مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 1

الجزء الثاني عشر

كتاب الدعاء

باب فضل الدعاء و الحث عليه‏

 (1) قال في المصباح: دعوت الله أدعوه دعاء ابتهلت إليه بالسؤال، و رغبت فيما عنده من الخير، و دعوت زيدا ناديته و طلبت إقباله، انتهى.

و قد يطلق الدعاء على الذكر أيضا كما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: أفضل الدعاء الحمد لله، قال الطيبي: لأنه سؤال لطيف يدق مسلكه، و منه قول أمية: إذا أثنى عليك المرء يوما كفاك من تعرضه الثناء، و يمكن أن يراد به اهدنا الصراط، انتهى.

و قال في النهاية في حديث عرفة أكثر دعائي و دعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شي‏ء قدير، إنما سمي التهليل و التحميد و التمجيد دعاء لأنه بمنزلته في استيجاب ثواب الله و جزائه كالحديث الآخر: إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلون.

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 2

و قال الله تعالى في سورة المؤمن:" وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" قال الطبرسي (ره): يعني إذا اقتضت المصلحة أجابتكم و كل من يسأل الله تعالى شيئا و يدعوه فلا بد أن يشترط المصلحة في ذلك إما لفظا أو إضمارا، و إلا كان قبيحا، لأنه ربما كان داعيا بما تكون فيه مفسدة و لا يشترط انتفاؤها فيكون قبيحا، و قيل:

معناه وحدوني و اعبدوني أثبكم عن ابن عباس، و يدل عليه قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:

الدعاء هو العبادة و لما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة لتجانس اللفظ.

" إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي"

 (1) و دعائي"

سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ"

 (2) أي صاغرين ذليلين.

و قال البيضاوي ادْعُونِي اعبدوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ أثب لكم لقوله إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي، و إن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلا منزلته للمبالغة، و المراد بالعبادة الدعاء فإنه من أبوابها انتهى.

و الخبر يدل على أن المراد بها المعنى الأخير، و ضمير هو راجع إلى العبادة لكونه مصدرا أو لتذكير الخير، و عبر عن الدعاء بالعبادة للإشعار بفضله، و أنه من جملة العبادات و إيماء إلى أنه ينبغي أن يدعو الإنسان و إن لم تدع إليه حاجة ضرورية، و لا يكون غرضه منحصرا في الإجابة، بل يكون عمدة غرضه في الدعاء التقرب إليه تعالى و إطاعة أمره، و لا يترك الدعاء مع إبطاء الإجابة.

فإن قيل: فعلى هذا يلزم وجوب الدعاء و كونه من الفرائض، و كون تركه من الكبائر لوعيد النار عليه؟

قلت: لا استبعاد في ذلك فإن الدعاء في الجملة واجب، و أقله في سورة الحمد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 3

فترك الدعاء رأسا من الكبائر، على أن الوعيد مترتب على الاستكبار و هو في درجة الكفر، و يؤيد الأول قول سيد الساجدين صلوات الله عليه في الصحيفة الكاملة:

فسميت دعاءك عبادة و تركه استكبارا و توعدت على تركه دخول جهنم داخرين.

" إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ"

 (1) قال الطبرسي (ره): أي دعاء كثير الدعاء و البكاء عن ابن عباس و هو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام و قيل: الأواه الرحيم بعباد الله، و قيل:

هو الذي إذا ذكره النار قال أوه، و قيل: الأواه المؤمن بلغة الحبشة و قيل: الموقن المستيقن، و قيل: العفيف، و قيل: هو الراجع عن كل ما يكره الله، و قيل: هو الخاشع المتضرع، و رواه عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قيل: هو المسبح الكثير الذكر لله، و عن أبي عبيدة هو المتأوه شفقا و فرقا المتضرع يقينا بالإجابة و لزوما للطاعة.

قال الزجاج: و قد انتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روى في الأواه‏

" حَلِيمٌ"

 (2) يقال بلع من حلم إبراهيم عليه السلام أن رجلا قد أذاه و شتمه فقال له: هداك الله، و قيل:

الحليم السيد عن ابن عباس، و أصله أنه الصبور على الأذى الصفوح عن الذنوب.

 (الحديث الثاني)

 (3): حسن موثق.

" و يطلب مما عنده"

 (4) الظرف متعلق بالفعلين، و إنما أتى بمن التبعيضية لأن طلب جميع ما عنده اعتداء في الدعاء، بل طلب للمحال‏

" عن عبادته"

 (5) أي عن الدعاء الذي هو من أعظم العبادات، و

قوله: و لا يسأل‏

 (6) كأنه بيان للاستكبار، و إشارة إلى أن المراد بالاستكبار في الآية ترك السؤال و عدم الاهتمام فيه، و إلا فحقيقته لا يكاد يوجد من أحد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 4

و هذه الأخبار يدفع أقوال الصوفية القائلين بأن ترك الدعاء أحسن مطلقا أو في بعض الأحوال، قال الطيبي في شرح المشكاة: دلت الأحاديث الصحيحة على استحباب الدعاء و الاستعاذة، و عليه أجمع العلماء و أهل الفتاوى في الأمصار في كل الأعصار، و ذهب طائفة من الزهاد و أهل المعارف إلى أن ترك الدعاء أفضل استسلاما للقضاء، و قال آخرون منهم: إن دعا للمسلمين فحسن و إن خص نفسه فلا، و منهم من قال: إن وجد في نفسه باعثا للدعاء استحب و إلا فلا، و دليل الفقهاء ظواهر القرآن و السنة في الأمر بالدعاء و الأخبار عن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.

 (الحديث الثالث)

 (1): صحيح.

" و لا تقل إن الأمر قد فرغ منه"

 (2) الأمر حدوث الحوادث و تدبيره، و فرغ على بناء المجهول، و الظرف قائم مقام الفاعل، و النهي عن هذا القول يحتمل، وجهين:

أحدهما: بطلانه فإن هذا قول اليهود و بعض الحكماء، بل لا بد من الإيمان بالبداء، و الله سبحانه كل يوم في شأن، و يمحو ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب، فالقدر و القضاء لا يمنعان الدعاء لأنه يمكن تغيير ما قدر في لوح المحو و الإثبات، مع أن الدعاء أيضا من أسباب القضاء، و كذا الأمر بالدعاء أيضا منها.

و الثاني: أن يكون المراد بالفراغ من الأمر تعلق علمه سبحانه بما هو كائن، و ثبوت جميع ذلك في اللوح المحفوظ، فمن علم الله أنه يموت في سنة كذا يستحيل أن يموت قبلها أو بعدها، و إلا لزم أن يكون علمه تعالى جهلا، فهذا الكلام صحيح لكن ذلك لا يمنع الأمر بالدعاء و الإتيان به، و ترتب الفائدة عليه، فالمراد بالنهي عن القول النهي عن جعل ذلك مانعا عن الدعاء و سببا للاعتقاد بعدم فائدته كما

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 5

مر تحقيقه في كتاب العدل.

و نذكر ههنا أيضا مجملا، و حاصل الخبر أنه عليه السلام أجاب عن ذلك بوجهين:

أحدهما: أن الدعاء في نفسه مطلوب لأنه عبادة جليلة تؤدي إلى منزله رفيعة عند الله تعالى، لا تنال تلك المنزلة إلا بمسألة و دعاء و تضرع.

و الثاني: أن الكائن قد يزيد و ينقص و يمحو إذا كان مشروطا بشرط مثلا يقدر عمره بثلاثين سنة إن لم يصل رحمه، و بستين إن وصلها، و يقدر رزقه يوم كذا بدرهم إن لم يدع و لم يطلب الزيادة، و بدرهمين إن دعاها و طلبها و هكذا سائر المطالب.

و الحاصل أن لوجود الكائنات و عدمها شروطا و أسبابا، و أبي الله سبحانه أن يجري الأشياء إلا بالأسباب، و من جملة الأسباب لبعض الأمور الدعاء، فما لم يدع لم يعط ذلك الشي‏ء، و أما علمه سبحانه فهو تابع للمعلوم و لا يصير سببا لحصول الأشياء و قضاؤه تعالى و قدره ليسا قضاء لازما و قدرا حتما، و إلا لبطل الثواب و العقاب و الأمر و النهي كما مر عن أمير المؤمنين عليه السلام.

قال الغزالي: فإن قيل: فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، و الدعاء سبب لرد البلاء، و وجود الرحمة كما أن الترس سبب لدفع السلاح، و الماء سبب لخروج النبات من الأرض، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان كذلك الدعاء و البلاء، و ليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحمل السلاح، و قد قال تعالى:" وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ" فقدر الله تعالى الأمر و قدر سببه، و في الدعاء من الفوائد ما ذكرنا من حضور القلب و الافتقار و هما نهاية العبادة و المعرفة، انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 6

و قيل: هذه الشبهة ترد على من يزعم أنه لا فاعل إلا الله و لا مؤثر سواه، و أنه يفعل بلا شرط و لا سبب و لا غرض، و كما ترد عليهم هذه الشبهة ترد عليهم أن لا فائدة في السعي إلى جميع الأعمال، مثل الصوم و الصلاة و الحج و الزكاة و غيرها، لأن كل مقدر كائن قطعا، و لا مدخل لسعي العباد فيه، و هم أجابوا عنها بتكلفات فقال السمعاني: معرفة هذا الباب التوقيف لا النظر، فمن نظر ضل و حار و هذا لا يزيل الشبهة بل هو اعتراف بورودها، و قال الآبي: و القضاء و إن سبق بمكان كل ما هو كائن لكن استحقاق العبد للثواب و حصول المطالب ليس بذاته، بل موقوف على العمل و الدعاء، بمعنى أن الفائز بالمقاصد مسير للدعاء و العمل، و المحروم مسير لتركهما، كما قال عليه السلام: كل مسير لما خلق له، و قال محيي الدين البغوي: و الكحل و إن كان مفروغا منه، إلا أن الله تعالى أمر بالصلاة و الصوم، و وعد بأنها نجا من النار، و الدعاء بالنجاة مثلا من جملة تلك العبادات، فكما لا يحسن ترك الصلاة اتكالا على ما سبق من القدر، فكذلك لا يترك الدعاء بالمعافاة انتهى.

و سيأتي بعض القول فيه في الأخبار الآتية إنشاء الله.

 (الحديث الرابع)

 (1): ضعيف، و يدل على اشتراط سعة الرزق بالدعاء للمؤمنين أو مطلقا و الأول أظهر.

 (الحديث الخامس)

 (2): حسن كالصحيح.

" فإن الدعاء هو العبادة"

 (3) روي في المشكاة نقلا عن أحمد و الترمذي و أبي داود و النسائي و ابن ماجد عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الدعاء هو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 7

العبادة، ثم قرأ:" وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" و قال الطيبي: أتى بضمير الفصل و الخبر المعرف باللام ليدل على الحصر، و إن العبادة ليست غير الدعاء.

ثم قال: قال البيضاوي: لما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة من حيث أنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى الله تعالى معرض عما سواه، لا يرجو و لا يخاف إلا منه استدل عليه بالآية فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة، و ترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط، و المسبب على السبب، و ما كان كذلك كان أتم العبادات و أكملها.

و أقول: يمكن أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل و الافتقار، و الاستكانة قال الله تعالى:" يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ" الجملتان واردتان على الحصر و ما شرعت العبادات إلا للخضوع عند الباري، و إظهار الافتقار إليه، و ينصر هذا التأويل ما بعد الآية المتلوة

" إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ"

 (1) حيث عبر عن عدم الافتقار و التذلل بالاستكبار و وضع عبادتي موضع دعائي، و جعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار و الهوان، انتهى.

