذا موسى كليم الله، مع وفور عقله وكمال علمه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لم يشك في إيمانهم واخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله


(1 و 2) من المصدر. (3) كذا في المصدر، وفي الاصل: يقبل. [ * ]


[ 59 ]

عزوجل: (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا) (1) وقوله: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) (2). فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله تعالى لنبوته واقعا على الافسد دون الاصلح، وهو يظن أنه الاصلح دون الافسد، علمنا أن لا إختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور، وتكن الضمائر وتنصرف عليه) (3) السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والانصار بعد وقوع خيرة الانبياء على ذوي الفساد، لما أرادوا أهل الصلاح). ثم قال مولانا - عليه السلام -: (يا سعد حين ادعى خصمك أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - ما أخرج مع نفسه مختار هذه الامة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد امور التأويل والملقى إليه أزمة الامور، وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل واقامة الحدود، وتسريب (4) الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذا لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه، وإنما أبات عليا - عليه السلام - على فراشه لما لم يكن يكترث [ له ] (5) ولم يحفل به، لاستثقاله إياه وعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها. فهلا نقضت دعواه بقولك: أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -:


(1) الاعراف: 155. (2) البقرة: 55. (3) كذا في المصدر، وفي الاصل: إليه. (4) كذا في المصدر، وفي الاصل: وتسير ترتيب الجيوش، وتسريب الجيوش أي بعثها وتسييرها قطعة قطعة. (5) من المصدر. [ * ]


[ 60 ]

الخلافة [ بعدي ] (1) ثلاثون سنة، فجعل هذه موقوفة على أعمار الاربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم، فكان لا يجد بدا من قوله: بلى، فكنت تقول له حينئذ: أليس كما علم رسول الله - صلى الله عليه وآله - أن الخلافة من بعده لابي بكر، علم أنها من بعد أبي بكر (2) لعمر، ومن بعد عمر لعثمان، ومن بعد عثمان لعلي، فكان أيضا لا يجد بدا من قوله: نعم. ثم كنت تقول [ له ] (3): فكان الواجب على رسول الله - صلى الله عليه وآله - أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم، وتخصيصه أبا بكر (من بينهم) (4) باخراجه مع نفسه دونهم. ولما قال: أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها ؟ لم لم تقل: بل أسلما طمعا ؟ وذلك أنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال، من قصة محمد - صلى الله عليه وآله - ومن عواقب أمره، وكانت اليهود تذكر أن لمحمد صلى الله عليه وآله - تسلطا على العرب، كما كان لبخت نصر على بني إسرائيل، غير أنه كاذب في دعواه [ انه نبي ] (5)، فأتيا محمدا - صلى الله عليه وآله - فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلا الله وتابعاه طمعا في أن ينال كل واحد


(1) من المصدر. (2) كذا في المصدر، وفي الاصل: من بعده لابي بكر ومن بعده لعمر. (3) من المصدر. (4) ليس في المصدر. (5) من المصدر. [ * ]


[ 61 ]

منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره واستتبت أحواله، فلما أيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه، فدفع الله كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، كما أتى طلحة والزبير عليا - عليه السلام - فبايعاه، وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلما ايسا نكثا بيعته وخرجا عليه، فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين). قال [ سعد ] (1): ثم قام مولانا أبو محمد الحسن بن علي الهادي - عليه السلام - للصلاة [ مع الغلام ] (2)، فانصرفت عنهما وطلبت أحمد بن إسحاق، فاستقبلني باكيا، فقلت: ما [ أبطأك و ] (3) أبكاك ؟ فقال: قد فقدت الثوب الذي أرسلني مولاي لاحضاره، قلت: لا عليك، فأخبره، فدخل عليه وانصرف من عنده متبسما وهو يصلي على محمد وآل محمد، فقلت: ما الخبر ؟ قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا - عليه السلام - [ يصلي عليه ] (4). قال سعد: فحمدنا الله عزوجل [ على ذلك وجعلنا ] (5) نختلف إلى مولانا أياما، فلا نرى الغلام - عليه الصلاة والسلام - بين يديه، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما كثيرا (6).

