مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 1

الجزء التاسع‏

 [تتمة كتاب الإيمان و الكفر]

باب الاهتمام بأمور المسلمين و النصيحة لهم و نفعهم‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

" من أصبح"

 (3) أي دخل في الصباح‏

" لا يهتم بأمور المسلمين"

 (4) أي لا يعزم على القيام بها، و لا يقوم بها مع القدرة عليه، في الصحاح: أهمني الأمر إذا أقلقك و حزنك، و المهم الأمر الشديد و الاهتمام الاغتمام، و اهتم له بأمره، و في المصباح:

اهتم الرجل بالأمر قام به‏

" فليس بمسلم"

 (5) أي كامل الإسلام، و لا يستحق هذا الاسم و إن كان المراد عدم الاهتمام بشي‏ء من أمورهم لا يبعد سلب الاسم حقيقة، لأن من جملتها إعانة الإمام و نصرته و متابعته و إعلان الدين و عدم إعانة الكفار على المسلمين و على التقادير المراد بالأمور أعم من الأمور الدنيوية و الأخروية، و لو لم يقدر على بعضها فالعزم التقديري عليه حسنة يثاب عليها كما مر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 2

 (الحديث الثاني)

 (1): كالأول.

و قال في النهاية:

النسك‏

 (2) و النسك الطاعة و العبادة و كل ما تقرب به إلى الله، و النسك ما أمرت به الشريعة، و الورع ما نهت عنه، و الناسك العابد، و سئل ثعلب عن المناسك ما هو؟ فقال: هو مأخوذ من النسيكة و هي سبيكة الفضة المصفاة كأنه صفى نفسه لله تعالى، و قال:

النصيحة

 (3) كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، و ليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة غيرها، و أصل النصح في اللغة الخلوص، يقال: نصحته و نصحت له، و معنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته و إخلاص النية في عبادته، و النصيحة لكتاب الله هو التصديق به و العمل بما فيه و نصيحة رسوله صلى الله عليه و آله و سلم التصديق بنبوته و رسالته، و الانقياد لما أمر به و نهى عنه، و نصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق، و نصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم.

و في الصحاح:

رجل ناصح الجيب‏

 (4) أي نقي القلب، و في القاموس: رجل ناصح الجيب لا غش فيه، انتهى.

و نسكا و جيبا تميزان و نسبة الأنسك إلى النسك للمبالغة و المجاز كجد جده‏

" و أسلمهم قلبا"

 (5) أي من الحقد و الحسد و العداوة.

 (الحديث الثالث)

 (6): ضعيف.

و النصح لله في خلقه‏

 (7) الخلوص في طاعة الله فيما أمر به في حق خلقه من إعانتهم و هدايتهم و كف الأذى عنهم، و ترك الغش معهم، أو المراد النصح للخلق خالصا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 3

لله‏

" فلن تلقاه"

 (1) عند الموت أو في القيامة

" بعمل"

 (2) أي مع عمل.

 (الحديث الرابع)

 (3): مجهول.

 (الحديث الخامس)

 (4): ضعيف، و اللام المفتوحة في‏

" للمسلمين"

 (5) للاستغاثة.

 (الحديث السادس)

 (6): ضعيف على المشهور.

" الخلق عيال الله"

 (7) العيال بالكسر جمع عيل كجياد و جيد، و هم من يمونهم الإنسان و يقوم بمصالحهم، فاستعار لفظ العيال للخلق بالنسبة إلى الخالق، فإنه خالقهم و المدبر لأمورهم و المقدر لأحوالهم، و الضامن لأرزاقهم‏

" فأحب الخلق إلى الله"

 (8) أي أرفعهم منزلة عنده و أكثرهم ثوابا

" من نفع عيال الله"

 (9) بنعمة أو بدفع مضرة أو إرشاد و هداية أو تعليم أو قضاء حاجة و غير ذلك من منافع الدين و الدنيا، و فيه إشعار بحسن هذا الفعل فإنه تكفل ما ضمن الله لهم من أمورهم و إدخال السرور على أهل بيت إما المراد به منفعة خاصة تعم الرجل و أهل بيته و عشائره أو تنبيه على أن كل منفعة توصله إلى أحد من المؤمنين يصير سببا لإدخال السرور على جماعة من أهل بيته.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 4

 (الحديث السابع)

 (1): مرسل.

 (الحديث الثامن)

 (2): مجهول‏

قوله عليه السلام: عادية ماء

 (3)، في القاموس: العدي كغني: القوم يعدون لقتال أو أول من يحمل على الرجالة كالعادية فيهما، أو هي للفرسان، و قال: العادية الشغل يصرفك عن الشي‏ء، و عداه عن الأمر صرفه و شغله، و عليه وثب، و عدا عليه ظلمه، و العادي العدو.

و في الصحاح دفعت عنك عادية فلان، أي ظلمه و شره، انتهى.

و أقول: يمكن أن يقرأ في الخبر بالإضافة أي ضرر ماء أو سيل أو نار وقعت في البيوت بأن أعان على دفعهما و

" أوجبت"

 (4) على بناء المجهول، و أن يقرأ عادية بالتنوين و ماء و نارا أيضا كذلك بالبدلية أو عطف البيان، و وجبت على بناء المجرد فإطلاق العادية عليهما على الاستعارة بأحد المعاني المتقدمة.

و الأول أظهر كما روي في قرب الإسناد بإسناده عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من رد عن المسلمين عادية ماء أو عادية نار أو عادية عدو مكابر للمسلمين غفر الله له ذنبه.

 (الحديث التاسع)

 (5): موثق كالصحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 5

" وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً"

 (1) قال الطبرسي (ره) اختلف فيه فقيل: هو القول الحسن الجميل و الخلق الكريم و هو مما ارتضاه الله و أحبه عن ابن عباس، و قيل: هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عن سفيان، و قال الربيع بن أنس: أي معروفا و روى جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله:" قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً" قال: قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين الفاحش المتفحش السائل الملحف و يحب الحليم العفيف المتعفف.

ثم اختلف فيه من وجه آخر فقيل: هو عام في المؤمن و الكافر على ما روي عن الباقر عليه السلام، و قيل: هو خاص في المؤمن و اختلف من قال أنه عام فقال ابن عباس و قتادة: أنه منسوخ بآية السيف، و قال الأكثرون: أنها ليست بمنسوخة لأنه يمكن قتالهم مع حسن القول في دعائهم إلى الإيمان، انتهى.

و في تفسير العسكري عليه السلام قال الصادق عليه السلام:" قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً" أي للناس كلهم مؤمنهم و مخالفهم، أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه، و أما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان، فإن بأيسر من ذلك يكف شرورهم عن نفسه و عن إخوانه المؤمنين.

" و لا تقولوا إلا خيرا" إلخ،

 (2) قيل: يعني لا تقولوا لهم إلا خيرا ما تعلموا فيهم الخير و ما لم تعلموا فيهم الخير، فأما إذا علمتم أنه لا خير فيهم و انكشف لكم عن سوء ضمائرهم بحيث لا تبقى لكم مرية فلا عليكم أن لا تقولوا خيرا، و

" ما"

 (3) تحتمل الموصولية و الاستفهام و النفي، و قيل:

حتى تعلموا

 (4)، متعلق بمجموع المستثنى و المستثنى منه، أي من اعتاد بقول الخير، و ترك القبيح يظهر له فوائده.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 6

أقول: و يحتمل أن يكون حتى تعلموا بدلا أو بيانا للاستثناء أي إلا خيرا تعلموا خيريته إذ كثيرا ما يتوهم الإنسان خيرية قول و هو ليس بخير.

 (الحديث العاشر)

 (1): ضعيف.

و يومئ إلى أن المراد

بقوله: قولوا للناس‏

 (2)، قولوا في حق الناس لا مخاطبتهم بذلك، و الحديث السابق يحتمل الوجهين.

 (الحديث الحادي عشر)

 (3): كالسابق.

" وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً"

 (4) قال البيضاوي:

نفاعا

 (5) معلم الخير، و قال الطبرسي (ره):

أي جعلني معلما للخير عن مجاهد، و قيل: نفاعا حيثما توجهت و البركة نماء الخير، و المبارك الذي ينمي الخير به و قيل: ثابتا دائما على الإيمان و الطاعة، و أصل البركة الثبوت عن الجبائي.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 7

باب إجلال الكبير

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح.

" من إجلال الله"

 (3) أي تعظيم الله فإن تعظيم أو أمره سبحانه تعظيم له، و

الشيبة

 (4) بياض الشعر، و كان فيه دلالة على أن شعرا واحدا أبيض سبب للتعظيم، قال الجوهري:

الشيب و المشيب واحد، و قال الأصمعي: الشيب بياض الشعر، و المشيب دخول الرجل في حد الشيب من الرجال، و الأشيب المبيض الرأس، و إجلاله تعظيمه و توقيره و احترامه و الإعراض عما صدر عنه بسوء خلقه لكبر سنه و ضعف قواه، لا سيما إذا كان أكثر تجربة و علما و أكيس حزما و أقدم إيمانا و أحسن عبادة.

 (الحديث الثاني)

 (5): مرفوع.

" ليس منا"

 (6) أي من المؤمنين الكاملين أو من شيعتنا الصادقين، و المراد بالصغير إما الأطفال فإنهم لضعف بنيتهم و عقلهم و تجاربهم مستحقون للترحم، و يحتمل أن يراد

بالكبر

 (7) و

الصغر

 (8) الإضافيان أي يلزم كل أحد أن يعظم من هو أكبر منه، و يرحم من هو أصغر منه و إن كان بقليل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 8

 (الحديث الثالث)

 (1): حسن كالصحيح، و

الوصافي‏

 (2) اسمه عبد الله بن الوليد.

باب إخوة المؤمنين بعضهم لبعض‏

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): ضعيف على المشهور.

" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"

 (5) كما قال تعالى في كتابه العزيز، قالوا: أي أخوه في الدين، أو ينبغي أن يكونوا بمنزلة الأخوة في الترحم و التعاطف، ثم أكد عليه السلام ذلك‏

بقوله: بنو أب و أم‏

 (6)، أي ينبغي أن يكونوا كهذا النوع من الأخوة، أو نفي لهذا المعنى و بيان أن إخوتهم متأصلة بمنزلة الحقيقة لاشتراكهم في طينة الجنة و الروح المختارة المنسوبة إلى الرب الأعلى كما سيأتي، أو المراد بالأب روح الله الذي نفخ منه في طينة المؤمن، و بالأم الماء العذب و التربة الطيبة كما مر في أبواب الطينة لا آدم و حواء كما يتبادر إلى بعض الأذهان لعدم اختصاص الانتساب إليهما بالإيمان إلا أن يقال تباين العقائد صار مانعا عن تأثير تلك الأخوة لكنه بعيد.

و قد مر وجه آخر و هو اتحاد آبائهم الحقيقية الذين أحيوهم بالإيمان و العلم، و أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أبوهم و خديجة أمهم بمقتضى الآية المتقدمة، و إخراج غير المؤمنين لأنهم عقوا والديهم بترك ولاية أئمة الحق فهم خرجوا عن حكم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 9

الأولاد و انقطعت الأخوة بينهم، كما أن المنافقات من أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم خرجن بذلك عن كونهم أمهات المؤمنين كما طلق أمير المؤمنين صلوات الله عليه عائشة يوم البصرة ليظهر للناس خروجها عن هذا الحكم على بعض الوجوه، و إن بقي تحريم نكاحها على المسلمين، و

ضرب العرق‏

 (1) حركته بقوة و المراد هنا المبالغة في قلة الأذى، و تعديته هنا بعلى لتضمين معنى الغلبة كما في قوله تعالى:" فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ" في النهاية ضرب العرق ضربا و ضربانا إذا تحرك بقوة، و في القاموس:

سهر

 (2) كفرح لم ينم ليلا، انتهى.

و المعنى أن الناس كثيرا ما يذهب عنهم النوم في بعض الليالي من غير سبب ظاهرا، فهذا من وجع عرض لبعض إخوانهم، و يحتمل أن يكون السهر كناية عن الحزن للزومه له غالبا.

 (الحديث الثاني)

 (3): صحيح.

" تقبضت"

 (4) التقبض ظهور أثر الحزن ضد الانبساط، في القاموس: انقبض انضم و ضد انبسط، و تقبض عنه اشمأز، و في المحاسن: تنفست أي تأوهت و

حزنت‏

 (5) من باب علم أو على بناء المجهول من باب نصر فإنه متعد حينئذ، و

" صديقي"

 (6) عطف على أهلي‏

" من ريح روحه"

 (7) أي من نسيم من روحه الذي نفخة في الأنبياء و الأوصياء عليه السلام كما قال:" وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" أو من رحمة ذاته كما قال الصادق عليه السلام‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 10

و الله شيعتنا من نور الله خلقوا و إليه يعودون أو الإضافة بيانية شبه الروح بالريح لسريانه في البدن كما أن نسبة النفخ إليه لذلك، أي من الروح الذي هو كالريح و اجتباه و اختاره.

و قد روي عن الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى:" وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" كيف هذا النفخ؟ فقال: إن الروح متحرك كالريح، و إنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح و إنما أخرجه على لفظة الروح لأن الروح مجانس للريح و إنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما اصطفى بيتا من البيوت فقال: بيتي، و قال لرسول من الرسل خليلي و أشباه ذلك، و كل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر، و يمكن أن يقرأ بفتح الراء أي من نسيم رحمته كما ورد في خبر آخر: و أجرى فيهم من روح رحمته.

" لأبيه و أمه"

 (1) الظاهر تشبيه الطينة بالأم و الروح بالأب، و يحتمل العكس.

لا يقال: على هذا الوجه يلزم أن يكون المؤمن محزونا دائما؟

لأنا نقول: يحتمل أن يكون للتأثر شرائط أخرى تفقد في بعض الأحيان كارتباط هذا الروح ببعض الأرواح أكثر من بعض، كما ورد: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف.

و يحتمل أن يكون الحزن الدائم للمؤمن أحد أسبابه ذلك كما أن تذكر الآخرة أيضا سبب له، لكن شدته في بعض الأحيان بحيث يتبين له ذلك بحزن الأرواح المناسبة له، أو بحزن الأرواح الشريفة العالية المؤثرة في العوالم، لا سيما في أرواح الشيعة و قلوبهم و أبدانهم، كما روى الصدوق (ره) في معاني الأخبار بإسناده إلى أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام و معي رجل من أصحابنا، فقلت له‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 11

جعلت فداك يا بن رسول الله إني لأغتم و أحزن من غير أن أعرف لذلك سببا؟ فقال عليه السلام: إن ذلك الحزن و الفرح يصل إليكم منا لأنا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلا عليكم، لأنا و إياكم من نور الله تعالى فجعلنا و طينتنا و طينتكم واحدة، و لو تركت طينتكم كما أخذت لكنا و أنتم سواء، و لكن مزجت طينتكم بطينة أعدائكم فلو لا ذلك ما أذنبتم ذنبا أبدا، قال: قلت: جعلت فداك فتعود طينتنا و نورنا كما بدء؟ فقال: أي و الله يا عبد الله أخبرني عن هذا الشعاع الزاخر من القرص إذا طلع أ هو متصل به أم بائن منه؟ فقلت له: جعلت فداك بل هو بائن منه، فقال:

أ فليس إذا غابت الشمس و سقط القرص عاد إليه فاتصل به كما بدء منه؟ فقلت له:

نعم، فقال: كذلك و الله شيعتنا من نور الله خلقوا و إليه يعودون، و الله إنكم لملحقون بنا يوم القيامة و إنا لنشفع و نشفع، و الله إنكم لتشفعون فتشفعون، و ما من رجل منكم إلا و سترفع له نار عن شماله، و جنة عن يمينه فيدخل أحباؤه الجنة و أعداءه النار، فتأمل و تدبر في هذا الحديث فإن فيه أسرارا غريبة.

 (الحديث الثالث)

 (1): موثق كالصحيح.

" عينه"

 (2) أي جاسوسه يدله على المعايب، أو بمنزلة عينه الباصرة يدله على مكارمه و معائبه، و هو أحد معاني قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: المؤمن مرآة المؤمن، و قيل: ذاته مبالغة، أو بمنزلة عينه في العزة و الكرم، و لا يخفى عدم مناسبته لسائر الفقرات فتفطن‏

" و دليله"

 (3) أي إلى الخيرات الدنيوية و الأخروية

" لا يخونه"

 (4) في مال و لا سرو لا عرض‏

" و لا يظلمه"

 (5) في نفسه و ماله و أهله و سائر حقوقه‏

" و لا يغشه"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 12

 (1) في النصيحة و المشورة و حفظ الغيب و الإرشاد إلى مصالحه‏

" و لا يعده عدة فيخلفه"

 (2) يدل على أنه مناف للأخوة الكاملة لا على الحرمة إلا إذا كان النفي بمعنى النهي، و فيه أيضا كلام، و بالجملة النفي في جميع الفقرات يحتمل أن يكون بمعنى النهي و أن يكون بمعناه فيدل على أنه لو أتى بالمنفي لم يتصف بالأخوة و كمال الإيمان.

 (الحديث الرابع)

 (3): في أعلى مراتب الصحة.

" كالجسد الواحد"

 (4) كأنه عليه السلام ترقى عن الإخوة إلى الاتحاد أو بين أن إخوتهم ليست مثل سائر الأخوات بل هم بمنزلة أعضاء جسد واحد تعلق بها روح واحدة، فكما أنه يتألم عضو واحد يتألم و يتعطل سائر الأعضاء فكذا يتألم واحد من المؤمنين يحزن و يتألم سائر هم كما مر، فقوله: كالجسد الواحد تقديره كعضوي الجسد الواحد، و

قوله: إن اشتكى‏

 (5)، الظاهر أنه بيان للمشبه به، و الضمير المستتر فيه و في‏

وجد

 (6) راجعان إلى المرء أو الإنسان، أو الروح الذي يدل عليه الجسد، و ضمير

منه‏

 (7) راجع إلى الجسد، و الضمير

في أرواحهما

 (8) راجع إلى شيئا و سائر الجسد و الجمعية باعتبار جمعية السائر، أو من إطلاق الجمع على التثنية مجازا.

و في كتاب الاختصاص للمفيد: و إن روحهما من روح واحدة، و هو أظهر، و المراد بالروح الواحد إن كان الروح الحيوانية فمن للتبعيض، و إن كان النفس الناطقة فمن للتعليل فإن روحهما الروح الحيوانية.

هذا إذا كان قوله: و أرواحهما من تتمة بيان المشبه به، و يحتمل تعلقه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 13

بالمشبه فالضمير راجع إلى الأخوين المذكورين في أول الخبر، و الغرض إما بيان شدة اتصال الروحين كأنهما روح واحدة، أو أن روحيهما من روح واحدة هي روح الإمام عليه السلام، و هي نور الله كما مر في الخبر السابق عن أبي بصير الذي هو كالشرح لهذا الخبر.

و يحتمل أن يكون اشتكى أيضا من بيان المشبه لإيضاح وجه الشبه، و المراد بروح الله أيضا روح الإمام التي اختارها الله كما مر في قوله:" وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" و يحتمل أن يكون المراد بروح الله ذات الله سبحانه إشارة إلى شدة ارتباط المقربين بجناب الحق تعالى، حيث لا يغفلون عن ربهم ساعة و يفيض عليهم منه سبحانه العلم و الكمالات و الهدايات و الإفاضات آنا فآنا و ساعة فساعة كما سيأتي في الحديث القدسي: فإذا أحببته كنت سمعه و بصره و يده و رجله و لسانه، و سنوضح ذلك بحسب فهمنا هناك إنشاء الله، و أعرضنا عما أورده بعضهم هيهنا من تزيين العبارات التي ليس تحتها معنى محصل.

 (الحديث الخامس)

 (1): ضعيف على المشهور.

" و مرآته"

 (2) أي يبين محاسنه ليركبها، و مساويه ليجتنبها كما هو شأن المرآة أو ينظر إلى ما فيه من المعايب فيتركها فإن الإنسان في غفلة عن عيوب نفسه، و كذا المحاسن و قد روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم المؤمن مرآة المؤمن و يجري فيه الوجهان المتقدمان، قال الراوندي في ضوء الشهاب: المرآة الآلة التي ترى فيها صورة الأشياء،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 14

و هي مفعلة من الرؤية، و المعنى أن المؤمن يحكي لأخيه المؤمن جميع ما يراه فيه، فإن كان حسنا زينه له ليزداد منه، و إن كان قبيحا نبهه عليه لينتهي عنه، انتهى.

و أقول: قد ذهب بعض الصوفية إلى أن المؤمن الثاني هو الله تعالى، أي المؤمن مظهر لصفاته الكمالية تعالى شأنه كما ينطبع في المرآة صورة الشخص، و الحديث يدل على أنه ليس بمراد من الخبر النبوي، و قيل: المراد أن كلا من المؤمنين مظهر لصفات الآخر، لأن في كل منهما صفات الآخر مثل الإيمان و أركانه و لواحقه و آثاره، و الأخلاق و الآداب، و لا يخفى بعده.

" و لا يكذبه"

 (1) على بناء المجرد أي لا يقول له كذبا، أو على بناء التفعيل أي لا ينسب الكذب إليه فيما يخبره، و لا يستلزم ذلك الاعتماد عليه في كل ما يقوله و إن كان يشعر بذلك، كما ورد في خبر آخر مستدلا عليه بقوله تعالى:" وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ" و الظاهر أن المراد بالمسلم هنا المؤمن إيذانا بأن غير المؤمن ليس بمسلم حقيقة.

 (الحديث السادس)

 (2): حسن كالصحيح.

" و لم لا تحبه"

 (3) ترغيب في زيادة المحبة و إدامتها لغيره أيضا بذكر أسبابها و عدم المانع منها

" أخوك"

 (4) أي سماه الله تعالى أخاك أو مخلوق من روحك و طينتك، و يحتمل أن يكون‏

قوله: و شريكك في دينك‏

 (5) تفسيرا للإخوة، أو يكون في دينك متعلقا بهما على التنازع‏

" على عدوك"

 (6) من الجن و الإنس أو الأخير فقط، أو الأعم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 15

منهما و من النفس الأمارة بالسوء، كما روي: أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.

 (الحديث السابع)

 (1): ضعيف.

" من ريح الجنة"

 (2) أي من الروح المأخوذة من الجنة أو المنسوبة إليها، لأن مصيرها لاقتضائها العقائد و الأعمال الحسنة إليها، و قد مر مضمونه.

 (الحديث الثامن)

 (3): صحيح و قد مر بعينه إلا أنه كان هناك بدل الحجال ابن فضال.

 (الحديث التاسع)

 (4): مجهول.

و قوله: الحديث،

 (5) أي إلى تمام الحديث إشارة إلى أنه لم يذكر تمام الخبر، و فهم أكثر من نظر فيه أن" الحديث" مفعول يفيد، فيكون حثا على رواية الحديث و هو بعيد، و قال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد به الخبر و أن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 16

يكون أمرا في صورة الخبر، و المعنى أن الإيمان يقتضي التعاون بأن يخدم بعض المؤمنين بعضا في أمورهم، هذا يكتب لهذا و هذا يشتري لهذا، و هذا يبيع لهذا إلى غير ذلك، بشرط أن يكون بقصد التقرب إلى الله، و لرعاية الإيمان، و أما إذا كان كان يجر منفعة دنيوية إلى نفسه فليس من خدمة المؤمن في شي‏ء بل هو خدمة لنفسه.

 (الحديث العاشر)

 (1): مجهول‏

" فتكفنوا"

 (2) أي سلموا أنفسهم إلى الموت و قطعوا به، فلبسوا أكفانهم أو ضموا ثيابهم على أنفسهم بمنزلة الكفن، و في القاموس:

هم مكفنون ليس لهم ملح و لا لبن و لا إدام، و في بعض النسخ فتكنفوا بتقديم النون على الفاء، أي اتخذ كل منهم كنفا و ناحية و تفرقوا، من الكنف بالتحريك و هو الناحية و الجانب أو اجتمعوا و أحاط بعضهم ببعض، قال في النهاية: في حديث الدعاء مضوا على شاكلتهم مكانفين، أي يكنف بعضهم بعضا، و فيه فاكتنفته أنا و صاحبي أي أحطنا به من جانبيه، و في القاموس: كنفه صانه و حفظه و حاطه و أعانه كأكنفه و التكنيف الإحاطة و اكتنفوا فلانا أحاطوا به كتكنفوه.

قوله: أنا من الجن‏

 (3)، الجن بالكسر جمع الجني و قد ذكر الطبرسي (ره) و غيره أن سبعة من جن نصيبين أتوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و بايعوه، و روي أكثر من ذلك كما ذكرناه في الكتاب الكبير، و في الصحاح حضرة الرجل قربه و فناؤه، و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 17

يدل على أن الجن أجسام لطيفة يمكن تشكلهم بشكل الإنس و رؤيتهم لغير الأنبياء و الأوصياء عليه السلام أيضا، و يشعر بجواز رواية الحديث عن الجن.

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): حسن كالصحيح.

" قال سمعت الفضيل‏

 (2)" بصيغة الخطاب بتقدير حرف الاستفهام‏

" فقال إني سمعت"

 (3) هذا كلام الرجل، و احتمال الفضيل كما توهم بعيد، و غرض الرجل أن الذي سمعت منه عليه السلام أكثر مما سمعه لا سيما على النسخة التي ليس في الأول و لا يغتابه إلخ، و لعلهما سمعا في مجلس واحد، و لذا استبعده‏

" و لا يحرمه"

 (4) أي من عطائه، و ربما يقرأ

" و لا يظلمه"

 (5) على بناء التفعيل أي لا ينسبه إلى الظلم و هو تكلف، و في القاموس‏

خذله‏

 (6) و عنه خذلا و خذلانا بالكسر: ترك نصرته، و الظبية و غيرها تخلفت عن صواحبها و انفردت، أو تخلفت و لم تلحق، و تخاذل القوم تدابروا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 18

باب في ما يوجب الحق لمن انتحل الإيمان و ينقضه‏

 (1)

الانتحال‏

 (2) ادعاء أمر بغير حقيقة أو مطلقا، و اتخاذ نحلة و دين، و

قوله: و ينقضه‏

 (3) عطف على يوجب، و الضمير المستتر فيه راجع إلى ما، و البارز إلى الحق أي هذا باب في بيان ما يوجب رعاية الحقوق الإيمانية لمن ادعى الإيمان، و بيان ما ينقض الحق و يسقط وجوب رعايته، و يحتمل إرجاع الظاهر إلى الإيمان لكن الأول أظهر.

 (الحديث الأول)

 (4): ضعيف على المشهور.

" و سئل"

 (5) الواو للحال بتقدير قد، و إثبات الألف في‏

قوله: بم‏

 (6) في الموضعين مع دخول حرف الجر شاذ، و

قوله: فقال‏

 (7)، تكرير و تأكيد لقوله: يقول.

قوله قد يتخذ

 (8)، قد هنا للتحقيق، و إنما اكتفي بذكر أحد وجهي الإيمان مع التصريح‏

بالوجهين‏

 (9)، و كلمة

إما

 (10) التفصيلية المقتضية للتكرار لظهور القسم الآخر من ذكر هذا القسم، و القسم الآخر هو ما يعرف بالصحبة المتأكدة و المعاشرة المتكررة الموجبة للظن القوي بل اليقين، و إن كان نادرا، فإن الإيمان أمر قلبي لا يظهر للغير إلا بآثاره من القول و العمل المخبرين عنه كما مر تحقيقه، أو القسم الآخر ما كان معلوما بالبرهان القطعي كالحجج عليه السلام و خواص أصحابهم الذين أخبروا بصحة أيمانهم و كماله كسلمان و أبي ذر و المقداد و أضرابهم رضي الله عنهم،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 19

و نظير هذا في ترك معادل أما، قوله تعالى:" وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ" إذ ظاهر أن معادله: و أما الذين كفروا بالله و لم يعتصموا به فسيدخلهم جهنم.

" حقت"

 (1) بفتح الحاء و ضمها، لأنه لازم و متعد

" ولايته"

 (2) أي محبته و

" إخوته"

 (3) أي في الدين‏

" و مع ذلك ينظر فيه"

 (4) أي فيه تفصيل‏

" فإن كان"

 (5) اسمه الضمير الراجع إلى‏

" ما تستدل به"

 (6) و جملة

" ليس" إلخ،

 (7) خبره و

" ذلك"

 (8) إشارة إلى الدعوى المذكور في ضمن إلا أن يدعى، و تفسير مبتدأ

" و يتقى"

 (9) على بناء المجهول بتقدير يتقى فيه، و

" مثل"

 (10) خبر و

" قوم"

 (11) مضاف إلى السوء بالفتح، و

" ظاهر"

 (12) صفة السوء و جملة

" حكمهم"

 (13) إلخ صفة للقوم أو" ظاهر" صفة القوم لكونه بحسب اللفظ مفردا أي قوم غالبين و" حكمهم" إلخ جملة أخرى كما مر أو حكمهم فاعل ظاهر أي قوم سوء كون حكمهم و فعلهم على غير الحق ظاهرا، أو ظاهر مرفوع مضاف إلى حكمهم، و هو مبتدأ و على غير خبره، و الجملة صفة القوم.

و بالجملة يظهر منه أن التقية إنما تكون لدفع ضرر لا لجلب نفع بأن يكون السوء بمعنى الضرر أو الظاهر بمعنى الغالب، و يشترط فيه عدم التأدي إلى الفساد في الدين كقتل نبي أو إمام أو اضمحلال الدين بالكلية كما أن الحسين عليه السلام‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 20

لم يتق للعلم بأن تقيته يؤدي إلى بطلان الدين بالكلية، فالتقية إنما تكون فيما لم يصر تقيته سببا لفساد الدين و بطلانه كما أن تقيتنا في غسل الرجلين أو بعض أحكام الصلاة و غيرها لا تصير سببا لخفاء هذا الحكم و ذهابه من بين المسلمين، لكن لم أر أحدا صرح بهذا التفصيل، و ربما يدخل في هذا التقية في الدماء و فيه خفاء، و يمكن أن يراد بالأداء إلى الفساد في الدين أن يسري إلى العقائد القلبية أو يعمل التقية في غير موضع التقية.

ثم اعلم أنه يستفاد من ظاهر هذا الخبر وجوب المؤاخاة و أداء الحقوق بمجرد ثبوت التشيع، قيل: و هو على إطلاقه مشكل، كيف و لو كان ذلك كذلك للزم الحرج و صعوبة المخرج إلا أن يخصص التشيع بما ورد من الشروط في أخبار صفات المؤمن و علاماته.

و أقول: يمكن أن يكون الاستثناء الوارد في الخبر بقوله: إلا أن يجي‏ء منه نقض، شاملا لكبائر المعاصي بل الأعم.

باب في أن التآخي لا يقع على الدين و إنما هو التعارف‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور معتبر عندي.

" لم تتواخوا على هذا الأمر"

 (3) أقول: الخبر يحتمل وجوها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 21

الأول: ما أفاده الوالد قدس سره و هو أن التآخي بينكم لم يقع على التشيع و لا في هذه النشأة بل كانت أخوتكم في عالم الأرواح قبل الانتقال إلى الأجساد، و إنما حصل تعارفكم في هذا العالم بسبب الدين، فكشف ذلك عن الأخوة في العليين، و ذلك مثل رجلين كانت بينهما مصاحبة قديمة فافترقا زمانا طويلا ثم تلاقيا فعرف كل منهما صاحبه، و يؤيده الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف، و هذا الخبر و إن كان عاميا لكن ورد مثله في أخبارنا بأسانيد جمة أوردتها في الكتاب الكبير.

منها: ما روى الصفار في البصائر بأسانيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: و الله يا أمير المؤمنين عليه السلام إني لأحبك، فقال:

كذبت، فقال الرجل: سبحان الله كأنك تعرف ما في قلبي؟ فقال علي عليه السلام:

إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، ثم عرضهم علينا فأين كنت لم أرك.

و عن عمارة قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين إذ أقبل رجل فسلم عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين و الله إني لأحبك فسأله ثم قال له: إن الأرواح خلقت قبل الأبدان بألفي عام، ثم أسكنت الهواء فما تعارف منها ثم ائتلف هيهنا، و ما تناكر منها ثم اختلف هيهنا، و إن روحي أنكر روحك.

و بسنده أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام مثله، إلا أنه قال: إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام فأسكنها الهواء ثم عرضها علينا أهل البيت، فو الله ما منها روح إلا و قد عرفنا بدنه، فو الله ما رأيتك فيها فأين كنت.

و روى الصدوق في العلل بسند موثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها في الميثاق ائتلف هيهنا و ما تناكر منها في الميثاق اختلف هيهنا.

و روي بسند آخر عنه عليه السلام أنه قال لرجل من أصحابه: ما تقول في الأرواح‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 22

أنها جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف؟ قال: فقلت: إنا نقول ذلك، قال: فإنه كذلك إن الله تعالى أخذ على العباد ميثاقهم و هم أظلة قبل الميلاد، و هو قوله عز و جل" وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ" الآية قال: فمن أقر له يومئذ جاءت ألفته هيهنا، و من أنكره يومئذ جاء خلافه هيهنا.

و قال ابن الأثير في النهاية: فيه الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف" مجندة" أي مجموعة كما يقال ألوف مؤلفة و قناطير مقنطرة، و معناه الإخبار عن مبدء كون الأرواح و تقدمها على الأجساد أي أنها خلقت أول خلقها على قسمين، من ائتلاف و اختلاف كالجنود المجموعة إذا تقابلت و تواجهت، و معنى تقابل الأرواح ما جعلها الله عليه من السعادة و الشقاوة و الأخلاق في مبدء الخلق، يقول: إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف و تختلف على حسب ما خلقت عليه، و لهذا ترى الخير يحب الأخيار و يميل إليهم، و الشرير يحب الأشرار و يميل إليهم، انتهى.

و قال الخطابي: خلقت قبلها تلتقي فلما التبست بالأبدان تعارفت بالذكر الأول، انتهى. و أقول: استدل بهذا الحديث على أمرين" الأول" خلق الأرواح قبل الأبدان و قد اختلف المتكلمون و المحدثون من العامة و الخاصة في ذلك فذهب أكثر المتكلمين إلى أن الأرواح بعد تمام خلقة البدن، قال شارح المقاصد: النفوس الإنسانية سواء جعلناها مجردة أو مادية حادثة عندنا لكونها أثر القادر المختار، و إنما الكلام في أن حدوثها قبل البدن لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 23

أو بعده لقوله تعالى بعد ذكر أطوار البدن:" ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ" إشارة إلى إفاضة النفس، و لا دلالة في الحديث مع كونه خبر واحد على أن المراد بالأرواح النفوس البشرية أو الجوهرية العلوية و لا في الآية على أن المراد إحداث النفس أو إحداث تعلقها بالبدن، و أما الفلاسفة فمنهم من جعلها قديمة و ذهب أرسطو و شيعته إلى أنها حادثة، ثم ذكر دلائل الطرفين و اعترض عليها بوجوه.

و أما أصحابنا رضوان الله عليهم فظاهر أكثر المحدثين أنهم قالوا بظواهر تلك الأخبار، قال الصدوق رضي الله عنه في رسالة الاعتقادات: اعتقادنا في النفوس أنها الأرواح التي بها الحياة و أنها الخلق الأول، لقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: أول ما أبدع الله سبحانه هي النفوس المقدسة المطهرة فأنطقها بتوحيده، ثم خلق بعد ذلك سائر خلقه، و اعتقادنا فيها أنها خلقت للبقاء و لم تخلق للفناء، و ساق الكلام إلى قوله:

و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف، و قال الصادق عليه السلام: إن الله تعالى آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام، فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة، و لم يورث الأخ من الولادة.

و أما المتكلمون منا فأكثرهم قالوا بحدوثها بعد تصوير البدن في الرحم و أولوا هذه الأخبار بتأويلات بعيدة، قال الشيخ المفيد (ره) في أجوبة المسائل السروية:

فأما الخبر بأن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد، و قد روته العامة كما روته الخاصة، و ليس هو مع ذلك مما يقطع على الله بصحته، و إن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد، و اخترع الأجساد و اخترع لها الأرواح، فالخلق للأرواح قبل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 24

الأجساد خلق تقدير في العلم كما قدمناه، و ليس بخلق لذواتها كما وصفناه، و الخلق لها بالإحداث و الاختراع بعد خلق الأجسام و الصور التي تدبرها الأرواح، و لو لا أن ذلك كذلك لكانت الأرواح تقوم بأنفسها، و لا تحتاج إلى آلة تعتملها و لكنا نعرف ما سلف لنا من الأحوال قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد، و هذا محال لا خفاء بفساده، و أما الحديث بأن الأرواح جنود مجندة فالمعنى فيه أن الأرواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس و تتخاذل بالعوارض فما تعارف منها باتفاق الرأي و الهوى ائتلف، و ما تناكر منها بمباينة في الرأي و الهوى اختلف، و هذا موجود حسا و مشاهد و ليس المراد بذلك أن ما تعارف منها في الذر ائتلف كما تذهب إليه الحشوية كما بيناه من أنه لا علم للإنسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذا العالم، و لو ذكر بكل شي‏ء مما ذكر ذلك، فوضح بما ذكرناه أن المراد بالخبر ما شرحناه و الله الموفق للصواب، انتهى.

و قال الراوندي (ره) في كتاب ضوء الشهاب: في شرح قوله صلى الله عليه و آله و سلم: الأرواح جنود مجندة قال بعض من تكلم في هذا الحديث: أنه على حذف المضاف، و التقدير ذوا الأرواح، و هذا قريب المأخذ، و عند جماعة من محققي أصحاب الأصول أنه يجوز عقلا أن يكون الله تعالى إذا استشهد الشهيد أو توفي النبي صلى الله عليه و آله و سلم أو الصالح من بني آدم ينتزع من جسده أجزاء بقدر ما تحل الحياة التي كانت الجملة بها حية، فيردها إلى تلك الأجزاء فتصير حيا و إن كان جثته صغيرة، فيرفعه إلى حيث شاء فإنه لا اعتبار في الحي بالجثة، و ظاهر الكتاب يشهد بصحة ذلك و كذا الحديث، و هذا الحديث أيضا مما يعضده، فعلى هذا تتعارف هذه الأجساد اللطيفة بعد موت صاحبها كما كانت في دار الدنيا، يعرف بعضها بعضا، و تتباشر فتأتلف و بالعكس، انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 25

و أقول: قيام الأرواح بأنفسها أو تعلقها بالأجساد المثالية ثم تعلقها بالأجساد العنصرية مما لا دليل على امتناعه، و أما عدم تذكر الأحوال السابقة فلعله لتقلبها في الأطوار المختلفة أو لعدم القوي البدنية أو كون تلك القوي قائمة بما فارقته من الأجساد المثالية، أو لا ذهاب الله تعالى عنها تذكر هذه الأمور لنوع من المصلحة، كما ورد أن التذكر و النسيان منه تعالى، مع أن الإنسان لا يتذكر كثيرا من أحوال الطفولية و الولادة، و التأويلات المذكورة يأبى عنها صريح كثير من الأخبار التي مر بعضها.

الثاني: أن الأرواح الإنسانية مختلفة في الحقيقة، قال العلامة نور الله مرقده في شرح التجريد: ذهب الأكثر إلى أن النفوس البشرية متحدة في النوع متكثرة بالشخص، و هو مذهب أرسطو، و ذهب جماعة من القدماء إلى أنها مختلفة بالنوع.

و قال شارح المقاصد: ذهب جمع من قدماء الفلاسفة إلى أن النفوس الحيوانية و الإنسانية متماثلة متحدة المهية، و اختلاف الأحوال و الإدراكات عائد إلى اختلاف الآلات، و هذا لازم على القائلين بأنها أجسام و الأجسام متماثلة إذ لا تختلف إلا بالعوارض، و أما القائلون بأن النفوس الإنسانية مجردة فذهب الجمهور منهم إلى أنها متحدة المهية و إنما تختلف في الصفات و الملكات، و اختلاف الأمزجة و الأدوات، و ذهب بعضهم إلى أنها مختلفة بالمهية بمعنى أنها جنس تحته أنواع مختلفة، تحت كل نوع منها أفراد متحدة المهية متناسبة الأحوال بحسب ما يقتضيه الروح العلوي المسمى بالطباع التام لذلك النوع، و يشبه أن يكون قوله عليه السلام:

الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: الأرواح جنود مجندة" الحديث"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 26

إشارة إلى هذا، و ذكر الإمام في المطالب العالية أن هذا المذهب هو المختار عندنا، و أما بمعنى أن يكون كل فرد منها مخالفا بالمهية لسائر الأفراد حتى لا يشترك منهم اثنان في الحقيقة، فلم يقل به قائل تصريحا، كذا ذكره أبو البركات في المعتبر، انتهى.

و أقول: دلالة الحديث على هذا المدعى ضعيفة و أصل المدعى ليس مما في تحقيقه طائل.

الثاني: ما قيل: أن المعنى أنكم لم تتواخوا على التشيع إذ لو كان كذلك لجرت بينكم جميعا المؤاخاة و أداء الحقوق، و ليس كذلك بل إنما أنتم متعارفون على التشيع، يعرف بعضكم بعضا عليه من دون مؤاخاة، و على هذا يجوز أن يكون الحديث واردا مورد الإنكار و أن يكون واقعا موقع الأخبار، أو المعنى أن مجرد القول بالتشيع لا يوجب التآخي بينكم، و إنما يوجب التعارف بينكم، و أما التآخي فإنه يوجبه أمور أخر غير ذلك لا يجب بدونها.

الثالث: أن المعنى أنه لم تكن مؤاخاتكم بعد حدوث هذا المذهب و اتصافكم به، و لكن كانت في حال الولادة و قبلها و بعدها، فإن المؤاخاة بسبب اتحاد منشإ الطين و الأرواح كما مر، و هذا يرجع إلى الوجه الأول أو قريب منه.

 (الحديث الثاني)

 (1): موثق و قد مر مضمونه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 27

باب حق المؤمن على أخيه و أداء حقه‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف.

" أن يشبع جوعته"

 (3) إسناد الشبع إلى الجوعة مجاز، يقال: أشبعته أي أطعمته حتى شبع، و في المصباح جاع الرجل جوعا، و الاسم الجوع بالفتح‏

" و يواري"

 (4) أي يستر

" عورته"

 (5) و هي كلما يستحيي منه إذا ظهر و ما يجب ستره من الرجل القبل و الدبر، و من المرأة جميع الجسد إلا ما استثني، و الأمة كالحرة إلا في الرأس، و الظاهر أن المراد هنا أعم من ذلك بل المراد إلباسه باللباس المتعارف، بما هو عادة أمثاله و فسر في بعض الروايات قوله صلى الله عليه و آله و سلم: عورة المؤمن على المؤمن حرام أن المراد بها عيوبه، و يحتمل هنا ذلك لكنه بعيد، و

الكربة

 (6) بالضم اسم من كربة الأمر فهو مكروب أي أهمه و أحزنه، و

قضاء الدين‏

 (7) أعم من أن يكون في حال الحياة أو بعد الموت.

قوله عليه السلام: خلقه‏

 (8) كنصره أي كان عوضه و خليفته في قضاء حوائج أهله و ولده و رعايتهم، قال في النهاية: خلفت الرجل في أهله إذا قمت بعده فيهم، و قمت عنه بما كان يفعله، و في الدعاء للميت: أخلفه في عقبه أي كن لهم بعده.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 28

 (الحديث الثاني)

 (1): مجهول.

و الضمير في‏

عنه‏

 (2) راجع إلى أحمد

" واجبات"

 (3) بالجر صفة للحقوق، و قيل: أو بالرفع خبر للسبع، و يمكن حمل الوجوب على الأعم من المعنى المصطلح و الاستحباب المؤكد إذ لا أظن أحدا قال بوجوب أكثر ما ذكر

" من ولاية الله"

 (4) أي محبته سبحانه أو نصرته، و الإضافة إما إلى الفاعل أو المفعول، و في النهاية: الولاية بالفتح في النسب و النصرة و المعتق، و الولاية بالكسر في الإمارة و الولاء في المعتق، و الموالاة من والى القوم، و في القاموس الولي القرب و الدنو و الولي الاسم منه و المحب و الصديق و النصير، و ولي الشي‏ء و عليه ولاية و ولاية، أو هي المصدر، و بالكسر الحظة و الإمارة و السلطان، و تولاه اتخذه وليا و الأمر تقلده و أنه لبين الولاءة و الولية و التولي و الولاء و الولاية و تكسر، و القوم على ولاية واحدة و تكسر أي يد، انتهى.

قوله: و لم يكن لله فيه من نصيب‏

 (5)، أي لا يصل شي‏ء من أعماله إلى الله و لا يقبلها، أو ليس هو من السعداء الذين هم حزب الله بل هو من الأشقياء الذين هم حزب الشيطان، و حمل جميع ذلك على المبالغة، و أنه ليس من خلص أولياء الله.

ثم الظاهر أن هذه الحقوق بالنسبة إلى المؤمنين الكاملين أو الأخ الذي و أخاه في الله و إلا فرعاية جميع ذلك بالنسبة إلى جميع الشيعة حرج عظيم بل ممتنع، إلا أن يقال أن ذلك مقيد بالإمكان بل السهولة، بحيث لا يضر بحاله، و بالجملة هذا أمر عظيم يشكل الإتيان به و الإطاعة فيه إلا بتأييده سبحانه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 29

قوله عليه السلام: إني عليك شفيق‏

 (1)، أي خائف أي إن لا تعمل أو متعطف محب من أشفقت على الصغير أي حنوت و عطفت، و لذا لا أذكرها لك لأني أخاف أن تضيع و لا تعتني بشأنه و لا تحفظه و تنساه، أو لا ترويه أو لا تعمل به، فالفقرة الآتية مؤكدة.

و على التقادير يدل على أن الجاهل معذور، و لا ريب فيه إن لم يكن له طريق إلى العلم، لكن يشكل توجيه عدم ذكره عليه السلام ذلك و إبطائه فيه للخوف من عدم عمله به، و تجويز مثل ذلك مشكل و إن ورد مثله في بيان وجوب الغسل على النساء في احتلامهن، حيث ورد النهي عن تعليمهن هذا الحكم لئلا يتخذنه علة مع أن ظاهر أكثر الآيات و الأخبار وجوب التعليم و الهداية و إرشاد الضال لا سيما بالنسبة إليهم عليهم السلام، مع عدم خوف و تقية، كما هو ظاهر هذا المقام، و قد قال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى‏ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" و أمثالها كثيرة.

و يمكن الجواب عنه بوجهين" الأول" أن الظاهر أن غرضه عليه السلام من هذا الامتناع لم يكن ترك ذكره و الإعراض عنه، بل كان الغرض تشويق المخاطب إلى استماعه و تفخيم الأمر عليه، و أنه أمر شديد أخاف أن لا تعمل به، فتستحق العقاب و لم يصرح عليه السلام بأني لا أذكره لك لذلك، و لا أنك مع عدم العلم معذور، بل إنما أكد الأمر الذي أراد بقائه عليه بتأكيدات لتكون ادعى له على العمل به، كما إذا أراد الأمير أن يأخذ بعض عبيده و خدمه بأمر صعب فيقول قبل أن يأمره به:

أريد أن أولئك أمرا صعبا عظيما و أخاف أن لا تعمل به لصعوبته، و ليس غرضه الامتناع عن الذكر بل التأكيد في الفعل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 30

و الثاني أن يكون هذا مؤيدا لاستحباب هذه الأمور، و وجوب بيان المستحبات لجميع الناس لا سيما لمن يخاف عليه عدم العمل به غير معلوم، خصوصا إذا ذكره عليه السلام لبعض الناس، بحيث يكفي لشيوع الحكم و روايته و عدم صيرورته متروكا بين الناس، بل يمكن أن يكون عدم ذكره إذا خيف استهانته بالحكم و استخفافه به أفضل و أصلح بالنسبة إلى السامع، إذ ترك المستحب مع عدم العلم به أولى بالنسبة إليه من استماعه و عدم الاعتناء بشأنه.

و كلا الوجهين الذين خطرا بالبال حسن، و لعل الأول أظهر و أحسن و أمتن.

و قوله: لا قوة إلا بالله‏

 (1)، إظهار للعجز عن الإتيان بطاعة الله كما يستحقه، و طلب للتوفيق منه تعالى ضمنا

" أن تجتنب سخطه"

 (2) أي في غير ما يسخط الله‏

" و تتبع مرضاته"

 (3) مصدر أي رضاه فيما لم يكن موجبا لسخط الله، و كذا

إطاعة الأمر

 (4) مقيد بذلك، و كان عدم التقييد في تلك الفقرات يؤيد كون المراد بالأخ الصالح الذي يؤمن من ارتكاب غير ما يرضى الله غالبا

" بنفسك"

 (5) بأن تسعى في حوائجه بنفسك‏

" و بمالك"

 (6) بالمواساة و الإيثار و الإنفاق و قضاء الدين و نحو ذلك قبل السؤال و بعده، و الأول أفضل‏

" و لسانك"

 (7) بأن تعينه بالشفاعة عند الناس و عند الله و الدعاء له، و دفع الغيبة عنه، و ذكر محاسنه في المجالس، و إرشاده إلى مصالحه الدينية و الدنيوية، و هدايته و تعليمه‏

" و يدك و رجلك"

 (8) باستعمالهما في جلب كل خير و دفع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 31

كل شر يتوقفان عليهما، و جملة: و

يجوع‏

 (1)، و

يظمأ

 (2)، و

يعرى‏

 (3)، حالية.

و في المصباح:

خدمه‏

 (4) يخدمه فهو خادم غلاما كان أو جارية و الخادمة بالهاء في المؤنث قليل، و في القاموس:

مهده‏

 (5) كمنعه بسطة كمهده‏

" و أن تبر قسمه"

 (6) من باب الأفعال، و بر اليمين من باب علم و ضرب صدق، و إبرار القسم العمل بما ناشده عليه أو تصديقه فيما أقسم عليه، كما في الحديث لو أقسم على الله لأبره فقيل: أي لو أقسم على وقوع أمر أوقعه الله إكراما له، و قيل: لو دعا الله على البت لإجابة، و في النهاية بر قسمه و إبرة أي صدقه، و منه الحديث أمرنا بسبع منها إبرار المقسم.

و قال الجوهري: بررت والدي بالكسر أبره برا، و فلان يبر خالقه أي يطيعه، و بر فلان في يمينه صدق، و في القاموس: البر الصلة و ضد العقوق، بررته أبره كعلمته و ضربته، و الصدق في اليمين، و قد بررت و بررت، و برت اليمين تبر و تبر كيمل و يحل برا و برا و برورا، و أبرها أمضاها على الصدق، انتهى.

و المشهور بين الأصحاب استحباب العمل بما أقسمه عليه غيره إذا كان مباحا استحبابا مؤكدا، و لا كفارة بالمخالفة على أحدهما، و في مرسلة ابن سنان عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: إذا أقسم الرجل على أخيه فلم يبر قسمه فعلى المقسم كفارة يمين، و هو قول لبعض العامة و حملها الشيخ على الاستحباب، و قيل: المراد بإبرار القسم أن يعمل بما وعد الأخ لغيره من قبله بأن يقضي حاجته فيفي بذلك، و لا يخفى ما فيه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 32

قوله عليه السلام: وصلت ولايتك بولايته‏

 (1)، أي محبته لك بمحبتك له و بالعكس، أي صارت المحبة ثابتة مستقرة بينك و بينه و صرت سببا لذلك أو عملت بمقتضى ولايتك له و ولايته لك عملا بقوله تعالى:" الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ" كما يقال وصل الرحم و قطعها، و يحتمل أن يكون المراد بولايتهما موالاتهما للأئمة عليهم السلام، أي أحكمت الأخوة الحاصلة بينكما من جهة الولاية، و في الخصال وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولاية الله عز و جل.

 (الحديث الثالث)

 (2): مجهول أيضا.

و ضمير

عنه‏

 (3) راجع إلى محمد بن يحيى و هذا التشويش من المصنف غريب.

قوله: فلم تجبني‏

 (4) يدل على جواز تأخير البيان عن وقت السؤال لمصلحة كالمصلحة التي ذكرناها في الوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرناهما في الحديث الأول، على أنه يمكن أن يقال لما كان السؤال من أهل الكوفة و كان وصول السؤال إليهم بعد ذهاب الرسول، فليس فيه تأخير البيان عن وقت السؤال أيضا.

قوله عليه السلام: أن تكفروا

 (5)، قيل: أي تخالفوا بعد العلم و هو أحد معاني الكفر، و أقول: لعل المراد به أن تشكوا في الحكم أو فينا لعظمته و صعوبته، أو تستخفوا به و هو مظنة الكفر، أو موجب لصدقه بأحد معانيه، فهو مؤيد للوجه الثاني من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 33

الوجهين السابقين، و أما تتمة الخبر فقد مر مثلها بأسانيد في باب الإنصاف و العدل، و ذكر الله تعالى و إن لم يكن من حقوق المؤمن، لكن ذكره استطرادا فإنه لما ذكر حقين من حقوق المؤمن و كان حق الله أعظم الحقوق ذكر حقا من حقوقه تعالى، و يمكن أن يكون إيماء إلى أن حق المؤمن من حقوقه تعالى أيضا مع أن ذكر الله على كل حال مؤيد لأداء حقوق المؤمن أيضا.

 (الحديث الرابع)

 (1): صحيح.

و كان أداء حق‏

 (2) الأئمة عليهم السلام داخل في أداء حقوق المؤمنين، فإنهم أفضلهم و أكملهم بل هم المؤمنون حقا.

 (الحديث الخامس)

 (3): حسن كالصحيح.

و الضمائر في‏

يشبع‏

 (4) و

أخوه‏

 (5) و نظائرهما راجعة إلى المسلم في قوله على المسلم، و أخوه عبارة عن المسلم‏

" و إذا احتجت فسله"

 (6) يدل على عدم مرجوحية السؤال عن الأخ المؤمن، و يشمل القرض و الهبة و نحوهما

" و لا تمله خيرا"

 (7) هي من باب علم، و الضمير المنصوب للأخ، و خيرا تميز عن النسبة في لا تمله و لا يمله المستتر فيه للأخ،

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 34

و البارز للخير، و يحتمل النفي و النهي، و الأول أوفق‏

بقوله عليه السلام: فإنه لك ظهر

 (1)، و لو كان نهيا كان الأنسب و ليكن لك ظهرا، و يؤيده أن في مجالس الشيخ لا تمله خيرا فإنه لا يملك و كن له عضدا فإنه لك عضد، و قد يقرأ الثاني من باب الأفعال بأن يكون المستتر راجعا إلى الخير، و البارز إلى الأخ أي لا يورث الخير إياه ملالا لأجلك.

و قيل: هما من الإملاء بمعنى التأخير أي لا تؤخره خيرا، و لا يخفى ما فيه و الأول أصوب، قال في القاموس: مللته و منه بالكسر مللا و ملة و ملالة و ملالا سئمته كاستمللته، و أملني و أمل علي أبرمني، و الظهر و الظهير المعين قال الراغب:.

الظهر يستعار لمن يتقوى منه" وَ ما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ" أي معين.

" إذا غاب"

 (2) بالسفر أو الأعم‏

" فاحفظه"

 (3) في ماله و أهله و عرضه‏

" فإنه منك و أنت منه"

 (4) أي خلقتما من طينة واحدة كما مر أو مبالغة في الموافقة في السيرة و المذهب و المشرب كما قيل في قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: علي مني و أنا من علي، و في النهاية فيه: من غشنا فليس منا، أي ليس على سيرتنا و مذهبنا، و التمسك بسنتنا كما يقول الرجل: أنا منك و إليك، يريد المتابعة و المرافقة، و في الصحاح‏

عتب عليه‏

 (5) أي وجد عليه" حتى تسل سخيمته" أي تستخرج حقده و غضبه برفق و لطف تدبير، قال الفيروزآبادي: السل انتزاعك الشي‏ء و إخراجه في رفق كالاستلال، و قال: السخيمة: الحقد.

و في بعض النسخ:

حتى تسأل سميحته‏

 (6)، أي حتى تطلب منه السماحة و الكرم و العفو، و لم أر مصدره على وزن فعيلة إلا أن يقرأ على بناء التصغير، فيكون‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 35

مصغر السمح أو السماحة، و الظاهر أنه تصحيف للنسخة الأولى، فإنها موافقة لما في مجالس الصدوق و مجالس الشيخ و كتاب الحسين بن سعيد و غيرهما، و في مجالس الصدوق سخيمته و ما في نفسه، و في القاموس: عضده كنصره أعانه و نصره.

" و إذا تمحل له فأعنه"

 (1) أي إذا كاده إنسان و احتال لضرره فأعنه على دفعه عنه، أو إذا احتال له رجل فلا تكله إليه و أعنه أيضا، و قرأ بعضهم يمحل بالياء على بناء المجرد المجهول بالمعنى الأول و هو أوفق باللغة، لكن لا تساعده النسخ، و في القاموس: المحل المكر و الكيد، و تمحل له احتال، و حقه تكلفه له، و المحال ككتاب الكيد، و روم الأمر بالحيل و التدبير و المكر و العداوة و المعاداة و الإهلاك، و محل به مثلثة الحاء محلا و محالا كاده بسعاية إلى السلطان، انتهى.

و قيل: أي إن احتال لدفع البلاء عن نفسه بحيلة نافعة فأعنه في إمضائه، و لا يخفى بعده، و في مجالس الصدوق و إن ابتلي فاعضده و تمحل له، و روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله فرض التمحل في القرآن، قلت: و ما التمحل جعلت فداك؟ قال: أن يكون وجهك أعرض عن وجه أخيك فتمحل له و هو قوله:" لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ" الآية.

و في كتاب المؤمن للحسين بن سعيد فيما نقله عنه بعض أصحابنا: و إن ابتلي فأعطه و تحمل عنه و أعنه.

" انقطع ما بينهما من الولاية"

 (2) أي المحبة التي أمروا بها

" كفر أحدهما"

 (3) لأنه إن صدق فقد خرج المخاطب عن الإيمان بعداوته لأخيه، و إن كذب فقد خرج القائل عنه بافترائه على أخيه، و هذا أحد معاني الكفر المقابل للإيمان الكامل كما مر شرحه و سيأتي إن شاء الله.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 36

قال في النهاية: فيه من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما لأنه إما أن يصدق عليه أو يكذب، فإن صدق فهو كافر و إن كذب عاد الكفر إليه بتكفيره أخاه المسلم، و الكفر صنفان أحدهما الكفر بأصل الإيمان و هو ضده و الآخر الكفر بفرع من فروع الإسلام، فلا يخرج به عن أصل الإيمان، و قيل: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلا و لا يعترف به، و كفر جحود ككفر إبليس يعرف الله بقلبه و لا يقر بلسانه، و كفر عناد و هو أن يعرف بقلبه و يعترف بلسانه و لا يدين به حسدا و بغيا ككفر أبي جهل و أضرابه، و كفر نفاق و هو أن يقر بلسانه و لا يعتقد بقلبه، قال الهروي: سئل الأزهري عمن يقول بخلق القرآن أ تسميه كافرا؟ فقال:

الذي يقوله كفر، فأعيد عليه السؤال ثلاثا و يقول مثل ما قال، ثم قال في الآخر: قد يقول المسلم كفرا، و منه حديث ابن عباس قيل له:" وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ" قال: هم كفرة و ليسوا كمن كفر بالله و اليوم الآخر، و منه الحديث الآخر: أن الأوس و الخزرج ذكروا ما كان منهم في الجاهلية فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف، فأنزل الله تعالى:" وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ" و لم يكن ذلك على الكفر بالله و لكن على تغطيتهم ما كانوا عليه من الألفة و المودة، و منه حديث ابن مسعود: إذا قال الرجل للرجل أنت لي عدو فقد كفر أحدهما بالإسلام أراد كفر نعمته لأن الله ألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا، فمن لم يعرفها فقد كفرها و منه الحديث: من ترك قتل الحيات خشية النار فقد كفر، أي كفر النعمة، و منه الحديث: فرأيت أكثر أهلها النساء لكفرهن، قيل: أ يكفرن بالله؟ قال: لا و لكن يكفرن الإحسان، و يكفرن العشير،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 37

أي يجحدن إحسان أزواجهن، و الحديث الآخر: سباب المسلم فسوق و قتاله كفر، و من رغب عن أبيه فقد كفر، و من ترك الرمي فنعمة كفرها، و أحاديث من هذا النوع كثيرة، و أصل الكفر تغطية الشي‏ء تستهلكه.

و قال: مثت‏

 (1) الشي‏ء أميثه و أموثه فانماث إذا دفته في الماء، و منه حديث علي عليه السلام: اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء.

" و قال"

 (2) أي اليماني أو علي بن إبراهيم و غيره من أصحاب الكتب، و في القاموس:

زهر

 (3) السراج و القمر و الوجه كمنع زهورا تلألأ و النار أضاءت‏

" ولي الله"

 (4) أي محبة أو محبوبة أو ناصر دينه، قال في المصباح: الولي فعيل بمعنى فاعل من وليه إذ أقام به، و منه" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا" و يكون الولي بمعنى مفعول في حق المطيع، فيقال: المؤمن ولي الله، انتهى.

قوله: يعينه‏

 (5)، أي الله يعين المؤمن‏

" و يصنع له"

 (6) أي يكفي مهماته‏

" و لا يقول"

 (7) أي المؤمن‏

" عليه"

 (8) أي على الله‏

" إلا الحق"

 (9) أي إلا ما علم أنه حق‏

" و لا يخاف غيره"

 (10) و فيه تفكيك بعض الضمائر، أو المعنى يعين المؤمن دين الله و أولياءه، و يصنع له أي من أعماله خالصة لله، قال في القاموس: صنع إليه معروفا كمنع صنعا بالضم، و ما أحسن صنع الله بالضم و صنيع الله عندك.

 (الحديث السادس)

 (11): موثق بسنديه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 38

" أن يسلم عليه"

 (1) أي ابتداء

" و ينصح له إذا غاب"

 (2) أي يكون خالصا له طالبا لخيره دافعا عنه الغيبة و سائر الشرور، و في المصباح التسميت ذكر الله على الشي‏ء

و تسميت العاطس‏

 (3) الدعاء له، و الشين المعجمة مثله، و قال في التهذيب: سمته بالسين و الشين إذا دعا له، و قال أبو عبيد: الشين المعجمة أعلى و أفشى، و قال ثعلب:

المهملة هي الأصل أخذا من السمت و هو القصد و الهدى و الاستقامة، و كل داع بخير فهو مسمت أي داع بالعود و البقاء إلى سمته، و قال في النهاية: التسميت الدعاء و منه الحديث في تسميت العاطس لمن رواه بالسين المهملة، و قيل: اشتقاقه من السمت و هو الهيئة الحسنة أي جعلك الله على سمت حسن، لأن هيئته تنزعج للعطاس، و قال أيضا: التشميت بالشين و السين الدعاء بالخير و البركة و المعجمة أعلاهما، يقال: شمت فلانا و شمت عليه تشميتا فهو شمت و اشتقاقه من الشوامت و هي القوائم كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى، و قيل: معناه أبعدك الله عن الشماتة و جنبك ما يشمت به عليك، انتهى.

" و يجيبه إذا دعاه"

 (4) أي يقبل دعوته إذا دعاه للضيافة أو الأعم كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لو دعيت إلى كراع لأجبت، أو يلبيه إذا ناداه‏

" و يتبعه"

 (5) أي جنازته" إذا مات".

 (الحديث السابع)

 (6): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 39

" و الخلف له"

 (1) بالتحريك بمعنى الخلافة و هذا الوزن في مصادر الثلاثي المجرد المتعدي قياسي إذا كان ماضيه مفتوح العين، أي يكون خليفته و قائما مقامه في أهل بيته و رعايتهم و تفقدهم و الإنفاق عليهم و قضاء حوائجهم إذا غاب أو مات‏

" و إذا كان نافلة"

 (2) أي عطية من بيت المال و الزكوات و غيرهما، قال الجوهري:

النفل و النافلة عطية التطوع من حيث لا يجب، و الباء في‏

قوله: بنصيبه‏

 (3) زائدة للتقوية، و

الزيادة

 (4) معطوف على المودة، و الجملة الشرطية متوسطة بين حرف العطف و المعطوف كما قيل‏

" و أن لا يغشه"

 (5) في مودته أو في المعاملة معه، قال في القاموس:

غشه لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر، و الغش بالكسر الاسم منه‏

" و أن لا يخونه"

 (6) في ماله و عرضه‏

" و أن لا يخذله"

 (7) بترك نصرته‏

" و أن لا يكذبه"

 (8) بالتشديد، و التخفيف بعيد.

 (الحديث الثامن)

 (9): مجهول.

و صاحب الكلل‏

 (10) أي كان يبيعها، و الكلل جمع كلة بالكسر فيهما، و في‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 40

القاموس الكلة بالكسر الستر الرقيق، و غشاء رقيق يتوقى به من البعوض، و صوفة حمراء في رأس الهودج‏

" على مثل ما أنت عليه"

 (1) أي من التشيع، و يدل على جواز قطع طواف الفريضة لقضاء حاجة المؤمن كما ذكره الأصحاب، و سيأتي مع أحكامه في كتاب الحج إنشاء الله تعالى.

و قد مضى أن ممانعته و مدافعته عليه السلام عن بيان الحقوق للتأكيد و تفخيم الأمر عليه حثا على أدائها و عدم مساهلته فيها، و كان الراوي كان علم ذلك فكان لا يمتنع من نهيه عليه السلام عن السؤال مع جلالته و إذعانه بوجوب إطاعته، و الشطر:

النصف‏

" فرأى"

 (2) أي في بشرتي أثر

" ما دخلني"

 (3) من الخوف من عدم العمل به أو من التعجب، فأزال عليه السلام تعجبه بأن قوما من الأنصار في زمن الرسول صلى الله عليه و آله كانوا يؤثرون على أنفسهم إخوانهم فيما يحتاجون إليه غاية الاحتياج، فمدحهم الله تعالى في القرآن بقوله:" وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ" قيل: يقدمون المهاجرين على أنفسهم حتى أن من كان عنده امرأتان نزل عن واحدة و زوجها من أحدهم، و الخصاصة الحاجة فكيف تستبعد المشاطرة.

و فسر عليه السلام‏

الإيثار

 (4) بأن يعطيه من النصف الآخر فإنه زائد عن الحق اللازم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 41

للمؤمن فهو حقه و يؤثر أخاه به و كأنه عليه السلام ذكر أقل مراتب الإيثار أو هو مقيد بما إذا كان محتاجا إلى جميع ذلك النصف، أو فسر عليه السلام الإيثار مطلقا و إن كان مورد الآية أخص من ذلك للتقييد بالخصاصة.

و اعلم أن الآيات و الأخبار في قدر البذل و ما يحسن منه متعارضة، فبعضها تدل على فضل الإيثار كهذه الآية، و بعضها على فضل الاقتصاد كقوله سبحانه:" وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‏ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً" و كقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، و قد يقال: أنها تختلف باختلاف الأشخاص و الأحوال، فمن قوي توكله على الله و كان قادرا على الصبر على الفقر و الشدة فالإيثار أولى بالنسبة إليه، و من لم يكن كذلك كأكثر الخلق فالاقتصاد بالنسبة إليه أفضل، و ورد في بعض الأخبار أن الإيثار كان في صدر الإسلام و كثرة الفقراء و ضيق الأمر على المسلمين، ثم نسخ ذلك بالآيات الدالة على الاقتصاد، و هذا لا ينافي هذا الخبر لأنه يكفي لرفع استبعاده كون الإيثار مطلوبا في وقت ما لكن المشاطرة أيضا ينافي الاقتصاد غالبا إلا، إذا حمل على ما إذا لم يضر بحاله.

و فيه إشكال آخر و هو أنه إذا شاطر مؤمنا واحدا و اكتفى بذلك فقد ضيع حقوق سائر الإخوان و إن شاطر البقية مؤمنا آخر و هكذا فلا يبقى له شي‏ء، إلا أن يحمل على المشاطرة مع جميع الإخوان، كما روي أن الحسن صلوات الله عليه قاسم ماله مع الفقراء مرارا، أو يخص ذلك بمؤمن واحد أخذه أخا في الله، كما واخى النبي صلى الله عليه و آله و سلم بين سلمان و أبي ذر رضي الله عنهما، و بين مقداد و عمار، و بين جماعة من الصحابة متشابهين في المراتب و الصفات، بل يمكن حمل كثير من أخبار هذا الباب على هذا القسم من الأخوة و إن كان بعضها بعيدا عن ذلك.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 42

 (الحديث التاسع)

 (1): صحيح.

" بين يدي الله"

 (2) أي قدام عرشه و عن يمين عرشه، أو كناية عن نهاية القرب و المنزلة عنده تعالى كما أن بعض المقربين عند الملك يكونون بين يدي الملك يخدمونه، و بعضهم عن يمينه، و يحتمل أن يكون الوصفان لجماعة واحدة عبر عنهم في بعض الأحيان بالوصفين، و في بعضها بأحدهما، و هم أصحاب اليمين، و يحتمل أن يكون الطائفتين كل منهما اتصفوا بالخصال الست في الجملة، لكن بعضهم اتصفوا بأعلى مراتبها فهم أصحاب اليمين، و بعضهم نقصوا عن تلك المرتبة فهم بين يديه كما أن من يخدم بين يدي الملك أنقص مرتبة و أدنى منزلة ممن جلس عن يمينه، فالواو في قوله:

و عن يمين الله، للتقسيم، و الأول أظهر لا سيما في الحديث النبوي.

" و مناصحة الولاية"

 (3) خلوص المحبة عن الغش و العمل بمقتضاها، و

قوله:

بتلك المنزلة

 (4) إشارة إلى المرتبة المركبة من الخصلتين الأوليين، أي إذا كانت منزلة أخيه عنده بحيث يحب له ما يحب لأعز أهله عليه و يكره له ما يكره لأعز أهله عليه بثه همه، أو إشارة إلى مناصحة الولاية أي إذا كان منه بحيث يناصحه الولاية بثه همه أي الأخ للمرء، و يحتمل العكس و قيل: إشارة إلى صلاحيته للأخوة و الولاية.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 43

و قوله عليه السلام إن هو فرح‏

 (1)، كأنه تأكيد أي إن كان فرحه فرحا واقعيا، و كذا

قوله إن هو حزن‏

 (2)، و قيل: إن فيهما بمعنى إذ لمحض الظرفية كما هو مذهب الكوفيين في مثل قوله تعالى:" لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ" أي ينبغي أن يكون فرحه في وقت فرح أخيه لا قبله و لا بعده، و كذا الحزن.

و قال الجوهري:

بث الخير

 (3) و أبثه بمعنى أي نشره، يقال: أبثثتك سري أي أظهرته لك، و قال:

الهم‏

 (4) الحزن، و أهمني الأمر إذا أقلقك و حزنك، قوله:

" ثلاث لكم"

 (5) أي هذه ثلاث و الظرف صفة للثلاث‏

و ثلاث‏

 (6) بعده مبتدأ و الظرف خبره و الثلاث الأول الحب و الكراهة و المناصحة، و قيل: الفرح و الحزن و التفريج، و لا يخفى بعده.

ثم بين عليه السلام الثلاث الذي لهم عليهم السلام‏

بقوله: أن تعرفوا فضلنا

 (7)، أي على سائر الخلق بالإمامة و العصمة و وجوب الطاعة، و نعمتنا عليكم بالهداية و التعليم و النجاة من النار و اللحوق بالأبرار

" و أن تطؤوا عقبنا"

 (8) أي تتابعونا في جميع الأقوال و الأفعال و لا تخالفونا في شي‏ء

" و أن تنتظروا عاقبتنا"

 (9) أي ظهور قائمنا و عود الدولة إلينا في الدنيا أو الأعم منها و من الآخرة كما قال تعالى:" وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ".

" فمن كان هكذا"

 (10) أي كانت فيه الخصال الست جميعا

" فيستضي‏ء بنورهم من هو أسفل منهم"

 (11) في الرتبة بالنور الظاهر لظلمة يوم القيامة، أو هو كناية عن انتفاعهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 44

بشفاعتهم و كرامتهم عند الله و ظاهر هذه الفقرات مغايرة الفريقين، و إن أمكن أن يكونا صنفا واحدا عبر عنهم تارة بأحد الوصفين و تارة بالآخر و تارة بهما، كما مر.

قوله: بين يدي الله‏

 (1)، يمكن أن يكون حالا عن العرش و يكون عن يمين الله عطفا على قوله عن يمين العرش، و المراد بهم الطائفة الذين هم عن يمين الله بناء على اختلاف الطائفتين، و اشتقاق أفعل التفضيل من الألوان في الأبيض نادر.

" من الشمس الضاحية"

 (2) أي المرتفعة في وقت الضحى فإنها في ذلك الوقت أضوء منها في سائر الأوقات أو البارزة التي لم يسترها غيم و لا غبار، في النهاية: و لنا الضاحية من البعل، أي الظاهرة البارزة التي لا حائل دونها، انتهى.

" الذين تحابوا"

 (3) بتشديد الباء من الحب أي أحب بعضهم بعضا لجلال الله و عظمته، لا للأغراض الدنيوية فكلمة في تعليلية أو للظرفية المجازية، و في بعض النسخ بالحاء المهملة، أي تحابوا ببذل المال الحلال الذي أعطاهم الله، و في روايات العامة بالجيم قال الطيبي: تحابا في الله هو عبارة عن خلوص المحبة في الله، أي لله في الحضور و الغيبة، و في الحديث: المتحابون بجلالي الباء للظرفية أي لأجلي و لوجهي لا للهوى، و قال النووي: أين المتحابون بجلالي أي بعظمتي و طاعتي لا للدنيا، و قرأ بعض الأفاضل بتخفيف الباء من الحبوة و التحابي أخذ العطاء أي أخذوا ثوابهم في مكان ستروا فيه بأنوار جلاله، و فيه ما فيه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 45

 (الحديث العاشر)

 (1): مجهول.

و في المصباح‏

زكا

 (2) الرجل يزكو إذا صلح، و زكيته بالتثقيل نسبة إلى الزكاء و هو الصلاح، و الرجل زكي و الجمع أزكياء، و

أطريت‏

 (3) فلانا مدحته بأحسن مما فيه، و قيل: بالغت في مدحه و جاوزت الحد

" كيف عيادة أغنيائهم"

 (4) المراد إما عيادة المرضى و التعدية

بعلى‏

 (5) لتضمين معنى العطوفة، أو من العائدة و المعروف لكن هذا المصدر فيه غير مأنوس، و في كثير من الأخبار: و أن يعود غنيهم على فقيرهم أو مطلق الزيارة، قال في النهاية فيه: فإنها امرأة تكثر عوادها أي زوارها، و كل من أتاك مرة بعد أخرى فهو عائد و إن اشتهر ذلك في عيادة المريض، حتى صار كأنه مختص به، انتهى.

و المراد

بالمشاهدة

 (6) إما الزيارة في غير المرض أو شهودهم لديهم و مجالستهم معهم‏

" في ذات أيديهم"

 (7) أي في أموالهم و كلمة في للسببية

" و تزعم"

 (8) بصيغة المضارع الغائب فهؤلاء في محل الرفع، أو بصيغة المخاطب فهؤلاء في محل النصب، و في بعض النسخ بالياء فتعين الأول.

 (الحديث الحادي عشر)

 (9): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 46

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): ضعيف على المشهور معتبر عندي.

و في القاموس:

جهمة

 (2) كمنعه و سمعه استقبله بوجه كريه كتجهمه و له.

 (الحديث الثالث عشر)

 (3): مجهول.

قوله عليه السلام: فلا شي‏ء إذا

 (4)، أي فلا شي‏ء من الإيمان في أيديهم إذا، أو ليس شي‏ء من آداب الإيمان بينهم إذا، و كان السائل حمله على المعنى الأول و لذا قال:

فالهلاك إذا

 (5)، أي فالعذاب الأخروي ثابت لهم إذا فاعتذر عليه السلام من قبل الشيعة أي أكثرهم بأنهم‏

" لم يعطوا أحلامهم بعد"

 (6) أي لم يكمل عقولهم بعد، و يختلف التكليف باختلاف مراتب العقول كما مر: إنما يداق الله العباد على قدر ما آتاهم من العقول.

أو لم يتعلموا الآداب من الأئمة عليهم السلام بعد فهم معذورون كما يشير إليه الأخبار السابقة و اللاحقة حيث لم يذكروا الحقوق أولا معتذرين بأنه يشكل عليكم العمل بها، فيومئ إلى أنهم معذورون في الجملة مع عدم العلم، و قيل: هو تأديب للسائل حيث لم يفرق بين ما هو من الآداب و مكملات الإيمان، و بانتفائه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 47

ينتفي كمال الإيمان، و بين ما هو من أركان الإيمان أو فرائضه، و بانتفائه ينتفي الإيمان، أو يحصل استحقاق العذاب و هو بعيد، و في القاموس الحلم بالكسر الأناة و العقل، و الجمع أحلام و حلوم و منه" أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ".

 (الحديث الرابع عشر)

 (1): ضعيف.

" أخشى أن لا تحتمل"

 (2) أي لا تعمل بها، أو لا تقبلها حق القبول كما مر، على أن هذه من الآداب التي يعذر السامع بالجهل بها، و القائل في ترك القول إذا علم عدم عمل السامع أو صيرورته سببا لنوع شك أو فتور في الإذعان، و هذا لترك ذكر بعضها، و إن أمكن أن يكون عليه السلام ذكرها له في وقت آخر، أو تكون البقية داخلة في السبعة إجمالا، و يكون المراد ترك ذكرها مفصلة كما يستنبط من بعض الأخبار المجملة كثير مما يذكر في الأخبار المفصلة، و أما بالنسبة إلى ما ذكر فيمكن أن تكون المضايقة للتوكيد و المبالغة في العمل كما عرفت، و يمكن استنباط السبعين من مجموع الأخبار الواردة في ذلك كما أوردتها في الكتاب الكبير.

من ذلك ما رواه الكراجكي (ره) في كنز الفوائد عن الحسين بن محمد الصيرفي عن محمد بن عمر الجعابي عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: للمسلم على أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بالأداء أو العفو، يغفر زلته، و يرحم عبرته، و يقبل معذرته، و يرد غيبته، و يديم نصيحته، و يحفظ خلته، و يرعى ذمته، و يعود مرضته، و يشهد ميتته، و يجيب دعوته، و يقبل هديته، و يكافئ صلته، و يشكر نعمته، و يحسن نصرته، و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 48

يحفظ حليلته، و يقضي حاجته، و يشفع مسألته، و يسمت عطسته، و يرشد ضالته و يرد سلامه، و يطيب كلامه، و يبر إنعامه، و يصدق أقسامه، و يوالي وليه. و لا يعاديه، و ينصره ظالما و مظلوما، فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه، و أما نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقه، و لا يسلمه و لا يخذله، و يحب له من الخير ما يحب لنفسه، و يكره له من الشر لنفسه.

ثم قال عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له و عليه.

قوله عليه السلام: و قميصه الذي يلبسه‏

 (1)، أي تكون محرم إسراره و مختصا به غاية الاختصاص، و هذه استعارة شايعة بين العرب و العجم، أو المعنى تكون ساتر عيوبه، و قيل: تدفع الأذى عنه كما يدفع القميص عنه الحر و البرد و هو بعيد.

" و لسانه"

 (2) أي تتكلم من قبله إذا عجز أو غاب إذا رضي بذلك، و

قوله تسعى‏

 (3) على صيغة الغيبة و الضمير للجارية فلا نزيد على السبع‏

" وصلت ولايتك"

 (4) أي لنا

" بولايتنا"

 (5) و محبتنا لك‏

" و ولايتنا"

 (6) لك‏

" بولاية الله"

 (7) لك أو ولايتك له بولايتنا لك أو بولايتك لنا أي ولايتك له من شروط ولايتنا و ولايتنا بولاية الله، فإن ولاية الله لا يتم إلا بولايتنا.

و الحاصل أنك إن فعلت ذلك فقد جمعت بين محبته و محبتنا و محبة الله عز و جل، و يحتمل أن يكون المراد بالولاية في جميع المراتب النصرة، و فيها احتمالات أخر تظهر بالتأمل فيما ذكرنا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 49

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): صحيح.

و التعاون على التعاطف‏

 (2)، أي معاونة بعضهم بعضا على التعاطف و عطف بعضهم على بعض، و في بعض النسخ التعاقد مكان التعاون أي التعاهد على ذلك‏

" كما أمركم الله"

 (3) أي في قوله سبحانه:" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ" إشارة إلى أن الآية أمر في المعنى بتلك الخصال، لكونها في مقام المدح المستلزم للأمر بها و إلى أن الأمر المستفاد منها غير مختص بالصحابة، و قيل:

إشارة إلى قوله تعالى:" وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ" و الأول أظهر.

و قوله: رحماء

 (4)، خبر تكونوا، و

متراحمين‏

 (5) تفسير له، أو خبر ثان‏

كقوله مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم‏

 (6)، أي لما عجزتم عن تداركه من أمر المسلمين، أو لما بعد عنكم و لم تصل إليه إعانتكم و إذا لم تطلعوا على أحوالهم تكونوا مغتمين لعدم الاطلاع،

و قوله: على ما مضى،

 (7) متعلق بجميع ما تقدم، لا بقوله مغتمين فقط كما قيل، و هذا يومئ إلى أن الآية في شأن الأنصار و مدحهم، و لم يذكره المفسرون، و يحتمل أن تكون هذه الصفات في الأنصار أكثر و إن كان في قليل من المهاجرين كأمير- المؤمنين و سلمان و أضرابه، ثم قال الطبرسي (ره): و قال الحسن بلغ من شدتهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثياب المشركين حتى لا تلتزق بثيابهم، و عن أبدانهم حتى لا تمس أبدانهم، و بلغ تراحمهم فيما بينهم أن كان لا يرى مؤمن مؤمنا

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 50

إلا صافحه و عانقه، انتهى.

و تكرار التعاطف للتأكيد أو الأول للتعاون أو التعاقد عليه و هذا لأصله.

 (الحديث السادس عشر)

 (1): ضعيف على المشهور.

و فيه إيماء إلى أنه إذا لم يعلمهم عند الذهاب لا يلزم عليهم إتيانه بعد الإياب و إن كان ضعيفا.

باب التراحم و التعاطف‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): صحيح.

و المراد

بأمرهم‏

 (4) إمامتهم و دلائلها و فضائلهم و صفاتهم أو الأعم منها و من رواية أخبارهم و نشر آثارهم و مذاكرة علومهم، و إحياؤها تعاهدها و نسخها و روايتها و حفظها عن الاندراس، و هذا أظهر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 51

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور، و قد ظهر مضمونه مما مر.

 (الحديث الثالث)

 (2): كالسابق.

يقال: عطف يعطف‏

 (3) أي مال و عليه أشفق كتعطف، و تعاطفوا عطف بعضهم على بعض.

 (الحديث الرابع)

 (4): صحيح.

و قد مر بعينه سندا و متنا في آخر الباب السابق إلا أن هاهنا

" بينهم"

 (5) موافقا للفظ الآية.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 52

باب زيارة الإخوان‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): موثق كالصحيح.

" لا لغيره"

 (3) كحسن صورة أو صوت أو مال أو رياء أو جاه و غير ذلك من الأغراض الدنيوية، و أما إذا كان لجهة دينية كحق تعليم أو هداية أو علم أو صلاح أو زهد.

أو عبادة فلا ينافي ذلك، و

قوله التماس‏

 (4)، مفعول لأجله، و

الموعد

 (5) مصدر أي طلب ما وعده الله، و

التنجز

 (6) طلب الوفاء بالوعد، و يدل على أن طلب الثواب الأخروي لا ينافي الإخلاص كما مر في بابه فإنه أيضا بأمر الله و المطلوب منه هو الله لا غيره، و الغاية قسمان قسم هو علة و مقدم في الخارج نحو قعدت عن الحرب جبنا، و قسم آخر هو متأخر في الخارج و مترتب على الفعل نحو ضربته تأديبا.

فقوله عليه السلام: لله‏

 (7) من قبيل الأول أي لا طاعة أمر الله، و قوله: التماس موعد الله من قبيل الثاني، فلا تنافي بينهما.

قوله: طبت و طابت لك الجنة،

 (8) أي طهرت من الذنوب و الأدناس الروحانية، و حلت لك الجنة و نعيمها، أو دعاء له بالطهارة من الذنوب و تيسر الجنة له سالما من الآفات و العقوبات المتقدمة عليها، قال في النهاية: قد يرد الطيب بمعنى الطاهر، و منه حديث علي عليه السلام- لما مات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم-: بأبي أنت و أمي طبت حيا و ميتا أي طهرت، انتهى.

و قال الطيبي في شرح المشكاة في قوله صلى الله عليه و آله و سلم: طبت و طاب ممشاك: أصل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 53

الطيب ما تستلذه الحواس و النفس، و الطيب من الإنسان من تزكى عن نجاسة الجهل و الفسق، و تحلى بالعلم و محاسن الأفعال، و طبت لها دعاء له بأن يطيب عيشه في الدنيا، و طاب ممشاك كناية عن سلوك طريق الآخرة بالتعري عن الرذائل أو خبر بذلك.

 (الحديث الثاني)

 (1): مجهول.

و يمكن عده حسنا لأن خيثمة في هذه المرتبة مردد بين ممدوح، و من قيل فيه أسند عنه، و كأنه أيضا مدح‏

" أن يعود غنيهم على فقيرهم"

 (2) أي ينفعهم قال في القاموس: العائدة المعروف و الصلة و المنفعة و هذا أعود أنفع، و في المصباح:

عاد بمعروفه أفضل و الاسم العائدة، و في القاموس:

لقيه‏

 (3) كرضيه لقاء و لقاءة و لقائه و لقيا و لقيا رآه‏

" حياة لأمرنا"

 (4) أي سبب لإحياء ديننا و علومنا و رواياتنا و القول بإمامتنا

" لا نغني عنهم من الله شيئا"

 (5) أي لا ننفعهم شيئا من الإغناء و النفع، أو لا ندفع عنهم من عذاب الله شيئا قال البيضاوي في قوله تعالى:" لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً" أي من رحمته أو طاعته على معنى البدلية أو من عذابه، و قال في قوله عز و جل:" وَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً" لا يدفع ما كسبوا من الأموال و الأولاد شيئا من عذاب الله، و في قوله سبحانه:" وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 54

مِنْ شَيْ‏ءٍ" أي مما قضى عليكم، و في قوله تعالى:" فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا" أي دافعون عنا من عذاب الله من شي‏ء، و في المغرب الغناء بالفتح و المد الإجزاء و الكفاية، يقال: أغنيت عنه إذا أجزأت عنه، و كفيت كفايته، و في الصحاح: أغنيت عنك مغنى فلان أي أجزأت عنك مجزأه، و يقال: ما يغني عنك هذا أي ما يجدي عنك و ما ينفعك.

قوله عليه السلام: وصف عدلا

 (1) أي أظهر مذهبا حقا و لم يعمل بمقتضاه كمن أظهر موالاة الأئمة عليهم السلام و لم يتابعهم، أو وصف عملا صالحا للناس و لم يعمل به.

 (الحديث الثالث)

 (2): حسن كالصحيح.

" حتى دفع إلى باب"

 (3) على بناء المفعول أي انتهى و في بعض النسخ وقع و هو قريب من الأول، قال في المصباح: دفعت إلى كذا بالبناء للمفعول انتهيت إليه، و قال:

وقع في أرض فلاة صار فيها، و وقع الصيد في الشرك حصل فيه، و يدل على جواز رؤية الملك لغير الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام، و ربما ينافي ظاهرا بعض الأخبار السابقة في الفرق بين النبي و المحدث، و الجواب أنه يحتمل أن يكون الزائر نبيا أو محدثا،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 55

و غاب عنه عند إلقاء الكلام و إظهار أنه ملك، و لما كانت زيارته خالصا لوجه الله نسب الله سبحانه زيارته إلى ذاته المقدسة.

 (الحديث الرابع)

 (1): مجهول.

" إياي زرت"

 (2) الحصر على المبالغة أي لما كان غرضك إطاعتي و تحصيل رضاي فكأنك لم تزر غيري‏

" و لست أرضى لك ثوابا"

 (3) أي المثوبات الدنيوية منقطعة فانية و لا أرضى لك إلا الثواب الدائم الأخروي و هو الجنة.

 (الحديث الخامس)

 (4): صحيح.

" في جانب المصر"

 (5) أي ناحية من البلد داخلا أو خارجا و هو كناية عن بعد المسافة بينهما

" ابتغاء وجه الله"

 (6) أي ذاته و ثوابه أو جهة الله كناية عن رضاه و قربه‏

" فهو زوره"

 (7) أي زائره و قد يكون جمع زائر و المفرد هنا أنسب، و إن أمكن أن يكون المراد هو من زوره، قال في النهاية: الزور الزائر و هو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم و نوم بمعنى صائم و نائم، و قد يكون الزور جمع زائر كركب و راكب.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 56

 (الحديث السادس)

 (1): كالسابق.