و أقول: سياق هذا الخبر الذي نقلوه، و المراد به ما مر أن الدعاء في نفسه عبادة حيث سماه في هذه الآية عبادة و أمر الله بها، فعلى تقدير عدم الإجابة أيضا ينبغي الإيقان به إطاعة لأمره تعالى كسائر العبادات، و تركه موجب للذل و الصغار، و دخول النار كما دلت عليه الآية، مع أنه سبحانه وعد الإجابة و لا يخلف الله في وعده.

و لا ينافي ذلك التقدير فإن الدعاء أيضا مقدر و ترتب الحصول على الدعاء أيضا مقدر، فظهر وجه تغيير الترتيب في الآية، و قيل: فإن الدعاء نقض إجمالي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 8

بدليل نقلي، و المعنى أن المراد بالعبادة في قوله تعالى:" يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي" ليس إلا الدعاء، و

قوله: و قال‏

 (1)، جملة حالية بتأويل قد، أي صدر الآية تدل على أن المراد بالعبادة الدعاء.

 (الحديث السادس)

 (2): صحيح.

" و إن تدعو بها"

 (3) بدل اشتمال لصغيرة و الصغيرة الحاجات الحقيرة السهلة الحصول، و الغرض رفع توهم أن الإنسان مستقل في الحاجات الصغيرة و يمكنه تحصيلها بدون تقديره، و تيسيره تعالى، و يدل على أن الدعاء أعظم وسائل القرب إليه تعالى.

 (الحديث السابع)

 (4): مجهول مرسل.

" لا يمنعك"

 (5) في بعض النسخ لا يملك من الإملال أي لا يجعلك ملولا ذا سأمة، و الحاصل أنه لا منافاة بين الأمر بالدعاء و القضاء و القدر كما عرفت، لأنه يجوز المحو و الإثبات قبل الإمضاء مع أن الدعاء أيضا من أسباب القضاء و هو أيضا مقدر و قوله: أو كما قال من كلام عبيد، شك في أن زرارة قال هذا الكلام بعينه أو ما يؤدي معناه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 9

 (الحديث الثامن)

 (1): ضعيف، و المراد

بالعفاف‏

 (2) إما العفة عن السؤال عن المخلوقين أو عفة البطن و الفرج عن الحرام، أو مطلق العفة عن الحرام، و الأوسط أظهر، و على الأول يرجع إلى الدعاء، و على الأخيرين ربما يتوهم التنافي بينه و بين كون الدعاء أحب الأعمال إذ لا فرق بين الأحبية و الأفضلية بحيث رفع به التنافي.

و يمكن أن يجاب بوجوه: الأول أن الدعاء أفضل الأعمال الوجودية و العفاف أفضل التروك، الثاني: أن تكون أفضلية كل منهما بالنسبة إلى غير الآخر، الثالث: أن تكون أفضلية كل منهما من جهة خاصة، فإن لكل منهما تأثيرا خاصا لا يقوم الآخر مقامه، كما أن للماء تأثيرا في قوام البدن لا يقوم غيره مقامه، و كذا الخبز و اللحم و غيرهما، فيصح أن يقال كل منهما أفضل من غيره من هذه الجهة.

و بمثل تلك الوجوه يمكن الجمع بين هذه الأخبار و بين ما ورد في أفضلية غيرهما من الأعمال، و في خصوص الصلاة و الحج و أمثالهما يمكن الجمع بوجه آخر من حيث اشتمالها على الدعاء فتأمل.

و قيل: يمكن تقدير المضاف في العبادة أي أفضل شرائط العبادة و لا يخفى بعده،

" و الدعاء"

 (3) بالفتح و التشديد صيغة مبالغة أي كثير الدعاء.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 10

باب أن الدعاء سلاح المؤمن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

" سلاح المؤمن"

 (3) أي حربته لدفع الأعادي الظاهرة و الباطنة

" عمود الدين"

 (4) أي بالدعاء يوفق الله المؤمنين و به يهتدي إلى الدين القويم، كما قال تعالى:" اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ" كما أن الصلاة المشتمل عليه عمود الدين و قيل: أي هو عمدة العبادات‏

و نور السماوات و الأرض‏

 (5) أي منورهما إذ به يظهر آثار الخير فيهما أو به اهتدى أهلهما، و وفقوا لمعرفته تعالى و معرفة أوليائه، أو المعنى أن نظامهما و وجودهما و بقائهما بالدعاء، إذ هو من عمدة العبادات، و هي سبب لإيجاد المخلوقات كما قال تعالى:" وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" و قال سبحانه:" قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ" و لو لم يخلقوا لم يخلق السماوات و الأرض.

 (الحديث الثاني)

 (6): كالسابق.

و في المصباح‏

أنجحت‏

 (7) الحاجة إنجاحا و أنجح الرجل أيضا إذا قضيت له الحاجة و الاسم النجاح بالفتح، و قال: الإقليد: المفتاح لغة يمانية و أصله بالرومية أقليدس و الجمع أقاليد و

المقاليد

 (8) الخزائن، و في القاموس الإقليد المفتاح كالمقلاد و المقلد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 11

و كسكيت و مصباح الخزانة، و ضاقت مقاليده ضاقت عليه أموره، و كمبر مفتاح كالمنجل، و قال:

الفلاح‏

 (1) الفوز و النجاة و البقاء في الخير و حمل الجمع على المفرد باعتبار اشتماله على أنواع كثيرة بحسب مراتبها و ما يتعلق بها من المطالب.

و فيه إشعار بأن الدعاء مفتاح لجميع المقاصد الأخروية و الدنيوية

" عن صدر نقي"

 (2) أي عن الحسد و الغل و الكبر و سائر الصفات الذميمة

" و قلب تقي"

 (3) أي متق عن الشهوات المهلكة و إرادة المحرمات، و إنما نسب التقوى إلى القلب للإشعار بأن التقوى الكامل ما صدر عن القلب لا عن الجوارح فقط كما قال تعالى:" وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" و فيه إشارة إلى بعض شرائط الدعاء.

" سبب النجاة"

 (4) أي من مكاره الدنيا و شدائد الآخرة، و

بالإخلاص‏

 (5) في الدعاء أو في جميع العبادات بخلوصها عن شوائب الرياء و الأغراض الدنية

يكون الخلاص‏

 (6) من المهالك الدنيوية و الأخروية، و قيل: الوصول إلى الله تعالى أو إلى المطلوب.

قال في النهاية: خلص فلان إلى فلان وصل إليه، و خلص أيضا سلم و نجا

" فإذا اشتد الفزع"

 (7) أي الخوف من البلايا و الأعداء و شدائد الدنيا و الآخرة

" فإلى الله المفزع"

 (8) مصدر ميمي بمعنى الاستغاثة و الاستعانة.

 (الحديث الثالث)

 (9): كالسابق أيضا و

الإدرار

 (10) الإكثار، و الدر اللبن و يستعار للخير، و يقال: در اللبن إذا كثر و سأل، و في النهاية: و منه أدروا لقحة المسلمين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 12

أراد فيئهم و خراجهم فاستعار له اللقحة و الدرة، قيل: و يفهم منه أن الدعاء و إن لم يشتمل على طلب دفع العدو و كثرة الرزق سبب لهما.

 (الحديث الرابع)

 (1): ضعيف.

 (الحديث الخامس)

 (2): مرسل.

 (الحديث السادس)

 (3): مجهول.

 (الحديث السابع)

 (4): حسن كالصحيح.

" من السنان الحديد"

 (5) أي إلحاد النافذ قال الجوهري: و قد حد السيف يحد حدة أي صار حادا و حديدا.

باب أن الدعاء يرد البلاء و القضاء

 (6)

 (الحديث الأول)

 (7): كالصحيح.

و في المصباح:

نقضت‏

 (8) البناء هدمته، و نقضت الحبل أيضا حللت برمة، و منه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 13

يقال: نقضت ما أبرم إذا أبطلته و أنقض هو بنفسه، و قال: أبرمت العقد إبراما أحكمته فانبرم هو و أبرمت الشي‏ء دبرته و السلك بالكسر الخيط.

و قوله: يرد

 (1) بصيغة المضارع‏

فقوله ينفضه‏

 (2) استئناف بياني أو خبر بعد خبر أو حال و ربما يقرأ برد بالباء الموحدة و صيغة المصدر فيكون متعلقا بالدعاء، فقوله:

ينقضه، خبر و هو تكلف و

قوله: ينقض‏

 (3) على بناء المجهول، و من قرأ على بناء المعلوم و قال المستتر راجع إلى الموصول في كما فقد بالغ في التعسف، و المستتر في‏

أبرم‏

 (4) على المجهول إما راجع إلى السلك أو إلى القضاء، و إبرامه تسبب أكثر أسبابه، فهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس.

 (الحديث الثاني)

 (5): كالسابق.

" ما قدر قدر"

 (6) أي كتب في لوح المحو و الإثبات، أو في ليلة القدر أو تسبب أسبابه القريبة

" عرفته"

 (7) أي فائدة الدعاء و تأثيره،

فما لم يقدر

 (8) ما فائدة الدعاء و تأثيره فيه لم أعرفه‏

حتى لا يكون‏

 (9) الضمير راجع إلى التقدير، أي لا يحصل التقدير، و قيل: إيجاده تعالى للشي‏ء يتوقف على علمه بذلك الشي‏ء و مشيته و إرادته، و تقديره و قضائه و إمضائه و في مرتبة المشية إلى الإمضاء تجري البداء فيمكن الدفع بالدعاء.

 (الحديث الثالث)

 (10): صحيح.

و لعل المراد

بنزوله من السماء

 (11) أخبار الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام به، أو نزول الملك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 14

لإجرائه أو إحداث الأسباب الأرضية لحدوثه أو نزول آلة العذاب كما في قوم يونس.

 (الحديث الرابع)

 (1): صحيح.

" ليترافقان"

 (2) كذا في أكثر النسخ بالراء ثم القاف، أي هما متلازمان قررهما الله تعالى معا ليكون البلاء داعيا إلى الدعاء، و الدعاء صارفا للبلاء فكأنهما رفيقان، أو من الرفق و اللطف و الاستعانة فكان البلاء يرفق بالدعاء و يدعوه، و يعينه و الدعاء يرفق بالبلاء فيزيله، و في بعض النسخ ليتوافقان بالواو ثم القاف ثم الفاء و هو أظهر أي يتدافعان و يتخاصمان و يتقاتلان.

في القاموس: المواقفة أي أن تقف معه و يقف معك في حرب أو خصومة و تواقفا في القتال، انتهى.

و يؤيده ما رواه العامة من النبي أن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان في الهواء رواه الزمخشري في الفائق، و قال: يعتلجان أي يصطرعان، فيتدافعان و في عدة الداعي فيتوافقان بتقديم الفاء على القاف و هو القاف و هو قريب من النسخة الأولى.

 (الحديث الخامس)

 (3): ضعيف على المشهور.

و روي في المشكاة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: لا يرد القضاء إلا الدعاء، و قال الطيبي في الشرح: القضاء الأمر المقدر.

و في تأويل الحديث وجهان: أحدهما: أن يراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 15

المكروه و يتوقاه، فإذا وافق الدعاء دفع الله عنه فيكون تسميته بالقضاء على المجاز، و ثانيهما: أن يراد به الحقيقة فيكون معنى رد الدعاء بالقضاء تهوينه و تيسير الأمر فيه، حتى يكون القضاء النازل كأنه لم ينزل به، و يؤيده الحديث أن الدعاء ينفع مما نزل و مما لم ينزل أما نفعه مما نزل فصبره عليه و تحمله له و رضاه به حتى لا يكون في نزوله متمنيا خلاف ما كان، و أما نفعه مما لم ينزل فهو أن يصرفه عنه أو يمده قبل النزول بتأييده من عنده، حتى يخف معه أعباء ذلك إذا نزل به.