السادس عشر: دخوله - عليه السلام - الدار ثم لم ير 2678 / 22 - ابن بابويه: قال: حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن


(1 - 5) من المصدر. (2) دلائل الامامة: 274 - 281. [ * ]


[ 62 ]

المظفر العلوي السمرقندي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن ابيه محمد بن مسعود العياشي، عن آدم بن محمد البلخي، عن علي بن الحسين بن هارون الدقاق، عن جعفر بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن ابراهيم بن مالك الاشتر، عن يعقوب بن منقوش قال: دخلت على ابي محمد الحسن بن علي - عليهما السلام - وهو جالس على دكان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الامر ؟ فقال: (ارفع الستر)، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبينين، أبيض الوجه، دري المقلتين، [ شثن الكفين، معطوف الركبتين ] (1)، في خده الايمن خال وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمد - عليه السلام -، ثم قال لي: (هذا (هو) (2) صاحبكم)، ثم وثب فقال له: (يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم)، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثم قال لي: (يا يعقوب انظر [ من ] (3) في البيت)، فدخلت فما رأيت أحدا. (4)

السابع عشر: عدم رؤية جعفر له - عليه السلام - وتقدم وصلى على أبيه - عليهما السلام - وعلمه - عليه السلام - بما في الهميان 2679 / 23 - ابن بابويه: قال: حدثنا أبو الأديان: قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن


(1) من المصدر والبحار. (2) ليس في المصدر والبحار. (3) من المصدر. (4) كمال الدين: 407 ح 2 و 436 ح 5، وقد تقدم بكامل تخريجاته في الحديث 2596. [ * ]


[ 63 ]

الحسين بن علي بن أبي طالب - صلوات الله عليهم - وأحمل كتبه إلى الامصار، فدخلت عليه في علته التي توفي فيها - صلوات الله عليه - فكتب معي كتبا وقال: (امض إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوما وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل). قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن ؟ قال: (من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم [ من ] (1) بعدي) فقلت: زدني، فقال: (من يصلي علي فهو القائم بعدي)، فقلت: زدني، فقال: (من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي)، ثم منعتني هيبته إن أسأله عما في الهميان. وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي - عليه السلام -، فإذا أنا بالواعية في داره (وإذا به على المغتسل) (2)، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، والشيعة [ من ] (3) حوله يعزونه ويهنؤنه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الامام فقد بطلت الامامة (4)، لاني كنت أعرفه بشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شئ، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه (5)، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن


(1) من المصدر. (2) ليس في البحار. (3) من المصدر. (4) كذا في المصدر وبقية المصادر، وفي البحار: حالت الامامة، وفي الاصل: خالف الامام. (5) في المصدر: وصل عليه. [ * ]


[ 64 ]

علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة. فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي - صلوات الله عليه - على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب (1) رداء جعفر بن علي وقال: (يا عم تأخر فأنا أحق بالصلاة على أبي) فتأخر جعفر، وقد اربد وجهه [ واصفر ] (2)، فتقدم الصبي فصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه - عليهما السلام -، ثم قال: (يا بصري هات جوابات الكتب التي معك)، فدفعتها إليه، [ فقلت في نفسي: ] (3) هذه إثنتان بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي لنقيم عليه الحجة ؟ فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه (4)، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي - صلوات الله عليه -، فعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي ؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلموا عليه وعزوه وهنؤه وقالوا: إن معنا كتبا ومالا، فتقول ممن الكتب ؟ وكم المال ؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون [ منا ] (5) أن نعلم الغيب. قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان [ وفلان ] (6)


(1) في المصدر والبحار: فجبذ. (2) من المصدر، واربد وجهه: أي تغير إلى الغبرة (النهاية لابن الاثير). (3) من المصدر والبحار، وفي المصدر: هذه بينتان. (4) كذا في المصدر والخرائج ومنتخب الانوار المضيئة والثاقب، وفي الاصل والبحار: ولا عرفته. (5) من المصدر والبحار. (6) من المصدر والخرائج. [ * ]


[ 65 ]

وهميان فيه [ ألف ] (1) دينار وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا [ إليه ] (2) الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لاجل ذلك هو الامام، فدخل جعفر ابن علي على المعتمد فكشف له ذلك، فوجه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادعت حملا بها لتغطي على حال الصبي، فسلمت إلى إبن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيدالله ابن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين لا شريك له. (3)

الثامن عشر: جلوسه - عليه السلام - على الماء يصلي 2680 / 24 - الشيخ الطوسي في (الغيبة) عن رشيق صاحب المادراي قال: بعث إلينا المعتضد (4) ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يركب كل واحد منا فرسا ونجنب (5) فرسا آخر ونخرج مخفين (6) لا يكون معنا