و قال الجوهري‏

قرئت الضيف قرى‏

 (2) مثال قليته قلى و قراء أحسنت إليه إذا كسرت القاف قصرت و إذا فتحت مددت.

 (الحديث السابع)

 (3): مجهول.

" لا يأتيه خداعا"

 (4) بكسر الخاء بأن لا يحبه و يأتيه ليخدعه و يلبس عليه أنه يحبه‏

" و لا استبدالا"

 (5) أي لا يطلب بذلك بدلا و عوضا دنيويا و مكافأة بزيارة أو غيرها أو عازما على إدامة محبته و لا يستبدل مكانه في الإخوة غيره، و هذا مما خطر بالبال و إن اختار الأكثر الأول.

قال في القاموس: بدل الشي‏ء محركة و بالكسر و كأمير الخلف منه و تبدله و به و استبدله و به و أبدله منه، و بدله اتخذه منه بدلا، انتهى.

و في قوله عليه السلام: في قفاه‏

 (6) إشعار بأنهم يعظمونه و يقدمونه و لا يتقدمون عليه و لا يساوونه، و" إن" في‏

إن طبت‏

 (7)، مفسرة لتضمن النداء معنى القول، و

الوفد

 (8) بالفتح جمع وافد، قال في النهاية: الوفد هم الذين يقصدون الأمراء لزيارة أو استرفاد و انتجاع و غير ذلك.

قوله: فأنتم‏

 (9)، أي أنت و من فعل مثل فعلك‏

" و إن كان المكان"

 (10) أي ينادون و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 57

يشيعون إلى منزله و

إن كان المكان‏

 (1) بعيدا، و في بعض النسخ فإن كان فإن شرطية و الجزاء محذوف، أي يفعلون ذلك أيضا و كان السائل استبعد نداء الملائكة و

تشييعهم‏

 (2) إياه في المسافة البعيدة إن كان المراد النداء و التشييع معا، أو من المسافة البعيدة إن كان المراد النداء فقط، و

" يسير"

 (3) كأنه الدهان الذي قد يعبر عنه ببشير.

 (الحديث الثامن)

 (4): مجهول.

و" في الله"

 (5) إما متعلق بزار و في للتعليل،

فقوله: و لله‏

 (6) عطف تفسير و تأكيد له، أو المراد به في سبيل الله أي على النحو الذي أمره الله" و لله" أي خالصا له أو متعلق بالأخ أي الأخ الذي أخوته في الله و لله، على الوجهين، و قيل: في الله متعلق بالأخ و لله بقوله زار، و الواو للعطف على محذوف بتقدير لحبه إياه و لله كما قيل في قوله تعالى في الأنعام:" وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ".

و أقول: يمكن تقدير فعل أي و زاره الله و يحتمل أن تكون زائدة كما قيل في قوله تعالى:" حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها" و لا يبعد زيادتها من النساخ كما روي في قرب الإسناد في رواية أخرى بدون الواو، و في القاموس:

خطر

 (7) الرجل بسيفه و رمحه يخطر خطرا رفعه مرة و وضعه أخرى، و في مشيته رفع يديه و وضعهما، و في النهاية: أنه كان يخطر في مشيته أي يتمايل و يمشي مشية المعجب، و في المصباح:

القبط

 (8) بالكسر نصارى مصر، الواحد قبطي على القياس، و القبطي بالضم من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط على غير قياس فرقا بين الإنسان‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 58

و الثوب، و ثياب قبطية بالضم أيضا و الجمع قباطي، انتهى.

و كان المراد يمشي مسرورا معجبا بنفسه بين نور أبيض في غاية البياض كالقباطي، و يحتمل أن يكون المعنى يخطر بين ثياب من نور قد لبسها تشبه القباطي، و لذا يضي‏ء له كل شي‏ء، كذا خطر ببالي كالقباطي، و قيل: المراد هنا أغشية رقيقة تأخذها الملائكة أطرافه لئلا يقربه أحد بسوء أدب، و أضاء هنا لازم و في النهاية فيه:

أنه قال لخزيمة:

مرحبا

 (1) أي لقيت رحبا و سعة، و قيل: معناه رحب الله بك مرحبا فجعل المرحب موضع الترحيب.

 (الحديث التاسع)

 (2): كالسابق.

و زائرا

 (3) حال مقدرة عن المستتر في خرج و كان‏

قوله: لله‏

 (4)، متعلق بالأخ و

التماس‏

 (5) مفعول له لخرج أو زائرا و لله أيضا متعلق بأحدهما، و التماس بيان له، و كذا

قوله: رغبة

 (6) تأكيد و توضيح لسابقه.

 (الحديث العاشر)

 (7): صحيح و قد مر مضمونه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 59

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): صحيح على الظاهر.

" حكم على نفسه"

 (2) أي إذا علم أن الحق مع خصمه أقر له به‏

" آثر"

 (3) أي اختاره على نفسه فيما احتاج إليه، و

في الله‏

 (4) متعلق بأثر أو بالأخ كما مر.

 (الحديث الثاني عشر)

 (5): ضعيف.

قوله عليه السلام: فيضع جناحا في الأرض،

 (6) ليطأ عليه و ليحيطه و يحفظه بجناحيه و قيل: هو كناية عن التعظيم و التواضع له، و قيل: الأمر في‏

سلني‏

 (7) و

ادعني‏

 (8) و

اسكت‏

 (9) ليس على الحقيقة بل لمحض الشرطية، و

شفعتك‏

 (10) على بناء التفعيل أي قبلت شفاعتك.

 (الحديث الثالث عشر)

 (11): كالسابق و معلق عليه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 60

" و في كل عضو"

 (1) و زيد في بعض النسخ الجلالة في البين و كأنه من تحريف النساخ، و في بعضها و في الله بكل، و هو أيضا صحيح لكن الأول أنسب بهذا الخبر.

 (الحديث الرابع عشر)

 (2): كالسابق.

و في المصباح‏

البائقة

 (3) النازلة و هي الداهية و الشر الشديد، و الجمع البوائق، و قال:

الغائلة

 (4) الفساد و الشر و الجمع الغوائل، و قال الكسائي: الغوائل الدواهي، انتهى.

" و يرجون ما عنده"

 (5) أي من الفوائد الدينية كرواية الحديث و استفادة العلوم الدينية أو الأعم منها و من المنافع المحللة الدنيوية، و إرجاع الضمير إلى الله بعيد.

 (الحديث الخامس عشر)

 (6): حسن كالصحيح.

و لو كان العبد الصالح‏

 (7) الكاظم عليه السلام كما هو الظاهر يدل على أن أبا حمزة الثمالي أدرك أيام إمامته عليه السلام، و اختلف علماء الرجال في ذلك و الظاهر أنه أدرك ذلك لا بدؤ إمامته عليه السلام في سنة ثمان و أربعين و مائة، و المشهور أن وفاة أبي حمزة في‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 61

سنة خمسين و مائة لكن قد مر مثله في أول الباب عن أبي حمزة عن أبي عبد الله، فيمكن أن يكون هو المراد بالعبد الصالح، أو يكون اشتباها من الرواة، و في النهاية:

بوأه الله منزلا

 (1) أي أسكنه إياه و تبوأت منزلا اتخذته، انتهى.

و التنوين في منزلا كأنه للتعظيم.

 (الحديث السادس عشر)

 (2): ضعيف على المشهور.

و المغنم‏

 (3) الغنيمة و هي الفائدة،

قوله عليه السلام: و إن قلوا

 (4) أي و إن كان الإخوان الذين يستحقون الأخوة قليلين، أو و إن لاقي قليل منهم و الأول أظهر.

باب المصافحة

 (5)

 (الحديث الأول)

 (6): مجهول.

و قال الفيروزآبادي:

الزميل‏

 (7) كأمير الرديف كالزمل بالكسر، و زمله أردفه أو عادلة، و قال:

المصافحة

 (8) الأخذ باليد كالتصافح و يدل على استحباب إيثار الزميل للركوب أولا و الابتداء بالنزول آخرا و كأنه لسهولة الأمر على الزميل في الموضعين،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 62

فإن الركوب أولا في المحمل أسهل لأنه ينحط كثيرا و كذا النزول أخيرا أسهل لذلك.

قوله: لا عهد له بصاحبه،

 (1) أي لم يره قبل ذلك قريبا قال في المصباح: عهدته بمكان كذا لقيته و عهدي به قريب أي لقائي، و عهدت الشي‏ء ترددت إليه و أصلحته، و حقيقته تجديد العهد به، و في النهاية:

تحاتت عنه‏

 (2) ذنوبه تساقطت.

و أقول: في المعصوم يكون بدل ذلك رفع الدرجات أو تساقط ذنوب شيعتهم ببركتهم، كما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن الله حملني ذنوب شيعة علي فغفرها لي، أو تسقط ترك الأولى و المباحات عنهم و يثبت لهم بدلها الحسنات، فيرجع إلى الأول،

و نظر الله إليهما

 (3) كناية عن شمول رحمته لهما.

 (الحديث الثاني)

 (4): موثق.

قوله عليه السلام: بين أيديهما

 (5) كأنه أطلق الجمع على التثنية مجازا و ذلك لاستثقالهم اجتماع التثنيتين، قال الشيخ الرضي رضي الله عنه: ثم لفظ الجمع فيه أي في إضافة الجزئين إلى متضمنيهما أولى من الأفراد، كقوله تعالى:" فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما" و ذلك لكراهتهم في الإضافة اللفظية الكثيرة الاستعمال اجتماع تثنيتين مع اتصالهما لفظا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 63

و معنى مع عدم اللبس بترك التثنية، فإن أدى إلى اللبس لم يجز إلا التثنية عند الكوفيين و هو الحق كما يجي‏ء، تقول: قلعت عينيهما إذا قلعت من كل واحد عينا، و أما قوله تعالى:" فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما" فإنه أراد إيمانهما بالخبر و الإجماع، و في قراءة ابن مسعود فاقطعوا إيمانهما و إنما اختير الجمع على الأفراد لمناسبة التثنية في أنه ضم مفرد إلى شي‏ء آخر و لذلك قال بعض الأصوليين: أن المثنى جمع، انتهى.

فإن قيل: الالتباس هنا حاصل؟ قلنا: لا التباس لأن العرف شاهد بأن التصافح بيد واحدة فظهر خطأ بعض الأفاضل حيث قال هنا: يدل الخبر على استحباب التصافح باليدين، مع أن الأنسب حينئذ يديه، ثم إن المراد باليد هنا الرحمة كما هو الشائع، أو هو استعارة تمثيلية.

 (الحديث الثالث)

 (1): مجهول.

و الشيخ في الرجال عد

سميدع‏

 (2) الهلالي من أصحاب الصادق عليه السلام، و قال في المغرب: السميدع بفتح أوله و الميم و سكون الياء و فتح الدال هو ابن راهب بن سوار بن الزهدم الجرمي البصري ثقة في التاسعة، و في القاموس بفتح السين و الميم و بعدها ياء مثناة تحتية و لا يضم فإنه خطأ: السيد الشريف السخي و اسم رجل، انتهى.

و إقبال الوجه‏

 (3) كناية عن غاية اللطف و الرحمة.

قوله عليه السلام: فإذا أقبل الله عز و جل عليهما،

 (4) أي إذا كانا متساويين في شدة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 64

الحب أو عبر عن الإقبال بالوجه إلى الأشد كذلك إشعارا بأن الإقبال يكون لهما معا، لكن يكون للأشد حبا أكثر كما يدل عليه الخبر الآتي.

 (الحديث الرابع)

 (1): حسن كالصحيح.

 (الحديث الخامس)

 (2): ضعيف على المشهور بسهل و لا يضر عندي ضعفه.

و كان المراد

بالتشبيك‏

 (3) هنا أخذ أصابعه بأصابعه فإنهما تشبهان الشبكة لا إدخال الأصابع في الأصابع كما زعم، و

اليوم الشاتي‏

 (4) الشديد البرد، أو هو كناية عن يوم الريح للزومه لها غالبا، و على التقديرين الوصف لأن تناثر الورق في مثله أكثر، قال في المصباح: شتا اليوم فهو شات من باب قتل إذا اشتد برده، و يدل الخبر على استحباب الغمز في المصافحة، و لكن ينبغي أن يقيد بما إذا لم يصل إلى حد اشتمل على الإيذاء.

 (الحديث السادس)

 (5): حسن.

لأن هذا الخبر يدل على مدحه و إن كان راويه نفسه، لأنه يدل على أنه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 65

كان مظهرا للتشيع مذعنا به، و الجهني بضم الجيم و فتح الهاء.

" لا ترى"

 (1) و في بعض النسخ أ لا ترى على الاستفهام‏

" أنك تفرط"

 (2) على بناء الأفعال أو التفعيل، فعلى الأولى من النسختين و الوجهين ظاهره أنه نهى في صورة النفي أي لا تظن أنك تفرط و تغلو في أمرنا بما اعتقدت من كمالنا و فضلنا، فإنك كلما بالغت في وصفنا و تعظيمنا و مدحنا فأنت بعد مقصرا و لا تظن أن إفراطك في أمرنا أخرجك من التشيع بل هو دليل على تشيعك ثم لما كان لقائل أن يقول:

أن الإفراط في الأمر مذموم فكيف تمدحه به؟ فأزال ذلك بكلام مستأنف حاصله أنهم كلما وصفوا به من الكمال فهو دون مرتبتهم، لأنهم ممن لا يقدر قدرهم كما أن الله سبحانه لن يقدر قدره بل لا يمكنكم معرفة قدر المؤمن من شيعتنا فكيف تقدرون على معرفة قدرنا، و على الاستفهام أيضا يرجع إلى ذلك، فإن المعنى أ لست تزعم أنك تبالغ في أمرنا لا تزعم ذلك فإنه لا يقدر. إلى آخر ما مر.

و على الوجهين محمول على ما إذا لم يبلغ حد الغلو و الارتفاع، و إذا كان تفرط على بناء التفعيل فالمعنى لا تظن أنك تقصر في معرفتنا فإنها فوق طاقتكم، و لا تقدرون على ذلك و إنما كلفتم بقدر عقولكم، و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فكما لم تكلفوا كمال معرفة الله فكذا لم تكلفوا كمال معرفتنا و الاستفهام أيضا يرجع إلى ذلك كما عرفت.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 66

 (الحديث السابع)

 (1): ضعيف على المشهور.

و في المصباح:

الرحل‏

 (2) كل شي‏ء يعد للرحيل من وعاء للمتاع و مركب للبعير، و حلس و رسن و جمعه أرحل و رحل الشخص مأواه في الحضر، ثم الطلق على أمتعة المسافر لأنها هناك مأواه، و قال:

جال‏

 (3) الفرس في الميدان تجول جولة و جولانا قطع جانبه، و جالوا في الحرب جولة جال بعضهم على بعض، و جال في البلاد طاف غير مستقر فيها، انتهى.

و ظاهره أنه يكفي لاستحباب تجديد المصافحة المشي قليلا و الافتراق و إن لم يغب أحدهما عن الآخر.

 (الحديث الثامن)

 (4): حسن كالصحيح.

و يدل على أنه يكفي لاستحباب تجديد المصافحة غيبة أحدهما عن صاحبه، و لو بنخلة أو شجرة كما سيأتي، و يمكن حمل الخبر السابق أيضا على الغيبة أو يقال يكفي إما غيبة ما أو تباعد ما.

 (الحديث التاسع)

 (5): ضعيف على المشهور و معتبر عندي و في فهرست" جش"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 67

عمر بدون الواو و وثقه.

 (الحديث العاشر)

 (1): مرسل.

" أكرم بذلك الملائكة"

 (2) أي إذا لقي بعضهم بعضا يسلمون و يصافحون أو لقوا المؤمنون فعلوا ذلك، و الأول أظهر.

 (الحديث الحادي عشر)

 (3): ضعيف‏

" بالاستغفار"

 (4) بأن يقول: غفر الله لك مثلا.

 (الحديث الثاني عشر)

 (5): مجهول‏

" نظر بعضهم إلى بعض"

 (6) أي بالمودة.

 (الحديث الثالث عشر)

 (7): مرسل.

و يدل على استحباب عدم جذب اليد حتى يجذب صاحبه و لعله محمول على ما إذا لم يمتد كثيرا فيمل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 68

 (الحديث الرابع عشر)

 (1): ضعيف على المشهور.

في القاموس‏

قطب‏

 (2) يقطب قطبا و قطوبا فهو قاطب و قطوب: زوى ما بين عينيه و كلح كقطب،

قوله عليه السلام: فكانت تسعة و تسعين‏

 (3)، تسعة اسم كان، و كان الأنسب تسعون كما في بعض نسخ الحديث، و في نسخ الكتاب و تسعين فالواو بمعنى مع، و ليس في بعض الروايات‏

" فكانت"

 (4) فيستقيم من غير تكلف.

و قال تعالى:" وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ،

ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"

 (5) قال الطبرسي (ره): حبل الوريد هو عرق يتفرق في البدن، أو عرق الحلق، أو عرق متعلق بالقلب و المتلقيان الملكان يأخذان منه عمله فيكتبانه كما يكتب المملي عليه، و المراد بالقعيد الملازم الذي لا يبرح، و قيل: عن اليمين كاتب الحسنات و عن الشمال كاتب السيئات و قيل: الحفظة أربعة، ملكان بالنهار و ملكان بالليل‏

" ما يَلْفِظُ"

 (6) أي ما يتكلم بكلام فيلفظه أي يرميه من فيه‏

" إِلَّا لَدَيْهِ"

 (7) حافظ حاضر معه و الرقيب الحافظ و العتيد المعد للزوم الأمر، يعني الملك الموكل به إما صاحب اليمين و إما صاحب الشمال، يحفظ عمله لا يغيب عنه و الهاء في لديه تعود إلى القول أو إلى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 69

القائل، انتهى.

قوله: فإن عالم السر يعلم،

 (1) أي يكفي لصدق الآية اطلاع الرب تعالى و هو الرقيب على عباده، و قد قال سبحانه قبل ذلك:" وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ".

و أقول: قد روي في ثواب الأعمال هذه الرواية أبسط من ذلك فلا بأس بنقله.

روي بسند آخر عن إسحاق قال: كنت بالكوفة فيأتيني إخوان كثيرة و كرهت الشهرة فتخوفت أن أشتهر بديني فأمرت غلامي كلما جاءني رجل منهم يطلبني قال ليس هو هيهنا، قال: فحججت تلك السنة فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فرأيت منه ثقلا و تغيرا فيما بيني و بينه، قال: قلت جعلت فداك ما الذي غيرني عندك؟ قال:

الذي غيرك للمؤمنين، قلت: جعلت فداك إنما تخوفت الشهرة و قد علم الله شدة حبي لهم، فقال: يا إسحاق لا تمل زيارة إخوانك فإن المؤمن إذا لقي أخاه المؤمن فقال له: مرحبا كتب له مرحبا إلى يوم القيامة، فإذا صافحه أنزل الله فيما بين إبهامهما مائة رحمة تسعة و تسعون لأشدهم لصاحبه حبا ثم أقبل الله عليهما بوجهه فكان على أشدهما حبا لصاحبه أشد إقبالا، فإذا تعانقا غمرتها الرحمة فإذا لبثا لا يريدان إلا وجهه لا يريدان غرضا من غرض الدنيا قيل لهما: غفر لكما فاستأنفا، فإذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضهم لبعض: تنحوا عنهما فإن لهما سرا و قد ستره الله عليهما.

قال إسحاق: قلت له: جعلت فداك لا يكتب علينا لفظنا و قد قال الله تعالى:

" ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"؟ قال: فتنفس ابن رسول الله الصعداء قال: ثم بكى حتى خضبت دموعه لحيته، و قال: يا إسحاق إن الله تعالى إنما نادى الملائكة أن يغيبوا عن المؤمنين إذا التقيا إجلالا لهما، فإذا كانت الملائكة لا تكتب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 70

كتابه:" وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك، و إن لفظهما و لا تعرف كلامهما فقد يعرفه الحافظ عليهما عالم السر و أخفى، يا إسحاق فخف الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، و إن كنت تعلم أنه يراك ثم استترت عن المخلوقين بالمعاصي و برزت له بها فقد جعلته في حد أهون الناظرين إليك.

و أقول: إنما أوردت هذا الخبر لأنه كالشرح لهذه الرواية و سائر روايات هذا الباب.

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): كالسابق.

و يدل على استحباب عدم نزع اليد قبل صاحبه كما مر.

 (الحديث السادس عشر)

 (2): حسن كالصحيح.

" وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" أي ما عظموا الله حق تعظيمه أو ما عرفوا الله حق معرفته، و ما وصفوا الله حق وصفه كما هو الظاهر من هذا الخبر

" فلا يوصف‏

 (3) بقدرة" كأنه خص القدرة بالذكر لأنها التي يمكن أن تعقل في الجملة من صفاته سبحانه،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 71

أو هو على المثال و يمكن أن يقرأ بالفتح أي بقدر، و قد مر هذا الجزء من الخبر في كتاب التوحيد، و فيه بقدر و هو أصوب.

قوله عليه السلام: احتجب الله بسبع،

 (1) أقول: هذه العبارة تحتمل وجوها شتى نذكر بعضها" الأول" ما ذكره بعض العارفين: أنه قد ورد في الحديث أن لله سبعين ألف حجاب من نور و ظلمة، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره، و على هذا فيحتمل أن يكون معنى قوله عليه السلام: احتجب الله بسبع أنه صلى الله عليه و آله و سلم قد ارتفع الحجب بينه و بين الله تعالى حتى بقي من السبعين ألف سبع، أقول: كأنه قرأ الجلالة بالرفع و قدر العائد أي احتجب الله عنه بسبع.

الثاني: أن يقرأ بالرفع أيضا و يكون تمهيدا لما بعده أي احتجب الله عن الخلق بسبع سماوات و جعله خليفة في عباده، و ناط طاعته بطاعته و فوض إليه أمور خلقة بمنزلة ملك جعل بينه و بين رعيته سبعة حجب و أبواب لم يمكنهم الوصول إليه بوجه، و بعث إليهم وزيرا و نصب عليهم حاكما و كتب إليهم كتابا، تضمن وجوب طاعته و أن كل من له حاجة فليرجع إليه فإن قوله قولي و أمره أمري و حكمه حكمي، فاحتجابه بالسبع كناية عن عدم ظهور وحيه و أمره و نهيه و تقديراته إلا من فوق سبع سماوات و إنما يظهر لنا جميع ذلك ببيانه صلى الله عليه و آله و سلم، و هذا وجه وجيه خطر ببالي القاصر سالفا، و إن وافقني على بعضه بعض.

الثالث: أن يكون سياقه كما مر في الوجه السابق لكن يكون المعنى أنه حجب ذاته عن الخلق بسبع من الحجب النورانية و هي صفاته الكمالية التي لا تصل الخلق إليها أو التنزيهية التي صارت أسبابا لاحتجابه عن عقول الخلق و أحلامهم،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 72

و جعله صلى الله عليه و آله و سلم معرفا لذاته و صفاته و أوامره و نواهيه لجميع الخلق، و هذا أيضا مما سنح لي.

الرابع: أن يقرأ الجلالة بالنصب أي احتجب مع الله عن الخلق فوق سبع سماوات أو سبعة حجب بعد السماوات فكلمه الله و ناجاه هناك، و فيه بعد لفظا، و قال بعضهم:

لعل المراد أنه لا يمكن أن يوصف عبد اتخذه الله عز و جل حجابا بسبع سماوات و سبع أرضين وجهه إليه يستفيض منه و وجهه إلى الممكنات يفيض عليها، أو اتخذه حجابا بسبع صفات الذات لكونه مظهرها و انكشافها له، و هي حجب نورانية لو انكشف وصف منها لأضاء أنوار الهداية كل ملتبس فصار صلى الله عليه و آله و سلم بانكشافها له حجابا نورانيا مثلها، أو أزال عنه الحجاب بسبع سماوات و سبع أرضين على أن تكون الهمزة للسلب، فقد ترفع قدره من المجردات الملكوتية و الملائكة اللاهوتية، و تنزه قلبه من العوائق البشرية و العلائق الناسوتية، و يمكن أن يكون إشارة إلى ما وصل إليه من حجب المعراج، انتهى.

و لا يخفى ما في الجميع من الخبط و التشويش لا سيما في همزة السلب، و قد مر معنى التفويض في بابه.

قوله عليه السلام: و هو الشك‏

 (1) أي لا يعتريهم شك في شي‏ء مما يسألون أو يقولون بل يعلمون جميع ذلك بعين اليقين، و هذه درجة رفيعة تقصر العقول عن إدراكها.

 (الحديث السابع عشر)

 (2): صحيح و قد مر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 73

 (الحديث الثامن عشر)

 (1): ضعيف على الأشهر.

و السخيمة

 (2) الضغينة و الحقد و الموجدة في النفس.

 (الحديث التاسع عشر)

 (3): كالسابق.

" بيدك الرغبة"

 (4) كان الباء بمعنى في أي يرغب جميع الخلق في مصافحة يدك الكريمة، و قيل: الباء للسببية و الرغبة بمعنى المرغوب، أي يحصل بسبب يدك مرغوب الخلائق و هو الجنة و هو تكلف بعيد.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم: أ ما تعلم؟

 (5) ظاهره أن الجنابة لا تمنع مصافحة المعصومين عليهم السلام، و يمكن أن يكون عذره مقبولا لكن لما علم صلى الله عليه و آله و سلم منه عدم اهتمامه في أمر المصافحة حثه عليها بذلك، و يؤيده ما روي أن أبا بصير دخل جنبا على الصادق عليه السلام فقال:

هكذا تدخل بيوت الأنبياء؟.

 (الحديث العشرون)

 (6): موثق.

" لا يقدر"

 (7) على بناء الفاعل كيضرب و

قدره‏

 (8) منصوب و مفعول مطلق للنوع، أي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 74

حق قدره كما مر في قوله تعالى:" ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ".

قوله عليه السلام: كما تتحات،

 (1) الظاهر كما تحت كما في ثواب الأعمال، فإن التحات لازم إلا أن يتكلف بنصب‏

الريح‏

 (2) على الظرفية الزمانية بتقدير مضاف أي يوم الريح و رفع‏

الورق‏

 (3) بالفاعلية، في القاموس: حته فركه و قشره فانحت و تحات و الورق سقطت كانحتت و تحاتت و الشي‏ء حطه.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (4): صحيح.

" مصافحة المؤمن"

 (5) كان المعنى مصافحة المؤمنين أفضل من مصافحة الملكين، أو مصافحة المؤمن مع المؤمن أفضل من مصافحته مع الملائكة لو تيسرت له، و يومئ إلى أن المؤمن الكامل أفضل من الملك.

باب المعانقة

 (6)

 (الحديث الأول)

 (7): ضعيف.

قوله: يزوره،

 (8) حال مقدرة، و عارفا حال محققة عن فاعل خرج و كان المراد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 75

بعرفان حقه أن يعلم فضله و أن له حق الزيارة و الرعاية و الإكرام، فيرجع إلى أنه زاره لذلك، و أن الله تعالى جعل له حقا عليه لا للأغراض الدنيوية، و الظاهر أن‏

محو السيئة

 (1) ليس من جهة الحبط بل هو تفضل زائد على الحسنة، و قال الجوهري:

عانقه‏

 (2) إذا جعل يديه على عنقه و ضمه إلى نفسه، و تعانقا و اعتنقا فهو عنيقه، انتهى.

و كأنه لا خلاف بيننا في استحباب المعانقة إذا لم يكن فيها غرض باطل أو داعي شهوة أو مظنة هيجان ذلك، كالمعانقة مع الأمرد و كذا التقبيل، و استحب المعانقة جماعة من العامة أيضا و أبو حنيفة كرهها، و مالك رآها بدعة و أنكر سفيان قول مالك و احتج عليه بمعانقته صلى الله عليه و آله و سلم جعفرا حين قدم من الحبشة، فقال مالك:

هو خاص بجعفر، فقال سفيان: ما يخص جعفرا يعمنا فسكت مالك.

قال الآبي: سكوته يدل على ظهور حجة سفيان حتى يقوم دليل على التخصيص، قال القرطبي: هذا الخلاف إنما هو في معانقة الكبير و أما معانقة الصغير فلا أعلم خلافا في جوازها، و يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم عانق الحسن رضي الله عنه، انتهى.

و أقول: روى الشهيد قدس سره في الأربعين بإسناده عن ابن بسطام قال:

كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأتى رجل فقال: جعلت فداك إني رجل من أهل الجبل و ربما لقيت رجلا من إخواني فالتزمته فيعيب على بعض الناس و يقولون: هذه من فعل الأعاجم و أهل الشرك؟ فقال عليه السلام: و لم ذاك فقد التزم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جعفرا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 76

و قبل بين عينيه، و فتح أبواب السماء إما كناية عن نزول الرحمة عليه أو استجابة دعائه، و إقباله تعالى عليهما بوجهه كناية عن غاية رضاه عنهما أو توجيه رحمته البالغة إليهما.

" إلى عبدي"

 (1) على التثنية

" بعدد نفسه"

 (2) بالتحريك، و

" خطاه"

 (3) بالضم‏

" و كلامه"

 (4) أي جملة و كلماته أو حروفه، قال الجوهري: الخطوة بالضم ما بين القدمين و جمع القلة خطوات و خطوات و الكثير خطا، و الخطوة بالفتح المرة الواحدة، و الجمع خطوات بالتحريك و خطاء مثل ركوة و ركاء، انتهى.

و المراد بعدد جميع ذلك ذهابا و إيابا أو إيابا فقط، و الأول أظهر و كان ذكر الليلة لأن العرب تضبط التواريخ بالليالي، أو إيماء إلى أن الزيارة الكاملة هي أن يتم عنده إلى الليل، و قيل: لأنهم كانوا للتقية يتزاورون بالليل.

 (الحديث الثاني)

 (5): حسن موثق.

و

الالتزام‏

 (6) في اللغة الاعتناق و المراد هنا إما إدامة الاعتناق طويلا، أو المراد بالاعتناق جعل كل منهما يديه في عنق الآخر، و بالالتزام ضمه إلى نفسه و الالتصاق به، كما يسمى المستجار بالملتزم لذلك،

قوله: مغفورا لكما

 (7)، منصوب بمحذوف أي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 77

أي ارجعا، أو كونا، و قيل: هو مفعول به لفعل محذوف بتقدير أعرفا مغفورا، و نائب الفاعل ضمير مستتر في المغفور، و لكما ظرف لغو متعلق بالمغفور، و الفاء في‏

قوله: فاستأنفا

 (1) للتعقيب أو للتفريع على أعرفا و مفعوله محذوف، أي استأنفا العمل و يمكن أن يقدر حرف النداء قبل مغفورا، أو يكون حالا عن فاعل فاستأنفا، و يكون الضمير في لكما نائبا للفاعل كما هو مذهب البصريين، أو النائب للفاعل الضمير المستتر في المغفور، الراجع إلى مصدر المغفور كما هو مذهب ابن درستويه و أتباعه، أو لكما ظرف مستقر نائب للفاعل كما هو مختار الكوفيين، و الفاء للتفريع على مضمون جملة فإذا التزما" إلخ".

و قال: السر

 (2) هو التصورات الباطلة التي يلقيها الشيطان في قلب المؤمن و هو يتأذى بذلك و لا يضر بآخرته لأنها محض التصور فيشكو ما يلقى من ذلك إلى أخيه، انتهى.

و الصعداء

 (3) منصوب على أنه مفعول مطلق للنوع، قال الجوهري: الصعداء بالمد تنفس ممدود. و قال:

اخضلت‏

 (4) الشي‏ء فهو مخضل إذا بللته، و

قوله: و إن كانت،

 (5) يحتمل الوصلية و الشرطية

" عالم السر و أخفى"

 (6) إشارة إلى قوله تعالى:" وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏" و المشهور بين المفسرين أن السر ما حدث به غيره خافضا به صوته، و أخفى ما يحدث به نفسه و لا يلفظ به، و قيل: السر ما

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 78

يضمره الإنسان فلم يظهره، و أخفى من ذلك ما وسوس إليه و لم يضمره، و قيل: السر ما تفكرت فيه، و أخفى ما لم يخطر ببالك و علم الله أن نفسك تحدث به بعد زمان.

و أقول: يحتمل أن يكون المراد بالسر ما خطر بباله و لم يظهره و أخفى ما علم أنه كان من نفسه و لم يعلم هو به كالرياء الخفي الذي صار باعثا لعمله و هو يظن أن عمله خالص لله و كالصفات الذميمة التي يرى الإنسان أنه طهر نفسه منها، و يظهر بعد مجاهدة النفس أنها مملوءة منها، و كل ذلك ظاهر لمن تتبع عيوب نفسه، و الله الموفق.

باب التقبيل‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف.

قوله عليه السلام: تعرفون،

 (3) على بناء المجهول كأنه إشارة إلى قوله تعالى:" سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ" و لا يلزم أن يكون المعرفة عامة بل تعرفهم بذلك الملائكة و الأئمة صلوات الله عليهم، كما ورد في قوله تعالى:" إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ" أن المتوسمين هم الأئمة عليهم السلام، و يمكن أن يعرفهم بذلك بعض الكمل من المؤمنين أيضا و إن لم يروا النور ظاهرا، و تفرس أمثال هذه الأمور قد يحصل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 79

لكثير من الناس بمجرد رؤية سيماهم بل لبعض الحيوانات أيضا كما أن الشاة إذا رأت الذئب تستنبط من سيماها العداوة و إن لم ترها أبدا، و مثل ذلك كثير.

و قوله: حتى إن أحدكم،

 (1) يحتمل وجهين: الأول: أن الله عز و جل إنما جعل موضع القبلة المكان الخاص من الجبهة لأنه موضع النور، و الثاني: أن المؤمن إنما يختار هذا الموضع لكونه موضع النور واقعا و إن لم ير النور و لم يعرفه، و يدل على أن موضع التقبيل في الجبهة.

 (الحديث الثاني)

 (2): حسن كالصحيح.

قوله عليه السلام أو من أريد به رسول الله‏

 (3) من الأئمة عليهم السلام إجماعا و غيرهم من السادات و العلماء على الخلاف، و إن لم أر في كلام أصحابنا تصريحا بالحرمة قال بعض المحققين: لعل المراد بمن أريد به رسول الله الأئمة المعصومين عليهم السلام كما يستفاد من الحديث الآتي.

و يحتمل شمول الحكم العلماء بالله و بأمر الله معا العاملين بعلمهم، و الهادين للناس ممن وافق قوله فعله، لأن العلماء الحق ورثة الأنبياء فلا يبعد دخولهم فيمن يراد به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، قال الشهيد قدس الله روحه في قواعده: يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان و إن لم يكن منقولا عن السلف لدلالة العمومات عليه، قال تعالى:" ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" و قال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 80

تعالى:" ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ" و لقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لا تباغضوا و لا تحاسدوا و لا تدابروا و لا تقاطعوا و كونوا عباد الله إخوانا، فعلى هذا يجوز القيام و التعظيم بانحناء و شبهه، و ربما وجب إذا أدى تركه إلى التباغض و التقاطع أو إهانة المؤمن و قد صح أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إلى فاطمة عليها السلام و إلى جعفر رضي الله عنه لما قدم من الحبشة و قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم و نقل أنه صلى الله عليه و آله و سلم قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحا بقدومه.

فإن قلت: قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من أحب أن يتمثل له الناس أو الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار؟ و نقل أنه صلى الله عليه و آله و سلم كان يكره أن يقام له فكان إذا قدم لا يقومون لعلمهم كراهته ذلك، فإذا فارقهم قاموا حتى يدخل منزله لما يلزمهم من تعظيمه؟

قلت: تمثل الرجال قياما هو ما تصنعه الجبابرة من إلزامهم الناس بالقيام في حال قعودهم إلى أن ينقضي مجلسهم لا هذا القيام المخصوص القصير زمانه، سلمنا لكن يحمل على من أراد ذلك تجبرا و علوا على الناس، فيؤاخذ من لا يقوم له بالعقوبة، أما من يريده لدفع الإهانة عنه و النقيصة له فلا حرج عليه، لأن دفع الضرر عن النفس واجب، و أما كراهته صلى الله عليه و آله و سلم فتواضع لله عز و جل و تخفيف على أصحابه، و كذا ينبغي للمؤمن أن لا يحب ذلك و أن يؤاخذ نفسه بمحبة تركه إذا مالت إليه، و لأن الصحابة كانوا يقومون كما في الحديث و يبعد عدم علمه صلى الله عليه و آله و سلم بهم مع أن فعلهم يدل على تسويغ ذلك، و أما المصافحة فثابتة من السنة و كذا تقبيل موضع السجود و تقبيل اليد، فقد ورد أيضا في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذا تلاقى الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما و كان أقربهما إلى الله سبحانه أكثرهما بشرا لصاحبه، و في‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 81

الكافي للكليني (ره) في هذه المقامات أخبار كثيرة، و أما المعانقة فجائزة أيضا لما ثبت من معانقة النبي صلى الله عليه و آله و سلم جعفرا و اختصاصه به غير معلوم، و في الحديث أنه قبل بين عيني جعفر عليه السلام مع المعانقة، و أما تقبيل المحارم على الوجه فجائز ما لم يكن لريبة أو تلذذ.

 (الحديث الثالث)

 (1): مجهول.

و يدل على المنع من تقبيل يد غير المعصومين عليهم السلام لكن الخبر مع جهالته ليس بصريح في حرمته بل ظاهره الكراهة.

 (الحديث الرابع)

 (2): موثق كالصحيح.

" أقسمت"

 (3) أقول: يحتمل وجوها:" الأول" أن يكون على صيغة المتكلم و يكون إخبارا أي حلفت أن لا أعطي رجلي أحدا يقبلها إما لعدم جوازه أو عدم رجحانه أو للتقية، و

قوله: بقي شي‏ء

 (4)، استفهام على الإنكار أي هل بقي احتمال الرخصة و التجويز بعد القسم؟

الثاني: أن يكون إنشاء للقسم و مناشدة، أي أقسم عليك أن تترك ذلك للوجوه المذكورة و هل بقي بعد مناشدتي إياك من طلبك التقبيل شي‏ء؟ أو لم يبق بعد تقبيل اليد و الرأس شي‏ء تطلبه؟

الثالث: ما كان يقوله بعض الأفاضل: و هو أن يكون المعنى أقسمت قسمة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 82

بيني و بين خلفاء الجور فاخترت اليد و الرأس و جعلت الرجل لهم، بقي شي‏ء؟ أي ينبغي أن يبقى لهم شي‏ء لعدم التضرر منهم.

الرابع: ما قال بعضهم أيضا أنه أقسمت بصيغة الخطاب على الاستفهام للإنكار أي أقسمت أن تفعل ذلك فتبالغ فيه؟ و بقي شي‏ء؟ على الوجه السابق.

الخامس: ما ذكره بعض أفاضل الشارحين و هو أن أقسمت على صيغة الخطاب و

" ثلاثا"

 (1) كلام الإمام عليه السلام، أي أقسمت قسما لتقبيل اليد و آخر لتقبيل الرأس، و آخر لتقبيل الرجلين، و فعلت اثنين و بقي الثالث و هو تقبيل الرجلين فافعل فإنه يجب عليك.

السادس: ما قيل أن أقسمت بصيغة الخطاب من القسم بالكسر و هو الحظ و النصيب، أي أخذت حظك و نصيبك و ليبق شي‏ء مما يجوز أن يقبل للتقية.

و أقول: لا يخفى ما في الوجوه الأخيرة من البعد و الركاكة، ثم إنه يحتمل على بعض الوجوه المتقدمة أن يكون المراد بقوله بقي شي‏ء؟ التعريض بيونس و أمثاله، أي بقي شي‏ء آخر سوى هذه التواضعات الرسمية و التعظيمات الظاهرية و هو السعي في تصحيح العقائد القلبية و متابعتنا في جميع أعمالنا و أقوالنا، و هي أهم من هذا الذي تهتم به لأنه عليه السلام كان يعلم أنه سيضل و يصير فطحيا، و أما

قوله: رأسك‏

 (2) فيحتمل الرفع و النصب و الأخير أظهر، أي ناولني رأسك، و

قوله: فرجلاك‏

 (3) مبتدأ و خبره محذوف أي أريد أقبلهما أو ما حالهما أي يجوز لي تقبيلهما؟

 (الحديث الخامس)

 (4): صحيح.

" من قبل للرحم"

 (5) أي لا للشهوة و الأغراض الباطلة، و

قبلة الأخ‏

 (6) أي النسبي أو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 83

الإيماني، و

قبلة الإمام‏

 (1)، الظاهر أنه إضافة إلى المفعول، و قيل: إلى الفاعل أي قبلة الإمام ذا قرابته بين العينين و كأنه ذهب إلى ذلك لفعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم ذلك بجعفر رضي الله عنه، و لا يخفى ما فيه.

 (الحديث السادس)

 (2): ضعيف على المشهور.

و كان المراد

بالزوجة

 (3) ما يعم ملك اليمين.

باب تذاكر الإخوان‏

 (4)

 (الحديث الأول)

 (5): ضعيف على المشهور.

" شيعتنا الرحماء"

 (6) الرحماء جمع رحيم أي يرحم بعضهم بعضا

" الذين"

 (7) خبر بعد خبر أو صفة للرحماء

" إنا إذا ذكرنا"

 (8) أي ذكر الله المذكور يشمل ذكرنا لأن ذكر صفاتهم و كمالاتهم و نشر علومهم و أخبارهم شكر لأعظم نعم الله تعالى و عبادة له بأفضل العبادة، أو باعتبار كمال الاتصال بينهم و بينه تعالى كان ذكرهم ذكر الله،

و إذا ذكر عدوهم ذكر الشيطان‏

 (9) لأنه من أعوانه فإن ذكرهم بخير فكأنما ذكر الشيطان بخير، و إن لعنهم كان له ثواب لعن الشيطان.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 84

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف.

" إحياء لقلوبكم"

 (2) لأنه يوجب تذكر الإمامة و علوم الأئمة عليهم السلام و حياة القلب بالعلم و الحكمة

" و أحاديثنا تعطف بعضكم على بعض"

 (3) لاشتمالها على حقوق المؤمنين بعضهم على بعض، و لأن الاهتمام برواية أحاديثنا يوجب رجوع بعضكم إلى بعض" و أنا بنجاتكم زعيم" أي كفيل و ضامن‏

" إن أخذتم بها"

 (4) قال في المصباح:

زعمت‏

 (5) بالمال زعما من باب قتل و منع كفلت به فأنا زعيم به.

 (الحديث الثالث)

 (6): ضعيف.

و القاص‏

 (7) راوي القصص، و المراد هنا القصص الكاذبة الموضوعة، و ظاهر أكثر الأصحاب تحريم استماعها كما يدل عليه قوله تعالى:" سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ" و يمكن أن يكون المراد هنا وعاظ العامة و محدثوهم فإن رواياتهم أيضا كذلك‏

" لا يشقي به جليس"

 (8) أي لا يصير شقيا محروما عن الخير من جلس معهم، قال الراغب: الشقاوة خلاف السعادة، و قد شقي يشقي شقوة و كما أن السعادة في الأصل ضربان: أخروية و دنيوية، ثم الدنيوية ثلاثة أضرب: نفسية و بدنية و خارجية، كذلك الشقاوة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 85

على هذه الأضرب، و قال بعضهم: قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا، و كل شقاوة تعب و ليس كل تعب شقاوة

" أخطأت أستاههم الحفرة"

 (1) الخطأ ضد الصواب و الأخطاء عند أبي عبيد الذهاب إلى خلاف الصواب مع قصد الصواب، و عند غيره: الذهاب إلى غير الصواب مطلقا عمدا و غير عمد، و الأستاه بفتح الهمزة و الهاء أخيرا جمع الاست بالكسر، و هي حلقة الدبر و أصل الاست ستة بالتحريك و قد يسكن التاء، حذفت الهاء و عوضت عنها الهمزة، و المراد بالحفرة الكنيف الذي يتغوط فيه و كان هذا كان مثلا سائرا يضرب لمن استعمل كلاما في غير موضعه أو أخطأ خطأ فاحشا، و قد يقال: شبهت أفواههم بالأستاه تفضيحا لهم، و تكرير هيهات أي بعد هذا القول عن الصواب للمبالغة في البعد عن الحق، و السياحة و السيح الذهاب في الأرض للعبادة

" فيتفقهون معهم"

 (2) أي يطلبون العلم و يخوضون فيه، و في بعض النسخ فيتفقون أي يصدقونهم أو يذكرون بينهم مثل ذلك‏

" عادوا"

 (3) أي الملائكة

" مرضاهم"

 (4) أي مرضى القوم.

 (الحديث الرابع)

 (5): مرسل.

" إلى الواحد"

 (6) بأن يذكر واحد و يستمع الباقون أو يذكر و يتفكر في نفسه و كلمة" في" في‏

قوله: في قلتهم‏

 (7) بمعنى مع‏

" يصفون"

 (8) أي يعتقدون أو يذكرون و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 86

الأخير أنسب، و ذلك إشارة إلى الوصف.

 (الحديث الخامس)

 (1): مجهول.

" ما شئتم"

 (2) أي من فضائلنا أو ذم أعادينا و لعنهم و رواية أحاديثنا من غير تقية

" لوددت"

 (3) بكسر الدال الأولى و فتحها أي أحببت أو تمنيت و فيه غاية الترغيب فيه و التحريص عليه‏

" لأحب ريحكم"

 (4) و سيأتي في الروضة رياحكم، أي ريحكم الطيبة و

أرواحكم‏

 (5) جمع الروح بالضم أو بالفتح بمعنى النسيم، و كان الأول كناية عن عقائدهم و نياتهم الحسنة كما سيأتي أن المؤمن إذا قصد فعل طاعة يستشم الملك منه رائحة حسنة، و الثاني عن أقوالهم الطيبة، في القاموس: الروح بالضم ما به حياة الأنفس و بالفتح الراحة و الرحمة و نسيم الريح، و الريح جمعه أرواح و أرياح و رياح و الريح الغلبة و القوة و الرحمة و النصرة و الدولة و الشي‏ء الطيب و الرائحة

" فأعينوا"

 (6) أي فأعينوني على شفاعتكم و كفالتكم بورع عن المعاصي و اجتهاد في الطاعات.

 (الحديث السادس)

 (7): مجهول.

و قوله: فصاعدا

 (8) منصوب بالحالية و عامله محذوف وجوبا أي أذهب في العدد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 87

صاعدا

" فإن دعوا بخير"

 (1) أي ما يوجب السعادة الأخروية كتوفيق العبادة و طلب الجنة أو الاستعاذة من النار و نحوها أو الأعم منها و من الأمور المباحة الدنيوية كطول العمر و كثرة المال و الأولاد و أمثال ذلك، فيكون احترازا عن طلبه الأمور المحرمة، و كذا الشر يشمل الشرور الدنيوية و الأخروية، فيكون سؤال الحاجة تعميما بعد التخصيص، و على الأول تكون الفقرتان الأوليان للآخرة، و هذه للدنيا و التشفع المبالغة في الشفاعة، قال الجوهري:

استشفعته‏

 (2) إلى فلان أي سألته أن يشفع لي إليه، و تشفعت إليه في فلان فشفعني فيه تشفيعا.

و التأمين‏

 (3) قول آمين و معناه اللهم استجب لي، و في النهاية فيه:

أن رجلا كان ينال‏

 (4) من الصحابة يعني الوقيعة فيهم، يقال: منه نال ينال نيلا إذا أصاب، و في القاموس: نال من عرضه سبه‏

" فمن ابتلي من المؤمنين بهم"

 (5) أي بمجالستهم.

" فإذا خاضوا"

 (6) قال الجوهري: خاض القوم في الحديث و تخاوضوا أي تفاوضوا فيه‏

" في ذلك"

 (7) أي في النيل من أولياء الله و سبهم و هو إشارة إلى قوله تعالى:" وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً" و قال علي بن إبراهيم في تفسيره:" آياتِ اللَّهِ" هم الأئمة عليهم السلام، و في تفسير

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 88

العياشي عن الرضا عليه السلام في تفسيرها: إذا سمعت الرجل يجحد الحق و يكذب به و يقع في أهله فقم من عنده و لا تقاعده و قوله تعالى:" إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ" قيل: أي في الكفر إن رضيتم به و إلا ففي الإثم لقدرتكم علي الإنكار أو الإعراض، و قال سبحانه أيضا:

" وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ".

" و لا يكن شرك شيطان"

 (1) بالكسر أي شريكه إن شاركهم،

و لا جليسه‏

 (2) إن لم يشاركهم، و كان ساكنا، و من قرأ الشرك بالتحريك بمعنى الحبالة أو فسر الشرك بالنصيب فقد صحف لفظا أو معنى.

قوله: لا يقوم له شي‏ء،

 (3) أي لا يدفعه أو لا يطيقه و لا يقدر على تحمله، و قد دلت الرواية و الآيتان على وجوب قيام المؤمن و مفارقته لأعداء الدين عند ذمهم أولياء الله، و على لحوق الغضب و اللعنة به مع القعود معهم، بل دلت الآية ظاهرا على أنه مثلهم في الفسق و النفاق و الكفر، و لا ريب فيه مع اعتقاد جواز ذلك أو رضاه به، و إلا فظاهر بعض الروايات أن العذاب بالهلاك إن نزل يحيط به، و لكن ينجو في الآخرة بفضل الله تعالى، و ظاهر بعضها أن اللعنة إذا نزلت تعم من في المجلس، و الأحوط عدم مجالسة الظلمة و أعداء الله من غير ضرورة.

ثم بين عليه السلام حكمه إذا لم يقدر على المفارقة بالكلية للتقية أو غيرها

بقوله:

فإن لم يستطع فلينكر بقلبه.

 (4)

قوله: و لو حلب شاة

 (5)، حلب مصدر منصوب بظرفية الزمان بتقدير زمان حلب، و كذا الفواق و كأنه أقل من الحلب أي يقوم لإظهار حاجة و عذر و لو بأحد هذين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 89

المقدارين من الزمان، قال في النهاية: فيه أنه قسم الغنائم يوم بدر عن فواق أي في قدر

فواق ناقة

 (1)، و هو ما بين الحلبتين من الراحة و تضم فاؤه و تفتح، و ذلك لأنها تحلب ثم تراح حتى تدر ثم تحلب، و في القاموس: الفواق كغراب ما بين الحلبتين من الوقت و تفتح، أو ما بين فتح يديك و قبضها على الضرع.

 (الحديث السابع)

 (2): كالسابق.

و في القاموس:

نكى‏

 (3) العدو و فيه نكاية قتل و جرح و في النهاية: يقال: نكيت في العدو أنكى نكاية فأنا ناك إذا أكثرت فيهم الجراح و القتل فوهنوا لذلك، و قد يهمز لغة فيه، و في القاموس:

المضغة

 (4) بالضم قطعة لحم و غيره، و قال:

خدد

 (5) لحمه و تخدد هزل و نقص، و خدده السير لازم متعد، و قال:

خسأ

 (6) الكلب كمنع خسأ و خسوءا طرده، و الكلب بعد كانخسأ و خسئ، و قال: حسر كفرح عليه حسرة و حسرا تلهف فهو حسير، و كضرب و فرح أعيا كاستحسر فهو حسير، و قال:

الدحر

 (7) الطرد و الإبعاد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 90

باب إدخال السرور على المؤمنين‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

و سرور الله تعالى‏

 (3) مجاز، و المراد ما يترتب على السرور من اللطف و الرحمة، أو باعتبار أن الله سبحانه لما خلط أولياءه بنفسه جعل سرورهم كسروره، و سخطهم كسخطه، و ظلمهم كظلمه، كما ورد في الخبر، و سرور المؤمن يتحقق بفعل أسبابه و موجباته كأداء دينه أو تكفل مؤنته أو ستر عورته أو دفع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء حاجته أو إجابة مسألته، و قيل: السرور من السر و هو الضم و الجمع لما تشتت، و المؤمن إذا مسته فاقة أو عرضت له حاجة فإذا سددت فاقته و قضيت حاجته و رفعت شدته فقد جمعت عليه ما تشتت من أمره، و ضممت ما تفرق من سره ففرح بعد همه، و استبشر بعد غمه و يسمى ذلك الفرح سرورا.

 (الحديث الثاني)

 (4): ضعيف.

" حسنة"

 (5) أي خصلة حسنة توجب الثواب‏

" و صرف القذى عنه"

 (6) القذى يحتمل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 91

الحقيقة، و أن يكون كناية عن دفع كل ما يقع عليه من الأذى، قال في النهاية:

فيه جماعة على أقذاء، الأقذاء جمع قذى و القذى جمع قذاة و هو ما يقع في العين و الماء و الشراب من تراب أو طين أو وسخ أو غير ذلك، أراد أن اجتماعهم يكون فسادا في قلوبهم فشبهه بقذى العين و الماء و الشراب.

 (الحديث الثالث)

 (1): ضعيف على المشهور.

" أبيحهم جنتي"

 (2) أي جعلت الجنة مباحة لهم و لا يمنعهم من دخولها شي‏ء، أو يتبوءون منها حيث يشاءون كما أخبر الله منهم بقوله:" وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ".

" و أحكمهم فيها"

 (3) أي أجعلهم فيها حكاما يحكمون على الملائكة و الحور و الغلمان بما شاءوا أو يشفعون و يدخلون فيها من شاءوا، في القاموس: حكمه في الأمر تحكيما أمره أن يحكم و قال:

ولع‏

 (4) الرجل ولعا محركة و ولوعا بالفتح، و أولعته و أولع به بالضم فهو مولع به بالفتح، و كوضع ولعا و ولعانا محركة استخف‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 92

و كذب، و بحقه ذهب و الوالع الكذاب، و أولعه به أغراه به،

قوله عليه السلام: فأظله‏

 (1) أي أسكنه منزلا يظله من الشمس، و في القاموس:

رفق‏

 (2) فلانا نفعه كأرفقه و في المصباح:

أضفته‏

 (3) و ضيفته إذا أنزلته و قريته، و الاسم الضيافة.

" يا نار هيديه"

 (4) أي خوفيه و أزعجيه و لا تؤذيه و لا تحرقيه، في القاموس:

هاده الشي‏ء يهيده هيدا و هادا: أفزعه و كربه و حركه و أصلحه كهيده في الكل، و أزاله و صرفه و أزعجه و زهره، و كان في بعض روايات العامة لا تهيديه قال في النهاية: و منه الحديث: يا نار لا تهيديه أي لا تزعجيه.

 (الحديث الرابع)

 (5): ضعيف.

 (الحديث الخامس)

 (6): حسن كالصحيح.

قوله عليه السلام: يدخل‏

 (7)، يحتمل أن يكون هذا على المثال، و يكون المراد كل حسنة مقبولة، كما ورد: أن من قبل الله منه عملا واحدا لم يعذبه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 93

 (الحديث السادس)

 (1): ضعيف على المشهور، معتبر عندي.

 (الحديث السابع)

 (2): ضعيف.

" شبعة مسلم"

 (3) بفتح الشين إما بالنصب بنزع الخافض أي بشبعة أو بالرفع بتقدير هو شبعة أو بالجر بدلا أو عطف بيان للسرور و المراد بالمسلم هنا المؤمن، و كان تبديل المؤمن به للإشعار بأنه يكفي ظاهر الإيمان لذلك، و ذكرهما على المثال.

 (الحديث الثامن)

 (4): حسن.

" خرج معه مثال"

 (5) قال الشيخ البهائي قدس سره: المثال الصورة، و

" يقدم"

 (6) على وزن يكرم أي يقويه و يشجعه، من الإقدام في الحرب و هو الشجاعة و عدم الخوف، و يجوز أن يقرأ على وزن ينصر و ماضيه قدم كنصر أي يتقدمه كما قال الله:" يَقْدُمُ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 94

قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ" و لفظ أمامه حينئذ تأكيد، انتهى.

و في القاموس:

الهول‏

 (1) المخافة من الأمر لا يدري ما هجم عليه منه و الجمع أهوال و هوول، و قال:

أبشر

 (2) فرح، و منه أبشر بخير و بشرت به كعلم و ضرب سررت.

" بين يدي الله"

 (3) أي بين يدي عرشه أو كناية عن وقوفه موقف الحساب‏

" نعم الخارج"

 (4) قال الشيخ البهائي قدس سره: المخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي نعم الخارج أنت، و جملة خرجت معي و ما بعدها مفسرة لجملة المدح أو بدل منها و يحتمل الحالية بتقدير قد.

قوله: أنا السرور الذي كنت أدخلته،

 (5) قال الشيخ المتقدم قدس الله روحه:

فيه دلالة على تجسم الأعمال في النشأة الأخروية، و قد ورد في بعض الأخبار تجسم الاعتقادات أيضا فالأعمال الصالحة و الاعتقادات الصحيحة تظهر صورا نورانية مستحسنة موجبة لصاحبها كمال السرور و الابتهاج و الأعمال و الأعمال السيئة و الاعتقادات الباطلة تظهر صورا ظلمانية مستقبحة توجب غاية الحزن و التألم كما قاله جماعة من المفسرين عند قوله تعالى:" يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً" و يرشد إليه قوله تعالى:

" يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" و من جعل التقدير ليروا جزاء أعمالهم و لم يرجع ضمير

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 95

يره إلى العمل فقد أبعد، انتهى.

و أقول: يحتمل أن يكون الحمل في قوله: أنا السرور على المجاز، فإنه لما خلق بسببه فكأنه عينه كما يرشد إليه‏

و له: خلقني الله منه،

 (1) و من للسببية أو للابتداء، و الحاصل أنه يمكن حمل الآيات و الأخبار على أن الله تعالى يخلق بإزاء الأعمال الحسنة صورا حسنة، ليظهر حسنها للناس، و بإزاء الأعمال السيئة صورا قبيحة ليظهر قبحها معاينة و لا حاجة إلى القول بأمر مخالف لطور العقل لا يستقيم إلا بتأويل في المعاد، و جعله في الأجساد المثالية و إرجاعه إلى الأمور الخيالية كما يشعر به تشبيههم الدنيا و الآخرة بنشأتي النوم و اليقظة، و أن الأعراض في اليقظة أجسام في المنام و هذا مستلزم لإنكار الدين و الخروج عن الإسلام، و كثير من أصحابنا المتأخرين رحمهم الله يتبعون الفلاسفة القدماء و المتأخرين و المشائين و الإشراقيين في بعض مذاهبهم، ذاهلين عما يستلزمه من مخالفة ضروريات الدين، و الله الموفق للاستقامة على الحق و اليقين.

قوله: كنت أدخلته، قيل: إنما زيد لفظة كنت علي الماضي للدلالة علي بعد الزمان.

 (الحديث التاسع)

 (2): ضعيف.

و يظهر من كتب الرجال أن النجاشي المذكور في الخبر اسمه عبد الله و أنه ثامن آباء أحمد بن علي النجاشي صاحب الرجال المشهور، و في القاموس:

النجاشي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 96

 (1) بتشديد الياء و بتخفيفها أفصح و تكسر نونها أو هو أفصح، و في المصباح‏

الدهقان‏

 (2) معرب يطلق على رئيس القرية و على التاجر، و على من له مال و عقار، و دالة مكسورة و في لغة تضم و الجمع دهاقين، و دهقن الرجل و تدهقن كثر ماله، و في القاموس:

الأهواز

 (3) تسع كور بين البصرة و فارس، لكل كورة منها اسم و يجمعهن الأهواز، و لا تفرد واحدة منها بهوز، و هي: رامهرمز، و عسكر مكرم، و تستر، و جندي‏سابور، و سوس، و سرق، و نهرتيري و إيذج، و مناذر، انتهى.

" فقال بعض أهل عمله"

 (4) أي بعض أهل المواضع التي كان تحت عمله، و كان عاملا عليها، و

الديوان‏

 (5) الدفتر الذي فيه حساب الخراج و مرسوم العسكر، قال في المصباح: الديوان جريدة الحساب ثم أطلق على موضع الحساب، و هو معرب و أصله دوان فأبدل من إحدى المضعفين ياء للتخفيف، و لهذا يرد في الجمع إلى أصله، فيقال دواوين، و دونت الديوان وضعته و جمعته، و يقال: إن عمر أول من دون الدواوين في العرب، أي رتب الجرائد للعمال و غيرها، انتهى.

و الخراج‏

 (6) بالفتح ما يأخذه السلطان من الأراضي و أجرة الأرض للأراضي المفتوحة عنوة،

" يدين بطاعتك"

 (7) أي يعبد الله بطاعتك و يعد طاعتك عبادة أو يعتقد فرض طاعتك أو يعبد الله متلبسا باعتقاد فرض طاعتك‏

" فإن رأيت"

 (8) جزاء الشرط محذوف، أي فعلت أو نفعني و يدل الخبر على استحباب افتتاح الكتاب بالتسمية

" فلما ورد الكتاب عليه"

 (9) أي أشرف حامله على الدخول عليه، و إسناد الورود إليه مجاز، و كان الأظهر فلما ورد بالكتاب، قال في المصباح: ورد البعير و غيره الماء يرده ورودا بلغه، و وافاه من غير دخول، و قد يكون دخولا، و ورد زيد علينا حضر، و منه ورد الكتاب على الاستعارة، و في القاموس: الورود الإشراف على الماء و غيره‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 97

دخله أو لم يدخله، انتهى.

و الضمير في‏

دخل‏

 (1) راجع إلى بعض أهل عمله و أمره بأدائها عنه أي من ماله أو من محل آخر إلى الجماعة الذين أحالهم عليه أو أعطاه الدراهم ليؤدي إليهم لئلا يشتهر أنه وهب له هذا المبلغ تقية، و على الوجه الأول إنما أعطاها من ماله لأن اسمه كان في الديوان، و كان محسوبا عليه‏

" ثم أخرجه منها"

 (2) أي أخرج اسمه من دفاتر الديوان لئلا يحال عليه في سائر السنين.

" و أمر أن يثبتها له"

 (3) أي أمر أن يكتب له أن يعطى عشرة آلاف في السنة الآتية سوى ما أسقط عنه أو لابتداء السنة الآتية إلى آخر عمله، و قيل: أعطى ما أحاله في هذه السنة من ماله ثم أخرجه منها أي من العشرة آلاف، و

قوله: و أمر،

 (4) بيان للإخراج أي كان إخراجه منها بأن جعل خراج أملاكه وظيفة له لا يحال عليه في سائر السنين، و اللام في‏

قوله: لقابل‏

 (5)، بمعنى من الابتدائية كما مر، و في القاموس‏

التخت‏

 (6) وعاء يصان فيه الثياب.

" حتى فرغ"

 (7) بفتح الراء و كسرها أي النجاشي من العطاء

" ففعل"

 (8) أي حمل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 98

الفرش و تنازع هو و خرج في الرجل‏

" فجعل"

 (1) أي شرع الإمام‏

" يسر"

 (2) علي بناء المجهول.

 (الحديث العاشر)

 (3): مجهول بسنديه.

قوله: من ذلك، لما استشعر عليه السلام من سؤال السائل أو مما علم من باطنه أنه يعد هذا الحق سهلا يسيرا

قال: حق المؤمن أعظم من ذلك‏

 (4)، أي مما تظن، أو لما ظهر من كلام السائل أنه يمكن بيانه بسهولة أو أنه ليس مما يترتب على بيانه مفسدة قال ذلك‏

" لكفرتم"

 (5) قد مر بيانه، و قيل: يمكن أن يقرأ بالتشديد على بناء التفعيل، أي لنسبتم أكثر المؤمنين إلى الكفر لعجزكم عن أداء حقوقهم اعتذارا لتركها أو بالتخفيف من باب نصر أي لسترتم الحقوق و لم تؤدوها، أو لم تصدقوها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 99

لعظمتها، فيصير سببا لكفركم.

و أقول: قد عرفت أن للكفر معان منها ترك الواجبات، بل السنن الأكيدة أيضا.

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): صحيح.

و الطرد

 (2) الإبعاد، و

الجوع‏

 (3) بالضم ضد الشبع، و بالفتح مصدر أي بأن تطرد، و ذكرهما على المثال.

 (الحديث الثاني عشر)

 (4): مجهول.

" من ذلك السرور"

 (5) أي بسببه و هذا يؤيد ما ذكرنا في الخبر الثامن فتفطن.

 (الحديث الثالث عشر)

 (6): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 100

" بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا"

 (1) أي بغير جناية استحقوا بها الإيذاء

" فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً"

 (2) أي فقد فعلوا ما هو أعظم الإثم مع البهتان و هو الكذب على الغير يواجهه به، فجعل إيذاءهم مثل البهتان، و قيل: يعني بذلك أذية اللسان فيتحقق فيها البهتان‏

" وَ إِثْماً مُبِيناً"

 (3) أي معصية ظاهرة كذا ذكره الطبرسي (ره) و قال البيضاوي: قيل: أنها نزلت في المنافقين يؤذون عليا عليه السلام و كان الغرض من قراءة الآية إعداد المخاطب للإصغاء و التنبيه على أن إيذاءهم إذا كان بهذه المنزلة كان إكرامهم و إدخال السرور عليهم بعكس ذلك، هذا إذا كان القاري الإمام عليه السلام و يحتمل أن يكون القاري الراوي و حكم السائل بالعشر لقوله تعالى:" مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها" و تصديقه عليه السلام إما مبني على أن العشر حاصل في ضمن ألف ألف أو على أن أقل مراتبه ذلك، و يرتقي بحسب الإخلاص و مراتب السرور إلى ألف ألف، لقوله تعالى:" وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ".

 (الحديث الرابع عشر)

 (4): ضعيف.

" فقد وصل ذلك"

 (5) أي السرور مجازا كما مر أو هو على بناء التفعيل فضمير

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 101

الفاعل راجع إلى المدخل‏

" و كذلك من أدخل عليه كربا"

 (1) أي يدخل الكرب على الله و على الرسول.

 (الحديث الخامس عشر)

 (2): كالسابق، و المراد بالمسلم المؤمن.

 (الحديث السادس عشر)

 (3): حسن كالصحيح.

و إسناد

الإشباع إلى الجوعة

 (4) على المجاز، و

تنفيس الكرب‏

 (5) كشفها.

باب قضاء حاجة المؤمن‏

 (6)

 (الحديث الأول)

 (7): ضعيف على المشهور.

و كردم‏

 (8) كجعفر و هو في الأصل بمعنى القصير، و

العلية

 (9) بكسر العين و سكون اللام قال الجوهري: فلان من علية الناس جمع رجل علي أي شريف رفيع مثل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 102

صبي و صبية، و في القاموس: علية الناس و عليهم مكسورين جلتهم‏

" من ذلك أولها"

 (1) أولها مبتدأ و من ذلك خبر و

الجنة

 (2) بدل أو عطف بيان لأولها أو خبر مبتدإ محذوف، و يحتمل أن يكون أولها بدلا لقوله من ذلك.

قوله: بعد أن لا يكونوا نصابا،

 (3) أقول: الناصب في عرف الأخبار يشمل المخالفين المتعصبين في مذهبهم فغير النصاب هم المستضعفون و سيأتي تحقيقه إنشاء الله، مع أن الخبر ضعيف و تعارضه الأخبار المتواترة بالمعنى.

 (الحديث الثاني)

 (4): كالأول بسنديه.

و المنتجب‏

 (5) المختار،

قوله: ثم قال: لنا و الله رب،

 (6) الظاهر أنه تنبيه للمفضل و أمثاله لئلا يطيروا إلى الغلو أو لتطيرهم إليه لما ذكره جماعة من علماء الرجال أن المفضل كان يذهب مذهب أبي الخطاب في القول بربوبية الصادق عليه السلام و قد أورد الكشي روايات كثيرة في ذمه و أخبارا غزيرة في مدحه، حتى روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: هو والد بعد الوالد، و في إرشاد المفيد ما يدل على ثقته و جلالته، و مدحه عندي أقوى، و هذا الخبر مع أنه يحتمل وجوها أخر على هذا الوجه أيضا لا يدل على ذمه بل يحتمل أن يكون عليه السلام قال ذلك لئلا يزل لغاية محبته و معرفته‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 103

بفضائلهم فينتهي حاله إلى الغلو و الارتفاع، و قيل: إنما قال عليه السلام ذلك لبيان وجه تخصيص الفقراء بالشيعة، و تعريضا بالمخالفين أنهم مشركون لإشراكهم في الإمامة، و قيل: إشارة إلى أن ترك قضاء حوائج المؤمنين نوع من الشرك و لا يخفى ما فيهما، و قيل: هو بيان أنهم عليهم السلام لا يطلبون حوائجهم إلى أحد سوى الله سبحانه و أنهم منزهون عن ذلك.

 (الحديث الثالث)

 (1): مجهول بسنديه.

و في القاموس: حمله يحمله حملا و حملانا و

الحملان‏

 (2) بالضم ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة، انتهى.

و المراد هنا المصدر بمعنى حمل الغير على الفرس و بعثه إلى الجهاد أو الأعم منه و من الحج و الزيارات، قال في المصباح: حملت الرجل على الدابة حملا.

 (الحديث الرابع)

 (3): كالسابق.

" مائة ألف"

 (4) أي من الدراهم أو من الدنانير أي إذا أنفقها في غير حوائج الإخوان لئلا يلزم تفضيل الشي‏ء على نفسه.

 (الحديث الخامس)

 (5): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 104

" و سببها له"

 (1) أي جعلها سببا لغفران ذنوبه و رفع درجاته أو أوجد أسبابها له‏

" قد شرعت له"

 (2) أي أظهرت أو سوغت أو فتحت أو رفعت له، في المصباح شرع الله لنا كذا يشرعه أظهره و أوضحه، و شرع الباب إلى الطريق اتصل به و شرعته أنا يستعمل لازما و متعديا، و في الصحاح: شرع لهم يشرع شرعا سن.

قوله: لا أظن يصرفها،

 (3) كأنه بمعنى أظن أنه لا يصرفها، لقوله عليه السلام في جوابه: لا تظن‏

و لكن استيقن‏

 (4)، أي يحصل لك اليقين بسبب قولي، فإن التكليف باليقين مع عدم حصول أسبابه تكليف بالمحال، و في القاموس:

الشجاع‏

 (5) كغراب و كتاب الحية أو الذكر منها أو ضرب منها صغير، و الجمع شجعان بالكسر و الضم و

قال:

نهشه‏

 (6) كمنعه نهسه و لسعة و عضه أو أخذه بأضراسه و بالسين أخذه بأطراف الأسنان، و في المصباح: نهسه الكلب و كل ذي ناب نهسا من بابي ضرب و نفع عضه، و قيل:

قبض عليه ثم نتره فهو نهاس، و نهست اللحم أخذته بمقدم الأسنان للأكل، و اختلف في جميع الباب فقيل بالسين المهملة و اقتصر عليه ابن السكيت، و قيل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 105

جميع الباب بالسين و الشين نقله ابن فارس عن الأصمعي، و قال الأزهري: قال الليث النهش بالشين المعجمة تناول من بعيد كنهش الحية و هو دون النهس، و النهس بالمهملة القبض على اللحم و نتره، و عكس تغلب فقال: النهس بالمهملة يكون بأطراف الأسنان، و النهش بالمعجمة بالأسنان و الأضراس، و قيل: يقال نهشته الحية بالشين المعجمة و نهسه الكلب و الذئب و السبع بالمهملة، انتهى.

و في الإبهام‏

 (1) إبهام، يحتمل اليد و الرجل، و كان الأول أظهر، و قيل: صيرورة الإبهام ترابا لا يأبى عن قبول النهش لأن تراب الإبهام كالإبهام في قبوله العذاب، و لعل الله تعالى يخلق فيه ما يجد به الألم، انتهى.

و أقول: يحتمل أن يكون النهش في الأجساد المثالية أو يكون النهش أولا و بقاء الألم للروح إلى يوم القيامة" مغفورا له أو معذبا" أي سواء كان في القيامة مغفورا أو معذبا.

 (الحديث السادس)

 (2): مجهول.

و الدرجات‏

 (3) إما درجات القرب المعنوية أو درجات الجنة لأن في الجنة درجات بعضها فوق بعض كما قال الله تعالى:" لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ" قال القرطبي: من العامة أهل السفل من الجنة ينظرون إلى من فوقهم على تفاوت منازلهم كما ينظر من بالأرض دراري السماء و عظام نجومها فيقولون: هذا فلان و هذا فلان، كما يقال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 106

هذا المشتري و هذا الزهرة، و يدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: إن أهل الجنة ليتراؤون الغرفة كما تراءون الكوكب في السماء.

 (الحديث السابع)

 (1): صحيح، و المراد

بالمسلم‏

 (2) المؤمن فيهما.

 (الحديث الثامن)

 (3): مجهول.

و الملتزم:

 (4) المستجار مقابل باب الكعبة سمي به لأنه يستحب التزامه و إلصاق البطن به، و الدعاء عنده، و قيل: المراد به الحجر الأسود أو ما بينه و بين الباب، أو عند الباب و كأنه أخذ بعضه من قول صاحب المصباح حيث قال: التزمته اعتنقته فهو ملتزم، و منه يقال لما بين الباب و الحجر الأسود الملتزم، لأن الناس يعتنقونه أي يضمونه إلى صدورهم، انتهى.

و هو إنما فسره بذلك لأنهم لا يعدون الوقوف عند المستجار مستحبا و هو من خواص الشيعة، و ما فسره به هو الحطيم عندنا، و بالجملة هذه التفاسير نشأت من عدم الأنس بالأخبار، و لا يبعد أن يكون المراد بالكون عند الملتزم بلوغه في الشوط السابع، فإن الالتزام فيه آكد، فيكون فتح سبعة أبواب لتلك المناسبة.

و في ثواب الأعمال بسند آخر عن إسحاق هكذا: حتى إذا صار إلى الملتزم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 107

فتح الله له ثمانية أبواب الجنة، يقال له: ادخل من أيها شئت، و هو أظهر، و تأنيث العشر لتقدير المرات.

 (الحديث التاسع)

 (1): مجهول.

" حتى تقضي"

 (2) بالتاء على بناء المفعول، أو بالياء على بناء الفاعل، و في بعض النسخ حتى يقضيها

" شهرين من أشهر الحرم"

 (3) أي متواليين ففيه تجوز أي ما سوى العيد و أيام التشريق لمن كان بمنى، و مع عدم قيد التوالي لا إشكال و يدل على استحباب الصوم في الأشهر الحرم و فضله، و الأشهر الحرم هي التي يحرم فيها القتال و هي رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و يدل على فضل الاعتكاف فيها أيضا، و عدم اختصاص الاعتكاف بشهر رمضان، فإن قيل: الفرق بين القضاء و عدمه في الثواب مشكل إذ السعي مشترك و القضاء ليس باختياره؟ قلت: يمكن حمله على ما إذا لم يبذل الجهد و لذلك لم يقض لا سيما إذا قرأ الفعلان على بناء المعلوم مع أنه يمكن أن يكون مع عدم الاختلاف في السعي أيضا الثواب متفاوتا فإن الثواب ليس بالاستحقاق بل بالتفضل و تكون إحدى الحكم فيه أن يبذلوا الجهد في القضاء و لا يكتفوا بالسعي القليل.

 (الحديث العاشر)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 108

و قال في النهاية:

التنافس‏

 (1) من المنافسة و هي الرغبة في الشي‏ء و الانفراد به و هو من الشي‏ء النفيس الجيد في نوعه، و نافست في الشي‏ء منافسة و نفاسا إذا رغب فيه، و قال:

المعروف‏

 (2) اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى، و التقرب إلى الله و الإحسان إلى الناس و حسن الصحبة مع الأهل و غيرهم من الناس.

قوله: فإن العبد

 (3) كان التعليل لفضل المعروف في الجملة لا لخصوص الدخول من باب المعروف، و قيل: حاجته التي يدعو أن حصولها له هي الدخول من باب المعروف، و لا يخفى بعده، و يحتمل أن تكون الفاء للتعقيب الذكري أو بمعنى الواو و كونه عليه السلام أسر لأنه أعلم بحسن الخيرات و عواقبها أو لأن سروره من جهتين من جهة القاضي و المقضي له معا، و كان الضمير في‏

وصلت‏

 (4) راجع إلى القضاء، و التأنيث باعتبار المضاف إليه و قيل: راجع إلى الحاجة و إذا للشرط لا لمحض الظرفية، و الغرض تقييد المؤمن بالكامل، فإن حاجته حاجة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، أقول: هذا إذا كان ضمير

" إليه"

 (5) راجعا إليه صلى الله عليه و آله، و يحتمل رجوعه إلى المؤمن.

 (الحديث الحادي عشر)

 (6): مرسل.

و الظاهر أن ضمير

مثلها

 (7) في الأولين راجع إلى الرقبة و في الأخيرين إلى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 109

العشر، و

قوله: حتى بلغ‏

 (1)، في الموضعين كلام الراوي أي قال مثلها سبع مرات في الموضعين، فصار المجموع سبعين، و يحتمل كونه كلام الإمام عليه السلام و يكون بلغ بمعنى يبلغ، و قيل: ضمير مثلها في الأول و الثاني راجع إلى ثلاث رقبات فيصير ثلاثين و ضمير مثلها في الثالث و الرابع راجع إلى الثلاثين، فيصير الحاصل مضروب الثلاثين في السبعين، فيصير ألفان و مائة و مجموع الثواب مضروب هذا في نفسه أي عتق أربعة آلاف ألف و أربعمائة ألف و عشرة آلاف رقبة.

قوله عليه السلام: لأن أعول،

 (2) قال الجوهري: عال عياله يعولهم عولا و عيالة أي قاتهم و أنفق عليهم يقال: علته شهرا إذا كفيته معاشه‏

" أسد جوعتهم"

 (3) أي بأن أسد.

 (الحديث الثاني عشر)

 (4): مجهول.

قوله عليه السلام: قضيت أم لم تقض،

 (5) محمول على ما إذا لم يقصر في السعي كما مر مع أن الاشتراك في دخول الجنة و التحكيم فيها لا ينافي التفاوت بحسب الدرجات.

 (الحديث الثالث عشر)

 (6): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 110

" فإن قبل ذلك فقد وصله"

 (1) الضمير المنصوب في وصله راجع إلى مصدر قبل و الولاية بالكسر و الفتح المحبة و الإضافة في الموضعين إلى الفاعل، و يحتمل الإضافة إلى المفعول أيضا، أي يصير سببا لقبول ولايته لنا و كما لها، و مغفورا حال مقدرة عن مفعول ينهشه.

قوله عليه السلام: فإن عذره الطالب،

 (2) قال في المصباح: عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب رفعت عنه اللوم فهو معذور، أي غير ملوم، و أعذرته بالألف لغة،

و قوله:

كان أسوأ حالا،

 (3) يحتمل وجهين: الأول: أن يكون اسم كان ضميرا راجعا إلى المعذور و كونه أسوأ حالا لأنه حينئذ يكون الطالب من كمل المؤمنين و رد حاجته يكون أقبح و أشد و بعبارة أخرى لما كان العاذر لحسن خلقه و كرمه أحق بقضاء الحاجة ممن لا يعذر فرد حاجته أشنع، و الندم عليه أدوم و الحسرة عليه أعظم، أو لأنه إذا عذره لا يشكوه و لا يغتابه، فيبقى حقه عليه سالما إلى يوم الحساب، و يروي عن بعض الفضلاء ممن كان قريبا من عصرنا أنه قال: المراد بالعذر إسقاط حق الآخرة و كونه أسوأ لأنه زيدت عليه المنة و لا ينفعه، و قال بعض الأفاضل من تلامذته لتوجيه كلامه: هذا مبني على أن عذاب القبر لا يسقط بإسقاطه إذ هو حق الله كما صرح به الشيخ قدس الله روحه في الاقتصاد، حيث قال: كل حق ليس لصاحبه قبضه ليس له إسقاطه كالطفل و المجنون لما لم يكن لهما استيفاؤه لم يكن لهما إسقاطه، و الواحد منا لما لم يكن له استيفاء ثوابه و عوضه في الآخرة لم يسقط بإسقاطه، فعلم بذلك أن الإسقاط تابع للاستيفاء فمن لم يملك أحدهما لم يملك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 111

الآخر، انتهى.

و الثاني: أن يكون الضمير راجعا إلى الطالب كما فهمه المحدث الأسترآبادي، حيث قال: أي كان الطالب أسوأ حالا لتصديقه الكاذب و لتركه النهي عن المنكر و الأول أظهر و سيأتي الخبر في باب: من منع مؤمنا شيئا.

 (الحديث الرابع عشر)

 (1): ضعيف.

باب السعي في حاجة المؤمن‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): مجهول.

" يكتب له"

 (4) على بناء المفعول و العائد محذوف أو علي بناء الفاعل و الإسناد على المجاز

" و لا أعلمه"

 (5) أي لا أظنه و استدل به على جواز كون السنة أفضل من الواجب لأن السعي مستحب غالبا و الاعتكاف يشمل الواجب أيضا، مع أن المستحب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 112

أيضا ينتهي إلى الواجب في كل ثالثة على المشهور كما سيأتي إنشاء الله تعالى و نظائره كثيرة.

 (الحديث الثاني)

 (1): صحيح.

و الظاهر أن الأجر مترتب على السعي فقط، و يحتمل ترتبه على السعي و القضاء معا، و الحصر المستفاد من اللام مع تأكيده بضمير الفصل على المبالغة أو إضافي بالنسبة إلى من تركه أو إلى بعض الناس و أعمالهم، و

تفريح القلب‏

 (2) كشف الغم عنه و إدخال السرور فيه.

 (الحديث الثالث)

 (3): مرسل.

" أظله الله"

 (4) أي يجعلهم طائرين فوق رأسه حتى يظلوه لو كان لهم ظل، أو يجعلهم في ظلهم أي في كنفهم و حمايتهم‏

" فإذا فرغ من حاجته"

 (5) أي من السعي فيها قضيت أم لم تقض، و ربما يخص بعدم القضاء للخبر السابع الآتي، و قيل: يدل ظاهره على أن الأجر المذكور قبله للمشي في قضاء الحاجة و

جر الحاج و المعتمر

 (6) لقضاء الحاجة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 113

 (الحديث الرابع)

 (1): ضعيف على المشهور.

و في المصباح‏

حلوان‏

 (2) بالضم بلد مشهور من سواد العراق، و هي آخر مدن العراق و بينها و بين بغداد نحو خمس مراحل، و هي من طرف العراق من الشرق و القادسية من طرفه من الغرب، قيل: سميت باسم بانيها و هو حلوان بن عمران بن الحارث بن قضاعة

" و احمل في سبيل الله"

 (3) أي اركب ألف إنسان على ألف فرس كل منها شد عليه السرج و ألبس اللجام و أبعثها في الجهاد، و

مسرجة و ملجمة

 (4) اسما مفعول من بناء الأفعال.

 (الحديث الخامس)

 (5): حسن كالصحيح.

" و زيد بعد ذلك"

 (6) أي لكل خطوة و قيل: للجميع، و

شفع‏

 (7) على بناء المجهول من التفعيل، أي قبلت شفاعته أي استجيب دعاؤه في عشر حاجات من الحوائج الدنيوية و الأخروية.

 (الحديث السادس)

 (8): موثق.

قوله: يغفر فيها

 (9)، أي بسبب تلك الحسنات فإنها تذهب السيئات و قد ورد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 114

في بعض الأخبار أنها إذا زيدت على سيئاته تذهب سيئات أقاربه و معارفه، أو المعنى يغفر معها فيكون علاوة للحسنات، و يؤيده بعض الروايات و كان الاختلافات الواردة في الروايات في أجور قضاء حاجة المؤمن محمولة على اختلاف النيات و مراتب الإخلاص فيها، و تفاوت الحاجات في الشدة و السهولة و اختلاف ذوي الحاجة في مراتب الحاجة و الإيمان و الصلاح، و اختلاف السعاة في الاهتمام و السعي و أمثال ذلك، و عدم تضرر المؤمن بدخول النار لأمره تعالى بكونها عليه بردا و سلاما

 (الحديث السابع)

 (1): كالسابق.

و يدل على أن مع قضاء الحاجة ثواب الساعي أكثر مما إذا لم تقض و إن لم يتفاوت السعي و لم يقصر في الاهتمام، و لا استبعاد في ذلك و قد مر مثله في حديث إبراهيم الخارقي في الباب السابق لكن لم يكن فيه ذكر العمرة، و يمكن أن يراد بالحجة فيه الحجة التي دخلت العمرة فيها أي التمتع أو حجة كاملة لتقييدها بالمبرورة أو يحمل على اختلاف العمل كما مر.

 (الحديث الثامن)

 (2): موثق كالصحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 115

" كفى بالمرء"

 (1) الظاهر أن الباء زائدة و اعتمادا تميز، و

قوله: أن ينزل‏

 (2) على بناء الأفعال بدل اشتمال للمرء، و قال بعض الأفاضل: الباء في‏

قوله بالمرء

 (3) بمعنى في، و الظرف متعلق بكفي و اعتمادا تميز عن نسبة كفى إلى المرء، و أن ينزل فاعل كفى، انتهى.

و أقول: له وجه لكن ما ذكرنا أنسب بنظائره الكثيرة الواردة في القرآن المجيد و غيره، و بالجملة فيه ترغيب عظيم في قضاء حاجة المؤمن إذا سأله قضاءها فإن إظهار حاجته عنده يدل على غاية اعتماده على إيمانه و وثوقه بمحبته، و مقتضى ذلك أن لا يكذبه في ظنه و لا يخيبه في رجائه برد حاجته أو تقصيره في قضائها.

 (الحديث التاسع)

 (4): مرسل.

" فشكا إليه تعذر الكراء عليه"

 (5) الكراء بالكسر و المد أجر المستأجر عليه و هو في الأصل مصدر كاريته و المراد بتعذر الكراء إما تعذر الدابة التي يكتريها أو تعذر من يكتري دوابه بناء على كونه مكاريا أو عدم تيسر أجرة المكاري له و كل ذلك مناسب لحال صفوان الراوي، و إما بالفتح و التخفيف، و" أن" بالفتح مصدرية و ليس في بعض النسخ، و

قوله: مبتدئا

 (6) إما حال عن فاعل قال، أي قال عليه السلام ذلك مبتدئا قبل أن أسأله عن أجر من قضى حاجة أخيه أو عن فاعل الطواف‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 116

أو هو على بناء اسم المفعول حالا عن الطواف، و على التقديرين الأخيرين لإخراج طواف الفريضة، و قيل: حال عن فاعل تعين أي تعين مبتدئا أو تميز عن نسبة أحب إلى الإعانة أي أحب من حيث الابتداء يعني قبل الشروع في الطواف لا بعده، و لا يخفى ما فيهما لا سيما الأخير

" تستعينه"

 (1) أي لتستعينه أو هو حال، فإن قيل: كيف لم يختر الحسين صلوات الله عليه إعانته مع كونها أفضل؟ قلت: يمكن أن يجاب عن ذلك بوجوه:

الأول: أنه يمكن أن يكون له عليه السلام عذر آخر لم يظهره للسائل و لذا لم يذهب معه، فأفاد الحسن عليه السلام ذلك لئلا يتوهم السائل أن الاعتكاف في نفسه عذر في ترك هذا، فالمعنى لو أعانك مع عدم عذر آخر كان خيرا.

الثاني: أنه لا استبعاد في نقص علم إمام قبل إمامته عن إمام آخر في حال إمامته أو اختيار الإمام ما هو أقل ثوابا لا سيما قبل الإمامة.

الثالث: ما قيل: إنه لم يفعل ذلك لا يثأر أخيه على نفسه صلوات الله عليهما في إدراك ذلك الفضل.

الرابع: ما قيل أن فعلت بمعنى أردت الاستعانة و قوله: فذكر على بناء المجهول أي ذكر بعض خدمة أو أصحابه أنه معتكف فلذا لم أذكر له.

ثم اعلم أن قضاء الحاجة من المواضع التي جوز الفقهاء خروج المعتكف فيها عن محل اعتكافه إلا أنه لا يجلس بعد الخروج و لا يمشي تحت الظل اختيارا على المشهور، و لا يجلس تحته على قول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 117

 (الحديث العاشر)

 (1): ضعيف،

و كونهم عياله تعالى‏

 (2) لضمانه أرزاقهم.

 (الحديث الحادي عشر)

 (3): مرسل.

و أبو عمارة

 (4) كنية لجماعة أكثرهم من أصحاب الباقر عليه السلام و كلهم مجاهيل،

و حماد بن أبي حنيفة

 (5) أيضا مجهول، و الظاهر أنه كان يسأل تكرار هذا الحديث بعينه لالتذاذه بسماعه و ليؤثر فيه فيحثه على العمل به، و قيل: المراد به جنس الحديث فذكر له يوما هذا الحديث و هو بعيد، و منهم من قرأ براء واحدة مشددة أي ارجع إلى حديثك كأنه كان محدثا و هو مخالف لما عندنا من النسخ.

قوله: روينا

 (6) هو على الأشهر بين المحدثين على بناء المجهول من التفعيل، قال في المغرب: الرواية بعير السقاء لأنه يروي الماء أي يحمله، و منه راوي الحديث و راويته و التاء للمبالغة، يقال: روي الشعر و الحديث رواية و رؤيته إياه حملته على روايته، و منه إنا روينا في الأخبار، و في المصباح عنيت بأمر فلان بالبناء للمفعول عناية و عنيا شغلت به، و لتعن بحاجتي أي لتكن حاجتي شاغلة لسرك و ربما يقال عنيت بأمره بالبناء للفاعل فأنا عان، و عني يعني من باب تعب إذا أصابته مشقة و الاسم العناء بالمد، انتهى.