 (الحديث السادس)

 (1): حسن كالصحيح.

" لم يستثن"

 (2) أي لم يقل إنشاء الله لانحلال الوعد و عدم لزوم العمل به كما مر في باب الوعد، أو لم يستثن فردا منه و ضم الأصابع إلى الكف لبيان شدة الإبرام كما هو الشائع في العرف، و قيل: لعل المراد

بالقضاء المبرم‏

 (3) هو الحكم بالتيام أجزاء المقضي و انضمام بعضها ببعض، كما يرشد إليه ضم الأصابع.

 (الحديث السابع)

 (4): ضعيف على المشهور.

و نجاح‏

 (5) بالكسر عطف على الكل، أو بالرفع عطفا على مفتاح، فالحمل للمبالغة

" و لا ينال ما عند الله"

 (6) قيل: كأنه يعني به إذا أشكل الأمر و اعتاض الخطب فإنه من علامات كونه منوطا بالدعاء و أنه لا يحصل إلا به، و فيه ما فيه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 16

 (الحديث الثامن)

 (1): صحيح.

و الإمضاء

 (2) مقارن للحصول فلا يمكن دفعه.

 (الحديث التاسع)

 (3): مرفوع‏

" أن يدعى له"

 (4) على بناء المجهول، و أن إما مصدرية و هو بدل اشتمال لضمير علمه، و

قوله فيستجيب‏

 (5) عطف على ليدفع أي فيستجيب الدعاء الآتي في هذا الوقت، أو مخففة عن المثقلة و اسمه ضمير الشأن المحذوف و يدعى خبره، و الضمير المستتر نائب الفاعل، و راجع إلى الله، و ضمير له راجع إلى الأمر، و أن يدعى له منصوب محلا بدل اشتمال لضمير علمه، و قوله: فيستجيب مرفوع و معطوف على يدعى.

و حاصله أنه سبحانه يدفع البلاء الذي استحق العبد نزوله إذا علم أن العبد يدعو الله لكشفه بعد ذلك، فلا ينزله لما سيقع منه من الدعاء فيؤثر الدعاء قبل وقوعه في دفع البلاء، و قيل: لعل الغرض في توجيه ذلك الأمر و هو البلاء إلى العبد مع علمه بأنه يدفعه بالدعاء هو تحريك العبد إليه في جميع الأوقات، فإنه يجوز في كل وقت أن يكون البلاء متوجها إليه و يبعثه على الدعاء، انتهى.

و لا يخفى أنه على ما قررنا لا حاجة إلى هذا التكلف.

" و لو لا ما وفق العبد"

 (6) ما موصولة"، و وفق بالتشديد على بناء المفعول و العائد محذوف، أي وفق له، و من البيان الموصول أو مصدرية و وفق على المعلوم أو المجهول، و من بمعنى اللام صلة وفق و الأول أظهر

" لأصابه منه"

 (7) أي من الأمر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 17

الذي هو بمعنى البلاء، أو من الله أو من العبد بسبب سوء أعماله، فعلى الأول من للتبعيض، و على الأخيرين للابتداء و التعليل.

و في القاموس:

الجث‏

 (1) القطع و انتزاع الشي‏ء من أصله، و قال الجوهري:

اجتثه اقتلعه، و قال:

الجديد

 (2): وجه الأرض انتهى.

و قال تعالى:" كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ" و قال في الوافي: أشار بهذا الحديث إلى السر في دفع البلاء بالدعاء، و أنه كيف يجتمع مع الإبرام فبين عليه السلام أن الدعاء و الاستجابة أيضا من الأمر المقدر المعلوم إذا وقعا.

باب أن الدعاء شفاء من كل داء

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): مجهول.

" من كل داء"

 (5) أي من الأدواء الجسمانية و الروحانية و الصعبة و السهلة و لبعضها أدعية مأثورة و الحمل للمبالغة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 18

باب أن من دعا استجيب له‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

" الدعاء كهف الإجابة"

 (3) أي مخزن الإجابة و محلها و مظنها كما أن السحاب محل المطر و مظنته، و في المصباح: الكهف بيت منقور في الجبل و الجمع كهوف، و فلان كهف لأنه يلجأ إليه كالبيت على الاستعارة، و في القاموس: الكهف كالبيت المنقور في الجبل و الوزر و الملجإ، انتهى.

و قيل: شبه‏

بالسحاب‏

 (4) إشارة إلى أنه محل المطر إلا أنه قد لا ينزل لعدم المصلحة، و كذلك الدعاء قد لا يستجاب في الدنيا لعدم المصلحة و يعطى عوضه في الآخرة.

 (الحديث الثاني)

 (5): ضعيف.

و الحياء

 (6) انقباض النفس عن القبيح خوفا من الذم و إذا نسب إليه تعالى يراد به الترك اللازم الانقباض، و قيل: أستعير الاستحياء للمنافاة لعظمته و قدرته و عزته تعالى. و قال الطيبي: الحياء تغير و انكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به و يذم و هو على الله محال فيحمل على التمثيل مثل تركه تعالى تخييب العبد و إنه لا يرد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 19

يده صفرا من عطائه لكرمه بترك من يترك إذ المحتاج إليه حياء منه، و قال:

صفر الشي‏ء

 (1) بالكسر أي خلا و المصدر صفر بالتحرك و يستوي فيه المذكر و المؤنث و التثنية و الجمع، و في المصباح بيت صفر وزان حمل أي خال من المتاع، و هو صفر اليدين ليس فيهما شي‏ء مأخوذ من الصفر و هو الصوت الخالي من الحروف، و صفر الشي‏ء من باب تعب إذا خلا فهو صفر و أصفر بالألف لغة.

و في القاموس: الصفر مثلثة و ككتف و زبر: الخالي. و فيه إشعار بأنه تعالى إما يستجيب هذه الحاجة إن علم صلاحه فيه أو يجعل في يده ما هو خير له من تلك الحاجة، و يدل على استحباب مسح الرأس و الوجه باليدين بعد رفعهما بالدعاء، و قد ورد النهي عنه في صلاة الفريضة فهو محمول على غيره.

و لندفع هنا شبهة تحظر ببال أكثر الناس أنه سبحانه وعد إجابة الدعاء و خلف الوعد عليه تعالى محال كما عرفت، و أيضا ورد ذلك في كثير من الآيات و الأخبار و يمتنع صدور الكذب عنه تعالى و عن حججه عليهم السلام.

و يمكن الجواب عنه بوجوه: الأول: أن الوعد مشروط بالمشية أي أجيب إن شئت، و يدل عليه قوله:" فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ".

الثاني: ما قيل: إنه أراد بالإجابة لازمها و هو السماع فإنه من لوازم الإجابة فإنه يجيب دعوة المؤمن في الحال و يؤخر إعطاءه ليدعوه و يسمع صوته فإنه يحبه.

الثالث: أنها مشروطة بكونها مصلحة و خيرا إذ الحكيم لا يترك ما هو موجب لصلاح أحوال العباد بما هو مقتضى شهواتهم كما قال سيد الساجدين صلوات الله عليه:

يا من لا تبدل حكمته الوسائل، و ذلك كما إذا قال كريم أنا لا أرد سائلا ثم أتى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 20

سفيه و طلب منه ما يعلم أنه يقتله و السائل لم يعلم ذلك أو أتى صبي جاهل و طلب أفعى لحسن نقشه و نعومته و لا يعلم أنه يقتله و لا يبالي بذلك فالحكمة و الجود يقتضيان منعهما لا إعطاءهما، و لو أعطاهما ذمه العقلاء.

فظهر أنه لا بد أن يكون هذا الوعد من الحكيم مشروطا و منوطا بالمصلحة، فإن قيل: فإذا كان هكذا فما فائدة الدعاء فإن ما كان صلاح العباد فيه يأتي أمنه لا محالة. قلت: يمكن أن يكون مع الدعاء الصلاح في الإعطاء و مع عدمه الصلاح في منعه.

فعلى هذا المطالب ثلاثة أقسام:

الأول: أن تكون المصلحة في الإعطاء على كل حال كالرزق الضروري و أمثاله.

الثاني: أن لا تكون المصلحة في الإعطاء بوجه.

الثالث: أن تكون المصلحة في العطاء مع الدعاء و في العدم مع عدمه.

و إنما يظهر أثر الدعاء في الثالث، و لما لم يكن لعامة الخلق التميز بين تلك الأقسام فلذا أمروا بالدعاء عموما فيما لم يكن عدم المصلحة فيه ظاهرا و لم يكن ممتنعا عقلا أو عادة أو محرما شرعا ليحصل بذلك القرب و الثواب، فإن لم يستجب ينبغي أن لا ييأس و يعلم أنه سبحانه إنما لم يستجب لما علم أنه ليس له في ذلك مصلحة، أو لإخلاله ببعض شرائط الدعاء أو غير ذلك.

الرابع: أن لكل عبادة شرائط لحصولها و موانع عن قبولها، فلما لم تتحقق الشرائط و لم ترتفع الموانع لم يترتب عليها آثارها الدنيوية و الأخروية كالصلاة إذا ورد فيها: من صلى دخل الجنة، أو زيد في رزقه مثلا، فإذا صلى بغير وضوء أو فعل ما يبطلها أو يحبطها لم تترتب عليها آثارها الدنيوية و الأخروية، و إذا قال الطبيب:

السقمونيا مسهل، فإذا شرب الإنسان معه ما يبطل عمله كالأفيون فهو لا يبطل قول الطبيب و لا ينافي حكمه في ذلك.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 21

فكذا الدعاء استجابتها و قبولها و ترتب الأثر عليها مشروطة بشرائط فإذا أخل بشي‏ء منها لم تترتب عليه الاستجابة، و قد وردت أخبار كثيرة في شرائط الدعاء و منافياته كما مر بعضها و سيأتي، فقد يكون سبب عدم الإجابة ذلك، و قد قال سبحانه:

" أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ".

الخامس: أن الإجابة لا تلزم أن تكون معجلة فيمكن أن يستجاب الدعاء و يتأخر ظهور أثره إلى زمان طويل لبعض المصالح، إذ قد ورد أنه كان بين قوله تعالى:

" قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما" و بين غرق فرعون أربعين سنة و سيأتي أن الله يؤخر إجابة دعاء المؤمن لحبه استماع صوته، إلى غير ذلك من الوجوه و المصالح.

السادس: أنه قد يعطي الله تعالى لمن لا يعلم صلاحه في إعطاء ما سأله أضعاف تلك الحاجة في الدنيا و الآخرة حتى إذا رأى في الآخرة ما عوضه الله لذلك تمنى أنه لم يستجب له حاجة في الدنيا، فيصدق أنه استجاب دعاءه على الوجه الأكمل كما إذا طلب أحد من ملك شيئا يسيرا علم أنه يضره فيمنعه ذلك و أعطاه جوهرة يسوي عشرة آلاف دينار فلا يقال حينئذ أنه لم يقض حاجته، بل يقال أنه أعطاه مسئوله على أتم وجه. و قد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب عين الحياة.

باب الهام الدعاء

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح.

" من قصره"

 (3) من للتمييز بين الضدين أي مميزا من قصره، و

إلهام‏

 (4) الدعاء إخطاره‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 22

بباله و توفيقه لإتيانه بشرائطه.

 (الحديث الثاني)

 (1): صحيح، و في النهاية:

الوشيك‏

 (2) السريع و القريب.

باب التقدم في الدعاء

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): صحيح.