(1) من المصدر والبحار. (2) من المصدر. (3) كمال الدين: 475 - 476، وقد تقدم بكامل تخريجاته في الحديث: 2599. (4) هكذا في النسخ والمصادر والظاهر أنه تصحيف المعتمد، حيث بويع أبو العباس أحمد ابن طلحة المعتضد بالله في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله عمه وهو يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 279، بينما قبض الامام الحسن العسكري - عليه السلام - في سنة 260 (راجع مروج الذهب: 4 / 111 و 143). (5) كذا في المصدر، وهو من باب الافعال: أي نجعله جنبه، وفي البحار: ويجنب، وفي الاصل: ونجيب. (6) من باب الافعال ايضا: أي جاعلين ما معهم شيئا خفيفا. [ * ]


[ 66 ]

قليل ولا كثير إلا على السرج مصلى (1)، وقال لنا الحقوا بسامراء ووصف لنا محلة ودارا وقال: إذا أتيتموها تجدوا على الباب خادما أسود فاكبسوا (2) الدار، ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه. فوافينا سامراء فوجدنا الامر كما وصفه، وفي الدهليز خادم اسود وفي يده تكة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها ؟ فقال: صاحبها، فوالله ما التفت إلينا وقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما امرنا، فوجدنا دارا سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قط إلى أنبل منه، كأن الايدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن (3) في الدار أحد. فرفعنا الستر فإذا ببيت كبير كأن بحرا فيه (ماء) (4)، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شئ من أسبابنا. فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى البيت فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته، وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتا. فقلت لصاحب البيت: المعذرة [ إلى ] (5) الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر ولا إلى من أجئ وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شئ مما


(1) مصلى: أي فرشا خفيفا يصلى عليه، ويكون حمله على السرج. (2) أي ادخلوها باقتحام. (3) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: ولم نر في الدار أحدا. (4) ليس في البحار، وفيه وفي المصدر: بيت كبير. (5) من المصدر والبحار. [ * ]


[ 67 ]

قلنا، وما انفتل (1) عما كان فيه فها لنا ذلك، وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم إلى الحجاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان. فوافيناه في بعض الليل، فادخلنا عليه فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم لقيكم أحد قبلي ؟ وجرى منكم إلى أحد سبب (2) أو قول ؟ قلنا: لا، فقال: أنا نفي (3) من جدي، وحلف بأشد ايمان له أنه رجل إن بلغه (4) هذا الخبر ليضربن أعناقنا، فما جسرنا أن نحدث به الا بعد موته. (5)

التاسع عشر: علمه - عليه السلام - بالغائب، وعلمه - عليه السلام - بما في النفس 2681 / 25 - ابن بابويه: قال: حدثنا الحسين بن احمد بن ادريس - رضي الله عنه - قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثني محمد بن إبراهيم الكوفي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الطهوي، عن


(1) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: وما انتقل. (2) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: لقيتم أحدا قبل اجتماعي معكم إلى أحد شئ أو قول ؟ (3) نفي من جدي: أي منفي من جدي، ويريد بجده العباس، أي لست من بني العباس لو لم أضرب أعناقكم إن بلغني عنكم هذا الخبر. (4) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: أي رجل منا بلغه. (5) غيبة الطوسي: 248 ح 218 وعنه البحار: 52 / 51 ملحق ح 36 وإثبات الهداة: 3 / 683 ح 92 وعن الخرائج: 1 / 460 ح 5. وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 499 وفرج المهموم: 248 عن الخرائج. وأورده في منتخب الانوار المضيئة: 140، وله تخريجات اخر من أرادها فليراجع (الغيبة). [ * ]


[ 68 ]

حكيمة بنت محمد الجواد - عليه السلام - وقد سألها عن حديث مولد القائم - عليه السلام -، قالت فيه: وقد رأيته يعني القائم - عليه السلام - قبل مضي أبي محمد بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابي محمد - عليه السلام - من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه ؟ فقال - عليه السلام -: ([ هذا ] (1) ابن نرجس وهو خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي). قالت حكيمة: فمضى أبو محمد - عليه السلام - بعد ذلك بأيام قلائل، وافترق الناس كما ترى، ووالله إني (2) لاراه صباحا ومساء وإنه لينبئني عما تسألوني عنه فاخبركم، ووالله إني لاريد أن اسأله عن الشئ فيبدأني [ به ] (3)، وإنه ليرد علي الامر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسالتي، وقد أخبرني البارحة (بمجئيك إلي وأمرني أن اخبرك بالحق). قال محمد بن عبد الله: فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا الله عزوجل، فعلمت أن ذلك صدق وعدل من الله عزوجل، وأن الله عزوجل قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه. (4)