فيمكن أن يكون من العناء بمعنى المشقة أو من العناية. الاعتناء بمعنى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 118

الاهتمام بالأمر و اشتغالهم بذلك بعد بلوغهم الغاية إما لكونها أرفع العبادات و أشرفها فإن الإنسان يترقى في العبادات حتى يبلغ أقصى مراتبها، أو لأن النفس لا تنقاد لهذه العبادة الشاقة إلا بعد تزكيتها و تصفيتها بسائر العبادات و الرياضات، أو لأن إصلاح النفس مقدم على إصلاح الغير و إعانته.

باب تفريج كرب المؤمن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

" و الإغاثة"

 (3) كشف الشدة و النصرة

" أخاه المؤمن"

 (4) أي الذي كانت أخوته لمحض الإيمان، و يحتمل أن تكون الأخوة أخص من ذلك أي انعقد بينهما المؤاخاة ليعين كل منهما صاحبه، و

اللهفان‏

 (5) صفة مشبهة كاللهثان، قال في النهاية: فيه اتقوا دعوة

اللهثان‏

 (6) هو المكروب، يقال: لهف يلهف لهفا فهو لهفان، و لهف فهو ملهوف، و في القاموس: اللهشان العطشان و بالتحريك العطش و قد لهث كسمع و كغراب حر العطش و شدة الموت، و لهث كمنع لهثا و لهاثا بالضم أخرج لسانه عطشا أو تعبأ أو إعياء، انتهى.

و كأنه هنا كناية عن شدة الاضطرار، و في النهاية:

الجهد

 (7) بالضم الوسع و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 119

الطاقة، و بالفتح المشقة، و قيل: المبالغة و الغاية، و قيل: هما لغتان في الوسع و الطاقة، فأما في المشقة و الغاية فالفتح لا غير، و في القاموس:

نفس‏

 (1) تنفيسا و نفسا أي فرج تفريجا.

و قوله عليه السلام: من الله‏

 (2) من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر، و ربما يقرأ من بالفتح و التشديد و الإضافة منصوبا بتقدير اطلبوا أو انظروا من الله، أو مرفوعا خبر مبتدإ محذوف أي هذا من الله، و على التقادير معترضة تقوية للسابق و اللاحق، أو منصوب مفعولا لأجله للكتب، و أقول: كل ذلك تكلف بعيد.

 (الحديث الثاني)

 (3): ضعيف على المشهور.

" عند كربة العظمى"

 (4) أي في القيامة حيث يتشاغل الناس بأنفسهم، أي يوم لا ينظر أحد لشدة فزعه إلى حال أحد من والد أو ولد أو حميم، كما قال تعالى:

" يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ و لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً"" يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ" و أمثالها كثيرة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 120

 (الحديث الثالث)

 (1): حسن كالصحيح.

" كرب الآخرة"

 (2) بضم الكاف و فتح الراء جمع كربة بالضم، في المصباح: كربة الأمر كربا شق عليه، و رجل مكروب مهموم، و الكربة الاسم منه، و الجمع كرب مثل غرفة و غرف.

قوله عليه السلام: و هو ثلج الفؤاد،

 (3) أي فرح القلب مطمئنا واثقا برحمة الله، في القاموس: ثلجت نفسي كنصر و فرح ثلوجا و ثلجا اطمأنت و ثلج كخجل فرح و أثلجته، و

قال: الرحيق‏

 (4) الخمر أو أطيبها و أفضلها أو الخالص أو الصافي، و في النهاية:

فيه أيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمإ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، الرحيق من أسماء الخمر يريد خمر الجنة و

المختوم‏

 (5) المصون الذي لم يبتذل لأجل ختامه، انتهى.

و أقول: إشارة إلى قوله تعالى:" إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ، تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، خِتامُهُ مِسْكٌ" قال البيضاوي: أي مختوم أوانيه بالمسك مكان الطين، و لعله تمثيل لنفاسته أو الذي له ختام أي مقطع هو رائحة المسك.

 (الحديث الرابع)

 (6): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 121

" فرج الله"

 (1) في بعض النسخ بالجيم و في بعضها بالحاء المهملة.

 (الحديث الخامس)

 (2): صحيح.

قوله عليه السلام: و هو معسر

 (3)، الضمير إما راجع إلى المؤمن الأول أو المؤمن الثاني، و العسر الضيق و الشدة و الصعوبة و هو أعم من الفقر، و

العورة

 (4) كل ما يستحيي منه إذا ظهر، و هي أعم من المحرمات و المكروهات، و ما يشينه عرفا و عادة، و العيوب البدنية و الستر في المحرمات لا ينافي نهيه عنها، لكن إذا توقف النهي عن المنكر على إفشائها و ذمه عليها فالمشهور جوازه بل وجوبه، فيمكن تخصيصه بغير ذلك.

باب إطعام المؤمن‏

 (5)

 (الحديث الأول)

 (6): مجهول مرسل.

" من أشبع" إلخ،

 (7) لا فرق في ذلك بين البادي و الحاضر لعموم الأخبار خلافا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 122

لبعض العامة حيث خصوه بالأول لأن في الحضر مرتفقا و سوقا و لا يخفى ضعفه" مؤمنا كان" أي المطعم، و الزقوم شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين، منبتها قعر جهنم و أغصانها انتشرت في دركاتها، و لها ثمرة في غاية القبح و المرارة و البشاعة، و يدل ظاهرا على عدم جواز إطعام الكافر مطلقا حربيا كان أو ذميا، قريبا كان أو بعيدا، غنيا كان أو فقيرا و لو كان مشرفا على الموت، و المسألة لا تخلو عن إشكال، و للأصحاب فيه أقوال.

و اعلم أن المشهور أنه لا يجوز وقف المسلم على الحربي و إن كان رحما لقوله تعالى:" لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ" الآية، و ربما قيل: بجوازه لعموم قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لكل كبد حرى أجر، و أما الوقف على الذمي ففيه أقوال:" أحدها" المنع مطلقا، و هو قول سلار و ابن البراج، و الثاني: الجواز مطلقا و هو مختار المحقق (ره) و جماعة، و الثالث: الجواز إذا كان الموقوف عليه قريبا دون غيره، و هو مختار الشيخين و جماعة، و الرابع: الجواز للأبوين خاصة اختاره ابن إدريس.

ثم الأشهر بين الأصحاب جواز الصدقة، على الذمي و إن كان أجنبيا للخبر المتقدم، و لقوله تعالى:" لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ" الآية.

و يظهر من بعض الأصحاب أن الخلاف في الصدقة على الذمي كالخلاف في الوقف عليه، و نقل في الدروس عن ابن أبي عقيل المنع من الصدقة على غير المؤمن مطلقا، و روي عن سدير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أطعم سائلا لا أعرفه مسلما؟ قال:

نعم أعط من لا تعرفه بولاية و لا عداوة للحق، إن الله عز و جل يقول:" وَ قُولُوا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 123

لِلنَّاسِ حُسْناً" و لا يطعم من نصب بشي‏ء من الحق أو دعا إلى شي‏ء من الباطل، و روي جواز الصدقة على اليهود و النصارى و المجوس، و سيأتي جواز سقي النصراني، و حمل الشهيد الثاني (ره) أخبار المنع على الكراهة، و هذا الخبر يأبى عن هذا الحمل، نعم يمكن حمله على ما إذا كان بقصد الموادة، أو كان ذلك لكفرهم أو إذا صار ذلك سببا لقوتهم على محاربة المسلمين و إضرارهم، و يمكن حمل أخبار الجواز على المستضعفين أو التقية.

 (الحديث الثاني)

 (1): مرسل.

و لم يرد الأفق‏

 (2) بهذا المعنى في اللغة بل هو بالضم و بضمتين الناحية، و يمكن أن يكون المراد أهل ناحية و التفسير بمائة ألف أو يزيدون معناه أن أقله مائة ألف، أو يطلق على عدد كثير يقال فيهم هم مائة ألف أو يزيدون كما هو أحد الوجوه في قوله تعالى:" وَ أَرْسَلْناهُ إِلى‏ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ"، و كان المراد بالمسلمين هنا الكمل من المؤمنين أو الذين ظهر له إيمانهم بالمعاشرة التامة، و بالناس سائر المؤمنين أو بالمسلمين المؤمنون و بالناس المستضعفون من المخالفين، فإن في إطعامهم أيضا فضلا كما يظهر من بعض الأخبار، أو الأعم منهم و من المستضعفين من المؤمنين.

 (الحديث الثالث)

 (3): صحيح.

و

الجنان‏

 (4) بالكسر جمع الجنة و

قوله: في ملكوت السماوات‏

 (5) إما صفة للجنان‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 124

أو متعلق بأطعمة، و الملكوت فعلوت من الملك و هو العز و السلطان و المملكة، و خص بملك الله تعالى فعلى الأخير الإضافة بيانية، و على بعض الوجوه كلمة في تعليلية، قال البيضاوي في قوله تعالى:" وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ" أي ربوبيتها و ملكها و قيل: عجائبها و بدائعها و الملكوت أعظم الملك و التاء فيه للمبالغة، انتهى.

و الفردوس‏

 (1) البستان الذي فيه الكروم و الأشجار و ضروب من النبت قال الفراء:

هو عربي و اشتقاقه من الفردسة و هي السعة، و قيل: منقول إلى العربية و أصله رومي، و قيل: سرياني ثم سمي به جنة الفردوس.

و العدن الإقامة، يقال: عدن بالمكان يعدن وعدنا و عدونا من بابي ضرب و قعد إذا أقام فيه و لزم و لم يبرح، و منه‏

جنة عدن‏

 (2) أي جنة إقامة، و قيل:

طوبى‏

 (3) اسم للجنة مؤنث أطيب من الطيب و أصلها طيبى، ضمت التاء و أبدلت الياء بالواو، و قد يطلق على الخير و على شجرة في الجنة، انتهى.

و في أكثر النسخ شجرة بدون واو العطف و هو الظاهر، و يؤيده أن في ثواب الأعمال و غيره: و هي شجرة،

فشجرة

 (4) عطف بيان لطوبى، و قد يقال: طوبى مبتدأ و شجرة خبره و عدم ذكر الثالث من الجنان لدلالة هذه الفقرة عليها، و في بعض النسخ بالعطف، فهي عطف على ثلاث جنان، و على التقديرين عد الشجرة جنة و جعلها جنة أخرى مع أنها نبتت من جنة عدن لأنها ليست كسائر الأشجار لعظمتها و اشتمالها على سائر الثمار و سريان أغصانها في جميع الجنان، لما ورد في الأخبار أن في بيت كل مؤمن منها غصن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 125

قوله: بيده‏

 (1)، أي برحمته، و قال الأكثر: أي بقدرته، فالتخصيص مع أن جميع الأشياء بقدرته إما لبيان عظمتها و أنها لا تتكون إلا عن مثل تلك القدرة أو لأن خلقها بدون توسط الأسباب كأشجار الدنيا و كسائر أشجار الجنة، بتوسط الملائكة، و مثله قوله تعالى:" لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ".

 (الحديث الرابع)

 (2): حسن كالصحيح.

و في القاموس:

الشبع‏

 (3) بالفتح و كعنب سد الجوع، و بالكسر و كعنب اسم ما أشبعك و المستتر في كان راجع إلى مصدر يدخل و ما قيل: إنه راجع إلى الرجل و

العتق‏

 (4) بمعنى الفاعل فهو تكلف.

 (الحديث الخامس)

 (5): كالسابق.

 (الحديث السادس)

 (6): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 126

" لم يدر أحد"

 (1) أي من عظمته و الاستثناء في‏

قوله: إلا الله‏

 (2) منقطع، و كان المراد به المؤمن الخالص الكامل، و لذا عبر فيما سيأتي بالمسلم، أي مطلق المؤمن، و يقال سغب سغبا و سغبا بالتسكين و التحريك، و سغابة بالفتح و سغوبا بالضم و مسغبة من بابي فرح و نصر: جاع، فهو ساغب و

سغبان‏

 (3) أي جائع، و قيل: لا يكون السغب إلا أن يكون الجوع مع تعب، و أشار بالآية الكريمة إلى أن الإطعام من المنجيات التي رغب الله فيها و عظمها حيث قال سبحانه:" فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ" فلم يشكر الأيادي المتقدم ذكرها باقتحام العقبة، و هو الدخول في أمر شديد، و العقبة الطريق في الجبل، استعارها لما فسرها به من الفك و الإطعام في قوله:" وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعامٌ" الآية، لما فيهما من مجاهدة النفس، و

المسغبة

 (4) و

المقربة

 (5) و

المتربة

 (6) مفعلات من سغب إذا جاع، و قرب في النسب، و ترب إذا افتقر، و قيل: المراد به مسكين قد لصق بالتراب من شدة فقره و ضره و في الآية إشارة إلى تقديم الأقارب في الصدقة على الأجانب بل الأقرب على غيره.

 (الحديث السابع)

 (7): ضعيف على المشهور.

قوله: من حيث يقدر

 (8)" من" في الموضعين بمعنى في، و يمكن أن يقرأ يقدر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 127

في الموضعين على بناء المجهول و على بناء المعلوم أيضا فالضمير للمؤمن، و

قوله: بكل شربة

 (1) مع ذكر الشربة سابقا، إما لعموم من سقى شربة أو بأن يحمل شربة أولا على الجنس، أو بأن يقرأ الأولى بالضم و هي قدر ما يروي الإنسان، و الثانية بالفتح و هي الجرعة تبلغ مرة واحدة، فيمكن أن يشرب ما يرويه بجرعات كثيرة إما مع الفصل أو بدونه أيضا، قال الجوهري: الشربة بالفتح المرة الواحدة من الشرب و عنده شربة من ماء، بالضم أي مقدار الري.

و المراد

بعتق الرقبة من ولد إسماعيل‏

 (2) تخليصه من القتل و من المملوكية قهرا بغير الحق أو من المملوكية الحقيقية أيضا، فإن كونه من ولد إسماعيل لا ينافي رقيته إذا كان كافرا فإن العرب كلهم من ولد إسماعيل.

 (الحديث الثامن)

 (3): موثق.

" أما إنه يحق عليك"

 (4) أي يجب و يلزم‏

" من يحب الله"

 (5) برفع الجلالة أي يحبه الله، و يحتمل النصب و الأول أظهر

" أما و الله لا تنفع"

 (6) كان غرضه عليه السلام إن دعوى المحبة بدون النفع كذب، و إن كنت صادقا في دعوى المحبة لا بد أن تنفعهم‏

" و أوطؤهم رحلي"

 (7) أي آذنهم و أكلفهم أن يدخلوا منزلي و يمشوا فيه أو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 128

على فراشي و بسطي، في القاموس: الرحل مسكنك و ما تستصحبه من الأثاث‏

" و يكون فضلهم على أعظم"

 (1) استفهام على التعجب‏

" دخلوا بمغفرتك"

 (2) الباء للمصاحبة أو للتعدية، و في سائر الأخبار برزقك و رزق عيالك، و لا يبعد أن يكون سهوا من الرواة ليكون ما بعده تأسيسا.

 (الحديث التاسع)

 (3): مجهول.

و وابش‏

 (4) أبو قبيلة، و

التغدي‏

 (5): الأكل بالغداة أي أول اليوم و

التعشي‏

 (6) الأكل بالعشي أي آخر اليوم و أول الليل‏

" و أخدمهم"

 (7) على بناء الأفعال أي آمر عيالي بخدمتهم و تهيئة أسباب ضيافتهم، و في مجالس الشيخ: و أخدمهم خادمي و في المحاسن:

و يخدمهم خادمي‏

" برزق من الله عز و جل كثير"

 (8) كان التقييد بالكثير لئلا يتوهم أنهم يأتون بقدر ما أكلوا و في المحاسن دخلوا من الله بالرزق الكثير.

و الباء في‏

قوله: بالمغفرة

 (9) كأنها للمصاحبة المجازية فإنهم لما خرجوا بعد مغفرة صاحب البيت فكأنها صاحبتهم أو للملابسة كذلك أي متلبسين بمغفرة صاحب البيت، و قيل: الباء في الموضعين للسببية المجازية فإن الله تعالى لما علم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 129

دخولهم يهيئ رزقهم قبل دخولهم و لما كانت المغفرة أيضا قبل خروجهم عند الأكل كما سيأتي في كتاب الأطعمة فالرزق شبيه بسبب الدخول و المغفرة بسبب الخروج لوقوعهما قبلهما لتقدم العلة على المعلول، فلذا استعملت الباء للسببية فيهما.

 (الحديث العاشر)

 (1): كالسابق.

و لا تنافي بينه و بين ما مضى في رواية أبي بصير إذ كان ما مضى إطعام مائة ألف [رجل من المسلمين‏] و هنا عتق عشرة آلاف، و

الأفق‏

 (2) إما موضوع للعدد الكثير و كان المراد هناك غير ما هو المراد هيهنا، أو المراد أهل الأفق كما مر و هم أيضا مختلفون في الكثرة أو مشترك لفظي بين العددين، و يومئ إلى أن في الإعتاق عشرة أمثال إطعام الناس و المراد بالناس أما المؤمن غير الكامل أو المستضعف كما مر.

 (الحديث الحادي عشر)

 (3): حسن كالصحيح.

و قال الجوهري:

الفئام‏

 (4) كقيام الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه، و العامة تقول فئام بلا همز، انتهى.

و ما فسره به عليه السلام بيان للمعنى المراد بالفئام هنا لا أنه معناه لا يطلق على غيره، و قد أوردنا أخبارا كثيرة في الكتاب الكبير لفضل يوم الغدير مشتملة على تفسير الفأم بمائة ألف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 130

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): حسن.

" إن الموسر قد يشتهي الطعام"

 (2) بيان للتعميم بذكر علته فإن علة الفضل هي إدخال السرور على المؤمن و إكرامه و قضاء وطره، و كل ذلك يكون في الموسر و قد مر أن اختلاف الفضل باختلاف المطعمين و المطعمين و النيات و الأحوال و سائر شرائط قبول العمل مع أن أكثر الاختلافات بحسب المفهوم و الأقل داخل في الأكثر، و يمكن أن يكون التقليل في بعضها لضعف عقول السامعين أو لمصالح أخر.

 (الحديث الثالث عشر)

 (3): صحيح.

و الأكلة

 (4) بالفتح المرة من الأكل و بالضم اللقمة و القرصة و الطعمة، فعلى الأول الضمير في يأكلها مفعول مطلق و على الثاني مفعول به.

 (الحديث الرابع عشر)

 (5): كالسابق.

" رأسا"

 (6) أي عبدا أو أمة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 131

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): موثق.

 (الحديث السادس عشر)

 (2): ضعيف على المشهور.

و قيل: المراد

بالمعادلة

 (3) هنا ما يشمل كونه أفضل.

 (الحديث السابع عشر)

 (4): ضعيف.

 (الحديث الثامن عشر)

 (5): كالسابق.

 (الحديث التاسع عشر)

 (6): كالسابق.

" كان له يعدل"

 (7) في بعض النسخ بصيغة المضارع الغائب و كأنه بتقدير أن المصدرية و في بعض النسخ بالباء الموحدة داخلة على عدل، فالباء زائدة للتأكيد، مثل" جَزاءُ

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 132

سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها" و بحسبك درهم، فيحتمل حينئذ أن يكون العدل بالفتح بمعنى الفداء، و المستتر في‏

ينقذه‏

 (1) راجع إلى المطعم، و على الاحتمال الأخير يحتمل رجوعه إلى العدل، و الضمير البارز في الأول راجع إلى الرقبة بتأويل الشخص، و في الثاني إلى المائة.

 (الحديث العشرون)

 (2): كالسابق.

و" عشر حجج"

 (3) عطف على العتق‏

" عشر رقاب"

 (4) أي عتق عشر رقاب، قاله تعجبا فأزال عليه السلام تعجبه بأن قال إن لم تطعموه فإما أن يموت جوعا إن لم يسأل النواصب أو يصير ذليلا بسؤال ناصب و هو عنده بمنزلة الموت، بل أشد عليه منه فإطعامه سبب لحياته الصورية و المعنوية، و قد قال تعالى:" مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" و المراد بالنفس المؤمنة، و بالإحياء أعم من المعنوية لما ورد في الأخبار الكثيرة أن تأويلها الأعظم هدايتها، لكن كان الظاهر حينئذ

أو تذلوه‏

 (5) للعطف على الجزاء، و لذا قرأ بعضهم بفتح الواو على الاستفهام الإنكاري و تدلونه بالدال المهملة و اللام المشددة من الدلالة.

و الحاصل أنه لما قال عليه السلام الموت لازم‏

لعدم الإطعام‏

 (6) كان هنا مظنة سؤال و هو أنه يمكن أن يسأل الناصب و لا يموت فأجاب عليه السلام بأنه إن أردتم أن تدلوه على أن يسأل ناصبا فهو لا يسأله لأن الموت خير له من مسألته، فلا بد من أن يموت‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 133

فإطعامه إحياؤه، و قرأ آخر تدلونه بالتخفيف من الأدلاء بمعنى الإرسال و ما ذكرناه أولا أظهر معنى، و قوله فقد أمتموه يحتمل الإماتة بالإضلال و بالإذلال، و كذا الإحياء يحتمل الوجهين.

باب من كسى مؤمنا

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف.

و سكرات الموت‏

 (3) شدائده‏

" و أن يلقى"

 (4) يمكن أن يقرأ على بناء المعلوم من باب علم فالضمير المرفوع راجع إلى من، و

الملائكة

 (5) منصوب أو الملائكة مرفوع و المفعول محذوف، أي يلقاه الملائكة أو من باب التفعيل و المستتر راجع إلى الله و المفعول الأول محذوف و مفعوله الثاني الملائكة، و الآية في سورة الأنبياء و قبلها:

" إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ، لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ" أي تستقبلهم مهنين‏

" هذا يَوْمُكُمُ"

 (6) أي يوم ثوابكم و هو مقدر بالقول‏

" الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ"

 (7) أي في الدنيا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 134

 (الحديث الثاني)

 (1): كالسابق.

" من عري"

 (2) بضم العين و سكون الراء خلاف اللبس و الفعل كرضى‏

" مما يقوته"

 (3) في أكثر النسخ بالتاء من القوت و هو المسكة من الرزق، قال في المصباح: القوت ما يؤكل ليمسك الرمق و قاته يقوته قوتا من باب قال أعطاه قوتا، و اقتات به أكله، و قال:

المعيش‏

 (4) و المعيشة مكسب الإنسان الذي يعيش به و الجمع المعايش، هذا على قول الجمهور أنه من عاش، و الميم زائدة و وزن معائش مفاعل فلا يهمز، و به قرأ السبعة، و قيل: هو من معش و الميم أصلية فوزن معيش و معيشة فعيل و فعيلة، و وزن معائش فعايل فيهمز، و به قرأ أبو جعفر المدني و الأعرج، انتهى.

و الضمير المنصوب في يقوته راجع إلى الفقير، و الضمير في قوله من معيشته الظاهر رجوعه إلى المعطي، و يحتمل رجوعه إلى الفقير أيضا و أما إرجاع الضميرين معا إلى المعطي فيحتاج إلى تكلف في يقوته، و في بعض النسخ يقويه بالياء من التقوية، فالاحتمال الأخير لا تكلف فيه و الكل محتمل.

 (الحديث الثالث)

 (5): صحيح.

و كان الأنسب أن يقول مثله.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 135

 (الحديث الرابع)

 (1): حسن كالصحيح.

" من الثياب الخضر"

 (2) كأنه إشارة إلى قوله تعالى:" عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ" أي يعلوهم ثياب الحرير الخضر مارق منها و ما غلظ، و فيه إيماء إلى أن الخضرة أحسن الألوان‏

" ما دام عليه سلك"

 (3) السلك: الخيط و ضمير عليه إما راجع إلى الموصول أي ما دام عليه سلك منه، أو إلى الثوب أي ما دام على ذلك الثوب سلك و إن خرج عن حد اللبس و الانتفاع و الأول أظهر، و إن كانت المبالغة في الأخير أكثر، و يؤيد الأول ما في قرب الإسناد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: من كسى مؤمنا ثوبا لم يزل في ضمان الله عز و جل ما دام على ذلك المؤمن من ذلك الثوب هدبة أو سلك، و يؤيد الأخير ما في مجالس الشيخ مرويا عنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: من كساه ثوبا كساه الله من الإستبرق و الحرير، و صلى عليه الملائكة ما بقي في ذلك الثوب سلك.

 (الحديث الخامس)

 (4): موثق.

و في القاموس:

الإستبرق‏

 (5) الديباج الغليظ معرب استروة، أو ديباج يعمل بالذهب أو ثياب حرير صفاق نحو الديباج، و كلمة من في الموضعين بمعنى عند كما قيل في قوله تعالى:" لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً" أو بمعنى في كما في قوله تعالى:" ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ" و على التقديرين بيان لحال المكسو،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 136

و يحتمل الكاسي على بعد

" في ستر من الله"

 (1) أي يستره من الذنوب أو من العقوبة أو من النوائب أو من الفضيحة في الدنيا و الآخرة.

باب في إلطاف المؤمن و إكرامه‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): مجهول.

و في النهاية:

القذى‏

 (4) جمع قذاة و هو ما يقع في العين و الماء و الشراب من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك.

 (الحديث الثاني)

 (5): ضعيف.

" إلى يوم القيامة"

 (6) إما متعلق بمرحبا فيكون داخلا في المكتوب أو متعلق بكتب و هو أظهر أي يكتب له ثواب هذا القول إلى يوم القيامة، أو يخاطب بهذا الخطاب و يكتب له فينزل عليه الرحمة بسببه، أو هو كناية عن أنه محل لألطاف الله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 137

و رحماته إلى يوم القيامة و الرحب السعة و مرحبا منصوب بفعل لازم الحذف، أي أتيت رحبا و سعة أو مكانا واسعا و فيه إظهار للسرور بملاقاته.

 (الحديث الثالث)

 (1): صحيح.

" فأكرمه"

 (2) أي أكرم المأتي الآتي.

 (الحديث الرابع)

 (3): مجهول.

و الظرف أي‏

في الله‏

 (4) حال عن الأخ أو متعلق بالألطاف و الأول أظهر، و

اللطف‏

 (5): الرفق و الإحسان و إيصال المنافع.

 (الحديث الخامس)

 (6): ضعيف.

" يلطفه بها"

 (7) على بناء على المعلوم من الأفعال، و في بعض النسخ بالتاء فعلا ماضيا من باب التفعل، في القاموس: لطف كنصر لطفا بالضم رفق و دنا و الله لك أوصل إليك مرادك بلطف، و ألطفه بكذا بره و الملاطفة المبارة، و تلطفوا و تلاطفوا رفقوا، انتهى.

" لم يزل في ظل الله الممدود"

 (8) أي المنبسط دائما بحيث لا يتقلص و لا يتفاوت‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 138

إشارة إلى قوله تعالى:" وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ" أي لم يزل في القيامة في ظل رحمة الله الممدود أبدا

" عليه الرحمة"

 (1) أي تنزل عليه الرحمة

" ما كان في ذلك‏

 (2) الظل" أي أبدا أو المعنى لم يزل في ظل حماية الله و رعايته نازلا عليه رحمة الله ما كان مشتغلا بذلك الإكرام، و قيل: الضمير في عليه راجع إلى الظل، و الرحمة مرفوع و هو نائب فاعل الممدود، و ما بمعنى ما دام و المقصود تقييد الدوام المفهوم من لم يزل.

 (الحديث السادس)

 (3): كالسابق.

" أن يعرفه بر إخوانه"

 (4) أي ثواب البر أو التعريف كناية عن التوفيق للفعل‏

" و ذلك أن الله يقول"

 (5) الاستشهاد بالآية من حيث أن الله مدح إيثار الفقير مع أنه لا يقدر على الكثير، فعلم أنه ليس البر بالكثرة

" وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ"

 (6) أي يختارون غيرهم من المحتاجين على أنفسهم و يقدمونهم‏

" وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ"

 (7) أي حاجة و فقر عظيم‏

" وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ"

 (8) بوقاية الله و توفيقه، و يحفظها عن البخل و الحرص‏

" فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"

 (9) أي الفائزون.

و المشهور أن الآية نزلت في الأنصار و إيثارهم المهاجرين على أنفسهم في أموالهم،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 139

و روي من طريق العامة أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام و أنه مع بقية أهل بيته لم يطعموا شيئا منذ ثلاثة أيام فاقترض دينارا ثم رأى المقداد فتفرس منه أنه جائع، فأعطاه الدينار فنزلت الآية مع المائدة من السماء، و القصة طويلة أوردتها في الكتاب الكبير، و على التقديرين يجري الحكم في غير من نزلت فيه‏

" و من عرفه الله"

 (1) على بناء التفعيل‏

" بذلك"

 (2) كان الباء زائدة أو المعنى عرفه بذلك التعريف المتقدم، و يمكن أن يقرأ عرفه على بناء المجرد، و في ثواب الأعمال باختلاف في أول السند عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من فضل الرجل عند الله محبته لإخوانه، و من عرفه الله محبة إخوانه أحبه الله، و من أحبه الله أوفاه أجره يوم القيامة.

 (الحديث السابع)

 (3): كالسابق.

" ليتحف"

 (4) على بناء الأفعال، و هو إعطاء التحفة بالضم و كهمزة و هو البر و اللطف و الهدية، و

قوله: قلت‏

 (5) و جوابه معترضان بين كلام الإمام عليه السلام، و من في‏

قوله: من مجلس‏

 (6)، للبيان و

المتكإ

 (7) بضم الميم و تشديد التاء مهموزا ما يتكأ عليه أي يضع له متكا يتكئ عليه أو فراشا يجلس عليه‏

" فتطاول الجنة"

 (8) أي تمتد و ترتفع لإرادة مكافأته و إطعامه في الدنيا عجالة و قيل: استعارة تمثيلية لبيان شدة استحقاقه لذلك.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 140

قال في القاموس: تطاول امتد و ارتفع و تفضل، و في النهاية تطاول عليهم الرب بفضله أي تطول على أهل الدنيا أي ما داموا فيها، و في المصباح:

الوصيف‏

 (1) الغلام دون المراهق، و الوصيفة الجارية كذلك، و الجمع وصفاء و وصائف مثل كريم و كرماء و كرائم‏

" بتحفهم"

 (2) أي في الآخرة فالباء للآلة، أو في الدنيا فالباء للسببية

" أن الله"

 (3) يحتمل كسر الهمزة و فتحها.

 (الحديث الثامن)

 (4): مجهول.

و كان التخصيص بالسبعين لأنه بعد الإتيان بها يكون غالبا من المتجاهرين بالفسق، فلا حرمة له، و ربما يحمل علي مطلق الكثرة لا خصوص العدد كما قالوا في قوله تعالى:" إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً" و تخصيصه بما يكون بالنسبة إليه من إيذائه و شتمه و أمثالهما بعيد، و لا ينافي وجوب النهي عن المنكر كما مر، و حمله على ما إذا تاب بعد كل منها لا يستقيم إلا إذا حمل على مطلق الكثرة.

 (الحديث التاسع)

 (5): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 141

و في القاموس:

خمش وجهه‏

 (1) يخمشه و يخمشه خدشه و لطمه و ضربه، و قطع عضوا منه، انتهى.

و

قرح‏

 (2) بالقاف من باب التفعيل كناية عن شدة الغم و استمراره.

باب في خدمته‏

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): ضعيف.

قوله عليه السلام: إلا أعطاه الله،

 (5) الاستثناء من مقدر أي ما فعل ذلك إلا أعطاه الله أو هي زائدة، قال في القاموس في معاني إلا: أو زائدة ثم استشهد بقول الشاعر:

         حراجيج ما تنفك إلا مناخة             على الخسف أو ترمي بها بلدا قفرا

 

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 142

باب نصيحة المؤمن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

و يقال نصحه و له كمنعه نصحا و نصاحة و نصاحية فهو ناصح و نصيح و نصاح، و الاسم النصيحة، و هي فعل أو كلام يراد بهما الخير للمنصوح، و اشتقاقها من نصحت العسل إذا صفيته لأن الناصح يصفي فعله و قوله من الغش، أو من نصحت الثوب إذا خطته لأن الناصح يلم خلل أخيه كما يلم الخياط خرق الثوب، و المراد

بنصيحة المؤمن للمؤمن‏

 (3) إرشاده إلى مصالح دينه و دنياه، و تعليمه إذا كان جاهلا و تنبيهه إذا كان غافلا و الذب عنه و عن إعراضه إذا كان ضعيفا، و توقيره في صغره و كبره، و ترك حسده و غشه و دفع الضرر عنه، و جلب النفع إليه، و لو لم يقبل النصيحة سلك به طريق الرفق حتى يقبلها، و لو كانت متعلقة بأمر الدين سلك به طريق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الوجه المشروع.

و يمكن إدخال النصيحة للرسول و الأئمة عليهم السلام أيضا فيها لأنهم أفضل المؤمنين و نصيحتهم الإقرار بالنبوة و الإمامة فيهم، و الانقياد لهم في أوامرهم و نواهيهم و آدابهم و أعمالهم و حفظ شرائعهم و إجراء أحكامهم على الأمة، و في الحقيقة النصيحة للأخ المؤمن نصيحة لهم أيضا.

 (الحديث الثاني)

 (4): كالسابق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 143

" في المشهد و المغيب"

 (1) أي في وقت حضوره بنحو ما مر و في غيبته بالكتابة أو الرسالة و حفظ عرضه، و الدفع عن غيبته، و بالجملة رعاية جميع المصالح له و دفع المفاسد عنه على أي وجه كان.

 (الحديث الثالث)

 (2): كالسابق.

و يحتمل أن يكون الوجوب في بعض الأفراد محمولا على السنة المؤكدة وفقا للمشهور بين الأصحاب.

 (الحديث الرابع)

 (3): ضعيف، و هذا جامع لجميع أفراد النصيحة.

 (الحديث الخامس)

 (4): ضعيف على المشهور.

" أمشاهم في الأرض"

 (5) المراد إما المشي حقيقة أو كناية عن شدة الاهتمام، و الباء في قوله: بالنصيحة للملابسة أو السببية.

 (الحديث السادس)

 (6): ضعيف.

و" عليكم"

 (7) اسم فعل بمعنى ألزموا، و الباء في‏

قوله: بالنصح‏

 (8) زائدة للتقوية، و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 144

في للظرفية أو السببية و النصح يتعدى إلى المنصوح بنفسه و باللام، و نسبة النصح إلى الله إشارة إلى أن نصح خلق الله نصح له، فإن نصحه تعالى إطاعة أوامره و قد أمر بالنصح لخلقه، و يحتمل أن يكون المعنى النصح للخلق خالصا لله فيكون في بمعنى اللام، و يحتمل أن يكون المعنى النصح لله بالإيمان بالله و برسله و حججه و إطاعة أوامره و الاحتراز عن نواهيه‏

" في خلقه"

 (1) أي من بين خلقه و هو بعيد، و لا يناسب الباب أيضا، و قال في النهاية: أصل النصح في اللغة الخلوص يقال: نصحته و نصحت له.

و معنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته و إخلاص النية في عبادته، و النصيحة لكتاب الله هو التصديق له و العمل بما فيه، و نصيحة رسوله صلى الله عليه و آله و سلم التصديق بنبوته و رسالته و الانقياد لما أمر به و نهى عنه، و نصيحة الأئمة. أن يطيعهم في الحق و لا يرى الخروج عليهم، و نصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم.

باب الإصلاح بين الناس‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): ضعيف على الأشهر بسنديه.

" و تقارب"

 (4) أي سعى في تقاربهم أو أصل تقاربهم.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 145

 (الحديث الثاني)

 (1): صحيح.

 (الحديث الثالث)

 (2): ضعيف على المشهور.

قوله عليه السلام: فافتدها

 (3) كان الافتداء هنا مجاز فإن المال بدفع المنازعة كما أن الدية تدفع بطلب الدم أو كما أن الأسير ينقذ بالفداء فكذلك كل منها ينقذ من الآخر بالمال، فالإسناد إلى المنازعة على المجاز، و في المصباح فدى من الأسير يفديه فدى مقصور و تفتح الفاء و تكسر إذا استنقذه بمال، و اسم ذلك المال الفدية و هو عوض الأسير و فاديته مفاداة و فداء أطلقته و أخذت فديته، و تفادى القوم اتقى بعضهم ببعض، كان كل واحد يجعل صاحبه فداه، و فدت المرأة نفسها من زوجها تفدي و أفدت أعطته مالا حتى تخلصت منه بالطلاق.

 (الحديث الرابع)

 (4): كالسابق.

و أبو حنيفة

 (5) اسمه سعيد بن بيان و

" سابق"

 (6) صححه في الإيضاح و غيره بالباء الموحدة، و في أكثر النسخ بالياء من السوق، و على التقديرين إنما لقب بذلك لأنه كان يتأخر عن الحاج ثم يعجل ببقية الحاج من الكوفة و يوصلهم إلى عرفة في تسعة أيام أو في أربعة عشر يوما، و ورد لذلك ذمه في الأخبار لكن وثقه النجاشي و روي في الفقيه عن أيوب بن أعين قال: سمعت الوليد بن صبيح يقول لأبي عبد الله عليه السلام: إن أبا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالقادسية و شهد معنا عرفة؟ فقال: ما لهذا صلاة ما لهذا صلاة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 146

و الختن‏

 (1) بالتحريك زوج بنت الرجل و زوج أخته أو كل من كان من قبل المرأة، و

التشاجر

 (2) التنازع‏

" فوقف علينا ساعة"

 (3) كان وقوفه كان لاستعلام الأمر المتنازع فيه، و أنه يمكن إصلاحه بالمال أم لا

" حتى إذا استوثق"

 (4) أي أخذ من كل منا حجة لرفع الدعوى عن الآخر، في القاموس: استوثق أخذ منه الوثيقة، و أقول:

يدل كسابقه على مدح المفضل و أنه كان أمينه عليه السلام و استحباب بذل المال لرفع التنازع بين المؤمنين و أن أبا حنيفة كان من الشيعة.

 (الحديث الخامس)

 (5): حسن كالصحيح.

" المصلح ليس بكاذب"

 (6) أي إذا نقل المصلح كلاما من أحد الجانبين إلى الآخر لم يقله و علم رضاه به أو ذكر فعلا لم يفعله للإصلاح، ليس من الكذب المحرم بل هو حسن، و قيل: إنه لا يسمى كذبا اصطلاحا و إن كان كذبا لغة، لأن الكذب في الشرع ما لا يطابق الواقع و يذم قائله، و هذا لا يذم قائله شرعا.

 (الحديث السادس)

 (7): حسن موثق.

" وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً"

 (8) قال البيضاوي: العرضة فعلة بمعنى المفعول كالقبضة،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 147

يطلق لما يعرض دون الشي‏ء و للمعرض للأمر، و معنى الآية على الأول و لا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه من أنواع الخير، فيكون المراد بالأيمان الأمور المحلوف عليها كقوله عليه السلام لابن سمرة: إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فات الذي هو خير و كفر عن يمينك. و أن مع صلتها عطف بيان لها، و اللام صلة عرضة لما فيها من معنى الاعتراض، و يجوز أن يكون للتعليل و يتعلق أن بالفعل أو بعرضة، أي و لا تجعلوا الله عرضة لأن تبروا لأجل أيمانكم فتتبذلوه بكثرة الحلف به، و أن تبروا علة النهي أي أنهيكم عن إرادة بركم و تقواكم و إصلاحكم بين الناس، فإن الحلاف مجترئ على الله و المجترئ على الله لا يكون برا متقيا، و لا موثوقا به في إصلاح ذات البين.

و قال الطبرسي (ره): في معناه ثلاثة أقوال: أحدها: أن معناه و لا تجعلوا اليمين بالله علة مانعة لكم من البر و التقوى من حيث تعتمدونها لتعتلوا بها و تقولوا حلفنا بالله و لم تحلفوا به، و الثاني: أن عرضة معناه حجة فكأنه قال: لا تجعلوا اليمين بالله حجة في المنع من البر و التقوى فإن كان قد سلف منكم يمين ثم ظهر أن غيرها خير منها فافعلوا الذي هو خير و لا تحتجوا بما قد سلف من اليمين، و الثالث: أن معناه لا تجعلوا اليمين بالله عدة مبتذلة في كل حق و باطل لأن تبروا في الحلف بها و تتقوا المأثم فيها و هو المروي عن أئمتنا عليهم السلام، نحو ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لا تحلفوا بالله صادقين و لا كاذبين فإنه يقول سبحانه:

" وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ"

 (1) و تقديره على الوجه الأول و الثاني: لا تجعلوا الله مانعا عن البر و التقوى باعتراضك به حالفا، و على الثالث لا تجعلوا الله مما

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 148

تحلف به دائما باعتراضك بالحلف به في كل حق و باطل.

و قوله: أن تبروا

 (1) قيل في معناه أقوال: الأول: لأن تبروا على معنى الإثبات، أي لأن تكونوا بررة أتقياء، فإن من قلت يمينه كان أقرب إلى البر ممن كثرت يمينه، و قيل: لأن تبروا في اليمين، و الثاني: أن المعنى لدفع أن تبروا أو لترك أن تبروا فحذف المضاف، و الثالث، أن معناه أن لا تبروا فحذف لا

" وَ تَتَّقُوا"

 (2) أي تتقوا الإثم و المعاصي في الإيمان‏

" وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ"

 (3) أي لا تجعلوا الحلف بالله علة أو حجة في أن لا تبروا و لا تتقوا و لا تصلحوا بين الناس، أو لدفع أن تبروا و تتقوا و تصلحوا، و على الوجه الثالث لا تجعلوا اليمين بالله مبتذلة لأن تبروا و تتقوا و تصلحوا، أي لكي تكونوا من البررة و الأتقياء و المصلحين بين الناس، فإن من كثرت يمينه لا يوثق بحلفه، و من قلت يمينه فهو أقرب للتقوى و الإصلاح بين الناس.

 (الحديث السابع)

 (4): صحيح.

و ذهب بعض الأصحاب إلى وجوب التورية في هذه المقامات ليخرج عن الكذب، كان ينوي‏

بقوله: قال كذا

 (5)، رضي بهذا القول، و مثل ذلك و هو أحوط.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 149

باب في إحياء المؤمن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): موثق.

و الآية في المائدة هكذا" مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" فما في الخبر على النقل بالمعنى و الاكتفاء ببعض الآية لظهورها، و قال الطبرسي قدس سره في المجمع:

" بِغَيْرِ نَفْسٍ"

 (3) أي بغير قود" أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ" أي بغير فساد كان منها في الأرض فاستحقت بذلك قتلها و فسادها بالحرب لله و لرسوله و إخافة السبيل على ما ذكر الله في قوله" إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ" الآية.

" فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً"

 (4) قيل في تأويله أقوال: أحدها: أن معناه هو أن الناس كلهم خصماؤه في قتل ذلك الإنسان، و قد وترهم وتر من قصد لقتلهم جميعا فأوصل إليهم من المكروه ما يشبه القتل الذي أوصله إلى المقتول، فكأنه قتلهم كلهم، و من استنقذها من غرق أو حرق أو هدم أو ما يميت لا محالة، أو استنقذها من ضلال‏

" فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً"

 (5) أي آجره الله على ذلك أجر من أحياهم أجمعين لأنه في إسدائه المعروف إليهم بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيى كل واحد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 150

منهم روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. ثم قال: و أفضل من ذلك أن يخرجها من ضلال إلى هدى.

و ثانيها: أن من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا، أي يعذب عليه كما لو قتل الناس كلهم، و من شد على عضد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيى الناس جميعا في استحقاق الثواب عن ابن عباس.

و ثالثها: أن معناه من قتل نفسا بغير حق فعليه مأثم كل قاتل من الناس لأنه سن القتل و سهلة لغيره فكأنه بمنزلة المشارك، و من زجر عن قتلها لذلك بما فيه حياتها على وجه يقتدى به فيه بأن يعظم تحريم قتلها كما حرمه الله فلم يقدم على قتلها لذلك فقد أحيى الناس بسلامتهم منه، فذلك إحياؤها إياها.

و رابعها: أن المراد فكأنما قتل الناس جميعا عند المقتول" وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" عند المستنقذ.

و خامسها: أن معناه يجب عليه من القصاص بقتلها مثل الذي يجب عليه لو قتل الناس جميعا و من عفا عن دمها و قد وجب القود عليها كان كما لو عفا عن الناس جميعا و الإحياء هنا مجاز لأنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى.

و أقول: تطبيق التأويل المذكور في الخبر على قوله تعالى:" بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ" يحتاج إلى تكلف كثير، و لذا لم يتعرض الطبرسي (ره) له، و يمكن أن يكون المراد أن نزول الآية إنما هو في إذهاب الحياة البدني لكن يظهر منها حال إذهاب الحياة القلبي و الروحاني بطريق أولى، و بعبارة أخرى دلالة الآية على الأول دلالة مطابقية و على الثاني التزامية و لذا قال عليه السلام: من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها و لم يصرح بأن هذا هو المراد بالآية و كذا عبر في الأخبار

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 151

الآتية بالتأويل إشارة إلى ذلك، مع أنه يحتمل أن يكون المراد على هذا التأويل من قتل نفسا بالإضلال بغير نفس أي من غير أن يقتل نفسا ظاهرا أو يفسد في الأرض كان عقابه عقاب من قتل الناس جميعا بالقتل الظاهري.

 (الحديث الثاني)

 (1): موثق بسنديه.

قوله عليه السلام: ذاك تأويلها الأعظم،

 (2) أي الآية شاملة لها و هي بطن من بطونها.

 (الحديث الثالث)

 (3): حسن.

قوله: كنت على حال،

 (4) كأنه كان قبل أن ينهاه عليه السلام عن دعوة الناس تقية يدعو الناس و بعد نهيه عليه السلام ترك ذلك، و كان ذكر ذلك رجاء أن يأذنه‏

فقال عليه السلام:

و ما عليك،

 (5) إما على النفي أي لا بأس عليك، أو الاستفهام الإنكاري أي أي ضرر عليك‏

" أن تخلي"

 (6) أي في أن تخلي أي اتركهم مع الله فإن الله يهديهم إذا علم أنهم قابلون لذلك‏

" فمن أراد الله أن يخرجه"

 (7) إشارة إلى قوله تعالى:" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ" أي من ظلمة الكفر و الضلال و الشك إلى نور

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 152

الإيمان و اليقين، و قيل: إشارة إلى قوله سبحانه:" فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ" و الحاصل أن سعيك في ذلك إن كان للأغراض الدنيوية فهو مضر لك و إن كان لثواب الآخرة فالثواب في زمن التقية في ترك ذلك و إن كان للشفقة على الخلق فلا ينفع سعيك في ذلك فإنه إذا كان قابلا للتوفيق يوفقه الله بأي وجه كان بدون سعيك و إلا فسعيك أيضا لا ينفع.

ثم استثنى عليه السلام صورة واحدة فقال:

و لا عليك‏

 (1)، أي ليس عليك بأس‏

" إن آنست"

 (2) أي أبصرت و علمت، في القاموس: أنس الشي‏ء أبصره و علمه و أحس به‏

" من أحد خيرا"

 (3) كان تجده لينا غير متعصب طالبا للحق و تأمن حيلته و ضرره‏

" أن تنبذ إليه الشي‏ء"

 (4) أي ترمي و تلقي إليه شيئا من براهين دين الحق نبذا يسيرا موافقا للحكمة بحيث إذا لم يقبل ذلك يمكنك تأويله و توجيهه، في القاموس: النبذ طرحك الشي‏ء أمامك أو وراءك أو عام و الفعل كضرب.

قوله عليه السلام: أن دعاها،

 (5) لما كانت النفس في صدر الآية المراد بها المؤمنة، فضمير أحياها أيضا راجع إلى المؤمنة فيكون على سبيل مجاز المشارفة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 153

باب في الدعاء للأهل إلى الإيمان‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

" قُوا"

 (3) أي احفظوا و احرسوا و امنعوا

" أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً"

 (4) أي قوا أنفسكم النار بالصبر على طاعة الله و عن معصيته و عن اتباع الشهوات، و قوا أهليكم النار بدعائهم إلى طاعة الله، و تعليمهم الفرائض و نهيهم عن القبائح و حثهم على أفعال الخير

" وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ"

 (5) قيل: أي حجارة الكبريت لأنها تزيد في قوة النار، و قيل: الأحجار المعبودة و تدل الآية و الخبر على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و على أن الأقارب من الزوجة و المماليك و الوالدين و الأولاد و سائر القرابات مقدمون في ذلك على الأجانب.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 154

باب في ترك دعاء الناس‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح.

" إياكم و الناس"

 (3) أي احذروا دعوتهم في زمن شدة التقية و علل ذلك بأن من كان قابلا للهداية و أراد الله ذلك به‏

" نكت في قلبه نكتة من نور"

 (4) كناية عن أنه يلقى في قلبه ما يصير به طالبا للحق متهيئا لقبوله، في القاموس: النكت أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها، و النكتة بالضم النقطة، ثم بين عليه السلام طريقا لينا لمعارضتهم و الاحتجاج عليهم و هدايتهم، بحيث لا يصير سببا لمزيد تعصبهم و إصرارهم و لا يتضمن التصريح بكفرهم و ضلالتهم بأن قال:

" لو أنكم"

 (5) و لو للتمني و قلتم جواب إذا

" حيث ذهب الله"

 (6) أي حيث أمر الله بالذهاب إليه‏

" و اخترنا من اختار الله"

 (7) أي اخترنا الإمامة من أهل بيت اختارهم الله فإن النبي مختار الله، و العقل يحكم بأن أهل البيت المختار إذا كانوا قابلين للإمامة أولى من غيرهم، و هذا دليل إقناعي تقبله طباع أكثر الخلق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 155

 (الحديث الثاني)

 (1): مجهول.

و قد مر مثله في أواخر كتاب التوحيد و قد تكلمنا هناك في معنى الهداية و الإضلال، و فهم هذه الأخبار في غاية الإشكال و منهم من أول إرادة الهداية بالعلم أو التوفيق و التأييد الذي استحقه بحسن اختياره‏

" و لا يقول أحدكم أخي"

 (2) أي هذا أخي ترحما عليه لإرادة هدايته‏

" طيب روحه"

 (3) أي جعلها قابلة لفهم الحق و قبوله إما في بدو الخلق أو بعده في عالم الأجساد

" فلا يسمع بمعروف"

 (4) كان فيما مضى معروفا و منكرا و هو أظهر، و الكلمة التي يقذفها في قلبه هي اعتقاد الإمامة فإنها جامعة لإصلاح جميع أموره في الدارين، و لا يشتبه عليه أمر من الأمور.

 (الحديث الثالث)

 (5): مجهول، و قد مر في آخر كتاب التوحيد.

 (الحديث الرابع)

 (6): حسن موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 156

" اجعلوا أمركم هذا"

 (1) أي دينكم و دعوتكم الناس إليه‏

" لله"

 (2) بأن تدعو الناس إليه في مقام تعلمون رضا الله فيه، و لا تدعوا في مقام التقية فإنه نهى الله عنه‏

" و لا تجعلوه للناس"

 (3) بإظهار الفضل و حب الغلبة على الخصم و العصبية فتدعوهم في مقام التقية أيضا فيعود ضرره عليكم و علينا

" فإنه ما كان لله"

 (4) أي خالصا لوجهه تعالى‏

" فهو لله"

 (5) أي يقبله الله و يثيب عليه أو ما كان لله في الدنيا فهو لله في الآخرة و مالهما واحد

" فلا يصعد إلى السماء"

 (6) أي لا يقبل، إشارة إلى قوله تعالى:" إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ".

" و لا تخاصموا بدينكم"

 (7) أي لا تجادلوا مجادلة يكون غرضكم فيها المغالبة و المعاندة بإلقاء الشبهات الفاسدة لا ظهور الحق فإن المخاصمة على هذا الوجه يمرض القلب بالشك و الشبهة و الأغراض الباطلة و إن كان غرضكم إجبارهم على الهداية فإنها ليست بيدكم كما قال تعالى لنبيه:" إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ" و قال:

" أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ".

و قوله عليه السلام: ذروا الناس،

 (8) يحتمل أن يكون المراد به أن غرضكم من المجادلة إن كان ظهور الحق لكم فلا حاجة لكم إلى ذلك فإن حقيتكم أظهر من ذلك فإنكم أخذتم دينكم عن الله بالآيات المحكمات، و عن رسول الله بالأخبار المتواترة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 157

من الجانبين، و عن علي عليه السلام المقبول من الطرفين و هم أخذوا من الأخبار الموضوعة المنتهية إلى النواصب و المعاندين و الشبهات الواهية التي تظهر بأدنى تأمل بطلانها، و لا سواء مأخذكم و مأخذهم، و وكر الطائر عشه.

 (الحديث الخامس)

 (1): كالسابق.

" خلق قوما للحق"

 (2) كان اللام للعاقبة أي عالما بأنهم يختارون الحق أو يختارون خلافه و إن كانوا لا يعرفونه، قيل: هذا مبني على أنه قد يحكم الإنسان بأمر و يذعن به، و هو مبني على مقدمة مركوزة في نفسه لا يعلم بها أو بابتناء إذعانه عليها، و الغرض من ذكره في هذا الباب أن السعي لا مدخل له كثيرا في الهداية و إنما هو لتحصيل الثواب فلا ينبغي فعله في موضع التقية لعدم ترتب الثواب عليه.

 (الحديث السادس)

 (3): حسن كالصحيح.

و قد مر مضمونه بسند آخر في باب الهداية، و كان‏

النكت‏

 (4) كناية عن التوفيق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 158

لقبول الحق و إفاضة علم يقيني ينتقش فيه‏

" فأضاء له سمعه و قلبه"

 (1) أي يسمع الحق و في الثاني كناية عن منع اللطف منه، لعدم استحقاقه لذلك فيخلى بينه و بين الشيطان فينكت في قلبه الشكوك و الشبهات‏

" فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ"

 (2) قيل: أي يعرفه الحق و يوفقه للإيمان‏

" يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ"

 (3) فيتسع له و يفسح ما فيه بحاله و هو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه و ينافيه‏

" وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ"

 (4) أي يمنع عنه لطفه‏

" يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً"

 (5) بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان‏

" كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ"

 (6) شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة.

 (الحديث السابع)

 (7): مجهول و مضمونه مما مر معلوم.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 159

باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

" من يحب و من يبغض"

 (3) أي من يحبه الله و من يبغضه الله، أو من يحب الله و من يبغض الله و الأول أظهر

" و لا يعطي هذا الأمر"

 (4) أي الاعتقاد بالولاية و اختيار دين الإمامية

" إلا صفوته من خلقه"

 (5) أي من اصطفاه و اختاره و فضله من جميع خلقه بسبب طيب روحه و طينته كما مر، أو المعنى أن ذا المال و الجاه و النعمة في الدنيا يمكن أن يكون محبوبا لله أو مبغوضا له، و ليست سببا لحب الله و لا علامة له بخلاف دين الحق فإن من أوتيه يكون لا محالة محبوبا لله مختارا عنده.

و على الوجهين الغرض بيان فضل الولاية و الشكر عليها و عدم الشكاية بعد حصولها عن فقر الدنيا و ذلها و شدائدها و حقارة الدنيا و أهلها عند الله و أنها ليست مناط الشرف و الفضل.

قوله عليه السلام و دين آبائي‏

 (6)، المعنى أن أصول الدين مشتركة في ملل جميع الأنبياء و إنما الاختلاف في بعض الخصوصيات فإن الاعتقاد و العدل و المعاد مما اشترك فيه جميع الملل و كذا التصديق بنبوة الأنبياء و الإذعان بجميع ما جاءوا به و أهمها الإيمان بأوصيائهم و متابعتهم في جميع الأمور و عدم العدول عنهم إلى غيرهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 160

كان لازما في جميع الملل، و إنما الاختلاف في خصوص النبي و خصوص الأوصياء و خصوص بعض العبادات فمن أقر بنبينا صلى الله عليه و آله و سلم و بجميع ما جاء به و بجميع أوصيائه و لم يعدل عنهم إلى غيرهم فهو على دين جميع الأنبياء عليهم السلام، و يحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في كثير من الأخبار أن الإقرار بنبينا صلى الله عليه و آله و سلم و أوصيائه عليهم السلام كان مأخوذا على جميع الأنبياء و أممهم عليهم السلام، و قيل: المراد أنه مأخوذ في دين الإسلام نفي الشرك و نصب غير من نصبه الله للإمامة، و الرجوع إليه نوع من الشرك فالتوحيد الذي هو دين جميع الأنبياء مخصوص بالشيعة، و ما ذكرنا أوضح و أمتن.

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور و مضمونه ظاهر مما مر.

 (الحديث الثالث)

 (2): كالسابق.

و قال الجوهري:

صفوة

 (3) الشي‏ء خالصة، و محمد صفوة الله من خلقه و مصطفاه، أبو عبيدة يقال له: صفوة و صفوة و صفوة مالي و صفوة مالي، فإذا نزعوا الهاء قالوا له صفو مالي بالفتح لا غير.

 (الحديث الرابع)

 (4): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 161

باب سلامة الدين‏

 (1) أي المقصد الأقصى الذي ينبغي أن يكون مطلوب العاقل هو سلامة الدين لا السلامة في الدنيا من آفاتها.

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

" فَوَقاهُ اللَّهُ"

 (3) الضمير راجع إلى مؤمن آل فرعون حيث توكل على الله و فوض أمره إليه حين أراد فرعون قتله بعد أن أظهر إيمانه بموسى، و وعظهم و دعاهم إلى الإيمان، فقال:" وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ، فَوَقاهُ اللَّهُ‏

سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا"

 (4) أي صرف الله عنه شدائد مكرهم، قال بعض المفسرين: أنه جاء مع موسى حتى عبر البحر معه و قيل: إنهم هموا بقتله فهرب إلى جبل فبعث فرعون رجلين في طلبه فوجداه قائما يصلي و حوله الوحوش صفوفا، فخافا و رجعا هاربين، و الخبر يرد هذين القولين كما يرد قول من قال: أن الضمير راجع إلى موسى و يدل على أنهم قتلوه" لقد بسطوا عليه" أي أيديهم في القاموس:

بسط

 (5) يده مدها" وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ" أي مسلطون عليهم كما يقال: بسطت يده عليه أي سلط عليه، و في بعض النسخ:

سطوا عليه في القاموس: سطا عليه و به سطوا و سطوة صال أو قهر بالبطش، انتهى.

و ما في‏

قوله: ما وقاه‏

 (6)، موصولة أو استفهامية و في القاموس:

الفتنة

 (7) بالكسر الضلال و الإثم و الكفر و الفضيحة و الإضلال، و فتنة يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه و أفتنه فهو مفتن و مفتون لازم متعد، كافتتن فيهما.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 162

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف‏

" هدى الليل و النهار"

 (2) إضافة للمصدر إلى ظرف الزمان، و قيل: يحتمل أن يكون الليل و النهار كناية عن الباطل و الحق كما قال تعالى:" وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ"

" و نور الليل المظلم"

 (3) الظاهر أن الليل المظلم كناية عن زمان الشدة و البلاء

فقوله:

على ما كان‏

 (4)، متعلق بالمظلم أي كونه مظلما بناء على ما كان من جهد أي مشقة و فاقة، فالمعنى أن القرآن في أحوال الشدة و الفاقة منور القلب و مذهب الهم لما فيه من المواعظ و النصائح، و لأنه يورث الزهد في الدنيا، فلا يبالي بما وقع فيها.

و يحتمل أن يكون المعنى أنه نور في ظلم الجهالة و الضلالة و على أي حال كان من أحوال الدنيا من مشقة و فقر و غير ذلك، أي ينبغي أن يرضى بالشدة و الفاقة مع نور الحق و الهداية و من في‏

قوله: من جهد

 (5)، للبيان أو التبعيض و التفريع في‏

قوله:

فإذا حضرت‏

 (6)، بهذا ألصق، و قال ابن ميثم: أراد بالفاقة الحاجة إلى ما ينبغي من الهداية و الكمال النفساني، و لا يخفى ما فيه.

و المراد

بالبلية

 (7) ما يمكن دفعه بالمال و بالنازلة ما لا يمكن دفعه إلا ببذل النفس أو ببذل الدين، أو البلية في أمور الدنيا و النازلة في أمور الآخرة، و المراد بها ما لا تقية فيه، و إلا فالتقية واجبة

" من هلك"

 (8) إما بذهابه بالمرة أو بنقصه بترك الفرائض و ارتكاب الكبائر أو الأعم، و في المصباح: حرب حربا من باب تعب أخذ جميع ماله فهو حريب و حرب على بناء المفعول فهو محروب، و في القاموس:

حربه حربا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 163

 (1) كطلبه طلبا سلب ماله فهو محروب و حريب، و الجمع حربي و حرباء و حريبة: ماله الذي سلب أو ماله الذي يعيش به‏

" لا فقر بعد الجنة"

 (2) أي بعد فعل ما يوجبها، و كذا

قوله:

بعد النار

 (3)، أي بعد فعل ما يوجبها.

ثم بين عليه السلام عدم الغناء مع استحقاق النار ببيان شدة عذابها من حيث أن أسيرها و المقيد فيها بالسلاسل و الأغلال لا يفك أبدا

" و لا يبرء ضريرها"

 (4) أي من عمي عينه فيها أو من ابتلي فيها بالضر أو المراد عدم فك أسيرها في الدنيا من قيد الشهوات و عدم برء من عمي قلبه في الدنيا بالكفر و الأول أظهر، و في القاموس: الضرير الذاهب البصر، و المريض المهزول، و كل ما خالطه ضر.

 (الحديث الثالث)

 (5): حسن كالصحيح و سنده الآتي مجهول كالصحيح.

" سلامة الدين"

 (6) أي مما فيه شائبة الشرك من العقائد الباطلة و الأعمال القبيحة

و صحة البدن‏

 (7) من الأمراض البدنية

خير من‏

 (8) زوائد

المال‏

 (9) أما خيرية الأولى فظاهرة و أما الثانية فلأنه ينتفع بالصحة مع عدم المال، و لا ينتفع بالمال مع فقد الصحة

" و المال"

 (10) أي المال الصالح و الحلال‏

" زينة حسنة"

 (11) لكن بشرط أن لا يضر بالدين.

 (الحديث الرابع)

 (12): مرسل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 164

" فصبر زمانا" في بعض النسخ‏

فغبر زمانا

 (1) أي مضى، و في بعضها فغبر زمانا أي مكث، في القاموس: غبر غبورا مكث و ذهب ضد

" فلان ما فعل؟"

 (2) أي كيف حاله و لم تأخر عن الحج؟" قال" أي بعض الأصحاب الراوي‏

" فجعل"

 (3) أي شرع بعض المعارف‏

" يضجع الكلام"

 (4) أي يخفضه أو يقصر و لا يصرح بالمقصود و يشير إلى سوء حاله لئلا يغتم الإمام عليه السلام بذلك كما هو الشائع في مثل هذا المقام.

قال في القاموس: أضجعت الشي‏ء أخفضته و ضجع في الأمر تضجيعا قصر

" فظن"

 (5) في بعض النسخ يظن و هو أظهر

" إنما يعني"

 (6) إنما بفتح الهمزة و ما موصولة، و هي اسم أن كقوله تعالى:" وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ" أو ما كافة مثل قوله:" أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ" و عند الزمخشري أنه يفيد الحصر كالمكسور فعلى الأول مفعول يعني و هو عائد ما محذوف، و تقديره أن ما يعنيه،

و الميسرة

 (7) خبر أن و على الثاني الميسرة مفعول يعني، و على التقديرين المستتر في يعني راجع إلى الإمام عليه السلام‏

" كما تحب"

 (8) أي على أحسن الأحوال‏

" فقال هو وَ اللَّهُ الْغَنِيُّ".

 (9) أقول: تعريف الخبر باللام المفيد للحصر و تأكيده بالقسم للتنبيه على أن الغناء الحقيقي ليس إلا الغناء الأخروي الحاصل بسلامة الدين، كما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: الفقر الموت الأحمر، فقيل له الفقر من الدينار و الدرهم؟ فقال: لا و لكن من الدين.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 165

باب التقية

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح.

" أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ"

 (3) الآية في سورة القصص هكذا:" الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ" قال الطبرسي (ره): من قبله أي من قبل محمد" هُمْ بِهِ" أي بمحمد" يُؤْمِنُونَ" لأنهم وجدوا صفته في التوراة و قيل: من قبله أي من قبل القرآن هم بالقرآن يصدقون، و المراد بالكتاب التوراة و الإنجيل" وَ إِذا يُتْلى‏" أي القرآن" عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ" ثم أثنى الله سبحانه عليهم فقال:" أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ‏

مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا"

 (4) قال (ره) مرة بتمسكهم بدينهم حتى أدركوا محمدا صلى الله عليه و آله و سلم فآمنوا به و مرة بإيمانهم به، و قيل: بما صبروا على الكتاب الأول و على الكتاب الثاني و إيمانهم بما فيهما، و قيل: بما صبروا على دينهم و على أذى الكفار لهم و تحمل المشاق‏

" وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ"

 (5) أي يدفعون بالحسن من الكلام القبيح من الكلام التي يسمعونه من الكفار، و قيل: يدفعون بالمعروف المنكر، و قيل: يدفعون بالحلم جهل الجاهل، و قيل: يدفعون بالمداراة مع الناس أذاهم عن أنفسهم، و روي مثل ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 166

و أقول: على ما في الخبر كأنها منزلة على جماعة من مؤمني أهل الكتاب آمنوا بمحمد صلى الله عليه و آله و سلم باطنا و أخفوا إيمانهم عن قومهم تقية فآتاهم أجرهم مرتين لإيمانهم، و مرة للعمل بالتقية، و المراد بالإذاعة الإشاعة و إفشاء ما أمروا عليهم السلام بكتمانه عند خوف الضرر عليهم.

 (الحديث الثاني)

 (1): مجهول.

" إن تسعة أعشار الدين في التقية"

 (2) كان المعنى أن ثواب التقية في زمانها تسعة أضعاف سائر الأعمال، و بعبارة أخرى إيمان العاملين بالتقية عشرة أمثال من لم يعمل بها، و قيل: لقلة الحق و أهله حتى أن الحق عشر و الباطل تسعة أعشار و لا بد لأهل الحق من المماشاة مع أهل الباطل فيها حال ظهور دولتهم ليسلموا من بطشهم، و لا يخفى ما فيه.

" و لا دين"

 (3) أي كاملا

" إلا في النبيذ"

 (4) أقول: سيأتي في كتاب الطهارة في حديث زرارة: ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر،

و مسح الخفين‏

 (5)، و متعة الحج، و هذا مخالف للمشهور من كون التقية من كل شي‏ء إلا في الدماء.

و اختلف في توجيه على وجوه:" الأول" ما ذكره زرارة في تتمة الخبر السابق حيث قال: و لم يقل: الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا، أي عدم التقية فيهن مختص بهم عليهم السلام إما لأنهم يعلمون أنه لا يلحقهم الضرر بذلك، و أن الله يحفظهم أو لأنها كانت مشهورة من مذهبهم عليهم السلام، فكان لا ينفعهم التقية.

الثاني: ما ذكره الشيخ قدس سره في التهذيب و هو أنه لا تقية فيها لأجل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 167

مشقة يسيرة لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال و إن بلغت أحدهما جازت.

الثالث: أنه لا تقية فيها لظهور الخلاف فيها بين المخالفين فلا حاجة إلى التقية.

الرابع: لعدم الحاجة إلى التقية فيها لجهات أخرى أما في النبيذ فلا مكان التعلل في ترك شربه بغير الحرمة كالتضرر به و نحو ذلك، و أما في المسح فلان الغسل أولى منه و هم لا يقولون بتعين المسح على الخفين، و أما في متعة الحج فلأنهم يأتون بالطواف و السعي للقدوم استحبابا، فلا يكون الاختلاف إلا في النية و هي أمر قلبي لا يطلع عليه أحد، و التقصير و إخفاؤه في غاية السهولة.

قال في الذكرى: يمكن أن يقال: هذه الثلاث لا تقية فيها من العامة غالبا لأنهم لا ينكرون متعة الحج، و أكثرهم يحرم المسكر و من خلع خفه و غسل رجليه فلا إنكار عليه، و الغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما، و على هذا تكون نسبته إلى غيره كنسبته إلى نفسه في أنه تنتفي التقية فيه، و إذا قدر خوف ضرر نادر جازت التقية، انتهى.

و أقول: على ما ذكرنا في الوجه الرابع يظهر علة عدم ذكر متعة الحج في هذا الخبر لعدم الحاجة إلى التقية فيه أصلا غالبا، و أما عدم التعرض لنفي التقية في القتل فلظهوره أو لكون المراد التقية من المخالفين و لا اختصاص لتقية القتل بهم.

 (الحديث الثالث)

 (1): موثق.

" من دين الله"

 (2) أي من دين الله الذي أمر عباده بالتمسك به في كل ملة لأن أكثر الخلق في كل عصر لما كانوا من أهل البدع شرع الله التقية في الأقوال و الأفعال و السكوت عن الحق لخلص عباده عند الخوف حفظا لنفوسهم و دمائهم و أعراضهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 168

و أموالهم و إبقاء لدينه الحق و لو لا التقية بطل دينه بالكلية و انقرض أهله لاستيلاء أهل الجور و التقية إنما هي في الأعمال لا العقائد لأنها من الأسرار التي لا يعلمها إلا علام الغيوب.

و استشهد عليه السلام لجواز التقية بالآية الكريمة حيث قال:

" و لقد قال يوسف"

 (1) نسب القول إلى يوسف باعتبار أنه أمر به، و الفعل ينسب إلى الآمر كما ينسب إلى الفاعل،

و العير

 (2) بالكسر القافلة مؤنثة و هذا القول مع أنهم‏

لم يسرقوا

 (3) السقاية ليس بكذب لأنه كان لمصلحة و هي حبس أخيه عنده بأمر الله، مع عدم علم القوم بأنه عليه السلام أخوهم، مع ما فيه من التورية المجوزة عند المصلحة التي خرج بها عن الكذب باعتبار أن صورتهم و حالتهم شبيهة بحال السراق بعد ظهور السقاية عندهم أو بإرادة أنهم سرقوا يوسف من أبيه كما ورد في الخبر.

و كذا قول إبراهيم عليه السلام‏

" إِنِّي سَقِيمٌ"

 (4) و لم يكن سقيما، لمصلحة، فإنه أراد التخلف عن القوم لكسر الأصنام فتعلل بذلك و أراد أنه سقيم القلب بما يرى من القوم من عبادة الأصنام، أو لما علم من شهادة الحسين عليه السلام كما مر، أو أراد أنه في معرض السقم و البلايا و كان الاستشهاد بالآيتين على التنظير لرفع الاستبعاد عن جواز التقية بأنه إذا جاز ما ظاهره الكذب لبعض المصالح التي لم تصل إلى حد الضرورة فجواز إظهار خلاف الواقع قولا و فعلا عند خوف الضرر العظيم أولى، أو المراد بالتقية ما يشمل تلك الأمور أيضا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 169

 (الحديث الرابع)

 (1): مجهول.

و في النهاية:

الهدنة

 (2) السكون و الصلح و الموادعة بين المسلمين و الكفار، و بين كل متحاربين، انتهى.

و المراد بالناس إما المخالفون أي هم في دعة و استراحة لأنا لم نؤمر بعد لمحاربتهم و منازعتهم، و إنما أمرنا بالتقية منهم و مسالمتهم أو الشيعة أي أمروا بالموادعة و المداراة مع المخالفين أو الأعم منهما و لعله أظهر

" فلو قد كان ذلك"

 (3) أي ظهور القائم عليه السلام و الأمر بالجهاد معهم و معارضتهم‏

" كان هذا"

 (4) أي ترك التقية الذي هو محبوبكم و مطلوبكم و قال صاحب الوافي: يعني أن مخالفينا اليوم في هدنة و صلح و مسالمة معنا، لا يريدون قتالنا و الحرب معنا و لهذا نعمل معهم بالتقية، فلو قد كان ذلك، يعني لو كان في زمن أمير المؤمنين و الحسن بن علي عليهما السلام أيضا الهدنة لكانت التقية فإن التقية واجبة ما أمكنت فإذا لم تمكن جاز تركها لمكان الضرورة، انتهى. و ما ذكرنا أظهر.

 (الحديث الخامس)

 (5): مجهول.

" اتقوا على دينكم"

 (6) أي احذروا المخالفين بكتمان دينكم إشفاقا و إبقاء عليه لئلا يسلبوه منكم أو احذروهم كامنين على دينكم إشعارا بأن التقية لا ينافي كونكم على الدين أو اتقوهم ما لم يصر سببا لذهاب دينكم، و يحتمل أن يكون" على" بمعنى" في" و الأول أظهر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 170

" إنما أنتم في الناس كالنحل"

 (1) أقول: كأنه لذلك لقب أمير المؤمنين عليه السلام بأمير النحل و يعسوب المؤمنين، و تشبيه الشيعة بالنحل لوجوه" الأول" أن العسل الذي في أجوافها ألذ الأشياء المدركة بالحس و الذي في قلوب الشيعة من دين الحق و الولاية ألذ المشتهيات العقلانية.

الثاني: أن العسل شفاء من الأمراض الجسمانية لقوله تعالى:" فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ" و ما في جوف الشيعة شفاء من الأدواء الروحانية.

الثالث: ضعف النحل بالنسبة إلى الطيور، و ضعف الشيعة في زمان التقية بالنسبة إلى المخالفين.

الرابع: شدة إطاعة النحل لرئيسهم كشدة انقياد الشيعة ليعسوبهم صلوات الله عليه.

الخامس: ما ذكر في الخبر من أنهم بين بني آدم كالنحل بين سائر الطيور في أنها إذا علمت ما في أجوافها لأكلتها رغبة فيما في أجوافها للذتها، كما أن المخالفين لو علموا ما في قلوب الشيعة من دين الحق لقتلوهم عنادا. و قيل: لأن الطير لو كان بينها حسد كبني آدم و علمت أن في أجوافها العسل و هو سبب عزتها عند بني آدم لقتلتها حسدا، كما أن المخالفين لو علموا أن في أجواف الشيعة ما يكون سببا لعزتهم عند الله لأفنوهم باللسان فكيف باليد و السنان حسدا. و ما ذكرنا أظهر و أقل تكلفا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 171

و في القاموس: نحلة القول كمنعه نسبه إليه و فلانا سابه، و جسمه كمنع و علم و نصر و كرم نحولا: ذهب من مرض أو سفر و أنحله الهم. و في بعض النسخ بالجيم، في القاموس: نجل فلانا ضربه بمقدم رجله و تناجلوا تنازعوا.

 (الحديث السادس)

 (1): مرسل كالحسن.

و كان الجمع بين أجزاء الآيات المختلفة من قبيل النقل بالمعنى و إرجاع بعضها إلى بعض فإن في سورة حم السجدة هكذا:

" وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ

 (2) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" و في سورة المؤمنون هكذا:

" ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ

 (3) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ" فإلحاق السيئة في الآية الأولى لتوضيح المعنى أو لبيان أن دفع السيئة في الآية الأخرى أيضا بمعنى التقية مع أنه يحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم السلام كذلك.

قال الطبرسي (ره):" ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" أي السيئة أي ادفع بحقك باطلهم و بحلمك جهلهم و بعفوك إساءتهم، فإذا فعلت ذلك صار عدوك الذي يعاديك في الدين بصورة وليك القريب فكأنه وليك في الدين و حميمك في النسب.

 (الحديث السابع)

 (4): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 172

و في المصباح:

الفتوى‏

 (1) بالواو فتفتح الفاء و بالياء فتضم، و هو اسم من أفتى العالم إذا بين الحكم و استفتيته سألته أن يفتي، و الجمع الفتاوى بكسر الواو على الأصل، و قيل: يجوز الفتح للتخفيف، انتهى.

و قوله: بأحدثهما:

 (2) إما على سبيل الاستفتاء و السؤال أو كان عالما بهذا الحكم قبل ذلك من جهتهم عليهم السلام، و إلا فكيف يجوز عليه السلام فتواه من جهة الظن مع تيسر العلم، و لما كان الاختلاف للتقية قال عليه السلام:

أبي الله إلا أن يعبد سرا

 (3)، أي في دولة الباطل، و العبادة في السر هي الاعتقاد بالحق قلبا أو العمل بالحكم الأصلي سرا و إظهار خلاف كل منهما علانية و هذا و إن كان عبادة أيضا و ثوابه أكثر لكن الأولى هو الأصل فلذا عبر هكذا.

 (الحديث الثامن)

 (4): ضعيف.

" ما بلغت"

 (5) أي في الأمم السابقة أو في هذه الأمة أيضا لأن أعظم التقية في هذه الأمة مع أهل الإسلام المشاركين لهم في كثير من الأحكام و لم تبلغ التقية منهم إلى حد إظهار الشرك، و

الزنانير

 (6) جمع الزنار وزان التفاح و هو على ما وسط النصارى و المجوس، و تزنروا شدوا الزنار على وسطهم.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 173

 (الحديث التاسع)

 (1): مجهول.

و في القاموس‏

شق‏

 (2) عليه الأمر شقا و مشقة صعب، و عليه أوقعه في المشقة

" ما أحسن"

 (3) ما نافية، أي لم يفعل الحسن حيث ترك التقية، و سلم علي على وجه المعرفة و الإكرام بمحضر المخالفين‏

" و لا أجمل"

 (4) أي و لا فعل الجميل و قيل: أي ما أجمل حيث قدم الظرف على السلام و هو يدل على الحصر و عبر بالكنية و كل منهما يدل على التعظيم.

 (الحديث العاشر)

 (5): ضعيف على المشهور.

" إنكم ستدعون"

 (6) هذا من معجزاته صلوات الله عليه فإنه أخبر بما سيقع و قد وقع لأن بني أمية لعنهم الله أمروا الناس بسبه عليه السلام و كتبوا إلى عما لهم في البلاد أن يأمروهم بذلك، و شاع ذلك حتى إنهم سبوه عليه السلام على المنابر

" و ما له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر"

 (7) روى العامة و الخاصة أن قريشا أكرهوا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 174

عمارا و أبويه ياسرا و سمية على الارتداد فلم يقبله أبواه فقتلوهما و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها، فقيل: يا رسول الله إن عمارا كفر فقال: كلا إن عمارا ملي‏ء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الإيمان بلحمه و دمه، فأتى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عمار و هو يبكي فجعل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يمسح عينيه فقال: ما لك إن عادوا فعد لهم بما قلت.

أقول: و ينافي هذا الخبر ظاهرا ما رواه السيد رضي الله عنه في نهج البلاغة أنه قال عليه السلام: لأصحابه: أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد و يطلب ما لا يجد فاقتلوه و لن تقتلوه إلا و إنه سيأمركم بسبي و البراءة مني، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة و لكم نجاة، و أما البراءة فلا تتبرءوا مني فإني ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإيمان و الهجرة" و البلعوم" مجرى الطعام في الحلق" و مندحق البطن" أي بارزه، و قيل: واسعه" و أكل ما يجد" كناية عن كثرة أكله أو عن الإسراف و التبذير و طلب ما لا يجد عن الحرص أو عدم الظفر بالمقصد الأصلي، و اختلف في هذا الرجل فقيل: هو زياد بن أبيه أو الحجاج أو المغيرة بن شعبة أو معاوية عليهم اللعنة، و قد كان معاوية معروفا بكثرة الأكل حتى يضرب به المثل قال الشاعر:

         و صاحب لي بطنه كالهاوية             كان في أمعائه معاوية

" فإنه لي زكاة" أي زيادة في حسناتي أو لا ينقص من قدري في الدنيا شيئا بل أزيد شرفا و علو قدر و شياع ذكر، و أما ولادته عليه السلام على الفطرة فاستشكل فيها بأن ميلاده عليه السلام كان متقدما على الإسلام و لو أريد بالفطرة ما يولد عليه كل مولود فذلك مما لا يختص به أحد مع أن الولادة على الإسلام ليس خاصة له عليه السلام.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 175

و أجيب بأن المراد بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية لأنه عليه السلام ولد لثلاثين عاما مضت من عام الفيل، و النبي صلى الله عليه و آله و سلم أرسل لأربعين مضت منها.

و قد جاء في الأخبار الصحيحة أنه عليه السلام مكث قبل الرسالة سنين عشرا يسمع الصوت و يرى الضوء و لا يخاطبه أحد، و كان ذلك إرهاصا لرسالته فحكم تلك السنين العشر أيام رسالته، فالمولود فيها إذا كان في حجره و هو المتولي لتربيته كان مولودا في أيام كأيام النبوة و ليس بمولود في الجاهلية ففارقت حاله حال من يدعى له الفضل من الصحابة، و يقصد بالتبري منه عليه السلام توليهم.

و روي أن السنة التي ولد عليه السلام فيها كان يسمع الهتاف من الأحجار و الأشجار و ابتدأ فيها بالتبتل و الانقطاع و العزلة في جبل حراء، فلم يزل كذلك حتى كوشف بالرسالة و أنزل عليه الوحي، و قال لأهله ليلة ولادته و فيها شاهد ما شاهد من الكرامات و القدرة الإلهية التي لم يشاهدها قبلها: لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح الله به علينا أبوابا من النعمة و الرحمة.

و قيل: المراد الولادة على الفطرة التي لم يتغير و لم يتبدل بفساد العقائد باتباع الآباء و متابعة الشبهات و إضلال المضلين، و ذلك أمر لا يعم كل مولود و إن كانت الولادة على الفطرة بمعنى الاستعداد للمعارف لو لم يمنع مانع من الأمور المذكورة مشتركة بين الجميع.

و قيل: يمكن أن يراد بالفطرة الخلقة التي لم يطرء عليها مخالفة أمر الله و نهيه و هي العصمة، أي لم أخرج عن اتباع أمر الله مذ ولدت، و أما السبق إلى الهجرة فقيل: إنه عليه السلام لم يسبق على جميع الصحابة و قد بات على فراشه صلى الله عليه و آله و سلم لما هاجر إلى المدينة و مكث أياما لرد الودائع التي كانت عنده صلى الله عليه و آله و سلم.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 176

و أجيب: بأن المراد بالهجرة الجنس و أول هجرة هاجرها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خروجه إلى بني عامر بن صعصعة لما مات أبو طالب عليه السلام، و أوحى إليه: أن اخرج فقد مات ناصرك، و كانت مدة تلك الغيبة عشرة أيام و لم يصحبه في تلك الهجرة إلا علي عليه السلام وحده.

ثم هاجر إلى شيبان و كان معه هو عليه السلام و أبو بكر و قد كان تخلفه عليه السلام في الهجرة إلى المدينة أسبق إلى الرتبة من السبق إليها كما لا يخفى على من له أدنى فطنة، و أما السبق إلى الإيمان فمن خصائصه عليه السلام عندنا و عند كثير من مشاهير العامة و قد أشبعنا الكلام في ذلك في الكتاب الكبير، و ينافيه أيضا ما رواه الكشي بإسناده عن حجر بن عدي قال: قال لي علي عليه السلام: كيف تصنع أنت إذا ضربت و أمرت بلعني؟ قال: قلت له: كيف أصنع؟ قال العني و لا تبرأ مني فإني على دين الله، و هذا يدل على أن اللعن في حكم السب، و يؤيد خبر الكتاب ما رواه صاحب كتاب الغارات بإسناده عن الباقر قال: خطب علي عليه السلام على منبر الكوفة فقال: سيعرض عليكم سبي فسبوني و إن عرض عليكم البراءة مني فإني على دين محمد صلى الله عليه و آله و سلم و لم يقل فلا تبرءوا مني، و روي أيضا عن الصادق عليه السلام قال: قال علي عليه السلام: لتذبحن على سبي و أشار بيده إلى حلقه، ثم قال: فإن أمروكم بسبي فسبوني و إن أمروكم أن تبروا مني فإني على دين محمد صلى الله عليه و آله و سلم و لم ينههم عن إظهار البراءة.

و أقول: الجمع بين تلك الروايات في غاية الإشكال و يمكن الجمع بينها بحمل البراءة المنهي عنها على البراءة القلبية و المجوزة على اللفظية، لكن ينافيه بعض ما سيأتي من الأخبار، و حمل ابن أبي الحديد البراءة على اللفظية و قال:

لما لم تطلق البراءة في الكتاب الكريم إلا في حق المشركين كقوله تعالى:" بَراءَةٌ

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 177

مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" و قوله عز و جل:" أَنَّ اللَّهَ بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ" فيحمل النهي في كلامه عليه السلام على أن التحريم في البراءة أشد و إن كان الحكم في كل من السب و البراءة التحريم، و يرد عليه أن النهي عن البراءة في كلامه عليه السلام في حال الإكراه، و قد صرح هذا القائل بجواز كل من السب و التبري على وجه التقية و أنه يجوز للمكلف أن لا يفعلهما و إن قتل إذا قصد بذلك إعزاز الدين إلا أن يحمل النهي على التنزيه، و يقول بالكراهة في إظهار البراءة و يجعل الصبر على القتل مستحبا بخلاف السب إلا أنه لم يصرح بهذا الفرق، و لم أطلع عليه في كلام غيره، و يمكن أن يقال: بكراهة الأمرين و شدتها في الثاني و يحمل الأمر بالسب في كلامه عليه السلام على الجواز و لو على وجه الكراهة، و يظهر من الشهيد قدس سره التخيير في التبري بين الفعل و الترك و في كل كلمة كفر حيث قال في قواعده: إن التقية تبيح كل شي‏ء حتى إظهار كلمة الكفر و لو تركها حينئذ أثم إلا في هذا المقام و مقام التبري من أهل البيت عليهم السلام فإنه لا يأثم بتركها بل صبره إما مباح أو مستحب خصوصا إذا كان ممن يقتدى به، انتهى.

و لا يظهر من كلامه الفرق بل لا يبعد شمول كلمة الكفر للسب و إن قابلها بالتبري و ما ذكره مناف لبعض الروايات كما عرفت، و قد ذكر أبو الصلاح قدس سره في الكافي فصلا طويلا نذكر منه موضع الحاجة، قال: فأما ما يقع به الإكراه فالخوف على النفس متى فعل الحسن و اجتنب القبيح لحصول الإجماع بكون ذلك إكراها مؤثرا و عدم دليل بما دونه من ضروب الخوف، ثم قال (ره): فإذا حصل شرط

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 178

الإكراه فما أكره عليه المكلف على ضربين، أحدهما لا يصح فيه الإكراه، و الثاني يصح.

فالأول أفعال القلوب كلها لأن المكره لا سبيل له إلى علمها فلا يصح الإلجاء إلى شي‏ء منها و ما يصح فيه الإكراه أفعال الجوارح، و هو على ضربين:

أحدهما لا يؤثر فيه الإكراه و الثاني يؤثر، فالأول القبائح العقلية كلها كالظلم و الكذب و من السمعيات الزنا بإجماع الأمة و شرب الخمر بإجماع الفرقة، و الثاني الواجبات العقلية و السمعية و ما عدا ما ذكرناه من المحرمات، فأما الواجبات فيؤثر فيها التأخير عن أوقاتها و تغير كيفياتها و النيابة فيها و سقوط ما لا يصح ذلك فيه، و أما المحرمات فيؤثر إباحتها كالميتة و لحم الخنزير و الصيد في الحرم أو الإحرام و ساق الكلام في ذلك إلى قوله: فأما إظهار كلمة الكفر و إنكار الإيمان أو إنكار كلمته مع الخوف على النفس مع الإمساك عن الأولة و إظهار الثانية فيختلف الحال فيه فإن كان مظهر الإيمان و الحجة به و منكر الكفر و الممتنع من إظهار شعاره في رتبة من يكون ذلك منه إعزازا للدين كرؤساء المسلمين في العلم و الدين و العبادة و تنفيذ الأحكام، فالأولى به إظهار الإيمان و الامتناع من كلمة الكفر فإن قتل فهو شهيد و يجوز له ما أكره عليه، و إن كان من أطراف الناس و ممن لا يؤثر فعله ما أكره عليه أو اجتنابه غضاضة في الدين ففرضه ما دعي إليه فليور في كلامه ما يخرج به عن الكذب و لا يحل له ما جاز لمن ذكرناه من رؤساء الملة على حال، انتهى.

و قال صاحب الجامع: إن أكره المكلف على إظهار كلمة الكفر بالقتل جاز له إظهارها، و لو احتملها و لم يظهرها كان مأجورا، و إن أكره بالقتل على الإخلال بواجب سمعي أو عقلي أو على فعل قبيح سمعي جاز له ذلك، و إن أكره على قبيح عقلي فإن كان مما له عنه مندوحة، كالكذب ورى في نفسه، و إن كان غيره كالظلم لم يحسنه الإكراه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 179

و روي أنه يأخذ المال بالإكراه فإن تمكن من رده فعل و لا خلاف أن قتل النفس المحرمة لا يستباح بالإكراه أبدا.