 (الحديث الثاني)

 (5): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الثالث)

 (6): موثق‏

" يستخرج الحوائج"

 (7) أي من القوة إلى الفعل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 23

 (الحديث الرابع)

 (1): كالسابق، و

الرخاء

 (2) بالفتح سعة العيش.

 (الحديث الخامس)

 (3): مرسل، و مضمونه قريب من الأول.

 (الحديث السادس)

 (4): ضعيف على المشهور. و هو محمول على ما إذا لم يتعود بالدعاء قبله، و كان المعنى عدم الانتفاع التام.

باب اليقين في الدعاء

 (5)

 (الحديث الأول)

 (6): مرسل و قد يعد حسنا لكون الإرسال بعد ابن أبي عمير.

" فظن أن حاجتك"

 (7) حمل الكليني الظن على اليقين لما سيأتي في الحديث الأول من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 24

الباب الآتي، و يمكن حمله على معناه الظاهر فإن اليقين بالإجابة مشكل، إلا أن يقال: المراد اليقين بما وعد الله من إجابة الدعاء إذا كان مع شرائط و أعم من أن يعطيه أو عوضه في الآخرة.

باب الإقبال على الدعاء

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف.

قوله عليه السلام: بظهر قلب‏

 (3)، المشهور أن الظهر هنا زائد مقحم، قال في المغرب:

في الحديث: لا صدقة عن ظهر غنى، أي صادرة عن غنى، فالظهر فيه مقحم كما في ظهر القلب، و قال في النهاية: فيه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى، و قيل: أراد ما فضل عن العيال، و الظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام و تمكينا، كان صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال، انتهى.

و هيهنا يحتمل أن يكون المراد عن ظاهر القلب دون باطنه و صميمه.

قوله: ساه،

 (4) أي غافل عن المقصود و عما يتكلم به غير مهتم به أو غافل عن عظمة الله و جلاله و رحمته، غير متوجه إليه بشراشره و عزمه و همته.

أقول: و روي في المشكاة عن الترمذي بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ادعوا الله و أنتم موقنون بالإجابة، و اعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه، و قال بعضهم: في قوله: و أنتم موقنون فيه وجهان:

أحدهما: أن يقال كونوا أو أن الدعاء على حالة تستحقون منها الإجابة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 25

و ذلك بإتيان المعروف و اجتناب المنكر و غير من مراعاة أركان الدعاء و آدابه حتى تكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد.

و ثانيهما أن يقال: ادعوه معتقدين لوقوع الإجابة لأن الداعي إذا لم يكن متحققا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقا و إذا لم يكن الرجاء صادقا لم يكن الدعاء خالصا و الداعي مخلصا فإن الرجاء هو الباعث على الطلب و لا يتحقق الفرع إلا يتحقق الأصل.

و قيل: المعنى ليكن الداعي ربه على يقين بأنه تعالى يجيبه لأن رد الدعاء إما لعجزه في إجابته أو لعدم كرم في المدعو أو لعدم علم المدعو بدعاء الداعي، و هذه الأشياء منفية عنه تعالى، فليكن الداعي موقنا بالإجابة.

و قال الطيبي: قيد الأمر بالدعاء باليقين و المراد النهي عن التعرض لما هو مناف للإيقان من الغفلة و اللهو و الأمر بضدهما من إحضار القلب و الجد في الطلب بالعزم في المسألة، فإذا حصلا حصل اليقين، و نبه صلى الله عليه و آله و سلم على هذا التنبيه بقوله: و اعلموا، و نظيره في الكتاب قوله تعالى:" وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" انتهى.

و أقول: كل ما ذكروه لا يجدي نفعا في حصول اليقين بالإجابة، فإنه يحتمل أن يكون عدم الإجابة لعدم صلاح السائل فيها فكيف يحصل اليقين بالإجابة إلا أن يقال: الإجابة أعم من أن يعطى ما سأله أو عرضه و أفضل منه كما أشرنا إليه، و يؤيده ما رواه في المشكاة أيضا من مسند أحمد بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله تعالى بها إحدى ثلاث إما أن يجعل له دعوته و إما أن يذخرها له في الآخرة، و إما أن يصرف من السوء مثلها، و روي عن الترمذي عن جابر مثله.

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 26

" دعاء قلب لاه"

 (1) أي غافل أو مشتغل باللهو و الخيالات الباطلة، قال الراغب:

اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه و لهمه يقال: لهوت عنه بكذا و لهيت عن كذا اشتغلت عنه بلهو، و قوله تعالى:" لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ" أي ساهية مشتغلة بما لا يعينها.

" إذا دعا أحدكم للميت"

 (2) التخصيص بالميت لأنه أحوج إلى الدعاء، و لأنه قد شاع أن الناس يأتون للتعزية و الزيارة و يدعون للميت على سبيل التعارف من غير عزم و اهتمام، و

قوله: فلا يدعو

 (3) نهي في صورة الخبر أو هو بمعناه، و الغرض بيان أن الدعاء على هذا الوجه ليس دعاء للميت و الأول أظهر.

 (الحديث الثالث)

 (4): مرسل.

 (الحديث الرابع)

 (5): كالسابق، و

قساوة القلب‏

 (6) غلظته و شدته و عدم تأثره عن الحق، و بعده عن التضرع و الرقة.

 (الحديث الخامس)

 (7): حسن كالصحيح.

و في النهاية في حديث الاستسقاء

اللهم حوالينا لا علينا

 (8)، يقال: رأيت الناس حوله و حواليه أي مطيفين به من جوانبه، يريد اللهم أنزل الغيث في مواضع النبات‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 27

لا في مواضع إلا بغية، و قال الجوهري: يقال قعدوا حوله و حواليه، و لا تقل حواليه بكسر اللام، و كذا الكلام للفيروزآبادي و غيره يدل على أن حواليه بفتح اللام.

و قال بعضهم: الفتح لمناسبة علينا نظير التنوين في سلاسلا و أغلالا، و الحوالي جمع حول كالبراري جمع بر و سكون الياء في حوالينا مبني عليه بتقدير على حوالينا لقرينة و لا علينا، و يجوز حذف حرف الجر و إبقاء أثره مثل خير و الحمد لله في جواب كيف أصبحت لأنه بتقدير بخير.

و الواو في قوله: و لا علينا، عاطفة و لا ناهية، و التقدير اللهم أنزل الغيث على حوالينا و لا تنزله علينا

" و ليس لي في ذلك نية"

 (1) أي اهتمام و عزم، و لعله صلى الله عليه و آله و سلم كان أولا متوقفا في وجود المصلحة في طلبه من الله سبحانه السقي فلم يعزم عليه في الدعاء، و إنما دعا ليطيب به قلوب أصحابه، ثم لما رأى المصلحة في ذلك ثانيا عزم عليه.

و تصحيح إعراب الخبر هو أن جواب لما قال إني دعوت إلى آخر الكلام، و ضمير إنه راجع إلى مصدر سقي المبني للمفعول.

" و قال رسول الله"

 (2) أقول: هذا الكلام يحتمل وجوها.

أحدها: أن مفعول القول اللهم" إلخ" و قوله: بيده حال أي مشيرا بيده، و قوله: و ردها أيضا حال أي و قد ردها عن السماء بعد ما رفعها إليها للدعاء.

الثاني: أن يكون القول بمعنى الفعل، أي حرك يده يمينا و شمالا مشيرا إلى تفرق السحاب، و كشفها عن المدينة و قد ردها سابقا عن الدعاء، و يقدر القول قبل اللهم كما هو الشائع في الآيات و الأخبار و قيل: الباء في‏

قوله: بيده‏

 (3) للاستعانة، إذ القول على وجه الكمال لا يتأنى إلا برفع اليد للدعاء و جملة

و ردها

 (4) حالية أي و قد ردها، و المراد بردها قلبها و جعل ظهرها إلى السماء كما سيأتي في الرهبة، و الوجهان الأولان اللذان خطرا ببالي عندي أظهر، و كان الحامل له على ذلك ما رواه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 28

العامة عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنه عند الاستسقاء أشار بظهر كفيه إلى السماء، و بعضهم نفى ذلك و أوله كما سيأتي إنشاء الله تعالى.

قوله: قال فتفرق السحاب‏

 (1)، قيل: هذا كلام الراوي و توسطه في أثناء الجملة الشرطية غير مناسب، و أقول: يمكن أن يكون قوله فتفرق جزاء الشرط" و قال" تأكيدا لقوله: قال أولا و إن لم يكن جزاء يحتمل أن يكون قال تأكيدا أو لعله زيد من النساخ.

باب الإلحاح في الدعاء و التلبث‏

 (2) في القاموس: ألح في السؤال ألحف، و السحاب دام مطره، و قال: التلبث التوقف.

 (الحديث الأول)

 (3): مجهول بسنديه.

" في حاجته"

 (4) أي في تقديره و تيسيره و تسبيب أسبابه‏

" ما لم يستعجل"

 (5) أي ما لم يطلب العجلة فيه فييأس إذا أبطأت حاجته فيعرض عن الله تعالى زاعما أنه لا يستجيبه لإبطائه في حقه أو المعنى أنه استعجل في الدعاء و لم يهتم به و قام لحاجته قبل المبالغة، و الإلحاح في الدعاء كما هو ظاهر الخبر الثاني و الأول أظهر.

و يمكن حمل الخبر الآتي أيضا عليه أي ييأس بإبطاء الإجابة و يترك الدعاء و يقوم لحاجته، و الحاصل أنه لا بد للداعي من أن يبالغ في الدعاء و يحسن الظن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 29

برب الأرض و السماء، و لا ييأس من رحمة الله بتأخر الإجابة فإنه يمكن أن يكون لحب صوته أو لعدم مصلحته في وصول الحاجة إليه عاجلا و لا يستعجل في ذلك، فإن العجلة من الشيطان و قد ذمها الله تعالى في مواضع من القرآن.

قال الراغب: العجلة طلب الشي‏ء و تحريه قبل أوانه، و هي من مقتضى الشهوة و لذلك صارت مذمومة في عامة القرآن حتى قيل: العجلة من الشيطان، قال تعالى:

" سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ"" وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ"" وَ ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى‏"" أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ"" وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ" و قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ" و قال" خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ"" وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا" و مثله كثير.

و يؤيده ما رواه في المشكاة عن مسلم عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: قال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله و ما الاستعجال؟

قال: يقول قد دعوت و قد دعوت و لم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك و يدع الدعاء، و نقل الطيبي في شرحه عن بعضهم من كان له ملالة من الدعاء لا يقبل دعاؤه لأن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 30

الدعاء عبادة حصلت الإجابة أو لم تحصل، فلا ينبغي للمؤمن أن يمل من العبادة و تأخير الإجابة إما لأنه لم يأت وقتها فإن لكل شي‏ء وقتا، و إما لأنه لم يقدر في أول الأمر قبول دعائه في الدنيا ليعطى عوضه في الآخرة، و إما أن يؤخر القبول ليلح و يبالغ فيها، فإن الله تعالى يجب الإلحاح في الدعاء.

 (الحديث الثاني)

 (1): صحيح.

" إذا عجل"

 (2) أي في تعقيب الصلاة فتركه أو اكتفى فيه بقليل للتوجه إلى حوائجه فقام إليها أو اقتصر بقليل من الدعاء ثم توجه إلى الحاجة التي يدعو لها، أو المراد به ما ذكرناه في الخبر السابق، أي يئس للإبطاء في الإجابة و ترك الدعاء و توجه إلى الحاجة ليحصلها به بسعيه و الأول هنا أظهر، و ترتب الجزاء على جميع المحتملات ظاهر.