العشرون: نطقه بدلالة الامامة 2682 / 26 - ابن بابويه: عن علي بن عبد الله الوراق، عن سعد بن


(1) من المصدر. (2) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: والله لاراه. (3) من المصدر. (4) كمال الدين: 426 ح 2، وقد تقدم بتمامه مع تخريجاته في الحديث 2662. [ * ]


[ 69 ]

عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الاشعري قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي العسكري وأنا اريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدءا: (يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الارض منذ خلق آدم - عليه السلام - ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة الله على خلقه، به يدفع (1) البلاء عن أهل الارض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الارض). قال: فقلت له: يابن رسول الله فمن الامام والخليفة بعدك ؟ فنهض - عليه السلام - مسرعا فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين، فقال: (يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عزوجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله - صلى الله عليه وآله - وكنيه، الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الامة مثل الخضر - عليه السلام -، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله تعالى على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه). قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي ؟ فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال: (أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق). قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسرورا فرحا، فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له: يابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت [ به ] (2)


(1) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: يرفع. (2) من المصدر، وفي البحار: بما أنعمت علي. [ * ]


[ 70 ]

علي، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين ؟ فقال: (طول الغيبة يا أحمد)، فقلت له: يابن رسول الله وإن غيبته لتطول ؟ قال: (إي وربي حتى يرجع عن هذا الامر أكثر القائلين به فلا يبقى إلا من أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الايمان وأيده بروح منه). يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من [ أمر ] (1) الله وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين). (2)

الحادي والعشرون: الشعر الاخضر من لبته إلى سرته 2683 / 27 - محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن الحسين ومحمد إبني علي بن إبراهيم، عن محمد بن علي بن عبد الرحمن العبدي، - من عبد قيس -، عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سماه، قال: أتيت سامراء ولزمت باب أبي محمد - عليه السلام - فدعاني، فدخلت عليه وسلمت، فقال: (ما الذي أقدمك ؟) قال: قلت: رغبة في خدمتك قال: فقال لي: (فالزم الباب)، قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت ادخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال. [ قال: ] (3) فدخلت عليه يوما وهو في دار الرجال، فسمعت حركة


(1) من المصدر والبحار. (2) كمال الدين: 384 ح 1 وعنه البحار: 52 / 23 ح 16، وقد تقدم مع تخريجاته في الحديث 2595. (3) من المصدر. [ * ]


[ 71 ]

في البيت، فناداني: (مكانك لا تبرح)، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت علي جارية معها شئ مغطى، ثم ناداني: (ادخل)، فدخلت، ونادى الجارية فرجعت إليه فقال لها: (اكشفي عما معك)، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته أخضر ليس بأسود، فقال: (هذا صاحبكم) ثم أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد - عليه السلام -. (1)

الثاني والعشرون: حصاة الذهب التي ناولها السائل من الارض 2684 / 28 - محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن أبي أحمد ابن راشد، عن بعض أهل المدائن قال: كنت حاجا مع رفيق لي، فوافينا إلى الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء، وفي رجليه نعل صفراء، قومت الازار والرداء بمائة وخمسين دينارا، وليس عليه أثر السفر، فدنا منا سائل فرددناه، فدنا من الشاب فسأله، فحمل شيئا من الارض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء واطال، فقام الشاب وغاب عنا، فدنونا من السائل فقلنا له: ويحك ما أعطاك ؟ فأرانا حصاة ذهب مضرسة قدرناها (2) عشرين مثقالا، فقلت لصاحبي: مولانا عندنا ونحن لا ندري، ثم ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كله فلم نقدر عليه، فسألنا [ كل ] (3) من


(1) الكافي: 1 / 329 ح 6 و 514 ح 2. وأخرجه في البحار: 52 / 26 ح 21 عن غيبة الطوسي: 233 ح 202 وكمال الدين: 435 ح 4. ورواه في تقريب المعارف: 184 والخرائج: 2 / 957، وله تخريجات اخر من ارادها فليراجع الغيبة للطوسي - عليه الرحمة -. (2) كذا في المصدر، وفي الاصل: فوزناها. (3) من المصدر. [ * ]