قوله عليه السلام: و أمرك،

 (1) يمكن أن يكون على صيغة الماضي الغائب بإرجاع المستتر إلى الله و بصيغة المضارع المتكلم.

 (الحديث الحادي عشر)

 (2): صحيح.

قوله عليه السلام: فإن ولد السوء،

 (3) بفتح السين من إضافة الموصوف إلى الصفة و هذا على التنظير أو هو مبني على ما مر مرارا من أن الإمام بمنزلة الوالد لرعيته و الوالدين في بطن القرآن النبي و الإمام عليهما السلام و قد اشتهر أيضا أن المعلم والد روحاني و الشين العيب‏

" صلوا في عشائرهم"

 (4) يمكن أن يقرأ صلوا بالتشديد من الصلاة، و بالتخفيف من الصلة أي صلوا المخالفين مع عشائرهم، أي كما يصلهم عن عشائرهم، و قيل: أي إذا كانوا عشائركم و الضمائر للمخالفين بقرينة المقام و في بعض النسخ عشائركم.

" و لا يسبقونكم"

 (5) خبر في معنى الأمر و

الخباء

 (6) الإخفاء و الستر، تقول خبأت الشي‏ء خبئا من باب منع إذا أخفيته و سترته، و المراد به هنا التقية لأن فيها إخفاء الحق و ستره.

 (الحديث الثاني عشر)

 (7): كالسابق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 180

" عن القيام للولاة"

 (1) أي القيام عندهم أو لتعظيمهم عند حضورهم أو مرورهم و يفهم منه عدم جواز القيام لهم عند عدم التقية و على جوازه للمؤمنين بطريق أولى و فيه نظر، و قيل: المراد القيام بأمورهم و الائتمار بأمرهم و لا يخفى بعده.

 (الحديث الثالث عشر)

 (2): حسن كالصحيح.

و يدل على وجوب‏

التقية

 (3) في كل ما يضطر إليه الإنسان إلا ما خرج بدليل و على أن الضرورة منوطة بعلم المكلف و ظنه و هو أعلم بنفسه كما قال تعالى:

" الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ" و الله يعلم من نفسه أنه مداهنة أو تقية.

 (الحديث الرابع عشر)

 (4): مجهول،

" جنة للمؤمن"

 (5) أي من ضرر المخالفين.

 (الحديث الخامس عشر)

 (6): كالسابق.

" ما منع ميثم"

 (7) كأنه كان ميثما فصحف و يمكن أن يقرأ منع على بناء المجهول، أي لم يكن ميثم ممنوعا

من التقية

 (8) في هذا الأمر فلم لم يتق؟ فيكون الكلام مسوقا للإشفاق لا الذم و الاعتراض كما هو الظاهر على تقدير النصب، و يحتمل أن يكون على الرفع مدحا بأنه مع جواز التقية تركه لشدة حبه لأمير المؤمنين عليه السلام و يحتمل أن يكون المعنى: لم يمنع من التقية و لم يتركها لكن لم تنفعه و إنما تركها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 181

لعدم الانتفاع بها و عدم تحقق شرط التقية فيه، و يمكن أن يقرأ منع على بناء المعلوم، أي ليس فعله مانعا للغير عن التقية لأنه اختار أحد الفردين المخير فيهما أو لاختصاص الترك به لما ذكر أو فعلها و لم تنفعه، و بالجملة يبعد من مثل ميثم و رشيد و قنبر و أضرابهم رفع الله درجاتهم بعد إخباره صلوات الله عليه إياهم بما يجري عليهم و أمرهم بالتقية تركهم أمره عليه السلام و مخالفتهم له و عدم بيانه لهم ما يجب عليهم حينئذ أبعد، فالظاهر أنهم كانوا مخيرين في ذلك فاختاروا ما كان أشق عليهم.

و يؤيده ما رواه الكشي عن ميثم رضي الله عنه قال: دعاني أمير المؤمنين عليه السلام و قال لي كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني فقلت:

يا أمير المؤمنين أنا و الله لا أبرأ منك قال: إذا و الله يقتلك و يصلبك فقلت: أصبر فذاك في الله قليل فقال عليه السلام: يا ميثم إذا تكون معي في درجتي.

و روي أيضا عن قنوا بنت رشيد الهجري قال: سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك و رجليك و لسانك قلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك إلى الجنة فقال عليه السلام: يا رشيد أنت معي في الدنيا و الآخرة قالت: و الله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد الدعي فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يتبرء منه فقال له الدعي:

فبأي ميتة قال لك تموت؟ فقال له: أخبرني خليلي: إنك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ منه فتقدمني فتقطع يدي و رجلي و لساني فقال: و الله لأكذبن قوله قال: فقدموه فقطعوا يديه و رجليه و تركوا لسانه فحملت أطرافه يديه و رجليه فقلت: يا أبت تجد ألما لما أصابك فقال: لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس فلما احتملناه و أخرجناه من القصر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 182

اجتمع الناس حوله فقال: ائتوني بصحيفة و دواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم القيامة فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه فمات رحمة الله عليه في ليلته.

و أقول: قصة عمار و أبويه رضي الله عنهم تشهد بذلك أيضا إذ مدح عمارا على التقية و قال: سبق أبواه إلى الجنة و إن أمكن أن يكون ذلك لجهلهما بالتقية، و روي في غوالي اللئالي أن مسيلمة لعنه الله أخذ رجلين من المسلمين فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله قال: فما تقول في؟ قال: أنت أيضا فخلاه، فقال للآخر: ما تقول في محمد؟

قال: رسول الله قال: فما تقول في؟ قال أنا أصم فأعاد عليه ثلاثا و أعاد جوابه الأول فقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: أما الأول فقد أخذ برخصة الله و أما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له.

 (الحديث السادس عشر)

 (1): صحيح.

قوله عليه السلام: إنما جعلت التقية،

 (2) أي إنما قررت لئلا ينتهي آخرا إلى إراقة الدم و إن كان في أول الحال يجوز التقية لغيرها، أو المعنى أن العمدة في مصلحة التقية حفظ النفس فلا ينافي جواز التقية لغيره أيضا كحفظ المال أو العرض.

" فليس تقية"

 (3) أي ليس هناك تقية أو ليس ما يفعلونه تقية، و لا خلاف في أنه لا تقية في قتل معصوم الدم و إن ظن أنه يقتل إن لم يفعل، و المشهور أنه إن أكرهه على الجراح الذي لا يسري إلى فوات النفس يجوز فعله إن ظن أنه يقتل إن لم يفعل، و إن شمل قولهم لا تقية في الدماء ذلك، و قد يحمل الخبر على أن المعنى أن التقية لحفظ الدم فإذا علم أنه يقتل على كل حال فلا تقية.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 183

 (الحديث السابع عشر)

 (1): موثق كالصحيح‏

" كلما تقارب هذا الأمر"

 (2) أي خروج القائم.

 (الحديث الثامن عشر)

 (3): حسن الفضلاء، كالصحيح.

و قيل: الفاء في‏

قوله: فقد أحله الله للبيان،

 (4) و أقول: يدل أيضا على عموم التقية في كل ضرورة، و قال الشهيد رفع الله درجته في قواعده: التقية مجاملة الناس بما يعرفون و ترك ما ينكرون، و قد دل عليها الكتاب و السنة قال الله تعالى:" لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‏ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً" و قال تعالى:" إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ" ثم ذكر الأخبار في ذلك.

ثم قال (ره): التقية ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة، فالواجب إذا علم أو ظن نزول الضرر بتركها به أو ببعض المؤمنين، و المستحب إذا كان لا يخاف ضررا عاجلا أو يخاف ضررا سهلا أو كان تقية في المستحب كالترتيب في تسبيح الزهراء عليها السلام و ترك بعض فصول الأذان، و المكروه التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا و لا آجلا و يخاف منه الالتباس على عوام المذهب، و الحرام التقية حيث يؤمن الضرر عاجلا و آجلا أو في قتل مسلم، و المباح التقية في بعض المباحات التي ترجحها العامة و لا يصل بتركها ضرر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 184

 (الحديث التاسع عشر)

 (1): صحيح.

قوله عليه السلام: ترس الله،

 (2) أي ترس يمنع الخلق من عذاب الله، أو من البلايا النازلة من عنده، أو المراد

بقوله بينه‏

 (3) و بين أوليائه على حذف المضاف، فالمراد

بخلقه‏

 (4) أعداؤه.

 (الحديث العشرون)

 (5): ضعيف.

و قال في النهاية في حديث سلمان: من أصلح جوانيه أصلح الله برانيه، أراد

بالبراني‏

 (6) العلانية، و الألف و النون من زيادات النسب، كما قالوا في صنعاء: صنعاني و أصله من قولهم خرج فلان برا أي خرج إلى البر و الصحراء و ليس من قديم الكلام و فصيحة، و قال أيضا في حديث سلمان: إن لكل امرئ‏

جوانيا

 (7) و برانيا أي باطنا و ظاهرا و سرا و علانية و هو منسوب إلى جو البيت و هو داخله و زيادة الألف و النون للتأكيد، انتهى.

و الإمرة

 (8) بالكسر الإمارة، و المراد بكونها

صبيانية

 (9) كون الأمير صبيا أو مثله في قلة العقل و السفاهة، أو المعنى أنه لم تكن بناء الإمارة على أمر حق بل كانت مبنية على الأهواء الباطلة كلعب الأطفال، و النسبة إلى الجمع تكون على وجهين:

أحدهما أن يكون المراد النسبة إلى الجنس فيرد إلى المفرد، و الثاني أن تكون الجمعية ملحوظة فلا يرد، و هذا من الثاني إذ المراد التشبيه بأمارة يجتمع عليها الصبيان.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (10): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 185

و يدل على أن تارك التقية جهلا مأجور و لا ينافي جواز الترك كما مر.

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (1): حسن كالصحيح.

" احذروا عواقب العثرات"

 (2) أي في ترك التقية كما فهمه الكليني (ره) ظاهرا أو الأعم فيشمل تركها، فيحتمل أن يكون ذكره هنا لذلك و على الوجهين فالمعنى:

أن كل ما تقولونه فانظروا أولا في عاقبته و ماله عاجلا و آجلا ثم قولوه أو افعلوه فإن العثرة قلما تفارق القول و الفعل و لا سيما إذا كثرا، أو المراد أنه كلما عثرتم عثرة في قول أو فعل فاشتغلوا بإصلاحها و تداركها كيلا يؤدي في العاقبة إلى فساد لا يقبل الإصلاح.

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (3): صحيح.

" لمن لا تقية له"

 (4) أي مع العلم بوجوبها أو فيما يجب فيه التقية حتما"

فيدين الله عز و جل به"

 (5) أي يعبد الله بقبوله و العمل به‏

" فيما بينه"

 (6) أي بين الله‏

" و بينه فيكون"

 (7) أي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 186

الحديث أو التدين به‏

" له"

 (1) أي لهذا العبد

" عزا"

 (2) في الدنيا بسبب التقية

" و نورا في الآخرة"

 (3) بسبب عبادته الصحيحة

" من حديثنا"

 (4) أي المختص بنا المخالف لأحاديث العامة

" فيكون له ذلا"

 (5) أي بسبب ترك التقية و ينزع الله لبطلان عبادته التي لم يتق فيها.

باب الكتمان‏

 (6)

 (الحديث الأول)

 (7): صحيح.

" لوددت"

 (8) بكسر الدال و فتحها: أي أحببت و يقال:

فداه‏

 (9) يفديه فداء و افتدى به و فاداه أعطى شيئا فأنقذه، و كان المعنى وددت أي أهلك و أذهب تينك الخصلتين عن الشيعة، و لو انجر الأمر إلى أن يلزمني أن أعطى فداء عنها بعض لحم ساعدي، أو يقال: لما كان افتداء الأسر إعطاء شي‏ء لأخذ الأسير ممن أسره أستعير هنا لإعطاء الشيعة لحم الساعد لأخذ الخصلتين منهم، أو يكون على القلب، و المعنى:

إنقاذ الشيعة من تينك الخصلتين.

" و النزق"

 (10) بالفتح: الطيش و الخفة عند الغضب، و المراد

بالكتمان‏

 (11): إخفاء أحاديث الأئمة و أسرارهم عن المخالفين عند خوف الضرر عليهم و على شيعتهم، أو الأعم منه و من كتمان أسرارهم و غوامض أخبارهم عمن لا يحتمله عقله.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 187

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور.

" فصاروا منهما"

 (2) أي بسببهما، أي بسبب تضييعهما على غير شي‏ء من الدين، أو ضيعوهما بحيث لم يبق في أيديهم شي‏ء منهما، الصبر على البلايا و أذى الأعادي و كتمان الأسرار عنهم كما مر في قوله تعالى:" أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ".

 (الحديث الثالث)

 (3): مجهول‏

" أعزه الله"

 (4) خبر و احتمال الدعاء بعيد.

 (الحديث الرابع)

 (5): مرسل.

" جماعة"

 (6) منصوب على الحالية أي مجتمعين معا

" ليقو شديدكم"

 (7) أي بالإغاثة و الإعانة و رفع الظلم، أو بالتقوية في الدين و رفع الشبه عنه‏

" و ليعد"

 (8) يقال: عاد بمعروفه من باب قال، أي أفضل، و الاسم العائدة و هي المعروف و الصلة

" و لا تبثوا سرنا"

 (9) أي الأحكام المخالفة لمذهب العامة عندهم‏

" و لا تذيعوا أمرنا"

 (10) أي أمر إمامتهم و خلافتهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 188

و غرائب أحوالهم و معجزاتهم عند المخالفين، بل الضعفة من المؤمنين إذ كانوا في زمان شديد و كان الناس يفتشون أحوالهم و يقتلون أشياعهم و أتباعهم و أما إظهارها عند عقلاء الشيعة و أمنائهم و أهل التسليم منهم، فأمر مطلوب كما مر.

" فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله"

 (1) كأنه محمول على ما إذا كان مخالفا لما في أيديهم، أو على ما إذا لم يكن الراوي ثقة، أو يكون الغرض موافقته لعموم الكتاب كما ذهب إليه الشيخ من عدم العمل بخبر الواحد إلا إذا كان موافقا لفحوى الكتاب و السنة المتواترة على التفصيل الذي ذكره في صدر كتابي الحديث.

" و إلا فقفوا عنده"

 (2) أي لا تعملوا به و لا تردوه بل توقفوا عنده حتى تسألوا عنه الإمام، و قيل: المراد أنه إذا وصل إليكم منا حديث يلزمكم العمل به فإن وجدتم عليه شاهدا من كتاب الله يكون لكم مفرا عند المخالفين إذا سألوكم عن دليله، فخذوا المخالفين به و ألزموهم و أسكتوهم و لا تتقوا منهم، و إن لم تجدوا شاهدا فقفوا عنده، أي فاعملوا به سرا و لا تظهروه عند المخالفين‏

" ثم ردوه"

 (3) أي العلم بالشاهد إلينا، أي سلونا عن الشاهد له من القرآن حتى نخبركم بشاهده من القرآن فعند ذلك أظهروه لهم و لا يخفى ما فيه،

" لهذا الأمر"

 (4) أي لظهور دولة القائم عليه السلام.

 (الحديث الخامس)

 (5): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 189

و كان المراد بالتصديق الإذعان القلبي و بالقبول الإقرار الظاهري فقط، أو مع العمل، و من في الموضعين للتبعيض أي ليست أجزاء احتمال أمرنا أي قبول التكليف الإلهي في التشيع منحصرة في الإذعان القلبي و الإقرار الظاهري، بل من أجزائه ستره و صيانته أي حفظه و ضبطه من غير أهله و هم المخالفون و المستضعفون من الشيعة، و الضمير في‏

فأقرئهم‏

 (1) راجع إلى المحتملين، أو مطلق الشيعة بقرينة المقام.

و في القاموس قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه، و لا يقال اقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبا، و قال:

الجر

 (2) الجذب كالاجترار، و

قوله: حدثوهم‏

 (3)، بيان لكيفية اجترار مودة الناس‏

" بما يعرفون"

 (4) أي من الأمور المشتركة بين الفريقين‏

" و المؤنة"

 (5) المشقة

" فتحملوا عليه"

 (6) أي احملوا أو تحاملوا عليه، أو تكلفوا أن تحملوا عليه،

" من يثقل عليه"

 (7) أي يعظم عنده، أو يثقل عليه مخالفته، و قيل: من يكون ثقيلا عليه لا مفر له إلا أن يسمع منه، في القاموس: حمله على الأمر فانحمل أغراه به و حمله الأمر تحميلا فتحمله تحملا و تحامل في الأمر و به تكلفه على مشقة و عليه كلفه ما لا يطيق.

و قال:

لطف‏

 (8) كنصر لطفا بالضم رفق و دنا، و الله لك أوصل إليك مرادك بلطف انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 190

و دفن الكلام تحت الأقدام‏

 (1) كناية عن إخفائه و كتمه،

" إنه يقول و يقول"

 (2) أي لا تكرروا قوله في المجالس و لو على سبيل الذم‏

" فإن ذلك يحمل"

 (3) أي الضرر على و عليكم، أو يغري الناس على و عليكم‏

" لو كنتم تقولون ما أقول"

 (4) أي من التقية و غيرها أو تعلنون ما أعلن‏

" له أصحاب"

 (5) أي ترونهم يسمعون قوله و يطيعون أمره مع جهالته و ضلالته.

" و أنا امرؤ من قريش"

 (6) و هذا شرف، و اللذان تقدم ذكرهما ليسا منهم،

" و قد ولدني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم"

 (7) أي أنا من ولده فيدل على أن ولد البنت ولد حقيقة كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا، و من قرأ ولدني على بناء التفعيل أي أخبر بولادتي و إمامتي في خبر اللوح فقد تكلف‏

" كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني"

 (8) أي أعلم جميع ذلك من القرآن بعلم يقيني كأني أنظر إلى جميع ذلك و هي نصب عيني، و في القاموس: هو نصب عيني بالضم و الفتح أو الفتح لحن.

 (الحديث السادس)

 (9): مجهول.

و المراد

بولد كيسان‏

 (10) أولاد المختار الطالب بثار الحسين عليه السلام، و قيل:

المراد بولد كيسان: أصحاب الغدر و المكر الذين ينسبون أنفسهم من الشيعة و ليسوا منهم، في القاموس: كيسان اسم للغدر و لقب المختار بن أبي عبيد المنسوب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 191

إليه الكيسانية. و في الصحاح: سواد البصرة و الكوفة: قراهما، و قيل:

السواد

 (1) ناحية متصلة بالعراق أطول منها بخمسة و ثلاثين فرسخا، وحده في الطول من الموصل إلى عبادان، و في العرض من العذيب إلى حلوان، و تسميتها بالسواد لكثرة الخضرة فيها.

 (الحديث السابع)

 (2): صحيح.

و في القاموس:

الشمز

 (3): نفور النفس مما تكره و تشمز و تمعز و تقبض و اشمأز انقبض و اقشعر أو ذعر، و الشي‏ء كرهه و المشمئز النافر الكاره و المذعور، انتهى‏

" و هو لا يدري"

 (4) إشارة إلى قوله تعالى:" بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ" و يدل على عدم جواز إنكار ما وصل إلينا من أخبارهم و إن لم تصل إليه عقولنا بل لا بد من رده إليهم حتى يبينوا.

 (الحديث الثامن)

 (5): مختلف فيه.

و قد مر مضمونه في آخر الباب السابق و كأنه عليه السلام كان يخاف علي المعلى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 192

القتل لما يرى من حرصه على الإذاعة و لذلك أكثر من نصيحته بذلك و مع ذلك لم تنجع نصيحته فيه و إنه قد قتل بسبب ذلك و تأتي أخبار نكال الإذاعة في بابها إنشاء الله.

 (الحديث التاسع)

 (1): مجهول.

و قوله: أخبرت،

 (2) إما على بناء الأفعال بحذف حرف الاستفهام، أو على بناء التفعيل بإثباته، و فيه مدح عظيم لسليمان بن خالد إن حمل قوله أحسنت على ظاهره و إن حمل على التهكم فلا، و هو أوفق‏

بقوله: أو ما سمعت‏

 (3) فإن سليمان كان ثالثا

" و لا يعدون"

 (4) نهي غائب من باب نصر مؤكد بالنون الخفيفة، و المراد

بالاثنين‏

 (5) الشخصين و كون المراد بهما الشفتين فيه لطف، لكن لا يناسب هذا الخبر فتدبر.

و قيل: كان الاستشهاد للإشعار بأن هذا مما يحكم العقل الصريح بقبحه و لا يحتاج إلى السماع عن صاحب الشرع.

 (الحديث العاشر)

 (6): صحيح.

قوله: عن مسألة،

 (7) كأنها كانت مما يلزم التقية فيها، أو من الأخبار الآتية

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 193

التي لا مصلحة في إفشائها، أو من الأمور الغامضة التي لا تصل إليها عقول أكثر الخلق، كغرائب شؤونهم و أحوالهم عليهم السلام و أمثالها من المعارف الدقيقة، و

" أخذ"

 (1) بصيغة المجهول عطفا على كان، أو على صيغة التفضيل عطفا على شرا، و نسبة الأخذ إلى الإعطاء إسناد إلى السبب، و صاحب هذا الأمر الإمام عليه السلام.

" ولاية الله"

 (2) أي الإمامة و شؤونها و إسرارها و علومها ولاية الله و إمارته و حكومته، و قيل: المراد تعيين أوقات الحوادث، و لا يخفى ما فيه.

" إلى من شاء الله"

 (3) أي الأئمة عليهم السلام،

" ثم أنتم"

 (4) ثم للتعجب، و قيل: استفهام إنكار

" من الذي أمسك"

 (5) الاستفهام للإنكار، أي لا يمسك أحد من أهل هذا الزمان حرفا لا يذيعه، فلذا لا نعتمد عليهم أو لا تعتمدوا عليهم.

" في حكمة آل داود"

 (6) أي الزبور، أو الأعم منه، أي داود و آله‏

" مالكا لنفسه"

 (7) أي مسلطا عليها يبعثها إلى ما ينبغي و يمنعها عما لا ينبغي، أو مالكا لأسرار نفسه لا يذيعها،

" مقبلا على شأنه"

 (8) أي مشتغلا بإصلاح نفسه متفكرا فيما ينفعه فيجلبه، و فيما يضره فيجتنبه.

" عارفا بأهل زمانه"

 (9) فيعرف من يحفظ سره، و من يذيعه، و من تجب مودته أو عداوته، و من ينفعه مجالسته و من تضره‏

" حديثنا"

 (10) أي الحديث المختص بنا عند المخالفين و من لا يكتم السر

" فلو لا"

 (11) الفاء للبناء و جزاء الشرط محذوف أي لانقطعت سلسلة أهل البيت عليهم السلام و شيعتهم بترككم التقية أو نحو ذلك.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 194

" أ ما رأيت ما صنع الله بآل برمك"

 (1) أقول: دولة البرامكة و شوكتهم و زوالها عنهم معروفة في التواريخ، و روى الصدوق (ره) في العيون بإسناده عن علي بن محمد النوفلي عن صالح بن علي، أن السبب في وقوع موسى بن جعفر عليه السلام إلى بغداد، أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة و كان له من البنين أربعة عشر ابنا، و اختار منهم ثلاثة محمد بن زبيدة و جعله ولي عهده و عبد الله المأمون و جعل له الأمر بعد ابن زبيدة، و القاسم المؤتمن و جعل له الأمر بعد المأمون فأراد أن يحكم الأمر في ذلك و يشهره شهرة يقف عليها الخاص و العام فحج في سنة تسع و سبعين و مائة و كتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء و العلماء و القراء و الأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم فأخذ هو على طريق المدينة.

قال علي بن محمد النوفلي: فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر عليه السلام وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث فساء ذلك يحيى، و قال: إذا مات الرشيد و أفضى الأمر إلى محمد انقضت دولتي و دولة ولدي، و تحول الأمر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث و ولده، و كان قد عرف مذهب جعفر في التشيع فأظهر له أنه على مذهبه فسر به جعفر و أفضى إليه بجميع أموره و ذكر له ما هو عليه في موسى بن جعفر عليه السلام فلما وقف على مذهبه سعى إلى الرشيد و كان الرشيد يرعى له موضعه و موضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره و يؤخر و يحيى لا يألو أن يخطب عليه إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له إكراما و جرى بينهما كلام مت به جعفر بحرمته و حرمة أبيه، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى، ثم قال للرشيد: يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرك عن جعفر و مذهبه فتكذب عنه، و هيهنا أمر فيه الفيصل قال: و ما هو؟ قال: إنه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات إلا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر و لست أشك أنه فعل ذلك في العشرين الألف الدينار التي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 195

أمرت بها له.

فقال هارون: إن في هذا لفيصلا فأرسل إلى جعفر ليلا و قد كان عرف سعاية يحيى به فتباينا، و أظهر كل واحد منهما لصاحبه العداوة فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى و إنه إنما دعاه ليقتله، فأفاض عليه ماء و دعا بمسك و كافور فتحنط بهما، و لبس بردة فوق ثيابه و أقبل إلى الرشيد فلما وقعت عليه عينه و شم رائحة الكافور و رأى البردة عليه.

قال: يا جعفر ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قد علمت أنه سعى بي عندك فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال علي، فأرسلت إلى لتقتلني، فقال: كلا و لكن خبرت إنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسة، و إنك قد فعلت ذلك في العشرين الألف الدينار فأحببت أن أعلم ذلك.

فقال جعفر: الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها، فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر، و انطلق به حتى تأتيني بهذا المال و سمى له جعفر جاريته التي عندها المال فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك، قال: صدقت يا جعفر انصرف آمنا فإني لا أقبل فيك قول أحد، قال: و جعل يحيى يحتال في إسقاط جعفر.

قال النوفلي: فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي، عن بعض مشايخه، و ذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة، فقال: لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد، فقال لي: ما لك قد أخملت نفسك؟ ما لك لا تدبر أمر الوزير، فقد أرسل إلى فعادلته و طلبت الحوائج إليه، و كان سبب ذلك أن يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم: أ لا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا فأوسع له منها؟ قال: بلى أدلك على رجل بهذه الصفة، و هو علي بن إسماعيل بن جعفر.

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 196

فأرسل إليه يحيي فقال: أخبرني عن عمك و عن شيعته و المال الذي يحمل إليه، فقال له: عندي الخبر فسعى بعمه، فكان في سعايته أن قال: إن من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعة تسمى البشرية بثلاثين ألف دينار، فلما أحضر المال قال البائع: لا أريد هذا النقد أريد نقد كذا و كذا، فأمر بها فصبت في بيت ماله، و أخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد و وزنه من ثمن الضيعة.

قال النوفلي: قال أبي: و كان موسى بن جعفر عليه السلام يأمر بالمال لعلي بن إسماعيل و يثق به حتى ربما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل، ثم استوحش منه فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر عليه السلام أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق، فأرسل إليه: ما لك و الخروج مع السلطان؟ قال: لأن علي دينا، فقال: دينك علي، قال: و تدبير عيالي؟ قال:

أنا أكفيهم، فأبى إلا الخروج، فأرسل إليه مع أخيه محمد بن إسماعيل بن جعفر بثلاثمائة دينار و أربعة آلاف درهم، فقال: اجعل هذا في جهازك و لا توتم ولدي.

و أقول: في بعض الأخبار أنه عليه السلام لما حبسه الرشيد لعنه الله أمر السندي بن شاهك عليه اللعنة فسمه، و في بعضها تولى ذلك الفضل بن يحيى البرمكي، و أوردت تفصيل تلك القصص في الكتاب الكبير، و قد مر خبر علي بن إسماعيل و سعايته في باب مولد موسى صلوات الله عليه‏

" و ما انتقم لأبي الحسن"

 (1) أي الكاظم صلوات الله عليه أي من البرامكة، و من علي بن إسماعيل أيضا كما مر في قصته.

" ترون أعمال هؤلاء الفراعنة"

 (2) أي بني عباس و أتباعهم، و الحاصل أنه تعالى قد ينتقم لأوليائه من أعدائه و قد يمهلهم إتماما للحجة عليهم.

فاتقوا الله في الحالتين و لا تذيعوا سرنا و لا تغتروا بالدنيا و حبها، فيصير سببا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 197

للإذاعة للأغراض الباطلة، أو للتوسل بالمخالفين لتحصيل الدنيا أو باليأس عن الفرج استبطاء

" فكان الأمر قد وصل إليكم"

 (1) بشارة بقرب ظهور أمر القائم عليه السلام و بيان لتيقن وقوعه.

 (الحديث الحادي عشر)

 (2): ضعيف على المشهور.

قال في النهاية: في حديث علي عليه السلام أنه ذكر آخر الزمان و الفتن، ثم قال:

خير أهل ذلك الزمان كل مؤمن نومة،

النومة

 (3) بوزن الهمزة: الخامل الذكر، الذي لا يؤبه له، و قيل: الغامض في الناس الذي لا يعرف الشر و أهله و قيل: النومة بالتحريك: الكثير النوم، و أما الخامل الذي لا يؤبه له فهو بالتسكين.

و من الأول حديث ابن عباس أنه قال لعلي: ما النومة؟ قال: الذي يسكت في الفتنة فلا يبدو منه شي‏ء، انتهى.

و قوله: عرفه الله‏

 (4)، على بناء المجرد كأنه تفسير للنومة، أي عرفه الله فقط دون الناس، أو عرفه الله بالخير و الإيمان و الصلاح، أي اتصف بها واقعا

و لم يعرفه الناس‏

 (5) بها.

و يمكن أن يقرأ على بناء التفعيل أي عرفه الله نفسه و أولياءه و دينه بتوسط حججه عليهم السلام و لم تكن معرفته من الناس أي من سائر الناس ممن لا يجوز أخذ العلم عنه لكنه بعيد.

" أولئك مصابيح الهدى"

 (6) أولئك: إشارة إلى جنس عبد النومة و فيه إشارة إلى أن المراد بالناس الظلمة و المخالفون لا أهل الحق من المؤمنين المسترشدين،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 198

و هذا وجه جمع حسن بين أخبار مدح العزلة كهذا الخبر و ذمها، و هو أيضا كثير.

أو باختلاف الأزمنة و الأحوال، فإنه يومئ إليه أيضا هذا الخبر، و كذا

قوله:" و ينابيع العلم"

 (1) فإنه يدل على انتفاع الناس بعلمهم‏

" ينجلي"

 (2) أي ينكشف و يذهب‏

" عنهم كل فتنة مظلمة"

 (3) أي الفتنة التي توجب اشتباه الحق و الدين على الناس، و انجلاؤها عنهم كناية عن عدم صيرورتها سببا لضلالتهم، بل هم مع تلك الفتن المضلة على نور الحق و اليقين.

" ليسوا بالمذاييع البذر"

 (4) قال في النهاية: في حديث فاطمة عند وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم قالت لعائشة: إني إذا لبذرة، البذر الذي يفشي السر و يظهر ما يسمعه، و منه حديث علي عليه السلام في صفة الصحابة: ليسوا بالمذاييع البذر جمع بذور يقال: بذرت الكلام بين الناس كما تبذر الحبوب، أي أفشيته و فرقته، و قال: المذاييع، جمع مذياع، من أذاع الشي‏ء إذا أفشاه، و قيل: أراد الذين يشيعون الفواحش، و هو بناء مبالغة.

و قال:

الجفاء

 (5)، غلظ الطبع و منه في صفة النبي صلى الله عليه و آله و سلم ليس بالجافي و لا بالمهين: أي ليس بالغليظ الخلقة و الطبع، أو ليس بالذي يجفو أصحابه، و في القاموس البذور و البذير النمام و من لا يستطيع كتم سره و رجل بذر ككتف: كثير الكلام انتهى.

و قيل: الجافي هو الكز الغليظ السي‏ء الخلق كأنه جعله لانقباضه مقابلا لمنبسط اللسان الكثير الكلام، و المراد النهي عن طرفي الإفراط و التفريط و لزوم الوسط.

 (الحديث الثاني عشر)

 (6): مجهول.

و قال في النهاية: فيه رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لابر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 199

قسمه، أي لا يبالي به و لا يلتفت إليه،

يقال: ما وبهت‏

 (1) له بفتح الباء و كسرها وبها و وبها بالسكون و الفتح و أصل الواو الهمزة، انتهى.

" يعرف الناس"

 (2) أي محقهم و مبطلهم فلا ينخدع منهم‏

" يعرفه الله"

 (3) كان بناء التفعيل هنا أظهر، و

قوله" منه"

 (4) متعلق بيعرفه، أي من عنده و من لدنه، كما أراد بسبب رضاه عنه أو متلبسا برضاه، و ربما يقرأ منه بفتح الميم و تشديد النون أي نعمته التي هي الإمام أو معرفته.

" و يفتح لهم باب كل رحمة"

 (5) أي من رحمات الدنيا و الآخرة، كالفوائد الدنيوية و التوفيقات الأخروية و الإفاضات الإلهية و الهدايات الربانية

" و قولوا الخير تعرفوا به"

 (6) أي لتعرفوا به أو قولوه كثيرا حتى تصيروا معروفين بقول الخير، و على الأول مبني على أن الخير مما يستحسنه العقل و كفى بالمعروفية به ثمرة لذلك، و كذا الوجهان جاريان في الفقرة الأخيرة، و العجل بضمتين جمع العجول: و هو المستعجل في الأمور الذي لا يتفكر في عواقبها.

" الذين إذا نظر إليهم ذكر الله"

 (7) على بناء المجهول فيهما أي يكون النظر في أعمالهم و أطوارهم لموافقتها للكتاب و السنة و إشعارها بفناء الدنيا و إيذانها بإيثار رضى الله و حبه مذكرا لله سبحانه و ثوابه و عقابه.

و في القاموس:

النم‏

 (8) التوريش و الإغراء و رفع الحديث إشاعة له و إفسادا و تزيين الكلام بالكذب و النميمة: الاسم‏

" المفرقون بين الأحبة"

 (9) بنقل حديث بعضهم إلى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 200

بعض صدقا أو كذبا ليصير سبب العداوة بينهم و أمثال ذلك‏

" المبتغون للبراء المعايب"

 (1) أي الطالبون لمن برأ من العيب مطلقا أو ظاهر العيوب الخفية ليظهروه للناس، أو يفتروا عليهم حسدا و بغيا، و في القاموس: بري‏ء المريض فهو بارئ و بري‏ء و الجمع ككرام، و برأ من الأمر يبرء و يبرء نادر، براء و براءة و بروءا تبرأ، و إبراك منه و برأك و أنت بري‏ء و الجمع بريئون و كفقهاء و كرام و أشراف و أنصباء و رخال.

 (الحديث الثالث عشر)

 (2): مرسل.

" كفوا ألسنتكم"

 (3) أي عن إفشاء السر عند المخالفين و إظهار دينكم و الطعن عليهم‏

" و ألزموا بيوتكم"

 (4) أي لا تخالطوا الناس كثيرا فتشتهروا

" فإنه لا يصيبكم"

 (5) أي إذا استعملتم التقية كما ذكر لا يصيبكم‏

" أمر"

 (6) أي ضرر من المخالفين‏

" تخصون به"

 (7) أي يكون مخصوصا بالشيعة الإمامية فإنهم حينئذ لا يعرفونكم بذلك و هم إنما يطلبون من ينكر مذهبهم مطلقا من الشيعة و أنتم محفوظون في حصن التقية و الزيدية لعدم تجويزهم التقية و طعنهم على أئمتنا بها يجاهرون بمخالفتهم فالمخالفون يتعرضون لهم و يغفلون عنكم و لا يطلبونكم فهم وقاء لكم.

و في المصباح: الوقاء مثل كتاب: كل ما وقيت به شيئا، و روى أبو عبيد عن الكسائي الفتح في الوقاية و الوقاء أيضا، انتهى.

و قيل: المراد أنهم يظهرون ما تريدون إظهاره فلا حاجة لكم إلى إظهاره حتى تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.

 (الحديث الرابع عشر)

 (8): صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 201

" إن كان في يدك هذه شي‏ء"

 (1) هذا غاية المبالغة في كتمان سرك من أقرب الناس إليك فإنه و إن كان من خواصك فهو ليس بأحفظ لسرك منك‏

" من قياد رقبتك"

 (2) القياد بالكسر: حبل تقاد به الدابة، و تمكين الناس من القياد، كناية عن تسليط المخالفين على الإنسان بسبب ترك التقية و إفشاء الأسرار عندهم.

 (الحديث الخامس عشر)

 (3): مجهول.

" و المقنع"

 (4) اسم مفعول على بناء التفعيل. أي مستور و أصله من القناع‏

" بالميثاق"

 (5) أي بالعهد الذي أخذ الله رسوله و الأئمة عليهم السلام أن يكتموه عن غير أهله‏

و قوله" أذله الله"

 (6) خبر و يحتمل الدعاء.

 (الحديث السادس عشر)

 (7): مجهول. و الظاهر

محمد بن أسلم‏

 (8) مكان ابن مسلم فيكون الخبر ضعيفا.

" نفس المهموم لنا"

 (9) أي التفكر في أمرنا، الطالب لفرجنا، أو المغتم لعدم وصوله إلينا

" المغتم لظلمنا"

 (10) أي لمظلوميتنا

" تسبيح"

 (11) أي يكتب لكل نفس ثواب‏

" و همه لأمرنا"

 (12) أي اهتمامه بخروج قائمنا، و سعيه في أسبابه و دعاؤه لذلك‏

" عبادة"

 (13) أي ثوابه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 202

ثواب المشتغل بالعبادة.

" و كتمانه لسرنا جهاد"

 (1) لأنه لا يحصل إلا بمجاهدة النفس‏

" قال لي"

 (2) هو كلام محمد بن مسلم أو أسلم،

" اكتب هذا بالذهب"

 (3) أي بمائه و لعله كناية عن شدة الاهتمام بحفظه و الاعتناء به و نفاسته، و يحتمل الحقيقة، و لا منع منه إلا في القرآن كما سيأتي في كتابه‏

" فما كتبت"

 (4) بالخطاب و يحتمل التكلم.

باب المؤمن و علاماته و صفاته‏

 (5) أقول: كان المراد بالمؤمن الكامل أو المراد بها الصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن متصفا بها.

 (الحديث الأول)

 (6): ضعيف على المشهور. لكنه منقول في نهج البلاغة باختلاف كثير، و في مجالس الصدوق، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار عن علي بن حسان الواسطي، عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، عن أبي عبد الله عليه السلام و هو بما في النهج أوفق.

و في النهج روي أن صاحبا لأمير المؤمنين يقال له همام كان رجلا مؤمنا عابدا قال له: يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم فتثاقل عن جوابه، ثم قال صلوات الله عليه: يا همام اتق الله و أحسن" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 203

هُمْ مُحْسِنُونَ" فلم يقنع همام بذلك القول، حتى عزم عليه قال: فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي محمد و آله، ثم قال.

و في المجالس فقال همام: يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أكرمك بما خصك به و حباك و فضلك بما آتاك و أعطاك لما وصفتهم لي؟ فقام أمير المؤمنين عليه السلام قائما على رجليه فحمد الله" إلخ" و

همام‏

 (1) بفتح الهاء و تشديد الميم، و قيل: هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة و كان من شيعة علي عليه السلام و أوليائه.

و في القاموس: الهمام كغراب الملك العظيم الهمة، و السيد الشجاع السخي و كشداد، ابن الحارث، و ابن زيد، و ابن مالك صحابيون، و يمكن أن يكون همام سأل عن صفات المؤمنين و المتقين معا، فاكتفى في بعض الروايات بذكر الأولى و في بعضها بذكر الثانية، و ما ذكر في الروايتين من تثاقله عليه السلام في الجواب أنسب بقوله عليه السلام في آخر الخبر: لقد كنت أخافها عليه.

و في القاموس:

النسك‏

 (2) مثلثة و بضمتين العبادة، و كل حق لله عز و جل، و قيل: المراد هنا المواظب على العبادة، و المجتهد المبالغ في العبادة.

في القاموس:

جهد

 (3) كمنع جد كاجتهد و قال:

الكيس‏

 (4) خلاف الحمق و قال:

الفطنة

 (5) بالكسر: الحذق، و أقول: الكيس كسيِّد، و الفطن بفتح الفاء، و كسر الطاء، و تعريف الخبر باللام و توسيط الضمير، للحصر و التأكيد، كان الفرق بينهما أن الكياسة ما كان خلقة و الفطنة ما يحصل بالتجارب، أو الأول ما كان في الكليات‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 204

و الثاني ما كان في الجزئيات، و يحتمل التأكيد.

و في القاموس:

البشر

 (1) بالكسر الطلاقة

" أوسع شي‏ء صدرا"

 (2) كناية عن كثرة العلم أو وفور الحلم‏

" و أذل شي‏ء نفسا"

 (3) أي لا يترفع، و لا يطلب الرفعة، و يتواضع للناس، و يرى نفسه أخس من كل أحد، و قيل: أي صارت نفسه الأمارة ذليلة لروحه المقدسة، و صارت مخالفته للنفس شعاره، فعلى الأول من الذل و هو السهولة و الانقياد و على الثاني من الذل بالضم بمعنى المذلة و الهوان‏

" زاجر"

 (4) أي نفسه أو غيره أو الأعم منهما

" عن كل فإن"

 (5) أي من جميع الأمور الدنيوية فإنها في معرض الفناء، و

الحض‏

 (6): الترغيب و التحريص، و هذا أيضا يحتمل النفس و الغير و الأعم، و

الحقد

 (7): إمساك العداوة و البغض في القلب، و الحقود: الكثير الحقد، و قيل: لا للمبالغة في النفي، لا لنفي المبالغة كما قيل في قوله تعالى:" وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ" فلا يلزم ثبوت أصل الفعل و كذا في البواقي.

" و لا وثاب"

 (8) أي لا يثب في وجوه الناس بالمنازعة و المعارضة، و في القاموس:

رفع‏

 (9) ككرم رفعة بالكسر شرف و علا قدره، و قال:

شنأه‏

 (10) كمنعه و سمعه شنأ و يثلث و شناة و شنآنا: أبغضه، و قال الجوهري: تقول فعله رياء و

سمعة

 (11): أي ليراه الناس و يسمعوا به‏

" طويل الغم"

 (12) أي لما تستقبله من سكرات الموت و أحوال القبر و أهوال الآخرة

" بعيد الهم"

 (13) إما تأكيد للفقرة السابقة فإن الهم و الغم متقاربان أي يهتم للأمور البعيدة عنه من أمور الآخرة، أو المراد بالهم القصد، أي هو عالي الهمة لا يرضى بالدون من الدنيا الفانية.

و قيل: أي يتفكر في العواقب، في القاموس الهم: الحزن و الجمع هموم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 205

و ما هم به في نفسه، و الهمة بالكسر و يفتح: ما هم به من أمر ليفعل‏

" كثير الصمت"

 (1) أي عما لا يعنيه‏

" وقور"

 (2) أي ذو وقار و رزانة، لا يستعجل في الأمور و لا يبادر في الغضب، و لا تجره الشهوات إلى ما لا ينبغي فعله، و في القاموس: الوقار كسحاب الرزانة و رجل وقار و وقور و وقر كندس‏

" ذكور"

 (3) كثير الذكر لله، و لما ينفعه في الآخرة

" صبور"

 (4) عند البلاء

" شكور"

 (5) عند الرخاء

" مغموم بفكره"

 (6) أي بسبب فكره في أمور الآخرة

" مسرور بفقره"

 (7) لعلمه بقلة خطره و يسر الحساب في الآخرة و قلة تكاليف الله فيه.

" سهل الخليقة"

 (8) أي ليس في طبعه خشونة و غلظة، و قيل: أي سريع الانقياد للحق، و في القاموس: الخليقة الطبيعة، قال الله تعالى:" وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ".

" لين العريكة"

 (9) هي قريبة من الفقرة السابقة مؤكدة لها، في القاموس:

العريكة كسفينة: النفس و رجل لين العريكة سلس الخلق منكسر النخوة، و قال الجوهري: العريكة: الطبيعة، و فلان لين العريكة إذا كان سلسا و يقال: لأنت عريكته إذا انكسرت نخوته، و في النهاية في صفته صلى الله عليه و آله و سلم: أصدق الناس لهجة و ألينهم عريكة، العريكة: الطبيعة، يقال: فلان لين العريكة إذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف و النفور.

" رصين الوفاء"

 (10) بالراء و الصاد المهملتين، و ما في بعض نسخ الكافي بالضاد المعجمة تصحيف، أي محكم الوفاء بعهود الله و عهود الخلق، في القاموس: رصنه:

أكمله و أرصنه: أحكمه، و قد رصن ككرم، و كأمير المحكم الثابت و الحفي بحاجة صاحبه‏

" قليل الأذى"

 (11) إنما ذكر القلة و لم ينف الأذى رأسا، لأن الإيذاء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 206

قد يكون حسنا بل واجبا، كما في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و جهاد الكفار، و قيل: إنما قال ذلك، لأنه يؤذي نفسه، و لا يخفى بعده.

" لا متأفك"

 (1) كأنه مبالغة في الإفك بمعنى الكذب، أي لا يكذب كثيرا، أو المعنى لا يكذب على الناس، و في بعض النسخ لا مستأفك، أي لا يكذب على الناس فيكذبوا عليه فكأنه طلب منهم الإفك، و قيل: المتأفك: من لا يبالي أن ينسب إليه الإفك‏

" و لا متهتك"

 (2) أي ليس قليل الحياء لا يبالي أن يهتك سترة، أو لا يهتك ستر الناس، في القاموس: هتك الستر و غيره يهتكه فانهتك و تهتك: جذبه فقطعه من موضعه، أو شق منه جزءا فبدا ما وراءه، و رجل منهتك و متهتك و مستهتك لا يبالي أن يهتك ستره.

" إن ضحك لم يخرق"

 (3) أي لا يبالغ فيه حتى ينتهي إلى الخرق و السفه، بل يقتصر على التبسم كما سيأتي، في القاموس: الخرق بالضم و التحريك ضد الرفق و أن لا يحسن الرجل العمل و التصرف في الأمور و الحمق، و قيل: هو من الخرق بمعنى الشق أي لم يشق فاه و لم يفتحه كثيرا.

" و إن غصب لم ينزق"

 (4) في القاموس: نزق الفرس كسمع و نصر و ضرب نزقا و نزوقا: نزا أو تقدم خفة و وثب، و أنزقه و نزقه غيره و كفرح و ضرب: طاش و خف عند الغضب‏

" ضحكه تبسم"

 (5) في القاموس: بسم يبسم بسما و ابتسم و تبسم و هو أقل الضحك و أحسنه، و في المصباح: بسم بسما من باب ضرب ضحك قليلا من غير صوت و ابتسم و تبسم كذلك.

" و استفهامه تعلم"

 (6) أي للتعلم لا لإظهار العلم‏

" و مراجعته"

 (7) أي معاودته في السؤال‏

" تفهم"

 (8) أي لطلب الفهم لا للمجادلة

" كثير الرحمة"

 (9) أي ترحمه على‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 207

العباد كثير

" لا يبخل"

 (1) بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة كيعلم و يكرم، و ربما يقرأ بالنون ثم الجيم من النجل و هو الرمي بالشي‏ء، أي لا يرمي بالكلام من غير روية و هو تصحيف‏

" و لا يعجل"

 (2) أي في الكلام و العمل‏

" و لا يضجر"

 (3) في القاموس ضجر منه و به كفرح و تضجر تبرم و في الصحاح: الضجر القلق من الغم، و قال:

البطر

 (4) الأشر و هو شدة المرح، و قد بطر بالكسر يبطر و البطر أيضا الحيرة و الدهش، و في القاموس: البطر محركة: النشاط و الأشر و قلة احتمال النعمة، و الدهش، و الحيرة، و الطغيان بالنعمة و كراهة الشي‏ء، من غير أن يستحق الكراهة، فعل الكل كفرح، و قال:

الحيف‏

 (5): الجور و الظلم.

" و لا يجور في علمه"

 (6) أي لا يظلم أحدا بسبب علمه و ربما يقرأ يجوز بالزاء أي لا يتجاوز عن العلم الضروري إلى غيره‏

" نفسه أصلب من الصلد"

 (7) أي من الحجر الصلب، كناية عن شدة تحمله للمشاق، أو عن عدم عدوله عن الحق و تزلزله فيه بالشبهات، و عدم ميلة إلى الدنيا بالشهوات، و في القاموس: الصلد و يكسر الصلب الأملس‏

" و مكادحته أحلى من الشهد"

 (8) في القاموس: كدح في العمل كمنع:

سعى و عمل لنفسه خيرا أو شرا و كد وجهه: خدش، أو عمل به ما يشينه ككدحه، أو أفسده و لعياله: كسب كاكتدح، و في الصحاح: الكدح: العمل و السعي و الخدش و الكسب، يقال: هو يكدح في كذا أي يكد و قوله تعالى:" إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً" أي تسعى، انتهى.

و الشهد: العسل، و قيل: المكادحة هنا: المنازعة، أي منازعته لرفقه فيها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 208

أحلى من العسل، و أقول: يحتمل أن يكون المعنى أن سعيه في تحصيل المعيشة و الأمور الدنيوية لمساهلته فيها حسن لطيف، و قيل: الكدح الكد و السعي و حلاوة مكادحته لحلاوة ثمرتها، فإن التعب في سبيل المحبوب راحة.

" لا جشع"

 (1) في القاموس: الجشع محركة أشد الحرص و أسوأه، و أن تأخذ نصيبك و تطمع في نصيب غيرك، و قد جشع كفرح فهو جشع، و قال:

الهلع‏

 (2) محركة أفحش الجزع و كصرد: الحريص، و الهلوع من يجزع و يفزع من الشر و يحرص و يشح على المال، أو الضجور لا يصبر على المصائب، و قال:

العنف‏

 (3) مثلثة العين ضد الرفق، و قال:

الصلف‏

 (4) بالتحريك قلة نماء الطعام و بركته، و أن لا تخطئ المرأة عند زوجها، و التكلم بما يكرهه صاحبك و التمدح بما ليس عندك، أو مجاوزة قدر الظرف، و الادعاء فوق ذلك تكبرا، و هو صلف ككتف.

و أقول: أكثر المعاني مناسبة، و قال:

المتكلف‏

 (5) العريض لما لا يعنيه و نحوه، قال الجوهري: و قال تكلفت الشي‏ء و تجشمته: أي ارتكبته على مشقة

" و لا متعمق"

 (6) أي لا يتعمق و لا يبالغ في الأمور الدنيوية، و قيل: لا يطول الكلام و لا يسعى في تحسينه لإظهار الكمال، قال في القاموس: عمق النظر في الأمور بالغ و تعمق في كلامه تنطع، و قال: تنطع في الكلام: تعمق و غالى و تأنق.

و يحتمل أن يكون المراد: عدم التعمق في المعارف الإلهية فإنه أيضا ممنوع لقصور العقول عن الوصول إليها، لما مر في كتاب التوحيد بسند صحيح قال:

سئل علي بن الحسين عن التوحيد؟ فقال: إن الله تعالى علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالى" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" و الآيات من سورة الحديد إلى قوله:" عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ" فمن رام وراء ذلك فقد هلك.

" جميل المنازعة"

 (7) أي إن احتاج إلى منازعة يأتي بها على أحسن الوجوه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 209

" كريم المراجعة"

 (1) قد مر إن مراجعته في السؤال تفهم، و هنا يصفها بالكرم، أي يأتي بها في غاية الملاينة و حسن الأدب، و قيل: المراد بالمراجعة هنا الرجوع عن الذنب، أو السهو أو الخطإ

" عدل إن غضب"

 (2) أي لا يصير غضبه سببا لجوره على من غضب عليه.

" رفيق إن طلب"

 (3) أي إن طلب شيئا من أحد يطلبه برفق سواء كان له عنده حق أم لا، و يمكن أن يقرأ على بناء المجهول، أي إن طلب أحد رفاقته يصاحبه برفق، و إن طلب أحد منه حقه يجيبه برفق،

" لا يتهور"

 (4) التهور الإفراط في الشجاعة و هو مذموم، قال في القاموس: تهور الرجل وقع في الأمر بقلة مبالاة.

" و لا يتهتك"

 (5) قد مر ذلك فهو تأكيد، أو المراد هنا هتك ستر الغير فيكون تأسيسا لكن لا يساعده اللغة كما عرفت‏

" و لا يتجبر"

 (6) أي لا يتكبر على الغير، أو لا يعد نفسه كبيرا

" خالص الود"

 (7) أي محبته خالصة لله، أو مخصوصة بالله أو محبته خالصة لكل من يؤده، غير مخلوطة بالخديعة و النفاق، و كان هذا أظهر.

" وثيق العهد"

 (8) أي عهدة مع الله و مع الخلق محكم‏

" وفي العقد"

 (9) أي يفي بما يصدر عنه من العقود الشرعية كما قال سبحانه:" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" على بعض الوجوه، قال في مجمع البيان: اختلف في هذه العقود على أقوال:

أحدها: أن المراد بها العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا فيها على النصرة و الموازرة و المظاهرة على من حاول ظلمهم، أو بغاهم سوءا، و ذلك هو معنى الحلف.

و ثانيها: أنها العقود التي أخذ الله سبحانه على عباده بالإيمان و الطاعة فيما أحل لهم، أو حرم عليهم.

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 210

و ثالثها: أن المراد بها العقود التي يتعاقدها الناس بينهم، و يعقدها المرء على نفسه كعقد الأيمان، و عقد النكاح، و عقد العهد، و عقد البيع، و عقد الحلف.

و رابعها: أن ذلك أمر من الله سبحانه لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في كتبهم من تصديق نبينا صلى الله عليه و آله و سلم، و ما جاء به من عند الله، و أقوى هذه الأقوال عن ابن عباس: أن المراد بها عقود الله التي أوجبها على العباد في الحلال و الحرام، و الفرائض، و الحدود، و يدخل في ذلك جميع الأقوال الأخر فيجب الوفاء بجميع ذلك، إلا ما كان عقدا في المعاونة على أمر قبيح، انتهى.

و العلماء مدارهم في الاستدلال على لزوم العقود بهذه الآية و قد يحمل العقد في هذا الخبر على الاعتقاد، و في القاموس:

الشفق‏

 (1) حرص الناصح على صلاح المنصوح و هو مشفق و شفيق، و حاصله أنه ناصح و مشفق على المؤمنين، و قيل: خائف من الله، و الأول أظهر

" وصول"

 (2) للرحم أو الأعم منهم و من سائر المؤمنين، و

الحلم:

 (3) الأناة و العقل كما في القاموس، قال الراغب: الحلم ضبط الشي‏ء عن هيجان الغضب و جمعه أحلام، قال الله تعالى:" أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا" قيل: معناه عقولهم و ليس الحلم في الحقيقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل.

" خمول"

 (4) في أكثر النسخ بالخاء المعجمة، و في بعضها بالحاء المهملة فعلى الأول المعنى أنه خامل الذكر غير مشهور بين الناس، و كأنه محمول على أنه لا يحب الشهرة، و لا يسعى فيها، لا أن الشهرة مطلقا مذمومة.

في القاموس: خمل ذكره و صوته خمولا خفي، و أخمله الله فهو خامل: ساقط لا نباهة له، و على الثاني: إما المراد به الحلم تأكيدا، أو المراد بالحليم: العاقل، أو أنه يتحمل المشاق للمؤمنين، و الأول أظهر، في القاموس: حمل عنه حلم فهو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 211

حمول ذو حلم.

" قليل الفضول"

 (1) الفضول جمع الفضل و هي الزوائد من القول و الفعل، في القاموس: الفضل ضد النقص، و الجمع فضول، و الفضولي بالضم: المشتغل بما لا يعنيه‏

" مخالف لهواه"

 (2) أي لما تشتهيه نفسه مخالفا للحق، قال الراغب: الهوى ميل النفس إلى الشهوة، و يقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة، و قيل: سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، و في الآخرة إلى الهاوية و قد عظم الله ذم اتباع الهوى، فقال:" أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ" و قال" وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"" وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً"" وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ" و قال:" وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ"" وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ"" وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ" انتهى.

" لا يغلظ"

 (3) على بناء الأفعال، يقال: أغلظ له في القول، أي خشن، أو على بناء التفعيل أو على بناء المجرد ككرم، قال في المصباح: غلظ الرجل: اشتد فهو غليظ و فيه غلظة، أي غير لين و لا سلس، و أغلظ له في القول إغلاظا و غلظت عليه في اليمين تغليظا شددت عليه و أكدت.

" على من دونه"

 (4) دنيا أو دينا، أو الأعم‏

" و لا يخوض"

 (5) أي لا يدخل‏

" فيما لا يعنيه"

 (6) أي لا يهمه، في القاموس: عناه الأمر يعنيه و يعنوه عناية و عناية أهمه و اعتنى به اهتم‏

" ناصر للدين"

 (7) أصوله و فروعه قولا و فعلا

" محام عن المؤمنين"

 (8) أي يدفع الضرر عنهم، في القاموس: حاميت محاماة و حماء: منعت عنه،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 212

" كهف للمسلمين"

 (1) في القاموس: الكهف: الوزر و الملجإ.

" لا يخرف الثناء سمعه"

 (2) كان المراد بالخرق الشق و عدمه كناية عن عدم التأثير فيه كأنه لم يسمعه، و ما قيل: من أنه على بناء الأفعال، أي لا يصير سمعه ذا خرق و أحمق فلا يخفى بعده‏

" و لا ينكي الطمع قلبه"

 (3) أي لا يؤثر في قلبه و لا يستقر فيه، و فيه إشعار بأن الطمع يورث جراحة القلب جراحة لا تبرأ.

في القاموس: نكأ القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرأ فنديت، و قال في المعتل:

نكى العدو و فيه نكاية قتل و جرح و القرحة نكأها، أقول: فهنا يمكن أن يقرأ مهموزا و غير مهموز

" و لا يصرف اللعب حكمه"

 (4) أي حكمته، و المعنى: لا يلتفت إلى اللعب لحكمته، كما قال تعالى:" وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً" أو المعنى:

أن الأمور الدنيوية لا تصير سببا لتغيير حكمه كما قال تعالى:" وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ"

" و لا يطلع الجاهل علمه"

 (5) لا يطلع على بناء الأفعال، و المراد بالجاهل المخالفون، أي يتقى منهم، أو ضعفاء العقول، فالمراد بالعلم:

ما لا يستطيعون فهمه كما مر

" قوال"

 (6) أي كثير القول لما يحسن قوله، كثير الفعل و العمل بما يقوله‏

" عالم"

 (7) قيل: هو ناظر إلى قوله قوال، و

" حازم"

 (8) ناظر إلى قوله عمال، و الحزم رعاية العواقب.

و في القاموس: الحزم ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة

" لا بفحاش"

 (9) في القاموس: الفحش، عدوان الجواب، و قال الراغب: الفحش، و الفحشاء و الفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال و الأقوال، و في القاموس: الطيش النزق و الخفة، طاش يطيش فهو طايش و طياش و ذهاب العقل، و

الطياش‏

 (10): من لا يقصد وجها واحدا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 213

" وصول في غير عنف"

 (1) كان في بمعنى مع، أي يعاشر الأرحام و المؤمنين و يحسن إليهم بحيث لا يصير سببا للثقل عليهم، أو وصله دائم غير مشوب بعنف، أو يصلهم بالمال و لا يعنف عليهم عند العطاء و لا يؤذيهم بالقول و الفعل.

" بذول في غير سرف"

 (2) أي يبذل المال مع غير إسراف" و لا يختار" و في بعض النسخ‏

و لا يختال‏

 (3)، في القاموس: الختر:

الغدر

 (4)، و الخديعة، أو أقبح الغدر، و هو خاتر و ختار، و قال: ختله يختله و يختله ختلا و ختلانا: خدعه و الذئب الصيد تخفى له فهو خاتل، و ختول، و خاتله: خادعه، و تخاتلوا: تخادعوا

" لا يقتفي أثرا"

 (5) أي لا يتبع عيوب الناس، أو لا يتبع أثر من لا يعلم حقيته،

" و لا يحيف بشرا"

 (6) بالحاء المهملة و في بعضها بالمعجمة، فعلى الأول هو من الحيف الجور و الظلم، و على الثاني من الإخافة.

" ساع في الأرض"

 (7) أي لقضاء حوائج المؤمنين، و عيادة مرضاهم، و شهود جنائزهم و هدايتهم و إرشادهم، و الغوث اسم من الإغاثة و هي النصرة، و أغاثهم الله برحمته كشف الله شدتهم، و في القاموس: لهف كفرح حزن و تحسر كتلهف عليه، و

الملهوف‏

 (8)، و اللهيف، و اللهفان، و اللاهف: المظلوم المضطر يستغيث و يتحسر، انتهى.

و هتك الستر

 (9): إفشاء العيوب‏

" و لا يكشف سرا"

 (10) أي سر نفسه، أو سر غيره، أو الأعم، و

الشكوى‏

 (11): الشكاية

" إن رأى خيرا"

 (12) بالنسبة إليه، أو مطلقا

" ذكره"

 (13) عند الناس‏

" و إن عاين شرا"

 (14) بالنسبة إليه أو مطلقا

" ستره"

 (15) عن الناس، و حفظ الغيب: أن يكون في غيبة أخيه مراعيا لحرمته، كرعايته عند حضوره‏

" و يقيل العثرة"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 214

 (1) أصل الإقالة هو أن يبيع الإنسان آخر شيئا فيندم المشتري فيستقيل البائع أي يطلب منه فسخ البيع فيقيله أي يقبل ذلك منه فيتركه. ثم يستعمل ذلك في أن يفعل أحد بغيره ما يستحق تأديبا أو ضررا فيعتذر منه، و يطلب العفو فيعفو عنه، كأنه وقع بينهما معاوضة فتتاركا، و منه قولهم: أقال الله عثرته.

و غفر الزلة أيضا قريب من ذلك، يقال: أرض مزلة: تزل فيها الأقدام، و زل في منطقه أو فعله يزل من باب ضرب زلة: أخطأ، و يمكن أن تكون الثانية تأكيدا، أو تكون إحداهما محمولة على ما يفعل به، و الأخرى على الخطإ الذي صدر منه من غير أن يصل ضرره إليه، أو يكون إحداهما محمولة على العمد، و الأخرى على الخطإ، أو إحداهما على القول و الأخرى على الفعل، أو إحداهما على نقض العهد و الوعد و الأخرى على غيره.

" لا يطلع على نصح فيذره"

 (2) لا يطلع بالتشديد على بناء الافتعال أي إذا اطلع على نصح لأخيه لا يتركه بل يذكره له‏

" و لا يدع جنح حيف فيصلحه"

 (3)، في القاموس:

الجنح بالكسر: الجانب، و الكتف، و الناحية، و من الليل الطائفة منه و يضم، و قال: الحيف: الجور و الظلم، و الحاصل أنه لا يدع شيئا من الظلم يقع منه أو من غيره على أحد بل يصلحه، أو لا يصدر منه شي‏ء من الظلم فيحتاج إلى أن يصلحه، و في بعض النسخ جنف بالجيم و النون و هو محركة الميل و الجور.

" أمين"

 (4) يأتمنه الناس على حالهم و عرضهم‏

" رصين"

 (5) بالصاد المهملة و تقدم و في بعض النسخ بالضاد المعجمة، و في القاموس المرصون شبه المنضود من حجارة و نحوها يضم بعضها إلى بعض في بناء و غيره‏

" تقي"

 (6) عن المعاصي‏

" نقي"

 (7) عن ذمائم الأخلاق أو مختار، يقال: انتقاه، أي اختاره‏

" زكي"

 (8) أي طاهر من العيوب، أو نام في الكمالات أو صالح، في القاموس: زكا يزكو زكاء، و زكاه الله، و أزكاه و الرجل صلح و تنعم فهو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 215

زكي من أزكياء، و في بعض النسخ بالذال: أي يدرك المطالب العلية من المبادئ الخفية بسهولة.

" رضي"

 (1) أي راض عن الله و عن الخلق، أو مرضي عندهما، كما قال تعالى:

" وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا" أي مرضيا عندك قولا و فعلا

" و يجمل الذكر"

 (2) على بناء الأفعال أي يذكرهم بالجميل.

" و يتهم على العيب نفسه"

 (3) بالعين المهملة، و في بعض النسخ بالمعجمة: أي يتهم نفسه غائبا عن الناس، لا كالرائي الذي يظهر ذلك عند الناس و ليس كذلك، أو يتهم نفسه على ما يغيب عن الناس من عيوبه الباطنة الخفية

" يحب في الله بفقه و علم"

 (4) أي يحب في الله و لله من يعلم أنه محبوب لله و يلزم محبته، لا كالجهال الذين يحبون أعداء الله لزعمهم أنهم أولياء الله كالمخالفين.

" و يقطع في الله بحزم و عزم"

 (5) أي يقطع من أعداء الله بجزم، و رعاية للعاقبة، فإنه قد تلزم مواصلتهم ظاهرا للتقية، و هو عازم على قطعهم، لا كمن يصل يوما، و يقطع يوما

" لا يخرق به فرح"

 (6) يخرق كيحسن و الباء للتعدية أي لا يصير الفرح سببا لخرقه و سفهه، قال في المصباح: الفرح يستعمل في معان:

أحدها الأشر و البطر، و عليه قوله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ"، و الثاني: الرضا و عليه قوله تعالى:" كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" و الثالث: السرور و عليه قوله تعالى:" فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ" و يقال: فرح بشجاعته، و بنعمة الله عليه، و بمصيبة عدوه، فهذا الفرح لذة القلب بنيل ما يشتهي.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 216

" و لا يطيش به مرح"

 (1) أي لا يصير شدة فرحه سببا لنزقه و خفته، و ذهاب عقله أو عدوله عن الحق، و ميلة إلى الباطل، في القاموس: الطيش: جواز السهم الهدف و أطاشه: أماله عن الهدف، و قال: مرح كفرح: أشر و بطر و اختال و نشط و تبختر، و قال الجوهري: المرح شدة الفرح و النشاط

" مذكر للعالم"

 (2) الآخرة أو مسائل الدين‏

" لا يتوقع له بائقة"

 (3) أي لا يخاف أن يصدر عنه داهية و شر، في القاموس: توقع الأمر: انتظر كونه، و قال: البائقة: الداهية و باق: جاء بالشر و الخصومات، و قال الجوهري:

فلان قليل الغائلة

 (4) و المغالة أي الشر، الكسائي، الغوائل: الدواهي.

" كل سعي أخلص عنده من سعيه"

 (5) أي لحسن ظنه بالناس، و اتهامه لنفسه سعى كل أحد في الطاعات أخلص عنده من سعيه، و قريب منه الفقرة التالية،

و قوله:

عالم بعيبه‏

 (6)، كالدليل عليها

" شاغل بغمه"

 (7) أي غمه لآخرته شغله عن أن يلتفت إلى عيوب الناس أو إلى الدنيا و لذاتها

" قريب"

 (8) في أكثر النسخ بالقاف أي قريب من الله أو قريب من الناس لا يتكبر عليهم، أو من فهم المسائل و الاطلاع على الأسرار، قال في النهاية فيه اتقوا قراب المؤمن فإنه ينظر بنور الله، و روي قرابة المؤمن، يعني فراسته و ظنه الذي هو قريب من العلم و التحقق، لصدق حدسه و إصابته، انتهى.

و أقول: كونه مأخوذا منه ليس بقريب و الأظهر غريب بالغين كما في بعض النسخ أي لا يجد مثله، فهو بين الناس غريب، و لذا يعيش وحيدا فردا لا يأنس بأحد قال في النهاية: فيه أن الإسلام بدأ غريبا و سيعود كما بدأ فطوبى للغرباء، أي أنه كان في أول أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده لقلة المسلمين يومئذ و سيعود غريبا كما كان، أي يقل المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء فطوبى للغرباء أي الجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا في أول الإسلام و يكونون في آخره و إنما

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 217

خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا و آخرا و لزومهم دين الإسلام، انتهى.

" وحيد"

 (1) أي يصبر على الوحدة، أو فريد لا مثل له‏

" حزين"

 (2) لضلالة الناس و قلة أهل الحق‏

" لا ينتقم لنفسه بنفسه"

 (3) بل يصبر حتى ينتقم الله له في الدنيا، أو في الآخرة

" و لا يوالي في سخط ربه"

 (4) أي ليس موالاته لمعاصي الله، و في القاموس:

الصداقة

 (5): المحبة، و المصادقة و الصداق المخالة كالتصادق و المؤازرة: المعاونة

" عون"

 (6) أي معاون‏

" للغريب"

 (7) النائي عن بلده، أو للغرباء من أهل الحق كما مر

" أب لليتيم"

 (8) أي كالأب له و كذا البعل، و في الصحاح:

الأرملة

 (9): المرأة التي لا زوج لها، و في القاموس امرأة أرملة محتاجة أو مسكينة، و الجمع أرامل و أراملة، و الأرمل العزب و هي بهاء و لا يقال للعزبة المؤسرة: أرملة.

" حفي بأهل المسكنة"

 (10) قال الراغب: الحفي: البر اللطيف في قوله عز ذكره" إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا" و يقال: حفيت بفلان و تحفيت به: إذا عنيت بإكرامه، و الحفي:

العالم بالشي‏ء

" مرجو لكل كريهة"

 (11) أي يرجى لرفع كل كريهة و يأمله الناس لدفع كل شدة و لو بالدعاء إن لم تمكنه الإعانة الظاهرة و في القاموس: الكريهة:

الحرب، أو الشدة في الحرب و النازلة، و قيل: المرجو أقرب إلى الوقوع من المأمول.

" هشاش بشاش"

 (12) قال الجوهري: الهشاشة: الارتياح و الخفة للمعروف، و قد هششت بفلان- بالكسر- أهش هشاشة: إذا خففت إليه و ارتحت له، و رجل هش‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 218

بش، و قال: البشاشة: طلاقة الوجه، و رجل هش بش أي طلق الوجه.

" لا بعباس"

 (1) أي كثير العبوس‏

" و لا بجساس"

 (2) أي لا كثير التجسس لعيوب الناس‏

" صليب"

 (3) أي متصلب شديد في أمور الدين‏

" كظام"

 (4) يكظم الغيظ كثيرا، يقال: كظم غيظه أي رده و حبسه‏

" بسام"

 (5) أي كثير التبسم‏

" دقيق النظر"

 (6) أي نافذ الفكر في دقائق الأمور

" عظيم الحذر"

 (7) عن الدنيا و مهالكها و فتنها

" لا يبخل"

 (8) بمنع حقوق الناس واجباتها و مندوباتها

" و إن بخل عليه"

 (9) بمنع حقوقه‏

" صبر"،" عقل"

 (10) أي فهم قبح المعاصي فاستحيى من ارتكابها، أو عقل أن الله مطلع عليه في جميع أحواله‏

" فاستحيى"

 (11) من أن يعصيه‏

" و قنع"

 (12) بما أعطاه الله‏

" فاستغني"

 (13) عن الطلب من المخلوقين.

" حياؤه"

 (14) من الله و من الخلق‏

" يعلو شهوته"

 (15) فيمنعه عن اتباع الشهوات النفسانية

" و وده"

 (16) للمؤمنين‏

" يعلو حسده"

 (17) أي يمنعه عن أن يحسدهم على ما أعطاهم الله‏

" و عفوه"

 (18) عن زلات إخوانه و ما أصابه منهم الأذى‏

" يعلو حقده"

 (19) عليهم.

" و لا يلبس إلا الاقتصاد"

 (20) أي يقتصد و يتوسط في لباسه، فلا يلبس ما يلحقه بدرجة المسرفين و المترفين، و لا ما يلحقه بأهل الخسة و الدناءة، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه، أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب المتصوفة، و يحتمل أن يكون المراد جعله الاقتصاد في جميع أموره شعارا و دثارا على الاستعارة

" و مشيه التواضع"

 (21) أي لا يختال في مشيه، و قيل: هو العدل بين رذيلتي المهانة و الكبر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 219

و أقول: يحتمل أن يكون المراد مسلكه و طريقته التواضع و في النهج: ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع،

" بطاعته"

 (1) أي بأن يطيعه، أو بسبب طاعته في كل حالاته أي من الشدة و الرخاء و النعمة و البلاء

" خالصة"

 (2) أي لله سبحانه ليس فيها غش لله أو للخلق، أو الأعم.

في القاموس:

غشه‏

 (3) لم يمحضه النصح، أو أظهر له خلاف ما أضمر، و الغش بالكسر الاسم منه‏

" نظره"

 (4) إلى المخلوقات‏

" عبرة"

 (5) و استدلال علي وجود الخالق، و علمه، و قدرته، و لطفه، و حكمته، و إلى الدنيا عبرة بفنائها و انقضائها

" و سكوته فكرة"

 (6) أي تفكر في عظمة الله و قدرته، و فناء الدنيا، و عواقب أموره، و الحمل في تلك الفقرات للمبالغة في السببية فإن النظر سبب للعبرة، و السكوت سبب للفكرة

" مناصحا"

 (7) نصبه و أختيه على الحال مما أضيف إليه المبتدإ على القول بجوازه، و قيل: نصبها على الاختصاص، أي ينصح أخاه و يقبل منه النصح‏

" متباذلا"

 (8) أي يبذل أخاه من المال و العلم و يقبل منه‏

" متاخيا"

 (9) أي يؤاخي مع خلص المؤمنين لله و في الله، ناصحا في السر و العلانية، أي ينصح في السر إن اقتضته المصلحة، و في العلانية إن اقتضته الحكمة، أو المراد بالسر القلب، و بالعلانية اللسان، إشارة إلى أن نصحه غير مشوب بالخدعة

" لا يهجر أخاه"

 (10) الهجر: ضد الوصل أي لا يترك صحبته‏

" و لا يأسف علي ما فاته"

 (11) أي من النعم.

في القاموس: الأسف محركة: أشد الحزن أسف كفرح و عليه: غضب،

" و لا يحزن على ما أصابه"

 (12) أي من البلاء

" و لا يرجو ما لا يجوز له الرجاء"

 (13) كان يرجو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 220

البقاء في الدنيا أو درجة الأنبياء و الأوصياء أو الأمور الدنيوية كالمناصب الباطلة

" و لا يفشل في الشدة"

 (1) أي لا يكسل في العبادة في حال الشدة، أو لا يضطرب و لا يجبن فيها، بل يصبر، أو يقدم علي دفعها بالجهاد و نحوه، في القاموس: فشل كفرح فهو فشل: كسل و ضعف، و تراخى و جبن.

" يمزج العلم بالحلم"

 (2) أي بالعفو و كظم الغيظ أو العقل، و الأول أظهر لأن العلم يصير غالبا سببا للتكبر و الترفع و ترك الحلم، و المزج: الخلط و الفعل كنصر، و في النهج: يمزج الحلم بالعلم فالمعنى أنه يحلم مع العلم بفضيلة الحلم، لا كحلم بعض الجاهلين عن ضعف النفس، و عدم المبالاة بما قيل له و فعل به، أو المراد بالحلم العقل أي يتعلم عن تفكر و تدبر و لا يعتمد على الظنون و الآراء

" و العقل بالصبر"

 (3) أي مع وفور عقله يصبر على جهل الجهال، أو يصبر على المصائب لقوة عقله، و قيل:

أي مع عقله و فهمه أحوال الخلائق يصبر عليها

" تراه بعيدا كسله"

 (4) أي في العبادات.

" دائما نشاطه"

 (5) أي رغبته في الطاعات، في القاموس: نشط كسمع نشاطا: طابت نفسه للعمل و غيره‏

" قريبا أمله"

 (6) أي لا يؤمل ما يبعد حصوله من أمور الدنيا، أو لا يأمل ما يتوقف حصوله على عمر طويل، بل يعد موته قريبا.

و الحاصل أنه ليس له طول الأمل أو لا يؤخر ما يريده من الطاعة، و لا يسوف فيها

" قليلا زلله"

 (7) لتيقظه و أخذه بالحائطة لدينه‏

" متوقعا لأجله"

 (8) أي منتظرا له يعده قريبا منه‏

" خاشعا قلبه"

 (9) أي خاضعا منقادا لأمر الله متذكرا له خائفا منه سبحانه‏

" قانعة نفسه"

 (10) بما أعطاه ربه‏

" منفيا جهله"

 (11) لوفور علمه‏

" سهلا أمره"

 (12) أي هو خفيف المؤنة أو يصفح عن السفهاء، و لا يصر على الانتقام منهم، و قيل: أي لا يتكلف‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 221

لأحد و لا يكلف أحدا

" حزينا لذنبه"

 (1) في النهج: حريزا دينه،

" ميتة شهوته"

 (2) أي هو عفيف النفس‏

" صافيا خلقه"

 (3) عن الغلظ و الخشونة

" محكما أمره"

 (4) أي أمر دينه‏

" ليسلم"

 (5) أي من آفات اللسان‏

" و يتجر ليغنم"

 (6) أي ليحصل الغنيمة و الربح، لا للفخر و الحرص على جمع الأموال و الذخيرة، أو المراد بالغنيمة الفوائد الأخروية أي يتجر لينفق ما يحصل له في سبيل الله، فتحصل له الغنائم الأخروية، كذا أفاده الوالد رحمه الله، أو المراد بالتجارة أيضا التجارة الأخروية كما قال تعالى" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ".

" لا ينصت للخبر ليفخر به"

 (7) أي لا يسكت مستمعا لقول الخير لينقله في مجلس آخر فيفخر به، في القاموس: نصت ينصت، و أنصت و انتصت: سكت، و أنصته و له سكت له و استمع لحديثه، و أنصته و أنصته: أسكته و في بعض النسخ: لا ينصب للخير ليفجر به: أي لا يقبل المنصب الشرعي ليفجر به، و يحكم بالفجور، و يرتشي و يقضي بالباطل،

" و لا يتكلم"

 (8) أي بالخير.

" نفسه منه في عناء"

 (9) لرياضتها في الطاعات‏

" و الناس منه في راحة"

 (10) و فسر هذا بقوله: أتعب نفسه لآخرته‏

" فأراح الناس من نفسه"

 (11) لأن شغله بأمر نفسه يشغله عن التعرض لغيره، و ربما يفرق بين الفقرات، بأن المراد بالفقرتين الأوليين أن نفسه الأمارة منه في عناء و تعب لمنعها عن هواها و زجرها عن مشتهاها فصار الناس منه في‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 222

راحة لأن المداومة على الطاعات و الرياضات تصير النفس سليمة حليمة غير مائلة إلى المعارضات‏

" الذي ينتصر له"

 (1) أي ينتقم له.

" بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة"

 (2) أي إنما يبعد عن الكفار و الفساق للبغض في الله تعالى" و النزاهة" و البعد عن أعمالهم و أفعالهم، و النزاهة بالفتح التباعد عن كل قذر و مكروه، و في النهج: بعده عمن تباعد عنه زهد و نزاهة، و الزهد خلاف الرغبة، و كثيرا ما يستعمل في عدم الرغبة في الدنيا

" و دنوة ممن دنا منه"

 (3) من المؤمنين‏

" لين و رحمة"

 (4) أي ملائنة و ملاطفة و ترحم، و في القاموس: خلبه كنصره خلبا و خلابا و خلابة بكسرهما: خدعه‏

" و لا عظمة"

 (5) أي تجبرا و عد النفس عظيما، و قيل: المراد بها العظمة الواقعية

" بل يقتدى"

 (6) أي في هذا البعد و الدنو، و في النهج: ليس تباعده بكبر و عظمة، و لا دنوة بمكر و خديعة.

أقول: هذه الصفات قد يتداخل بعضها في بعض و لكن تورد بعبارة أخرى، أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانيا مركبة مع غيرها، و هذا النوع من التكرار في الخطب و المواعظ مطلوب لمزيد التذكار

" ثم وقع مغشيا عليه"

 (7) كان المراد به أنه مات من غشيته، إذ في النهج و المجالس" فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها" و يقال:

صعق كسمع أي غشي عليه من صوت شديد سمعه أو غيره، و ربما مات منه" و كانت نفسه فيها" أي مات بها، و يحتمل أن يراد بالصعقة الصحة كما هو الغالب في مثل هذا المقام، و يراد بكون نفسه فيها خروج روحه مع خروجها.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 223

" هكذا تصنع المواعظ البالغة"

 (1)، هكذا في محل النصب نائب للمفعول المطلق لقوله تصنع، و التقديم للحصر، و المشار إليه نوع من التأثير، صار في همام سبب موته‏

" بأهلها"

 (2) أي بمن تؤثر فيه، و يتدبرها و يفهمها كما ينبغي.

" فما بالك يا أمير المؤمنين؟"

 (3) أي ما حالك حيث لم يفعل العلم بتلك الصفات، أو ذكرها أو سماعك من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ما فعل بهمام، أو لم أتيت بتلك الموعظة مع خوفك عليه؟ فعلى الأول الجواب يحتمل وجوها:

الأول: إن المشار إليه بهكذا التأثير الكامل، و صيرورته في همام سبب موته لضعف نفسه، و قلة حوصلته، و عدم اتصافه ببعض تلك الصفات لا يستلزم صيرورته سببا للموت في كل أحد لا سيما فيه صلوات الله عليه.

الثاني: ما ذكره بعض المحققين: و هو أنه أجابه عليه السلام بالإشارة إلى السبب البعيد و هو الأجل المحتوم به القضاء الإلهي و هو جواب مقنع للسائل مع أنه حق و صدق، و أما السبب القريب الفرق بينه و بين همام و نحوه لقوة نفسه القدسية على قبول الواردات الإلهية و تعوده بها، و بلوغ رياضته حد السكينة عند ورود أكثرها، و ضعف نفس همام عما ورد عليه من خوف الله و رجائه، و أيضا فإنه عليه السلام كان متصفا بهذه الصفات لم يفقدها حتى يتحسر على فقدها، قيل: و لم يجب عليه السلام بمثل هذا الجواب لاستلزامه تفضيل نفسه، أو لقصور فهم السائل و هذا قريب من الأول لكن الأول أظهر، لأنه عليه السلام أشار إلى الفرق إجمالا بأن الآجال منوطة بالأسباب، في المواد مختلفة، فيمكن أن يؤثر في بعض المواد و لا يؤثر في بعضها.

الثالث: أن يكون المعنى أن قولنا هكذا تصنع المواعظ على تقدير كون هكذا إشارة إلى الموت ليس كليا، بل المراد أنه قد تصنع ذلك إذا صادف قلة ظرف سامعه، أو غير ذلك، و ليس سببا مستقلا للموت بالنسبة إلى أهلها، فإن لكل أحد أجلا منوطا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 224

بأسباب و دواعي و مصالح و الوجوه الثلاثة متقاربة، و قيل: يمكن أن يكون كلام السائل مبنيا على أن هكذا إشارة إلى الإماتة، و حاصل الجواب حينئذ التنبيه على بطلان هذا التوهم، و إن المشار إليه التأثير الكامل كما مر، و على الثاني حاصل الجواب إني لم أكن أعلم أنه يفعل به ما فعل و الخوف يحصل بمحض الاحتمال و محض الاحتمال لا يكفي لترك بيان ما أمر الله ببيانه، كما قال ابن ميثم: إن قيل: كيف جاز منه عليه السلام أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلاكه و هو كالطبيب يعطي كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء؟ قلت: إنه لم يكن يغلب على ظنه إلا الصعقة عن الوجد الشديد، فأمنا إن تلك الصعقة فيها موته فلم يكن مظنونا له، انتهى.

و يحتمل أن يكون المراد إن هذا كان أجلا مقدرا له، و لا يمكن الفرار من الأجل المقدر بترك ما أمر الله به كما قال تعالى:" قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى‏ مَضاجِعِهِمْ" على بعض التفاسير، و يمكن أن يجوز له عليه السلام ذلك العلم بموته لعهد من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فيشبه قصة الغلام و صاحب موسى عليه السلام.

" إن لكل أجلا لن يعدوه"

 (1) في النهج ويحك إن لكل وقت أجلا لا يعدوه، الويح: كلمة رحمة و يستعمل في التعجب، و الأجل يستعمل في المدة المعينة و انقضائها لن يعدوه: أي لن يتجاوز إلى غيره‏

" و سببا لا يجاوزه"

 (2) في النهج لا يتجاوزه، و الضمير راجع إلى السبب و قال الجوهري:

المهل‏

 (3) بالتحريك: التؤدة و أمهله أنظره و تمهل في أمره أي اتأد و قولهم مهلا يا رجل و كذلك للاثنين و الجمع و المؤنث و هي موحدة بمعنى أمهل، و قال:

النفث‏

 (4): شبيه بالنفخ و هو أقل من التفل.

أقول: و ربما يتوهم التنافي بين ما تضمن هذا الخبر من صعقة همام و موته عند سماع الموعظة، و بين ما سيأتي في كتاب القرآن من ذم أبي جعفر عليه السلام قوما إذا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 225

ذكروا شيئا من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم، و يمكن أن يجاب بأن عروض ذلك نادرا لا ينافي ذمه عليه السلام قوما كان دأبهم ذلك و كانوا متعمدين لفعله رياء و سمعة كالصوفية.

 (الحديث الثاني)

 (1): حسن كالصحيح.

قال الجوهري:

الوقار

 (2): الحلم و الرزانة، و قد وقر الرجل يقر وقارا و قرة فهو وقور، و هزهزه: أي حركه فتهزهز، و

الهزاهز

 (3) الفتن يهتز فيها الناس‏

" و لا يتحامل للأصدقاء"

 (4) أي لا يحمل الوزر لأجلهم، أو لا يتحمل عنهم ما لا يطيق الإتيان به من الأمور الشاقة فيعجز عنها، و الأول أظهر معنى و الثاني لفظا، في النهاية تحاملت الشي‏ء: تكلفته على مشقة.

و في القاموس: تحامل في الأمر و به: تكلفه على مشقة و عليه كلفه ما لا يطيق‏

" إن العلم"

 (5) استئناف و ليس داخلا في الثمان‏

" خليل المؤمن"

 (6) في القاموس: الخل بالكسر و الضم الصديق المختص كالخليل أو الخليل الصادق، أو من أصفى المودة و أصحها، انتهى.

و التشبيه بالخليل لأن الإنسان لا يفارق خليله و لا يتجاوز عن مصلحته فكذا ينبغي للإنسان أن لا يفارق العلم و لا يتجاوز عن مقتضاه، و أيضا الخليل أنفع الناس للمرء، و ينجيه عن المهالك، فكذا العلم أنفع الأشياء له و ينجيه عن مهالك الدنيا و الآخرة.

" و الصبر أمير جنوده"

 (7) كان المراد بجنوده ما مر في كتاب العقل من جنود العقل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 226

و لا يتم أكثرها بدون الصبر

" و الرفق أخوه"

 (1) أي بمنزلة أخيه في نصرته و إعانته و إنجائه عن المهالك‏

" و اللين والده"

 (2) أي ينفعه كنفع الوالد ولده، أو ينبغي أن يراعيه كرعاية الوالد، و الفرق بينه و بين الرفق مشكل، و يمكن أن يحمل الرفق على ترك العنف و اللين على شدة الرفق و كثرته أو الرفق على المعاملات و اللين على المعاشرات، أو الرفق على اللطف و الإحسان و هو أحد معانيه و اللين علي لين الجانب و ترك الخشونة.

و قرأ بعض الأفاضل: و الدين مكان قوله و اللين أي هو والده الروحاني،.

فإن الوالد سبب للحياة الجسمانية الفانية، و الدين سبب للحياة الروحانية الأبدية و هذا أظهر و أنسب، لكن اتفقت النسخ التي رأيناها من كتب الحديث كالمجالس للصدوق و الخصال و غيرهما على اللين لكن قد مر هذا الخبر في الباب الذي بعد باب نسبة الإسلام عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب إلى آخر الخبر و فيه في السند عبد الله بن غالب و في المتن في آخره و البر والده، و ما في المتن فيما تقدم أصوب و في السند ما هيهنا أظهر، لأن عبد الملك بن غالب غير مذكور في الرجال و عبد الله بن غالب الأسدي الشاعر مذكور في الرجال ثقة و هو الذي قال له أبو عبد الله عليه السلام إن ملكا يلقي عليه الشعر و إني لأعرف ذلك الملك، و أقول: روى السيد الرضي رضي الله عنه في المجازات النبوية عنه صلى الله عليه و آله و سلم هكذا، قوله عليه السلام من جملة كلام، العلم خليل المؤمن، و الحلم وزيره، و العقل دليله، و العمل قيمه، و اللين أخوه، و الرفق والده، و الصبر أمير جنوده، و قد ذكرنا شرحه في الكتاب الكبير، إنما أعدنا شرحه لبعد العهد و لزيادة بعض الفوائد.

 (الحديث الثالث)

 (3): موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 227

" ليغنم"

 (1) أي الفوائد الأخروية، أو ليزيد علمه لا لإظهار الكمال، و قد مر مثل هذا الخبر في باب الحلم و فيه ليفهم‏

" أمانته"

 (2) أي السر الذي أو تمن عليه، أو الأعم منه و من المال الذي جعل أمينا عليه، و أمر بإخفائه‏

" الأصدقاء"

 (3) فكيف الأعداء، و قيل: المعنى إن الصداقة لا تحمله على أن يؤدي الأمانة إلى غير أهلها و لا يخفى بعده.