 (الحديث الثالث)

 (3): مجهول، و محمول على الغالب أو على ما إذا تحققت الشرائط كما مر.

 (الحديث الرابع)

 (4): مجهول، و يمكن عده صحيحا على نسخة حسان و موثقا على نسخة حنان.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 31

" ما عنده"

 (1) أي ما هو تحت قدرته و يحصل بقضائه و قدره، لكن بشرط أن يكون مشروعا.

 (الحديث الخامس)

 (2): مرسل.

 (الحديث السادس)

 (3): ضعيف.

و قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام حيث قال مخاطبا لقومه:" وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ" قال الطبرسي (ره) أي و أتنحى منكم جانبا و اعتزل عبادة ما تدعون من دون الله‏

" وَ أَدْعُوا رَبِّي"

 (4) قال أي أعبد ربي‏

" عَسى‏ أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا"

 (5) كما شقيتم بدعاء الأصنام، و إنما ذكر عسى على وجه الخضوع و قيل: معناه لعله قبل طاعتي و عبادتي و لا أشقى بالرد فإن المؤمن بين الخوف و الرجاء، و قال البيضاوي شَقِيًّا أي خائبا ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتكم، انتهى.

و لنذكر معنى الخبر و سبب الاستشهاد بالآية

قوله صلى الله عليه و آله و سلم: استجيب له‏

 (6) أي سريعا و لم يستجيب أي كذلك‏

أو لم يستجب‏

 (7) في حصول المطلوب، لكن عوض له في الآخرة، و الحاصل أنه لا يترك الإلحاح لبطء الإجابة فالاستشهاد بالآية لأن إبراهيم عليه السلام، أظهر الرجاء بل الجزم إذا لظاهر أن عسى موجبه في عدم شقائه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 32

بدعاء الرب سبحانه، و عدم كونه خائبا ضائع السعي كما خابوا و ضل سعيهم في دعاء آلهتهم كما ذكره المفسرون، و يحتمل أن يكون في الكلام تقدير أي فرضي بعد الإلحاح سواء استجيب له أم لم يستجب، و لم يعترض على الله تعالى لعدم الإجابة و لم يسي‏ء ظنه به فالاستشهاد بالآية بحملها على أن المعنى عسى أن لا يكون دعائي سببا لشقاوتي و ضلالتي.

و يحتمل أن يكون ذكر الآية لمحض بيان فضل الدعاء.

باب تسمية الحاجة في الدعاء

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن و قد يعد مجهولا و آخره مرسل.

 (الحديث الثاني)

 (3)

:" أن يبث إليه الحوائج"

 (4) أي تذكر و تظهر فإنها إذا ذكرت انتشرت لأنه يسمعها الملائكة و غيرهم و التعدية بإلى لتضمين معنى التوجه أو التضرع، قال الجوهري: بث الخبر و أبثه نشره يقال: أبثثتك سري أي أظهرته لك، و البث الحال و الحزن، يقال: أبثثتك أي أظهرت لك بثي.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 33

باب إخفاء الدعاء

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح و آخره مرسل.

و يدل على أن الإخفاء في الدعاء أفضل من الإعلان، و الحكم بالمساواة في الخبر الأول و الأفضلية في الثاني إما باختلاف مراتب الإخفاء و الإعلان، أو المراد بالأول الإخفاء عند الدعاء و بالثاني الإخفاء بعده، فيدل على أن الثاني أهم و أفضل، و أما الجمع بينهما و بين ما ورد من فضل الاجتماع في الدعاء فسيأتي الكلام فيه إنشاء الله تعالى.

ثم الظاهر أن هذه النسبة إنما هي إذا لم يكن الإعلان مشوبا بالرياء و السمعة، و إلا فلا نسبة بينهما.

باب الأوقات و الحالات التي ترجى فيها الإجابة

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): صحيح.

و المراد

بزوال الأفياء

 (5) أول وقت الزوال كما تدل عليه الأخبار الآتية و عبر هكذا إلى تسميته المسبب باسم المسبب، أي زوال الشمس عن دائرة نصف النهار،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 34

أو زوال الأفياء من جهة المغرب، و ميلها إلى جهة المشرق، أو بناء على أن في بلاد الحجاز لقربها من خط الاستواء في أكثر الأوقات شي‏ء ظلي، و الأوسط أظهر.

قال في المصباح: فاء الظل يفي‏ء فيئا رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق و الجمع فيوء و أفياء، و قال: قال ابن قتيبة: يذهب الناس إلى أن الظل و الفي‏ء بمعنى واحد و ليس كذلك، بل الظل يكون غدوة و عشية، و الفي‏ء بمعنى واحد، و ليس كذلك بل الظل يكون غدوة و عشية و الفي‏ء لا يكون إلا بعد الزوال فلا يقال لما قبل الزوال في‏ء، و إنما يقال بعد الزوال فيئا لأنه ظل فاء من جانب المغرب إلى جانب المشرق، و الفي‏ء الرجوع فقال ابن السكيت: الظل من الطلوع إلى الزوال و الفي‏ء من الزوال إلى الغروب، و قال ثعلب: الظل للشجر و غيرها بالغداة، و الفي‏ء بالعشي. انتهى.

ثم اعلم أنه لم يعلم مقدار تلك الساعة، و روي في عدة الداعي عن الصادق عليه السلام قال: إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء و أبواب الجنان و قضيت الحوائج العظام، فقال الراوي: من أي وقت؟ قال: بمقدار ما يصلي الرجل أربع ركعات مترسلا.

و" أول"

 (1) عطف على القطر، و

القطر

 (2): المطر،

و فتح أبواب السماء

 (3) إما حقيقة، أو كناية عن قرب الاستجابة و فتح أبواب الرحمة.

 (الحديث الثاني)

 (4): مجهول.

و الظاهر أن الثلاثة الأخيرة المراد بها بعد الصلوات لا بعد دخول أول الأوقات،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 35

فبعد الظهر هنا غير زوال الأفياء المذكور في الخبر المتقدم.

 (الحديث الثالث)

 (1): ضعيف على المشهور.

" عند قراءة القرآن"

 (2) يحتمل أن يكون المراد بعده لئلا ينافي وجوب الإنصات أو رجحانه إذا قرأ غيره و إذا قرأ هو نفسه لا ينافي القراءة أو المراد سؤال الرحمة بعد تلاوة آياتها و الاستعادة من العقوبات بعد قراءة آياتها، و لكل منهما شواهد من الأخبار، و إن أمكن أن يكون السؤال بالقلب لا باللسان.

و كذا

عند الأذان‏

 (3) يمكن أن يكون المراد الدعاء بعده لما ورد من استجابة الدعاء بين الأذان و الإقامة، و إن أمكن أن يكون المراد عند سماع أذان المؤذن لورود الأخبار في الدعاء عنده و لا ينافي استحباب الحكاية لا مكان الجمع بينهما.

" و عند التقاء الصفين للشهادة"

 (4) ظاهر استجابة الدعاء من ابتداء تقابل الصفين إلى انقضاء الأمر، و لا ينافي ذلك ما مر في الخبر الأول لاحتمال كون الدعاء عند شهادة الشهيد أقرب إلى الإجابة من سائر أوقات التقاء الصفين، و ما قيل: إن اللام في قوله: للشهادة لام العاقبة و المراد عند انصباب دم المؤمن تكلف مستغنى عنه.

 (الحديث الرابع)

 (5): مجهول.

و المراد

بزوال الشمس‏

 (6) ميل مركزها عن دائرة نصف النهار، قال الكرماني في شرح البخاري: زاغت الشمس مالت و زالت عن أعلى درجات ارتفاعها، و هو ثلاث: زوال يعرفه الله، و زوال يعرفه الملك، و زوال يعرفه الناس، فورد أنه سأل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 36

جبرئيل هل زالت؟ فأجاب بلا نعم، و قال: قطعت الشمس بين قولي لا و نعم مسيرة خمسمائة عام.

 (الحديث الخامس)

 (1): حسن موثق.

" إذا رق أحدكم"

 (2) أي قلب أحدكم و الرقة ضد القساوة و علامتها البكاء و الدمعة، و الرقة أيضا الرحمة، في المصباح: رق الشي‏ء يرق من باب ضرب خلاف غلظ، و في القاموس: الرقة بالكسر الرحمة رققت له أرق و الاستحياء و الدقة، و ترقق له رق له قلبه.

و قال الجوهري: خلص الشي‏ء بالفتح‏

يخلص‏

 (3) خلوصا أي صار خالصا و خلص إليه الشي‏ء وصل، و الإخلاص أيضا في الطاعة ترك الرياء، و قد أخلصت الله الدين، انتهى.

و الحاصل أن الرقة علامة خلوص القلب من الغدر و الحسد و الأفكار الباطلة و الخيالات الشاغلة، و توجهه إلى الله و إعراضه عما سواه أو الوصول إليه تعالى و إلى قربه، و الخلوص علامة الإجابة و سببها.

 (الحديث السادس)

 (4): ضعيف.

و قال الجوهري:

السحر

 (5) قبيل الصبح، و كذا ذكر الفيروزآبادي و غيره أيضا، و قد جوز بضمتين أيضا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 37

و قال الطبرسي (ره) في قوله تعالى:" وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ" الأسحار جمع سحر و هو الوقت الذي قبيل طلوع الفجر، و أصله الخفاء لخفاء الشخص في ذلك الوقت، انتهى.

و قال الراغب: السحر و السحرة اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار، و جعل اسما كذلك الوقت، و يقال: لقيته بأعلى سحرين.

و أقول: وردت أخبار كثيرة في قوله تعالى:" وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ" أنه الاستغفار في صلاة الوتر، فيومئ إلى امتداده بامتداد وقت الوتر لكنه إيماء خفي و يشير إلى الأول قوله تعالى:" إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ" ثم قال بعد ذلك:

" وَ لَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ" و قال البيضاوي في هذه الآية: أخره إلى السحر أو إلى صلاة الليل أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة أو إلى أن يستحل لهم من يوسف، أو يعلم أنه عفا عنهم، فإن عفو المظلوم شرط المغفرة، و يؤيده ما روي أنه استقبل قائما يدعو و قام يوسف خلفه يؤمن و قاموا خلفهما أذلة خاشعين حتى نزل جبرئيل و قال: إن الله قد أجاب دعوتك و عقد مواثيقهم بعدك على النبوة.

و قال الطبرسي (ره) إنما لم يستغفر لهم في الحال لأنه أخرهم إلى سحر ليلة الجمعة عن ابن عباس، و طاوس و روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام و قيل:

أخرهم إلى وقت السحر لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء عن ابن مسعود و غيره، و روي أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام و قيل: إنه كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف و عشرين سنة عن وهب، و قيل: إنه كان يقوم و يصف أولاده خلفه عشرين سنة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 38

يدعو و يؤمنون على دعائه و استغفاره لهم حتى نزل قبول توبتهم، و روي أن جبرئيل علمه دعاء فاستجيب لهم.

 (الحديث السابع)

 (1): مجهول.

و يمكن أن يعد حسنا لأن سعدان له أصل و يدل على أشياء من شرائط الدعاء و دواعي الإجابة.

الأول: كونه عند زوال الشمس عن وسط السماء.

الثاني: التصدق قبل الدعاء و لو بقليل.

الثالث: استعمال الطيب و كان‏

الشم‏

 (2) هنا كناية عن استعمال قليل من الطيب و التطيب به لا الاكتفاء بمحض الشم و نظيره حديث أم عطية الخافضة، قال لها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أشمي و لا تنهكي شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة و النهك بالمبالغة فيه، أي اقطعي بعض النواة و لا تستأصليها، كذا في النهاية.