[ 72 ]

كان حوله من أهل مكة والمدينة، فقالوا: شاب علوي يحج في كل سنة ماشيا. (1)

الثالث والعشرون: علمه - عليه السلام - بالغائب وإخباره - عليه السلام - بما في النفس 2685 / 29 - محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن غير واحد من اصحابنا القميين، عن محمد بن محمد العامري، عن أبي سعيد غانم الهندي قال: كنت بمدينة الهند المعروفة بقشمير الداخلة، واصحاب لي يقعدون على كراسي عن يمين الملك اربعون رجلا كلهم يقرأ الكتب الاربعة: التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم، نقضي بين الناس ونفقههم في دينهم ونفتيهم في حلالهم وحرامهم، يفزع الناس إلينا، الملك فمن دونه، فتجارينا ذكر رسول الله - صلى الله عليه وآله -، فقلنا: هذا النبي المذكور في الكتب قد خفي علينا أمره ويجب علينا الفحص عنه وطلب أثره، واتفق رأينا وتوافقنا على أن أخرج فأرتاد لهم. فخرجت ومعي مال جليل، فسرت إثني عشر شهرا حتى قربت من كابل، فعرض لي قوم من الترك فقطعوا علي وأخذوا مالي، وجرحت جراحات شديدة، ودفعت إلى مدينة كابل، فأنفذني ملكها لما وقف على خبري إلى مدينة بلخ، وعليها إذ ذاك داود بن العباس بن ابي الاسود، فبلغه خبري، وأني خرجت مرتادا من الهند وتعلمت الفارسية وناظرت الفقهاء وأصحاب الكلام، فارسل إلي داود بن العباس،


(1) الكافي: 1 / 332 ح 15، وعنه مستدرك الوسائل: 3 / 241 ح 6 وج 8 / 49 ح 2 وإثبات الهداة: 3 / 657 ح 1 وعن الخرائج الآتي في الحديث 2764. [ * ]


[ 73 ]

فأحضرني مجلسه وجمع علي الفقهاء، فناظروني فأعلمتهم أني خرجت من بلدي أطلب هذا النبي الذي وجدته في الكتب، فقال لي: من هو وما اسمه ؟ فقلت: محمد، فقال: هو نبينا الذي تطلب، فسألتهم عن شرائعه، فأعلموني، فقلت لهم: أنا أعلم أن محمدا نبي ولا أعلمه هذا الذي تصفون أم لا، فأعلموني موضعه لاقصده فاسائله عن علامات عندي ودلالات، فإن كان صاحبي الذي طلبت آمنت به، فقالوا: قد مضى - صلى الله عليه وآله - فقلت: فمن وصيه وخليفته قالوا: أبو بكر، قلت: فسموه لي فإن هذه كنيته ؟ قالوا: عبد الله بن عثمان ونسبوه إلى قريش، قلت: فانسبوا لي محمدا نبيكم، فنسبوه لي، فقلت: ليس هذا صاحبي الذي طلبت، صاحبي الذي أطلبه خليفته أخوه في الدين وابن عمه في النسب وزوج إبنته وأبو ولده، ليس لهذا النبي ذرية على الارض غير ولد هذا الرجل الذي هو خليفته. قال: فوثبوا بي وقالوا: أيها الامير إن هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر هذا حلال الدم، فقلت لهم: يا قوم أنا رجل معي دين متمسك به لا افارقه حتى أرى ما هو أقوى منه، إني وجدت صفة هذا الرجل في الكتب التي أنزلها الله على انبيائه، وإنما خرجت من بلاد الهند ومن العز الذي كنت فيه طلبا له، فلما فحصت عن أمر صاحبكم الذي ذكرتم لم يكن النبي الموصوف في الكتب، فكفوا عني، وبعث العامل إلى رجل يقال له: الحسين بن اشكيب، فدعاه فقال له: ناظر هذا الرجل الهندي، فقال له الحسين: أصلحك الله عندك الفقهاء والعلماء وهم أعلم وأبصر بمناظرته، فقال له: ناظره كما اقول لك واخل به وألطف له، فقال لي

[ 74 ]