" و لا يكتم شهادته من البعداء"

 (4) أي من الأباعد عنه نسبا أو محبة، فكيف الأقارب، و في بعض النسخ من الأعداء، و المعنى: إنه إن كانت عنده شهادة لعدوه و لا يعلم العدو يظهرها له، أو يكون كناية عن عدم أداء الشهادة و كتمانها

" و لا يتركه"

 (5) أي عمل الخير

" حياء"

 (6) أي للحياء عن الخلق فإنه لا حياء في الحق قال تعالى:" وَ اللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ"" خاف مما يقولون" أي يصير سببا لغروره و عجبه،" لما لا يعلمون" أي من ذنوبه.

" لا يغره قول من جهله"

 (7) أي لا يخدعه ثناء من جهل ذنوبه و عيوبه فيعجب بنفسه‏

" و يخاف إحصاء ما عمله"

 (8) أي إحصاء الله و الحفظة أو إحصاء نفسه، و على الأخير يحتمل أن يكون منصوبا بنزع الخافض أي يخاف الله لإحصائه ما قد عمله، و في مجالس الصدوق إحصاء من قد علمه.

 (الحديث الرابع)

 (9): مرسل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 228

" المؤمن له قوة في دين"

 (1) اعلم أنه في بعض تلك الفقرات الظرف لغو، و في بعضها مستقر و هو تفنن حسن، و إن أمكن أن يكون في الجميع لغوا بتكلفات بعيدة لا حاجة إليها، ففي هذه الفقرة الظاهر أن الظرف لغو، و" في" للظرفية أي قوي في أمر الدين متصلب و القوة في الدين أن لا يتطرق إلى الإيمان الشكوك و الشبهات، و إلى الأعمال الوساوس و الخطرات، أو أن لا يدرك العزم في الأمور الدينية ونى و لا فتور للوم و غيره، قال الله تعالى:" يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ".

" و حزم في لين"

 (2) أي مع لين فالظرف مستقر بأن يكون صفة أو حالا، و يحتمل أن يكون لغوا أي هو في اللين صاحب حزم، لكنه بعيد، و قال بعض الأفاضل: أي له ضبط و تيقظ في أموره المدينية و الدنيوية ممزوجا بلين الطبع و عدم الفظاظة و الخشونة مع معامليه، و هو فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق، و قد تكون عن تواضع و قد تكون عن مهانة و ضعف نفس، و الأول هو المطلوب و هو المقارن للحزم في الأمور و مصالح النفس، و الثاني رذيلة لا يمكن معه الحزم لانفعال المهين عن كل حادث، و بيان الظرفية في ثلاثة أوجه:

الأول: أن الظرفية مجازية بتشبيه ملابسة الحزم للين الطبع في الاجتماع معه بملابسة المظروف للظرف فتكون لفظة" في" استعارة تبعية.

و الثاني: تشبيه الهيئة المنتزعة من الحزم و اللين و مصاحبته أحدهما الآخر بالهيئة المنتزعة من المظروف و الظرف و مصاحبتهما، فيكون الكلام استعارة تمثيلية، لكنه لم يصرح من الألفاظ التي هي بإزاء المشبه به إلا بكلمة في، فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة، و ما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية، فلا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 229

تكون لفظة في استعارة، بل هي على معناها الحقيقي.

الثالث: أن تشبيه اللين بما يكون محلا و ظرفا للشي‏ء على طريقة الاستعارة بالكناية، و تكون كلمة في قرينة و تخييلا

" و إيمان في يقين"

 (1) أي مع يقين أي بلغ إيمانه حد اليقين في جميع العقائد، أو في الثواب و العقاب، أو في القضاء و القدر، كما عرفت في باب اليقين‏

" و حرص في فقه"

 (2) أي هو حريص في معرفة مسائل الدين، أو حريص في العبادة مع معرفته لمسائل الدين، في القاموس: الفقه بالكسر: العلم بالشي‏ء و الفهم له و الفطنة و غلب على علم الدين لشرفه.

" و نشاط في هدى"

 (3) أي ناشط راغب في العبادة مع اهتدائه إلى الحق و معرفته بأصول الدين، كما مر في تفسير قوله تعالى:" لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏" أو راغب في الاهتداء و ما يصير سببا لهدايته‏

" و بر في استقامة"

 (4) أي مع الاستقامة في الدين كما قال تعالى:" الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا" أو المراد به الاستقامة في البر أي يضع البر في محله و موضعه‏

" و علم في حلم"

 (5) أي مع أناة و عفو، أو مع عقل‏

" و كيس في رفق"

 (6) أي كياسة مع رفق بالخلق لا كالأكياس في أمور الدنيا يريدون التسلط على الخلق و إيذائهم، أو يستعمل الكياسة في الرفق، فيرفق في محله و يخشن في موضعه،

" و سخاء في حق"

 (7) أي سخاوته في الحقوق اللازمة لا في الأمور الباطلة، كما ورد: أسخى الناس من أدى زكاة ماله، أو مع رعاية الحق فيه بحيث لا ينتهي إلى الإسراف و التبذير، و يؤكده‏

قوله" و قصد في غنى"

 (8) أي يقتصد بين الإسراف و التقتير في حال الغنى و الثروة، أو مع استغنائه عن الخلق.

" و تجمل في فاقة"

 (9) التجمل: التزين، و الفاقة: الفقر و الحاجة، أي يتزين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 230

في حال الفقر و لا يظهر الفقر لتضمنه الشكاية من الله، أو يظهر الغنى لذلك، كما قال الجوهري: التجمل: تكلف الجميل، و قد يقرأ بالحاء المهملة أي تحمل و صبر في الفقر" في قدرة" أي على الانتقام‏

" في نصيحة"

 (1) أي مع نصيحة لله أو لأئمة المسلمين أو للمؤمنين أو الأعم من الجميع و نصيحة الله: إخلاص العمل له، كما ورد في الخبر ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، و النصيحة لأئمة المسلمين، و لزوم جماعتهم.

و قال في النهاية فيه: إن الدين النصيحة لله و لرسوله و لكتابة و لأئمة المسلمين و عامتهم، النصيحة: كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، و أصل النصح في اللغة: الخلوص و معنى نصيحة الله: صحة الاعتقاد في وحدانيته و إخلاص النية في عبادته، و النصيحة لكتاب الله: هو التصديق به و العمل بما فيه، و نصيحة رسوله صلى الله عليه و آله و سلم: التصديق بنبوته و رسالته و الانقياد لما أمر به و نهى عنه، و نصيحة الأئمة: أن يطيعهم في الحق، و نصيحة عامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم، انتهى.

" و انتهاء في شهوة"

 (2) أي يقبل نهي الله في حال شهوة المحرمات، في الصحاح:

نهيته عن كذا فانتهى عنه و تناهى أي كف‏

" و ورع في رغبة"

 (3) أي يتورع عن الشبهات في حال الرغبة فيها فإن الورع يطلق غالبا في ترك الشبهات، و قيل: في رغبة عنها و عدم الميل إليها و هو بعيد

" و حرص في جهاد"

 (4) الجهاد بالكسر و المجاهدة: القتال مع العدو و يطلق على مجاهدة النفس أيضا و هو الجهاد الأكبر أي حرص في القتال أو في العبادة مع مجاهدة النفس، و" في" بمعنى" على" على الأول، و في بعض النسخ في اجتهاد.

" و صلاة في شغل"

 (5) أي مع شغل القلب بها، أو في حال اشتغاله بالأمور الدنيوية كما قال سبحانه:" رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 231

الصَّلاةِ" و روي عن الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية أنه قال: كانوا أصحاب تجارة، فإذا حضرت الصلاة تركوا التجارة و انطلقوا إلى الصلاة و هم أعظم أجرا ممن لا يتجر و قيل: المراد ذكر الله في إشغاله، و هو بعيد.

" و في الهزاهز وقور"

 (1) عطف على قوله: له قوة في دين،

" و ليس بواهن"

 (2) أي في أمور الدين‏

" و لا فظ و لا غليظ"

 (3) الفظ: الخشن الخلق في القول و الفعل، و الغلظة غلظة القلب، كما قال تعالى:" وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" في القاموس: الفظ الغليظ الجانب، السي‏ء الخلق، القاسي، الخشن الكلام، انتهى.

و المعنى إن قوته الغضبية قائمة على حد الاعتدال، خرجت عن الوهن المتضمن للتفريط، و الفظاظة الموجبة للإفراط

" و لا يسبقه بصره"

 (4) أي يملك بصره و لا ينظر إلى شي‏ء إلا بعد علمه بأنه يحل له النظر إليه و لا يضره في الدنيا و الآخرة

" و لا يفضحه بطنه"

 (5) بأن يرتكب بسبب شهوات البطن ما يفضحه في الدنيا و الآخرة كالسرقة و الظلم، و قيل: بأن يحضر طعاما بغير طلب.

" و لا يغلبه"

 (6) أي لا يغلب عقله شهوة

فرجه‏

 (7) فيوقعه في الزنا و اللواطة و أشباههما من المحرمات و الشبهات‏

" يعير"

 (8) بفتح الياء المشددة

" و لا يعير"

 (9) بكسر الياء أي يعيره الناس بسبب عدم التعارف و أمثاله و هو لا يعير أحدا، و في بعض النسخ‏

لا يحسد الناس‏

 (10) بعز أي بسبب عزة و لا يقتر و لا يسرف و لعله أصوب، و في الخصال و لا يحسد الناس و لا يقتر و لا يبذر

" و لا يسرف"

 (11) بل يقتصد، و العناء بالفتح و المد النصب و المشقة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 232

" للناس هم"

 (1) أي فكر و مقصد من الدنيا و عزها و فخرها و مالها

" و له هم"

 (2) أي فكر و قصد من أمر الآخرة

" قد شغله"

 (3) عما أقبل الناس عليه" لا يرى" على بناء المفعول‏

" في حكمه"

 (4) أي بين الناس أو في حكمته، و في الخصال: في حلمه‏

" و لا في رأيه وهن"

 (5) أي هو صاحب عزم قوي، أو ليس رأيه ضعيفا واهنا

" و لا في دينه ضياع"

 (6) أي دينه قوي متين، لا يضيع بالشكوك و الشبهات، و لا بارتكاب السيئات.

" و يساعد من ساعده"

 (7) أي يعاون من عاونه، و حمله على طلب الإعانة بعيد من اللفظ، و قيل: المراد بمن ساعده جميع المؤمنين فإن كل مؤمن يساعد سائر المؤمنين بتصديق دينهم و موافقته لهم في الإيمان‏

" و يكيع"

 (8) كيبيع بالياء المثناة التحتانية، و في بعض نسخ الخصال بالتاء المثناة الفوقانية، و في بعضها بالنون، و الكل متقاربة في المعنى قال في القاموس: كعت عنه أكيع و أكاع كيعا و كيعوعة: إذا هبته و جبنت عنه، و قال: كنع عن الأمر كمنع: هرب و جبن، و قال: كتع كمنع: هرب.

و في النهاية:

الخنى‏

 (9): الفحش في القول و

الجهل‏

 (10) مقابل العلم، أو السفاهة و السب.

و أقول: في النهج في خطبة همام: فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين و حزما في لين و إيمانا في يقين، و حرصا في علم، و علما في حلم، و قصدا في غنى، و خشوعا في عبادة، و تجملا في فاقة، و صبرا في شدة و طلبا في حلال، و نشاطا في هدى، و تحرجا عن طمع.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 233

و قال بعض الشارحين: حرف الجر في بعض هذه المواضع يتعلق بالظاهر فيكون موضعه نصبا بالمفعولية، و في بعضها يتعلق بمحذوف، فيكون موضعه نصبا بالمفعولية، و في بعضها يتعلق بمحذوف فيكون موضعه أيضا نصبا على الصفة، ففي قوله في دين يتعلق بالظاهر، أي قوة يقال فلان قوي في كذا و على كذا، و في لين، يتعلق بمحذوف أي حزما كائنا في دين، و في يقين و في علم يتعلق بالظاهر، و في بمعنى على كقوله تعالى:" وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ"، و في غنى يتعلق بمحذوف، و في عبادة يحتمل الأمرين، و في فاقة بمحذوف، و في شدة يحتمل الأمرين، و في حلال بالظاهر، و في بمعنى اللام، و في هدى يحتملها، و عن طمع بالظاهر.

 (الحديث الخامس)

 (1): مرفوع.

" بيض"

 (2) بالكسر جمع أبيض و يحتمل فيه و في نظائره الجر و الرفع‏

" يشيرون بأصابعهم"

 (3) استهزاء و إشارة إلى عيوبهم و الأوس و الخزرج قبيلتان من الأنصار

" بليت منهم الأبدان"

 (4) أي خلقت و نحفت لكثرة العبادة و الرياضة

" و دقت منهم الرقاب"

 (5) لنحافتهم‏

" و اصفرت منهم الألوان"

 (6) لكثرة سهرهم و صومهم.

" و قد تواضعوا بالكلام"

 (7) الباء بمعنى في أي كانوا يتكلمون بالتواضع بعضهم لبعض، أو تكلموا معه عليه السلام بالتواضع، و في بعض النسخ: تواصفوا بالصاد المهملة و الفاء أي كان يصف بعضهم لبعض بالكلام لا بالإشارة كما مر في الفرقة الأخرى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 234

أو لم يكن كلامهم لغوا بل كانوا يصفون ما سمعوا من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم‏

" و جميع مؤمنون"

 (1) أي ظاهرا و يحتمل الاستفهام‏

" بصفة المؤمن"

 (2) أي الواقعي، و في القاموس:

الناكس‏

 (3) المتطأطئ و نكس الرأس العسر العمل بتلك الصفات و الاتصاف بها، و تركها بعد السماع أسوأ لهم كما مر في حقوق الإخوان. و قيل: النكس كان للتأسف على أحوال قريش و التفكر فيما علم أنهم يفعلونه بأوصيائه و أهل بيته بعده‏

" الحاضرون الصلاة"

 (4) أي للإتيان بها جماعة

" إلى الزكاة"

 (5) أي إلى أدائها عند أول أوقات وجوبها

" الماسحون رأس اليتيم"

 (6) مشفقة عليهم‏

" المطهرون أطمارهم"

 (7) أي ثيابهم البالية بالغسل أو بالتشمير، و هما مرويان في قوله تعالى:" وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ" قال الطبرسي قدس سره: أي و ثيابك الملبوسة فطهرها من النجاسة للصلاة.

و قيل: معناه و ثيابك فقصر روي عن ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام، قال الزجاج:

لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر على الأرض لم يؤمن أن يصيبه ما ينجسه، و قيل: لا يكن لباسك من حرام، و روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: غسل الثياب يذهب الهم و الحزن و هو طهور للصلاة و تشمير الثياب طهور لها، و قد قال الله سبحانه:" وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ" أي فشمر و في القاموس: الطمر بالكسر: الثوب الخلق، أو الكساء البالي من غير الصوف، و الجمع أطمار.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 235

" المتزرون على أوساطهم"

 (1) أي يشدون المئزر على وسطهم احتياطا لستر العورة فإنهم كانوا لا يلبسون السراويل، أو المراد شد الوسط بالإزار كالمنطقة ليجمع الثياب، و ما توهمه بعض الأصحاب من كراهة ذلك لم أر له مستندا، و قيل: هو كناية عن الاهتمام في العبادة.

في القاموس: الإزار الملحفة و يؤنث كالمئزر و ائتزر به و تأزر، و لا تقل:

ائتزر، و قد جاء في بعض الأحاديث و لعله من تحريف الرواة، و في النهاية في حديث الاعتكاف: كان إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله و شد المئزر، و المئزر:

الإزار و كنى بشدة عن اعتزال النساء، و قيل: أراد تشميره للعبادة، يقال: شددت لهذا الأمر مئزري أي شمرت له، و في الحديث كان يباشر بعض نسائه و هي مؤتزرة في حالة الحيض أي مشدودة الإزار، و قد جاء في بعض الروايات و هي متزرة و هو خطأ لأن الهمزة لا تدغم في التاء.

" و إن حدثوا لم يكذبوا"

 (2) فيه شائبة تكرار مع‏

قوله: و إن تكلموا صدقوا

 (3)، و يمكن حمل الأول على الحديث عن النبي و الأئمة عليهم السلام، و الثاني على سائر الكلام، أو يقرأ حدثوا على بناء المجهول من التفعيل و لم يكذبوا على بناء المعلوم من التفعيل‏

" و إذا وعدوا لم يخلفوا"

 (4) على بناء الأفعال و المشهور بين الأصحاب استحباب الوفاء بالوعد و يظهر من الآية و بعض الأخبار الوجوب، و لا يمكن الاستدلال بهذا الخبر على الوجوب لاشتماله على كثير من المستحبات.

" و إذا ائتمنوا"

 (5) على حال أو عرض أو كلام‏

" لم يخونوا، رهبان بالليل"

 (6) أي يمضون إلى الخلوات و يتضرعون رهبة من الله، أو يتحملون مشقة السهر و العبادة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 236

كالرهبان، و فسر الرهبانية في قوله تعالى" وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها": بصلاة الليل، قال الراغب الترهب: التعبد و هو استعمال الرهبة و الرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة قال تعالى:" وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها" و الرهبان يكون واحدا و جمعا

" أسد بالنهار"

 (1) أي شجعان في الجهاد كالأسد، في الصحاح: الأسد جمعه أسود و أسد مقصور منه و أسد مخفف.

" قائمون الليل"

 (2) الفرق بينه و بين رهبان بالليل، أن الرهبان إشارة إلى التضرع و الرهبة أو التخلي و الترهب، و قيام الليل للصلاة لا يستلزم شيئا من ذلك،

" و لا يتأذى بهم جار"

 (3) الفرق بينه و بين ما سبق أن المراد بالجار في الأول من آمنه، و في الثاني جار الدار أو في الأول جار الدار، و في الثاني من يجاوره في المجلس، أو في الأول الإيذاء بلا واسطة، و في الثاني تأذيه بسبب خدمه و أعوانه، فالجار في الموضعين جار الدار.

" مشيهم على الأرض هون"

 (4) إشارة إلى قوله سبحانه:" وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً" قال البيضاوي: أي هينين أو مشيا هينا مصدر وصف به، و المعنى: إنهم يمشون بسكينة و تواضع‏

" إلى بيوت الأرامل"

 (5) للصدقة عليهن و إعانتهن‏

" و على أثر الجنائز"

 (6) كان فيه إشعارا باستحباب المشي خلف الجنازة.

ثم اعلم أن الموعود عشرون خصلة، و المذكور منها تسع عشرة، و كان واحدة منها سقطت من الرواة أو النساخ، إلا أن يقال: المطهرون أطمارهم مشتملة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 237

على خصلتين التطهير، و لبس أخلاق الثياب، و قيل: الدعاء في آخر الخبر إشارة إلى العشرين و هي التقوى، و روى الصدوق في المجالس بإسناده عن ابن نباتة قال:

سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن صفة المؤمن فنكس صلى الله عليه و آله و سلم رأسه ثم رفعه فقال: في المؤمنين عشرون خصلة فمن لم تكن فيه لم يكمل إيمانه يا علي إن المؤمنين هم الحاضرون للصلاة، و المسارعون إلى الزكاة و الحاجون لبيت الله الحرام، و الصائمون في شهر رمضان، و المطعمون المسكين إلى آخر الخبر سواء، فيظهر منه سقوط خصلتين فقوله: و خطاهم إلى الجنائز خصلة واحدة، أو إن حدثوا و إن تكلموا واحدة.

 (الحديث السادس)

 (1): مجهول.

" من سرته حسنة"

 (2) أي حسنة نفسه أو أعم من أن يكون من نفسه أو من غيره، و يؤيد الأول أن في بعض النسخ: حسنته و سيئته كما في كتاب صفات الشيعة، و السرور بالحسنة لا يستلزم العجب، فإنه يمكن أن يكون عند نفسه مقصرا في الطاعة، لكن يسر بأن لم يتركها رأسا و كان هذا أولى مراتب الإيمان، مع أن السرور الواقعي بالحسنة يستلزم السعي في الإتيان بكل حسنة، و المساءة الواقعية

بالسيئة

 (3) يستلزم التنفر عن كل سيئة و الاهتمام بتركها و هذان من كمال الإيمان.

 (الحديث السابع)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 238

" شيعتنا الشاحبون"

 (1) و في نادر من النسخ السائحون بالمهملتين بينهما مثناة تحتانية، قيل: أي الملازمون للمساجد و السيح أيضا الذهاب في الأرض للعبادة، و قال في النهاية: الشاحب المتغير اللون و الجسم لعارض، من مرض أو سفر و نحوهما و قال:

ذبلت‏

 (2) بشرته أي قل ماء جلده، و ذهبت نضارته، و في الصحاح: ذبل الفرس ضمر، و قال:

النحول‏

 (3): الهزال، و جمل ناحل مهزول، و قال: جن عليه الليل يجن جنونا و يقال أيضا: جنه الليل و أجنة الليل بمعنى.

و أقول: تعريف الخبر باللام للحصر، و الحاصل أنه ليس شيعتنا إلا الذين تغيرت ألوانهم من كثرة العبادة و السهر، و ذبلت أجسادهم من كثرة الرياضة، أو شفاههم من الصوم، و هزلت أبدانهم مما ذكر، الذين إذا سترهم الليل‏

استقبلوه بحزن‏

 (4) أو اشتغلوا بالعبادة فيه مع الحزن للتفكر في أمر الآخرة و أهوالها

 (الحديث الثامن)

 (5): مرسل.

" أهل الهدي"

 (6) أي الهداية إلى الدين المبين و هو مقدم على كل شي‏ء، ثم أردفه‏

بالتقوى‏

 (7) و هو ترك المنهيات، ثم‏

بالخير

 (8) و هو فعل الطاعات، ثم‏

بالإيمان‏

 (9) أي الكامل فإنه متوقف عليهما، و أما

الفتح‏

 (10) و الظفر فالمراد به إما الفتح و

الظفر

 (11) على المخالفين بالحجج و البراهين أو على الأعادي الظاهرة إن أمروا بالجهاد فإنهم أهل اليقين و الشجاعة، أو على الأعادي الباطنة بغلبة جنود العقل على عساكر الجهل، و الجنود الشيطانية بالمجاهدات النفسانية كما مر في كتاب العقل، أو المراد أنهم أهل لفتح أبواب العنايات الربانية و الإفاضات الرحمانية، و أهل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 239

الظفر بالمقصود كما قيل: إن الأول إشارة إلى كمالهم في القوة النظرية و الثاني إلى كمالهم في القوة العملية حتى بلغوا إلى غايتهما و هو فتح أبواب الأسرار و الفوز بقرب الحق.

 (الحديث التاسع)

 (1): مختلف فيه و معتبر عندي.

و في القاموس: السفل و

السفلة

 (2) بكسرهما نقيض العلو، و سفل في خلقه و علمه ككرم سفلا و يضم و سفالا ككتاب، و في الشي‏ء سفولا بالضم: نزل من أعلاه إلى أسفله، و سفلة الناس بالكسر و كفرحة أسافلهم و غوغاؤهم، و في النهاية:

فقالت امرأة من سفلة الناس، السفلة بفتح السين و كسر الفاء السقاط من الناس و السفالة النذالة يقال: هو من السفلة، و لا يقال هو سفلة، و العامة تقول: رجل سفلة من قوم سفل، و ليس بعربي و بعض العرب يخفف فيقول: فلان من سفلة الناس، فينقل كسرة الفاء إلى السين، انتهى.

و أقول: ربما يقرأ سفلة بالتحريك جمع سافل، و الحاصل أن السفلة أراذل الناس و أدانيهم، و قد ورد النهي عن مخالطتهم و معاملتهم، و فسر في الحديث بمن لا يبالي ما قال، و لا ما قيل له، و بمعان أخر أوردناها في كتابنا الكبير، و هيهنا قوبل‏

بالشيعة

 (3) الموصوفين بالصفات المذكورة و حذر عن مخالطتهم و رغب في مصاحبة هؤلاء.

و الجهاد

 (4) هنا الاجتهاد و السعي في العبادة أو مجاهدة النفس الأمارة.

" و عمل لخالقه"

 (5) أي خالصا له، و التعبير بالخالق تعليل للحكم، و تأكيد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 240

له، فإن من خالقا و معطيا للوجود و القوي و الجوارح و خالقا لجميع ما يحتاج إليه فهو المستحق للعبادة، و لا يجوز عقلا تشريك غيره معه فيها.

 (الحديث العاشر)

 (1): ضعيف على المشهور كالصحيح عندي.

و روى السيد رضي الله عنه في الغرر و الدرر عن علي عليه السلام أنه رأى قوما على بابه فقال: يا قنبر من هؤلاء؟ فقال قنبر: هؤلاء شيعتك، فقال: ما لي لا أرى فيهم من سيماء الشيعة؟ قال: و ما سيماء الشيعة؟ قال: خمص البطون من الطوي، ذبل الشفاه من الظمأ، عمش العيون من البكاء، و خماص البطن كناية عن قلة الأكل أو كثرة الصوم أو العفة عن أكل أموال الناس، و ذبل الشفاه إما كناية عن الصوم أو كثرة التلاوة و الدعاء و الذكر، و

الخمص‏

 (2) بالضم أخمص أو بالفتح مصدر، و الحمل للمبالغة، و ربما يقرأ خمصا بضمتين جمع خميص كرغف و رغيف، و

الذبل‏

 (3) قد يقرأ بالفتح مصدرا و الحمل كما مر أو بالضم أو بضمتين أو كركع و الجميع جمع ذابل.

و قال في القاموس: الخمصة الجوعة و المخمصة المجاعة و قد خمصه الجوع خمصا و مخمصة و خمص البطن مثلثة الميم خلا، و قال: ذبل النبات كنصر و كرم ذبلا و ذبولا ذوي، و ذبل الفرس ضمر، و قني ذابل رقيق لاصق اللبط، و الجمع ككتب و ركع، و في النهاية: رجل خمصان و خميص إذا كان ضامر البطن، و جمع الخميص خماص، و منه الحديث خماص البطون خفاف الظهور أي إنهم أعفه عن أموال الناس فهم ضامروا البطون من أكلها، خفاف الظهور من ثقل وزرها، انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 241

و الرهبانية

 (1) هنا ترك زوائد الدنيا و عدم الانهماك في لذاتها، أو صلاة الليل كما ورد في الخبر.

" فأعينوا على ما أنتم عليه"

 (2) أي أعينونا في شفاعتكم زائدا على ما أنتم عليه من الولاية أو كائنين على ما أنتم عليه، و قد ورد: أعينونا بالورع، و يحتمل أن يكون المراد بما أنتم عليه من المعاصي، أي أعينوا أنفسكم أو أعينونا لدفع ما أنتم عليه من المعاصي و ذمائم الأخلاق أو العذاب المترتب عليها بالورع، و هذا أنسب لفظا فإنه يقال أعنه على عدوه.

 (الحديث الحادي عشر)

 (3): صحيح.

" لم يخرجه غضبه من حق"

 (4) بأن يحكم على من غضب عليه بغير حق أو يظلمه أو يكتم شهادة له عنده‏

" و إذا رضي"

 (5) أي عن أحد

" لم يدخله رضاه"

 (6) عنه‏

" في باطل"

 (7) بأن يشهد له زورا أو يحكم له باطلا أو يحميه في أن لا يعطي الحق اللازم عليه و أشباه ذلك.

و قوله: مما له‏

 (8)، في بعض النسخ بوصل من بما، فاللام مفتوح و في بعضها بالفصل فاللام مكسورة.

 (الحديث الثاني عشر)

 (9): كالسابق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 242

" المسلم"

 (1) أي المسلم الكامل الذي يحق أن يسمى مسلما،

و كذا المؤمن‏

 (2)، و قيل:

الغرض بيان المناسبة بين المعنى اللغوي و الاصطلاحي، و يكفي لذلك اتصاف كمل أفراد كل منهما بما ذكر

" و لا يخذله"

 (3) أي لا يترك نصرته مع القدرة عليها"

أو يدفعه دفعة تعنته"

 (4) أي إذا لم يقدر على نصرته يجب عليه أن يعتذر منه، و يرده برد جميل و لا يدفعه دفعة تلقيه تلك الدفعة في العنت و المشقة، و يحتمل أن يكون كناية عن مطلق الضرر الفاحش، و قيل: يدفعه عن خير و يرده إلى شر يوجب عنته، و في المصباح: دفعته دفعا نحيته، و دافعته عن حقه ماطلته و الدفعة بالفتح المرة، و بالضم اسم لما يدفع بمرة، و في القاموس: العنت محركة الفساد و الإثم و الهلاك و دخول المشقة على الإنسان، و أعنته غيره و لقاء الشدة و الزنا و الوهي و الانكسار، و اكتساب المأثم و عنته تعنيتا شدد عليه و ألزمه ما يصعب عليه أداؤه.

 (الحديث الثالث عشر)

 (5): كالسابق.

و المراد

بالباطل‏

 (6) ما لا فائدة فيه إلى‏

ما ليس له بحق‏

 (7) أي يأخذ زائدا عن حقه.

 (الحديث الرابع عشر)

 (8): ضعيف.

و أبو البختري‏

 (9) وهب بن وهب القرشي عامي ضعيف، و هو راوي الصادق عليه السلام‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 243

و تزوج عليه السلام بامة، فالظاهر كون ضمير سمعته راجعا إلى الصادق عليه السلام فالمراد

بالرفع‏

 (1) نسبة الحديث إليه عليه السلام، و يحتمل أن يكون الرفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام و ضمير

سمعته‏

 (2) للرسول صلى الله عليه و آله و سلم، فإن دأب هذا الراوي لكونه عاميا رفع الحديث، يقول: عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام و يؤيده أن الحديث نبوي روته العامة أيضا عنه صلى الله عليه و آله و سلم، قال في النهاية فيه: المسلمون‏

هينون لينون‏

 (3)، هما تخفيف الهين و اللين، قال ابن الأعرابي: العرب ممدح بإلهين و اللين مخففين، و تذم بهما مثقلين، و هين فيعل من الهون و هي السكينة و الوقار و السهولة، فعينه و أو، و شي‏ء هين و هين أي سهل.

و قال في‏

أنف‏

 (4): فيه: المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف أي المأنوف و هو الذي عقر الخشاش أنفه، فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به، و قيل: الأنف الذلول يقال: أنف البعير يأنف أنفا فهو أنف إذا اشتكى أنفه من الخشاش، و كان الأصل أن يقال: مأنوف لأنه مفعول به كما يقال مصدور و مبطون للذي يشتكي صدره و بطنه، و إنما جاء هذا شاذا و يروي كالجمل الأنف بالمد و هو بمعناه، انتهى.

" إن قيد"

 (5) صفة للمشبه به أو المشبه‏

" و إن أنيخ على صخرة"

 (6) كناية عن نهاية انقياده في الأمور المشروعة و عدم استصعابه فيها، قال الجوهري:

أنخت الجمل فاستناخ‏

 (7) أبركته فبرك، انتهى.

و قيل: إنما شبه بالجمل لا بالناقة إشارة إلى أن المؤمن قادر على الامتناع، و لكن له مانع عظيم من الإيمان، و أحكامه تمنعه عن ذلك، أقول: و في بعض النسخ الألف باللام من الألفة، و الأول أظهر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 244

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): ضعيف على المشهور.

" العلم بالله"

 (2) أي بالربوبية و صفاته الكمالية فيؤمن‏

" و من يحب"

 (3) أي يحبه الله من النبي و الأئمة عليهم السلام و أتباعهم فيواليهم و يتابعهم أو من يحبه المؤمن و يلزمه محبته‏

" و من يكره"

 (4) أي يكرهه الله فيبغضه و لا يواليه، أو من يحب أن يكرهه، و ربما يقرأ الفعلان على بناء المجهول، و هذه الثلاثة أصل الإيمان و عمدته.

 (الحديث السادس عشر)

 (5): كالسابق.

" كمثل شجرة"

 (6) بالتحريك، أي مثل المؤمن و صفته كمثلها، أو بكسر الميم فالكاف زائدة

" لا تتحات ورقها"

 (7) أي لا تتساقط، و لعل التشبيه لبيان أنه ينبغي أن يكون المؤمن كثير المنافع، مستقيم الأحوال، ينتفع منه دائما، و هذا المضمون مروي من طرق المخالفين، روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن من الشجر شجرة لا تسقط ورقها و أنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: وقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، قالوا:

حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: هي النخلة، قالوا: و إنما شبه المؤمن بالنخلة لكثرة خيرها و دوام ظلها، و طيب ثمرها، و وجوده على الدوام فإنه من حين يطلع لا يزال يؤكل حتى ييبس، و بعد أن يبس، و فيها منافع كثيرة، جذوعها خشب في البناء و الآلات، و جرائدها حطب و عصي و محابر و حصر، و ليفها حطب و حشو للوسائد و غير ذلك من وجوه نفعها و جمال نباتها و حسن هيئاتها، كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعته و كرم أخلاقه هذا هو الصحيح في وجه التشبيه، و قيل: وجه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 245

التشبيه أنه إذا قطعت رأسها ماتت بخلاف غيرها من الشجر، و قيل: أنها لا تحمل حتى تلقح، و لذلك سماها في الحديث عمة، فقال: أكرموا عماتكم النخل، و قيل:

لأن أحوالها من حين تطلع إلى تمام ثمرها سبعة كأحوال المؤمن من التوبة إلى قرب الحق سبعة، التوبة ثم الاجتهاد، ثم الرجاء ثم الإرادة ثم المحبة ثم الرضا، و ثمر النخل طلع، ثم إغريض ثم بلح، ثم بسر، ثم زهو، ثم رطب ثم تمر.

 (الحديث السابع عشر)

 (1): ضعيف على المشهور.

" و لا ينجل"

 (2) في بعض النسخ بالنون و الجيم و هو الطعن و الشق و نجل الناس شارهم و تناجلوا تنازعوا، أي إن طعنه أحد و سفه عليه صبر و لم يقابله بمثله.

 (الحديث الثامن عشر)

 (3): مجهول.

و قال العلامة (ره) في الإيضاح‏

جفير

 (4) بالجيم المفتوحة و الفاء بعدها ثم الياء المنقطة تحتها نقطتين ثم الراء، و قيل: جيفر بتقديم الجيم ثم الياء ثم الفاء، ابن حكيم بفتح الحاء و الياء قبل الميم، العبدي بالباء المنقطة نقطة، انتهى.

و في فهرس النجاشي آدم بن الحسين النخاس كوفي ثقة، ق، و في رجال الشيخ آدم أبو الحسين النخاس الكوفي، ق.

" من طاب مكسبه"

 (5) أي يكون ما يكتسبه من المال حلالا، في القاموس: فلان‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 246

طيب المكسب، و المكسب أي طيب الكسب‏

" و حسنت خليقته"

 (1) أي طبيعته بالتخلي عن الرذائل و التحلي بالفضائل‏

" و صحت سريرته"

 (2) أي نيته أو بواطن أموره بأن لا يكون باطنه خلاف ظاهره، و لا يكون مرائيا مخادعا أو قلبه بصحة عقائده و نياته و إرادته، في القاموس: الصح بالضم و الصحة بالكسر ذهاب المرض و البراءة من كل عيب، صح يصح فهو صحيح، و قال: السر ما يكتم كالسريرة.

" و أنفق الفضل من ماله"

 (3) أي ما يزيد على نفقة نفسه و عياله في سبيل الله‏

" و أمسك الفضل من كلامه"

 (4) أي لا يتكلم بما لا نفع فيه لآخرته‏

" و كفى الناس شره"

 (5) بأن لا يصل ضرره إليهم‏

" و أنصف الناس من نفسه"

 (6) بأن يحكم لهم على نفسه و يحب لهم ما يحب لها، و يكره لهم ما يكره لها.

 (الحديث التاسع عشر)

 (7): مجهول.

" و المهاجر من هجر السيئات"

 (8) أي ليس المهاجر الذي مدحه الله مقصورا على من هاجر من مكة إلى مدينة قبل الفتح، أو هاجر من البدو إلى المدينة أو هاجر من بلاد الكفر عند خوف الجور و الفساد و عدم التمكن من إظهار شعائر الإسلام كما قيل في قوله تعالى:" يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ" و هذه هي المعاني المشهورة له، بل يشمل من هجر السيئات لأن فضل الهجرة بالمعاني المذكورة إنما هو للبعد عن الكفر و المعاصي، و لذا لا فضل لمن هجر منافقا أو كافرا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 247

كالمنافقين الغاصبين لحقوق أئمة الدين فإنه لا فضل لهم و لا يعدون من المهاجرين، فمن هجر الكفر و السيئات و الجهل و الضلال مشاركون معهم في الفضل و الكمال.

و يحتمل أن يكون المراد أن المهاجرين بالمعاني المذكورة إنما يستحقون هذا الاسم إذا هجروا السيئات على سياق سائر الفقرات.

قال في النهاية: الهجرة في الأصل اسم من الهجر ضد الوصل، و قد هجره هجرا و هجرانا ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض و ترك الأولى للثانية، يقال منه هاجر مهاجرة، و الهجرة هجرتان إحداهما التي وعد الله عليها الجنة في قوله:" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ" فكان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يدع أهله و ماله لا يرجع في شي‏ء منه، و ينقطع بنفسه إلى مهاجرة، فلما فتحت مكة صارت دار الإسلام كالمدينة و انقطعت، و الهجرة الثانية: من هاجر من الأعراب و غزا مع المسلمين و لم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى فهو مهاجر، و ليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة، و هو المراد بقوله: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، فهذا وجه الجمع بين الحديثين، و فيه: هاجروا و لا تهجروا أي أخلصوا الهجرة لله و لا تتشبهوا بالمهاجرين على غير صحة منكم، انتهى.

و قال الراغب: المهاجرة في الأصل مصارمة الغير و متاركته، و في قوله:" وَ الَّذِينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا" و أمثاله فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان، كما هاجر من مكة إلى المدينة، و قيل: يقتضي ذلك ترك الشهوات و الأخلاق الذميمة و الخطايا، و قوله:" إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى‏ رَبِّي" أي تارك لقومي و ذاهب إليه، و كذا المجاهدة تقتضي مع مجاهدة العدي مجاهدة النفس، كما روي في الخبر: رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، و هو مجاهدة النفس.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 248

 (الحديث العشرون)

 (1): ضعيف على المشهور مجهول عندي.

" تعرف الرهبانية"

 (2) أي آثار الخوف و الخشوع و ترك الدنيا أو أثر صلاة الليل كما مر

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (3): صحيح.

و العراق‏

 (4) هنا الكوفة و البصرة

" لقد عهدت"

 (5) أي لقيت أو هو في ذكري و في بالي، و في المصباح: عهدته بمكان كذا لقيته، و عهدي به قريب أي لقائي، و تعهدت الشي‏ء ترددت إليه و أصلحته و حقيقته تجديد العهد به، و في القاموس: العهد الالتقاء و المعرفة منه عهدي به بموضع كذا، و

الشعث‏

 (6) بالضم جمع الأشعث‏

كالغبر

 (7) بالضم جمع الأغبر، و الشعث تفرق الشعر و عدم إصلاحه و مشطه و تنظيفه و الأغبر المتلطخ بالغبار قال في المصباح: شعث الشعر شعثا فهو شعث من باب تعب تغير و تلبد لقلة تعهده بالدهن، و رجل أشعث و امرأة شعثاء و الشعث أيضا الوسخ، و رجل شعث وسخ الجسد و شعث الرأس أيضا و هو أشعث أغبر من غير استحداد و لا تنظف، و الشعث أيضا الانتشار و التفرق، و في القاموس: الشعث محركة انتشار الأمر، و مصدر الأشعث للمغبر الرأس و الشعث التفرق و تلبد الشعر، انتهى.

فإن قيل: التمشط و التدهن و التنظف كلها مستحبة مطلوبة للشارع، فكيف مدحهم عليهم السلام بتركها؟ قلنا: يحتمل أن تكون تلك الأحوال لفقرهم و عدم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 249

قدرتهم على إزالتها، فالمدح على صبرهم على الفقر، أو المعنى أنهم لا يهتمون بإزالتها زائدا على المستحب، أو يقال إذا كان تركها لشدة الاهتمام بالعبادة و غلبة خوف الآخرة يكون ممدوحا.

" خمصا"

 (1) جمع الأخمص و قيل: الخميص أي بطونهم خالية إما للصوم أو للفقر أو لا يشبعون لئلا يكسلوا في العبادة، و قد مر

" كركب المعزي"

 (2) أي من أثر السجود لكثرته و طوله، و في القاموس: الركبة بالضم ما بين أسافل أطراف الفخذ و أعالي الساق، أو موضع الوظيف و الذراع، أو موضع مرفق الذراع من كل شي‏ء، و الجمع ركب كصرد، و قال: المعز بالفتح و بالتحريك و المعزي و يمد خلاف الضأن من الغنم، و الماعز واحد المعز للذكر و الأنثى و في المصباح: المعز اسم جنس لا واحد من لفظه، و هي ذوات الثغر من الغنم، الواحدة شاة، و المعزي ألفها للإلحاق لا للتأنيث و لهذا تنون في النكرة، و الذكر ماعز، و الأنثى ماعزة، انتهى.

" يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ"

 (3) تضمين لقوله تعالى في الفرقان:" وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً" قال البيضاوي: أي في الصلاة و تخصيص البيتوتة لأن العبادة بالليل أحمز و أبعد من الرياء و تأخير القيام للروي و هو جمع قائم أو مصدر أجري مجراه، انتهى.

و قيل: في تقديم الأقدام على الجباة مع التأخير في الآية إشارة إلى أن تقديم السجود فيها لزيادة القرب فيه، و لرعاية موافقة الفواصل، و في النهاية فيه: أنه كان‏

يراوح قدميه‏

 (4) من طول القيام، أي يعتمد على إحداهما تارة و على الأخرى مرة ليوصل الراحة إلى كل منهما و منه حديث ابن مسعود أنه أبصر رجلا صافا قدميه، فقال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 250

لو راوح كان أفضل، و منه حديث بكر بن عبد الله كان ثابت يراوح ما بين جبهته و قدميه أي قائما و ساجدا، يعني في الصلاة.

و أقول: ظاهر أكثر أصحابنا استحباب أن يكون اعتماده على قدميه مساويا و أما هذه الأخبار مع صحتها يمكن أن تكون مخصوصة بالنوافل، أو بحال المشقة و التعب، و

المناجاة

 (1): المسارة

" و هم خائفون"

 (2) من رد أعمالهم للإخلال ببعض شرائطها

" مشفقون"

 (3) من عذاب الله، و الحاصل أنهم مع هذا الجد و المبالغة في العمل كانوا يعدون أنفسهم مقصرين و لم يكونوا بأعمالهم معجبين.

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (4): مجهول.

و القيد

 (5) بالكسر: القدر، في النهاية: يقال بيني و بينه قيد رمح و قاد رمح، أي قدر رمح‏

" يخالفون بين جباههم و ركبهم"

 (6) أي يضعون جباههم على التراب خلف ركبهم يأتون بأحدهما عقب الآخر و هو قريب من المراوحة، و قيل: أي يجعلون التفاوت بين جلوسهم و سجودهم أطول من جلوسهم.

ثم اعلم أن الركب يحتمل أن يكون المراد به الجلوس كما فهمه الأكثر أو الركوع لوضع اليد عليه أو القيام لكون الاعتماد عليه و الأخير أوفق بما مر

" كان زفير النار في آذانهم"

 (7) إشارة إلى سبب تمرنهم بالطاعات و إحياء الليالي بالعبادات و هو كون علمهم بأحوال الجنة و النار في مرتبة عين اليقين، و الزفير صوت توقد النار

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 251

" مادوا"

 (1) أي اضطربوا و تحركوا و اقشعروا من الخوف، و هو تلميح إلى قوله سبحانه:

" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" في القاموس: ماد يميد ميدا و ميدانا تحرك، و السراب اضطرب‏

" كأنما القوم"

 (2) كان المراد بالقوم جماعة الحاضرون أو أهل زمانه في هذا الوقت، لعدم اهتمامهم في أمور الآخرة و اشتغالهم بالدنيا كأنهم‏

باتوا غافلين‏

 (3)، و في التعبير بالبيتوتة إشعار بأنهم لكثرة غفلتهم كأنهم نيام، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، و في بعض النسخ: ماتوا أي كأنهم بسبب غفلتهم أموات غير أحياء، و يحتمل أن يكون المراد بالقوم الذين ذكروا أوصافهم أي كانوا إذا ذكر الله عندهم مادوا من الخوف، كأنهم باتوا غافلين، و لم يعبدوا الله في الليل، و يؤيد الأول ما رواه المفيد في الإرشاد عن صعصعة بن صوحان العبدي قال:

صلى بنا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم صلاة الصبح، فلما سلم أقبل على القبلة بوجهه يذكر الله لا يلتفت يمينا و لا شمالا حتى صارت الشمس على حائط مسجد كم هذا، يعني جامع الكوفة قيس رمح ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أنهم ليراوحون في هذا الليل بين جباههم و ركبهم فإذا أصبحوا شعثا غبرا بين أعينهم شبه ركب المعزي فإذا ذكروا الموت مادوا كما يميد الشجر في الريح، ثم انهملت عيونهم حتى تبل ثيابهم، ثم نهض عليه السلام و هو يقول: كأنما القوم باتوا غافلين.

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (4): ضعيف على المشهور.

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 252

" أن تعرف أصحابي"

 (1) أي خلص أصحابي، و الذين ارتضيهم لذلك‏

" من اشتد ورعه"

 (2) أي اجتنابه عن المحرمات و الشبهات‏

" و خاف خالقه"

 (3) إشارة إلى أن من عرف الله بالخالقية ينبغي أن يخاف عذابه و يرجو ثوابه لكمال قدرته عليهما.

 (الحديث الرابع و العشرون)

 (4): ضعيف.

" المتباذلون ولايتنا"

 (5) الظاهر أن في للسببية، و يحتمل أحد المعاني المتقدمة و التباذل بذل بعضهم بعضا فضل ماله، و الولاية إما بالفتح بمعنى النصرة أو بالكسر بمعنى الإمامة و الإمارة و الأول أظهر، و الإضافة إلى المفعول، و

التحابب‏

 (6) حب بعضهم بعضا

" في مودتنا"

 (7) لأن المحبوب يحبنا، أو لأن المحب يودنا أو الأعم، أو لنشر مودتنا و إلقائها بينهم‏

و التزاور

 (8) زيارة بعضهم بعضا.

" في إحياء أمرنا"

 (9) أي لا حياء ديننا و ذكر فضائلنا و علومنا و إبقائها لئلا تندرس بغلبة المخالفين و شبهاتهم‏

" و إن رضوا"

 (10) عن أحدهم و أحبوه‏

" لم يسرفوا"

 (11) أي لم يجاوز الحد في المحبة و المعاونة كما مر و الإسراف في المال بعيد هنا

" بركة"

 (12) أي يصل نفعهم إلى من جاوره في البيت أو في المجلس أعم من المنافع الدنيوية و الأخروية

" سلم"

 (13) بالكسر و الفتح أي مسالم، و على الأول مصدر، و الحمل للمبالغة، في القاموس:

السلم بالكسر المسالم و الصلح و يفتح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 253

 (الحديث الخامس و العشرون)

 (1): ضعيف على المشهور.

و رواه الصدوق (ره) في المجالس عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن أحمد بن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان عن عيسى الجريري عنه عليه السلام و زاد فيه هكذا: سكتوا فكان سكوتهم فكرا و تكلموا فكان كلامهم ذكرا، و قال النجاشي:

عيسى بن أعين الجريري الأسدي مولى كوفي ثقة، و عده من أصحاب الصادق عليه السلام فما في المجالس أظهر سندا و متنا، لكن في أكثر نسخ المجالس‏

النهرتيري‏

 (2) بالتاء كما في بعض نسخ الكافي، و في بعضها النهربيري بالباء الموحدة، و في بعضها النهري، و الأخير كأنه نسبة إلى النهروان و لم أجد الأولين في اللغة، و قال الشيخ البهائي قدس سره في حاشية الأربعين: الجريري بضم الجيم و الرائين المهملتين منسوب إلى جرير بن عباد بضم العين و تخفيف الباء

" من عرف الله"

 (3) قال الشيخ المتقدم (ره) قال بعض الأعلام: أكثر ما تطلق المعرفة على الأخير من الإدراكين للشي‏ء الواحد إذا تخلل بينها عدم بأن أدركه أولا ثم ذهل عنه ثم أدركه ثانيا فظهر له أنه هو الذي كان قد أدركه أولا، و من هيهنا سمي أهل الحقيقة بأصحاب العرفان، لأن خلق الأرواح قبل خلق الأبدان كما ورد في الحديث، و هي كانت مطلعة على بعض الإشراقات الشهودية مقرة لمبدعها بالربوبية، كما قال سبحانه:" أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏" لكنها لألفها بالأبدان الظلمانية و انغمارها في الغواشي الهيولانية ذهلت عن مولاها و مبدعها، فإذا تخلصت بالرياضة من أسر دار الغرور و ترقت بالمجاهدة عن الالتفات إلى عالم الزور تجدد عهدها القديم الذي كاد أن يندرس بتمادي الأعصار و الدهور، و حصل لها الإدراك مرة ثانية و هي المعرفة التي هي نور على نور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 254

" من الكلام"

 (1) أي من فضوله و كذا

الطعام‏

 (2) فإن الإكثار منه يورث الثقل عن العبادة، و يحتمل أن يكون كناية عن الصوم‏

" و عفا"

 (3) كذا، و في بعض النسخ بالفاء أي جعلها صافية خالصة أو جعلها مندرسة ذليلة خاضعة أو وفر كمالاتها، قال في النهاية: أصل العفو المحو و الطمس، و عفت الريح الأثر محته و طمسته، و منه حديث أم سلمة: لا تعف سبيلا كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لحبها، أي لا تطمسها، و عفى الشي‏ء كثر و زاد، يقال: أعفيته و عفيته، و عفا الشي‏ء درس و لم يبق له أثر، و عفا الشي‏ء صفا و خلص، انتهى.

و أقول: يمكن أن يحملها بعضهم على الفناء في الله باصطلاحهم و الأظهر ما في المجالس و غيره و أكثر نسخ الكتاب" عنى" بالعين المهملة و النون المشددة أي أتعب و العناء بالفتح و المد التعب‏

" بآبائنا و أمهاتنا"

 (4) قال الشيخ البهائي (ره) هذا الباء يسميها بعض النحاة باء التفدية و فعلها محذوف غالبا و التقدير نفديك بآبائنا و أمهاتنا، و هي في الحقيقة باء العوض نحو خذ هذا بهذا، و عد منه قوله تعالى:

" ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".

" هؤلاء أولياء الله"

 (5) هو استفهام محذوف الأداة و يمكن أن يكون خبرا قصد به لازم الحكم و التأكيد في قوله إن أولياء الله- إلى آخره- لكون الخبر ملقى إلى السائل المتردد على الأول، و لكون المخاطب حاكما بخلافه على الثاني إن جعل‏

قوله صلى الله عليه و آله و سلم: إن أولياء الله‏

 (6)، ردا لقولهم هؤلاء أولياء الله أي أولياء الله أناس أخر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 255

صفاتهم فوق هذه الصفات، و إن جعل تصديقا لقولهم و وصفا للأولياء بصفات أخرى زيادة على صفاتهم الثلاث السابقة، فالتأكيد لكون الخبر ملقى إلى الخلص الراسخين في الإيمان، فهو رائج عندهم متقبل لديهم صادر عنه صلى الله عليه و آله و سلم عن كمال الرغبة و وفور النشاط لأنه في وصف أولياء الله بأعظم الصفات فكأنه مظنة التأكيد كما ذكره صاحب الكشاف عند قوله تعالى:" وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا".

" فكان سكوتهم ذكرا"

 (1) أي عند سكوتهم قلوبهم مشغولة بذكر الله و تذكر صفاته الكمالية و آلائه و نعمائه و غرائب صنعه و حكمته، و في رواية المجالس كما أشرنا إليه: فكان سكوتهم فكرا.

و قال الشيخ البهائي (ره): أطلق على سكوتهم الفكر لكونه لازما غير منفك عنه، و كذا إطلاق العبرة على نظرهم‏

و الحكمة على نطقهم‏

 (2) و البركة على مشيهم و جعل صلى الله عليه و آله و سلم كلامهم ذكرا ثم جعله حكمة إشعارا بأنه لا يخرج عن هذين، فالأول في الخلوة و الثاني بين الناس، و لك إبقاء النطق على معناه المصدري أي إن نطقهم بمهما نطقوا به مبني على حكمة و مصلحة

" فكان مشيهم بين الناس بركة"

 (3) لأن قصدهم قضاء حوائج الناس و هدايتهم و طلب المنافع لهم و دفع المضار عنهم مع أن وجودهم سبب لنزول الرحمة عليهم و دفع البلايا عنهم.

" لم تقر أرواحهم"

 (4) في المجالس لم تستقر

" خوفا من العذاب و شوقا إلى الثواب"

 (5) فيه إشارة إلى تساوي الخوف و الرجاء فيهم، و كونهما معا في الغاية القصوى و الدرجة العليا كما مضت الأخبار فيه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 256

ثم اعلم أن كون الشوق إلى الثواب سببا لمفارقة أرواحهم أوكار أبدانهم و طيرانها إلى عالم القدس و محل الأنس و درجات الجنان و نعيمها ظاهر، و أما الخوف من العقاب إما لشدة الدهشة و استيلاء الخوف عليهم، كما فعل بهمام لعدهم أنفسهم من المقصرين أو يريدون اللحوق بمنازلهم العالية حذرا من أن تتبدل أحوالهم و تستولي الشهوات عليهم، فيستحقون بذلك العذاب، فلذا يستعجلون في الذهاب إلى الآخرة، ثم قال الشيخ المتقدم (ره): المراد بمعرفة الله تعالى الاطلاع على نعوته و صفاته الجلالية و الجمالية بقدر الطاقة البشرية و أما الاطلاع على حقيقة الذات المقدسة فمما لا مطمع فيه للملائكة المقربين و الأنبياء المرسلين فضلا عن غيرهم، و كفى في ذلك قول سيد البشر

ما عرفناك حق معرفتك،

و في الحديث:

أن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، و أن الملإ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم، و لا تلتفت إلى من يزعم أنه قد وصل إلى كنه الحقيقة المقدسة بل أحث التراب في فيه فقد ضل و غوى، و كذب و افترى، فإن الأمر أرفع و أظهر من أن يتلوث بخواطر البشر و كلما تصوره العالم الراسخ فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ، و أقصى ما وصل إليه الفكر العميق فهو غاية مبلغه من التدقيق، و ما أحسن ما قال:

         آن چه پيش تو غير از او ره نيست             غايت فهم تو است" الله" نيست‏

 بل الصفات التي نثبتها له سبحانه إنما هي على حسب أوهامنا و قدر أفهامنا فإنا نعتقد اتصافه بأشرف طرفي النقيض بالنظر إلى عقولنا القاصرة، و هو تعالى أرفع و أجل من جميع ما نصفه به، و في كلام الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام إشارة إلى هذا المعنى حيث قال: كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 257

مصنوع مثلكم مردود إليكم و لعل النمل الصغار تتوهم أن لله تعالى زبانيتين فإن ذلك كمالها و يتوهم أن عدمهما نقصان لمن لا يتصف بهما، و هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به، انتهى كلامه صلوات الله عليه و سلامه.

قال بعض المحققين: هذا كلام دقيق رشيق أنيق صدر من مصدر التحقيق و مورد التدقيق، و السر في ذلك أن التكليف إنما يتوقف على معرفة الله تعالى بحسب الوسع و الطاقة، و إنما كلفوا أن يعرفوه بالصفات التي ألفوها و شاهدوها فيهم مع سلب النقائص الناشئة عن انتسابها إليهم، و لما كان الإنسان واجبا بغيره عالما قادرا مريدا حيا متكلما سميعا بصيرا كلف بأن يعتقد تلك الصفات في حقه تعالى مع سلب النقائص الناشئة عن انتسابها إلى الإنسان بأن يعتقد أنه تعالى واجب لذاته لا بغيره، عالم بجميع المعلومات قادر على جميع الممكنات و هكذا في سائر الصفات و لم يكلف باعتقاد صفة له تعالى لا يوجد فيه مثالها و مناسبها بوجه، و لو كلف به لما أمكنه تعلقه بالحقيقة، و هذا أحد معاني قوله عليه السلام: من عرف نفسه فقد عرف ربه، انتهى كلامه.

ثم قال قدس سره: قد اشتمل هذا الحديث على المهم من سمات العارفين و صفات الأولياء الكاملين، فأوليها الصمت و حفظ اللسان الذي هو باب النجاة، و ثانيها الجوع و هو مفتاح الخيرات، و ثالثها إتعاب النفس في العبادة بصيام النهار و قيام الليل، و هذه الصفة ربما توهم بعض الناس استغناء العارف عنها، و عدم حاجته إليها بعد الوصول، و هو و هم باطل، إذ لو استغنى عنها أحد لاستغنى عنها سيد المرسلين و أشرف الواصلين و قد كان يقوم في الصلاة إلى أن ورمت قدماه، و كان أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي ينتهي إليه سلسلة أهل العرفان يصلي كل ليلة ألف ركعة، و هكذا شأن جميع الأولياء و العارفين كما هو في التواريخ مسطور، و على الألسنة مشهور، و رابعها الفكر، و في الحديث تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة، قال بعض‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 258

الأكابر: إنما كان الفكر أفضل لأنه عمل القلب و هو من أفضل الجوارح فعمله أشرف من عملها، أ لا ترى إلى قوله تعالى:" أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي" فجعل الصلاة وسيلة إلى ذكر القلب، و المقصود أشرف من الوسيلة، و خامسها الذكر و المراد به الذكر اللساني و قد اختاروا له كلمة التوحيد لاختصاصها بمزايا ليس هذا محل ذكرها، و سادسها نظر الاعتبار كما قال سبحانه:" فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ" و سابعها النطق بالحكمة و المراد بهما ما تضمن صلاح النشأتين أو صلاح النشأة الأخرى من العلوم و المعارف، أما ما تضمن صلاح الحال في الدنيا فقط فليس من الحكمة في شي‏ء، و ثامنها وصول بركتهم إلى الناس، و تاسعها و عاشرها الخوف و الرجاء، و هذه الصفات العشر إذا اعتبرتها وجدتها أمهات صفات السائرين إلى الله تعالى يسر الله لنا الاتصاف بها بمنه و كرمه.

 (الحديث السادس و العشرون)

 (1): مرسل.

و قد روي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام هكذا، و قال عليه السلام: كان لي فيما مضى أخ في الله، و قال ابن أبي الحديد: قد اختلف الناس في المعنى بهذا الكلام و من هذا الأخ المشار إليه؟ فقال قوم: هو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و استبعده قوم لقوله عليه السلام: و كان ضعيفا مستضعفا فإنه لا يقال في صفاته صلى الله عليه و آله و سلم مثل هذه الكلمة و إن أمكن تأويلها على لين كلامه و سجاحة أخلاقه إلا أنها غير لائقة به عليه السلام.

و قال قوم: هو أبو ذر الغفاري و استبعده قوم لقوله عليه السلام: فإن جاء الجد فهو ليث غاد و صل واد فإن أبا ذر لم يكن من المعروفين بالشجاعة و البسالة، و قال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 259

قوم: هو مقداد بن عمر و المعروف بمقداد بن الأسود و كان من شيعة علي عليه السلام و كان شجاعا مجاهدا حسن الطريقة، و قد روي في فضله حديث صحيح مرفوع، و قال قوم: إنه ليس بإشارة إلى أخ معين و لكنه كلام خارج مخرج المثل، كقولهم:

فقلت لصاحبي، و يا صاحبي، و هذا عندي أقوى الوجوه، انتهى.

و لا يبعد أن يقال: إن قوله عليه السلام: فإن جاء الجد فهو ليث غاد إلى آخره لا يقتضي الشجاعة و البسالة في الحرب، بل المراد الوصف بالتصلب في ذات الله، و ترك المداهنة في أمر الدين و إظهار الحق بل في العدول عن لفظ الحرب إلى الجد بعد الوصف بالضعف إشعار بذلك، و قد كان أبو ذر معروفا بذلك و إفصاحه عن فضائح بني أمية في أيام عثمان و تصلبه في إظهار الحق أشهر من أن يحتاج إلى البيان، و قال الشارح ابن ميثم: ذكر هذا الفصل ابن المقفع في أدبه، و نسبه إلى الحسن بن علي عليهما السلام، و المشار إليه قيل: هو أبو ذر الغفاري، و قيل: هو عثمان بن مظعون، انتهى.

و أقول: لا يبعد أن يكون المراد به أباه عليه السلام عبر هكذا لمصلحة.

" و كان رأس ما عظم به في عيني"

 (1) أي و كان أقوى و أعظم الصفات التي صارت أسبابا لعظمته في عيني، فإن الرأس أشرف ما في البدن، و في القاموس: الرأس أعلى كل شي‏ء، و

الصغر

 (2) وزان عنب و قفل خلاف الكبر، و بمعنى الذل و الهوان، و هو خبر كان، و فاعل عظم ضمير الأخ و ضمير به عائد إلى الموصول، و الباء للسببية، و في النهج و كان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، و في القاموس: الصغر كعنب خلاف العظم، صغر ككرم و فرح صغارة و صغرا كعنب و صغرا محركة و صغره و أصغره جعله صغيرا، و الصاغر الراضي بالذل، و الجمع صغرة ككتبة و قد صغر ككرم صغرا كعنب و صغرا بالضم و أصغره جعله صاغرا و استصغره عده صغيرا. انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 260

" كان خارجا"

 (1) و في النهج:

و كان من سلطان بطنه‏

 (2)، أي سلطنته كناية عن شدة الرغبة في المأكول و المشروب كما و كيفا ثم ذكر عليه السلام لذلك علامتين حيث قال:

فلا يشتهي ما لا يجد

 (3)، و في النهج: فلا يتشهى، و يقال: تشهي فلان إذا اقترح شهوة بعد شهوة و هو أنسب‏

" و لا يكثر"

 (4) أي في الأكل‏

" إذا وجد"

 (5) و الإكثار من الشي‏ء الإتيان بالكثير منه، و المراد به إما الاقتصار على ما دون الشبع أو ترك الإفراط في الأكل أو ترك الإسراف في تجويد المأكول و المشروب.

" كان خارجا من سلطان فرجه"

 (6) أي لم يكن لشهوة فرجه عليه سلطنة بأن توقعه في المحرمات أو الشبهات و المكروهات، فذكر لذلك أيضا علامتين فقال:

" فلا يستخف له عقله و لا رأيه"

 (7) في القاموس: استخفه ضد استثقله و فلانا عن رأيه حمله على الجهل و الخفة و أزاله عما كان عليه من الصواب، و قال الراغب:" فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ" أي حملهم على أن يخفوا معه أو وجدهم خفافا في أبدانهم و عزائمهم، و قيل: معناه وجدهم طائشين، و قوله عز و جل:" وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ" أي لا يزعجنك و يزيلنك عن اعتقادك بما يوقعون من الشبه، و قال البيضاوي في قوله سبحانه:" فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ" فطلب منهم الخفة في مطاوعته أو فاستخف أحلامهم، و قال في قوله تعالى:" وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ" و لا يحملنك على الخفة و القلق" الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ" بتكذيبهم و إيذائهم.

و أقول: هذه الفقرة تحتمل وجوها:" الأول" أن يكون المستتر في فلا يستخف راجعا إلى الفرج، و الضمير في" له" راجعا إلى الأخ، و يكون عقله و رأيه منصوبين أي كان لا تجعل شهوة الفرج عقله و رأيه خفيفين مطيعين لها.

الثاني: أن يكون الضمير في يستخف راجعا إلى الأخ، و في" له" إلى الفرج‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 261

أي لا يجعل عقله و رأيه أو لا يجدهما خفيفين سريعين في قضاء حوائج الفرج.

الثالث: أن يقرأ يستخف على بناء المجهول، و عقله و رأيه مرفوعين و ضمير له إما راجع إلى الأخ أو إلى الفرج، و ما قيل: إن يستخف على بناء المعلوم و عقله و رأيه مرفوعان و ضمير له للأخ فلا يساعده ما مر من معاني الاستخفاف.

" كان خارجا من سلطان الجهالة"

 (1) بفتح الجيم و هي خلاف العلم و العقل‏

" فلا يمد يده"

 (2) أي إلى أخذ شي‏ء، كناية عن ارتكاب الأمور

" إلا على ثقة"

 (3) و اعتماد بأنه ينفعه نفعا عظيما في الآخرة أو في الدنيا أيضا إذا لم يضر بالآخرة

" كان لا- يتشهى"

 (4) أي لا يكثر شهوة الأشياء كما مر

" و لا يتسخط"

 (5) أي لا يسخط كثيرا لفقد المشتهيات أو لا يغضب لإيذاء الخلق له أو لقلة عطائهم، في القاموس: السخط بالضم و كعنق و جبل ضد الرضا، و قد سخط كفرح و أسخطه أغضبه و تسخطه تكرهه و عطاءه استقله و لم يقع منه موقعا

" و لا يتبرم"

 (6) أي لا يمل و لا يسأم من من حوائج الخلق و كثرة سؤالهم و سوء معاشرتهم، في القاموس: البرم السأمة و الضجر، و أبرمه فبرم كفرح و تبرم أمله فمل.

" كان أكثر دهره"

 (7) أي عمره، و أكثر منصوب على الظرفية

" صماتا"

 (8) بفتح الصاد و تشديد الميم، و قرأ بضم الصاد و تخفيف الميم مصدرا فالحمل على المبالغة.

و في النهج: صامتا فإن قال بذ القائلين و نقع غليل السائلين، قال في النهاية:

في الحديث‏

بذ القائلين‏

 (9) أي سبقهم و غلبهم، يبذهم بذا، انتهى.

و نقع الماء العطش أي سكنه، و الغليل مرارة العطش، و يمكن أن يكون البذ بالفصاحة و النقع بالعلم و الجواب الشافي‏

" كان لا يدخل في مراء"

 (10) أي مجادلة في العلوم للغلبة و إظهار الكمال، قال في المصباح: ماريته أمارية مماراة و مراء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 262

جادلته، و يقال ماريته أيضا إذا طعنت في قوله تزييفا للقول و تصغيرا للقائل، و لا يكون المراء إلا اعتراضا

" و لا يشارك في دعوى"

 (1) أي في دعوى غيره لإعانته أو وكالة عنه‏

" و لا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا"

 (2) في المصباح: أدلى بحجة أثبتها فوصل بها إلى دعواه، و في القاموس: أدلى بحجته أحضرها، و إليه بماله دفعه، و منه" وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ".

أقول: و في النهج حتى يأتي قاضيا، و هذه الفقرة تحتمل وجوها:" الأول" ما ذكره بعض شراح النهج أي لا يدلي بحجته حتى يجد قاضيا، و هو من فضيلة العدل في وضع الأشياء مواضعها، انتهى. و أقول: المعنى أنه ليس من عادته إذا ظلمه أحد أن يبث الشكوى عند الناس، كما هود أب أكثر الخلق، بل يصير إلى أن يجد حاكما يحكم بينه و بين خصمه، و ذلك في الحقيقة يؤول إلى الكف عن فضول الكلام و التكلم في غير موضعه.

الثاني: أن يكون المراد أنه يصبر على الظلم و يؤخر المطالبة إلى يوم القيامة فالمراد بالقاضي الحاكم المطلق، و هو الله سبحانه أو لا ينازع الأعداء إلا عند زوال التقية فالمراد بالقاضي الإمام الحق النافذ الحكم.

الثالث: أن يكون المراد نفي إتيانه القاضي لكفه عن المنازعة و الدعوى و صبره على الظلم أي لا ينشئ دعوى و لا يأتي بحجة حتى يحتاج إلى إتيان القاضي.

الرابع: ما ذكره بعض الأفاضل حيث قرأ يرى على بناء الأفعال، و فسر القاضي بالبرهان القاطع الفاصل بين الحق و الباطل أي كان لا يتعرض للدعوى إلا أن يظهر حجة قاطعة و لعله أخذه من قول الفيروزآبادي: القضاء الحتم و البيان و سم قاض قاتل و لا يخفى بعده مع عدم موافقته لما في النهج.

" و كان لا يغفل عن إخوانه"

 (3) أي كان يتفقد أحوالهم في جميع الأحوال كتفقد الأهل و العيال‏

" و لا يخص نفسه"

 (4) بشي‏ء من الخيرات‏

" دونهم"

 (5) بل كان يجعلهم شركاء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 263

لنفسه فيما خوله الله و يحب لهم ما يحب لنفسه، و يكره لهم ما يكره لنفسه‏

" كان ضعيفا مستضعفا"

 (1) أي فقيرا منظورا إليه بعين الذلة و الفقر كما قيل، أو ضعيفا في القوة البدنية خلقة، و لكثرة الصيام و القيام" مستضعفا" أي في أعين الناس للفقر و الضعف و قلة الأعوان، يقال: استضعفه أي عده ضعيفا و قال بعض شراح النهج:

استضعفه أي عده ضعيفا و وجده ضعيفا و ذلك لتواضعه و إن كان قويا.

" و إذا جاء الجد كان ليثا عاديا"

 (2) في أكثر النسخ بالعين المهملة و في بعضها بالمعجمة، و في النهاية فيه: ما ذئبان عاديان، العادي الظالم الذي يفترس الناس، انتهى.

و الجد بالكسر ضد الهزل، و الاجتهاد في الأمر و المراد به هنا المحاربة و المجاهدة، و في النهج: فإن جاء الجد فهو ليث غاد، وصل واد، و في أكثر نسخه غاد بالمعجمة من غدا عليه أي بكر، و قال بعض شارحيه: الوصف بالغادي لأنه إذا غدا كان جائعا فصولته أشد و المناسب حينئذ أن يكون ليث منونا و في النسخ ليث غاد بالإضافة فكأنه من إضافة الموصوف إلى الصفة، و في بعض نسخه بالمهملة كما مر، و في بعضها غاب بالباء الموحدة بعد الغين المعجمة و هو الأجمة، و يسكنها الأسد و المناسب حينئذ الإضافة، و قال الجوهري: الصل بالكسر الحية التي لا تنفع منها الرقية يقال: أنها لصل صفا إذا كانت منكرة مثل الأفعى، و يقال للرجل إذا كان داهيا منكرا إنه لصل أصلال أي حية من الحيات و أصله في الحيات شبه الرجل بها، انتهى.

و ذكر الوادي لأن الأودية لانخفاضها تشتد فيها الحرارة فيشتد السم في حيتها.

" كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذارا"

 (3) فيما يقع العذر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 264

أي فيما يمكن أن يكون له فيه عذر، و في كلمة المثل إشعار بعدم العلم بكون فاعله معذورا إذ من الجائز أن يكون الفاعل غير معذور فيجب التوقف حتى يسمع الاعتذار و يظهر الحق فإن لم يكن عذره مقبولا لأمه، و يحتمل أن يكون حتى للتعليل أي كان لا يلومه بل يتفحص العذر حتى يجد له عذرا و لو على سبيل الاحتمال، و في النهج: و كان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره، و في بعض النسخ على ما لا يجد بزيادة حرف النفي، فالمعنى لا يلوم على أمر لا يجد فيه عذرا بمجرد عدم الوجدان إذ يحتمل أن يكون له عذر لا يخطر بباله‏

" و كان يفعل ما يقول و يفعل ما لا يقول"

 (1) أي يفعل ما يأمر غيره به من الطاعات، إشارة إلى قوله تعالى:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ".

و قد قيل: إن المعنى لم لا تفعلون ما تقولون؟ فإنه إذا قال و لم يفعل فعدم الفعل قبيح لا القول، و يفعل من الخيرات و الطاعات ما لا يقوله لمصلحة تقية أو عدم انتهاز فرصة أو عدم وجدان قابل كما قال تعالى:" فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى‏" كذا فهمه الأكثر، و يخطر بالبال أنه يحسن إلى غيره سواء وعده الإحسان أو لم يعده، كما فسرت الآية المتقدمة في كثير من الأخبار بخلف الوعد، و في النهج و كان يقول ما يفعل و لا يقول ما لا يفعل، و في بعض نسخة في الأول و كان يفعل ما يقول.

" كان إذا ابتزه أمران"

 (2) كذا في أكثر النسخ بالباء الموحدة و الزاي على بناء الافتعال، أي استلبه و غلبه و أخذه قهرا كناية عن شدة ميلة إليهما و حصول الدواعي في كل منهما، في القاموس: البز الغلبة و أخذ الشي‏ء بجفاء و قهر كالابتزاز، و بزبز الشي‏ء سلبه كابتزه، و لا يبعد أن يكون في الأصل انبراه بالنون و الباء الموحدة على الحذف و الإيصال، أي اعترض له، و في النهج و كان إذا بدهه أمران نظر أيهما

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 265

أقرب إلى الهوي فخالفه، يقال: بدهه أمر كمنعه أي بغتة و فاجأه.

و هذا الكلام يحتمل معنيين: الأول أن يكون المعنى إذا عرضت له طاعتان كان يختار أشقهما على نفسه لكونها أكثر ثوابا كالوضوء بالماء البارد و الحار في الشتاء، كما ورد ذلك في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.

و الثاني: أن يكون معيارا لحسن الأشياء و قبحها، كما إذا ورد عليه فعل لا يدري فعله أفضل أو تركه فينظر إلى نفسه فكلما تهواه يخالفها كما ورد: لا تترك النفس و هواها، و هذا هو الغالب لكن جعلها قاعدة كلية كما يقوله المتصوفة مشكل كما نقل عن بعضهم أنه مر بعذرة فعرضها على نفسه فأبت فأكلها، و الظاهر أن أكلها عين هواها لتعده الرعاع من الناس شيخا كاملا.

" إلا عند من يرجو عنده البرء"

 (1) أي ربه تعالى فإنه الشافي حقيقة، أو المراد به الطبيب الحاذق الذي يرجو بمعالجته البرء، فإنه ليس بشكاية، بل هو طلب لعلاجه فالاستثناء منقطع، و في النهج: و كان لا يشكو وجعا إلا عند برئه أي يحكيه بعد البرء للشكر، و التحدث بنعمة الله، فالاستثناء منقطع أو أطلقت الشكاية عليها على المشاكلة، و قيل: أي كان يكتم مرضه عن إخوانه لئلا يتجشموا زيارته.

" و لا يستشير"

 (2) في المصباح: شاورته في كذا و استشرته راجعته لأرى رأيه فيه فأشار علي بكذا، أراني ما عنده فيه من المصلحة، فكانت إشارته حسنة، و الاسم المشورة، و فيه لغتان سكون الشين و فتح الواو، و الثانية ضم الشين و سكون الواو وزان معونة، و يقال: هي من شار الدابة إذا عرضه في المشوار، و يقال: من أشرت العسل، شبه حسن النصيحة بشرى العسل.

" إلا من يرجو عنده النصيحة"

 (3) أي خلوص الرأي و عدم الغش و كمال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 266

الفهم‏

" كان لا يتبرم"

 (1) كان إعادة تلك الخصال مع ذكرها سابقا للتأكيد و شدة الاهتمام بترك تلك الخصال، أو المراد بها في الأول تشهي الدنيا و

التسخط

 (2) من فقدها، و التبرم بمصائب الدنيا و الشكاية عن الوجع، و المراد هنا التبرم من كثرة سؤال الناس و سوء أخلاقهم، و التسخط بما يصل إليه منهم،

و تشهي‏

 (3) ملاذ الدنيا

و التشكي‏

 (4) عن أحوال الدهر أو عن الإخوان، و الشكاية و التشكي و الاشتكاء بمعنى و يمكن الفرق بأمور أخر يظهر بالتأمل فيما ذكرنا.

" و لا ينتقم"

 (5) أي من العدو حتى ينتقم الله له كما مر

" و لا يغفل عن العدو"

 (6) أي الأعداء الظاهرة و الباطنة كالشيطان و النفس و الهوى‏

" فعليكم بمثل هذه الأخلاق"

 (7) في النهج: فعليكم بمثل هذه الخلائق فالزموها و تنافسوا فيها فإن لم تستطيعوها فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك الكثير.

أقول: لما كان الغرض من ذكر صفات الأخ أن يقتدي السامعون به في الفضائل المذكورة أمرهم عليه السلام بلزومها و التنافس فيها أو في بعضها إن لم يكن الكل.

قوله عليه السلام: من ترك الكثير

 (8) أي الكل، و أقول: في رواية النهج ذكر بعض هذه الخصال و فيها زيادة أيضا و هي قوله: و كان إن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، و كان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلم.

 (الحديث السابع و العشرون)

 (9): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 267

" من لا يعدو"

 (1) أي يتجاوز و في بعض النسخ: لا يعلو

صوته سمعه‏

 (2)، كأنه كناية عن عدم رفع الصوت كثيرا و يحمل على ما إذا لم يحتج إلى الرفع لسماع الناس، كما قال تعالى:" وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" أو على الدعاء و التلاوة و العبادة، فإن خفض الصوت فيها أبعد من الرياء، و يمكن أن يكون المراد بالسمع الإسماع كما ورد في اللغة أو يكون بالإضافة إلى المفعول أي السمع منه أي لا يرفع الصوت زائدا على إسماع الناس، أو يكون بضم السين و تشديد الميم المفتوحة جمع سامع، أي لا يتجاوز صوته السامعين منه، و قرأ السمع بضمتين جمع سموع بالفتح أي لا يقول شيئا إلا لمن يسمع قوله و يقبل منه‏

" و لا شحناؤه بدنه"

 (3) أي لا يتجاوز عداوته بدنه أي يعادي نفسه و لا يعادي غيره، و إن عادى غيره في الله لا يظهره تقية، و في بعض النسخ يديه أي لا تغلب عليه عداوته بل هي بيديه و اختياره يدفعها باللطف و الرفق، أو لا يتجاوز أثر عداوته من يده إلى الخصم بأن يضبط نفسه عن الضرب، أو لا يضمر العداوة في القلب و إن كانت المكافاة باليد أيضا مذمومة لكن هذا أشد.

و في غيبة النعماني: و لا شجاه بدنه، و في مشكاة الأنوار و لا شجنه بدنه و الشجا الحزن، و ما اعترض في الحلق و الشجن محركة الهم و الحزن و حاصلهما عدم إظهار همه و حزنه لغيره كما مر أن بشره في وجهه و حزنه في قبله أي لا يصل ضرر حزنه إلى غيره‏

" و لا يمتدح بنا معلنا"

 (4) في القاموس: مدحه كمنعه مدحا و مدحة أحسن الثناء عليه كمدحه و امتدحه و تمدحه، و تمدح تكلف أن يمدح، و تشيع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 268

بما ليس عنده، و الأرض و الخاصرة اتسعتا كامتدحت، و قال: اعتلن ظهر و أعلنته و به و علنته أظهرته.

أقول: فالكلام يحتمل وجوها:" الأول" أن يكون الظرف متعلقا بمعلنا كما في نظائره و الامتداح بمعنى المدح أي لا يمدح معلنا لإمامتنا، فإنه لتركه التقية لا يستحق المدح، الثاني: أن يكون الامتداح بمعنى التمدح كما في بعض النسخ أي لا يطلب المدح و لا يمدح نفسه بسبب قوله بإمامتنا علانية، و ذلك أيضا لترك التقية، و فيه إشعار بأنه ليس بشيعة لنا لتركه أمرنا، بل يتكلف ذلك، الثالث: أن تكون الباء زائدة أي لا يمدحنا معلنا و هو بعيد، و في النعماني: و لا يمدح بنا غاليا، و لا يخاصم لنا واليا.

" لنا عائبا"

 (1) الظرف متعلق بقوله عائبا

" و لا يخاصم لنا قاليا"

 (2) أي مبغضا لنا

" و إن لقي جاهلا"

 (3) كان المراد به غير المؤمن الكامل أي العالم العامل بقرينة المقابلة فيشمل الجاهل و العالم الغير العامل بعلمه بل الهجران عنه أهم و ضرر مجالسته أتم‏

" فكيف أصنع بهؤلاء المتشيعة"

 (4) أي الذين يدعون التشيع، و ليس لهم صفاته و علاماته، و الكلام يحتمل وجهين: أحدهما: أن المعنى كيف أصنع بهم حتى يكونوا هكذا؟ فأجاب عليه السلام بأن هذا ليس من شأنك بل الله يمحصهم و يبدلهم، و الثاني: أن المعنى ما اعتقد فيهم؟ فالجواب أنهم ليسوا بشيعة لنا و الله تعالى يصلحهم و يذهب بمن لا يقبل الصلاح منهم‏

" فيهم التمييز"

 (5) قيل كلمة" في" في المواضع للتعليل، و الظرف خبر للمبتدإ، و التقديم للحصر و اللام في الثلاثة للعهد إشارة إلى ما مر في باب التمحيص و الامتحان من كتاب الحجة عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: و الذي بعثه لتبلبلن بلبلة و لتغربلن غربلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 269

أسفلكم، إلى آخر ما مر.

و أقول: قد مر في هذا الباب أيضا عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام ويل لطغاة العرب من أمر اقترب، قلت: جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال:

نفر يسير قلت: و الله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير؟ قال: لا بد للناس من أن يمحصوا و يميزوا و يغربلوا و يستخرج في الغربال خلق كثير.

و ذكر عليه السلام أمورا توجب خروجهم من الفرقة الناجية أو هلاكهم بالأعمال و الأخلاق الشنيعة في الدنيا و الآخرة" أحدهما" التمييز بين الثابت الراسخ و غيره، في المصباح يقال: مزته ميزا من باب باع بمعنى عزلته و فصلته من غيره و التثقيل مبالغة و ذلك يكون في المشتبهات نحو:" لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" و في المختلطات نحو" وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ" و تمييز الشي‏ء انفصاله عن غيره.

و ثانيها:

التبديل‏

 (1) أي تبديل حالهم بحال أخس أو تبديلهم بقوم آخرين لا يكونوا أمثالهم كما قال تعالى:" وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ".

و ثالثها:

التمحيص‏

 (2) و هو الابتلاء و الاختبار و التخليص، يقال: محصت الذهب بالنار إذا خلصته مما يشوبه.

و رابعها:

السنون‏

 (3) و هي الجدب و القحط، قال الله تعالى:" وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ" و الواحد السنة و هي محذوفة اللام، و فيها لغتان إحداهما جعل اللام هاء و الأصل سنهة و تجمع على سنهات مثل سجدة و سجدات و تصغر على سنيهة، و أرض سنهاء أصابتها السنة، و هي الجدب، و الثانية جعلها واوا و الأصل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 270

سنوة و تجمع على سنوات مثل شهوة و شهوات، و تصغر على سنية و أرض سنواء أصابتها السنة، و تجمع في اللغتين كجمع المذكر السالم أيضا فيقال: سنون و سنين، و تحذف النون للإضافة، و في لغة تثبت الياء في الأحوال كلها، و تجعل النون حرف إعراب تنون في التنكير، و لا تحذف مع الإضافة كأنها من أصول الكلمة و على هذه اللغة قوله صلى الله عليه و آله و سلم: اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف، كل ذلك ذكرها في المصباح.

و خامسها:

الطاعون‏

 (1)، و هو الموت من الوباء.

و سادسها:

اختلاف يبددهم‏

 (2) أي اختلاف بالتدابر و التقاطع و التنازع يبددهم و يفرقهم تفريقا شديدا يقول: بددت الشي‏ء بدا من باب قتل إذا فرقته، و التثقيل مبالغة و تكثير، و قيل: تأتي عليهم سنون، إلى هنا دعاء عليهم، و لا يخفى بعده.

" لا يهر هرير الكلب"

 (3) أي لا يجزع عند المصائب أو لا يصول على الناس بغير سبب كالكلب، قال في القاموس: هر الكلب إليه يهر أي بكسر الهاء هريرا و هو صوته دون نباحه من قلة صبره على البرد، و قد هرة البرد صوته كأهره و هر يهر بالفتح ساء خلقه.

" و لا يطمع طمع الغراب"

 (4) و طمعه معروف يضرب به المثل فإنه يذهب فراسخ كثيرة لطلب طعمته‏

" و إن مات جوعا"

 (5) كأنه على المبالغة أو محمول على إمكان سؤال غير العدو و إلا فالظاهر أن السؤال مطلقا عند ظن الموت من الجوع واجب، و قيل: المراد به السؤال من غير عوض و أما معه كالاقتراض فالظاهر أنه جائز.

و أقول: في النعماني: و لا يسأل الناس بكفه‏

" فأين أطلب هؤلاء"

 (6) أي لا أجد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 271

بين الناس من اتصف بتلك الصفات؟

" قال في أطراف الأرض"

 (1) لأنهم يهربون من المخالفين تقية أو يستوحشون من الناس، لاستيلاء حب الدنيا و الجهل عليهم حذرا من أن يصيروا مثلهم، و ما قيل: إن في بمعنى عند كما قيل في قوله تعالى:" فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ" و الأطراف جمع طريف بمعنى النفيس، و المراد بهم العلماء فلا يخفى بعده.

" أولئك الخفيض عيشهم"

 (2) أي هم خفيفو المؤنة يكتفون من الدنيا بأقلها فلا يتعبون في تحصيلها و ترك الملاذ أسهل من ارتكاب المشاق، في القاموس: الخفض الدعة و عيش خافض و السير اللين، و غض الصوت و أرض خافضة السقيا سهلة السقي، و خفض القول يا فلان: لينه و الأمر هونه، و في النعماني: الخشن عيشهم.

" المنتقلة ديارهم"

 (3) لفرارهم من شرار الناس من أرض إلى أرض أو يختارون الغربة لطلب العلم‏

" إن شهدوا لم يعرفوا"

 (4) لعدم شهرتهم و خمول ذكرهم بين الناس، و قيل: لاختيارهم الغربة لطلب العلم‏

" و إن غابوا لم يفتقدوا"

 (5) أي لم يطلبوا لاستنكاف الناس عن صحبتهم و عدم اعتنائهم بشأنهم و قيل: لغربتهم بينهم كما مر، و في القاموس:

افتقده و تفقده طلبه عند غيبته و مات غير فقيد و لا حميد، و غير مفقود غير مكترث لفقدانه.

" و من الموت لا يجزعون"

 (6) لأن أولياء الله يحبون الموت و يتمنونه و قيل:

" من" للتعليل و الظرف متعلق بالنفي لا المنفي، و التقديم للحصر أي عدم جزعهم من أحوال الدنيا و أهلها و ما يصيبه منهم من المكاره إنما هو لعلمهم بالموت و الانتقام منهم بعده، و لا يخفى بعده‏

" و في القبور يتزاورون"

 (7) أي إنهم لشدة التقية و تفرقهم قلما يمكنهم زيارة بعضهم لبعض و إنما يتزاورون في عالم البرزخ لحسن حالهم و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 272

رفاهيتهم أو أنهم مختفون من الناس لا يزارون إلا بعد الموت أو مساكنهم المقابر و المواضع الخربة و في تلك المواطن يلقى بعضهم بعضا و قيل: أي يزور أحياؤهم أمواتهم في المقابر، و قيل: القبور عبارة عن مواضع قوم ماتت قلوبهم لترك ذكر الله كما قال تعالى: و" ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ" أي لا تمكنهم الزيارة في موضع تكون فيه جماعة من الضلال و الجهال الذين هم بمنزلة الأموات، و الأول أظهر.

" لن تختلف قلوبهم و إن اختلفت بهم الديار"

 (1) أي هم على مذهب واحد و طريقة واحدة و إن تباعد بعضهم بعضا في الديار فإنهم تابعون لأئمة الحق و لا اختلاف عندهم، و قيل: أي قلب كل واحد منهم غير مختلف و لا متغير من حال إلى حال و إن اختلفت دياره و منازله لأنسه بالله و عدم تعلقه بغيره فلا يستوحش بالوحدة و الغربة و اختلاف الديار لأن مقصوده و أنيسه واحد حاضر معه في الديار كلها بخلاف غيره لأن قلبه لما كان متعلقا بغيره تعالى يأنس به إذا وجده، و يستوحش إذا فقده، انتهى و لا يخفى بعده.

" أنا المدينة"

 (2) كان ذكر هذا الخبر لبيان علة اتفاق قلوبهم فإنهم عالمون بهذا الخبر، أو لبيان أن تلك الصفات إنما تنفع إذا كانت مع الولاية، أو لبيان لزوم اختيار تلك الصفات فإنها من أخلاق مولى المؤمنين و هو باب مدينة الدين و العلم و الحكمة، فلا بد لمن ادعى الدخول في الدين أن يتصف بها.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 273

 (الحديث الثامن و العشرون)

 (1): موثق.