الرابع: كون الدعاء في المسجد، و يمكن أن يكون المراد هنا مسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و

قوله:" و دعا في حاجته بما شاء الله"

 (3) أي من التحميد و الثناء و الصلاة فهذا أيضا يدل على كثير من الآداب إجمالا.

 (الحديث الثامن)

 (4): سنده الأول ضعيف و الثاني صحيح.

و

سعيد

 (5) هو ابن يسار، و رواه الصدوق في الخصال في باب الثلاثة عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن إسحاق التاجر عن علي بن مهزيار عن علي بن حديد مثله، إلا أنه زاد بعد قوله: و دمعت عيناك، و وجل قلبك‏

فدونك و دونك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 39

 (1) اسم فعل بمعنى خذ قال الجوهري: يقال في الإغراء بالشي‏ء دونكه، قال تميم للحجاج أقبرنا صالحا و كان قد صلبه و قال: دونكموه، و قال:

القصد

 (2) إتيان الشي‏ء تقول قصدته و قصدت له و قصدت إليه بمعنى، و قصدت قصده نحوت نحوه، و في القاموس:

القصد استقامة الطريق و الاعتماد و الأم قصده، و له و إليه و ضد الإفراط، و في المصباح قصدت الشي‏ء و له و إليه قصدا من باب ضرب طلبته بعينه و إليه قصدي و مقصدي و قصد في الأمر قصدا توسط و طلب الأسد، و لم يجاوز الحد.

و هو على قصد أي رشد و طريق سهل، و قصدت قصده أي نحوه.

إذا عرفت هذا فالظاهر أن قصد على بناء المفعول و قصدك مفعول مطلق نائب الفاعل و الإضافة إلى المفعول إذا ظهرت تلك العلامات فعليك بطلب الحاجات و الاهتمام في الدعاء للمهمات فقد أقبل الله عليك بالرحمة و توجه نحوك للإجابة، أو أقبلت الملائكة إليك للشفاعة أو لقضاء الحاجة بأمره سبحانه.

و قيل: القصد بمعنى المقصود أي أقبل الله و الملائكة إلى مقصودك و ربما يقرأ أقصد بصيغة المعلوم، و قال: قصدك مرفوع بالفاعلية و الإضافة إلى الفاعل أي استقام قصدك إلى المطلوب و لا يخفى بعدهما و ظهور الأول.

 (الحديث التاسع)

 (3): ضعيف.

" و هي السدس الأول من أول النصف"

 (4) أي النصف الثاني و ظاهره أن المراد سدس النصف لا سدس الكل، و سيأتي هذا الخبر في كتاب الصلاة في باب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 40

صلاة النوافل بهذا السند إلا أن فيه عن عمر بن أذينة عن عمر بن يزيد و هو أظهر، و في متنه هكذا إذا مضى نصف الليل في السدس الأول من النصف الباقي، لكن رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن عمر ابن يزيد مثله، إلى قوله: قال إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي، و روي أيضا عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن أبي أيوب الخراز عن عبيدة النيسابوري، قال، قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك إن الناس يروون عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلا استجيب له، قال: نعم، قلت: متى هي؟

قال: ما بين نصف الليل إلى الثلث الباقي قلت: ليلة من الليالي أو كل ليلة؟ فقال:

كل ليلة، فهذان الخبران يدلان على أن المراد سدس الكل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 41

باب الرغبة و الرهبة و التضرع و التبتل و الاستعاذة و المسألة

 (1) قال في النهاية: في حديث الدعاء رغبة و رهبة إليك، يقال: رغب يرغب رغبة إذا حرص على الشي‏ء و طمع فيه، و الرغبة السؤال و الطلب، و الرهبة الخوف و الفزع أعمل لفظ الرغبة وحدها و لو أعملها معا قال رغبة إليك و رهبة منك، و لكن لما جمعهما في النظم حمل أحدهما على الآخر، و قال: التضرع التذلل و المبالغة في السؤال: و الرغبة، يقال: ضرع يضرع بالكسر و الفتح و تضرع إذا خضع و ذل، و قال: يقال تبله يبتله تبلا إذا قطعه، و فيه لا رهبانية و لا تبتل، التبتل الانقطاع عن النساء و ترك النكاح، و امرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم، و بها سميت مريم أم عيسى عليه السلام و سميت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا و دينا و حسبا، و قيل: لانقطاعها إلى الله تعالى.

و قال و في حديث الدعاء و الابتهال أن تمد يديك جميعا و أصله التضرع و المبالغة في الدعاء.

و قال الجوهري: تضرع إلى الله أي ابتهل، قال الفراء: جاء فلان يتضرع و يتعرض بمعنى إذا جاء يطلب إليك الحاجة، و قال: التبتل الانقطاع عن الدنيا إلى الله، و كذلك التبتيل و منه قوله تعالى:" وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا" و قال:

الابتهال التضرع و يقال في قوله تعالى" ثُمَّ نَبْتَهِلْ" أي نخلص في الدعاء.

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح على الظاهر إذ الأظهر أن‏

أبا إسحاق‏

 (3) هو ثعلبة بن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 42

ميمون.

قوله:" الرغبة"

 (1) هذا و نظائره يحتمل وجهين: الأول: أن يكون المعنى أنه إذا كان الغالب عليه في حال الدعاء الرغبة و الرجاء ينبغي أن يفعل هكذا، فإنه يظن أن يد الرحمة انبسطت فيبسط يده ليأخذه، و إذا كان الغالب عليه الخوف و عدم استئهاله للإجابة يجعل ظهر كفيه إلى السماء إشارة إلى أنه لكثرة خطاياه مستحق للحرمان و إن كان مقتضى كرمه وجوده الفضل و الإحسان.

الثاني: أن يكون المعنى أنه إذا كان مطلوبه طلب منفعة ينبغي أن يبسط بطن كفيه إلى السماء لما مروان كان مطلوبه دفع ضرر و بلاء يخاف نزوله من السماء يجعل ظهرها إليها كأنه يدفعها بيديه، و لا يخفى أن فيما عدا الأولين الأول أنسب، و الخبر الخامس يؤيد الثاني.

و يمكن الجمع بين المعنيين بحمل الأولين على الثاني و البقية على الأول، و يحتمل حمل الأولين على المطالب الدنيوية و ما بعدهما على المناجاة، و المطالب الأخروية و الحمل إما بتقدير مضاف أي أدب الرغبة مثلا أو هذه الأسماء صارت في عرف الشرع أسماء لتلك الأفعال أو أطلق عليها مجازا لدلالتها عليها.

و قوله:" وَ تَبَتَّلْ"

 (2) قال الدعاء أي إشارة إليه أو التقدير مدلول قوله،

و قوله:

" قال"

 (3) كلام الراوي اعترض بين المبتدأ و الخبر.

و قال الطبرسي (ره): التبتل الانقطاع إلى عبادة الله و إخلاص العمل له و أصله من بتلت الشي‏ء قطعته و منه البتول عليها السلام لانقطاعها إلى عبادة الله عز و جل، ثم قال: و المعنى أخلص له إخلاصا عن ابن عباس و غيره يعني في الدعاء و العبادة و قيل: انقطع إليه انقطاعا و قيل: توكل إليه توكلا، و قيل: تفرغ لعبادته و روى محمد بن مسلم و زرارة و حمران عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليه السلام إن التبتل هنا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 43

رفع اليدين في الصلاة، و في رواية أبي بصير هو رفع يدك إلى الله و تضرعك إليه، انتهى.

و أقول: يحتمل أن يكون المعنى أن هذا أفضل أنواع التبتل الذي ذكره الله عز و جل، و الإشارة يحتمل الرقع و الخفض و التحريك يمينا و شمالا، و الخبر الثالث يدل على الأول، و على الأول اليد اليسرى أنسب، و على الثاني اليمنى كما سيأتي.

و المراد

بالإصبعين‏

 (1) الجمع بينهما، و قيل: الرفع و الخفض إشارة إلى أنه لا أدري أ ترفعني أم تضعني و كذا التحريك يمينا و شمالا إشارة إلى أنه لا يدري أنه من أصحاب اليمين أو من أصحاب الشمال، و قيل: الرفع و الخفض إشارة إلى أن الروح يجرني إليك، و التعلق الجسماني يجرني إلى السفل و لا يمكنني الانقطاع إليك إلا بجذباتك.

و أقول: يحتمل أن يكون الأول إلحاحا في الطلب كما هو دأب الملحين من السائلين لا سيما إذا كان السائل لا يقدر على النطق، و في عدة الداعي كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يرفع يديه إذا ابتهل و دعا، كما يستطعم المسكين، و فيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل البعد المستصرخ إلى سيده، فإذا فعل ذلك رحمته و أنا أكرم القادرين.

و الثاني إشارة إلى التحير في أمره، و ذلك عند تعارض آيات الخوف و الرجاء، و النظر إلى بعده عن درجة القبول و الكمال، و شدة كرم مولاه الذي هو منتهى الآمال، فإذا أقبلت الدمعة و اشتد الرجاء فالمناسب له أن يمد يديه إلى القبلة أو إلى السماء لأخذ العطاء، و المد هنا يحتملها.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 44

و

قوله عليه السلام:" ثم ادع"

 (1) عطف على مقدر أي أفعل ما ذكرت في الأخير أو في جميع المراتب المتقدمة ثم ادع.

 (الحديث الثاني)

 (2): حسن كالصحيح.

و الآية في سورة المؤمنين هكذا:" وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ وَ لَوْ رَحِمْناهُمْ وَ كَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ، وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ" قال في مجمع البيان: معناه إنا أخذنا هؤلاء الكفار بالجدب و ضيق الرزق و القتل بالسيف‏

" فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ"

 (3) أي ما تواضعوا و ما انقادوا

" وَ ما يَتَضَرَّعُونَ"

 (4) أي و ما يرغبون إلى الله في الدعاء، و قال أبو عبد الله عليه السلام الاستكانة في الدعاء و التضرع رفع اليد في الصلاة، انتهى.

و قيل:

استكان‏

 (5) من باب الافتعال و أصله افتعل من السكون، فالمد شاذ حصل بالإشباع، و قيل: من باب الاستفعال و أصله استغفل من كان فالمد قياس و وجه بأنه يقال استكان إذا ذل و خضع، أي صار له كون خلاف كونه الأول كما يقال:

استحال إذا تغير من حال إلى حال إلا أن استحال عام في كل حال، و استكان خاص هو الخضوع، و تذكير الضمير باعتبار الخير أو لأنه مصدر

و التضرع بهما

 (6) أي بالإشارة بالإصبعين و تحريكما كما مر أو الأعم منها و من الابتهال.

 (الحديث الثالث)

 (7): مرسل.

و الضمير في‏

قال‏

 (8) للراوي، و في ذكر للإمام، و هكذا

الرهبة

 (9) أيضا كلام الراوي أو هو كلام الإمام بتقدير القول، أي قال و هكذا الرهبة، و يؤيده أن السيد بن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 45

طاوس روى هذا الخبر مرسلا عن سعيد بن يسار قال قال الصادق عليه السلام هكذا الرغبة، و أبرز راحتيه إلى السماء إلى آخر الخبر مثله، إلا أنه قال في التبتل يرفع إصبعه مرة.

قوله عليه السلام:" و يرفع"

 (1) كان العدول هنا إلى المضارع لإفادة التكرار، و لا يبتهل على بناء المجهول أو المعلوم نفيا أو نهيا، و المراد

بالأصابع‏

 (2) إما سبابتا اليدين مجازا أو مجموع الأصابع و هو بعيد.