الحسين بن إشكيب (1) بعد ما فاوضته: إن صاحبك الذي تطلبه هو النبي الذي وصفه هؤلاء، وليس الامر في خليفته كما قالوا، هذا النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ووصيه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، وهو زوج فاطمة بنت محمد وأبو الحسن والحسين سبطي محمد - صلى الله عليه وآله -. قال غانم أبو سعيد فقلت: الله أكبر هذا الذي طلبت، فانصرفت إلى داود بن العباس فقلت: أيها الامير وجدت ما طلبت، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال: فبرني ووصلني، وقال للحسين تفقده، قال: فمضيت إليه حتى آنست به وفقهني فيما احتجت إليه من الصلاة والصيام والفرائض، قال: فقلت له: إنا نقرأ في كتبنا أن محمدا - صلى الله عليه وآله - خاتم النبيين لا نبي بعده، وأن الامر من بعده إلى وصيه ووارثه وخليفته من بعده، ثم إلى الوصي بعد الوصي، لا يزال أمر الله جاريا في أعقابهم حتى تنقضي الدنيا، فمن وصي وصي محمد ؟ قال: الحسن ثم الحسين ابنا محمد - صلى الله عليه وآله -، ثم ساق الامر في الوصية حتى انتهى إلى صاحب الزمان - عليه السلام -، ثم أعلمني ما حدث، فلم يكن لي همة إلا طلب الناحية. فوافى قم وقعد مع أصحابنا في سنة أربع وستين ومائتين وخرج معهم، حتى وافى بغداد ومعه رفيق له من أهل السند كان صحبه على المذهب، قال: فحدثني غانم قال: وأنكرت من رفيقي بعض أخلاقه، فهجرته وخرجت حتى صرت إلى العباسية أتهيأ للصلاة واصلي، وإني


(1) قال النجاشي: الحسين بن اشكيب شيخ لنا خراساني ثقة، مقدم، روى عنه العياشي وأكثر واعتمد حديثه، ثقة ثقة ثبت. [ * ]


[ 75 ]

لواقف متفكر فيما قصدت لطلبه إذا أنا بآت قد أتاني، فقال: أنت فلان ؟ - اسمه بالهند - فقلت: نعم، فقال: أجب مولاك، فمضيت معه فلم يزل يتخلل بي الطريق (1) حتى أتى دارا وبستانا، فإذا أنا به - عليه السلام - جالس، فقال: (مرحبا يا فلان - بكلام الهند - كيف حالك ؟ وكيف خلفت فلانا وفلانا وفلانا ؟ حتى عد الاربعين كلهم)، فسائلني عنهم واحدا واحدا، ثم أخبرني بما تجارينا وكل (2) ذلك بكلام الهند. ثم قال: (أردت أن تحج مع أهل قم ؟) قلت: نعم يا سيدي، فقال: (لا تحج معهم وانصرف سنتك هذه وحج من قابل) (3)، ثم ألقى إلي صرة كانت بين يديه، فقال لي: (اجعلها نفقتك ولا تدخل إلى بغداد إلى فلان سماه، ولا تطلعه على شئ، وانصرف إلينا إلى البلد)، ثم وافانا بعض الفيوج (4) فأعلموا أن اصحابنا انصرفوا من العقبة ومضى نحو خراسان، فلما كان في قابل حج وأرسل إلينا بهدية من طرف خراسان، فأقام [ بها ] (5) مدة ثم مات رحمه الله. ورواه ابن بابويه باسناده عن أبي سعيد غانم بن سعيد الهندي مختصرا. (6)


(1) في المصدر: الطرق. (2) في المصدر: كل ذلك بلا لفظ (و). (3) في المصدر: في قابل. (4) كذا في المصدر، وفي الاصل: بعد الفتح. (5) من المصدر. (6) الكافي: 1 / 515 ح 3، كمال الدين: 437 ح 6 وعنهما إثبات الهداة: 1 / 153 ح 10 مختصرا وأخرجه في البحار: 52 / 27 ح 22 عن الكمال، وفي منتخب الانوار المضيئة: 163 - 165 عن الخرائج: 3 / 1095 ح 21 باسناده عن ابن بابويه. [ * ]


[ 76 ]

 