" من عامل الناس"

 (2) أي بالبيع و الشراء و المضاربة و أمثالها، أو المعاشرة

" و حدثهم"

 (3) بنقل الروايات و غيرها

" و وعدهم"

 (4) العطاء أو غيره، و ظاهره وجوب الوفاء بالوعد خلافا للمشهور

" كان ممن حرمت غيبته"

 (5) ظاهره جواز غيبة من لم يتصف بواحدة من تلك الصفات، و ليس ببعيد مع تظاهره بها، و ربما يحمل على شدة الحرمة فيمن اتصف بها

" و كملت مروته"

 (6) قد مر معنى المروة، و قيل: هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الآداب و الأخلاق و جميل العادات و أصله الهمز و قد يشدد الواو، و المراد

بالعدل‏

 (7) أما العدالة المعتبرة في الإمامة و الشهادة أو ما قيل: إنه ملكة تحصل بتعديل القوي كلها و إقامتها على قانون الشرع و العقل و توجب صدور الأفعال الجميلة بسهولة، و المراد

بوجوب الأخوة

 (8) أما تأكد استحباب عقد الأخوة معه أو رعاية حقوقها التي مر ذكرها و هذا أظهر.

 (الحديث التاسع و العشرون)

 (9): مجهول.

و الظاهر أن فيه إرسالا لأن‏

فاطمة بنت الحسين‏

 (10) لا تروي عن النبي صلى الله عليه و آله و لم تلقه و كأنه كان في الأصل عن فاطمة بنت الحسين عن الحسين، و يؤيده أنه روى الصدوق في الخصال هذا الخبر بإسناده عن البرقي عن الحسن بن علي بن فضال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 274

عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عن أبيها عليه السلام و ذكر نحوه.

" استكمل خصال الإيمان"

 (1) أي لا تحصل هذه الأخلاق في مؤمن إلا و قد حصلت فيه سائر الخصال لأنها أشقها و أشدها، و أيضا أنها مستلزمة للعدل و هي التوسط في جميع الأمور بين الإفراط و التفريط، و هو معيار جميع الكمالات كما عرفت مرارا، و في القاموس:

التعاطي‏

 (2) التناول و تناول ما لا يحق و التنازع في الأخذ و ركوب الأمر، انتهى.

أي بعد القدرة لا يأخذ أو لا يرتكب ما ليس له.

 (الحديث الثلاثون)

 (3): ضعيف.

" إن لأهل الدين"

 (4) أي الذين اختاروا دين الإيمان و عملوا بشرائطه و لوازمه‏

" و قلة المراقبة للنساء"

 (5) أي الميل إليهن و الاعتماد عليهن أو الاهتمام بشأنهن و الخوف من مخالفتهن، و قيل: النظر إليهن و إلى أدبارهن و هو بعيد

" أو قال"

 (6) أي الصادق عليه السلام و الترديد من أبي بصير و المواتاة الموافقة و المطاوعة، و في المصباح رقبته أرقبه من باب قتل حفظته فأنا رقيب و رقبته و ترقبته و ارتقبته انتظرته فأنا رقيب أيضا و راقبت الله تعالى خفت عذابه، و قال: أتيته على الأمر بمعنى وافقته و في لغة لأهل اليمن تبدل الهمزة واوا فيقال واتيته على الأمر مواتاة و هي المشهور على ألسنة الناس، و في النهاية في الحديث: خير النساء المؤاتية لزوجها،

المواتاة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 275

 (1) حسن المطاوعة و الموافقة و أصله الهمز فخفف و كثر حتى صار يقال بالواو الخالصة و ليس بالوجه.

" و بذل المعروف"

 (2) أي الخير و هو الإحسان بالفضل من المال إلى الغير، و الظاهر أن المراد هنا المال و إن كان المعروف بحسب اللغة أعم‏

" و حسن الخلق و سعة الخلق"

 (3) الظاهر أن الخلق بالضم في الموضعين، و المراد أن حسن خلقه عام وسع كل أحد في جميع الأحوال فإن بعض الناس مع حسن الخلق قد يقع منهم الطيش العظيم، كما يقال: نعوذ بالله من غضب الحليم، و ربما يقرأ الأول بالفتح فإن الظاهر عنوان الباطن، لكن هذا ليس كليا فإن حسن الخلق قد يوجد في غير أهل الدين كما قال تعالى في وصف المنافقين:" وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ" و قيل: المراد حسن الأعضاء الظاهرة بالأعمال الفاضلة فإنه من علامات أهل الدين.

" و اتباع العلم"

 (4) أي العمل به، و قيل: أي عدم اتباع الظن‏

" و ما يقربهم إلى الله زلفى"

 (5) أي قربة، مفعول مطلق من غير لفظ الفعل، قال الجوهري: الزلفة و الزلفى القربة و المنزلة و منه قوله تعالى:" وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى‏" و هي اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا ازدلافا.

" طُوبى‏ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ"

 (6) إشارة إلى قوله سبحانه:" الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى‏ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ" و قال البيضاوي: طوبى فعلى من الطيب قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها، و يجوز فيه الرفع و النصب و لذلك قرأ: و حسن مآب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 276

بالنصب أي حسن مرجع و هو الجنة، و قال في النهاية: طوبى اسم الجنة و قيل:

شجرة فيها و أصلها فعلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا و قد تكررت في الحديث، و فيه: طوبى للشام لأن الملائكة باسطة أجنحتها عليها، المراد بها هيهنا فعلى من الطيب لا الجنة و لا الشجرة، و قال الراغب في الآية قيل: هو اسم شجرة في الجنة و قيل: بل إشارة إلى كل مستطاب في الجنة من بقاء بلا فناء و عز بلا ذل و غنى بلا فقر.

" و طوبى شجرة"

 (1) هذا من كلام الصادق عليه السلام أو من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه‏

" و ليس من مؤمن"

 (2) كأنه مثال شجرة ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، تشعبت في صدور المؤمنين‏

" إلا أتاه به ذلك"

 (3) أي يتدلى و يقربه منه ليأخذه، و قيل: أي ينبت منه‏

" مجدا"

 (4) أي مسرعا صاحب جد و اهتمام‏

" في ظلها"

 (5) أي ما يحاذي أغصانها، فإنه لا ظل في الجنة قال في النهاية: و قد يكنى بالظل عن الكنف و الناحية، و منه الحديث أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام أي في ذراها و ناحيتها، انتهى.

و قد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام لا يقطعها، و في أخرى يسير الراكب في ظلها مائة سنة، قال عياض: ظلها كنفها و هو ما تستره أغصانها و قد يكون ظلها نعيمها و راحتها من قولهم: عيش ظليل، و احتيج إلى تأويل الظل بما ذكر هربا عن الظل في العرف لأنه ما بقي حر الشمس و لا شمس في الجنة و لا برد، و إنما نور يتلألأ، انتهى.

و قال المازري: المضمر بفتح الضاد و شد الميم و رواه بعضهم بكسر الميم الثانية

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 277

صفة للراكب المضمر فرسه.

" حتى يسقط هرما"

 (1) إنما خص الغراب بالذكر لأنه أطول الطيور عمرا

" ففي هذا فارغبوا"

 (2) الفاء الثانية تأكيد للفاء الأولى‏

" من نفسه في شغل"

 (3) من بكسر الميم و قد يقرأ بالفتح اسم موصول أي مشغول بإصلاح نفسه لا يلتفت إلى عيوب غيره، و لا إلى التعرض لضررهم، و لذا

" الناس منه في راحة، إذا جن عليه الليل"

 (4) قال البيضاوي: جن الليل ستره بظلامة و قال الراغب: يقال جنه الليل و أجنة و جن عليه فجنه ستره و جن عليه كذا ستر عليه، و في مجمع البيان: فلما جن عليه الليل أي أظلم و ستر بظلامة كل ضياء، و قال: جن عليه الليل و جنه الليل و أجنة الليل إذا أظلم حتى يستره بظلمته، انتهى.

و المكارم‏

 (5) جمع مكرمة أي أعضاؤه الكريمة الشريفة كالوجه و الجبهة و الخدين و اليدين و الركبتين و الإبهامين‏

" في فكاك"

 (6) في للتعليل.

 (الحديث الحادي و الثلاثون)

 (7): ضعيف.

و الإحسان‏

 (8) فعل الحسنة، و يحتمل الإحسان إلى الغير، و كذا

الإساءة

 (9) يحتملهما

و الاستبشار

 (10) الفرح و السرور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 278

 (الحديث الثاني و الثلاثون)

 (1): كالسابق.

" أولو النهي"

 (2) في القاموس: النهية بالضم العقل كالنهي، و هو يكون جمع نهية أيضا، و قال الراغب: النهية العقل الناهي عن القبائح جمعها نهى، قال عز و جل:" إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ، لِأُولِي النُّهى‏" انتهى.

و الأحلام‏

 (3) جمع حلم بالكسر بمعنى العقل أو الأناءة و عدم التسرع إلى الانتقام و هو هنا أظهر، و في القاموس:

الرزين‏

 (4) الثقيل، و ترزن في الشي‏ء توقر

" و صلة الأرحام"

 (5) عطف على الأحلام، و يمكن أن تكون الواو جزء الكلمة و الصاد مفتوحة جمع و أصل‏

" و المتعاهدين"

 (6) في أكثر النسخ بالنصب فيكون نصبا على المدح، كما قالوا في قوله تعالى في سورة النساء:" وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ" و يمكن على الاحتمال الثاني في وصلة الأرحام نصب الوصلة على المدح‏

" و الناس نيام"

 (7) جمع نائم‏

" و غافلون"

 (8) خبر بعد خبر أي بعضهم نيام و بعضهم غافلون أو صفة كاشفة أي المراد بالنيام الغافلون كما ورد الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.

 (الحديث الثالث و الثلاثون)

 (9): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 279

" وقار بلا مهابة"

 (1) الوقار الرزانة و المهابة أن يخاف الناس من سطوته و ظلمه و قيل: أي من غير تكبر، و في القاموس: الهيبة المخافة و التقية كالمهابة و قال:

سمح ككرم‏

سماحا

 (2) و سماحة و سماحا ككتاب جاد

" بلا طلب مكافأة"

 (3) من عوض أو ثناء و شكر و أصله مهموز، و قد يقلب الفاء

" بغير متاع الدنيا"

 (4) من ذكر الله و ما يقرب العبد إليه تعالى.

 (الحديث الرابع و الثلاثون)

 (5): صحيح.

" إن المعرفة"

 (6) أي سبب المعرفة و ما يوجبها أو الحمل على المبالغة في السببية

" فيما لا يعنيه"

 (7) أي فيما لا يهمه و لا ينفعه‏

" و قلة مراءه"

 (8) أي مجادلته في المسائل الدينية و غيرها، و قيل: هو المجادلة و الاعتراض على كلام الغير من غير غرض ديني‏

" و حلمه"

 (9) أي تحمله و صبره على ما يصيبه من الغير، أو عقله و صبره عند البلاء.

 (الحديث الخامس و الثلاثون)

 (10): مجهول.

" و ألينكم كنفا"

 (11) أي لا يتأذى من مجاورتهم و مجالستهم و من ناحيتهم أحد في القاموس: أنت في كنف الله محركة: في حرزه و ستره و هو الجانب و الظل و

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 280

الناحية و من الطائر جناحه، و أقول: قد مر مثله في باب حسن الخلق، و في النهاية فيه أ لا أخبركم بأحبكم إلى و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا، هذا مثل و حقيقته من التوطئة و هي التمهيد و التذلل و فراش وطئ لا يؤذي جنب النائم، و الأكناف الجوانب، أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم و لا يتأذى، انتهى.

و أقول: في بالي أن في بعض الأخبار أكتافا بالتاء، أي إنهم لشدة تذللهم كأنه يركب الناس أكتافهم، و لا يتأذون بذلك‏

" لإخوانه في دينه"

 (1) أي تكون إخوته بسبب الدين لا بسبب النسب‏

" على الحق"

 (2) أي على المشقة و الأذية اللتين تلحقانه بسبب اختيار الحق أو قول الحق‏

" في الرضا"

 (3) أي عن أحد

" و الغضب"

 (4) أي في الغضب له.

 (الحديث السادس و الثلاثون)

 (5): صحيح.

" الإنفاق على قدر الإقتار"

 (6) أي الإنفاق بالتقتير على قدر الإقتار من الله، و الحاصل أنه يقتر على أهله و عياله بقدر ما قتر الله عليه،

و يوسع عليهم بقدر ما وسع الله عليه‏

 (7)، و قيل: الإنفاق هنا الافتقار كما في القاموس، أي يعامل معاملة الفقراء.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 281

 (الحديث السابع و الثلاثون)

 (1): موثق.

" الجبل يستقل منه"

 (2) من القلة أي ينقص و يؤخذ منه بعضا بالفأس و المعول و نحوهما،

و المؤمن لا ينقص من دينه شي‏ء

 (3) بالشكوك و الشبهات.

 (الحديث الثامن و الثلاثون)

 (4): مجهول.

و في المصباح: العون الظهير على الأمر و استعان به فأعانه و قد يتعدى بنفسه فيقال استعانة و الاسم المعونة و المعانة أيضا بالفتح، و وزن المعونة مفعلة بضم العين، و بعضهم يجعل الميم أصلية و يقول: هي مأخوذة من الماعون، و يقول هي فعولة و

المعونة

 (5) الثقل، و في القاموس: القوت، و الحاصل أنه يعين الناس كثيرا و يكتفي لنفسه بقليل من القوت و اللباس و أشباههما، و في القاموس:

المعيشة

 (6) التي تعيش بها من المطعم و المشرب، و ما يكون به الحياة و ما يعاش به أو فيه و الجمع معائش، و في النهاية فيه:

لا يلسع المؤمن من جحر مرتين‏

 (7)، و في رواية: لا يلدغ.

اللسع و اللدغ سواء، و الجحر ثقب الحية، و هو استعارة هنا، أي لا يدهى المؤمن من جهة واحدة مرتين، فإنه بالأولى يعتبر، قال الخطابي: يروى بضم العين و كسرها، فالضم على وجه الخبر و معناه أن المؤمن هو الكيس الحازم الذي لا يؤتي من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد مرة، و هو لا يفطن لذلك و لا يشعر به، و المراد به الخداع في أمر الدين لا أمر الدنيا، و أما الكسر فعلى وجه النهي، أي لا يخدعن المؤمن و لا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر و هو لا يشعر به، و ليكن فطنا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 282

حذرا و هذا التأويل يصلح أن يكون لأمر الدين و الدنيا معا، انتهى.

و أقول: روى مسلم في صحيحه مثل هذا الخبر، و ذكر في إكمال الإكمال هذين الوجهين اللذين ذكرهما في النهاية، ثم قال: و ذكر عياض هذين الوجهين و رجح الخبر بأن سبب قوله صلى الله عليه و آله و سلم هذا أن أبا عزة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان أسر يوم بدر فسأل النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يمن عليه ففعل و عاهده أن لا يحرض عليه و لا يهجوه فلما لحق بأهله عاد إلى ما كان عليه فأسر يوم أحد فسأله أيضا أن يمن عليه فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم هذا الكلام البليغ الجامع الذي لم يسبق إليه، و فيه تنبيه عظيم على أنه إذا رأى الأذى من جهة لا يعود إليها ثانية.

و قال الآبي: رجح الخطابي النهي بعد ذكر الوجهين، و كأنه لم يبلغه أي الخطابي سبب قوله صلى الله عليه و آله و سلم هذا الكلام، و لو بلغه لم يحمله علي النهي، و أجاب الطيبي بأنه و إن بلغه السبب فلا يبعد النهي بل هو أولى من الخبر، و ذلك أنه صلى الله عليه و آله و سلم لما دعته نفسه صلى الله عليه و آله الزكية الكريمة إلى الحلم و الصفح جرد من نفسه مؤمنا حازما فطنا و نهاه أن ينخدع لهذا المتمرد الخائن، و كان مقام الغضب لله تعالى، فأبى إلا الانتقام من أعداء الله لأن الانتقام منهم مطلوب، و التجريد أحد ألقاب البديع و محسناته، و بيان أنه أولى أنه إذا حمل على الخبر تفوت دلالة الحديث على طلبه الانتقام.

 (الحديث التاسع و الثلاثون)

 (1): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 283

" عالِمُ الْغَيْبِ"

 (1) قال الطبرسي (ره): أي هو عالم الغيب يعلم متى تكون القيامة

" فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً"

 (2) أي لا يطلع على الغيب أحدا من عباده، ثم استثنى فقال:

" إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ"

 (3) يعني الرسل فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب ليكون آية معجزة لهم، و معناه إلا من ارتضاه و اختاره للنبوة و الرسالة فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه من المصلحة، انتهى.

و قد مر عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان و الله محمد ممن ارتضاه، و في الخرائج عن الرضا عليه السلام في قوله تعالى:" إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ" قال: فرسول الله عند الله مرتضى، و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه، فعلمنا ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة، و في تفسير علي بن إبراهيم" إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ" يعني عليا المرتضى من الرسول و هو منه.

ثم اعلم أن الاستشهاد بالآية الكريمة يدل على أن المراد بكتمان السر الكتمان من غير أهله، و عمن لا يكتمه.

" خُذِ الْعَفْوَ"

 (4) قال في المجمع: أي خذ يا محمد ما عفا من أموال الناس أي ما فضل من النفقة، فكان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شي‏ء موقت ثم نزلت آية الزكاة، فصار منسوخا بها، و قيل: معناه خذ العفو من أخلاق الناس، و اقبل الميسور منها، و معناه أنه أمره بالتساهل و ترك الاستقصاء في القضاء و الاقتضاء، و هذا يكون في الحقوق الواجبة لله و للناس و في غيرها، و قيل: هو العفو في قبول‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 284

العذر عن المتعذر و ترك المؤاخذة بالإساءة، و روي أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم سأل جبرئيل عن ذلك فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك و تعطي من حرمك و تصل من قطعك.

" وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ"

 (1) يعني بالمعروف و هو كل ما حسن في العقل فعله أو في الشرع و لم يكن منكرا و لا قبيحا عند العقلاء، و قيل: بكل خصلة حميدة" وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ" معناه و أعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم و الإياس من قبولهم و لا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك، فإن مجاوبة السفيه تضع عن القدر، و لا يقال هذه الآية منسوخة بآية القتال، لأنها عامة خص عنها الكافر الذي يجب قتله بدليل.

و أقول: روى الصدوق قدس سره في العيون هذا الخبر عن هذا الراوي، و" أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ" موجود فيه، و زاد في آخره أيضا قال الله عز و جل وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ، و كأنه سقط من النساخ و الآية هكذا:" لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى‏ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" و الأكثر على أن نصب الصابرين على المدح، و قال البيضاوي عن الأزهري: البأساء في الأموال كالفقر، و الضراء في الأنفس كالمرض، و حين البأس وقت مجاهدة العدو، و يدل الخبر على أن هذه الآية نزلت في الأئمة عليهم السلام فهم الصادقون الذين أمر الله بالكون معهم، حيث قال:" وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 285

باب قلة عدد المؤمنين‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

و في القاموس:

عز

 (3) يعز عزا و عزة بكسرهما صار عزيزا كتعزز و قوي بعد ذلة، و الشي‏ء قل فلا يكاد يوجد فهو عزيز، و قال: الكبريت من الحجارة الموقد بها، و الياقوت الأحمر و الذهب أو جوهر معدنه خلف التبت بوادي النمل، انتهى.

و المشهور أن الكبريت الأحمر هو الجوهر الذي يطلبه أصحاب الكيمياء و هو الإكسير، و حاصل الحديث أن المرأة المتصفة بصفات الإيمان أقل وجودا من الرجل المتصف بها و الرجل المتصف بها أعز وجودا من الإكسير الذي لا يكاد يوجد، ثم أكد قلة وجود الكبريت بقوله: فمن رأى منكم؟ و هو استفهام إنكاري أي إذا لم تروا الكبريت الأحمر فكيف تطمعون في رؤية المؤمن الكامل الذي هو أعز وجودا منه، أو في كثرته.

 (الحديث الثاني)

 (4): كالسابق.

" كلهم بهائم"

 (5) أي شبيهة بها في عدم العقل و إدراك الحمق و غلبة الشهوات‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 286

النفسانية على القوي العقلانية كما قال تعالى:" إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا".

" إلا قليل"

 (1) كذا في أكثر النسخ، و في بعضها: إلا قليلا، و هو أصوب.

" المؤمن غريب"

 (2) لأنه قلما يجد مثله فيسكن إليه فهو بين الناس كالغريب الذي بعد عن أهله و وطنه و دياره.

" ثلاث مرات"

 (3) أي قال هذا الكلام ثلاث مرات، و كذا قوله ثلاثا، و في بعض النسخ عزيز مكان غريب.

 (الحديث الثالث)

 (4): حسن كالصحيح.

" ثلاثة مؤمنين"

 (5) ثلاثة إما بالتنوين و مؤمنين صفتها أو بالإضافة فمؤمنين تميز، و يدل على أن المؤمن الكامل الذي يستحق أن يكون صاحب أسرارهم و حافظها قليل، و إنهم كانوا يتقون من أكثر الشيعة كما كانوا يتقون من المخالفين، لأنهم كانوا يذيعون فيصل ذلك إما إلى خلفاء الجور فيتضررون عليهم السلام منهم، أو إلى نواقص العقول الذين لا يمكنهم فهمها فيصير سببا لضلالتهم، و قد مر تحقيق ذلك في باب الكتمان، و يمكن أن يقال في سبب تعيين الثلاثة أن الواحد لا يمكنه ضبط السر و كذا الاثنان، و أما إذا كانوا ثلاثة فيأنس بعضهم ببعض، و يذكرون ذلك فيما بينهم فلا يضيق صدرهم، و يخف عليهم الاستتار عن غيرهم كما هو المجرب.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 287

 (الحديث الرابع)

 (1): ضعيف.

و سدير

 (2) كأمير"

ما يسعك القعود"

 (3) أي ترك القتال و الجهاد و في المصباح:

قعد عن حاجته تأخر عنها، و

الموالي‏

 (4) الأحباء أو المخلصون من الشيعة و

التيم‏

 (5) قبيلة أبي بكر، و

العدي‏

 (6) قبيلة عمر، أي ما طمع في غصب خلافته التيمي و العدوي أو قبيلتهما

" قال مائة ألف"

 (7) على التعجب و الإنكار

" يخف عليك"

 (8) بكسر الخاء أي يسهل و لا يثقل، و في القاموس: خف القوم ارتحلوا مسرعين، و قال:

ينبع‏

 (9) كينصر حصن له حصون و نخيل و زروع بطريق حاج مصر، و في النهاية: على سبع مراحل من المدينة من جهة البحر، و قيل: على أربع مراحل و هو من أوقاف أمير المؤمنين عليه السلام، و هو عليه السلام أجرى عينه كما يظهر من الأخبار

" أن يسرجا"

 (10) بدل اشتمال لقوله:

حمار

" و بغل أزين"

 (11) أي الزينة في ركوبه و عند الناس أحسن، و في القاموس:

النبل‏

 (12) بالضم الذكاء و النجابة، نبل ككرم فهو نبيل و امرأة نبيلة في الحسن بينة النبالة، و كذا الناقة و الفرس و الرجل.

و الحاصل أني إنما اخترت لك البغل لأنه أشرف و أفضل، و اختار عليه السلام الحمار لأن التواضع فيه أكثر مع سهولة الركوب و النزول و السير.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 288

" فحانت الصلاة"

 (1) أي قرب أو دخل وقتها، في القاموس: حان يحين قرب و آن، و كان الأمر بالنزول أولا ثم الإعراض عنه للتنبيه على عدم جواز الصلاة فيها، و في المشهور محمول على الكراهة إلا أن لا يحصل الاستقرار، و سيأتي في كتاب الصلاة، و كره الصلاة في‏

السبخة

 (2) إلا أن تكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستويا و سنتكلم عليه إنشاء الله، و قال الجوهري:

الجدي‏

 (3) من ولد المعز و ثلاثة أجد، فإذا كثرت فهي الجداء، و لا تقل الجدايا، و لا الجدي بكسر الجيم، و قال:

عطفت‏

 (4) أي ملت، و يومئ إلى أن الصاحب عليه السلام مع كثرة من يدعي التشيع ليست له شيعة واقعية بهذا العدد، و قيل: أي لا بد أن يكون في عسكر الإمام هذا العدد من المخلصين حتى يمكنه طلب حقه بهذا العسكر، لا أن هذا العدد كاف في جواز الخروج.

 (الحديث الخامس)

 (5): ضعيف على المشهور.

" و أخافوني"

 (6) أي بالإذاعة و ترك التقية و الضمير في آمنوا راجع إلى المدعين للتشيع الذين لم يطيعوا أئمتهم في التقية و ترك الإذاعة، و أشار بذلك إلى أنهم ليسوا بشيعة لنا، ثم ذكر لرفع استبعاد السائل عن قلة المخلصين‏

بقوله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 289

لقد كانت الدنيا و ما فيها،

 (1) الواو للحال و ما نافية

" و لو كان معه غيره"

 (2) أي من أهل الإيمان‏

" لإضافة الله عز و جل إليه"

 (3) لأن الغرض ذكر أهل الإيمان التاركين للشرك، حيث قال:" وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" فلو كان معه غيره من المؤمنين لذكره معه‏

" إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً"

 (4) قال في مجمع البيان: اختلف في معناه فقيل: قدوة و معلما للخير قال ابن الأعرابي: يقال للرجل العالم أمة، و قيل: أراد إمام هدى، و قيل: سماه أمة لأن قوام الأمة كان فيه، و قيل: لأنه قام بعمل أمة، و قيل: لأنه انفرد في دهره بالتوحيد، فكان مؤمنا وحده و الناس كفار

" قانِتاً لِلَّهِ"

 (5) أي مطيعا له دائما على عبادته، و قيل: مصليا

" حَنِيفاً"

 (6) أي مستقيما على الطاعة و طريق الحق و هو الإسلام‏

" وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"

 (7) بل كان موحدا، انتهى.

و قيل: يحتمل أن يكون من للابتداء أي لم يكن في آبائه مشرك و هو بعيد، و في النهاية في حديث قس: أنه يبعث يوم القيامة أمة وحده: الأمة الرجل المتفرد بدين كقوله تعالى" إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ" انتهى.

و أقول: كان هذا كان بعد وفاة لوط عليه السلام أو أنه لما لم يكن معه و كان مبعوثا على قوم آخرين لم يكن ممن يؤنسه و يقويه على أمره في قومه.

" فغبر بذلك"

 (8) في أكثر النسخ بالغين المعجمة و الباء الموحدة أي مكث أو مضى و ذهب كما في القاموس، فعلى الأول فيه ضمير مستتر راجع إلى إبراهيم، و على الثاني فاعله‏

ما شاء الله‏

 (9)، و في بعض النسخ فصبر فهو موافق للأول، و في بعضها بالعين المهملة فهو موافق للثاني‏

" و إن أهل الكفر كثير"

 (10) المراد بالكفر هنا مقابل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 290

الإيمان الكامل، كما قال سبحانه:" وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ"

" أ تدري لم ذلك"

 (1)؟ هذا بيان لحقية هذا الكلام أي قلة عدد المؤمنين مع أنهم بحسب الظاهر كثيرون أو لأن الله تعالى لم جعل هؤلاء في صورة المؤمنين؟ أو لم خلقهم؟

و المعنى على التقديرين أن الله تعالى جعل لهؤلاء المتشيعة أنسا للمؤمنين لئلا يستوحشوا لقلتهم، أو يكون علة لخروج هؤلاء عن الإيمان، فالمعنى أن الله تعالى جعل المخالفين أنسا للمؤمنين فيبثون أي المؤمنون إلى المخالفين أسرار أئمتهم فبذلك خرجوا عن الإيمان، و يؤيد الاحتمالات المتقدمة خبر علي بن جعفر

" فيستريحون إلى ذلك"

 (2) إلى بمعنى مع لو ضمن في متعلقة معنى التوجه و نحوه.

 (الحديث السادس)

 (3): ضعيف.

" ما أقلنا"

 (4) صيغة تعجب‏

" ما أفنيناها"

 (5) أي ما نقدر على أكل جميعها و

" أشار"

 (6) كلام الراوي، و المراد به الإشارة بثلاث أصابع من يده و

" ثلاثة"

 (7) كلام الإمام، و المراد بالثلاثة سلمان و أبو ذر و المقداد، كما روى الكشي عن الباقر عليه السلام أنه قال: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان و أبو ذر و المقداد، قال الراوي: فقلت: فعمار؟ قال:

كان جاض جيضة ثم رجع ثم قال: إن أردت الذي لم يشك و لم يدخله شي‏ء فالمقداد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 291

فأما سلمان فإنه عرض في قلبه أن عند أمير المؤمنين اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض و هو هكذا، و أما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت و لم يأخذه في الله لومة لائم فأبى إلا أن يتكلم.

" جاض" أي عدل عن الحق و مال، و روي في حديث آخر عنه عليه السلام قال: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان و أبو ذر و المقداد ثم أناب الناس بعد، كان أول من أناب أبو ساسان و عمار و أبو عروة و شتيرة فكانوا سبعة فلم يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا هؤلاء السبعة

" فنظر إلى"

 (1) نظره عليه السلام إليه لعلمه بما حدثت به نفسه، و في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر هيهات و هي كلمة تبعيد مبنية على الفتح و ناس يكسرونها، و قد تبدل الهاء همزة، فيقال‏

أيهات‏

 (2)، و من فتح وقف بالتاء و من كسر وقف بالهاء، و قال الجوهري: هيهات كلمة تبعيد، و التاء مفتوحة، مثل كيف و أصلها هاء، و ناس يكسرونها على كل حال بمنزلة نون التثنية، و قد تبدل الهاء همزة، فيقال أيهات، مثل هراق و أراق، قال الكسائي: و من كسر التاء وقف عليها بالهاء، فيقول هيهات، و من نصبها وقف بالتاء و إن شاء بالهاء.

 (الحديث السابع)

 (3): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 292

باب الرضا بموهبة الإيمان و الصبر على كل شي‏ء بعده‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

" ما يضر"

 (3) ما نافية و يحتمل الاستفهام على الإنكار

" على ذا الرأي"

 (4) أي على هذا الرأي و هو التشيع‏

" ما قال"

 (5) فاعل ما يضر

" و لو قالوا مجنون"

 (6) فإن هذا أقصى ما يمكن أن يقال فيه كما قالوا في الرسول صلى الله عليه و آله و سلم‏

" و ما يضره"

 (7) أي قول الناس و هذا أيضا يحتمل الاستفهام‏

" و لو كان على رأس جبل"

 (8) لكثرة قول الناس فيه هربا من أقوالهم فيه و ضررهم‏

" يعبد الله"

 (9) حال أو استيناف كأنه سئل كيف لا يضره ذلك؟ قال لأنه يعبد الله حتى يأتيه الموت.

 (الحديث الثاني)

 (10): مختلف فيه بالمعلى معتبر عندي.

" لاستغنيت به"

 (11) أي لأقمت نظام العالم و أنزلت الماء من السماء، و لدفعت العذاب و أنواع البلاء بسبب هذا المؤمن لأن هذا يكفي لمصلحة بقاء النظام، و يحتمل أن يكون هذا المؤمن الواحد الإمام، أو لا بد من أحد غيره يؤمن به، و الأول أظهر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 293

لما مر من كون إبراهيم عليه السلام أمة و أما كون الإيمان سببا للأنس و عدم الاستيحاش لأنه يتفكر في الله و صفاته و في صفات الأنبياء و الأئمة عليهم السلام و حالاتهم، و في درجات الآخرة و نعمها و يتلو كتاب الله و يدعوه و يعبده فيأنس به سبحانه، كما سئل عن راهب لم لا تستوحش من الخلوة؟ قال: لأني إذا أردت أن يكلمني أحد أتلو كتاب الله، و إذا أردت أن أكلم أحدا أناجي الله، و سيأتي في كتاب القرآن عن علي بن الحسين عليه السلام أنه لو مات من بين المشرق و المغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي.

 (الحديث الثالث)

 (1): مجهول.

" ما يبالي"

 (2) خبر أو المعنى ينبغي أن لا يبالي‏

" من عرفه الله هذا الأمر"

 (3) أي دين الإمامية، و في الصحاح:

القلة

 (4) أي بالضم أعلى الجبل، و قلة كل شي‏ء أعلاه.

 (الحديث الرابع)

 (5): حسن.

" أن يستوحش"

 (6) أي يجد الوحشة، و لعله ضمن معنى الميل و السكون، فعدي بإلى أي استوحش من الناس مائلا أو ساكنا إلى أخيه، و قال في الوافي:

ضمن الاستيحاش معنى الاستئناس، فعداه بإلى، و إنما لا ينبغي له ذلك لأنه ذل، فلعل أخاه الذي ليس في مرتبته لا يرغب في صحبته، و قال بعضهم: إلى بمعنى مع، و المراد

بأخيه‏

 (7) أخوه النسبي، و من موصولة و دون منصوب بالظرفية، و الضمير لأخيه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 294

أي لا ينبغي للمؤمن أن يجد وحشة مع أخيه النسبي إذا كان كافرا، فمن كان دون هذا الأخ من الأقارب و الأجانب، و قيل: أي لا ينبغي للمؤمن أن يستوحش من الله و من الإيمان به إلى أخيه فكيف من دونه، إذ للمؤمن أنس بالإيمان و قرب الحق من غير وحشة، فلو انتفى الأنس و تحققت الوحشة انتفى الإيمان و القرب.

و أقول: الأظهر ما ذكرنا أولا من أن المؤمن لا ينبغي أن يجد الوحشة من قلة أحبائه و موافقيه و كثرة أعدائه و مخالفيه، فيأنس لذلك و يميل إلى أخيه الديني أو النسبي،

فمن دونه‏

 (1) من الأعادي أو الأجانب، و

قوله: المؤمن عزيز في دينه،

 (2) جملة استينافية فكأنه يقول قائل: لم لا يستوحش؟ فيجيب: بأنه منيع رفيع القدر بسبب دينه فلا يحتاج في عزه و كرامته و غلبته إلى أن يميل إلى أحد و يأنس به، و الحاصل أن عزته بالدين لا بالعشائر و التابعين، فكلمة في سببية.

و أقول: في بعض النسخ عمن دونه، و في بعضها عن دونه، فهو صلة للاستيحاش أي يأنس بأخيه مستوحشا عمن هو غيره.

 (الحديث الخامس)

 (3): صحيح.

" في مرضة"

 (4) بالفتح أو بالتحريك و كلاهما مصدر

" مرضها"

 (5) أي مرض بها، و قيل: البارز في مرضها مفعول مطلق للنوع‏

" لم يبق منه إلا رأسه"

 (6) من للتبعيض و الضمير للإمام عليه السلام أي من أعضائه، أو للتعليل و الضمير للمرض و الأول أظهر، و المعنى أنه نحف جميع أعضائه و هزلت حتى كأنه لم يبق منها شي‏ء إلا رأسه، فإنه لقلة لحمه لا يعتريه الهزال كثيرا، أو المراد أنه لم تبق قوة الحركة في شي‏ء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 295

من أعضائه إلا في رأسه، و الأول أظهر.

" كثيرا ما أقول"

 (1) ما زائدة للإبهام و ما في‏

قوله:" ما على رجل"

 (2) نافية أو استفهامية للإنكار، و حاصلهما واحد، أي لا ضرر أو لا وحشة عليه‏

" أخذوا يمينا و شمالا"

 (3) أي عدلوا عن الصراط المستقيم إلى أحد جانبيه، من الإفراط كالخوارج أو التفريط كالمخالفين‏

" له ما بين المشرق"

 (4) أي و الحال أن له ما بينهما أو أصبح بمعنى صار

" مقطعا"

 (5) على بناء المفعول للتكثير

" أعضاؤه"

 (6) بدل اشتمال من الضمير المستتر في مقطعا، و منهم من قرأ أعضاء بالنصب على التميز، و

قوله عليه السلام: إن الله لا يفعل بالمؤمن‏

 (7)، تعليل لهاتين الجملتين، فإنه تعالى لو أعطى جميع الدنيا المؤمن لم يكن ذلك على سبيل الاستدراج، بل لأنه علم أنه يشكره و يصرفه في مصارف الخير، و لا يصير ذلك سببا لنقص قدره عند الله، كما فعل بسليمان عليه السلام بخلاف ما إذا فعل ذلك بغير المؤمن، فإنه لإتمام الحجة عليه و استدراجه، فيصير سببا لشدة عذابه، و كذا إذا قدر للمؤمن تقطيع أعضائه فإنما هو لمزيد قربه عنده تعالى، و رفعة درجاته في الآخرة، فينبغي أن يشكره سبحانه في الحالتين، و يرضى بقضائه فيهما، و لما كان الغالب في الدنيا فقر المؤمنين و ابتلائهم بأنواع البلاء، و غنى الكفار و الأشرار و الجهال رغب الأولين بالصبر و حذر الآخرين عن الاغترار بالدنيا و الفخر

بقوله عليه السلام:" لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة"

 (8) عند الناس‏

" ما سقى عدوه منها شربة ماء"

 (9) فما أعطاه أعداءه ليس لكرامتهم عنده بل لهوانهم عليه، و لذا لم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 296

يعطهم من الآخرة التي لها عنده قدر و منزله شيئا، و قد قال تعالى:" وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ".

" إنه من كان همه هما واحدا"

 (1) الهم القصد و العزم و الحزن، و الحاصل أنه من كان مقصوده أمرا واحدا و هو طلب دين الحق و رضا الله تعالى و قربه و طاعته و لم يخلطه بالأغراض النفسانية و الأهواء الباطلة فإن الحق واحد و للباطل شعب كثيرة

" كفاه الله همه"

 (2) أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود، و نصره على النفس و الشيطان و جنود الجهل‏

" و من كان همه في كل واد"

 (3) من أودية الضلالة و الجهالة

" لم يبال الله بأي واد هلك"

 (4) أي صرف الله لطفه و توفيقه عنه، و تركه مع نفسه و أهوائها حتى يهلك باختيار واحد من الأديان الباطلة، أو كل واد من أودية الدنيا و كل شعبة من شعب أهواء النفس الأمارة بالسوء، من حب المال و الجاه و الشرف و العلو و لذة المطاعم و المشارب و الملابس و المناكح و غير ذلك من الأمور الباطلة الفانية.

و الحاصل أن من اتبع الشهوات النفسانية و الآراء الباطلة و لم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى دين الحق و طاعة الله و ما يوجب قربه لم يمدده الله بنصره و توفيقه، و لم يكن له عند الله قدر و منزلة، و لم يبال بأي طريق سلك و لا في أي واد هلك، و قيل: بأي واد من أودية جهنم، و قيل: يمكن أن يراد بالهم الواحد القصد إلى الله و التوكل عليه في جميع الأمور، فإنه تعالى يكفيه هم الدنيا و الآخرة، بخلاف من اعتمد على رأيه و قطع علاقة التوكل عن نفسه، و يحتمل أن يكون‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 297

المراد بالهم الحزن و الغم أي من كان حزنه للآخرة كفاه الله ذلك و أوصله إلى سرور الأبد، و من كان حزنه للدنيا و كله الله تعالى إلى نفسه حتى يهلك في واد من أودية أهوائهم.

 (الحديث السادس)

 (1): ضعيف على المشهور.

" ما ترددت في شي‏ء"

 (2) هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الفريقين، و من المعلوم أنه لم يرد التردد المعهود من الخلق في الأمور التي يقصدونها فيترددون في إمضائها إما لجهلهم بعواقبها أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع و نحوه، و لهذا قال:

" أنا فاعله"

 (3) أي لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله، أو المراد به التردد في التقديم و التأخير لا في أصل الفعل.

و على التقديرين فلا بد فيه من تأويل و فيه وجوه عند الخاصة و العامة، أما عند الخاصة فثلاثة:

الأول: أن في الكلام إضمارا، و التقدير لو جاز على التردد ما ترددت في شي‏ء كترددي في وفاة المؤمن.

الثاني: أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من يحترمه و يوقره كالصديق، و أن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر و لا حرمة كالعدو، بل يوقعها من غير تردد و تأمل، صح أن يعبر عن توقير الشخص و احترامه بالتردد، و عن إذلاله و احتقاره بعدمه، فالمعنى ليس لشي‏ء من مخلوقاتي عندي قدر و حرمة، كقدر عبدي المؤمن و حرمته، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية.

الثالث: أنه ورد من طرق الخاصة و العامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 298

عند الاحتضار من اللطف و الكرامة و البشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت، و يوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار، فيقل تأذيه به، و يصير راضيا بنزوله، و راغبا في حصوله فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم، فهو يتردد في أنه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقل تأذيه، فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسيمة، و الراحة العظيمة إلى أن يتلقاه بالقبول، و يعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول، فيكون في الكلام استعارة تمثيلية.

و أما وجوهه عند العامة فهي أيضا ثلاثة:

الأول: أن معناه ما تردد عبدي المؤمن في شي‏ء أنا فاعله كتردده في قبض روحه، فإنه متردد بين إرادته البقاء و إرادتي للموت، فأنا ألطفه و أبشره حتى أصرفه عن كراهة الموت، فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته المقدسة كرامة و تعظيما له، كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد ولي من أوليائه: عبدي مرضت فلم تعدني؟ فيقول: كيف تمرض و أنت رب العالمين؟ فيقول: مرض عبدي فلان فلم تعده، فلو عدته لوجدتني عنده، فكما أضاف مرض وليه و سقمه إلى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده، و تنويها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك.

الثاني: أن ترددت في اللغة بمعنى رددت مثل قولهم فكرت و تفكرت و دبرت و تدبرت فكأنه يقول: ما رددت ملائكتي و رسلي في أمر حكمته بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن فأرددهم في إعلامه بقبضي له و تبشيره بلقائي، و بما أعددت له عندي كما ردد ملك الموت عليه السلام إلى إبراهيم و موسى عليهما السلام في القصتين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 299

المشهورتين إلى أن اختارا الموت فقبضهما كذلك خواص المؤمنين من الأولياء يرددهم إليهم رفقا و كرامة ليميلوا إلى الموت، و يحبوا لقاءه تعالى.

الثالث: أن معناه ما رددت الأعلال و الأمراض و البر و اللطف و الرفق حتى يرى بالبر عطفي و كرمي، فيميل إلى لقائي طمعا، و بالبلايا و العلل فيتبرم بالدنيا، و لا يكره الخروج منها.

و ما دل عليه هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت، لا ينافي ما دلت الروايات الكثيرة عليه من أن المؤمن يحب لقاء الله و لا يكرهه.

أما ما ذكره الشهيد في الذكرى من أن حب لقاء الله غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار و معاينة ما يحب، فإنه ليس شي‏ء حينئذ أحب إليه من الموت و لقاء الله، و لأنه يكره الموت من حيث التألم به، و هما متغايران و كراهة أحد المتغايرين لا يوجب كراهة الآخر، أو لأن حب لقاء الله يوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه، و هو يستلزم كراهة الموت القاطع له، و اللازم لا ينافي الملزوم.

قوله تعالى:" و إنه ليدعوني" بأن يقول يا الله مثلا

" فأجيبه"

 (1) بأن يقول له:

لبيك مثلا

" و إنه ليسألني"

 (2) أي يطلب حاجته كان يقول: اصرف عني الموت‏

" لاستغنيت به"

 (3) أي اكتفيت به في إبقاء نظام العالم للمصلحة، و ضمن يستوحش معنى الاحتياج و نحوه فعدي بإلى كما مر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 300

باب في سكون المؤمن إلى المؤمن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مرسل.

" إلى المؤمن"

 (3) قيل: إلى بمعنى مع و أقول: كان فيه تضمينا و هذا تشبيه كامل للمعقول بالمحسوس، فإن للظمآن اضطرابا في فراق الماء، و يشتد طلبه له فإذا وجده استقر و سكن، و يصير سببا لحياته البدني فكذلك المؤمن يشتد شوقه إلى المؤمن و تعطشه في لقائه، فإذا وجده سكن و مال إليه، و يحيى به حياة طيبة روحانية فإنه يصير سببا لقوة إيمانه و إزالة شكوكه و شبهاته، و زوال وحشته.

و قيل: هذا السكون ينشأ من أمرين: أحدهما: الاتحاد في الجنسية للتناسب في الطبيعة و الروح كما مر، و المتجانسان يميل أحدهما إلى الآخر، و كلما كان التناسب و التجانس أكمل كان الميل أعظم، كما روي: أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف.

و ثانيهما: المحبة لأن المؤمن لكمال صورته الظاهرة و الباطنة بالعلم و الإيمان و الأخلاق و الأعمال محبوب القلوب، و تلك الصورة قد تدرك بالبصر و البصيرة، و قد تكون سببا للمحبة و السكون بإذن الله تعالى، و بسبب العلاقة في الواقع، و إن لم يعلم تفصيلها.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 301

باب فيما يدفع الله بالمؤمن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

" عن القرية"

 (3) أي أهلها بحذف المضاف، كما في قوله تعالى:" وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ" و ذلك الدفع إما بدعائه أو ببركة وجوده فيهم.

 (الحديث الثاني)

 (4): صحيح.

و يمكن دفع التنافي بينه و بين الأول بوجوه:" الأول" أن الأول محمول على النادر، و الثاني على الغالب أو الحتم." الثاني" أن يراد بالمؤمن في الأول الكامل، و في الثاني غيره." الثالث" أن يحملا على اختلاف المعاصي و استحقاق العذاب فيها، فإنها مختلفة، ففي القليل و الخفيف منها يدفع بالواحد، و في الكثير و الغليظ منها لا يدفع إلا بالسبعة، مع أن المفهوم لا يعارض المنطوق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 302

 (الحديث الثالث)

 (1): حسن كالصحيح.

" و لكن يخلصون بعده"

 (2) أي ينجون بعد نزول العذاب بهم في البرزخ و القيامة، في المصباح: خلص الشي‏ء من التلف خلوصا من باب قعد و خلاصا و مخلصا سلم و نجا، و خلص الماء من الكدر صفا، انتهى.

و يشكل الجمع بينه و بين الخبرين السابقين، و يمكن الجمع بوجوه:

الأول: حمل العذاب في الأولين على نوع منه كعذاب الاستئصال، كما أنه سبحانه أخرج لوطا و أهله من بين قومه ثم أنزل العذاب عليهم، و هذا الخبر على نوع آخر كالوباء و القحط.

الثاني: أن يحمل هذا على النادر و ما مر على الغالب على بعض الوجوه.

الثالث: حمل هذا على أقل من السبعة، و حمل الواحد على النادر، و ما قيل:

من أن المراد بالخلاص الخلاص في الدنيا فهو بعيد، مع أنه لا ينفع في رفع التنافي.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 303

باب في أن المؤمن صنفان‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

قال الله سبحانه:" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ"

 (3) قال البيضاوي:

من الثبات مع الرسول و المقاتلة لأعداء الدين من صدقني إذا قال لك الصدق فإن المعاهد إذا وفى بعهده فقد صدق" فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ" أي نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة و مصعب بن عمير و أنس بن النضر، و النحب: النذر أستعير للموت، لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان" وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ" أي الشهادة" وَ ما بَدَّلُوا" العهد و لا غيروه" تَبْدِيلًا" أي شيئا من التبديل.

و قال الطبرسي (ره):" فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ" يعني حمزة بن عبد المطلب و جعفر بن أبي طالب" وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ" يعني علي بن أبي طالب، و روي في الخصال عن الباقر عليه السلام في حديث طويل قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لقد كنت عاهدت الله تعالى و رسوله أنا و عمي حمزة و أخي جعفر و ابن عمي عبيدة على أمر و فينا به لله تعالى و لرسوله صلى الله عليه و آله و سلم، فتقدمني أصحابي و تخلفت بعدهم لما أراد الله تعالى فأنزل الله فينا:" رِجالٌ" الآية، حمزة و جعفر و عبيدة، و أنا و الله المنتظر" و ما بدلت تبديلا".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 304

و الأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير، فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه عليه السلام استدل بهذه الآية على أن المؤمنين صنفان، لأنه تعالى قال:" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ" فصنف منهم مؤمن" صدق بعهد الله" قيل: الباء بمعنى في، أي في عهد الله، فقوله: صدق كنصر بالتخفيف، ففيه إشارة إلى أن في الآية أيضا الباء مقدرة أي صدقوا بما عاهدوا الله عليه، و يمكن أن يقرأ صدق بالتشديد بيانا لحاصل معنى الآية، أي صدقوا بعهد الله و ما وعدهم من الثواب و ما اشترط في الثواب من الإيمان و العمل الصالح، و الأول أظهر، و المراد بالعهد أصول الدين من الإقرار بالتوحيد و النبوة و الإمامة و المعاد، و الوفاء بالشرط الإتيان بالمأمورات و الانتهاء عن المنهيات، و قيل: أراد بالعهد الميثاق بقوله:" أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ" و بالشرط قوله تعالى:" إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ".

و أقول: يحتمل أن يكون المراد بهما ما مر في الحديث السادس من باب معرفة الإمام و الرد إليه حيث قال: إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا و لا تعرفون حتى تصدقوا، و لا تصدقوا حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها، ضل أصحاب الثلاثة و تاهوا تيها بعيدا، إن الله تعالى لا يقبل إلا العمل الصالح، أو لا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط و العهود، فمن وفى لله عز و جل بشرطه و استعمل ما وصف في عهده نال ما عنده، و استعمل عهده إن الله تبارك و تعالى أخبر العباد بطرق الهدى و شرع لهم فيها المنار، و أخبرهم كيف يسلكون فقال:

" وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏" و قال:" إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 305

مِنَ الْمُتَّقِينَ" إلى آخر الخبر.

فالشروط و العهود هي التوبة و الإيمان و الأعمال الصالحة و الاهتداء بالأئمة عليهم السلام.

" فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا و لا أهوال الآخرة"

 (1) قيل: المراد بأهوال الدنيا القحط و الطاعون و أمثالهما في الحياة و ما يراه عند الموت من سكراته و أهواله، و أهوال الآخرة ما بعد الموت إلى دخول الجنة، و قيل: المراد بأهوال الدنيا الهموم من فوات نعيمها، لأن الدنيا و نعيمها لم تخطر بباله فكيف الهموم من فواتها، و المراد أعم منها و من عقوباتها و مكارهها و مصائبها لأنها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة أو لأنها لا تصيبه لأجل المعصية فلا ينافي إصابتها لرفع الدرجة، و لا يخفى بعد تلك الوجوه.

و الأظهر عندي أن المراد بأهوال الدنيا ارتكاب الذنوب و المعاصي، لأنها عنده من أعظم المصائب و الأهوال بقرينة ما سيأتي في الشق المقابل له، و يحتمل أن يكون إطلاق الأهوال عليها على مجاز المشاكلة

" و ذلك ممن يشفع"

 (2) على بناء المجهول أي أنه لا يحتاج إلى الشفاعة لأنه من المقربين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، و إنما الشفاعة لأهل المعاصي‏

" كخامة الزرع"

 (3) قال في النهاية:

فيه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح، هي الطاقة الغضة اللينة من الزرع، و ألفها منقلبة عن واو، انتهى، و أشار إلى وجه الشبه‏

بقوله: يعوج أحيانا،

 (4) و المراد باعوجاجه ميلة إلى الباطل و هو متاع الدنيا و الشهوات النفسانية،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 306

و بقيامه استقامته على طريق الحق و مخالفته للأهواء و الوساوس الشيطانية، و قد مر الكلام في أهوال الدنيا

" و لا يشفع"

 (1) أي لا يؤذن له في الشفاعة.

 (الحديث الثاني)

 (2): كالأول.

و خضر

 (3) بكسر الخاء و سكون الضاد أو بفتح الخاء و كسر الضاد صحح بهما في القاموس و غيره‏

" و في لله بشروطه"

 (4) العهود داخلة تحت الشروط هنا

" فذلك مع النبيين"

 (5) إشارة إلى قوله تعالى:" وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ‏

وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً"

 (6) و هذا مبني على ما ورد في الأخبار الكثيرة أن الصديقين و الشهداء و الصالحين هم الأئمة عليهم السلام، و المراد بالمؤمن في المقسم هنا غيرهم من المؤمنين و قد مر عن أبي- جعفر عليه السلام أنه قال بعد قراءة هذه الآية فمنا النبي و منا الصديق و الشهداء و الصالحون، و في تفسير علي بن إبراهيم قال: النبيين رسول الله و الصديقين علي، و الشهداء الحسن و الحسين، و الصالحين الأئمة" وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً" القائم من آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم، فلا يحتاج إلى ما قيل: أن الظاهر أنه كان من النبيين لأن الصنف الأول إما نبي أو صديق أو شهيد أو صالح، و الصنف الثاني يكون مع هؤلاء بشفاعتهم‏

" زلت به قدم"

 (7) كان الباء للتعدية، أي أزلته قدم و أقدام على المعصية، و قيل: الباء للسببية أي زلت بسببه قدمه أي فعله عمدا من غير نسيان‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 307

و إكراه، و

" كيفما"

 (1) مركب من كيف للشرط، نحو كيف تصنع أصنع، و ما زائدة للتأكيد، و في النهاية: يقال‏

كفأت‏

 (2) الإناء و أكفأته إذا كببته و إذا أملته، و في القاموس: كفاه كمنعه صرفه و كبه و قلبه كاكفاه و اكتفاه و انكفأ رجع، و لونه تغير.

 (الحديث الثالث)

 (3): موثق كالصحيح.

" الإخوان صنفان"

 (4) المراد بالإخوان إما مطلق المؤمنين فإن المؤمنين إخوة، أو المؤمنين الذين يصاحبهم و يعاشرهم و يظهرون له المودة و الأخوة، أو الأعم من المؤمنين و غيرهم إذا كانوا كذلك، و المراد

بإخوان الثقة

 (5) أهل الصلاح و الصدق و الأمانة، الذين يثق بهم و يعتمد عليهم في الدين، و عدم النفاق و موافقة ظاهر هم لباطنهم، و

بإخوان المكاشرة

 (6) الذين ليسوا بتلك المثابة، و لكن يعاشرهم لرفع الوحشة، أو للمصلحة و التقية فيجالسهم و يضاحكهم و لا يعتمد عليهم و لكن ينتفع بمحض تلك المصاحبة منهم لإزالة الوحشة و دفع الضرر، قال في النهاية: فيه: إنا لنكشر في وجوه أقوام، الكشر: ظهور الأسنان في الضحك، و كاشرة إذا ضحك في وجهه و باسط، و الاسم الكشرة كالعشرة

" فهم الكف"

 (7) الحمل على المبالغة و التشبيه أي هم بمنزلة كفك في أعانتك و كف الأذى عنك، فينبغي أن تراعيه و تحفظه كما تحفظ كفك، قال في المصباح: قال الأزهري: الكف الراحة مع الأصابع سميت بذلك لأنها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 308

تكف الأذى عن البدن، و قال: جناح الطائر بمنزلة اليد للإنسان، و في القاموس:

الجناح‏

 (1) اليد و العضد و الإبط و الجانب و نفس الشي‏ء، و الكنف و الناحية، انتهى.

و أكثر المعاني مناسبة، و العضد أظهر و الحمل كما سبق، أي هم بمنزلة عضدك في إعانتك فراعهم كما تراعى عضدك، و كذا الأهل و المال، و يمكن أن يكون المراد بكونهم مالا أنهم أسباب لحصول المال عند الحاجة إليه‏

" فإذا كنت من أخيك"

 (2) أي بالنسبة إليه كقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى‏

" على حد الثقة"

 (3) أي على مرتبة الثقة و الاعتماد، أو على أول حد من حدودها، و الثقة في الأخوة و الديانة و الاتصاف بصفات المؤمنين و كون باطنه موافقا لظاهرة

" فابذل له مالك و بدنك"

 (4) بذل المال هو أن يعطيه من ماله عند حاجته إليه سأل أم لم يسأل و بذل البدن هو أن يسعى في حاجته و يخدمه و يدفع الأذى عنه قولا و فعلا، و هما متفرعان على كونهم الكف و الجناح و الأهل و المال.

" و صاف من صافاه"

 (5) أي أخلص الود لمن أخلص له الود، قال في المصباح:

صفا خلص من الكدر، و أصفيته الود إذا خلصته، و في القاموس: صافاه صدقه الإخاء كأصفاه‏

" و عاد من عاداه"

 (6) أي في الدين أو الأعم إذا كان الأخ محقا و إنما أطلق لأن المؤمن الكامل لا يكون إلا محقا.

و يؤيد هاتين الفقرتين ما روي عنه عليه السلام في النهج أنه قال: أصدقاؤك ثلاثة و أعداؤك ثلاثة: فأصدقاؤك صديقك و صديق صديقك، و عدو عدوك، و أعداؤك عدوك و عدو صديقك و صديق عدوك.

" و اكتم سره"

 (7) أي ما أمرك بإخفائه أو تعلم أن إظهاره يضره‏

" و عيبه"

 (8) أي إن كان له عيب نادرا أو ما يعيبه الناس عليه و لم يكن قبيحا واقعا كالفقر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 309

و الأمراض الخفية

" و أظهر منه الحسن"

 (1) بالتحريك أي ما هو حسن ممدوح عقلا و شرعا من الصفات و الأخلاق و الأعمال، و يمكن أن يقرأ بالضم‏

" فإنك تصيب لذتك منهم"

 (2) أي تلتذ بحسن صحبتهم و مؤانستهم و تحصيل بعض المنافع الدنيوية منهم، بل الأخروية أيضا أحيانا بمذاكرتهم و مفاوضتهم‏

" فلا تقطعن ذلك"

 (3) الحظ

" منهم"

 (4) بالاستيحاش عنهم، و ترك مصاحبتهم فتصير وحيدا لندرة النوع الأول كما قال عليه السلام في حديث آخر: زهدك في راغب فيك نقصان حظ، و رغبتك في زاهد فيك ذل نفس.

" و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم"

 (5) أي ما يضمرون في أنفسهم فلعله يظهر لك منهم حسد و عداوة و نفاق، فتترك مصاحبتهم فيفوتك ذلك الحظ منهم، أو يظهر لك منهم سوء عقيدة و فساد رأي فتضطر إلى مفارقتهم لذلك، أو المعنى لا تتوقع منهم موافقة ضميرهم لك و حبهم الواقعي و اكتف بالمعاشرة الظاهرة و إن علمت عدم موافقة قلبهم للسانهم كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه و آله و سلم:

" و ابذل لهم ما بذلوا لك منهم طلاقة الوجه"

 (6) أي تهلله و إظهار فرحه برؤيتك و تبسمه، في المصباح:

رجل طلق الوجه أي فرح ظاهر البشر و هو طليق الوجه، قال أبو زيد: متهلل بسام، و في الحديث حث على حسن المعاشرة و الاكتفاء بظواهر حالهم و عدم تجسس ما في بواطنهم فإنه أقرب إلى هدايتهم و إرشادهم إلى الحق، و تعليم الجهال و هداية أهل الضلال و أبعد من التضرر منهم و التنفر عنهم، و الأخبار في حسن المعاشرة كثيرة لا سيما مع المدعين للتشيع و الإيمان، و سيأتي بعضها و الله المستعان.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 310

باب ما أخذه الله على المؤمن من الصبر

 (1) أي ما يلحقه من الغم و الهم‏

" فيما ابتلي به"

 (2) من الأمور الأربعة المذكورة في الأخبار، أو على ما يلحقه من معاشرة الخلق، و قيل: أي فيما كلف به من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أمثال ذلك، و الأول أظهر.

 (الحديث الأول)

 (3): صحيح.

" على أن لا تصدق"

 (4) أي على الصبر على أن لا تصدق مقالته في دولة الباطل أو أهل الباطل مطلقا، و الانتصاف الانتقام، و في القاموس: انتصف منه استوفى حقه منه كاملا حتى صار كل على النصف سواء كاستنصف منه‏

" يشفي نفسه"

 (5) يقال:

شفاه يشفيه من باب ضرب فاشتفى هو، و هو من الشفاء بمعنى البرء من الأمراض النفسانية، و المكاره القلبية، كما يستعمل في شفاء الجسم من الأمراض البدنية، و كون شفاء نفسه من غيظ العدو موجبا لفضيحتها ظاهر لأن الانتقام من العدو مع عدم القدرة عليه يوجب الفضيحة و المذلة، و مزيد الإهانة، و الضمير

في بفضيحتها

 (6) راجع إلى النفس‏

" لأن كل مؤمن ملجم"

 (7) يعني إذا أراد المؤمن أن يشفي غيظه بالانتقام من عدوه افتضح، و ذلك لأنه ليس بمطلق العنان خليع العذار، يقول ما يشاء و يفعل ما يريد، إذ هو مأمور بالتقية و الكتمان و الخوف من العصيان، و الخشية من الرحمن، و لأن زمام أمره بيد الله سبحانه لأنه فوض أمره إليه،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 311

فيفعل به ما يشاء مما فيه مصلحته، و قيل: أي ممنوع من الكلام الذي يصير سببا لحصول مطالبه الدنيوية في دولة الباطل.

و أقول: يحتمل أن يكون المعنى أنه ألجمه الله في الدنيا، فلا يقدر على الانتقام في دول اللئام، أو ينبغي أن يلجم نفسه و يمنعها من الكلام، أو الفعل الذي يخالف التقية كما مر، و قال في النهاية: فيه من سئل عما يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة الممسك عن الكلام، يمثل بمن ألجم نفسه بلجام، و منه الحديث: يبلغ العرق منهم ما يلجمهم، أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام يمنعهم عن الكلام.

 (الحديث الثاني)

 (1): كالأول.

" على بلايا أربع"

 (2) قيل: أي إحدى بلايا للعطف بأو، و للحديث الرابع، و أربع مجرور صفة للبلايا، و أشدها خبر مبتدإ محذوف، أي هي أشدها و الضمير المحذوف راجع إلى إحدى، و الضمير المجرور راجع إلى البلايا،

و مؤمن‏

 (3) مرفوع، و هو بدل أشدها، و إبدال النكرة من المعرفة جائز إذا كانت النكرة موصوفة، نحو قوله تعالى:" بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ" و

" أو منافق"

 (4) عطف على أشدها، و في بعض النسخ أيسرها و قال بعضهم:

أيسرها

 (5) صفة لبلايا أربع، و فيه إشعار بأن للمؤمن بلايا أخر أشد منها، قال: و في بعض النسخ أشدها بدل أيسرها فيفيد أن هذه الأربع أشد بلاياه، و قوله: مؤمن خبر مبتدإ محذوف أي هو مؤمن، و قيل: إن أيسرها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 312

مبتدأ و مؤمن خبره، و إن أشدها أولى من أيسرها لئلا ينافي قوله عليه السلام فيما بعد: و مؤمن يحسده و هو أشدهن عليه، و فيه أن أيسرها أو أشدها صفة لما تقدم فلا تتم ما ذكر، و كون هذه الأربع أيسر من غيرها لا ينافي أن يكون بعضها أشد من بعض، و لو جعل مبتدأ كما زعم لزم أن لا يكون المؤمن الحاسد أشد من المنافق و ما بعده، و هو مناف لما سيأتي.

و أقول: يمكن أن يكون أو للجمع المطلق بمعنى الواو، فلا نحتاج إلى تقدير إحدى، و يكون أشدها مبتدأ و مؤمن خبره، و عبر عن الأول بهذه العبارة لبيان الأشدية ثم عطف عليه ما بعده كأنه عطف على المعنى، و لكل من الوجوه السابقة وجه و كون مؤمن بدل أشدها أوجه.

" يقول بقوله"

 (1) أي يعتقد مذهبه و يدعي التشيع لكنه ليس بمؤمن كامل بل يغلبه الحسد

" أو منافق يقفو أثره"

 (2) أي يتبعه ظاهرا و إن كان منافقا أو يتبع عيوبه فيذكرها للناس و هو أظهر

" أو شيطان"

 (3) أي شيطان الجن أو الأعم منه و من شيطان الإنس‏

" يغويه"

 (4) أي يريد إغواءه و إضلاله عن سبيل الحق بالوساوس الباطلة كما قال تعالى حاكيا عن الشيطان:" لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ" الآية و قال سبحانه:

" وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً" و قال:" وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى‏ أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ".

و ربما يقرأ يغويه على بناء التفعيل أي ينسبه إلى الغواية و هو بعيد

" أو كافر يرى جهاد"

 (5) أي لازما فيضره بكل وجه يمكنه‏

" فما بقاء المؤمن بعد هذا"؟

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 313

 (1) استفهام إنكار أي كيف يبقى المؤمن على إيمانه بعد الذي ذكرنا، و لذا قل عدد المؤمنين أو لا يبقى في الدنيا بعد هذه البلايا و الهموم و الغموم، أو لا يبقى جنس المؤمن في الدنيا إلا قليل منهم.

 (الحديث الثالث)

 (2): موثق.

" ما أفلت المؤمن"

 (3) أي ما تخلص، في المصباح: أفلت الطائر و غيره إفلاتا تخلص و أفلته إذا أطلقته و خلصته يستعمل لازما و متعديا، و فلت فلتا من باب ضرب لغة و فليته أنا، يستعمل أيضا لازما و متعديا، و الظاهر أن بعض مبتدأ و يؤذيه خبره، و يحتمل أن يكون بعض خبر مبتدإ محذوف و يؤذيه صفة أو حالا

" و يغلق"

 (4) على بناء المجهول أو المعلوم و الأول أظهر، فبابه نائب الفاعل، و ضمير عليه راجع إلى ما يرجع إليه المستتر في يكون، و جملة يغلق حال عن ضمير يكون أي داخل في داره يكون معه فيها، و المراد بالشيطان إما شيطان الجن لأن معارضته للمؤمن أكثر أو شيطان الإنس.

و ذكروا لتسليط الشياطين و الكفرة على المؤمنين وجوها من الحكمة" الأول" أنه لكفارة ذنوبه، الثاني: أنه لاختبار صبره و إدراجه في الصابرين، الثالث: أنه لتزهيده في الدنيا لئلا يفتتن بها و يطمئن إليها فيشق عليه الخروج منها، الرابع:

توسله إلى جناب الحق سبحانه في الضراء و سلوكه مسلك الدعاء لدفع ما يصيبه من البلاء، فترتفع بذلك درجته، الخامس: وحشته عن المخلوقين و أنسه برب العالمين، السادس: إكرامه برفع الدرجة التي لا يبلغها الإنسان بكسبه لأنه ممنوع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 314

من إيلام نفسه شرعا و طبعا، فإذا سلط عليه في ذلك غيره أدرك ما لا يصل إليه بفعله كدرجة الشهادة مثلا، السابع: تشديد عقوبة العدو في الآخرة فإنه يوجب سرور المؤمنين به، و الغرض من هذا الحديث و أمثاله حث المؤمن على الاستعداد لتحمل النوائب و المصائب و أنواع البلاء بالصبر و الشكر و الرضا بالقضاء.

 (الحديث الرابع)

 (1): ضعيف على المشهور معتبر.

" أربع"

 (2) أي أربع خصال‏

" أو واحدة"

 (3) أي أو من واحدة

" مؤمن يحسده"

 (4) أي حسد مؤمن‏

و هو أشدهن عليه‏

 (5) لأن صدور الشر من القريب المجانس أشد و أعظم من صدوره من البعيد المخالف لتوقع الخير من الأول دون الثاني، و في الخصال بإسناده عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: يا سماعة لا ينفك المؤمن من خصال أربع: من جار يؤذيه، و شيطان يغويه، و منافق يقفو أثره، و مؤمن يحسده، ثم قال: يا سماعة أما إنه أشدهم عليه، قلت كيف ذاك؟ قال: إنه يقول فيه القول فيصدق عليه‏

" و عدو"

 (6) أي مجاهر بالعداوة،

يجاهده‏

 (7) بلسانه و يده.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 315

 (الحديث الخامس)

 (1): ضعيف على المشهور.

و الغرض‏

 (2) بالتحريك هدف يرمى فيه أي جعل محبة في الدنيا هدفا لسهام عداوة عدوه و حيله و شروره.

 (الحديث السادس)

 (3): مجهول.

" فإن الله سيجعل لك فرجا"

 (4) أي بتهيئة أسباب الرزق كما قال سبحانه:

" سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً" و قال:" وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ"" أو بالموت" فإن للمؤمن بعده السرور و الراحة و الحبور، كما يومئ إليه ما بعده:" الدنيا سجن المؤمن" هذا الحديث مع تتمته: و جنة الكافر، منقول من طرق الخاصة و العامة.

قال الراوندي (ره) في ضوء الشهاب بعد نقل هذه الرواية: شبه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم المؤمن بالمسجون من حيث هو ملجم بالأوامر و النواهي، مضيق عليه في الدنيا، مقبوض على يده فيها، مخوف بسياط العقاب، مبتلى بالشهوات، ممتحن بالمصائب بخلاف الكافر الذي هو مخلوع العذار متمكن من شهوات البطن و الفرج، بطيبة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 316

من قلبه و انشراح من صدره مخلى بينه و بين ما يريد على ما يسول له الشيطان لا ضيق عليه و لا منع، فهو يغدو فيها و يروح على حسب مراده و شهوة فؤاده، فالدنيا كأنها جنة له يتمتع بملاذها و يتمتع بنعيمها كما أنها كالسجن للمؤمن صارفا له عن لذاته مانعا من شهواته.

و في الحديث أنه قال صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام: يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة، و روي أن يهوديا تعرض للحسن بن علي عليه السلام و هو في شظف من حاله و كسوف من باله و الحسن عليه السلام راكب بغلة فارهة عليه ثياب حسنة فقال: جدك يقول: إن الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر فأنا في السجن و أنت في الجنة؟ فقال عليه السلام: لو علمت مالك و ما يرتب لك من العذاب لعلمت أنك مع هذا الضر هيهنا في الجنة، و لو نظرت إلى ما أعد لي في الآخرة لعلمت أني معذب في السجن هيهنا، انتهى.

و أقول: فالكلام يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المعنى أن المؤمن غالبا في الدنيا بسوء حال و تعب و خوف و الكافر غالبا في سعة و أمن و رفاهية فلا ينافي كون المؤمن نادرا بحال حسن، و الكافر نادرا بمشقة، و ثانيهما أن يكون المعنى أن المؤمن في الدنيا كأنه في سجن لأنه بالنظر إلى حاله في الآخرة و ما أعد الله له من النعيم كأنه في سجن، لأنه بالنظر إلى حاله في الآخرة و ما أعد الله له من النعيم كأنه في سجن و إن كان بأحسن الأحوال بالنظر إلى أهل الدنيا، و الكافر بعكس ذلك لأن نعيمه منحصر في الدنيا و ليس له في الآخرة إلا أشد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 317

العذاب، فالدنيا جنته و إن كان بأسوء الأحوال، و ظهر وجه آخر مما ذكرنا سابقا.

 (الحديث السابع)

 (1): ضعيف.

إذ ضمير

عنه‏

 (2) راجع إلى البرقي، و

محمد بن علي‏

 (3) هو أبو سمينة.

" فأي سجن"

 (4) استفهام للإنكار، و المعنى أنه ينبغي للمؤمن أن لا يتوقع الرفاهية في الدنيا.

 (الحديث الثامن)

 (5): صحيح و آخره مرسل.

" المؤمن مكفر"

 (6) على بناء المفعول من التفعيل أي لا يشكر الناس معروفه بقرينة تتمة الخبر، و قد قال الفيروزآبادي: المكفر كمعظم المجحود النعمة مع إحسانه، و الموثق في الحديد.

و روى الصدوق في العلل بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: المؤمن مكفر و ذلك أن معروفه يصعد إلى الله عز و جل فلا ينتشر في الناس، و الكافر مشكور و ذلك أن معروفه للناس ينتشر في الناس و لا يصعد إلى السماء، و روي أيضا بإسناده عن الحسين بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليهم السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مكفرا لا يشكر معروفه، و لقد كان معروفه على القرشي و العربي و العجمي و من كان أعظم من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على هذا الخلق؟

و كذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا و خيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 318

و قال الجزري في النهاية: فيه المؤمن مكفر أي مزرئا في نفسه و ماله لتكفر خطاياه، انتهى.

و هذا الوجه لا يحتمل في هذه الأخبار، و كان المراد بالتعليل أن معروفه لما كان خالصا لله مقبولا عنده لا يرضى له بأن يثيبه في الدنيا فتكفر نعمته ليكمل ثوابه في الآخرة، و الكافر لما لم يكن مستحقا لثواب الآخرة يثاب في الدنيا كعمل الشيطان، و قيل: هو مبني على أن المؤمن يخفى معروفه من الناس و لا يفعله رياء و لا سمعة فيصعد إلى الله و لا ينتشر في الناس، و الكافر يفعله علانية و رياء و سمعة فينتشر في الناس، و لا يقبله الله و لا يصعد إليه، و قيل: المعنى أن معروفه الكثير، الذي يدل عليه صيغة التفعيل، لا يعلمه إلا الله، و من علمه بالوحي من قبله تعالى لأن معروفه ليس من قبيل الدراهم و الدنانير، بل من جملة معروفه حياة سائر الخلق، و بقائهم بسببه و أمثال ذلك من النعم العظيمة المخفية.

و ربما يقال في وجه التعليل أن المؤمن يجعل معروفه في الضعفاء و الفقراء الذين ليس لهم وجه عند الناس و لا ذكر، فلا يذكر ذلك في الخلق، و الكافر يجعل معروفه في المشاهير و الشعراء و الذين يذكرونه في الناس فينتشر فيهم.

فإن قيل: بعض تلك الوجوه ينافي ما سيأتي في باب الرياء أن الله تعالى يظهر العمل الخالص و يكثره في أعين الناس و من أراد بعمله الناس يقلله الله في أعينهم؟

قلنا: يمكن حمل هذا على الغالب، و ذاك على النادر، و هذا على المؤمن الخالص و ذاك على غيرهم، أو هذا على العبادات المالية و ذاك على العبادات البدنية

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 319

 (الحديث التاسع)

 (1): حسن كالصحيح.

" يريد أن يضله"

 (2) بيان ليغويه لئلا يتوهم أنه يقبل إغواءه و يؤثر فيه، بل إنما ابتلاؤه به بسبب أنه يوسوسه، و هو يشتغل بمعارضته و قد مر أن الشيطان يحتمل الجن و الإنس و الأعم.

" و كافرا يقاتله" و في بعض النسخ‏

يغتاله‏

 (3) و في المصباح غاله غولا من باب قال أهلكه. و اغتاله: قتله على غرة، و الاسم الغيلة بالكسر، يتبع كيعلم أو على بناء الافتعال أي يتفحص و يتطلب عثراته أي معاصيه التي تصدر عنه أحيانا على الغفلة و عيوبه.

 (الحديث العاشر)

 (4): ضعيف.

" خلى على جيرانه"

 (5) على بناء المعلوم و الإسناد مجازي لأن موته صار سببا لاشتغال شياطينه بجيرانه أو هو على بناء المجهول، و التعدية بعلى لتضمين معنى الاستيلاء أي ترك على جيرانه، أو خلي بين الشياطين المشتغلين به أيام حياته و بين جيرانه، و الحاصل أن الشياطين كانوا مشغولين بإضلاله و وسوسته لأن إضلاله كان أهم عندهم أو بإيذائه و حث الناس عليه، فإذا مات تفرقوا على جيرانه لإضلالهم أو إيذائهم، و قيل: الباء للسببية و ضمير

كانوا

 (6) إما راجع إلى الشياطين أو الجيران‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 320

أي كان الشياطين ممنوعين عن المعاصي بسببه لأنه كان يعظهم و يهديهم، أو كان الجيران ممنوعين عن المعاصي بسببه و كأنه دعاه إلى ذلك قول الجوهري يقال شغلت بكذا على ما لم يسم فاعله و اشتغلت، و لا يخفى ما فيه.

و ربيعة

 (1) كقبيلة، و

مضر

 (2) كصرد قبيلتان عظيمتان من العرب، يضرب بهما المثل في الكثرة، و هما في النسب إخوان ابنا نزار بن معد بن عدنان، و مضر الجد السابع عشر للنبي صلى الله عليه و آله و سلم.

 (الحديث الحادي عشر)

 (3): ضعيف.

و كان المراد

بالجار

 (4) هنا أعم من جار الدار و الرفيق و المعامل و المصاحب، و في الحديث الجار إلى أربعين دارا" لانبعث له" أي من الشيطان، و في بعض النسخ‏

لابتعث الله له‏

 (5)، فالإسناد على المجاز يقال: بعثه كمنعه أرسله كابتعثه فانبعث.

 (الحديث الثاني عشر)

 (6): موثق.

" و لا فيما بقي"

 (7) أي فيما يأتي‏

" و لا فيما أنتم فيه"

 (8) أي و ليس فيما أنتم فيه.

 (الحديث الثالث عشر)

 (9): حسن كالصحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 321

باب شدة ابتلاء المؤمن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح.

" أشد الناس بلاء"

 (3) قيل: المراد بالناس هنا الكل من الأنبياء و الأوصياء فإنهم الناس حقيقة و سائر الناس نسناس، كما ورد في الأخبار، و البلاء ما يختبر و يمتحن من خير أو شر و أكثر ما يأتي مطلقا الشر و ما أريد به الخير يأتي مقيدا كما قال تعالى:" بَلاءً حَسَناً" و أصله المحنة و الله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، و بما يكره ليمتحن صبره، يقال: بلاه الله بخير أو شر يبلوه بلوا و أبلاه بلاء و ابتلاه ابتلاء، بمعنى امتحنه و الاسم البلاء مثل سلام، و البلوى و البلية مثله.

و قال في النهاية: فيه أشد الناس بلاء

الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل‏

 (4)، أي الأشرف فالأشرف، و الأعلى فالأعلى في الرتبة و المنزلة، ثم يقال هذا أمثل من هذا، أي أفضل و أدنى إلى الخير، و أماثل الناس خيارهم، انتهى.

" ثم الذين يلونهم"

 (5) أي يقربون منهم، و يكونون بعدهم، في المصباح:

الولي مثل فلس القرب، و في الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسرتين، و الثانية من باب وعد و هي قليلة الاستعمال، و جلست مما يليه أي يقاربه، و قيل: الولي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 322

حصول الثاني بعد الأول من غير فصل، انتهى.

و المراد بهم الأوصياء عليه السلام، و في هذه الأحاديث الواردة من طرق الخاصة و العامة دلالة واضحة على أن الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام في الأمراض الجسمية و البلايا الجسمية كغيرهم بل هم أولى بها من الغير تعظيما لأجرهم الذي يوجب التفاضل في الدرجات، و لا يقدح ذلك في رتبتهم بل هو تثبيت لأمرهم، و أنهم بشر إذ لو لم يصبهم ما أصاب سائر البشر مع ما يظهر في أيديهم من خرق العادة لقيل فيهم ما قالت النصارى في نبيهم، و قد ورد هذا التعليل في الخبر و ابتلاؤهم تحفة لهم لرفع الدرجات التي لا يمكن الوصول إليها بشي‏ء من العمل إلا ببلية كما أن بعض الدرجات لا يمكن الوصول إليها إلا بالشهادة، فيمن الله سبحانه على من أحب من عباده بها تعظيما و تكريما له، كما ورد في خبر شهادة سيد الشهداء عليه السلام أنه رأى النبي صلى الله عليه و آله و سلم في المنام فقال له: يا حسين لك درجة في الجنة لا تصل إليها إلا بالشهادة، و استثنى أكثر العلماء ما هو نقص و منفر للخلق عنهم كالجنون و الجذام و البرص، و حمل استعاذة النبي صلى الله عليه و آله و سلم عنها على أنها تعليم للخلق.

و قال المحقق الطوسي (ره) في التجريد فيما يجب كونه في كل نبي:

العصمة و كمال العقل و الذكاء و الفطنة و قوة الرأي، و عدم السهو و كلما ينفر عنه من دناءة الآباء و عهر الأمهات و الفظاظة و الغلظة و الأبنة و شبهها، و الأكل على الطريق و شبهه.

و قال العلامة (ره) في شرحه: و أن يكون منزها عن الأمراض المنفرة نحو الابنة و سلس الريح و الجذام و البرص، لأن ذلك كله مما ينفر عنه، فيكون منافيا للغرض من البعثة، و ضم القوشجي سلس البول أيضا، و قال القاضي عياض من علماء المخالفين في كتاب الشفاء قال الله تعالى:" وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 323

مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ" و قال:" مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ" و قال:

" وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ" و قال:" قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‏ إِلَيَّ" فمحمد صلى الله عليه و آله و سلم و سائر الأنبياء من البشر أرسلوا إلى البشر و لو لا ذلك لما أطاق الناس مقاومتهم و القبول عنهم و مخاطبتهم.

قال الله تعالى:" وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا" أي لما كان إلا في صورة البشر الذين تمكنكم مخالطتهم إذ لا تطيقون مقاومة الملك و مخاطبته و رؤيته إذا كان على صورته. و قال:" لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا" أي لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه أو من خصه الله تعالى و اصطفاه و قواه على مقاومته كالأنبياء و الرسل فالأنبياء و الرسل وسائط بين الله و بين خلقه يبلغونهم أو أمره و نواهيه و وعده و وعيده و يعرفونهم بما لم يعلموهم من أمره و خلقه و جلاله و سلطانه و جبروته و ملكوته، فظواهرهم و أجسادهم و بنيتهم متصفة بأوصاف البشر طارء عليها ما يطرء على البشر من الأعراض و الأسقام و الموت و الفناء، و نعوت الإنسانية و أرواحهم و بواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر متعلقة بالملأ الأعلى متشبهة بصفات الملائكة سليمة من التغيير و الآفات و لا يلحقها غالبا عجز البشرية و لا ضعف الإنسانية، إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم لما أطاقوا الأخذ عن الملائكة و رؤيتهم و مخاطبتهم كما لا يطيقه غيرهم من البشر، و لو كانت أجسامهم و ظواهرهم متسمة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 324

بنعوت الملائكة و بخلاف صفات البشر لما أطاق البشر و من أرسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول الله تعالى، فجعلوا من جهة الأجسام و الظواهر مع البشر و من جهة الأرواح و البواطن مع الملائكة كما قال صلى الله عليه و آله و سلم: تنام عيناي و لا ينام قلبي، و قال: إني لست كهيأتكم إني أظل يطعمني ربي و يسقيني، فبواطنهم منزهة عن الآفات مطهرة من النقائص و الاعتلالات.

و قال في موضع آخر قد قدمنا أنه صلى الله عليه و آله و سلم و سائر الأنبياء و الرسل من البشر و أن جسمه و ظاهره خالص للبشر، يجوز عليه من الآفات و التغييرات و الآلام و الأسقام و تجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر، و هذا كله ليس بنقيصة فيه لأن الشي‏ء إنما يسمى ناقصا بالإضافة إلى ما هو أتم منه و أكمل من نوعه، و قد كتب الله على أهل هذه الدار" فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون" و خلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرض صلى الله عليه و آله و سلم و اشتكى و أصابه الحر و القر و أدركه الجوع و العطش و لحقه الغضب و الضجر، و ناله الإعياء و التعب، و مسه الضعف و الكبر و سقط فجحش شقه و شجه الكفار و كسروا رباعيته و سقي السم و سحر، و تداوى و احتجم و تعوذ ثم قضى نحبه، فتوفي صلى الله عليه و آله و سلم و ألحق بالرفيق الأعلى، و تخلص من دار الامتحان و البلوى، و هذه سمات البشر التي لا محيص عنها.

و أصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منها و قتلوا قتلا و رموا في النار، و نشروا بالمناشير، و منهم من وقاه الله ذلك في بعض الأوقات، و منهم من عصمه كما عصم نبينا صلى الله عليه و آله و سلم بعد من الناس، فلئن لم يكف عن نبينا ربه تعالى يد ابن قميئة يوم أحد و لا حجبه عن عيون عداه عند دعوة أهل الطائف، فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور و أمسك عنه سيف غورث و حجر أبي جهل و فرس سراقة، و لئن لم يقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم من سم اليهودية، و كذا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 325

سائر أنبيائه مبتلى و معافي، و ذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات و يبين أمرهم و يتم كلمته فيهم، و ليحقق بامتحانهم بشريتهم، و يرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم، لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى بن مريم، و ليكون في محنهم تسلية لأمتهم و وفورا لأجورهم عند ربهم تماما على الذي أحسن إليهم.

قال بعض المحققين و هذه الطواري و التغييرات المذكورة إنما يختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر و معاناة بني آدم لمشاكلة الجسم، و أما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك، معصومة منه متعلقة بالملأ الأعلى و الملائكة لأخذها عنهم، و تلقيها الوحي منهم، و قد قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إن عيني تنامان و لا ينام قلبي، و قال:

إني لست كهيأتكم إني أبيت عند ربي يطعمني و يسقيني، و قال: إني لست أنسى و لكن أنسي ليستن بي، فأخبر أن سره و روحه و باطنه بخلاف جسمه و ظاهره و أن الآفات التي تحل ظاهره من ضعف و جوع و نوم و سهر لا يحل منها شي‏ء باطنه بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن لأن غيره إذا نام استغرق النوم جسمه و قلبه، و هو عليه السلام في نومه حاضر القلب كما هو في يقظته حتى قد جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه، لكون قلبه يقظان كما ذكرناه، و كذلك غيره إذا جاع ضعف لذلك جسمه و حارت قوته و بطلت في الكلية حملته، و هو عليه السلام قد أخبر أنه لا يعتريه ذلك و أنه بخلافهم بقوله: لست كهيأتكم، و كذلك أقول إنه في هذه الأحوال كلها من وصب و مرض و سحر و غضب لم يجر على باطنه ما يحل به، و لا فاض منه على لسانه و جوارحه ما لا يليق به كما تعتري غيره من البشر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 326

 (الحديث الثاني)

 (1): صحيح.

السخف‏

 (2) الخفة في العقل و غيره، ذكره الجزري، و الفعل ككرم،

و ضعف عمله‏

 (3) أي بالكمية أو بالكيفية أو بهما.

 (الحديث الثالث)

 (4): ضعيف على المشهور.

و يدل على أن عظيم البلاء سبب للأجر العظيم و علامة لمحبة الرب الرحيم إذا كان في المؤمن الكريم.

 (الحديث الرابع)

 (5): كالصحيح بل أعلى من الصحيح و قد مر مضمونه.

 (الحديث الخامس)

 (6): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 327

" ما ينزل من السماء"

 (1) أي يقدر فيها

" تحفة"

 (2) أي من التحف الدنيوية و كذا البلية.

 (الحديث السادس)

 (3): مجهول و قد يعد ضعيفا.

" غته"

 (4) أي غمسه، و الباء بمعنى في، و يحتمل القهر و الغم، في النهاية فيه يغتهم الله في العذاب غتا أي يغمسهم فيه غمسا متتابعا، و منه حديث الدعاء: يا من لا يغته دعاء الداعين، أي يغلبه و يقهره، و في حديث الحوض: يغت فيه ميزابان، مدادهما من الجنة أي يدفقان فيه الماء دفقا دائما متتابعا، و في القاموس غته بالأمر كده، و في الماء غطه، و فلانا غمه و خنقه‏

" لنصبح به"

 (5) أي بالغت أو بالبلاء.

 (الحديث السابع)

 (6): ضعيف على المشهور.

في القاموس:

ثج‏

 (7) الماء سال، و ثجه أساله و في النهاية فيه: أفضل الحج العج و الثج، الثج سيلان دماء الهدي و الأضاحي، يقال: ثجه يثجه ثجا، و منه فحلب فيه ثجا أي لبنا سائلا كثيرا، و في حديث المستحاضة إني أثجه ثجا، انتهى.

و أقول: ما في هذا الخبر يحتمل أن يكون على الحذف و الإيصال، و الباء زائدة

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 328

أي ثج عليه البلاء، و يكون تسييله كناية عن شدة ألمه و حزنه، كأنه يذوب من البلاء و يسيل، أو عن توجهه إلى جناب الحق سبحانه بالدعاء و التضرع لدفعه، و قيل: أي أسال دم قلبه بالبلاء.

و أقول: في جامع الأخبار و غيره بجه بالباء الموحدة، و البج: الشق و الطعن بالرمح‏

" فإذا دعاه"

 (1) أي لدفع البلاء أو لغيره من المطالب أيضا، و في القاموس: ألب أقام كلب، و منه‏

لبيك‏

 (2) أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب، و إجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي و قصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها، أو معناه محبتي لك، من امرأة لبه محبة لزوجها، أو معناه إخلاصي لك لباب خالص.

 (الحديث الثامن)

 (3): مجهول.

" يكافأ به"

 (4) على بناء المفعول أي يجازي أو يساوي، في القاموس: كافأه مكافأة و كفاء جازاه و فلانا ماثله و راقبه، و الحمد لله كفاء الواجب، أي ما يكون مكافئا له‏

" فإذا أحب الله عبدا"

 (5) أي أراد أن يوصل الجزاء العظيم إليه و يرضى عنه و وجده أهلا لذلك‏

" ابتلاه بعظيم البلاء"

 (6) من الأمراض الجسمانية و المكاره الروحانية

" فمن رضي"

 (7) أي ببلائه و قضائه، و الظاهر أن المراد بالوصول في الموضعين أعم من العبد المحبوب المتقدم فإن العبد المحبوب لله سبحانه لا يسخط قضاءه، و يحتمل أن يكون المراد بالمحبة تعريضه للمثوبة سواء رضي أم لا

" فمن رضي فله عند الله الرضا"

 (8) أي يرضي الله عنه‏

" و من سخط القضاء فله عند الله السخط"

 (9) أي الغضب.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 329

 (الحديث التاسع)

 (1): مجهول.