ثم إن الاختلاف الذي يتراءى في هذه الأخبار يمكن رفعه بحمل بعضها على بعض أو القول بتعدد أنواع كل منها، و أقول: روي في المشكاة نقلا من مسند أبي داود بإسناده عن ابن عباس قال: المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، و الاستغفار إن تشير بإصبع واحدة و الابتهال أن تمد يديك جميعا و في رواية قال:

و الابتهال هكذا و رفع يديه و جعل ظهورهما مما يلي وجهه، و عن أحمد بإسناده عن ابن عمر أنه يقول: إن رفعكم أيديكم بدعة ما زاد رسول الله على هذا يعني إلى الصدر، و قال الطيبي: المسألة مصدر بمعنى السؤال، و المضاف محذوف ليصح الحمل أي أدب السؤال، و طريقه رفع اليدين و أدب الاستغفار الإشارة بالسبابة سبا للنفس الأمارة و الشيطان و التعوذ منهما إلى الله تعالى، و لعل المراد من‏

الابتهال‏

 (3) دفع ما يتصوره من مقابلة العذاب فيجعل يديه كالترس ليستره عن المكروه.

و قال بعضهم: العادة فيمن طلب شيئا أن يبسط الكف إلى المدعو متواضعا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 46

متخاشعا، و فيمن أراد كف مكروه أن يرفع ظهر كفه إشارة إلى الدافع.

 (الحديث الرابع)

 (1): صحيح.

" في صلاتي بيساري"

 (2) أي برفع يساري مع اليقين أو بدونها، كما ورد في صلاة الوتر أنه يرفع اليسرى و يعد باليمين أو بالتضرع و تحريك الأصابع بيساري و كان السائل الجاهل نظر إلى أن اليمين أشرف و غفل عن أن لجميع البدن قسطا من العذاب و الاستعاذة منه، و لكلها حاجة إلى الرب في الوجود و البقاء و التربية، بل الشمال أنسب في هذا المقام، إذ كاتب السيئات في جهة الشمال و المعاصي كلها تأتي من جهة شمال النفس و هي جهة الميل إلى الشهوات و اللذات و الأعمال الدنية الخسيسة ترتكب بها و جوابه عليه السلام كان بعد الصلاة.

و يحتمل أن يكون المراد بقوله عليه السلام" في صلاتي" في تعقيب صلاتي و يؤيده ما سيأتي في باب الدعاء في أدبار الصلوات من قال بعد كل صلاة و هو أخذ بلحيته بيده اليمنى" يا ذا الجلال و الإكرام ارحمني من النار" ثلاث مرات و يده اليسرى مرفوعة بطنها إلى ما يلي السماء إلى آخر الخبر و كثير من هذه الآداب مذكورة فيه فارجع إليه.

و روى السيد في كتاب الإقبال من أدعية كل يوم من رجب و ذكر الدعاء قال: ثم مد عليه السلام يده اليسرى فقبض على لحيته و دعا بهذا الدعاء و هو يلوذ بسبابته اليمنى إلى آخر الخبر.

" و الرغبة تبسط"

 (3) أي أن تبسط و في القاموس‏

الرسل‏

 (4) بالكسر الرفق و التؤدة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 47

كالرسلة و الترسل، و بالفتح السهل من السير انتهى.

فيمكن أن يقرأ هنا بالكسر أي برفق و تأن و بالفتح بأن يكون صفة مصدر محذوف أي رفعا رسلا،

و ذراعك‏

 (1) بالنصب عطفا على يدك أو بالرفع و الجملة حالية و هذا الخبر كالتفسير للأخبار السابقة.

 (الحديث الخامس)

 (2): مرسل.

و الظاهر أن المراد

بالتعوذ

 (3) التحرز من شر الأعادي، و يمكن تعميمه بحيث يشمل شر الأعادي الباطنة أيضا من النفس و الشيطان، بل من العقوبات الأخروية و الدنيوية و هي حالة غاية الاضطرار فإن من رأى حجرا أو سيفا أو سنانا أو شبهها يتترس بيديه هكذا لدفعها عن كرائم بدنه.

و يحتمل أن ذكر الرزق في الثاني على المثال و التخصيص لكون غالب رغبات عامة الخلق له، و تقضى بباطنها إلى السماء أي تجعل، باطنهما نحوها، في المصباح‏

الفضاء

 (4) بالمد المكان الواسع، و أفضى الرجل بيده إلى الأرض مسها بباطن راحته و أفضيت إلى الشي‏ء وصلت إليه انتهى. و يقال: أفضي إليه بسره أي أظهره له و كأنه هنا أنسب.

قوله عليه السلام:" مما يلي وجهك"

 (5) ظاهره الدفع و الخفض و هو مخالف لما مر في الخبر السابق و هو بعينه ما مر في التبتل، و كأنه لهذا عدها أربعا، و المراد أنها مترادفان فهذا اصطلاح آخر، و قيل: المراد تحريك السبابة يمينا و شمالا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 48

قريبا من وجهه، و لذا لم يعده من أقسام الرفع فأنواع الرفع أربعة و التضرع خارجة منها و له وجه.

و يحتمل أن يكون المراد بقوله مما يلي وجهه أن يستر وجهه بهما، و هو يناسب الخيفة، و في أكثر نسخ العدة فقال على خمسة أوجه، و كأنه جعله كذلك ليطابق الأقسام، و يحتمل أن تكون نسخته هكذا.

 (الحديث السادس)

 (1): صحيح و قد مر في الثاني باختلاف في أول السند و كأنه أخذ هذا من كتاب ابن محبوب و ما مر من كتاب ابن أبي عمير، و قال في العدة و في حديث آخر الاستكانة في الدعاء أن يضع يديه على منكبيه، و في فلاح السائل و في حديث آخر عن الصادق عليه السلام أن الاستكانة في الدعاء أن يضع يديه على منكبيه حين دعائه.

 (الحديث السابع)

 (2): حسن كالصحيح.

" تفضي بكفيك"

 (3) أي تجعل باطنهما نحو الفضاء، كما يفضي الرجل باطن كفيه إلى الجدار، و الحاصل تجعل باطن كفيك مقابل القبلة كما مر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 49

فائدة

قال العارف الرباني في العدة هذه الهيئات المذكورة إما تعبد لعلة لا نعلمها أو لعل المراد ببسط كفيه في الرغبة كونه أقرب إلى حال الراغب في بسط آماله و حسن ظنه بإفضاله و رجائه لنواله، فالراغب يسأل بالأمان فيبسط كفيه لما يقع فيهما من الإحسان.

و المراد في الرهبة بجعل ظهر الكفين إلى السماء، كون العبد يقول بلسان الذلة و الاحتقار لعالم الخفيات و الأسرار آنا ما أقدم على بسط كفى إليك و قد جعلت وجههما إلى الأرض ذلا و خجلا بين يديك، و المراد في التضرع بتحريك الأصابع يمينا و شمالا أنه تأسى بالثاكل عند المصاب الهائل، فإنها تقلب يديها و تنوح بهما إقبالا و إدبارا و يمينا و شمالا، و المراد بالتبتل برفع الأصابع مرة و وضعها أخرى بأن معنى التبتل الانقطاع فكأنه يقول بلسان حاله لمحقق رجائه و آماله: انقطعت إليك وحدك كما أنت أهله من الإلهية فيشير بإصبعه وحدها من دون الأصابع على سبيل الوحدانية.

و المراد في الابتهال بمد يديه تلقاء وجهه إلى القبلة أو مد يديه و ذراعيه إلى السماء، أو رفع يديه و تجاوزهما رأسه بحسب الروايات أنه نوع من أنواع العبودية و الاحتقار و الذلة و الصغار، أو كالغريق الرافع يديه الحاسر عن ذراعيه المتشبث بأذيال رحمته و المتعلق بذوائب رأفته التي أنجت الهالكين و أغاثت المكروبين و وسعت العالمين و هذا مقام جليل فلا يدعيه العبد إلا عند العبرة و تزاحم الأنين و الزفرة و وقوفه موقف العبد الذليل و اشتغاله بخالقه الجليل عن طلب الآمال و التعرض للسؤال.

و المراد في الاستكانة برفع يديه على منكبيه أنه كالعبد الجاني إذا حمل إلى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 50

مولاه و قد أوثقه قيد هواه، و قد تصفد بالأثقال و ناخ بلسان الحال هذه يداي قد عللتها بين يديك بظلمي و جرأتي عليك.

و أقول: أخذه (ره) من كتاب فلاح السائل الجليل قدوة العارفين رضي الدين علي بن طاوس نور الله ضريحه بتغيير يسير في وسطه.

باب البكاء

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

" إلا و له كيل و وزن"

 (3) لعل المراد أن ثواب العبادات و إن كان كلها يجري على جهة التفضل و زائدا على ما يظن أنه يستحقه لكن يناسبه في ميزان العقل و القياس بحسب كثرة العمل و قلته و سهولته و صعوبته و غير ذلك، بخلاف البكاء فإن القليل منه يترتب عليه آثار عظيمة و مثوبات جسمية لا يحيط بها ميزان العقل و مكيال القياس، و قيل: الكيل و الوزن إما مصدر أن يقال كال الطعام يكيله كيلا و وزنه يزنه وزنا إذا قاسه بالمكيال و الميزان، أو اسم لما يكال به الطعام.

و للعبارة وجهان: الأول أن كل عبادة يعتبر كيلها و وزنها و يجزي على وجه الاستحقاق بمثلها كيلا بكيل و وزنا بوزن و إن وقعت الزيادة فهي تفضل إلا الدمع فإنه و إن كان خفيفا قليلا يستحق صاحبه أجرا جزيلا لا يعلم قدره إلا الله عز و جل.

الثاني: أن الدمع لكونه عظيما لا يحيط به الكيل و الوزن، و لا يمكن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 51

أن يقدر بهما، فلذلك يوجب أجرا جزيلا، و قال في القاموس:

اغرورقت عيناه‏

 (1) دمعتا كأنها غرقت في دمعها، انتهى.

و المراد هنا امتلاء العين بالماء قبل أن يجري على الوجه، و في القاموس:

رهقه‏

 (2) كفرح غشيه و لحقه أو دنا منه سواء أخذه أو لم يأخذه، و قال الجوهري:

رهقه بالكسر يرهقه رهقا أي غشيه من قوله تعالى:" وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ" و قال:

القتر

 (3) جمع القترة و هي الغبار و منه قوله تعالى:" تَرْهَقُها قَتَرَةٌ" و قال الراغب: و قوله تعالى:" تَرْهَقُها قَتَرَةٌ" نحو غبرة و هي شبه دخان يغشى الوجه من الكرب.

و قال البيضاوي في قوله تعالى:" لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وَ زِيادَةٌ وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ" لا يغشاها قتر غبرة فيها سواد، و لا ذلة هوان، و المعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك حزن و سوء حال، و ضمير وجهه راجع إلى صاحب العين كالآية و في القاموس:

فاض‏

 (4) الماء يفيض فيضا كثر حتى سأل كالوادي، و ضمير فاضت إما راجع إلى الدموع أو العين بالإسناد المجازي كالفياض، و ضمير

حرمة

 (5) إما راجع إلى الباكي أو إلى الوجه، و في بعض النسخ حرمهما فالضمير راجع إلى العين، و تحريمه يستلزم تحريم الشخص، بل المبالغة فيه أكثر، فإن الكناية أبلغ، و لأنه يدل على أنه لا يرى النار بعينه فيأول بأنه لا يراها رؤية مخوفة.

" في أمة"

 (6) أي يكون فيهم أو في حقهم فالرحمة تشمل الدارين إن كانوا مؤمنين، أو في الدنيا إن لم يكونوا مؤمنين.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 52

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور.