الرابع والعشرون: سلامة [ الحسن بن النضر بدعائه ] - عليه السلام - وعلمه بما في النفس وعلمه بما يكون 2886 / 30 - محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن سعد بن عبد الله قال: إن الحسن بن النضر وأبا صدام وجماعة تكلموا بعد مضي أبي محمد - عليه السلام - فيما في أيدي الوكلاء وأرادوا الفحص، فجاء الحسن بن النضر إلى أبي صدام فقال: إني اريد الحج، فقال له أبو صدام: أخره هذة السنة، فقال له الحسن بن النضر: إني افزع في المنام ولابد من الخروج، وأوصى إلى أحمد بن يعلى بن حماد: وأوصى للناحية بمال، وأمره أن لا يخرج شيئا إلا من يده إلى يده بعد ظهوره. قال: فقال الحسن: لما وافيت بغداد اكتريت دارا فنزلتها، فجاءني بعض الوكلاء بثياب ودنانير وخلفها عندي، فقلت له: ما هذا ؟ قال: هو ما ترى، ثم جاءني آخر بمثلها وآخر حتى كبسوا الدار، ثم جاءني أحمد ابن إسحاق بجميع ما كان معه. فتعجبت وبقيت متفكرا، فوردت علي رقعة الرجل - عليه السلام - (1): (إذا مضى من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك)، فرحلت وحملت ما معي، وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستين رجلا، فاجتزت عليه وسلمني الله منه، فوافيت العسكر ونزلت، فوردت علي رقعة: (أن أحمل ما معك)، فعبيته (2) في صنان الحمالين.


(1) يعني صاحب الزمان - عليه السلام -. (2) فعبيته من التعبية، والصن بالكسر شبه السلة المطبقة، يجعل فيها الخبز، وفي البحار: فصببته. [ * ]


[ 77 ]

فلما بلغت الدهليز إذا (1) فيه اسود قائم، فقال: أنت الحسن بن النضر ؟ قلت: نعم، قال: ادخل، فدخلت الدار ودخلت بيتا وفرغت صنان الحمالين، فإذا (2) في زاوية البيت خبز كثير، فأعطى كل واحد من الحمالين رغيفين واخرجوا، وإذا بيت عليه ستر، فنوديت منه: (يا حسن ابن النضر احمد الله على ما من به عليك ولا تشكن، فود الشيطان أنك شككت)، وأخرج إلي ثوبين وقيل لي: (خذهما (3) فستحتاج اليهما)، فأخذتهما وخرجت. قال سعد: فانصرف الحسن بن النضر ومات في شهر رمضان وكفن في الثوبين. (4)

الخامس والعشرون: علمه - عليه السلام - بالغائب وعلمه بما في النفس 2687 / 31 - محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن محمد بن حمويه السويداوي (5)، عن محمد بن ابراهيم بن مهزيار قال: شككت عند مضي أبي محمد - عليه السلام - واجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيعا، فوعك وعكا شديدا، فقال: يا بني ردني فهو الموت، وقال لي: اتق الله في هذا المال وأوصى إلي فمات.


(1) في البحار: فإذا. (2) في المصدر والبحار: وإذا. (3) في المصدر: خدها، وفي البحار: فتحتاج. (4) الكافي: 1 / 517 ح 4 وعنه إثبات الهداة: 3 / 658 ح 3 والبحار: 51 / 308 ح 25. (5) في اعلام الورى: محمد بن جمهور. [ * ]


[ 78 ]

فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشئ غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق واكتري دارا على الشط ولا اخبر أحدا بشئ، وإن وضح لي شئ كوضوحه في أيام أبي محمد - عليه السلام - نفدته وإلا قصفت (1) به، فقدمت العراق واكتريت دارا على الشط وبقيت أياما، فإذا [ أنا ] (2) برقعة مع رسول فيها: (يا محمد معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا)، حتى قص علي جميع ما معي مما لم احط به علما، فسلمته إلى الرسول وبقيت أياما لا يرفع لي رأس واغتممت، فخرج إلي: (قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله). (3)

السادس والعشرون: علمه - عليه السلام - بالغائب 2688 / 32 - محمد بن يعقوب: عن محمد بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله النسائي قال: أوصلت اشياء للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب، فقبلت ورد علي السوار، فأمرت بكسره، فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس أو صفر، فأخرجته وأنفذت الذهب فقبل. (4)


(1) القصوف: الاقامة على الاكل والشرب. (2) من المصدر. (3) الكافي: 1 / 518 ح 5 وعنه إثبات الهداة: 3 / 658 ح 4 وعن إرشاد المفيد: 351 وغيبة الطوسي: 281 ح 239 - باسنادهما عن الكليني - وإعلام الورى: 417 - عن محمد بن يعقوب - وكشف الغمة: 2 / 450 - نقلا من الارشاد - والخرائج: 1 / 462 ح 7، وله تخريجات اخر من ارادها فليراجع الغيبة للطوسي - عليه الرحمة - بتحقيقنا. (4) الكافي: 1 / 518 ح 6 وعنه البحار: 51 / 297 ح 12 وعن ارشاد المفيد: 352. وأخرجه في كشف الغمة: 2 / 451 والمستجاد: 533 عن الارشاد، ورواه في تقريب المعارف: 192. [ * ]