" أو قال"

 (2) الشك من الراوي،

و الحسب‏

 (3) بالتحريك المقدار فمآل الروايتين واحد، قال في المصباح: قولهم: يجزي المرء على حسب عمله أي على مقداره.

 (الحديث العاشر)

 (4): مجهول.

" إنما المؤمن"

 (5) كان المعنى أن حال المؤمن في إيمانه و بلائه‏

بمنزلة كفتي الميزان‏

 (6) كما ورد الصلاة ميزان فمن وفى استوفى، و قيل: المعنى أن المؤمن ككفة الميزان في أنه كلما وضع فيه يوضع في الكفة الأخرى ما يوازنه عند الوزن، فكلما زيد في المؤمن من الإيمان زيد في الكفة الأخرى و هو الكافر الذي بلاء المؤمن بسببه، سواء كان من الإنس أو الجن فيزيد بلاؤه و أذاه للمؤمن بحسب زيادة إيمان المؤمن.

 (الحديث الحادي عشر)

 (7): حسن كالصحيح.

" أمر يحزنه"

 (8) بالضم قال في المصباح: حزن حزنا من باب تعب و الاسم الحزن بالضم فهو حزين، و يتعدى في لغة قريش بالحركة يقال: حزنني الأمر يحزنني‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 330

من باب قتل قاله تغلب و الأزهري، و في لغة تميم بالألف و مثل الأزهري باسم الفاعل و المفعول في اللغتين على بابهما، و منع أبو زيد الماضي من الثلاثي فقال: لا يقال حزنه و إنما يستعمل المضارع من الثلاثي فيقال: يحزنه، انتهى.

و قوله: يذكر به،

 (1) على بناء المفعول من التفعيل كأنه سئل عن سبب عروض ذلك الأمر فقال: يذكر به ذنوبه و التوبة منها لقوله سبحانه:" ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" و ربه القادر على دفع ذلك عنه فيتضرع لذلك، و يدعو الله لرفعه و سفالة الدنيا و دناءتها لشيوع أمثال ذلك فيها، فيزهد فيها، و الآخرة و خلوص لذاتها عن الأحزان و الكدورات فيرغب إليها، و لا يصلح القلب إصلاح الحزن شي‏ء و قد قيل إن القلب الذي لا حزن فيه كالبيت الخراب.

 (الحديث الثاني عشر)

 (2): مجهول كالحسن.

و المغيرة:

 (3) هو المغيرة بن سعيد و قد ذكر الكشي أحاديث كثيرة في لعنه، و قال العلامة قدس سره في الخلاصة: أنه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله بن الحسن، و قال رحمه الله في مناهج اليقين: القائلون بإمامة الباقر عليه السلام اختلفوا بعد موته، فالإمامية ساقوها إلى ولده الصادق عليه السلام و منهم من قال أنه لم يمت، و منهم من ساقها إلى غير ولده، فذهب بعضهم إلى أن الإمام بعد الباقر عليه السلام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، و هم أصحاب المغيرة بن سعيد، و روى الكشي عن الصادق عليه السلام أنه قال يوما: لعن الله المغيرة بن سعيد، و لعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر و الشعبذة و المخاريق إن المغيرة كذب على أبي عليه السلام فسلبه الله الإيمان، و إن قوما كذبوا علي، ما لهم أذاقهم الله حر الحديد؟

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 331

و روي أيضا عن الرضا عليه السلام أنه قال: كان المغيرة يكذب على أبي جعفر عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد، و قال في المواقف: قال مغيرة بن سعيد العجلي: الله جسم على صورة إنسان من نور، على رأسه تاج و قلبه منبع الحكمة، و لما أراد أن يخلق تكلم بالاسم الأعظم فطار فوقع تاجا على رأسه، ثم إنه كتب على كفه أعمال العباد، فغضب من المعاصي فعرق فحصل منه بحران أحدهما مالح مظلم، و الآخر حلو نير، ثم اطلع في البحر النير فأبصر فيه ظله فانتزعه فجعل منه الشمس و القمر، أفنى الباقي من الظل نفيا للشريك، ثم خلق الخلق من البحرين فالكفار من المظلم، و المؤمنين من النير ثم أرسل محمدا و الناس في ضلال، و عرض الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان و هو أبو بكر بأمر عمر بشرط أن يجعل الخلافة بعده له، و قوله تعالى:" كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ" نزلت في أبو بكر و عمر، و الإمام المنتظر هو زكريا بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي و هو حي في جبل حاجر إلى أن يؤمر بالخروج، و قتل المغيرة، فقال بعض أصحابه بانتظاره و بعضهم بانتظار زكريا، انتهى.

و قيل: هو المغيرة بن سعد و كان يلقب بالأبتر فنسبت إليه البترية من الزيدية و لم أدر من أين أخذه.

" فقال إن كان لغافلا"

 (1) إن مخففة من المثقلة،

و صاحب ياسين‏

 (2) هو حبيب النجار و إنذاره إشارة إلى قوله تعالى:" وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ" و هذه القرية هي إنطاكية في قول المفسرين" إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ" أي رسولين من رسلنا" فَكَذَّبُوهُما" أي الرسولين، قال ابن عباس: ضربوهما و سجنوهما" فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ" أي فقوينا و شددنا ظهورهما برسول ثالث، قيل: كان اسم الرسولين شمعون و يوحنا و الثالث بولس، و قال ابن عباس و كعب: صادق و صدوق،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 332

و الثالث سلوم، و قيل: إنهم رسل عيسى و هم الحواريون، و إنما أضافهم إلى نفسه لأن عيسى عليه السلام أرسلهم بأمره" فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ، قالُوا" يعني أهل القرية" ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا" فلا تصلحون للرسالة كما لا تصلح نحن لها" وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ، قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ".

إلى قوله تعالى:" وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى‏" و كان اسمه حبيب النجار عن ابن عباس و جماعة من المفسرين، و كان قد آمن بالرسل عند ورودهم القرية، و كان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل و هموا بقتلهم جاء يعدو و يشتد" قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" الذين أرسله الله إليكم و أقروا برسالتهم، قالوا: و إنما علم هو نبوتهم لأنهم لما دعوه قال:

أ تأخذون على ذلك أجرا؟ قالوا: لا، و قيل: إنه كان به زمانة أو جذام فأبرءوه فآمن بهم عن ابن عباس" اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَ هُمْ مُهْتَدُونَ، وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَ لا يُنْقِذُونِ، إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ" أي فاسمعوا قولي و اقبلوه.

و قيل: إنه خاطب بذلك الرسل أي فاسمعوا ذلك حتى تشهدوا لي به عند الله عن ابن مسعود، قال: ثم أن قومه لما سمعوا ذلك القول منه وطئوه بأرجلهم حتى مات فأدخله الله الجنة و هو حي فيها يرزق، و هو قوله:" قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ" و قيل: رجموه حتى قتلوه، و قيل: إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة و لا يموت إلا بفناء الدنيا و هلاك الجنة عن الحسن و مجاهد، و قالا:

إن الجنة التي دخلها يجوز هلاكها، و قيل: إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 333

و أدخله الجنة، فلما دخلها" قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ". و في تفسير الثعلبي بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب عليه السلام، و صاحب ياسين، و مؤمن آل فرعون، فهم الصديقون و علي أفضلهم، كل ذلك ذكره الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان.

و الأخبار الطويلة الواردة في قصصهم أوردتها في الكتاب الكبير.

" إنه كان مكنعا"

 (1) في أكثر النسخ بالنون المشددة المفتوحة، و في بعضها بالتاء و في القاموس كنع كمنع كنوعا انقبض و انضم أصابعه ضربها فأيبسها، و كفرح يبس و تشنج و لزم، و شيخ كنع ككتف شنج، و الكنيع المكسور اليد، و الأكنع الأشل و كمعظم و مجمل المقفع اليد، أي متشنجها أو المقطوعها و كنع يده أشلها و قال: كنع كمنع انقبض و انضم، و الأكنع من رجعت أصابعه إلى كفه و ظهرت رواجيه.

و أقول: كأنه كان الجذام سببا لتكنيع أصابعه و كان هذا الداء أيضا مذكورا في الأدواء التي نفاها عن المؤمن، أو الغرض بيان أن الابتلاء بالأدواء العظيمة الشنيعة لا ينافي كمال الإيمان، و قيل: كانت أصابعه سقطت من الجذام فأشار عليه السلام بضم أصابعه إلى كفه إلى ذلك.

" ثم رد أصابعه"

 (2) هذا من كلام الراوي أي رد عليه السلام أصابعه إلى كفه إشارة إلى تكنيعه‏

" فقال كأني أنظر إلى تكنيعه"

 (3) أي أعلم ذلك و كيفيته بعين اليقين‏

" أتاهم"

 (4) أي حبيب‏

" فأنذرهم"

 (5) و خوفهم عقاب الله على ترك اتباع الرسل، بما حكى الله تعالى عنه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 334

و ربما يتوهم التنافي بين هذا الخبر و بين ما سيأتي في الروضة عن الصادق عليه السلام أنه إذا بلغ المؤمن أربعين سنة أمنه الله من الأدواء الثلاثة: البرص و الجذام و الجنون، و يمكن أن يجاب بأنه محمول على الغالب، فلا ينافي الابتلاء بعد الأربعين نادرا مع أنه يمكن أن يكون ابتلاء المؤمن قبل الأربعين و أيضا الخبر ليس بصريح في ابتلائه بالجذام، و الميتة بالكسر للحال و الهيئة، و يدل على أن قاتل نفسه ليس بمؤمن سواء قتلها بحربة أو بشرب السم أو بترك الأكل و الشرب أو ترك مداواة جراحة أو مرض علم نفعها، أما لو أحرق العدو السفينة فألقى من فيها نفسه في البحر فمات، فالظاهر أيضا أنه داخل في هذا الحكم، خلافا لبعض العامة فإنه أخرجه منه لأنه فر من موت إلى موت و هو ضعيف، و ربما يحمل على من استحل قتل نفسه، و الظاهر أن المراد بالمؤمن الكامل.

 (الحديث الثالث عشر)

 (1): صحيح.

" من الله"

 (2) أي بالنسبة إليه‏

" ثلاثا"

 (3) أي قال هذا الكلام ثلاث مرات‏

" نفسه عضوا عضوا"

 (4) أي روحه من بدنه بالتدريج، و قيل: أراد يقطع بدنه عضوا عضوا فكلما قطع منه عضو سلب منه الروح، و قال بعضهم: النفس بضم النون و الفاء جمع نفيس، أي يقطع أعضاءه النفيسة بالجذام، و لا يخفى ما فيه و الأول أظهر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 335

 (الحديث الرابع عشر)

 (1): صحيح.

و يدل على أن بعض درجات الجنة يمكن البلوغ إليها بالعمل و السعي، و بعضها لا يمكن الوصول إليها إلا بالابتلاء في الجسد فيمن الله تعالى على من أحب من عباده بالابتلاء ليصلوا إليها.

 (الحديث الخامس عشر)

 (2): مجهول.

" و كان مسقاما"

 (3) هذا كلام أبي يحيى و ضمير كان عائد إلى عبد الله، و المسقام بالكسر الكثير السقم و المرض‏

" إنه قرض"

 (4) على بناء المفعول بالتخفيف أو بالتشديد للتكثير و المبالغة، و في المصباح: قرضت الشي‏ء قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراضين‏

و المقراض‏

 (5) أيضا بكسر الميم و الجمع مقاريض، و لا يقال إذا جمع بينهما مقراض كما تقوله العامة، و إنما يقال عند اجتماعهما قرضته قرضا من باب قطعته بالمقراضين، و في الواحد قطعته بالمقراض.

 (الحديث السادس عشر)

 (6): ضعيف على المشهور.

" منذ كانوا"

 (7) تامة، و في شدة خبر لم يزالوا

" إلى مدة قليلة"

 (8) أي إلى انتهاء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 336

مدة قليلة هي العمر، و ينتهي إلى عافية طويلة في البرزخ و الآخرة و قيل: إلى بمعنى مع.

 (الحديث السابع عشر)

 (1): مرسل.

و في القاموس تعهده و

تعاهده‏

 (2) تفقده و أحدث العهد به، و قال:

حمى‏

 (3) المريض ما يضره منعه إياه فاحتمى و تحمى امتنع، و أقول: وجه الشبه في الفقرتين في المشبه و إن كان أقوى لكن المشبه به عند الناس أظهر و أجلى.

 (الحديث الثامن عشر)

 (4): مجهول.

" من هزاهز الدنيا"

 (5) أي الفتن و البلايا التي يهتز فيها الناس،

و العمى‏

 (6) عمى القلب الموجب للجهل بالله، و التنفر عن الحق، و البعد عن لوازم الإيمان، و كل ذلك يوجب‏

الشقاء

 (7) و التعب في الآخرة.

 (الحديث التاسع عشر)

 (8): حسن كالصحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 337

 (الحديث العشرون)

 (1): مرفوع.

" فتقع"

 (2) أي فوقعت، و استعمال المضارع في الماضي في أمثال هذه المواضع شائع‏

" ما رزئت شيئا"

 (3) أي ما نقصت، في القاموس رزأه ماله كجعله و علمه رزءا بالضم أصاب منه شيئا كارتزأه ماله، و رزأه الشي‏ء نقصه، و الرزيئة المصيبة و ما رزئته بالكسر ما نقصته، و في النهاية في حديث سراقة فلم يزرءاني شيئا أي لم يأخذا مني شيئا، يقال: رزأته أرزأه، و أصله النقص، فقوله: رزئت على بناء المجهول، و ضمير المتكلم نائب مناب الفاعل، و شيئا مفعوله الثاني، و كذا لم يرزأ على بناء المجهول، و مفعوله الثاني محذوف‏

" فما لله فيه من حاجة"

 (4) استعمال الحاجة في الله سبحانه مجاز، و المراد أنه ليس من خلص المؤمنين، و ممن أعده الله لهداية الخلق و لعبادته و معرفته، فإن نظام العالم لما كان بوجود هؤلاء فكأنه محتاج إليهم في ذلك، أو أنهم لما كانوا من حزب الله و عبدته حقيقة و أنصار دينه فكأنه سبحانه محتاج إليهم، كما أن سائر الخلق محتاجون إلى مثل ذلك، أو المراد حاجة الأنبياء و الأوصياء إليهم في ترويج الدين، و نسب ذلك إلى ذاته تعظيما لهم، كما ورد في قوله تعالى:

" إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ" و" ما ظَلَمُونا" و أمثالهما و قد مر ذلك مشروحا، أو أنه تعالى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 338

لما طلب من عباده العبادات بالأوامر و غيرها كطلب ذي الحاجة ما يحتاج إليه فاستعملت الحاجة فيه مجازا، أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به، و ترك الإقبال عليه لأن اللطف و الإقبال منا لازمان للحاجة فنفى الملزوم و أراد نفي اللازم، و الوجوه متقاربة.

و إنما امتنع صلى الله عليه و آله و سلم من طعامه لأن ما ذكره كان من صفات المستدرجين، و من لا خير فيه لا خير في طعامه، و المال الذي لم ينقص منه شي‏ء ملعون كالبدن، و قد قال صلى الله عليه و آله و سلم: ملعون كل مال لا يزكي، ملعون كل بدن لا يزكى، مع أنه يمكن أن يكون علم صلى الله عليه و آله و سلم من تقريره أنه لا يؤدي الحقوق الواجبة أيضا، و أيضا لما كانت الخصلة التي ذكرها صاحب الطعام مرغوبة بالطبع لسائر الخلق أراد صلى الله عليه و آله المبالغة في ذمها لئلا ترغب الصحابة فيها، و ليعلموا أنها ليست من صفات المؤمنين.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (1): موثق كالصحيح.

" فيمن ليس له"

 (2) أي لله و إرجاعه إلى المؤمن كما زعم بعيد، و الظاهر أن المراد

بالنصيب‏

 (3) الناقص الذي وقع بقضاء الله و قدره في ماله أو بدنه بغير اختياره، و يحتمل شموله للاختياري أيضا، كأداء الحقوق المالية و إبلاء البدن بالطاعة.

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (4): ضعيف.

" و لا يبتليه بذهاب عقله"

 (5) لأن فائدة الابتلاء التصبر و التذكر و الرضا و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 339

نحوها، و لا يتصور شي‏ء من ذلك بذهاب العقل و فساد القلب، فلا ينافي ذهاب العقل لا لغرض الابتلاء، على أن الموضوع هو المؤمن و المجنون لا يتصف بالإيمان، كذا قيل، لكن ظاهر الخبر أن المؤمن الكامل لا يبتلي بذلك و إن لم يطلق عليه في تلك الحال اسم الإيمان، و كان بحكم المؤمن، و يمكن أن يكون هذا غالبيا فإنا نرى كثيرا من صلحاء المؤمنين يبتلون في أواخر العمر بالخرافة و ذهاب العقل، أو يخص بنوع منه، و الوجه الأول لا يخلو من وجه.

" و على كل شي‏ء منه"

 (1) ظاهره تسلطه على جميع أعضائه و قواه سوى عقله، و قد يأول بتسلطه على بيته و أثاث بيته و أمثال ذلك، و أحبائه و أصدقائه.

و أقول: قد ورد ما يؤيد هذه الرواية بطريق كثيرة أكثرها صحيحة أو معتبرة قد أوردتها في الكتاب الكبير، منها: ما رواه الصدوق (ره) في كتاب علل الشرائع بسند حسن كالصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما كانت بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لنعمة أنعم بها عليه فأدى شكرها، و كان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش، فلما صعد عمل أيوب بأداء شكر النعمة حسده إبليس، فقال: يا رب إن أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا فلو حلت بينه و بين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة، فسلطني على دنياه تعلم أنه لا يؤدى شكر نعمة، فقال: قد سلطتك عليه، فلم يدع له دنيا و لا ولدا إلا أهلك كل ذلك و هو يحمد الله عز و جل، ثم رجع إليه فقال: يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد عليه دنياه التي أخذتها منه، فسلطني على بدنه حتى تعلم أنه لا يؤدى شكر نعمة، قال عز و جل: سلطتك على بدنه ما عدا عينيه و قلبه و لسانه و سمعه، فقال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 340

أبو بصير: قال أبو عبد الله عليه السلام: فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمة الله عز و جل فيحول بينه و بينه فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا.

و روي أبسط من ذلك بسند معتبر عن أبي بصير أيضا عن الكاظم عليه السلام.

و روى علي بن إبراهيم أيضا في تفسيره عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام حديثا طويلا في ذلك إلى أن قال: فسلطه على بدنه ما خلا عقله و عينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه، فبقي في ذلك دهرا يحمد الله و يشكره حتى وقع في بدنه الدود، و كانت تخرج من بدنه فيردها و يقول لها: ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه و نتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية و القوة في المزبلة خارج القرية.

و الجمع بينها و بين ما ورد في خبر الكافي من استثناء العقل فقط، بحمل ما في الكافي على العقل و ما يتبعه و يقويه، و هذه المشاعر من آلات العقل و أدواته فالتسليط عليها تسليط على العقل أيضا.

ثم أن للمتكلمين في تلك الأخبار شبه، منها: ما ذكره السيد الأجل المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه الأنبياء: فإن قيل: فما قولكم في الأمراض و المحن التي لحقت نبي الله أيوب عليه السلام؟ أو ليس قد نطق القرآن أنها كانت جزاء على ذنب في قوله" أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ" و العذاب لا يكون إلا جزاء كالعقاب، و الآلام الواقعة على سبيل الامتحان لا يسمى عذابا و لا عقابا، أو ليس قد روى جميع المفسرين أن الله تعالى إنما عاقبه بذلك البلاء لتركه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قصته مشهورة يطول شرحها؟

الجواب: قلنا: أما ظاهر القرآن فليس يدل على أن أيوب عليه السلام عوقب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 341

بما نزل به من المضار و ليس في ظاهره شي‏ء مما ظنه السائل لأنه تعالى قال:" وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى‏ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ" و النصب هو التعب، و فيه لغتان فتح النون و الصاد، و ضم النون و تسكين الصاد، و التعب هو المضرة التي لا تختص بالعقاب و قد تكون على سبيل الاختبار و الامتحان، فأما العذاب فهو أيضا يجري مجرى المضار التي لا يخص إطلاق ذكرها بجهة دون جهة، و لهذا يقال للظالم المبتدي بالظلم أنه معذب و مضر و مؤلم، و ربما قيل: معاقب على سبيل المجاز، و ليس لفظة العذاب بجارية مجرى لفظة العقاب لأن لفظة العقاب يقتضي بظاهرها الجزاء لأنه من التعقيب و المعاقبة، و لفظة العذاب ليست كذلك.

فإما إضافته ذلك إلى الشيطان و إنما ابتلاه الله تعالى به؟ فله وجه صحيح لأنه لم يضف المرض و السقم إلى الشيطان و إنما أضاف إليه ما كان يستضر به من وسوسته و يتعب به من تذكيره له ما كان فيه من النعم و العافية و الرخاء و دعائه له إلى التضجر و التبرم بما هو عليه، و لأنه كان أيضا يوسوس إلى قومه بأن يستقذروه و يتجنبوه لما كان عليه من الأمراض البشعة المنظر، و يخرجوه من بينهم و كل هذا ضرر من جهة اللعين إبليس، و قد روي أن زوجته عليه السلام كانت تخدم الناس في منازلهم و تصير إليه بما يأكله و يشربه، و كان الشيطان يلقي إليهم أن داءه يعدي و يحسن إليهم تجنب خدمة زوجته من حيث كانت تباشر قروحه و تمس جسده، و هذه مضار لا شبهة فيها.

فأما قوله تعالى في سورة الأنبياء:" وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى‏ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى‏ لِلْعابِدِينَ" فلا ظاهر لها أيضا يقتضي ما ذكروه لأن الضر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 342

هو الضرر الذي قد يكون محنة كما يكون عقوبة.

فأما ما روي في هذا الباب عن جملة المفسرين فمما لا يلتفت إلى مثله لأن هؤلاء لا يزالون يضيفون إلى ربهم تعالى و إلى رسله عليهم السلام كل قبيح و يقرفونهم بكل عظيم، و في روايتهم هذه السخيفة ما إذا تأمله المتأمل علم أنه موضوع باطل ممنوع، لأنهم رووا أن الله تعالى سلط إبليس على مال أيوب عليه السلام و غنمه و أهله، فلما أهلكهم و دمر عليهم و رأى صبره و تماسكه قال إبليس لربه: يا رب إن أيوب قد علم أنه ستخلف عليه ماله و ولده فسلطني على جسده، فقال: قد سلطتك على جسده إلا قلبه و بصره، قال: فأتاه فنفخه من لدن قرنه إلى قدمه، فصار قرحة واحدة فقذف على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين و أشهرا، تختلف الدواب في جسده، إلى شرح طويل تصون كتابنا عن ذكر تفصيله، فمن يقبل عقله هذا الجهل و الكفر كيف يوثق بروايته؟ و من لا يعلم أن الله تعالى لا يسلط إبليس على خلقه و أن إبليس لا يقدر على أن يقرح الأجساد، و لا أن يفعل الأمراض كيف يعتمد على روايته؟

فأما هذه الأمراض النازلة بأيوب عليه السلام فلم يكن إلا اختبارا و امتحانا و تعريضا للثواب بالصبر عليها، و العوض العظيم النفيس في مقابلتها، و هذه سنة الله في أصفيائه و أوليائه، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال- و قد سئل أي الناس أشد بلاء؟- فقال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس.

فظهر من صبره على محنته و تماسكه ما صار إلى الآن مثلا حتى روي أنه كان في خلال ذلك كله شاكرا محتسبا ناطقا بما له فيه المنفعة و الفائدة و أنه ما سمعت له شكوى، و لا تفوه بتضجر و تبرم فعوضه الله تعالى مع نعيم الآخرة العظيم الدائم أن رد عليه ماله أهله، و ضاعف عددهم في قوله تعالى:" وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 343

مَعَهُمْ" و في سورة ص" وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ" ثم مسح ما به و شفاه و عافاه و أمره على ما وردت به الرواية يركض برجله الأرض، فظهرت عين اغتسل منها فتساقط ما كان على جسده من الداء، قال الله:" ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ" و الركض هو التحريك، و منه ركضت الدابة، انتهى كلامه.

و أقول: لا أعرف وجها لهذا الإنكار الفظيع و الرد الشنيع لتلك الرواية، و لا أعرف فرقا بين ما صدر من أشقياء الإنس بالنسبة إلى الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام حيث خلاهم الله سبحانه مع إرادتهم بمقتضى حكمته الكاملة و لم يمنعهم قهرا عن مثل هذا الظلم العظيم، و بين ما نقل من تسليط إبليس في تلك الواقعة، و الجواب مشترك؟ نعم لا يجوز أن يسلط الشيطان على أديانهم كما دلت عليه الآيات و الروايات، و أما الأبدان فلم يقم دليل على نفي تسلطه في بعض الأحيان لضرب من المصلحة، كيف لا و هو الذي يغري الأشرار على قتل الأخيار و إيلامهم بأنواع المضار، و أيضا أي دليل قام على امتناع قدرة إبليس على فعل يوجب تقريح الأجساد و حدوث الأمراض؟ و أي فرق بين الإنس و الجن في ذلك؟ نعم لو قيل بعدم ثبوت بعض الخصوصيات من جهة الأخبار لكان له وجه، لكن الحكم بنفيها بمجرد الاستبعاد غير موجه.

و منها: أنها منافية لما مر من عدم ابتلاء الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام بالأمراض المنفرة؟

قال السيد رضي الله عنه في الكتاب المذكور: فإن قيل: أ فتصححون ما روي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 344

من أن الجذام أصابه حتى تساقطت أعضاؤه؟ قلنا: أما العلل المستقذرة التي تنفر من رآها و توحشه كالبرص و الجذام فلا يجوز شي‏ء منها على الأنبياء عليهم السلام لما تقدم ذكره في صدر هذا الكتاب، لأن النفور ليس يواقف على الأمور القبيحة، بل قد يكون من الحسن و القبيح معا، و ليس ننكر أن تكون أمراض أيوب عليه السلام و أوجاعه و محنته في جسمه ثم في أهله و ماله بلغت مبلغا عظيما يزيد في الغم و الألم، على ما ينال المجذوم، و ليس ننكر تزايد الألم فيه عليه السلام و إنما ننكر ما اقتضى التنفير، انتهى.

و أقول: يدل على ذلك ما رواه الصدوق (ره) في كتاب الخصال بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: إن أيوب عليه السلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب، و إن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون، و لا يذنبون و لا يزيغون و لا يرتكبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا، و قال عليه السلام: إن أيوب مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة و لا قبحت له صورة، و لا خرجت عنه مدة من دم و لا قيح و لا استقذره أحد رآه، و لا استوحش منه أحد شاهده و لا تدود شي‏ء من جسده، و هكذا يصنع الله عز و جل لجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه، و إنما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد و الفرج و قد قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، و إنما ابتلاه الله عز و جل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه، و ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين استحقاق و اختصاص، و لئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه، و لا فقيرا لفقره، و لا مريضا لمرضه، و ليعلموا أنه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 345

يسقم من يشاء و يشفي من يشاء متى شاء، كيف شاء، بأي سبب شاء، و يجعل ذلك عبرة لمن شاء و سعادة لمن شاء، و هو عز و جل في جميع ذلك عدل في قضائه و حكيم في أفعاله، لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم، و لا قوة لهم إلا به.

و أقول: هذا الخبر أوفق بأصول متكلمي الإمامية، فالأخبار الأخر يمكن حملها على التقية موافقة للعامة فيما رووه، لكن إقامة الدليل على نفي ذلك عنهم مطلقا و لو بعد ثبوت نبوتهم و حجيتهم لا تخلو من إشكال، لاحتمال أن يكون ذلك ابتلاء للأمة و تشديدا للتكليف عليهم، مع أن الأخبار الدالة على ثبوتها أكثر و أصح.

و سيأتي رواية الكليني بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له:" فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" فقال: يا با محمد تسلطه و الله على المؤمن على بدنه، و لا يسلط على دينه، و قد سلط على أيوب عليه السلام فشوه خلقه و لم يسلط على دينه و قد يسلط من المؤمنين على أبدانهم و لا يسلط على دينهم، قلت: قوله تعالى:

" إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ" قال: الذين هم بالله مشركون يسلط على أبدانهم و على أديانهم.

و أقول: هذا ينفع في المقام الأول أيضا، و بالجملة للتوقف فيهما مجال، و الله أعلم بحقيقة الحال.

ثم اعلم أنه أول بعضهم تسليط إبليس على ماله في هذا الخبر بأن أغرى الظلمة على نهبها و غصبها منه، و على أولاده بأن أغرى الفسقة و الكفرة على قتلهم، و على أهله بأن أغواهم بأن تنفروا منه و على كل شي‏ء منه بأن أنهب أثاث بيته و أغرى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 346

أحباءه على تركه و النفرة عنه، و لا يخفى بعد الجميع، و قد علمت حقيقة الحال في جميع ذلك بعون الله.

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (1): موثق كالصحيح.

" بذهاب ماله"

 (2) بكسر اللام و قد يقرأ بالفتح، و على الأول يمكن أن يكون على المثال فيشمل ذهاب ولده و أهله و أقاربه و أشباه ذلك، و المراد بالعبد المؤمن الخالص الذي يحبه الله.

 (الحديث الرابع و العشرون)

 (3): حسن.

" لو لا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه"

 (4) كان مفعول الوجدان محذوف أي شكا أو حزنا شديدا أو يكون الوجد بمعنى الغضب أو بمعنى الحزن فقوله: في قلبه، للتأكيد أي وجدا مؤثرا في قلبه باقيا فيه، في المصباح: وجدته أجده وجدانا بالكسر و وجدت عليه موجدة في الغضب، و وجدت به في الحزن وجدا بالفتح، انتهى.

و العصابة

 (5) بالكسر ما يشد على الرأس و العمامة و العصب الطي الشديد، و عصب رأسه بالعصابة و عصب أيضا بالتشديد أي شدة بها، و الصداع كغراب وجع الرأس يقال: صدع على بناء المفعول من التفعيل و جوز في الشعر التخفيف، و ذكر الرأس هنا على التجريد، و العصب بالحديد كناية عن حفظه مما يؤلمه و يؤذيه، و تخصيص الرأس لأن أكثر الأمراض العظيمة ينشأ منه و أكثر القوي فيه، و ذكر الصاع لأنه أقل مراتب الآلام و الأوجاع و أخفها، أي فكيف ما فوقه،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 347

و يحتمل كون تخصيص الرأس لذلك، و الحاصل أنه لو لا مخافة انكسار قلب المؤمن أو ضعف يقينه لما يراه على الكافر من العافية المستمرة لقويت الكافر و صححت جسمه حتى لا يرى وجعا و ألما في الدنيا أبدا.

و قيل: تعصب الرأس كناية عن وضع تاج السلطنة على رأسه، و ذكر الحديد كناية عن شدة ملكه بحيث لا تحصل فيه ثلمة، و لا يخفى بعده، و فيه إشارة إلى قوله سبحانه:" لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً" قال الطبرسي (ره): أي لو لا أن يجتمع الناس على الكفر فيكونوا كلهم كفارا على دين واحد لميلهم إلى الدنيا و حرصهم عليها" لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ" فالسقف إذا كان من فضة فالحيطان من فضة" وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ" أي و جعلنا درجا و سلاليم من فضة لتلك السقف عليها يعلون و يصعدون" وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها" أي على السرر" يَتَّكِؤُنَ، وَ زُخْرُفاً" أي ذهبا أي و جعلنا لهم مع ذلك ذهبا، و قيل: زخرف النقوش، و قيل: هو الفرش و متاع البيت، و المعنى لأعطي الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها لقلتها و حقارتها عنده، و لكنه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة" وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ" خاصة لهم.

 (الحديث الخامس و العشرون)

 (1): حسن كالصحيح.

و قد مر معنى‏

خامة الزرع‏

 (2) في باب أن المؤمن صنفان، و الفرق بين التشبيه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 348

هنا و بين ما سبق حيث شبه هناك بعض المؤمنين بها، و هيهنا جميعهم بها هو أنه شبه المعاصي هناك بالريح، و هيهنا شبه البلايا و الأمراض بها

" تكفئها"

 (1) بالهمز أي تقلبها، في القاموس: كفئه كمنعه صرفه و كبه و قلبه كاكفاه، و قال:

الإرزبة

 (2) و المرزبة مشددتان، أو الأولى فقط: عصية من حديد، و حتى في‏

قوله: حتى يأتيه الموت،

 (3) متعلق بالجار و المجرور في قوله: كمثل الأرزبة، و في المصباح:

قصفت‏

 (4) العود قصفا فانقصف، مثل كسرته فانكسر لفظا و معنى.

و مثل هذه الرواية رواها مسلم في صحيحه بإسناده عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح تصرفها مرة و تعدلها أخرى حتى يأتيه أجله، و مثل المنافق مثل الأرزة المجذية التي لا يصيبها شي‏ء حتى يكون انجعافها مرة واحدة، و في رواية أخرى مثل الكافر.

قال عياض: الخامة هي الزرع أول ما ينبت و معنى تكفئها بضم التاء تميلها الريح، و تلقيها بالأرض كالمصروع، ثم تقيمه يقوم على سوقه، و معنى المجذية الثابتة، يقال أجذى يجذي، و الانجعاف الانقطاع يقال: جعفت الرجل صرعته، و قال محيي الدين: الأرزة بفتح الهمزة و سكون الراء شجر معروف بالشام، و يسمى بالعراق الصنوبر، و الصنوبر إنما هو ثمره، و سمي الشجر باسم ثمره.

و حكى الجوهري في" راء" الأرزة بالفتح، و قال بعضهم: هي الآرزة بالمد و كسر الراء على وزن فاعلة، و أنكره أبو عبيد، و قال أهل اللغة الآرزة بالمد النابتة و هذا المعنى صحيح هيهنا، فإنكار أبو عبيد إنكار الرواية لا إنكار اللغة، و قال أبو- عبيد: شبه المؤمن بالخامة التي تميلها الريح لأنه يرزأ في نفسه و ماله، و شبه الكافر بالأرزة لأنه لا يرزأ في شي‏ء حتى يموت، و إن رزأ لم يؤجر حتى يلقى الله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 349

بذنوب جمة.

 (الحديث السادس و العشرون)

 (1): ضعيف.

" ملعون كل مال لا يزكي"

 (2) قال الشيخ البهائي (ره): أي بعيد عن الخير و البركة، يعني لا خير فيه لصاحبه و لا بركة، و يجوز أن يراد ملعون صاحبه على حذف مضاف، أي مطرود مبعد من رحمة الله تعالى، و قس عليه‏

قوله عليه السلام: ملعون كل جسد لا يزكى‏

 (3) و ذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة و يجوز أن يكون استعارة تبعية، و وجه الشبه أن كلا منهما و إن كان نقصا بحسب الظاهر إلا أنه موجب لمزيد الخير و البركة في نفس الأمر

" فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه"

 (4) لأنهم ظنوا أن مراده صلى الله عليه و آله و سلم بالآفة العاهة و البلية الشديدة التي كثيرا ما يخلو عنهما الإنسان سنين عديدة فضلا عن أربعين يوما.

" قال بلى"

 (5) أقول: كأنه جواب عن سؤال مقدر كان القوم قالوا: أ لا تفسره لنا؟ قال: بلى، و صحف بعض الأفاضل فقرأ بلى‏

الرجل‏

 (6) مصدرا مضافا إلى الرجل، أي خلقه، كان البلايا تبلى الجسد و تخلقها و

" يخدش"

 (7) صفة الرجل لأن اللام للعهد الذهني و لا يخفى ما فيه، و قال الشيخ المتقدم ذكره قدس سره: يخدش بالبناء للمفعول، و كذا ينكب، و

الخدشة

 (8) تفرق اتصال في الجلد من ظفر و نحوه، سواء خرج معه الدم أو لا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 350

و أقول:

النكبة

 (1) أن يقع رجله على الحجارة و نحوها، أو يسقط على وجهه أو أصابته بلية خفيفة من بلايا الدهر، في القاموس: النكب الطرح و نكب الإناء هراق ما فيه، و الكنانة نثر ما فيها، و الحجارة رجله لتمتها أو أصابتها فهو منكوب، و نكب و به طرحه، و النكبة بالفتح المصيبة و نكبة الدهر نكبا و نكبا بلغ منه أو أصابه بنكبة، و في النهاية: و قد نكب بالحرة أي نالته حجارتها و أصابته، و منه النكبة و هي ما يصيب الإنسان من الحوادث، و منه الحديث: أنه نكبت إصبعه أي نالته الحجارة

" و يعثر العثرة"

 (2) في القاموس: العثرة المرة من العثار في المشي.

و قال الشيخ (ره): المراد بها عثرة الرجل، و يجوز أن يراد بها ما يعم عثرة اللسان أيضا لكنه بعيد.

" و يشاك الشوكة"

 (3) يقال: شاكته الشوكة تشوكه إذا دخلت في جسده و انتصاب الشوكة بالمفعولية المطلقة كانتصاب الخدشة و النكبة و العثرة، فإن قلت:

تلك مصادر بخلاف الشوكة فكيف يكون مفعولا مطلقا؟ قلت: قد يجي‏ء المفعول المطلق غير مصدر إذا لابس المصدر بالآلية و نحوها، نحو ضربته سوطا و إن أبيت فاجعل انتصابها بنزع الخافض أي يشاك بالشوكة.

أقول: و في القاموس شاكته الشوكة دخلت في جسمه و شكته أنا أشوكه و أشكته أدخلتها في جسمه و شاك يشاك شاكة و شيكة بالكسر وقع في الشوك، و الشوكة خالطها و ما أشاكه شوكة و لا شاكة بها ما أصابه، انتهى.

فعلى بعض الوجوه يمكن أن يكون الشوكة مفعولا ثانيا من غير تقدير، و قال (ره):

و ما أشبه هذا

 (4) يحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أن يكون من كلام الراوي.

أقول: الظاهر أنه من كلام الصادق عليه السلام إلى آخر الخبر، و ضمير حديثه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 351

راجع إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قال قدس سره: عد صلى الله عليه و آله و سلم اختلاج العين من جملة الآفات لأن الاختلاج مرض من الأمراض، و قد ذكره الأطباء و هو حركة سريعة متواترة غير عادية يعرض لجزء من البدن كالجلد و نحوه بسبب رطوبة غليظة لزجة تنحل فتصير ريحا بخاريا غليظا يعسر خروجه من المسام، و تزاول الدافعة دفعة فتقع بينهما مدافعة و اضطراب.

 (الحديث السابع و العشرون)

 (1): موثق كالصحيح.

" و هل كتب البلاء إلا على المؤمن"

 (2) أي غالبا.

 (الحديث الثامن و العشرون)

 (3): حسن كالصحيح.

و كلمة

لو

 (4) في الموضعين شرطية امتناعية و

" أعطاه"

 (5) جزاء أي لو سأل المؤمن الجنة أعطاه لكن لا يسأله ذلك لأنه يعلم عدم المصلحة في ذلك، أو يحب الشركاء فيها، و لا يطلب التفرد مع أنه يمكن أن يعطيه ما هو جنة بالفعل، و يخلق أمثالها و أضعافها لغيره، و أما الكافر فإنه أيضا لا يسأل جميع الدنيا لأنه لا يؤمن بالله و سعة قدرته، بل يعد ذلك ممتنعا، و قيل: لأنه ممتنع أن يسأل الله لأنه سبحانه لا يدرك بالكنه و لا بالشخص، بل معرفته منحصرة في أن يعرف بصفات الربوبية و الكافر لا يعرفه كذلك و إليه يشير قوله تعالى:" أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 352

و" انتقص"

 (1) يكون لازما و متعديا، و المراد هنا الثاني، في القاموس: نقص لازم متعد و أنقصه و انتقصه و نقصه نقصه فانتقص، و قيل: شيئا، قائم مقام المفعول المطلق في الموضعين بمعنى انتقاصا، و في المصباح:

الطرفة

 (2) ما يستطرف أي يستملح و الجمع طرف، مثل غرفة و غرف، و في القاموس: أطرف فلانا أعطاه ما لم يعطه أحد قبله، و الاسم الطرفة بالضم.

 (الحديث التاسع و العشرون)

 (3): حسن أو موثق.

" و ذلك أن الله تعالى.".

 (4) أقول: دفع لما يتوهم من أن المؤمن لكرامته على الله كان ينبغي أن يكون بلاؤه أقل، و المعنى أن المؤمن لما كان محل ثوابه الآخرة لأن الدنيا لفنائه و انقطاعه لا يصلح أن يكون ثوابا له فينبغي أن لا يكون له في الدنيا إلا ما يوجب الثواب في الآخرة، و كذا الكافر لما كانت عقوبته في الآخرة لأن الدنيا لانقطاعها لا يصلح أن تكون عقوبته فيها فلا يبتلى في الدنيا كثيرا، بل إنما يكون ثوابه لو كان له عمل في الدنيا بدفع البلاء و السعة في النعماء، و في القاموس:

القرار

 (5) و القرارة:

ما قر فيه و المطمئن من الأرض، شبه عليه السلام البلاء النازل إلى المؤمن بالمطر النازل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 353

إلى الأرض، و وجه الشبه متعدد و هو السرعة، و الاستقرار بعد النزول و كثرة النفع و التسبب للحياة فإن البلاء للمؤمن سبب للحياة الأرضية.

 (الحديث الثلاثون)

 (1): مجهول.

و الظاهر أن الآثار التي‏

ظهرت بوجهه‏

 (2) كان برصا، و يحتمل الجذام و على الأول ذكر المؤمن لبيان أنه إذا جاز ابتلاء المؤمن بالجذام جاز ابتلاؤه بالبرص بطريق أولى، لأن الجذام أشد و أخبث، و أما ذكر مؤمن آل فرعون في هذا الخبر فلعله من اشتباه الرواة أو النساخ لأن الآية المذكورة إنما هي في قصة آل ياسين كما مر في هذا الباب أيضا و ربما يوجه بوجهين: أحدهما: أن المراد

بالفرعون‏

 (3) هنا فرعون عيسى عليه السلام و هو الجبار الذي كان بالأنطاكية حين و رده رسل عيسى عليه السلام و الفرعون يطلق على كل جبار متكبر، نعم شاع إطلاقه على ثلاثة: فرعون الخليل و اسمه سنان، و فرعون يوسف و اسمه الريان بن الوليد، و فرعون موسى و اسمه الوليد بن مصعب، و إضافته إلى آل فرعون عيسى بأدنى الملابسة و هو كونه فيهم و اشتغاله بإنذارهم، أو باعتبار كونه منهم في نفس الأمر، و ثانيهما: كونهما واحدا و كان طويل العمر جدا و مع إدراكه زمان موسى أدرك زمان عيسى عليه السلام أيضا، مع أنه كان بينهما على رواية ابن الجزري في التنقيح ألف و ستمائة و اثنتان و ثلاثون سنة، و كان اسمه حبيب النجار و كان يلقب بمؤمن آل ياسين كما مر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 354

في الخبر.

و قال في القاموس خربيل كقنديل اسم مؤمن آل ياسين، و قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى:" وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ" قال: كتم إيمانه ستمائة سنة، قال: و كان مجذوما مكنعا، و هو الذي قد وقعت أصابعه، و كان يشير إلى قومه بيديه المكنوعين و يقول:" يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ" و في بعض النسخ مكتعا و هو الذي قد عقفت أصابعه، و كان يشير بيديه المعقوفتين و يقول، و العقف: العطف، و لا يخفى بعد الوجهين لا سيما الأخير فإنه ينافيه أخبار كثيرة دالة على تعدد المؤمنين.

" إذا كان الثلث"

 (1) كان تامة، و قيل: ناقصة و اسمه ضمير مستتر راجع إلى العالم أو نحوه، و الثلث منصوب بالظرفية الزمانية بقرينة في أوله فإنه بدل الثلث و الظرف خبر كان، و

" تسميه"

 (2) كلام الإمام عليه السلام اعترض بين الدعاء، أي و تسمى الوجع بأن تقول مكان هذا الوجع هذا البرص، و فيه إشعار بأن الدعاء لا يخص البرص.

" و أحزنني"

 (3) و فيما سيأتي في كتاب الدعاء حزنني و كلاهما صحيح، يقال:

حزنه و أحزنه و

الإلحاح‏

 (4): المداومة و المبالغة بالتضرع و التكرار و الاستشفاع بالنبي و الأئمة عليهم السلام و أشباه ذلك، قال في المصباح: ألح السحاب إلحاحا دام مطره، و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 355

منه ألح الرجل على الشي‏ء إذا أقبل عليه مواظبا.

باب فضل فقراء المسلمين‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

و في القاموس:

تقلب‏

 (3) في الأمور تصرف كيف شاء، و قال في النهاية: فيه فقراء أمتي يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا،

الخريف‏

 (4): الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف و الشتاء، و يريد به أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة، فإذا انقضى أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة، انتهى.

و روي في معاني الأخبار بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عبدا مكث في النار سبعين خريفا، و الخريف سبعون سنة إلى آخر الخبر، و فسره صاحب المعالم بأكثر من ذلك، و في بعض الروايات أنه ألف عام، و العام ألف سنة، و قيل: إن التفاوت بهذه المدة إذا كان الأغنياء من أهل الصلاح و السداد و أدوا الحقوق الواجبة، و لم يكتسبوا من وجه الحرام، فيكون حبسهم بمجرد خروجهم عن عهدة الحساب و السؤال عن مكسب المال و مخرجه، و إلا فهم على خطر عظيم.

" مر بهما"

 (5) على بناء المجهول و الباء للتعدية، و الظرف نائب الفاعل، و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 356

العاشر من يأخذ العشر على الطريق، في المصباح: عشرت المال عشرا من باب قتل و عشورا، أخذت عشره، و اسم الفاعل عاشر و عشار

" فقال أسربوها"

 (1) على بناء الأفعال أي أرسلوها و خلوها تذهب، و السارب الذاهب على وجهه في الأرض‏

" فإذا هي موقرة"

 (2) بفتح القاف أو كسرها، في القاموس: الوقر بالكسر الحمل الثقيل أو أعم، و أوقر الدابة إيقارا و قرة و دابة و قرى موقرة، و رجل موقر ذو وقر، و نخلة موقرة و موقرة و موقور و موقرة.

" فقال احبسوها"

 (3) بالأمر من باب ضرب، و التشبيه في غاية الحسن و الكمال، و الحديث يدل أن الفقر أفضل من الغنى و من الكفاف للصابر، و ما وقع في بعض الروايات من استعاذتهم عليهم السلام من الفقر، يمكن حمله على الاستعاذة من الفقر الذي لا يكون معه صبر و لا ورع يحجزه عما لا يليق بأهل الدين، أو على فقر القلب أو فقر الآخرة، و قد صرح به بعض العلماء، و دل عليه بعض الروايات، و للعامة في تفضيل الفقر على الغنى و الكفاف أو العكس أربعة أقوال ثالثها، الكفاف أفضل، و رابعها الوقف، و معنى الكفاف أن لا يحتاج و لا يفضل، و لا ريب أن الفقر أسلم و أحسن بالنسبة إلى أكثر الناس، و الغناء أحسن بالنسبة إلى بعضهم، فينبغي أن يكون المؤمن راضيا بكل ما أعطاه الله، و علم صلاحه فيه، و سؤال الفقر لم يرد في الأدعية، بل ورد في أكثرها الاستعاذة عن الفقر الذي يشقي به، و عن الغنى الذي يصير سببا لطغيانه، و روى الصدوق (ره) في معاني الأخبار بإسناده عن الحارث الأعور قال:

كان فيما سأل عنه علي بن أبي طالب ابنه الحسن عليهما السلام إنه قال له: ما الفقر؟ قال:

الحرص و الشره.

 (الحديث الثاني)

 (4): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 357

" منح من الله"

 (1) المنح بكسر الميم و فتح النون جمع منحة بالكسر و هي العطية، في القاموس: منحه كمنعه و ضربه أعطاه، و الاسم المنحة بالكسر. و أقول: الخبر يحتمل وجهين: أحدهما أن ثواب المصائب منح و عطايا يبذلها الله في الدنيا، و ثواب الفقر مخزون عند الله لا يعطيه إلا في الآخرة لعظمه و شرافته، و الدنيا لا يصلح أن يكون عوضا عنه، و ثانيهما أن المصائب عطايا من الله عز و جل يعطيها من يشاء من عباده، و الفقر من جملتها مخزون عنده، عزيز لا يعطيه إلا من خصه بمزيد العناية، و لا يعترض أحد بكثرة الفقراء و ذلك لأن الفقير هنا من لا يجد إلا القوت من التعفف، و لا يوجد من هذه صفته في ألف ألف واحد.

أقول: أو المراد به الفقر الذي يصير سببا لشدة الافتقار إلى الله، و لا يتوسل معه إلى المخلوقين، و يكون معه في أعلى مراتب الرضا، و فيه تنبيه على أنه ينبغي أن يفرح صاحب المصيبة بها كما يفرح صاحب العطية بها.

 (الحديث الثالث)

 (2): مرفوع و ضمير عنه راجع إلى أحمد.

" فقد قتله"

 (3) أي قتل المسؤول السائل، و العكس كما زعم بعيد جدا، و في المصباح‏

نكأت‏

 (4) القرحة أنكأها مهموز بفتحتين قشرتها، و نكيت في العدو و نكى من باب نفع أيضا لغة في نكيت فيه أنكى من باب رمى، و الاسم النكاية بالكسر إذا قتلت و أثخنت.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 358

 (الحديث الرابع)

 (1): ضعيف.

و الازدياد

 (2) هنا لازم بمعنى الزيادة، و

إيمانا

 (3) و

ضيقا

 (4) تميزان، و في المصباح ازداد الشي‏ء مثل زاد و ازددت مالا زدته لنفسي زيادة على ما كان، و يؤيده ما نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام:

         كم من أديب عالم فطن             مستكمل العقل مقل عديم‏

             و كم من جهول يكثر ماله             ذاك تقدير العزيز العليم‏

 و السر ما مر من فوائد الابتلاء من المثوبات التي ليس لها انتهاء، و أيضا الإكثار موجب للتكبر و الخيلاء، و احتقار الفقراء و الخشونة و القسوة و الجفاء و الغفلة عن الله سبحانه، بسبب اشتغالهم بحفظ أموالهم و تنميتها مع كثرة ما يجب عليهم من الحقوق التي قل من يؤديها، و بذلك يتعرضون لسخط الله عز و جل، و الفقراء مبرؤون من ذلك مع توسلهم بربهم و تضرعهم إليه، و توكلهم عليه، و قربهم عنده بذلك مع سائر الخلال الحميدة التي لا تنفك عن الفقر إذا صبر على الشدائد التي هي من قواصم الظهر.

 (الحديث الخامس)

 (5): ضعيف إن كان المراد بإسناده السند السابق، أو مرسل إن كان المراد سند آخر و هو أظهر.

و يدل على محبوبية الفقر و على أن دعاءهم لا يرد و لا يمنع عن السماء.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 359

 (الحديث السادس)

 (1): مرفوع.

" إلا اعتبارا"

 (2) مفعول له، و كذا اختبارا، و كان المعنى لا يعطيه إلا ليعتبر به غيره، فيعلم أنه لا خير فيه لما يظهر للناس من مفاسده الدنيوية و الأخروية، أو ليعتبر بحال الفقراء فيشكر الله على الغناء و يعين الفقراء كما مر في حديث آدم عليه السلام حيث سأل عن سبب اختلاف ذريته؟ فقال تعالى في سياق جوابه: و ينظر الغني إلى الفقير فيحمدني و يشكرني، و ينظر الفقير إلى الغني فيدعوني و يسألني، لكن الأول في هذا المقام أنسب، و

قوله: إلا اختبارا

 (3) في بعض النسخ بالياء المثناة التحتانية أي لأنه اختاره و فضله و أكرمه بذلك، و في بعضها بالموحدة أي امتحانا فإذا صبر كان خيرا له، و الابتلاء و الاختبار في حقه تعالى مجاز باعتبار أن فعل ذلك مع عباده ليترتب عليه الجزاء، شبيه بفعل المختبر منا مع صاحبه، و إلا فهو سبحانه عالم بما يصدر عن العباد قبل صدوره منهم، و

" زوي"

 (4) على بناء المجهول، في القاموس: زواه زيا و زويا نحاه فانزوى و سره، عنه طواه. و الشي‏ء جمعه و قبضه.

و أقول: نائب الفاعل ضمير الدنيا، و قيل: هذا مخصوص بزمان دولة الباطل لئلا ينافي ما سيأتي من الأخبار في كتاب المعيشة.

 (الحديث السابع)

 (5): مرسل.

و قال الجوهري:

المصاص‏

 (6) خالص كل شي‏ء، يقال: فلان مصاص قومه إذا كان أخلصهم نسبا، يستوي فيه الواحد و الاثنان، و الجمع و المؤنث، و في النهاية و منه الحديث: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا، أي بقدر ما يمسك الرمق من المطعم، و في المصباح:

القوت‏

 (7) ما يؤكل ليمسك الرمق قاله ابن فارس و الأزهري، انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 360

و قيل: هو البلغة يعني قدر ما يتبلغ به من العيش و يسمى ذلك أيضا كفافا لأنه قدر يكفه عن الناس و يغنيه عن سؤالهم، ثم بالغ عليه السلام في أن نصيبهم القوت‏

بقوله: شرقوا" إلخ"

 (1) و هو كناية عن الجد في الطلب و السير في أطراف الأرض.

 (الحديث الثامن)

 (2): مجهول‏

" من صلى"

 (3) أي في الليل كله أو واظب عليها

 (الحديث التاسع)

 (4): مجهول.

" و لترون"

 (5) بسكون الواو و تخفيف النون أو بضم الواو و تشديد النون المؤكد

" ما أصنع"

 (6) ما موصولة أو استفهامية

" فمن زود"

 (7) على بناء التفعيل أي أعطي الزاد للسفر كما ذكره الأكثر، أو مطلقا فيشمل الحضر، في المصباح: زاد المسافر طعامه المتخذ لسفره و تزود لسفره و زودته أعطيته زادا و نحوه قال الجوهري و غيره، لكن قال الراغب: الزاد المدخر الزائد على ما يحتاج إليه في الوقت‏

" منكم"

 (8) أي أحدا منكم، و قيل: من هنا اسم بمعنى البعض، و قيل:

معروفا

 (9) صفة للمفعول المطلق المحذوف، أي تزويدا معروفا، و في النهاية:

التنافس‏

 (10) من المنافسة و هي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 361

الرغبة في الشي‏ء النفيس الجيد في نوعه، و نافست في الشي‏ء منافسة و نفاسا إذا رغبت فيه، و نفس بالضم نفاسة أي صار مرغوبا فيه و نفست به بالكسر أي بخلت و نفست عليه الشي‏ء نفاسة إذا لم تره له أهلا، و المشهور من الدواب التي اشتهرت بالنفاسة و الحسن، في القاموس:

المشهور

 (1) المعروف المكان المذكور و النبيه، و في النهاية فيه: الضعف في المعاد، أي مثلي الأجر، يقال إن أعطيتني درهما فلك ضعفه، أي درهمان، و ربما قالوا: فلك ضعفاه، و قيل: ضعف الشي‏ء مثله، و ضعفاه مثلاه و قال الأزهري: الضعف في كلام العرب المثل فما زاد، و ليس بمقصور على مثلين، فأقل الضعف محصور في الواحد و أكثره غير محصور.

 (الحديث العاشر)

 (2): ضعيف على المشهور.

" رَبَّنا لا تَجْعَلْنا"

 (3) أقول: هذا تتمة قول إبراهيم عليه السلام حيث قال في سورة الممتحنة:" قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ، رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" قال في مجمع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 362

البيان: معناه لا تعذبنا بأيديهم و لا ببلاء من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا البلاء، و قيل: معناه لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن دينك، و قيل:

معناه ألطف لنا حتى نصبر على أذاهم و لا نتبعهم فنصير فتنة لهم، و قيل: معناه اعصمنا من موالاة الكفار فإنا إذا واليناهم ظنوا إنا صوبناهم، و قيل: معناه لا تخذلنا إذا حاربناهم فلو خذلتنا لقالوا لو كان هؤلاء على الحق لما خذلوا، انتهى.

و أقول: المعنى المستفاد من الخبر قريب من المعنى الأول لأن الفقر أيضا بلاء يصير سببا لافتتان الكفار إما بأن يقولوا لو كان هؤلاء على الحق لما ابتلوا بعموم الفقر فيهم؟ أو بأن يفروا من الإسلام خوفا من الفقر" في هؤلاء أموالا و حاجة" أي صار بعضهم ذوي مال و بعضهم محتاجين مفتاقين و لا ينافي هذا كون الأموال في الكفار أو في غير الخلص من المؤمنين أكثر، و الفاقة في المؤمنين أو كملهم أكثر و أشد.

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): مرسل.

" فجلس إلى رسول الله"

 (2) قال الشيخ البهائي قدس سره: إلى بمعنى مع، كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى:" مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ" أو بمعنى عند كما في قول الشاعر:" أشهى إلى من الرحيق السلسل" و يجوز أن يضمن جلس معنى توجه أو نحوه‏

" درن الثوب"

 (3) بفتح الدال و كسر الراء صفة مشبهة من الدرن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 363

بفتحهما و هو الوسخ.

و أقول: في المصباح: درن الثوب درنا فهو درن مثل وسخ وسخا فهو وسخ وزنا و معنى‏

" فقبض الموسر ثيابه"

 (1) قيل: أي أطراف ثوبه‏

" من تحت فخذيه"

 (2) كان الظاهر إرجاع ضمير فخذيه إلى المعسر، و لو كان راجعا إلى الموسر لما كان لجمع الطرف الآخر وجه إلا أن تكون لموافقة الطرف الآخر و فيه تكلفات أخر، و قال الشيخ المتقدم (ره): ضمير فخذيه يعود إلى الموسر، أي جمع الموسر ثيابه و ضمها تحت فخذي نفسه لئلا تلاصق ثياب المعسر، و يحتمل عوده إلى المعسر، و من على الأول إما بمعنى في أو زائدة على القول بجواز زيادتها في الإثبات، و على الثاني لابتداء الغاية، و العود إلى الموسر أولى كما يرشد إليه‏

قوله عليه السلام: فخفت أن يوسخ ثيابك،

 (3) لأن قوله عليه السلام فخفت أن يوسخ ثيابك الغرض منه مجرد التقريع للموسر، كما هو الغرض من التقريعين السابقين أعني قوله خفت أن يمسك من فقره شي‏ء خفت أن يصيبه من غناك شي‏ء، و هذه التقريعات الثلاث منخرطة في سلك واحد، و لو كان ثياب الموسر تحت فخذي المعسر لأمكن أن يكون قبضها من تحت فخذيه خوفا من أن يوسخها.

أقول: ما ذكره قدس سره و إن كان التقريع فيه أظهر و بالأولين أنسب لكن لا يصير هذا مجوزا لارتكاب بعض التكلفات إذ يمكن أن يكون التقريع لأن سراية الوسخ في الملاصقة في المدة القليلة نادرة، أو لأن هذه مفسدة قليلة لا يحسن لأجلها ارتكاب إيذاء مؤمن.

" أن لي قرينا يزين لي كل قبيح"

 (4) قال (ره): أي إن لي شيطانا يغويني‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 364

و يحول القبيح حسنا، و الحسن قبيحا، و هذا الفعل الشنيع الذي صدر مني من جملة إغوائه لي.

أقول: و يمكن أيضا أن يراد بالقرين النفس الأمارة التي طغت و بغت بالمال أو المال أو الأعم كما قال تعالى:" إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى‏" و قال في النهاية: و منه الحديث ما من أحد إلا وكل به قرينه أي مصاحبه من الملائكة أو الشياطين و كل إنسان فإن معه قرينا منهما، فقرينه من الملائكة يأمره بالخير و يحثه عليه، و قرينه من الشياطين يأمره بالشر و يحثه عليه.

" و جعلت له نصف مالي"

 (1) أي في مقابلة ما صدر مني إليه من كسر قلبه و زجر النفس عن العود إلى مثل هذه الزلة

" قال أخاف أن يدخلني ما دخلك"

 (2) أي مما ذكرت أو من الكبر و الغرور و الترفع على الناس و احتقارهم، و سائر الأخلاق الذميمة التي من لوازم التمول و الغنى.

 (الحديث الثاني عشر)

 (3): ضعيف.

و الشعار

 (4) بالكسر ما ولى الجسد من الثياب لأنه يلي شعره و يستعار للصفات المختصة، و في حديث الأنصار: أنتم الشعار دون الدثار و الشعار أيضا علامة يتعارفون بها في الحرب، و الفقر من خصائص الصالحين،

و مرحبا

 (5) أي لقيت رحبا و سعة، و قيل: معناه رحب الله بك مرحبا، و القول كناية عن غاية الرضا و التسليم.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 365

" ذنب عجلت عقوبته"

 (1) أي أذنبت ذنبا صار سببا لأن أخرجني الله من أوليائه و اتصفت بصفات أعدائه أو ابتلاني بالمشقة التي ابتلى بها أصحاب الأموال كما قال تعالى:" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا" و ما قيل: من أن الذنب هو الغناء فهو بعيد جدا.

 (الحديث الثالث عشر)

 (2): ضعيف على المشهور.

و قد مر تفسير طوبى، و

قوله: بالصبر

 (3)، الباء إما للسببية أي طوبى لهم بسبب الصبر، أو للملابسة فيكون حالا عن المساكين، و لا يبعد أن يقرأ المساكين بالتشديد للمبالغة، أي المتمسكين كثيرا بالصبر، و رؤية ملكوت السماوات و الأرض مراتب يحصل لكل صنف منهم مرتبة يليق بهم، فمنهم من يتفكر في خلق السماوات و الأرض، و نظام العالم فيعلم بذلك قدرته تعالى و حكمته و أنه لم يخلقها عبثا بل خلقها لأمر عظيم و هو عبادة الله سبحانه و معرفته كما قال تعالى:" يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا" و منهم من يتفكر في أن خالق السماوات و الأرض لا يكون عاجزا و لا بخيلا فلم يفقرهم و يحوجهم إلا لمصلحة عظيمة فيصبر على بلاء الله و يرضى بقضائه و كان تفسير المساكين هنا بالأنبياء و الأوصياء أظهر، و قد ورد في بعض الأخبار تفسيره بهم عليهم السلام، فإن المسكنة الخضوع و الخشوع و التوسل بجناب الحق سبحانه و الإعراض عن غيره، قال في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر المساكين و المسكنة و التمسكن و كلها يدور معناها على‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 366

الخضوع و الذلة و قلة المال و الحال السيئة، و استكان إذا خضع، و المسكنة فقر النفس و تمسكن إذا تشبه بالمساكين، و هم جمع المسكين و هو الذي لا شي‏ء له، و قيل: هو الذي له بعض الشي‏ء، و قد تقع المسكنة على الضعف، و منه حديث قيلة [قال لها] صدقت المسكنة، أراد الضعف و لم يرد الفقر، و فيه: اللهم أحيني مسكينا و أمتني مسكينا و احشرني في زمرة المساكين، أراد به التواضع و الإخبات و أن لا يكون من الجبارين المتكبرين، و فيه أنه قال للمصلي تبأس و تمسكن أي تذل و تخضع، و هو تمفعل من السكون.

 (الحديث الرابع عشر)

 (1): كالسابق.

و" نفسا"

 (2) تميز، و يدل على أن الثواب إنما هو على الرضا بالفقر لا على أصل الفقر و حمل على أصول المتكلمين و هي أن الثواب هو الجزاء الدائم في الآخرة و هو لا يكون إلا على الفعل الاختياري،

و أما ما يعطيه الله‏

 (3) على الآلام التي يوردها على العبد في الدنيا بغير اختياره فإنما هو الجزاء المنقطع في الدنيا أو في الآخرة أيضا على قول بعضهم حيث جوزوا أن يكون انقطاعها على وجه لا يشعر به، فلا يصير سببا لألمه، و منهم من جوز كون العوض دائما في الآخرة.

قال العلامة قدس الله روحه في الباب الحادي عشر: السادسة في أنه تعالى يجب عليه فعل عوض الآلام الصادرة عنه و معنى العوض هو النفع المستحق الخالي عن التعظيم و الإجلال، و إلا لكان ظالما، تعالى الله عن ذلك، و يجب زيادته على الآلام و إلا لكان عبثا.

و قال بعض الأفاضل في شرحه: الألم الحاصل للحيوان إما أن يعلم فيه وجه من وجوه القبح فذلك يصدر عنا خاصة أو لا يعلم فيه ذلك فيكون حسنا، و قد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 367

ذكر لحسن الألم وجوه: الأول: كونه مستحقا، الثاني: كونه مشتملا على النفع الزائد، الثالث: كونه مشتملا على دفع الضرر الزائد عنه، الرابع: كونه بمجرى العادة، الخامس: كونه متصلا على وجه الدفع، و ذلك الحسن قد يكون صادرا عنه تعالى على وجه النفع فيجب فيه أمران: أحدهما العوض و إلا لكان ظالما تعالى الله عنه، و يجب أن يكون زائدا على الألم إلى حد يرضى عنه كل عاقل لأنه يقبح في الشاهد إيلام شخص لتعويضه ألمه من غير زيادة لاشتماله على العبث، و ثانيهما اشتماله على اللطف إما للمتألم أو لغيره، ليخرج عن العبث فأما ما كان صادرا عنا مما فيه وجه من وجوه القبح فيجب عليه تعالى الانتصاف للمتألم من المولم لعدله، و لدلالة السمعية عليه، و يكون العوض هنا مساويا للألم و إلا لكان ظلما.

و هنا فوائد: الأول: العوض هو النفع المستحق الخالي عن تعظيم و إجلال، فبقيد المستحق خرج التفضل و بقيد الخلو عن تعظيم خرج الثواب، الثاني: لا يجب دوام العوض لأنه يحسن في الشاهد ركوب الأهوال العظيمة لنفع منقطع قليل، الثالث: العوض لا يجب حصوله في الدنيا لجواز أن يعلم الله تعالى المصلحة في تأخره بل قد يكون حاصلا في الدنيا و قد لا يكون، الرابع: الذي يصل إليه عوض ألمه في الآخرة إما أن يكون من أهل الثواب أو من أهل العقاب، فإن كان من أهل الثواب فكيفية إيصال أعواضه إليه بأن يفرقها الله على الأوقات أو يتفضل الله عليه بمثلها، و إن كان من أهل العقاب أسقط بها جزءا من عقابه، بحيث لا يظهر له التخفيف بأن يفرق القدر على الأوقات، الخامس: الألم الصادر عنا بأمره أو إباحته و الصادر عن غير العاقل كالعجماوات و كذا ما يصدر عنه تعالى من تفويت المنفعة لمصلحة الغير و إنزال الغموم الحاصلة من غير فعل العبد عوض ذلك كله على الله تعالى لعدله و كرمه.

و أقول: كون أعواض الآلام الغير الاختيارية منقطعة، مما لم يدل عليه برهان قاطع، و بعض الروايات تدل على خلافه، كالروايات الدالة على أن حمى ليلة تعدل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 368

عبادة سنة، و أن من مات له ولد يدخله الله الجنة صبر أم لم يصبر، جزع أم لم يجزع، و أن من سلب الله كريمتيه وجبت له الجنة، و أمثال ذلك كثيرة و إن أمكن تأويل بعضها مع الحاجة إليه، و قيل للفقير ثلاثة أحوال: أحدها: الرضا بالفقر و الفرح به و هو شأن الأوصياء، و ثانيها: الرضا به دون الفرح و له أيضا ثواب دون الأول، و ثالثها: عدم الرضا به و الكراهة في القسمة، و هذا مما لا ثواب له أصلا و هو كلام على التشهي.

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): مجهول.

و" كان"

 (2) تحتمل التامة و الناقصة كما مر

" بين يديه"

 (3) أي قدام عرشه و قيل:

أي يصل نداوة إلى كل أحد كما أنه حاضر عند كل أحد، و في النهاية فيه: يخرج عنق من النار أي طائفة، و قال:

عنق من الناس‏

 (4) أي جماعة

" لهوان بكم علي"

 (5) أي لمذلة و هوان علي كان بكم‏

" و لكن إنما اخترتكم"

 (6) أي اصطفيتكم‏

" لمثل هذا اليوم"

 (7) أي لهذا اليوم فكلمة مثل زائدة نحو قولهم مثلك لا يبخل، أو لهذا اليوم و مثله لا يثبكم، قال في المصباح:

المثل‏

 (8) يستعمل على ثلاثة أوجه بمعنى التشبيه، و بمعنى نفس الشي‏ء، و زائدة، و قال:

صفحت‏

 (9) الكتاب قلبت صفحاته، و هي وجوه الأوراق و تصفحته كذلك، و صفحت القوم صفحا رأيت صفحات وجوههم‏

" لم يصنعه إلا في"

 (10) الجملة جزاء الشرط أو صفة

لقوله: معروفا

 (11)، أي معروفا يكون خالصا لي، و الأول أظهر، و يومئ إليه قوله: فكافوه عني.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 369

 (الحديث السادس عشر)

 (1): ضعيف.

" هذه الشيعة"

 (2) أي الإمامية فإن الشيعة أعم منهم أو إشارة إلى غير الخلص منهم، فإنهم لا يلحون، و كان الإشارة على الأول لبيان الاختصاص، و على الثاني للتحقير.

 (الحديث السابع عشر)

 (3): مجهول.

" و الشي‏ء مما تشتهيه"

 (4) أي من غير الفاكهة أعم من المال و الملبوس و غيرهما، و الظاهر من الحسنة المثوبة الأخروية، و حمل على العوض أو على أن الحسنة للصبر و الرضا بالقضاء على الأصل المتقدم.

 (الحديث الثامن عشر)

 (5): ضعيف على المشهور.

" ليعتذر"

 (6) كأنه مجاز كما يومئ إليه ما مر في التاسع شبيها بالمعتذر و

" المحوج"

 (7) يحتمل كسر الواو و فتحها، في المصباح: أحوج و زان أكرم من الحاجة و يستعمل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 370

أيضا متعديا يقال أحوجه الله إلى كذا، و في القاموس‏

السجف‏

 (1) و يكسر و ككتاب الستر

" ما ضرني"

 (2) ما نافية

" ما منعتني"

 (3) ما مصدرية

" مع ما عوضتني"

 (4) ما موصولة و تحتمل المصدرية أيضا.

 (الحديث التاسع عشر)

 (5): حسن كالصحيح.

" أ قبل الحساب"

 (6) أي أ تدخلون الجنة قبل الحساب؟ على التعجب أو الإنكار

" ما أعطيتمونا"

 (7) أي ما أعطانا الله شيئا و إضافته إلى الملائكة لأنهم مقربو جنابه بمنزلة وكلائه‏

" تحاسبونا"

 (8) قيل: يجوز فيه تشديد النون كما قرأ في سورة الزمر" تَأْمُرُونِّي" بالتخفيف و بالتشديد و بالنونين، و المخاطب في‏

" صدقوا"

 (9) الملائكة و في أدخلوا الفقراء إذا قرأ على بناء المجرد كما هو الظاهر، و أمرهم بالدخول يستلزم أمر الملائكة بفتح الباب، و يمكن أن يقرأ على بناء الأفعال، فالمخاطب الملائكة أيضا، و قيل: هو من قبيل ذكر اللازم و إرادة الملزوم أي افتحوا الباب و لذا حذف المفعول، بناء على أن فتح الباب سبب لدخول كل من يستحقه و إن كان الباعث الفقراء، و كان هذا مبني على ما سيأتي من أن الله تعالى لا يحاسب المؤمنين على ما أكلوا و لبسوا و نكحوا و أمثال ذلك في الدنيا إذا كان من حلال.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 371

 (الحديث العشرون)

 (1): مجهول.

" و هو مما ابتليت به الأغنياء"

 (2) كان ضمير هو راجع إلى التفاوت المفهوم من الكلام السابق.

أقول: إذا كان من للتبعيض يدل على أن ابتلاء الناس بعضهم ببعض يكون على وجوه شتى: منها ابتلاؤهم بالفقر و الغناء و يحتمل أن يكون من للتعليل‏

" و لو لا الفقراء"

 (3) كان المعنى أن عمدة عبادة الأغنياء إعانة الفقراء أو أنه يلزم الغناء أحوال لا يمكن تداركها إلا برعاية الفقراء فتأمل.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (4): كالسابق.

و

المياسير

 (5) و

المحاويج‏

 (6) جمعا الموسر و المحوج، لكن على غير القياس لأن القياس جمع مفعال على مفاعيل قال الفيروزآبادي: أيسر إيسارا و يسرا صار ذا غنى فهو موسر، و الجمع مياسير. و قال صاحب مصباح اللغة: أحوج و زان أكرم من الحاجة فهو محوج، و قياس جمعه بالواو و النون لأنه صفة عاقل، و الناس يقولون محاويج مثل مفاطير و مفاليس، و بعضهم ينكره و يقول غير مسموع، انتهى.

و أقول: وروده في الحديث يدل على مجيئه لكن قال بعضهم إنهما جمعا ميسار و محواج اسمي آلة استعملا في الموسر و المحوج للمبالغة

" أمناؤنا على محاويجهم"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 372

 (1) كونهم أمناءهم عليهم السلام إما مبني على ما مر في آخر كتاب الحجة أن الأموال كلها للإمام و إنما رخص لشيعتهم التصرف فيها فتصرفهم مشروط برعاية فقراء الشيعة و ضعفائهم، أو على أنهم خلفاء الله و يلزمهم أخذ حقوق الله من الأغنياء و صرفها في مصارفها، و لما لم يمكنهم في أزمنة التقية و الغيبة أخذها منهم و صرفها في مصارفها و أمروا الأغنياء بذلك فهم أمناؤهم عليهم السلام، أو على أنه لما كان الخمس و سائر أموالهم من الفي‏ء و الأنفال بأيديهم و لم يمكنهم إيصالها إليهم عليهم السلام فهم أمناؤهم في إيصال ذلك إلى فقراء الشيعة، فيدل على وجوب صرف حصة الإمام من الخمس و ميراث من لا وارث له و غير ذلك من أموال الإمام إلى فقراء الشيعة و لا يخلو من قوة، و الأحوط صرفها إلى الفقيه المحدث العادل ليصرفها في مصارفها نيابة عنهم عليهم السلام، و الله يعلم.

" فاحفظونا فيهم"

 (2) أي ارعوا حقنا فيهم لكونهم شيعتنا و بمنزلة عيالنا

" يحفظكم الله"

 (3) أي ليحفظكم الله في أنفسكم و أموالكم في الدنيا و من عذابه في الآخرة، و يحتمل أن تكون جملة دعائية، و قيل: يدل على أن الأغنياء إذا لم يراعوا الفقراء سلبت عنهم النعمة لأنه إذا ظهرت الخيانة من الأمين يؤخذ ما في يده كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن لله تعالى عبادا يخصهم بالنعم لمنافع العباد فيقرها في أيديهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم ثم حولها إلى غيرهم.

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (4): حسن كالصحيح.

" أزين للمؤمن"

 (5) اللام للتعدية و في النهاية فيه: الفقر أزين للمؤمن من عذار حسن على خد فرس،

العذاران من الفرس‏

 (6) كالعارضين من وجه الإنسان ثم سمي به‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 373

السير الذي يكون عليه من اللجام عذارا باسم موضعه، انتهى.

و أقول: يمكن أن يقال لتكميل التشبيه أن الفقر يمنع الإنسان من الطغيان كما يمنع اللجام الفرس عن العصيان.

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (1): ضعيف على المشهور.

و قد مر تفسير الآية و أما تأويله عليه السلام فلعل المعنى أن المراد

بالناس‏

 (2) أمة محمد صلى الله عليه و آله و سلم بعد وفاته بقرينة المضارع في يكون و يكفر، و المراد

بمن يكفر بالرحمن‏

 (3) المخالفون المنكرون للإمامة و النص على الإمام، و لذا عبر بالرحمن إشعارا بأن رحمانية الله يقتضي عدم إهمالهم في أمور دينهم، أو المراد أن المنكر للإمام كافر برحمانية الملك العلام، و الحاصل أنه لو لا أنه كان يصير سببا لكفر المؤمنين لحزنهم و غمهم و انكسار قلبهم فيستولي عليهم الشيطان فيكفرون و يلحقون بالمخالفين إلا شاذ منهم لا يكفي وجودهم لنصرة الإمام أو يهلكون غما و حزنا، و أيضا لو كان جميع المخالفين بهذه الدرجة من الغناء و الثروة، و جميع المؤمنين في غاية الفقر و المهانة و المذلة

" لم يناكحوهم"

 (4) أي المخالفون المؤمنين بأن يعطوهم بناتهم أو يأخذوا منهم بناتهم، فلم يكن يحصل بينهم نسب يصير سببا للتوارث فبذلك ينقطع نسل المؤمنين و يصير سببا لانقراضهم، أو لمزيد غمهم الموجب لارتدادهم، و بتلك الأسباب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 374

يصير أمة محمد صلى الله عليه و آله و سلم كلهم كفرة و مخالفين، فيكونوا أمة واحدة كفرة إما مطلقا أو إلا من شذ منهم ممن محض الإيمان محضا فعبر بالناس عن الأكثرين لقلة المؤمنين فكأنهم ليسوا منهم، فالمراد بالأمة في‏

قوله:" عنى بذلك أمة محمد"

 (1) أعم من أمة الدعوة و الإجابة قاطبة أو الأعم من المؤمنين و المنافقين و المخالفين، و ذلك إشارة إلى الناس، و المراد بالأمة في‏

قوله: و لو فعل الله ذلك بأمة محمد

 (2)، المنافقون و المخالفون.

أو الأعم منهم و من سائر الكفار، و الأول أظهر بقرينة و لم يناكحوهم، فإن غيرهم من الكفار لا يناكحون الآن أيضا، و الضمير المرفوع راجع إلى المخالفين، و المنصوب إلى المؤمنين، و كذا و لم يوارثوهم.

باب‏

 (3) إنما جعله بابا آخر و لم يعنونه لأن إخباره مناسبة للباب الأول لكن بينهما فرق، فإن الباب الأول كان معقودا لفضل الفقر و الخبران المذكوران في هذا الباب يظهر منهما الفرق بين الفقر الممدوح و المذموم، و قيل: لأن أخبار الباب السابق كانت تدل على مدح الفقراء منطوقا، و هذان يدلان عليه مفهوما و كان ما ذكرنا أظهر.

 (الحديث الأول)

 (4): ضعيف.

" أصلحك الله"

 (5) مشتمل على سوء أدب إلا أن يكون المراد إصلاح أحوالهم في الدنيا و تمكينهم في الأرض و دفع أعدائهم أو أنه جرى ذلك على لسانهم لا لفهم به فيما

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 375

يجري بينهم من غير تحقيق لمعناه و مورده‏

" إني رجل منقطع إليكم"

 (1) كأنه ضمن الانقطاع معنى التوجه أي منقطع عن الخلق متوجها إليكم بسبب مودتي لكم أو مودتي مختصة بكم‏

" و قد تقربت بذلك"

 (2) الإشارة إما إلى مصدر أصابتني أو إلى الحاجة، و المستتر في‏

قوله: فلم يزدني‏

 (3) راجع إلى مصدر تقربت، و مرجع الإشارة ما تقدم، و

قوله: إلا بعدا

 (4)، استثناء مفرغ و هو مفعول لم يزدني أي لم يزدني التقرب منهم بسبب فقري شيئا إلا بعدا منهم‏

" فما آتاك الله"

 (5) قيل: الفاء للتفريع على قوله إني رجل منقطع إليكم، فقوله ما أتاك الله المودة، و قيل: هو الفقر و الأول أظهر

" مما أخذ منك"

 (6) أي المال‏

" إلى لئام خلقه"

 (7) اللئام جمع اللئيم، و في المصباح: لؤم بضم الهمزة لؤما فهو لئيم، يقال ذلك للشحيح و الدني‏ء النفس و المهين و نحوهم، لأن اللؤم ضد الكرم، و يومئ الحديث إلى أن الفقر المذموم ما يصير سببا لذلك، و غيره ممدوح، و ذمة لأن اللئيم لا يقضي حاجة أحد و ربما يلومه في رفع الحاجة إليه، و إذا قضاه لا يخلو من منة، و يمكن أن يشمل الظالم و الفاسق المعلن بفسقه، و في كثير من الأدعية: اللهم لا تجعل لظالم و لا فاسق علي يدا و لا منة و ذلك لأن القلب مجبول على حب من أحسن إليه، و في حب الظالم معاصي كثيرة كما قال تعالى:" وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ".

 (الحديث الثاني)

 (8): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 376

و قال في النهاية: و فيه لو تعلمون ما في هذه الأمة من الموت الأحمر يعني القتل لما فيه من حمرة الدم أو لشدته يقال:

موت أحمر

 (1) أي شديد، و منه حديث علي عليه السلام كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله، أي إذا اشتدت الحرب استقبلنا العدو به و جعلناه لنا وقاية، و قيل: أراد إذا اضطرمت نار الحرب و تسعرت كما يقال في الشر بين القوم اضطرمت نارهم تشبيها بحمرة النار، و كثيرا ما يطلقون الحمرة على الشدة.

" و لكن من الدين"

 (2) نظيره قول أمير المؤمنين عليه السلام الفقر و الغنى بعد العرض على الله، و المعنى أنهما يظهران بعد الحساب، و هو ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بقوله: أ تدرون ما المفلس؟ فقالوا: المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع له، فقال:

المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة و يأتي قد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا، و سفك دم هذا، و ضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار، بل قد يقال أن المفلس حقيقة هو هذا، و يحتمل أن يراد بقوله عليه السلام: و لكن من الدين الفقر القلبي و ضده الغنى القلبي فالفقير على هذا من ليس له في الدين معرفة و علم بأحكامه، و لا تقوى و لا ورع و غيرها من الصفات الحسنة كذا قيل.

و أقول: يحتمل أن يكون المعنى: الذي يضر بالدين و لا يصبر عليه و يتوسل بالظالمين و الفاسقين كما مر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 377

باب أن للقلب أذنين ينفث فيهما الملك و الشيطان‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح.

اعلم أن معرفة القلب و حقيقته و صفاته مما خفي على أكثر الخلق و لم يبين أئمتنا عليهم السلام ذلك إلا بكنايات و إشارات، و الأحوط لنا أن نكتفي من ذلك بما بينوه لنا من صلاحه و فساده و آفاته و درجاته، و نسعى في تكميل هذه الخلقة العجيبة و اللطيفة الربانية و تهذيبها عن الصفات الذميمة الشيطانية و تحليتها بالأخلاق الملكية الروحانية لنستعد بذلك للعروج إلى أعلى مدارج الكمال و إفاضة المعارف من حضرة ذي الجلال، و لا يتوقف ذلك على معرفة حقيقة القلب ابتداء فإنه لو كان متوقفا على ذلك لأوضح موالينا و أئمتنا عليهم السلام لنا ذلك بأوضح البيان و حيث لم يبينوا ذلك لنا فالأحوط بنا أن نسكت عما سكت عنه الكريم المنان.

لكن نذكر هنا بعض ما قيل في هذا المقام و نكتفي بذلك و الله المستعان.

فاعلم أن المشهور بين الحكماء و من يسلك مسلكهم أن المراد بالقلب النفس الناطقة و هي جوهر روحاني متوسط بين العالم الروحاني الصرف و العالم الجسماني يفعل فيما دونه و ينفعل عما فوقه، و إثبات الأذن له على الاستعارة و التشبيه، قال بعض المحققين: القلب شرف الإنسان و فضيلته التي بها فاق جملة من أصناف الخلق باستعداده لمعرفة الله سبحانه، التي في الدنيا جماله و كماله و فخره، و في الآخرة عدته‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 378

و ذخره، و إنما استعد للمعرفة بقلبه لا بجارحة من جوارحه، فالقلب هو العالم بالله، و هو عامل لله و هو الساعي إلى الله و هو المتقرب إليه، و إنما الجوارح أتباع له و خدم و آلات يستخدمها القلب، و يستعملها استعمال الملك للعبيد و استخدام الراعي للرعية، و الصانع للآلة، و القلب هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله، و هو المحجوب عن الله إذا صار مستغرقا بغير الله، و هو المطالب و المخاطب و هو المثاب و المعاقب و هو الذي يستسعد بالقرب من الله تعالى فيفلح إذا زكاه، و هو الذي يخيب و يشقي إذا دنسه و دساه، و هو المطيع لله بالحقيقة.

و إنما الذي ينتشر على الجوارح من العبادات أنواره و هو المعاصي المتمرد على الله، و إنما الساري على الأعضاء من الفواحش آثاره و بإظلامه و استنارته تظهر محاسن الظاهر و مساويه، إذ كل إناء يترشح بما فيه، و هو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه، و إذا عرف نفسه فقد عرف ربه، و هو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه، و إذا جهل نفسه فقد جهل ربه، و من جهل بقلبه فهو بغيره أجهل.

و أكثر الخلق جاهلون بقلوبهم و أنفسهم و قد حيل بينهم و بين أنفسهم، فإن الله يحول بين المرء و قلبه، و حيلولته بأن لا يوفقه لمشاهدته و مراقبته و معرفة صفاته و كيفية تقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن، و أنه كيف يهوي مرة إلى أسفل السافلين و ينخفض إلى أفق الشياطين و كيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين، و يرتقي إلى عالم الملائكة المقربين، و من لم يعرف قلبه ليراقبه و يراعيه و يترصد ما يلوح من خزائن الملكوت عليه و فيه فهو ممن قال الله تعالى فيه:" وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ" فمعرفة القلب و حقيقة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 379

أوصافه أصل الدين و أساس طريق السالكين.

فإذا عرفت ذلك فاعلم أن النفس و الروح و القلب و العقل ألفاظ متقاربة المعاني فالقلب يطلق لمعنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر، و هو لحم مخصوص و في باطنه تجويف، و في ذلك التجويف دم أسود و هو منبع الروح و معدنه، و هذا القلب موجود للبهائم بل هو موجود للميت، و المعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق، و قد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته فإن تعلقها به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام و الأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان، و تحقيقه يقتضي إفشاء سر الروح و لم يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فليس لغيره أن يتكلم فيه.

و الروح أيضا يطلق على معنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني، و ينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن، و جريانها في البدن و فيضان أنوار الحياة و الحس و السمع و البصر و الشم منها على أعضائها يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا الدار، فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا و يستنير به فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان، و الروح مثالها السراج، و سريان الروح و حركتها في الباطن مثاله مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه، و الأطباء إذا أطلقوا اسم الروح أرادوا به هذا المعنى، و هو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب.

و المعنى الثاني هو اللطيفة الربانية العالمة المدركة من الإنسان، و هو الذي شرحناه في أحد معنيي القلب، و هو الذي أراده الله تعالى بقوله:" يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" و هو أمر عجيب رباني يعجز أكثر العقول و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 380

الأفهام عن درك كنه حقيقته.

و النفس أيضا مشترك بين معاني، و ما يتعلق بغرضنا منه معنيان: أحدهما:

أن يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب و الشهوة في الإنسان، و هذا الاستعمال هو الغالب على الصوفية، لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فيقولون لا بد من مجاهدة النفس و كسرها، و إليه الإشارة بقوله صلى الله عليه و آله و سلم:

أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، المعنى الثاني: هو اللطيفة التي ذكرناها، التي هو الإنسان في الحقيقة، و هي نفس الإنسان و ذاته، و لكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها، فإذا سكنت تحت الأمر و زايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة، قال تعالى:" يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً" فالنفس بالمعنى الأول لا يتصور رجوعها إلى الله فإنها مبعدة عن الله تعالى، و هو من حزب الشيطان، و إذا لم يتم سكونها و لكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية و معترضة عليها سميت النفس اللوامة، لأنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاها، قال الله تعالى:" وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ" و إن تركت الاعتراض و أذعنت و أطاعت مقتضى الشهوات و دواعي الشيطان، سميت النفس الأمارة بالسوء قال الله تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام:" وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ" و قد يجوز أن يقال: الأمارة بالسوء هي النفس بالمعنى الأول.

فإذا النفس بالمعنى الأول مذمومة غاية الذم و بالمعنى الثاني محمودة لأنها نفس الإنسان أي ذاته و حقيقته العالمة بالله تعالى و بسائر المعلومات.

و العقل أيضا مشتركة لمعان مختلفة، و المناسب هنا معنيان: أحدهما: العلم بحقائق الأمور أي صفة العلم الذي محله القلب، و الثاني أنه قد يطلق و يراد به‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 381

المدرك المعلوم، فيكون هو القلب أعني تلك اللطيفة.