[ 79 ]

 

السابع والعشرون: علمه - عليه السلام - بحال الانسان 2689 / 33 - ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن الفضل الخزاز المدائني مولى خديجة بنت محمد أبي جعفر - عليه السلام - قال: إن قوما من أهل المدينة من الطالبيين كانوا يقولون بالحق، فكانت (1) الوظائف ترد عليهم في وقت معلوم، فلما مضى أبو محمد - عليه السلام - رجع قوم منهم عن القول بالولد، فوردت الوظائف على من ثبت منهم على القول بالولد وقطع عن الباقين، فلا يذكرون في الذاكرين، والحمد لله رب العالمين. (2)

الثامن والعشرون: علمه - عليه السلام - بالغائب 2690 / 34 - ابن يعقوب: عن علي بن محمد قال: أوصل رجل من أهل السواد مالا، فرد عليه وقيل له: (أخرج حق ولد عمك منه وهو أربعمائة درهم) وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمه، فيها شركة قد حبسها عليهم، فنظر فإذا الذي لولد عمه من ذلك المال أربعمائة [ درهم ] (3)، فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل. (4)


(1) في المصدر: وكانت. (2) الكافي: 1 / 518 ح 7 وعنه البحار: 51 / 309 ح 26. (3) من المصدر. (4) الكافي: 1 / 519 ح 8 وعنه إثبات الهداة: 3 / 659 ح 7 وعن الخرائج - الاتي في الحديث 2772 عنه وعن الثاقب باختلاف - وكمال الدين: 486 ح 6 وإعلام الورى: 418 - عن محمد ابن يعقوب - وإرشاد المفيد: 352 وكشف الغمة: 2 / 451 - نقلا من الارشاد -، وتقريب المعارف: 193. وأخرجه في البحار: 51 / 326 ح 45 عن الكمال والارشاد، وفي منتخب الانوار المضيئة: 120 عن المفيد، ويأتي في الحديث 2723 عن دلائل الامامة. [ * ]


[ 80 ]

 

التاسع والعشرون: علمه - عليه السلام - بالآجال 2691 / 35 - ابن يعقوب: عن القاسم بن العلاء قال: ولد لي عدة بنين، فكنت أكتب وأسال الدعاء فلا يكتب إلي لهم بشئ، فماتوا كلهم، فلما ولد لي الحسن إبني كتبت أسال الدعاء، فاجبت: (يبقى والحمد لله). (1)

الثلاثون: علمه - عليه السلام - بما يكون 2692 / 36 - ابن يعقوب: عن علي بن محمد، عن أبي عبد الله بن صالح قال: (كنت) (2) خرجت سنة من السنين ببغداد، فاستاذنت في الخروج، فلم يؤذن لي، فأقمت إثنين وعشرين يوما، وقد خرجت القافلة إلى النهروان، فاذن لي في الخروج (3) يوم الاربعاء، وقيل لي: (اخرج فيه)، فخرجت وأنا آئس من القافلة أن ألحقها، فوافيت النهروان والقافلة مقيمة، فما كان إلا أن أعلفت جمالي شيئا (4) حتى رحلت القافلة، فرحلت وقد دعا لي بالسلامة فلم ألق سوءا، والحمد لله. (5)


(1) الكافي: 1 / 519 ح 9 وعنه البحار: 51 / 309 ح 27، وفي إثبات الهداة: 3 / 659 ح 8 عنه وعن إرشاد المفيد: 352 واعلام الورى: - 418 عن محمد بن يعقوب - وتقريب المعارف: 193 وكشف الغمة: 2 / 451 نقلا من الارشاد. (2) ليس في البحار وإثبات الهداة، وفي البحار: إلى بغداد واستأذنت. (3) في البحار: بعد خروج القافلة إلى النهروان، ثم اذن لي بالخروج. (4) في البحار: إلا أن علفت جملي حتى. (5) الكافي: 1 / 519 ح 10 وعنه البحار: 51 / 297 ح 13، وفي إثبات الهداة: 3 / 659 ح 9 عنه وعن إرشاد المفيد: 352 وكشف الغمة: 2 / 451 نقلا من الارشاد. وأخرجه في المستجاد: 534 عن الارشاد. [ * ]