فإذا قد انكشف لك أن معاني هذه الأسامي موجودة و هو القلب الجسماني، و الروح الجسماني، و النفس الشهوانية و العقل العلمي، و هذه أربعة معان يطلق عليها الألفاظ الأربعة، و معنى خامس و هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان، فالألفاظ الأربعة بجملتها يتوارد عليها، فالمعاني خمسة و الألفاظ أربعة، و كل لفظ أطلق لمعنيين، و أكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه الألفاظ و تواردها، فتراهم يتكلمون في الخواطر، و يقولون هذا خاطر العقل، و هذا خاطر الروح، و هذا خاطر النفس، و هذا خاطر القلب، و ليس يدري الناظر اختلاف معاني الأسماء.

و حيث ورد في الكتاب و السنة لفظ القلب، فالمراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان، و يعرف حقيقة الأشياء، و قد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر، لأن بين تلك اللطيفة و بين جسم القلب علاقة خاصة، فإنها و إن كانت متعلقة بسائر البدن و مستعملة له، و لكنها تتعلق به بواسطة القلب، فتعلقها الأول بالقلب فكأنه محلها و مملكتها و عالمها و مطيتها، و لذا شبه القلب بالعرش و الصدر بالكرسي.

ثم قال في بيان تسلط الشيطان على القلب: اعلم أن القلب مثال قبة لها أبواب تنصب إليها الأحوال من كل باب، و مثاله أيضا مثال هدف تنصب إليه السهام من الجوانب، أو هو مثال مرآة منصوبة يجتاز عليها أنواع الصور المختلفة، فيتراءى فيها صورة بعد صورة و لا يخلو عنها، أو مثال حوض ينصب إليه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه، و إنما مداخل هذه الآثار المتجددة في القلب في كل حال، أما من الظاهر فالحواس الخمس و أما من الباطن فالخيال و الشهوة و الغضب و الأخلاق المركبة في مزاج الإنسان، فإنه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلب، و إن كف عن الإحساس و الخيالات الحاصلة في النفس تبقى و ينتقل الخيال من شي‏ء إلى شي‏ء، و بحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال، و المقصود أن القلب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 382

في التقلب و التأثر دائما من هذه الآثار، و أخص الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر، و أعني بالخواطر ما يعرض فيه من الأفكار و الأذكار، و أعني به إدراكاته علوما إما على سبيل التجدد و إما على سبيل التذكر، فإنها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها، و الخواطر هي المحركات للإرادات فإن النية و العزم و الإرادة إنما تكون بعد خطور المنوي بالبال لا محالة، فمبدأ الأفعال الخواطر، ثم الخاطر يحرك الرغبة، و الرغبة تحرك العزم و يحرك العزم النية، و النية تحرك الأعضاء. و الخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني ما يضر في العاقبة و إلى ما يدعو إلى الخير أعني ما ينفع في الآخرة، فهما خاطران مختلفان، فافتقر إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما، و الخاطر المذموم أعني الداعي إلى الشر يسمى وسواسا، ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة و كل حادث لا بد له من سبب، و مهما اختلفت الحوادث دل على اختلاف الأسباب.

هذا ما عرف من سنة الله عز و جل في ترتيب المسببات على الأسباب، فمهما استنار حيطان البيت بنور النار و أظلم سقفه و أسود بالدخان، علمت أن سبب السواد غير سبب الاستنارة، كذلك لأنوار القلب و ظلماته سببان مختلفان، فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا و سبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا، و اللطف الذي به يتهيأ القلب لقبول إلهام الملك يسمى توفيقا، و الذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى إغواء و خذلانا، فإن المعاني المختلفة تفتقر إلى أسامي مختلفة، و الملك عبارة عن خلق خلقه الله شأنه إفاضة الخير و إفادة العلم و كشف الحق و الوعد بالمعروف، و قد خلقه الله و سخره لذلك، و الشيطان عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك، و هو الوعد بالشر و الأمر بالفحشاء و التخويف عند الهم بالخير بالفقر، و الوسوسة في مقابلة الإلهام، و الشيطان في مقابلة الملك، و التوفيق في مقابلة الخذلان، و إليه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 383

الإشارة بقوله تعالى:" وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".

فإن الموجودات كلها متقابلة مزدوجة إلا الله تعالى فإنه لا مقابل له، بل هو الواحد الحق الخالق للأزواج كلها، و القلب متجاذب بين الشيطان و الملك، فقد قال صلى الله عليه و آله و سلم: للقلب لمتان لمة من الملك إيعاد بالخير، و تصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، و لمة من العدو إيعاد بالشر و تكذيب بالحق و نهي عن الخير، فمن وجد ذلك فليتعوذ من الشيطان ثم تلا:" الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ" الآية.

و لتجاذب القلب بين هاتين اللمتين قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، و الله سبحانه منزه عن أن يكون له إصبع مركبة من دم و لحم و عظم ينقسم بالأنامل، و لكن روح الإصبع سرعة التقليب و القدرة على التحريك و التغيير، فإنك لا تريد إصبعك لشخصها بل لفعلها في التقليب و الترديد، و كما أنك تتعاطى الأفعال بأصابعك فالله تعالى إنما يفعل ما يفعله باستسخار الملك و الشيطان، و هما مسخران بقدرته في تقليب القلوب كما أن أصابعك مسخرة لك في تقليب الأجسام مثلا، و القلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملائكة و لقبول آثار الشياطين صلاحا متساويا، ليس يترجح أحدهما على الآخر، و إنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى و الإكباب على الشهوات أو الإعراض عنها و مخالفتها، فإن اتبع الإنسان مقتضى الشهوة و الغضب ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى، و صار القلب عش الشيطان و معدنه، لأن الهوي هو مرعى الشيطان و مرتعه، و إن جاهد الشهوات و لم يسلطها على نفسه و تشبه بأخلاق الملائكة صار قلبه مستقر الملائكة و مهبطهم، و لما كان لا يخلو قلب عن شهوة و غضب و حرص و طمع و طول أمل إلى غير

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 384

ذلك من صفات البشرية المتشعبة عن الهوى لا جرم لم يخل قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة، و لذلك قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما منكم من أحد إلا و له شيطان قالوا: و لا أنت يا رسول الله؟ قال: و لا أنا إلا أن الله عز و جل أعانني عليه فأسلم فلم يأمرني إلا بخير.

و إنما كان هذا لأن الشيطان لا يتصرف إلا بواسطة الشهوة، فمن أعانه الله على شهوته حتى صار لا ينبسط إلا حيث ينبغي و إلى الحد الذي ينبغي، فشهوته لا تدعوه إلى الشر، فالشيطان المتدرع بها لا يأمر إلا بالخير، و مهما غلب على القلب ذكر الدنيا و متقضيات الهوى وجد الشيطان مجالا فوسوس، و مهما انصرف القلب إلى ذكر الله تعالى ارتحل الشيطان و ضاق مجالة و أقبل الملك و ألهم، فالتطارد بين جندي الملائكة و الشيطان في معركة القلب دائم إلى أن ينفتح القلب لأحدهما فيسكن و يستوطن، و يكون اجتياز الثاني اختلاسا، و أكثر القلوب قد فتحها جنود الشيطان و ملكوها، فامتلأت بالوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة و اطراح الآخرة، و مبدء استيلائها اتباع الهوى، و لا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان و هو الهوى و الشهوات، و عمارته بذكر الله إذ هو مطرح أثر الملائكة، و لذلك قال الله تعالى:" إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ".

و كل من اتبع الهوى فهو عبد الهوى لا عبد الله، فلذلك تسلط عليه الشيطان و قال تعالى:" أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ" إشارة إلى أن الهوى إلهه و معبوده فهو عبد الهوى لا عبد الله، و لا يمحو وسوسة الشيطان عن القلب إلا ذكر شي‏ء سوى ما يوسوس به، لأنه إذا حضر في القلب ذكر شي‏ء انعدم عنه ما كان فيه من قبل، و لكن كل شي‏ء سوى ذكر الله و سوى ما يتعلق به، فيجوز أن يكون أيضا مجالا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 385

للشيطان، فذكر الله سبحانه هو الذي يؤمن جانبه، و يعلم أنه ليس للشيطان فيه مجال، و لا يعالج الشيطان إلا بضده و ضد جميع وساوس الشيطان ذكر الله تعالى، و الاستعاذة به و التبري عن الحول و القوة، و هو معنى قولك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، و ذلك لا يقدر عليه إلا المتقون الذين الغالب عليهم ذكر الله، و إنما الشيطان يطوف بقلوبهم في أوقات الفلتات على سبيل الخلسة، قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ" و قال مجاهد في قوله:" مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ" قال: هو منبسط على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله سبحانه خنس و انقبض، و إذا غفل انبسط على عقله فالتطارد بين ذكر الله و وسوسة الشيطان كالتطارد بين النور و الظلام و بين الليل و النهار، و لتطاردهما قال الله تعالى:" اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ" و في الحديث: أن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس و إن نسي الله التقم قلبه.

و كما أن الشهوات ممتزجة بلحم الآدمي و دمه فسلطنة الشيطان أيضا سارية في لحمه و دمه و محيطة بالقلب من جوانبه، و لذا قال صلى الله عليه و آله و سلم: إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع، و ذلك لأن الجوع يكسر الشهوة و مجرى الشيطان الشهوات و لأجل اكتناف الشهوات للقلب من جوانبه قال الله تعالى إخبارا عن إبليس:" لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ" و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الشيطان قعد لابن آدم في طرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال له: أ تسلم و تترك دينك و دين آبائك فعصاه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 386

فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أ تهاجر و تدع أرضك و نساءك فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: أ تجاهد و هو تلف النفس و المال فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك و تقسم مالك فعصاه فجاهد، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة فقد ذكر صلى الله عليه و آله و سلم معنى الوسوسة فإذا الوسواس معلوم بالمشاهدة، و كل خاطر فله سبب و يفتقر إلى اسم تعرفه، فاسم سببه الشيطان و لا يتصور أن ينفك عنه آدمي و إنما يختلفون بعصيانه و متابعته، و لذا قال صلى الله عليه و آله و سلم: ما من أحد إلا و له شيطان.

و قد اتضح بهذا النوع من الاستبصار معنى الوسوسة و الإلهام و الملك و الشيطان و التوفيق و الخذلان، فبعد هذا نظر من ينظر في ذات الشيطان، و أنه جسم لطيف أو ليس بجسم، و إن كان جسما فكيف يدخل في بدن الإنسان ما هو جسم، فهذا الآن غير محتاج إليه في علم المعاملة، بل مثال الباحث عن هذا كمثال من دخل في ثوبه حية و هو محتاج إلى دفع ضرارتها، فاشتغل بالبحث عن لونها و طولها و عرضها، و ذلك عين الجهل لمصادفة الخواطر الباعثة على الشرور، و قد علمت، و دل ذلك على أنه عن سبب لا محالة، و علم أن الداعي إلى الشر المحذور المستقبل عدو فقد عرف العدو فينبغي أن يشتغل بمجاهدته.

و قد عرف الله سبحانه عداوته في مواضع كثيرة من كتابه ليؤمن به و يحترز عنه فقال تعالى:" إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ" و قال تعالى:" أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" فينبغي للعبد أن يشتغل بدفع العدو عن نفسه لا بالسؤال عن أصله و نسبه و مسكنه، نعم ينبغي أن يسأل عن سلاحه ليدفعه عن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 387

نفسه، و سلاح الشيطان الهوى و الشهوات، و ذلك كاف للعالمين، فأما معرفة صفة ذاته و حقيقة الملائكة فذلك ميدان العارفين المتغلغلين في علوم المكاشفات، و لا يحتاج في المعاملة إلى معرفته" إلى آخر ما حققه في هذا المقام".

و أقول: ما ذكره أن دفع الشيطان لا يتوقف على معرفته حق لكن تأويل الملك و الشيطان بما أومأ إليه في هذا المقام و صرح به في غيره مع تصريح الكتاب بخلافه جرأة على الله تعالى و على رسوله، كما حققناه في كتابنا الكبير و التوكل على الله العليم الخبير، و إنما بسطنا الكلام في هذا المقام ليسهل عليك فهم الأخبار الماضية و الآتية.

" و شيطان مفتن" بكسر التاء المشددة أو المخففة أي مضل، في القاموس:

الفتنة بالكسر الخبرة و إعجابك بالشي‏ء، فتنة يفتنه فتنا و فتونا و افتنه، و الضلال و الإثم و الكفر و الفضيحة و العذاب، و إذابة الذهب و الفضة، و الإضلال و الجنون و المحنة، و اختلاف الناس في الآراء، و فتنة يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه و افتنه.

قال سبحانه:" إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ" قال البيضاوي: مقدر بأذكر، أو متعلق بأقرب، يعني في قوله:" وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" أي هو أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقى أي يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به" عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ" أي عن اليمين قعيد و عن الشمال قعيد، أي مقاعد كالجليس، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كقوله:" فإني و قيار بها لغريب" و قيل: يطلق الفعيل للواحد و المتعدد كقوله:" وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ"" ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ" ما يرمى به من فيه" إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ" ملك يرقب عمله" عَتِيدٌ" معد حاضر و لعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب، انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 388

و أقول: ظاهر أكثر الأخبار الواردة من طريق الخاص و العام أن المتلقيين و الرقيب العتيد هما الملكان الكاتبان للأعمال، فصاحب اليمين يكتب الحسنات و صاحب الشمال يكتب السيئات، و ظاهر هذا الخبر أن الرقيب و العتيد الملك و الشيطان، بل المتلقيين أيضا، و يحتمل أن يكون هذا بطن الآية أو يكون الرقيب العتيد صاحب اليمين و يكون الزاجر و الكاتب متحدا.

 (الحديث الثاني)

 (1): مجهول.

" فإذا هم العبد"

 (2) للنفس طريق إلى الخير و طريق إلى الشر، و للخير مشقة حاضرة زائلة و لذة غائبة دائمة، و للشر لذة حاضرة فانية و مشقة غائبة باقية، و النفس يطلب اللذة و يهرب عن المشقة، فهو دائما متردد بين الخير و الشر، فروح الإيمان يأمره بالخير و ينهاه عن الشر، و الشيطان بالعكس، و قد مر بعض الكلام في روح الإيمان في كتاب الحجة في باب الأرواح التي فيهم عليهم السلام.

و هنا يحتمل وجوها:" الأول": أن يكون المراد به الملك كما صرح به في بعض الأخبار و سمي بروح الإيمان، لأنه مؤيد له و سبب لبقائه فكأنه روحه و به حياته.

الثاني: أن يراد به العقل فإنه أيضا كذلك، و متى لم يغلب الهوى و الشهوات النفسانية العقل لم يرتكب الخطيئة، فكان العقل يفارقه في تلك الحالة.

الثالث: أن يراد به الروح الإنساني من حيث اتصافه بالإيمان فإنها من هذه الجهة روح الإيمان، فإذا غلبها الهوى و لم يعمل بمقتضاها فكأنها فارقته.

الرابع: أن يراد به قوة الإيمان و كماله و نوره فإن كمال الإيمان باليقين و اليقين بالله و اليوم الآخر لا يجتمع مع ارتكاب الكبائر و الذنوب الموبقة، فمفارقته‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 389

كناية عن ضعفه فإذا ندم بعد انكسار الشهوة مما فعل و تفكر في الآخرة و بقائها و شدة عقوباتها، و خلوص لذاتها، يقوى يقينه فكأنه يعود إليه.

الخامس: أن يراد به نفس الإيمان، و تكون الإضافة للبيان فإن الإيمان الحقيقي ينافي ارتكاب موبقات المعاصي كما أشير إليه بقولهم عليهم السلام: لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن، فإن من آمن و أيقن بوجود النار و إيعاد الله تعالى على الزنا أشد العذاب فيها كيف يجترئ على الزنا و أمثالها، إذ لو أو عده بعض الملوك على فعل من الأفعال ضربا شديدا أو قتلا بل ضربا خفيفا أو إهانة، و علم أن الملك سيطلع عليه لا يرتكب هذا الفعل، و كذا لو كان صبي من غلمانه أو ضعيف من بعض خدمه فكيف الأجانب حاضرا، لا يفعل الأمور القبيحة، فكيف يجتمع الإيمان بأن الملك القادر القاهر الناهي الآمر مطلع على السرائر و لا تخفى عليه الضمائر مع ارتكاب الكبائر بحضرته، و هل هذا إلا من ضعف الإيمان؟ و لذا قيل: الفاسق إما كافر أو مجنون.

السادس: أن يقال في الكافر ثلاثة أرواح هي موجودة في الحيوانات، و هي الروح الحيوانية و القوة البدنية و القوة الشهوانية فإنهم ضيعوا الروح التي بها يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان و جعلوها تابعة للشهوات النفسانية و القوي البهيمية فإما أن تفارقهم بالكلية كما قيل، أو لما صارت باطلة معطلة فكأنها فارقتهم و لذا قال تعالى:" إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا" و في المؤمنين أربعة أرواح فإنه يتعلق بهم روح يصيرون به أحياء بالحياة المعنوية الأبدية، فهي مع الأرواح البدنية تصير أربعا، و في الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام روح خامس هو روح‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 390

القدس كما سيأتي تفصيله.

و هذا على بعض الوجوه قريب من الوجه الثالث. و الحاصل أن الإنسان في بدو الأمر عند كونه نطفة جماد و لها صورة جمادية ثم يترقى إلى درجة النباتات فتتعلق به نفس نباتية ثم يترقى إلى أن يتعلق به نفس حيوانية هي مبدء للحس و الحركة، ثم يترقى إلى أن يتعلق به روح آخر هو مبدء الإيمان و منشأ سائر الكمالات، ثم يترقى إلى أن يتعلق به روح القدس فيحيط بجميع العوالم و يصير محلا للإلهامات الربانية، و الإفاضات السبحانية.

و قال بعضهم بناء على القول بالحركة في الجوهر: أن الصورة النوعية الجمادية المنوية تترقى و تتحرك إلى أن تصير نفسا نباتية ثم تترقى إلى أن تصير نفسا حيوانية و روحا حيوانيا ثم تترقى إلى أن تصير نفسه مجردة على زعمه مدركة للكليات، ثم تترقى إلى أن تصير نفسا قدسيا و روح القدس، و على زعمه يتحد بالعقل.

هذا ما حضرني مما يمكن أن يقال في حل هذه الأخبار باختلاف مسالك العلماء و مذاهبهم في تلك الأمور، و الأول أظهر على قواعد متكلمي الإمامية و ظواهر الأخبار، و الله المطلع على غوامض الأسرار و حججه صلوات الله عليهم ما تعاقب الليل و النهار، و أقول: البارز في‏

قوله عليه السلام: على بطنها

 (1) راجع إلى المرأة المزني بها في الزنا، ذكره على سبيل المثال.

 (الحديث الثالث)

 (2): صحيح.

و قوله: في جوفه‏

 (3)، تأكيد لئلا يتوهم أن المراد بهما

الأذنان‏

 (4) اللتان في الرأس لأن لهما أيضا طريقا إلى القلب، و قال البيضاوي:

" مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ"

 (5) أي الوسوسة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 391

كالزلزال بمعنى الزلزلة، و أما المصدر فبالكسر كالزلزال، و المراد به الموسوس سمي به مبالغة

" الْخَنَّاسِ"

 (1) الذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه" الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ" إذا غفلوا عن ذكر ربهم، و ذلك كالقوة الوهمية فإنها تساعد العقل في المقدمات، فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست و أخذت توسوسه و تشككه" مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ" بيان للوسواس أو للذي أو متعلق بيوسوس أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة و الناس، و قيل: بيان للناس، على أن المراد به ما يعم القبيلتين و فيه تعسف إلا أن يراد به الناسي كقوله:" يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ" فإن نسيان حق الله يعم الثقلين.

و قال الطبرسي قدس سره: فيه أقوال: أحدها: أن معناه من شر الوسوسة الواقعة من الجنة، و الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي، و أصله الصوت الخفي و الوسوسة كالهمهمة، و منه قولهم: فلان موسوس إذا غلب عليه ما يعتريه من المرة يقال: وسوس يوسوس وسواسا و وسوسة و توسوس، و الخنوس:

الاختفاء بعد الظهور، خنس يخنس، و ثانيها: أن معناه من شر ذي الوسواس و هو الشيطان كما جاء في الأثر أنه يوسوس فإذا ذكر ربه خنس، ثم وصفه الله تعالى بقوله:" الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ" أي بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع، ثم ذكر أنه من الجنة و هو الشياطين، و الناس عطف على الوسواس، و ثالثها: أن معناه من شر ذي الوسواس الخناس ثم فسره بقوله:

من الجنة و الناس. فوسواس الجنة هو وسواس الشيطان.

و في وسواس الإنس وجهان: أحدهما أنه وسوسة الشيطان من نفسه، و الثاني‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 392

إغواء من يغويه من الناس، و يدل عليه شياطين الإنس و الجن فشيطان الجن يوسوس و شيطان الإنس يأتي علانية، و يرى أنه ينصح و قصده الشر قال مجاهد:

الخناس الشيطان إذا ذكر الله سبحانه خنس و انقبض، و إذا لم يذكر الله سبحانه انبسط على القلب، و يؤيده ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله: أن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله سبحانه خنس و إن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس، و قيل: الخناس معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور و هو المستتر المختفي عن أعين الناس لأنه يوسوس من حيث لا يرى بالعين، و قيل: إن المعنى يلقي الشغل في قلوبهم بوسواسه، و المراد أن له رفقا به يوصل الوسواس إلى الصدر و هو أعزب من خلوصه بنفسه إلى الصدر.

و روى العياشي عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما من مؤمن إلا و لقلبه في صدره أذنان:

أذن ينفث فيه الملك‏

 (1)، و أذن ينفث فيها الوسواس الخناس فيؤيد الله المؤمن بالملك، و هو قوله سبحانه:

" وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ"

 (2) و قال رحمه الله في قوله تعالى:" أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ" أي ثبت في قلوبهم الإيمان بما فعل بهم من الألطاف فصار كالمكتوب، و قيل: كتب في قلوبهم علامة الإيمان، و معنى ذلك أنها سمة لمن شاهدهم من الملائكة على أنهم مؤمنون" وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ" أي قواهم بنور الإيمان و يدل عليه قوله:" وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ" و قيل معناه:

قواهم بنور الحجج و البرهان حتى اهتدوا للحق و عملوا به، و قيل: قواهم بالقرآن الذي هو حياة القلوب من الجهل، و قيل: أيدهم بجبرئيل في كثير من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 393

المواطن ينصرهم و يدفع عنهم.

و قال البيضاوي:" بِرُوحٍ مِنْهُ" أي من عند الله، و هو نور القلب أو القرآن أو النصر على العدو، و قيل: الضمير للإيمان فإنه سبب لحياة القلب، انتهى.

و روي من طريق العامة أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، قال الأزهري: معناه أنه لا يفارق ابن آدم ما دام حيا كما لا يفارقه دمه، و قال: هذا على طريق ضرب المثل و جمهورهم حملوه على ظاهره، و قالوا: إن الشيطان جعل له هذا القدر من التطرق على باطن الآدمي بلطافة هيئته فيجري في العروق التي هي مجاري الدم إلى أن يصل إلى قلبه، فيوسوسه على حسب ضعف إيمان العبد، و قلة ذكره و كثرة غفلته، و يبعد عنه و يقل تسلطه و سلوكه إلى باطنه بمقدار قوته و يقظته و دوام ذكره و إخلاص توحيده.

و نقل عن ابن عباس أنه تعالى جعله بحيث يجري من بني آدم مجرى الدم و صدور بني آدم مسكن له كما قال:" مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ" إلخ. و الجنة الشياطين و كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إن الشيطان ليجثم على قلب بني آدم له خرطوم كخرطوم الكلب، إذا ذكر العبد لله عز و جل خنس أي رجع على عقبيه، و إذا غفل عن ذكر الله وسوس، فاشتق له اسمان من فعليه، الوسواس من وسوسته عند غفلة العبد، و الخناس من خنوسه عند ذكر العبد، قيل: و الناس عطف على الجنة و الإنس لا يصل في وسوسته بذاته إلى باطن الآدمي فكذا الجنة في وسوسته، و أجيب بأن الإنس ليس له ما للجن من اللطافة، فعدم وصول الإنس إلى الجوف يستلزم عدم وصول الجن إليه.

ثم أن الله تعالى بلطفه جعل للإنسان حفظة من الملائكة، و أعطاهم قوي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 394

الإلهام و الإلمام بهم في بواطن الإنسان في مقابلة لمة الشيطان، كما روي أن للملك لمة بابن آدم و للشيطان لمة، لمة الملك إيعاد بالخير و تصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليحمد الله، و لمة الشيطان إيعاد بالشر و تكذيب بالحق، فمن وجد من ذلك شيئا فليستعذ بالله من الشيطان.

و في النهاية في حديث ابن مسعود: لابن آدم لمتان لمة من الملك و لمة من الشيطان، اللمة: الهمة و الخطرة تقع في القلب، أراد إلمام الملك أو الشيطان به، و القرب منه، فما كان من خطرات الخير فهو من الملك و ما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان.

باب الروح الذي أيد به المؤمن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف.

و قد مر تفسير

الروح‏

 (3) و الأظهر أن المراد هنا أيضا الملك، و المراد

بالإحسان‏

 (4) الإتيان بالطاعات و

بالاتقاء

 (5) الاجتناب عن المنهيات، و

الاعتداد

 (6) التجاوز عن حدود الشريعة أو الظلم على غيره بل على نفسه أيضا

" تهتز"

 (7) أي تتحرك سرورا، في القاموس هزه و به حركه، و الحادي الإبل هزيزا نشطها بحدائه، و الهزة بالكسر النشاط و الارتياح، و تهزهز إليه قلبي ارتاح للسرور، و اهتز عرش الرحمن لموت سعد أي ارتاح بروحه و استبشر لكرامته على ربه، و قال:

ساخت‏

 (8) قوائمه أي خاضت و الشي‏ء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 395

رسب، و الأرض بهم انخسفت، و

الثرى‏

 (1) قيل: هو التراب الندى و هو الذي تحت الظاهر من وجه الأرض، فإن لم يكن فهو تراب، و لا يقال ثري.

و أقول: يظهر من الأخبار أنه منتهى المخلوقات السفلية و عند ذلك ضل علم العلماء.

و قال الفيروزآبادي: الثرى الندى و التراب الندى، أو الذي إذا بل لم يصر طينا و الأرض، و قال: تعهده و تعاهده تفقده و أحدث العهد به، و في المصباح:

عهدت الشي‏ء ترددت إليه و أصلحته، و حقيقته تجديد العهد به، و تعهدته حفظته قال ابن فارس: و لا يقال تعاهدته لأن التفاعل لا يكون إلا من اثنين، و قال الفارابي:

تعهدته أصلح من تعاهدته، انتهى.

و الظاهر أن المراد هنا حفظ نعم الله و استبقاؤها، و استعمال ما يوجب دوامها و بقاؤها، و المراد بالنعم هنا النعم الروحانية من الإيمان و اليقين، و التأييد بالروح و التوفيقات الربانية، و تعاهدها إنما يكون بترك الذنوب و المعاصي، و الأخلاق الذميمة التي توجب نقصها أو زوالها، كما قال عليه السلام: بإصلاحكم أنفسكم.

و" يقينا"

 (2) تميز و زيادة اليقين لقوله تعالى:" لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" و أيضا إصلاح النفس يوجب الترقي في الإيمان و اليقين و ما يوجب الفلاح في الآخرة كما قال سبحانه:" قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها" و

النفيس‏

 (3) الكريم الشريف الذي يتنافس فيه، في المصباح: نفس الشي‏ء نفاسا كرم فهو نفيس، و نفست‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 396

به مثل ضننت به لنفاسته وزنا و معنى، و

الثمين‏

 (1): العظيم الثمن، و المراد بهما هنا الجنة و درجاتها العالية، و السعادة الباقية

" هم بخير"

 (2) أي أراده و قصده‏

" فارتدع عنه"

 (3) أي انزجر عنه و تركه و

" نحن نؤيد الروح"

 (4) أي نقويه، و في بعض النسخ نزيد، فيرجع إلى التأييد أيضا فإنه يتقوى بالطاعة كأنه يزيد.

باب الذنوب‏

 (5) أي غوائلها و تبعاتها و آثارها.

 (الحديث الأول)

 (6): ضعيف.

" أفسد للقلب من خطيئة"

 (7) فإن قلت: ما يفسد القلب فهو خطيئة فما معنى التفضيل؟ قلت: لا نسلم ذلك فإن كثيرا من المباحات تفسد القلب بل بعض الأمراض و الآلام و الأحزان و الهموم، و الوساوس أيضا تفسدها و إن لم تكن مما تستحق عليه العذاب، و هي أعم من الخطايا الظاهرة إذ للظاهر تأثير في الباطن، بل عند المتكلمين الواجبات البدنية لطف في الطاعات القلبية، و من الخطايا القلبية كالعقائد الفاسدة بالمعصية و الصفات الذميمة كالحقد و الحسد و العجب و أمثالها.

" ليواقع الخطيئة"

 (8) أي يباشرها و يخالطها و يرتكبها خطيئة بعد خطيئة، أو يقاتل و يدافع الخطيئة الواحدة أو جنس الخطيئة

" فما تزال به"

 (9) هو من الأفعال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 397

الناقصة و اسمه الضمير الراجع إلى الخطيئة و" به" خبره أي متلبسا به، و قيل: متعلق بفعل محذوف أي تفعل به، و المراد إما جنس الخطيئة أو الخطيئة المخصوصة التي ارتكبها و لم يتب منها، فتؤثر في القلب بحلاوتها حتى تغلب على القلب بالرين و الطبع، أو يدافعها و يحاربها فتغلب عليه حتى يرتكبها لعدم قلع مواد الشهوات عن قلبه على الاحتمال الثاني.

" فيصير أعلاه أسفله"

 (1) أي يصير منكوسا كالإناء المقلوب المكبوب، لا يستقر فيه شي‏ء من الحق و لا يؤثر فيه شي‏ء من المواعظ كما سيأتي في باب ظلمة قلب المنافق:

القلوب ثلاثة، قلب منكوس لا يعي شيئا من الخير، و هو قلب الكافر" الخبر".

و الحاصل أن الخطيئة تلتبس بالقلب و تؤثر فيه حتى تصيره مقلوبا لا يستقر فيه شي‏ء من الخير بمنزلة الكافر، فإن الإصرار على المعاصي طريق إلى الكفر كما قال سبحانه:" ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ" و هذا أظهر الوجوه المذكورة في تلك الآية و هذا الذي خطر بالبال أظهر الأقوال من جهة الأخبار.

و قيل: فيه وجوه أخر" الأول" ما ذكره بعض المحققين: يعني فما تزال تفعل تلك الخطيئة بالقلب و تؤثر فيه بحلاوتها حتى تجعل وجهه الذي إلى جانب الحق و الآخرة إلى جانب الباطل و الدنيا، الثاني: أن المعنى ما تزال تفعل و تؤثر في القلب بميله إلى أمثالها من المعاصي حتى تنقلب أحواله و يتزلزل و يرتفع نظامه، و حاصله يرجع إلى ما ذكرنا لكن الفرق بين، الثالث: ما قيل: فلا تزال به حتى تغلب عليه، فإن لم ترفع بالتوبة الخالصة فتصير أعلاه أسفله أي تكدره و تسوده لأن الأعلى صاف و الأسفل دردي من باب التمثيل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 398

 (الحديث الثاني)

 (1): مرسل.

و الآية في سورة البقرة هكذا:" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏ وَ الْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ

فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ

 (2)" و ذكر البيضاوي قريبا مما ورد في الخبر، قال تعجب من حالهم في الالتباس بموجبات النار من غير مبالاة" ما" تامة مرفوعة بالابتداء، و تخصيصها كتخصيص" شر أهر ذا ناب" أو استفهامية و ما بعدها الخبر، أو موصولة و ما بعدها صلة و الخبر محذوف.

و أقول: يعضده قوله تعالى في الآية السابقة:" ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ" و قال البيضاوي فيه: أما في الحال لأنهم أكلوا ما يلتبس بالنار لكونها عقوبة عليه، فكأنهم أكلوا النار، أو في المال أي لا يأكلون يوم القيامة إلا النار: انتهى.

و أقول: مثله قوله صلى الله عليه و آله و سلم: قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم.

و قال الطبرسي (ره) فيه أقوال: أحدها: أن معناه ما أجرأهم على النار، ذهب إليه الحسن و قتادة، و رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام و الثاني: ما أعملهم بأعمال أهل النار عن مجاهد و هو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام و الثالث: ما أبقاهم على النار، كما يقال: ما أصبر فلانا على الحبس عن الزجاج، و الرابع: ما أدومهم على النار أي ما أدومهم على عمل أهل النار كما يقال ما أشبه سخاك بحاتم، أي بسخاء حاتم، و على هذه الوجوه فظاهر الكلام التعجب و التعجب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 399

لا يجوز على القديم سبحانه، لأنه عالم بجميع الأشياء لا يخفى عليه شي‏ء و التعجب إنما يكون مما لا يعرف سببه، و إذا ثبت ذلك فالغرض أن يدلنا على أن الكفار حلوا محل من يتعجب منه، فهو تعجيب لنا منهم، و الخامس: ما روي عن ابن عباس أن المراد أي شي‏ء أصبرهم على النار أي حبسهم عليها، فيكون للاستفهام، و يجوز حمل الوجوه الثلاثة المتقدمة على الاستفهام أيضا، فيكون المعنى أي شي‏ء أجرأهم على النار و أبقاهم على النار؟ و قال الكسائي: هو استفهام على وجه التعجب، و قال المبرد: هذا حسن لأنه كالتوبيخ لهم و التعجيب لنا، كما يقال لمن وقع في ورطة ما اضطرك إلى هذا؟ إذا كان غنيا عن التعرض للوقوع في مثلها، و المراد به الإنكار و التقريع على اكتساب سبب الهلاك، و تعجيب الغير منه، و من قال معناه ما أجرأهم على النار فإنه عنده من الصبر الذي هو الحبس أيضا، لأن بالجرأة يصبر على الشدة.

 (الحديث الثالث)

 (1): حسن كالصحيح.

و النكبة

 (2) وقوع الرجل على الحجارة عند المشي أو المصيبة، و الأول أظهر كما مر، و قد وقع التصريح في بعض الأخبار التي وردت في هذا المعنى بنكبة قدم.

و المخاطب في هذه الآية من يقع منهم الخطايا و الذنوب لا المعصومون من الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام، فإنها فيهم رفع درجاتهم كما روي عن الصادق عليه السلام أنه لما دخل علي بن الحسين عليهما السلام على يزيد نظر إليه ثم قال: يا علي" ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" فقال عليه السلام: كلا ما هذه فينا، إنما نزل فينا:" ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 400

عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ" فنحن الذين لا ناسي على ما فاتنا و لا نفرح بما أوتينا.

و روى الحميري في قرب الإسناد عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل:" وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" فقال: هو" وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ" قال: قلت: ما أصاب عليا و أشياعه من أهل بيته من ذلك؟ قال: فقال:

إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يتوب إلى الله عز و جل كل يوم سبعين مرة من غير ذنب.

و أقول: سيأتي أخبار كثيرة في ذلك في باب نادر في أواخر هذا المجلد.

و قال الطبرسي (ره):

" وَ ما أَصابَكُمْ"

 (1) معاشر الخلق‏

" مِنْ مُصِيبَةٍ"

 (2) من بلوى في نفس أو مال‏

" فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ"

 (3) من المعاصي‏

" وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ"

 (4) منها فلا يعاقب بها، قال الحسن: الآية خاصة بالحدود التي يستحق على وجه العقوبة، و قال قتادة: هي عامة، و روي عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: خير آية في كتاب الله هذه الآية، يا علي ما من خدش عود و لا نكبة قدم إلا بذنب، و ما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه، و ما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على عبده و قال أهل التحقيق: إن ذلك خاص و إن خرج مخرج العموم، لما يلحق من مصائب الأطفال و المجانين و من لا ذنب له من المؤمنين، و لأن الأنبياء و الأئمة يمتحنون بالمصائب و إن كانوا معصومين من الذنوب لما يحصل لهم في الصبر عليها من الثواب، انتهى.

و قيل: الذنوب متفاوتة بالذات، و بالنسبة إلى الأشخاص، و ترك الأولى ذنب بالنسبة إليهم، فلذلك قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، و يؤيده ما أصاب آدم و يونس و غيرهما بسبب تركهم ما هو أولى بهم، و لئن سلم فقد يصاب البري‏ء بذنب الجري‏ء، و ما ذكرنا أظهر و أصوب و مؤيد بالأخبار.

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 401

 (الحديث الرابع)

 (1): كالسابق سندا و معنى.

 (الحديث الخامس)

 (2): ضعيف على المشهور.

" لا تبدين عن واضحة"

 (3) الإبداء الإظهار و تعديته بعن لتضمين معنى الكشف، و في الصحاح و القاموس و المصباح: الواضحة الأسنان تبدو عند الضحك، و في القاموس:

فضحه‏

 (4) كمنعه كشح مساويه، أي لا تضحك ضحكا يبدو به أسنانك، و يكشف عن سرور قلبك، و قد علمت أعمالا قبيحة افتضحت بها عند الله و عند ملائكته و عند الرسول و الأئمة صلوات الله عليهم، و لا تدري أ غفر الله لك أم يعذبك عليها، و لذا كان من علامة المؤمنين أن ضحكهم التبسم، و يؤيده ما روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و بكيتم كثيرا لكن البشر في الجملة مطلوب كما مر أن بشره في وجهه و حزنه في قلبه، و قوله: و قد عملت، جملة حالية.

" و لا يأمن البيات"

 (5) بكسر النون ليكون نهيا و الكسرة لالتقاء الساكنين، أو بالرفع خبرا بمعنى النهي، و ما قيل: إنه معطوف على الجملة الحالية بعيد، و المراد بالبيات نزول الحوادث عليه ليلا أو غفلة و إن كان بالنهار، في المصباح:

البيات بالفتح الإغارة ليلا و هو اسم من بيته تبييتا و بيت الأمر دبره ليلا.

 (الحديث السادس)

 (6): حسن أو موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 402

و في القاموس:

سطا

 (1) عليه و به سطوا و سطوة صال أو قهر بالبطش، و ساطاه شدد عليه، و في المصباح هو الأخذ بشدة.

 (الحديث السابع)

 (2): موثق.

" كلها شديدة"

 (3) لأن معصية الجليل جليلة، أو استيجاب غضب الله و عقوبته مع عدم العلم بالعفو عظيم، أو لأن التوبة المقبولة نادرة مشكلة، و شرائطها كثيرة، و التوفيق لها عزيز

" و أشدها ما نبت عليه اللحم و الدم"

 (4) كان المراد به ماله دخل في قوام البدن من المأكول و المشروب الحرامين، و يحتمل أن يكون المراد به ذنبا أصر و داوم عليه مدة نبت فيه اللحم و العظم، و إطلاق هذه العبارة في الدوام و الاستمرار شائع في عرف العرب و العجم، بل أخبار الرضاع أيضا ظاهرة في ذلك.

" لأنه إما مرحوم و إما معذب"

 (5) أي آخرا أو في الجنة و النار لكن لا بد أن يعذب في البرزخ أو المحشر قدر ما يطيب جسمه الذي نبت على الذنوب‏

" لأن الجنة لا يدخلها إلا طيب".

 (6) أقول: و يؤيده ما روي في النهج أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لقائل قال بحضرته أستغفر الله: ثكلتك أمك أ تدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين و هو اسم واقع على ستة معان: أولها: الندم علي ما مضى، و الثاني: العزم على ترك العود إليه أبدا، و الثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله عز و جل أملس‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 403

ليس عليك تبعة، و الرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، و الخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد، و السادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول أستغفر الله.

و قيل: المرحوم من كفرت ذنوبه بالتوبة أو البلايا أو العفو، و المعذب من لم تكفر ذنوبه بأحد هذه الوجوه.

و أقول: هذا الخبر ينافي ظاهرا عموم الشفاعة و عفو الله و تكفير السيئات بالحسنات على القول به، و أجيب بوجوه:" الأول" أن يقال يعني أن صاحب الذنب الذي نبت عليه اللحم و الدم أمره في مشية الله لأنه ليس بطيب و لا يدخل الجنة قطعا و حتما إلا طيب" الثاني" أن يخص هذا بغير تلك الصور، أي لا يدخلها بدون الشفاعة و العفو و التكفير" الثالث" ما قيل أنه تعالى ينزع عنهم الذنوب فيدخلونها، و هم طيبون من الذنوب، و يؤيده قوله تعالى:" وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ" الآية و هو بعيد.

 (الحديث الثامن)

 (1): ضعيف على المشهور.

" فيزوى عنه الرزق"

 (2) أي يقبض أو يصرف و ينحي عنه، أي قد يكون تقتير الرزق بسبب الذنب عقوبة أو لتكفير ذنبه، و ليس هذا كليا بل هو بالنسبة إلى غير المستدرجين، فإن كثيرا من أصحاب الكبائر يوسع عليهم الرزق، و في النهاية زويت لي الأرض أي جمعت، و في حديث الدعاء: و ما زويت عني مما أحب أي صرفته عني و قبضته.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 404

 (الحديث التاسع)

 (1): ضعيف على المشهور.

و قال الصدوق رضي الله عنه في كتاب معاني الأخبار بعد إيراد هذه الرواية:

قال مصنف هذا الكتاب: معنى‏

قوله: ملعون‏

 (2) من كمه أعمى يعني من أرشد متحيرا في دينه إلى الكفر و قرره في نفسه حتى اعتقده و

قوله: من عبد الدينار و الدرهم‏

 (3) يعني به من يمنع زكاة ماله و يبخل بمواساة إخوانه فيكون قد آثر عبادة الدينار و الدرهم على عبادة الله، و أما نكاح البهيمة فمعلوم، انتهى.

و أقول: اللعن الطرد و الإبعاد عن الخير من الله، و من الخلق السب و الدعاء و طلب البعد من الخير و كل من أطاع من لم يأمره الله بطاعته فقد عبده، كما قال تعالى:" أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ" و قال سبحانه:" اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ" و كذا من آثر حب شي‏ء على رضا الله و طاعته فقد عبده كعبادة الدينار و الدرهم.

قال الراغب: العبودية إظهار التذلل و العبادة أبلغ نهاية غاية التذلل، و لا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، و هو الله تعالى، و العبد يقال على أضرب:

الأول: عبد بحكم الشرع و هو الإنسان الذي يصح بيعه و ابتياعه، و الثاني عبد بالعبادة و الخدمة، و الناس في هذا ضربان عبد الله مخلصا و هو المقصود بقوله:" وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ" و أمثاله و عبد الدنيا و أعراضها و هو المعتكف على خدمتها و مراعاتها، و إياه قصد النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقوله: تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، و على هذا النحو يصح أن يقال: ليس كل إنسان عبد الله، فإن العبد على هذا المعنى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 405

العابد لكن العبد أبلغ من العابد، انتهى.

و أما

قوله: من كمه أعمى‏

 (1)، ففي القاموس: الكمة محركة العمى، يولد به الإنسان أو عام، كمه كفرح عمي و صار أعشى، و بصره اعترته ظلمة تطمس عليه، و المكمه العينين كمعظم من لم تنفتح عيناه، و الكامه من يركب رأسه و لا يدري أين يتوجه كالمتكمه، و قال الجوهري: الأكمه الذي يولد أعمى و قد كمه بالكسر كمها و استعاره سويد فجعله عارضا بقوله: كمهت عيناه حتى ابيضتا، أبو سعيد: الكامه الذي يركب رأسه لا يدري أين يتوجه، يقال: خرج يكتمه في الأرض، انتهى.

و قال الراغب: العمى يقال في افتقاد البصر و افتقاد البصيرة، و يقال في الأول أعمى، و في الثاني أعمى و عمي.

و إذا عرفت هذا فاعلم أن هذه الفقرة تحتمل وجوها: الأول: ما مر عن الصدوق (ره) و كأنه أظهرها، الثاني: أن يكون المعنى أضل أعمى البصر عن الطريق و حيرة أو لا يهديه إليها، الثالث: أن يقول للأعمى يا أعمى أو يا أكمه، معيرا له له بذلك، الرابع: أن يكون المعنى من يذهب طريقا و يختار مذهبا لا يدري هو حق أم لا كأكثر الناس، فيكون كمه بكسر الميم المخففة مأخوذا من الكامه الذي ذكره الجوهري و الفيروزآبادي، فيكون أعمى حالا عن المستتر في كمه، أي أعمى القلب، و هذا وجه وجيه مما خطر بالبال إن كان فعل المجرد استعمل بهذا المعنى كما هو الظاهر، و لقد أعجب بعض من كان في عصرنا حيث نقل عبارة القاموس:

من يركب فرسه، فقال: و يحتمل كمه بالتخفيف و المعنى من ركب أعمى فهو كناية عمن لم يسلك الطريق الواضحة، الخامس: أن يقرأ بالتخفيف أيضا و يكون المعنى من كان أعمى مولودا على العمى لم يهتد إلى الخير سبيلا قط، بخلاف من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 406

يكون لواما يتنبه و يغفل أحيانا، السادس: أن يقرأ بضم الكاف و تشديد الميم اسما، و يكون عمى الكم كناية عن البخل.

و أقول: الأظهر على هذا الوجه أن يكون كناية عن أنه لا يبالي أن يأخذ المال من حرام أو شبهة أو حلال، أو يعطي المال كيفما اتفق و يبذر و لا يعلم مصارفه الشرعية.

و أما نكاح البهيمة فالظاهر أن المراد به الوطء كما فهمه الصدوق (ره) و غيره، و ربما يحمل على العقد فيكون المراد بالبهيمة المرأة المخالفة أو تزويج البنت المخالف كما مر: أن الناس كلهم بهائم إلا قليلا من المؤمنين، و كما قيل في قولهم عليهم السلام: لا ننزي حمارا على عتيقه، و ربما يقرأ نكح بالتشديد على بعض الوجوه، و لا يخفى ما في الجميع من التكلف.

 (الحديث العاشر)

 (1): ضعيف على المشهور.

و المحقرات‏

 (2) على بناء المفعول من الأفعال أو التفعيل: عدها حقيرة، في القاموس:

الحقر الذلة كالحقرية بالضم و الحقارة مثلثة و المحقرة و الفعل كضرب و كرم و الإذلال كالتحقير و الاحتقار و الاستحقار، و الفعل كضرب و حقر الكلام تحقيرا صغره، و المحقرات الصغائر و تحاقر تصاغر، و في المصباح حقر الشي‏ء بالضم حقارة هان قدره فلا يعبأ به فهو حقير، و يعدى بالحركة فيقال حقرته من باب ضرب و أحقرته، و قال:

الذنب‏

 (3) الإثم، و الجمع ذنوب، و أذنب صار ذا ذنب بمعنى تحمله.

" فإن لها طالبا"

 (4) أي إن للذنوب طالبا يعلمها و يكتبها و قرر عليها عقابا و إذا حقرها فهو يضر عليها و تصير كبيرة، فيمكن أن لا يعفو عنها مع أنه قد ورد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 407

أنها لا تغفر، و لا ينبغي الاتكال على التوبة و الاستغفار فإنه يمكن أن لا يوفق لها و تدركه المنية، فيذهب بلا توبة، و قيل: يستفاد من الحديث أن الجرأة على الذنب اتكالا على الاستغفار بعده تحقير له، و هو كذلك كيف لا و هذا محقق معجل نقد، و ذاك موهوم مؤجل نسيئة.

" إن الله عز و جل يقول"

 (1) بيان لقوله: إن لها طالبا، و الآية في سورة يس هكذا:" إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى‏ وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا" و كأنه من النساخ أو الرواة، و قيل: هذا نقل للآية بالمعنى لبيان أن هذه الكتابة تكون بعد إحياء الموتى على أجسادهم لفضيحتهم.

و قال في مجمع البيان:

" وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا"

 (2) من طاعاتهم و معاصيهم في دار الدنيا، و قيل: نكتب ما قدموه من عمل ليس له أثر، و

" آثارَهُمْ"

 (3) أي ما يكون له أثر و قيل: يعني بآثارهم أعمالهم التي صارت سنة بعدهم يقتدي فيها بهم حسنة كانت أم قبيحة و قيل: معناه و نكتب خطاهم إلى المساجد، و سبب ذلك ما رواه الخدري أن بني سلمة كانوا في ناحية المدينة فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بعد منازلهم من المسجد و الصلاة معه، فنزلت الآية

" وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ"

 (4) أي و أحصينا و عددنا كل شي‏ء من الحوادث في كتاب ظاهر و هو اللوح المحفوظ، و الوجه في إحصاء ذلك فيه اعتبار الملائكة به إذا قابلوا به ما يحدث من الأمور، و يكون فيه دلالة على معلومات الله سبحانه على التفصيل، و قيل: أراد به صحائف الأعمال، و سمي ذلك مبينا لأنه لا يدرس أثره، انتهى.

و قد ورد في كثير من الأخبار أن الإمام المبين أمير المؤمنين عليه السلام، و قيل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 408

أريد بالآثار الأعمال، و بما قدموا النيات المقدمة عليها، و قال (ره) في‏

قوله تعالى:" يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ"

 (1) معناه أن فعلة الإنسان من خير أو شر إن كانت مقدار حبة خردل في الوزن، و يجوز أن يكون الهاء في أنها ضمير القصة

" فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ"

 (2) أي فتكن تلك الحبة في جبل أي في حجرة عظيمة، لأن الحبة فيها أخفى و أبعد من الاستخراج‏

" أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ"

 (3) ذكر السماوات و الأرض بعد ذكر الصخرة و إن كان لا بد أن تكون الصخرة في الأرض على وجه التأكيد، و قال السدي: هذه الصخرة ليست في السماوات و لا في الأرض و هي تحت سبع أرضين، و هذا قول مرغوب عنه‏

" يَأْتِ بِهَا اللَّهُ"

 (4) أي يوم القيامة و يجازي عليها أي يأت بجزاء ما وازنها من خير أو شر، و قيل: معناه يعلمها الله فيأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من خير أو شر" يَعْلَمْهُ اللَّهُ" فيجازي عليه، فهو مثل قوله:" فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ".

روى العياشي عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اتقوا المحقرات من الذنوب فإن لها طالبا، لا يقولن أحدكم أذنب و أستغفر الله تعالى، إن الله تعالى يقول:" إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ" الآية.

" إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ"

 (5) باستخراجها

" خَبِيرٌ"

 (6) بمستقرها، انتهى.

و قال بعض المحققين: خفاء الشي‏ء إما لغاية صغره، و إما لاحتجابه، و إما لكونه بعيدا، و إما لكونه في ظلمة، فأشار إلى الأول بقوله: مثقال حبة، و إلى الثاني بقوله: فتكن في صخرة، و إلى الثالث بقوله: أو في السماوات، و إلى الرابع بقوله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 409

أو في الأرض.

و أقول: قد ورد في بعض الأخبار أن المراد بالصخرة هي التي تحت الأرضين و قد أوردتها في الكتاب الكبير، و الاستشهاد بالآيتين لأن يعلم أن الله سبحانه عالم بجميع أعمال العباد و أحصاها و كتبها و أوعد عليها العقاب، فلا ينبغي تحقير المعاصي لأن الوعيد معلوم، و الموعد عالم قادر، و العفو غير معلوم.

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): مجهول.

و في القاموس:

حرمة

 (2) الشي‏ء كضربه و علمه حريما و حرمانا بالكسر منعه و أحرمه لغة.

 (الحديث الثاني عشر)

 (3): مجهول.

و في القاموس‏

درأه‏

 (4) كجعله درءا دفعه، و الفعل هنا على بناء المجهول، و يحتمل المعلوم بإرجاع المستتر إلى الذنب، و اللام في الذنب للعهد الذهني أي أي ذنب كان بل يمكن شموله للمكروهات و ترك المستحبات كما تشعر به الآية و إن أمكن حملها علي أنهم لم يؤدوا الزكاة الواجبة، أو كان الزكاة عندهم حق الجواد و الصرام، أو كان هذا أيضا واجبا في شرعهم كما قيل بوجوبه في شرعنا أيضا.

قال الطبرسي (ره) في جامع الجوامع:" إِنَّا بَلَوْناهُمْ" أي أهل مكة بالجوع و القحط بدعاء الرسول صلى الله عليه و آله و سلم" كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ" و هم إخوة كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء اليمن بفرسخين فكان يأخذ منها قوت سنة و يتصدق بالباقي،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 410

و كان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل و ما في أسفل الأكداس و ما أخطأه القطاف من العنب و ما بقي من البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت، فكان يجتمع لهم شي‏ء كثير، فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر و نحن أولو عيال، فحلفوا

ليصرمنها

 (1) داخلين في وقت الصباح خفية عن المساكين‏

" وَ لا يَسْتَثْنُونَ"

 (2) أي لم يقولوا إنشاء الله في يمينهم فأحرق الله جنتهم.

و قال البيضاوي" وَ لا يَسْتَثْنُونَ" و لا يقولون إنشاء الله و إنما سماه استثناء لما فيه من الإخراج غير أن المخرج به خلاف المذكور، و المخرج بالاستثناء عينه أو لأن معنى لا أخرج إنشاء الله و لا أخرج إلا أن يشاء الله واحد، أو لا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم‏

" فَطافَ عَلَيْها"

 (3) على الجنة" طائِفٌ" بلاء طائف‏

" مِنْ رَبِّكَ"

 (4) مبتدأ منه.

و قال في المجمع: أي أحاطت بها النار" فاحترقت" أو طرقها طارق من أمر الله‏

" وَ هُمْ نائِمُونَ"

 (5) قال مقاتل: بعث الله نارا بالليل إلى جنتهم فأحرقتها حتى صارت مسودة فذلك قوله" كَالصَّرِيمِ" أي كالليل المظلم، و الصريمان الليل و النهار لانصرام أحدهما عن الآخر، و قيل: كالمصروم ثماره أي المقطوع، و قيل: أي الذي صرم عنه الخير فليس فيه شي‏ء منه، و قيل: أي كالرملة انصرمت من معظم الرمل، و قيل: كالرماد الأسود" فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ" أي نادى بعضهم بعضا وقت الصباح" أَنِ اغْدُوا" أي بأن اغدوا" عَلى‏ حَرْثِكُمْ" الحرث الزروع و الأعناب" إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ" أي قاطعين النخل" فَانْطَلَقُوا" أي فمضوا إليها" وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ" يتسارون بينهم" أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ" هذا ما كانوا يتخافتون به" وَ غَدَوْا عَلى‏ حَرْدٍ" أي على قصد منع الفقراء" قادِرِينَ" عند أنفسهم و في اعتقادهم على منعهم و إحراز

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 411

ما في جنتهم، و قيل: على حرد أي على جد و جهد من أمرهم و قيل: على حنق و غضب من الفقراء، و قيل: قادرين مقدرين موافاتهم الجنة في الوقت الذي قدروا إصرامها فيه، و هو وقت الصبح" فَلَمَّا رَأَوْها" أي رأوا الجنة على تلك الصفة" قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ" ضللنا عن الطريق فليس هذا بستاننا، أو لضالون عن الحق في أمرنا فلذلك عوقبنا بذلك، ثم استدركوا فقالوا" بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ" أي هذه جنتنا و لكن حرمنا نفعها و خيرها لمنعنا حقوق المساكين، و تركنا الاستثناء.

" قالَ أَوْسَطُهُمْ" أي أعدلهم قولا أو أفضلهم و أعقلهم، أو أوسطهم في السن" أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ" كأنه كان حذرهم سوء فعالهم فقال لو لا تستثنون لأن في الاستثناء التوكل على الله و التعظيم لله و الإقرار على أنه لا يقدر أحد على فعل شي‏ء إلا بمشيئة الله فلذلك سماه تسبيحا، و قيل: معناه هلا تعظمون الله بعبادته و اتباع أمره، أو هلا تذكرون نعم الله عليكم فتؤدوا شكرها بأن تخرجوا حق الفقراء من أموالكم أو هلا نزهتم الله عن الظلم و اعترفتم بأنه لا يظلم و لا يرضى منكم بالظلم، و قيل: أي لم لا تصلون، ثم حكي عنهم أنهم" قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ" في عزمنا على حرمان المساكين من حصتهم عند الصرام أو أنه تعالى منزه عن الظلم فلم يفعل بنا ما فعله ظلما، و إنما الظلم وقع منا حيث منعنا الحق" فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ" أي يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم" قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ" قد علونا في الظلم و تجاوزنا الحد فيه، و الويل غلظ المكروه الشاق على النفس" عَسى‏ رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها" أي لما تابوا و رجعوا إلى الله قالوا لعل الله يخلف علينا و يولينا خيرا من الجنة التي هلكت" إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا راغِبُونَ" أي نرغب إلى الله و نسأله ذلك و نتوب إليه مما فعلناه" كَذلِكَ الْعَذابُ" في الدنيا للعاصين" وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 412

و روي عن ابن مسعود أنه قال: بلغني أن القوم أخلصوا و عرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا، و قال أبو خالد الهامي: رأيت تلك الجنة و رأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم.

 (الحديث الثالث عشر)

 (1): موثق كالصحيح.

" خرج في قلبه نكتة"

 (2) النكتة: النقطة و كل نقطة في الشي‏ء بخلاف لونه فهي نكتة، و قيل: إن الله خلق قلب المؤمن نورانيا قابلا للصفات النورانية، فإن أذنب خرج فيه نقطة سوداء، فإن تاب زالت تلك النقطة و عاد محلها إلى نورانيته، و إن زاد في الذنب سواء كان من نوع ذلك الذنب أم من غيره زادت نقطة أخرى‏

سوداء

 (3) و هكذا حتى تغلب النقاط السود على جميع قلبه، فلا يفلح بعدها أبدا لأن القلب حينئذ لا يقبل شيئا من الصفات النورانية، و الظاهر أنه إن تاب من ذنب ثم عاد لم تبطل التوبة الأولى، و أنه إن تاب من بعض الذنوب دون بعض فهي صحيحة على أحد القولين فيهما.

أقول: و قال بعض المحققين بعد أن حقق أن القلب هو اللطيفة الربانية الروحانية التي لها تعلق بالقلب الصنوبري كما مر ذكره: القلب في حكم مرآة قد اكتنفته هذه الأمور المؤثرة فيه، و هذه الآثار على التوالي واصلة إلى القلب، أما الآثار المحمودة فإنها تزيد مرآة القلب جلاءا و إشراقا و نورا و ضياء حتى يتلألأ فيه جلية الحق و تنكشف فيه حقيقة الأمر المطلوب في الدين، و إلى مثل هذا القلب الإشارة بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه، و بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ، و هذا القلب هو الذي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 413

يستقر فيه الذكر قال الله تعالى:" أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" و أما الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب، و لا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسود و يظلم، و يصير بالكلية محجوبا عن الله تعالى، و هو الطبع و الرين، قال الله تعالى:" كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ" و قال الله تعالى:" أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ نَطْبَعُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ" فربط عدم السماع و الطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى حيث قال:" وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اسْمَعُوا"" فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ"" وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ" و مهما تراكمت الذنوب طبع على القلب، و عند ذلك يعمى القلب عن إدراك الحق و صلاح الدين و يستهين بالآخرة و يستعظم أمر الدنيا، و يصير مقصور الهم عليه، فإذا قرع سمعه أمر الآخرة و ما فيها من الأخطار دخل من أذن و خرج من الأخرى، و لم يستقر في القلب و لم يحركه إلى التوبة و التدارك" أولئك الذين يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ" و هذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن و السنة.

قال بعضهم: روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر، و قلب الكافر أسود منكوس، فطاعة الله تعالى بمخالفة الشهوات مصقلات للقلب و معصيته مسودات له فمن أقبل على المعاصي أسود قلبه، و من أتبع السيئة الحسنة و محي أثرها لم يظلم قلبه، و لكن ينقص نوره كالمرآة التي يتنفس فيها، ثم يمسح ثم يتنفس ثم يمسح فإنها لا تخلو عن كدورة، قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 414

اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ" فأخبر أن جلاء القلب و إبصاره يحصل بالذكر و أنه لا يتمكن منه إلا الذين اتقوا، فالتقوى باب الذكر و الذكر باب الكشف، و الكشف باب الفوز الأكبر و هو الفوز بلقاء الله تعالى.

أقول: هذا من تحقيقات بعض الصوفية أوردناه استطرادا، و فيه حق و باطل و الله الملهم للخير و الصواب.

 (الحديث الرابع عشر)

 (1): صحيح.

" فيكون من شأنه"

 (2) ضمير شأنه راجع إلى الله تعالى و يحتمل رجوعه إلى مصدر يسأل أو العبد، و مال الجميع واحد، أي له قابلية قضاء الحاجة، قيل: لا يقال هذا ينافي ما في بعض الروايات من أن العاصي إذا دعاه أجابه بسرعة كراهة سماع صوته؟ لأنا نقول: لا منافاة بينهما لأن هناك شيئين: أحدهما المعصية و هي تناسب عدم الإجابة، و الثاني كراهة سماع صوته و هي تناسب سرعة الإجابة فربما ينظر إلى الأول فلا يجيبه، و ربما ينظر إلى الثاني فيجيبه، و ليس في الأخبار ما يدل على أن العاصي يجاب دائما، و لو سلم لأمكن حمل هذا الخبر على أن المؤمن الصالح إذا أذنب و تعرض لسخط ربه استوجب الحرمان، و لا يقضي الله حاجته تأديبا له لينزجر عما يفعله.

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 415

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): صحيح و معلق على السند السابق.

" إلى غيرهم"

 (2) أي من المطيعين إن كانوا مستحقين للمطر

" و إلا فإلى الفيافي"

 (3) و في النهاية: الفيافي هي البراري الواسعة جمع فيفاء، و في القاموس، الفيف المكان المستوي أو المفازة لا ماء فيها كالفيفاة و الفيفاء و يقصر، و قال: الجعل كصرد دويبة، و في المصباح: الجعل وزان عمر الحرباء و هو ذكر أم جبين، و قال:

المحل‏

 (4) بفتح الحاء و الكسر لغة موضع الحلول، و

المحلة

 (5) بالفتح المكان ينزله القوم" عن الأرض التي هي بمحلها" الظاهر أن الضمير في قوله: بمحلها راجع إلى الجعل، أي الأرض التي هي متلبسة بمحل الجعل، أي مشتملة عليه، أو ضمير هي راجع إلى الجعل و ضمير محلها إلى الأرض، فتكون إضافة المحل إلى الضمير من إضافة الجزء إلى الكل، و الأول أظهر و ضمير

" بحضرتها"

 (6) للجعل.

" فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ"

 (7) الاعتبار الاتعاظ و التفكر في العواقب و قبول النصيحة، و أولو الأبصار أصحاب البصائر و العقول، أي تفكروا في أنه إذا كان حال الحيوان الغير المكلف القليل الشعور أو عديمه هكذا في التضرر بمجاورة أهل المعاصي، فكيف تكون حالك في المعصية و مجاورة أهلها؟ و هذا الخبر مما يدل على أن للحيوانات شعورا و علما ببعض التكاليف الشرعية و أفعال العباد و أعمالهم، و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 416

أن لهم نوعا من التكليف خلافا لأكثر الحكماء و المتكلمين، و يؤيده قصة الهدهد و سائر الأخبار التي أوردتها في الكتاب الكبير، و ربما يأول الجعل بأن المراد بها ضعفاء بني آدم، و لا يخفى بعده.

ثم إن الخبر يدل على وجوب المهاجرة من بلاد أهل المعاصي إذا لم يمكن نهيهم عن المنكر.

 (الحديث السادس عشر)

 (1): موثق كالصحيح.

و

الذنب‏

 (2) منصوب مفعول مطلق و اللام للعهد الذهني‏

" أسرع"

 (3) أي نفوذا أو تأثيرا في صاحبه، و كما أن كثرة نفوذ السكين في المرء يوجب هلاكه البدني فكذا كثرة الخطايا توجب هلاكه الروحاني.

 (الحديث السابع عشر)

 (4): كالسابق.

" السيئة"

 (5) أي نوعا من السيئة تكون مع تحقيرها و الاستهانة بها أو غير ذلك، و العزة القدرة و الغلبة، و الجلال الكبرياء و العظمة

" لا أغفر لك"

 (6) أي يستحق لمنع اللطف و عدم التوفيق للتوبة، و لا يستحق المغفرة، و فيه تحذير عن جميع السيئات فإن كل سيئة يمكن أن تكون هذه السيئة.

 (الحديث الثامن عشر)

 (7): مرسل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 417

" حق على الله"

 (1) أي جعلها سبحانه واجبا لازما على نفسه‏

" أن لا يعصي"

 (2) كان المراد كثرة وقوع المعاصي فيها

" إلا أضحاها"

 (3) أي خربها و أظهر أرضها للشمس حتى تشرق عليها و تطهرها من النجاسة المعنوية، و هي كناية عن أن المعاصي تخرب الديار، و فيه إشعار بأن الشمس تطهر الأرض، و في القاموس: أضحى الشي‏ء أظهره و ضحا ضحوا برز للشمس و كسعى و رضي أصابته الشمس، و أرض مضحاة لا تكاد تغيب عنه الشمس و ضحا الطريق ضحوا بدا و ظهر.

 (الحديث التاسع عشر)

 (4): ضعيف.

و قد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لا تتكلموا بشفاعتنا فإن شفاعتنا قد لا تلحق بأحدكم إلا بعد ثلاثمائة سنة، و في الخبر دلالة على أن الذنب يمنع من دخول الجنة في تلك المدة، و لا دلالة فيه على أنه في تلك المدة في النار أو في شدائد القيامة، و في المصباح: النعمة بالفتح اسم من التنعم و التمتع و هو النعيم و نعم عيشه كتعب اتسع و لأن، و نعمه الله تنعيما جعله ذا رفاهية.

 (الحديث العشرون)

 (5): مجهول.

و قد مر شرحه و روي مثله عن أمير المؤمنين عليه السلام في النهج حيث قال: إن الإيمان يبدو لمظة في القلب كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة، و قال ابن ميثم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 418

اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض، و منه قيل: فرس لمظ إذا كان بجحفلته شي‏ء من البياض، و توضيح الكلام أن بأصل الإيمان تظهر نكتة أبيض في قلب من آمن أول مرة، ثم إذا أقر باللسان ازدادت تلك النكتة، و إذا عمل بالجوارح عملا صالحا ازدادت حتى يصير قلبه نورانيا كالنير الأعظم، و بعكس ذلك في العمل السي‏ء.

و تحقيق الكلام في هذا المقام أن المقصود بالقصد الأول بالأعمال الظاهرة و الأمر بمحاسنها و النهي عن مقابحها، هو ما تكتسب النفس منها من الأخلاق الفاضلة و الصفات الفاسدة، فمن عمل عملا صالحا أثر في نفسه، و بازدياد العمل يزداد الضياء و الصفاء، حتى تصير كمرآة مجلوة صافية، و من أذنب ذنبا أثر ذلك أيضا و أورث لها كدورة فإن تحقق عنده قبحه و تاب عنه زال الأثر و صارت النفس مصقولة صافية، و إن أصر عليه زاد الأثر الميشوم و فشا في النفس و استعلى عليها و صار من أهل الطبع و لم ترجع إلى خير أبدا، إذ دواء هذا الداء هو الانكسار و هضم النفس و الاعتراف بالتقصير و الرجوع إلى الله بالتوبة و الاستغفار، و الانقلاع عن المعاصي، و لا محل لشي‏ء من ذلك إلى هذا القلب المظلم، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ثم أشار إلى أن ذلك هو الرين المذكور في الآية الكريمة بقوله: و هو قول الله تعالى:" كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ" قيل: أي غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون حتى قبلت الطبع و الختم على وجه لا يدخل فيها شي‏ء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 419

من الحق، و المراد بما كانوا يكسبون الأعمال الظاهرة القبيحة و الأخلاق الباطنة الخبيثة، فإن ذلك سبب لرين القلب و صداه، و موجب لظلمته و عماه، فلا يقدر أن ينظر إلى وجوه الخيرات و لا يستطيع أن يشاهد صور المعقولات كما أن المرآة إذا ألقيت في مواضع النداء ركبها الصداء و أذهب صفائها و أبطل جلائها، فلا ينتقش فيها صور المحسوسات.

و بالجملة يشبه القلب في قسوته و غلظته و ذهاب نوره بما يعلوه من الذنوب و الهوى و ما يكسوه من الغفلة و الردي، بالمرآة المنكدرة من الندى، و كما أن هذه المرآة يمكن إزالة ظلمتها بالعمل المعلوم كذلك هذا القلب يمكن تصفيته من ظلمات الذنوب و كدورات الأخلاق بدوام الذكر و التوبة الخالصة، و الأعمال الصالحة و الأخلاق الفاضلة حتى ينظر إلى عالم الغيب بنور الإيمان، و يشاهده مشاهدة العيان، إلى أن يبلغ إلى أعلى درجات الإحسان فيعبد الله كأنه يراه، و يرى الجنة و ما أعد الله فيها لأوليائه، و يرى النار و ما أعد الله فيها لأعدائه.

و قال البيضاوي عند قوله تعالى:" وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ، إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ،

كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ"

 (1) رد لما قالوه، و بيان لما أدى بهم إلى هذا القول بأن غلب عليهم حب المعاصي بالانهماك فيه حتى صار ذلك صداء على قلوبهم، فعمي عليهم معرفة الحق و الباطل، فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات كما قال صلى الله عليه و آله و سلم: إن العبد كلما أذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة سوداء، حتى يسود قلبه، و الرين الصداء.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (2): ضعيف على المشهور و قد مر مضمونه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 420

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (1): مجهول.

" لا ينعم"

 (2) استئناف بياني أو منصوب بتقدير أن، و

قوله: فيسلبها

 (3) معطوف على المنفي لا على النفي، و حتى للاستثناء و المشار إليه في‏

قوله: بذلك‏

 (4) إما مصدر يحدث أو الذنب و المال واحد، و في القاموس:

النقمة

 (5) بالكسر و الفتح و كفرحة المكافاة بالعقوبة، و فيه تلميح إلى قوله سبحانه:" إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ".

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (6): حسن.

و الآيات في سورة سبأ هكذا" لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ" و قرأ أكثر القراء في مساكنهم قال الطبرسي (ره): ثم أخبر سبحانه عن قصة سبأ بما دل على حسن عاقبة الشكور و سوء عاقبة الكفور، فقال:" لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ" و هو أبو عرب اليمن كلها و قد تسمى بها القبيلة و في الحديث عن فروة بن مسيك أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن سبأ أ رجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب، ولد له عشر تيامن منهم ستة و تشاءم منهم أربعة، فأما الذين تيامنوا فالأزد و كندة و مذحج و الأشعرون و أنمار و حمير، فقال رجل من القوم: ما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 421

و بجيلة، و أما الذين تشاءموا فعاملة و جذام و لخم و غسان، فالمراد بسبإ هنا القبيلة الذين هم أولاد سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان.

" فِي مَسْكَنِهِمْ" أي في بلدهم" آيَةٌ" أي حجة على وحدانية الله عز اسمه و كمال قدرته و علامة على سبوغ نعمه، ثم فسر سبحانه الآية فقال" جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ" أي بستانان عن يمين من أتاهما و شماله، و قيل: عن يمين البلد و شماله، و قيل: أنه لم يرد جنتين اثنتين، و المراد كانت ديارهم على وتيرة واحدة إذ كانت البساتين عن يمينهم و شمالهم متصلة بعضها ببعض، و كان من كثرة النعم أن المرأة كانت تمشي و المكتل على رأسها فيمتلي بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا.

و قيل: الآية المذكورة هي أنه لم تكن في قريتهم بعوضة و لا ذباب و لا برغوث و لا عقرب و لا حية، و كان الغريب إذا دخل بلدهم و في ثيابه قمل و دواب ماتت عن ابن زيد، و قيل: إن المراد بالآية خروج الأزهار و الثمار من الأشجار على اختلاف ألوانها و طعومها، و قيل: إنها كانت ثلاث عشرة قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله سبحانه، يقولون لهم" كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ" أي كلوا مما رزقكم الله في هذه الجنات و اشكروا له يزدكم من نعمه و استغفروه يغفر لكم" بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ" أي هذه بلدة طيبة مخصبة نزهة أرضها عذبة تخرج النبات و ليست بسبخة، و ليس فيها شي‏ء من الهوام المؤذية و قيل: أراد به صحة هوائها و عذوبة مائها و سلامة تربتها، و أنه ليس فيها حر يؤذى في القيظ، و لا برد يؤذي في الشتاء" وَ رَبٌّ غَفُورٌ" أي كثير المغفرة للذنوب، و تقديره هذه بلدة طيبة و الله رب غفور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 422

" فَأَعْرَضُوا" عن الحق و لم يشكروا الله سبحانه و لم يقبلوا ممن دعاهم إلى الله من أنبيائه‏

" فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ"

 (1) و ذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من أودية اليمن و كان هناك جبلان يجتمع ماء المطر و السيول بينهما، فسدوا ما بين الجبلين فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة فكانوا يسقون زروعهم و بساتينهم، فلما كذبوا رسلهم و تركوا أمر الله بعث الله جرذا نقبت ذلك الردم و فاض الماء عليهم فأغرقهم.

و العرم المسناة التي تحبس الماء واحدها عرمة أخذ من عرامة الماء و هي ذهابه كل مذهب و قيل: العرم اسم واد كان يجتمع فيه سيول من أودية شتى، و قيل:

العرم هنا اسم الجرذ الذي نقب السكر عليهم، و هو الذي يقال له: الخلد، و قيل: العرم المطر الشديد، و قال ابن الأعرابي: العرم السيل الذي لا يطاق‏

" وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ"

 (2) اللتين فيهما أنواع الفواكه و الخيرات‏

" جَنَّتَيْنِ"

 (3) أخراوين سماها جنتين لازدواج الكلام كما قال:" وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ".

" ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ"

 (4) أي صاحبتي أكل و هو اسم لثمر كل شجرة، و ثمر الخمط البرير، قال ابن عباس: الخمط هو الأراك و قيل: هو شجرة الغضا، و قيل: هو كل شجر له شوك، و الأثل الطرفاء عن ابن عباس، و قيل: ضرب من الخشب، و قيل: هو السمر

" وَ شَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ"

 (5) يعني أن الخمط و الأثل كانا أكثر فيهما من السدر و هو النبق، قال قتادة: كان شجرهم خير شجر فصيره الله شر شجر بسوء أعمالهم‏

" ذلِكَ"

 (6) أي ما فعلنا بهم‏

" جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا"

 (7) أي بكفرهم بهذا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 423

الجزاء

" وَ هَلْ نُجازِي"

 (1) هذا الجزاء

" إِلَّا الْكَفُورَ"

 (2) الذي يكفر نعم الله، و قيل:

معناه هل نجازي بجميع سيئاته إلا الكافر، لأن المؤمن قد يكفر عنه بعض سيئاته، و قيل: إن المجازاة من التجازي و هو التقاضي أي لا يقتضي و لا يرتجع ما أعطي إلا الكافر و إنهم لما كفروا النعمة اقتضوا ما أعطوا أي ارتجع منهم عن أبي مسلم.

" وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً" أي و قد كان من قصتهم أنا جعلنا بينهم و بين قرى الشام التي باركنا فيها بالماء و الشجر قرى متواصلة، و كان متجرهم من أرض اليمن إلى الشام، و كانوا يبيتون بقرية و يقيلون بأخرى حتى يرجعوا، و كانوا لا يحتاجون إلى زاد من وادي سبأ إلى الشام، و معنى الظاهرة أن الثانية كانت ترى من الأولى لقربها منها" وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ" أي جعلنا السير من القرية إلى القرية نصف يوم و قلنا لهم" سِيرُوا فِيها" أي في تلك القرى" لَيالِيَ وَ أَيَّاماً" أي ليلا شئتم المسير أو نهارا" آمِنِينَ" من الجوع و العطش و التعب و من السباع و كل المخاوف، و في هذا إشارة إلى تكامل نعمه عليهم في السفر كما أنه كذلك في الحضر.

ثم أخبر سبحانه أنهم بطروا و بغوا" فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا" أي اجعل بيننا و بين الشام فلوات و مفاوز لتركب إليها الرواحل، و نقطع المنازل، و هذا كما قالت بنو إسرائيل لما ملوا النعمة" يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها" بدلا من المن و السلوى" وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ" بارتكاب الكفر و المعاصي" فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ" لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم و شأنهم و يضربون بهم المثل فيقولون: تفرقوا أيادي سبأ إذا تشتتوا أعظم التشتت" وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ" أي فرقناهم في كل وجه من البلاد كل تفريق" إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ" أي دلالات‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 424

" لِكُلِّ صَبَّارٍ" على الشدائد" شَكُورٍ" على النعماء و قيل: لكل صبار عن المعاصي شكور للنعم بالطاعات.

ثم نقل عن الكلبي عن أبي صالح قال: ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقياء بن ماء السماء، و كانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب و أنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين، فباع عمرو بن عامر أمواله و سار هو و قومه حتى انتهوا إلى مكة فأقاموا بها و ما حولها، فأصابتهم الحمى و كانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى فدعوا طريفة و شكوا إليها الذي أصابهم، فقالت لهم: قد أصابني الذي تشكون و هو مفرق بيننا، قالوا: فما ذا تأمرين؟ قالت: من كان منكم ذا هم بعيد و جمل شديد و مزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد، فكانت أزد عمان، ثم قالت: من كان منكم ذا جلد و قسر و صبر على أزمات الدهر فعليه بالأراك من بطن مر فكانت خزاعة، ثم قالت: من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل، فكانت الأوس و الخزرج، ثم قالت: من كان منكم يريد الخمر و الخمير و الملك و التأمير و ملابس التاج و الحرير، فليلحق ببصري و عوير و هما من أرض الشام و كان الذي سكنوها آل جفنة بن غسان، ثم قالت: من كان منكم يريد الثياب الرقاق و الخيل العتاق و كنوز الأرزاق و الدم المهراق فليلحق بأرض العراق، و فكان الذي يسكنوها آل جذيمة الأبرش و من كان بالحيرة و آل محرق.

 (الحديث الرابع و العشرون)

 (1): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 425

 (الحديث الخامس و العشرون)

 (1): مجهول.

" و لا أناس"

 (2) هم أقل من أهل القرية كأهل بيت كما قال في الشق الثاني مكانه و لا أهل بيت، و في القاموس:

السراء

 (3) المسرة و الضراء الزمانة و الشدة و النقص في الأموال و الأنفس، و في المصباح: سره أفرحه و المسرة منه و هو ما يسر به الإنسان و السراء الخير و الفضل، و

الضراء

 (4) نقيض السراء.

" إن رحمتي سبقت غضبي"

 (5) هذا يحتمل وجوها: الأول: أن يكون المراد بالسبق الغلبة، أي رحمتي غالبة على غضبي و زائدة عليه، فإنه إذا اشتد سبب الغضب و كان هناك سبب ضعيف للرحمة تتعلق الرحمة بفضله تعالى. الثاني: أن يكون المراد به السبق المعنوي أيضا على وجه آخر فإن أسباب الرحمة من إقامة دلائل الربوبية في الآفاق و الأنفس و بعثة الأنبياء و الأوصياء و إنزال الكتب و خلق الملائكة و بعثهم لهداية الخلق و إرشادهم، و دفع وساوس الشياطين و غير ذلك من أسباب التوفيق أكثر من أسباب الضلالة من القوي الشهوانية و الغضبية، و خلق الشياطين و عدم دفع أئمة الضلالة و أشباه ذلك من أسباب الخذلان. الثالث: أن يراد به السبق الزماني فإن تقدير وجود الإنسان و إيجاده و إعطاء الجوارح و السمع و البصر و سائر القوي و نصب الدلائل و الحجج و غير ذلك كلها قبل التكليف، و التكليف‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 426

مقدم على الغضب و العقاب، و يمكن إرادة الجميع بل هو أظهر.

" لا يتعرضوا معاندين"

 (1) أي مصرين على المعاصي فإن من أذنب لغلبة شهوة أو غضب ثم تاب عن قريب لا يكون معاندا، و الاستخفاف بالأولياء شامل لقتلهم و ضربهم و شتمهم و إهانتهم و عدم متابعتهم و الإعراض عن مواعظهم و نواهيهم و أوامرهم، و السطوة القهر و البطش بشدة

" لا يقوم لها شي‏ء"

 (2) أي لا يطيقها أو لا يتعرض لدفعها.

 (الحديث السادس و العشرون)

 (3): مجهول.

" باركت"

 (4) أي زدت نعمتي عليهم في الدنيا و الآخرة

و ليس لبركتي نهاية

 (5) لا في الشدة و لا في المدة

" لعنت"

 (6) أي أبعدتهم من رحمتي‏

" و لعنتي"

 (7) أي أثرها

" تبلغ السابع من الوراء"

 (8) في الصحاح و القاموس: الوراء ولد الولد، و يستشكل بأنه أي تقصير لأولاد الأولاد حتى تبلغ اللعنة إليهم إلى البطن السابع، فمنهم من حمله على أنه قد يبلغهم و هو إذا رضوا بفعل آبائهم كما ورد أن القائم عليه السلام يقتل أولاد قتلة الحسين عليه السلام لرضاهم بفعل آبائهم.

و أقول: يمكن أن يكون المراد به الآثار الدنيوية كالفقر و الفاقة و البلايا و الأمراض و الحبس و المظلومية كما نشاهد أكثر ذلك في أولاد الظلمة و ذلك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 427

عقوبة لآبائهم، فإن الناس يرتدعون عن الظلم بذلك لحبهم لأولادهم، و يعوض الله الأولاد في الآخرة كما قال تعالى:" وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ" الآية و هذا جائز على مذهب العدلية بناء على أنه يمكن إيلام شخص لمصلحة الغير مع التعويض بأكثر منه بحيث يرضى من وصل إليه الألم، مع أن في هذه الأمور مصالح للأولاد أيضا فإن أولاد المترفين بالنعم إذا كانوا مثل آبائهم يصير ذلك سببا لبغيهم و طغيانهم أكثر من غيرهم.

 (الحديث السابع و العشرون)

 (1): موثق.

" و ما ذلك إلا بالذنوب"

 (2) أي الذنوب تصير سببا لتسلط السلاطين و الخوف منهم كما سيأتي عن قريب، و ما قيل: أن المراد بالذنوب مخالفة السلاطين أي كما أن من خالف بعض السلاطين يخاف بطشه و عقوبته، فلا بد أن يكون خوفه من السلطان الأعظم أكثر، فلا يخفى بعده، ثم أمر عليه السلام بالوقاية من الذنوب بقدر الاستطاعة و نهى عن الإصرار عليها و

التمادي فيها

 (3) على تقدير الوقوع، و في المصباح:

تمادى فلان في الأمر إذا لج و داوم على فعله.

 (الحديث الثامن و العشرون)

 (4): مرفوع.

" لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب"

 (5) أي الذنوب تصير سببا لهم القلب و حزنه أزيد عن غيرها من المخوفات، لأن الذنوب تصير سببا للخوف من عقاب الله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 428

الذي هو أعظم المفاسد و أشدها، فالمراد به من الهم الحاصل من الذنوب، أو المعنى أن الأوجاع و الأمراض الصورية و المعنوية و الجسمانية و الروحانية العارضة للإنسان ليس شي‏ء منها أشد تأثيرا في القلب من الذنوب التي هي من الأمراض الروحانية و الأوجاع المعنوية أو المعنى أن للقلب أمراضا و أوجاعا مختلفة بعضها روحانية و بعضها جسمانية، و ليس شي‏ء منها أشد و أوجع و أضر من الذنوب، فإنها بنفسها أمراض للقلب كالحقد و الحسد و ضعف التوكل و أمثالها، أو سبب لأمراضها فإن الذنوب أسباب لضعف الإيمان و اليقين كما قال سبحانه:" فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً".

" و لا خوف أشد من الموت"

 (1) أي من خوف الموت إذ كل شي‏ء يخاف وقوعه غير متيقن بخلاف الموت، و لأن الخوف إنما هو من ألم و الموت ألم شديد مع ما يعقبه من الآلام التي لا يعلم النجاة منها، و يحتمل أن يراد بالخوف المخوف فلا حاجة إلى تقدير

" و كفى بما سلف تفكرا"

 (2) الباء بعد كفى في الموضعين زائدة و تفكرا تميز، و الحاصل أنه كفى التفكر فيما سلف من أحوال نفسه و أحوال غيره و عدم بقاء لذات الذنوب و بقاء تبعاتها و فناء الدنيا و ذهاب من ذهب قبل بلوغ آماله و حسن عواقب الصالحين و المحسنين، و سوء عاقبة الظالمين و الفاسقين و أمثال ذلك.

" و كفى بالموت واعظا"

 (3) قوله: واعظا تميز كقولهم: لله درة فارسا، أي يكفي الموت و التفكر فيه و فيما يتعقبه من الأحوال و الأهوال للاتعاظ به و عدم الاغترار بالدنيا و لذاتها، فإنه هادم اللذات و مهون المصيبات كما قالوا عليهم السلام: فضح الموت الدنيا.

 (الحديث التاسع و العشرون)

 (4): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 429

" ما لم يكونوا يعملون"

 (1) أي من البدع التي أحدثوها أو الذنب الذي لم يصدر منهم قبل ذلك و إن صدر من غيرهم‏

" ما لم يكونوا يعرفون"

 (2) أي لم يروا مثله أو لم يبتلوا بمثله.

 (الحديث الثلاثون)

 (3): حسن موثق.

" من عرفني"

 (4) أي أقر بربوبيتي و بالأنبياء و الأوصياء و كان على دين الحق أو كان ممن يعرف الله حق المعرفة و لا ينافي صدور الذنب منه نادرا

" من لا يعرفني"

 (5) من الكفار و المخالفين أو الأعم منهم و من سائر الظلمة، و يمكن شموله للشياطين أيضا.

 (الحديث الحادي و الثلاثون)

 (6): ضعيف على المشهور.

و مهلا

 (7) اسم فعل بمعنى أمهل، و قيل: مصدر و النصب على الإغراء أي ألزموا مهلا، و المهل بالتسكين و التحريك الرفق و التأني و التأخر، أي تأن في المعاصي و لا تعجل أو تأخر عنها و لا تقربها، قال في النهاية: في حديث علي عليه السلام: إذا سرتم إلى العدو فمهلا مهلا، فإذا وقعت العين على العين فمهلا مهلا الساكن الرفق و المتحرك التقدم أي إذا سرتم فتأنوا و إذا لقيتم فاحملوا، كذا قال الأزهري و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 430

غيره، قال الجوهري: المهل بالتحريك التؤدة و التباطي، و الاسم المهلة و فلان ذو مهل بالتحريك أي ذو تقدم في الخير، و لا يقال في الشر، يقال: مهلته أي سكنته و أخرته، و يقال: مهلا للواحد و الاثنين، و الجمع و المؤنث بلفظ واحد بمعنى أمهل.

و الرتع و الرضع و الركع بالضم و التشديد في الجميع جمع راتع و راضع و راكع، في القاموس‏

رتع‏

 (1) كمنع رتعا و رتوعا و رتاعا بالكسر أكل و شرب ما شاء في خصب و سعة، أو هو الأكل و الشرب رغدا في الريف أو بشره، و جمل راتع من إبل رتاع كنائم و نيام، و رتع كركع و رتع بضمتين، و قال:

رضع‏

 (2) أمه كسمع و ضرب فهو راضع و الجمع كركع و رضع ككرم و منع رضاعة فهو راضع و رضيع من رضع كركع، و قال:

ركع‏

 (3) انحنى كبرا أو كبا على وجهه و افتقر بعد غنى، و انحطت حاله و كل شي‏ء يخفض رأسه فهو راكع، و قال:

الصبي‏

 (4) من لم يفطم بعد و الجمع صبية و يضم، و في الصحاح: الصبي الغلام و الجمع صبية و صبيان و هو من الواو، و في النهاية:

الرض‏

 (5) الدق الجريش، و منه الحديث:

لصب عليكم العذاب صبا

 (6) ثم لرض رضا هكذا جاء في رواية، و الصحيح بالصاد المهملة و قال في المهملة: فيه تراصوا في الصفوف أي تلاصقوا حتى لا يكون بينكم فرج، و أصله تراصصوا من رص البناء يرصه رضا إذا لصق بعضه ببعض فأدغم، و منه الحديث:

لصب عليكم العذاب صبا ثم لرص رصا، انتهى.

و لا يخفى أن ما في روايتنا أبلغ و أظهر، و الظاهر أن المراد بالعذاب العذاب الدنيوي و كفى بنا عجزا و ذلا بسوء فعالنا أن يرحمنا ربنا الكريم ببركة بهائمنا و أطفالنا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏9، ص: 431

إلى هنا انتهى هذا الجزء من كتاب مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، على يد مؤلفه أفقر العباد إلى عفو ربه الغني محمد باقر بن محمد تقي عفي عنهما في عاشر شهر جمادى الأولى من سنة ست و مائة بعد الألف الهجرية، و الحمد لله أولا و آخرا.