و مضمونه قريب من الخبر السابق، و التفاوت بينهما في شيئين:

أحدهما: التقييد بالخشية من الله في هذا الخبر دون السابق، و هذا هين.

و ثانيهما: ترتب عدم الرهق على الاغريراق و التحريم على الفيضان، فيدل على أن التحريم أعلى و أكثر نفعا من عدم الرهق، و هنا بالعكس، و الاختلاف الأول أي التقييد بالخشية لا يؤثر في ذلك و لا ينفع كما توهم إلا أن يقال: لما كان في الأخير مقيدا بخوف الله يترتب الأنفع على الأدنى، و اكتفي في الأعلى بثواب الأدنى اختصارا و تفننا في الكلام، و ظهور أن الأعلى أكثر ثوابا، و لما كان الراوي واحدا و كذا المروي عنه، الظاهر أن الاختلاف من و هم بعض الرواة، و هذا الخبر بحسب ظاهر النظر أوفق بما مر إذ عدم الرهق يستلزم التحريم بدون العكس كما لا يخفى.

 (الحديث الثالث)

 (2): كالسابق.

" لا يراد بها غيره"

 (3) أي غير الله، أو غير الاحتراز من عذابه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 53

 (الحديث الرابع)

 (1): مجهول.

و يمكن أن يعد حسنا موثقا لرواية منصور عن جماعة و إن كانوا مجاهيل‏

" عين"

 (2) أي أحدها عين غضت على بناء المجهول، في القاموس:

غض‏

 (3) طرفه خفضه و احتمل المكروه و

" المحارم"

 (4) جمع المحرم على بناء المفعول من التحريم، أي ما حرم الله النظر إليه.

" و عين سهرت"

 (5) كعلمت أي تركت النوم قدرا معتدا به، زيادة عن العادة في طاعة الله كالصلاة و التلاوة و الدعاء، و مطالعة العلوم الدينية، و في طريق الجهاد و الحج و الزيارات و كل طاعة لله سبحانه، و

جوف الليل‏

 (6) وسطه الذي يعتاد أكثر الناس النوم فيه، و قال في النهاية: فيه قيل له: أي الليل أسمع، قال: جوف الليل الآخر أي ثلثه الآخر، و هو الجزء الخامس من أسداس الليل، و هو لا يستلزم السهر الكثير فصح التقابل.

 (الحديث الخامس)

 (7): مجهول.

و

ابن أبي عمير

 (8) معطوف على السند السابق، و قد مر في الحديث الأول إلا باختلاف في وسط السند، حيث ذكر مكان منصور بن يونس جميل بن دراج.

و درست و هذا من المصنف غريب.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 54

 (الحديث السادس)

 (1): حسن كالصحيح.

و

الزهد في الدنيا

 (2) عدم الرغبة في أموال الدنيا، و اعتباراتها و ما يشغل عن الله فيها، و قد مر معناه في أبواب المكارم‏

و الرفيع الأعلى‏

 (3) هو المكان الرفيع الذي هو أرفع المنازل في الجنة، و هو مسكن الأنبياء و الأولياء من أعلى عليين و هم الرفيق الأعلى" وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً" و في جامع الأصول: فإنها الرفيع أي السماء و قيل:

سماء الدنيا، و

التفتيش‏

 (4) الطلب و الفحص عن أحوال الناس و المراد بعدم التفتيش إدخالهم الجنة بغير حساب.

 (الحديث السابع)

 (5): موثق و يدل على استحباب حمل النفس على البكاء و لو بذكر من مات من أولاده و أقاربه و أحبائه بل ما فات عنه من أمواله و نزل به من البلايا، و بإطلاقه يشمل حال الصلاة، و يمكن حمله على غيرها لكن ورد في بعض الأخبار التصريح بالتعميم بل بالتخصيص بها كما روى الصدوق عن منصور بن يونس أنه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي؟ قال: قرة عين و الله، و قال:

إذا كان ذلك فاذكرني عنده، و روى الشيخ عن سعيد بياع السابري قال: قلت‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 55

لأبي عبد الله عليه السلام أ يتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال: بخ بخ و لو مثل رأس الذباب و قال العلامة (ره) في المنتهى البكاء جائز في الصلاة إن كان خوفا من الله تعالى و خشية من النار لا يقطعها عمدا و لا سهوا، و إن كان لأمور الدنيا لم يجز و أبطل الصلاة سواء غلب عليه أو لا. و يدل على جواز الأول قوله تعالى:" إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا" و روى الجمهور، عن مطرف عن أبيه قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، ثم ذكر رواية الصدوق المتقدمة و غيرها ثم قال: و أما المنع من الثاني فلأنه ليس من أفعال الصلاة فكان قاطعا كالكلام.

و يؤيده ما رواه الشيخ عن النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال: إن كان بكاء لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة، و ظاهر الأصحاب أنه مجمع عليه، و توقف فيه المحقق الأردبيلي و أكثر من تأخر عنه لضعف الرواية و هو في محله.

و اعلم أن الأكثر جوزوا التباكي في الصلاة، و قد سمعت الأخبار في ذلك، و الغالب الشائع من أفراده تذكر المصائب الدنيوية بل صرحوا بذلك فيتراءى التنافي بين الحكمين، بل بين الروايات.

و يمكن رفع التنافي بين الروايات بوجهين:

الأول: حمل التباكي في الصلاة على ما إذا كان بتذكر الشدائد و العقوبات الأخروية، و ما كان مصرحا بتذكر الأمور الدنيوية على غير الصلاة كهذا الخبر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 56

الثاني: أن يحمل خبر المنع على ما إذا كان لغير التباكي، و أما رفع التنافي بين الحكمين فيمكن بالوجه الأخير و إن كان بعيدا من كلامهم، أو بأن يقال: إذا كان التباكي للبكاء للأمور الأخروية فيكون البكاء حقيقة لها لا للأمور التي تذكرها أو بأن يحمل على أن التذكر لتغيير حالة القلب من القساوة إلى الرقة، فإذا رق القلب فبكاؤه للأمور الأخروية و الفرق بين الوجهين الأخيرين لا يخفى على المتأمل.

 (الحديث الثامن)

 (1): صحيح.

و في بعض النسخ إن لم يكن بك بكاء و هو ظاهر، و في بعضها إن لم تك بكاء، و في بعضها إن لم تكن بكاء، و على الأخيرين يحتمل وجهين: الأول: أن يكون تك أو تكن بصيغة الخطاب، و بكاء بفتح الباء و تشديد الكاف للمبالغة، و المراد به من يقدر على البكاء بسهولة أو كثير البكاء، فإنه يكون كذلك و يحتمل الغيبة و تخفيف الكاف و فتح الباء، فكان تامة.

و التباكي‏

 (2) حمل النفس على البكاء، و السعي في تحصيله بما مر، و قيل:

المراد به إظهار البكاء و التشبه بالباكين في الهيئة و هو أيضا حسن، فإن من تشبه بقوم فهو منهم، و الأول أظهر، قال الجوهري تباكى تكلف البكاء.

 (الحديث التاسع)

 (3): موثق.

" إن أتباكى"

 (4) الاستفهام مقدر و قد لا يقدر فيقرأ نعم بكسر النون و سكون العين و فتح الميم، فعل مدح و هذا مما يشعر بالمعنى الأول فتأمل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 57

 (الحديث العاشر)

 (1): ضعيف على المشهور.

" إن خفت أمرا يكون"

 (2) أي خفت وقوع أمر مكروه يحدث بعد ذلك‏

" أو حاجة"

 (3) منصوب و هو من قبيل ما أضمر عامله على شريطة التفسير، و التقدير تريد حاجة، و قيل: التقدير أو خفت فوات حاجة تريدها، و لا يخفى ما فيه.

و الفاء في‏

قوله" فمجده"

 (4) للبيان و التمجيد ذكر مجده سبحانه و وصفه بالصفات الحسنة، و في النهاية في أسماء الله تعالى المجيد و الماجد، و المجد في كلام العرب الشرف الواسع، و رجل ماجد مفضال كثير الخير شريف، و المجيد فعيل منه للمبالغة، و قيل: هو الكريم الفعال، و قيل: إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سمي مجدا، و فعيل أبلغ من فاعل فكأنه يجمع معنى الجليل و الوهاب و الكريم، و منه حديث قراءة الفاتحة، مجدني عبدي أي شرفني و عظمني، انتهى.

" و الثناء"

 (5) المدح و الذكر الجميل، و هما متغايران بحسب المفهوم متقاربان بحسب الصدق، و

قوله:" كما هو أهله"

 (6) متعلق بالتمجيد و الأثناء معا، و المراد بحسب الطاقة و القدرة لا بحسب الواقع، فإنه خارج عن طاقة البشر، و يمكن أن يكون إشارة إلى ما ورد عن الحجج عليهم السلام في ذلك كما سيأتي و

" مثل"

 (7) منصوب على المفعولية أي و لو أن تبكي مثل و في بعض النسخ بمثل.

و أقرب‏

 (8) اسم إن و ما مصدرية، و إضافة أقرب إلى الكون مع أنه وصف الكائن على المجاز، و

من‏

 (9) متعلق بالقرب و ليست تفضيلية، و الواو في‏

قوله" و هو ساجد"

 (10) حالية، و الجملة الحالية قائمة مقام خبر إن المحذوف بتقدير في زمان السجود و البكاء، نظير أخطب ما يكون الأمير قائما.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 58

قال الشيخ الرضي رضي الله عنه في شرحه على الكافية إن كانت الحال جملة اسمية فعند غير الكسائي يجب معها و أو الحال، قال صلى الله عليه و آله و سلم أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد إذ الحال فضلة، و قد وقعت موقع العمدة فتجب معها علامة الحالية، لأن كل واقع غير موقعه ينكر، و جوز الكسائي تجردها عن الواو لوقوعها موقع خبر المبتدأ، فتقول: ضربي زيدا أبوه قائم.

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): مجهول.

و قال في النهاية فيه: قال رجل:

بخ بخ‏

 (2) هي كلمة يقال عند المدح و الرضا بالشي‏ء، و تكرر للمبالغة، و هي مبينة على السكون فإن وصلت جررت و نونت فقال بخ بخ، و ربما شددت و بخبخت الرجل إذا قلت له ذلك، و معناه التعظيم للأمر و تفخيمه.

و في القاموس: بخ أي عظم الأمر و فخم يقال وحدها و يكرر بخ بخ، الأول منون و الثاني مسكن، و قل في الأفراد بخ ساكنة و بخ مكسورة، و بخ منونة و بخ منونة مضمومة، و يقال: بخ بخ مسكنين و بخ بخ منونين، و بخ بخ مشددين كلمة تقال عند الرضا و الإيجاب بالشي‏ء أو الفخر و المدح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 59

باب‏

 (1) إنما لم يذكر العنوان لمناسبته للأبواب السابقة و اشتماله على آداب الدعاء و مكملاته و كونها من أنواع مختلفة.

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

" و إياكم"

 (3) للتحذير قال في النهاية: قد يكون" أيا" بمعنى التحذير، و منه الحديث إياي و كذا، أي نح عني كذا و نحني عنه و مفعول أراد محذوف و يدل عليه قوله شيئا من حوائج الدنيا و أن يسأل منصوب و هو المحذور منه، و يحتمل أن يكون أن يسأل مفعول أراد و يكون الحذر منه محذوفا مثله بقرينته و الأول أظهر.

" و حتى"

 (4) للاستثناء، و قوله: ثم يسأل منصوب معطوف على يبدأ، و كان الثناء بتعداد النعم و المدح بذكر الصفات الذاتية.

 (الحديث الثاني)

 (5): موثق كالصحيح.

" و المدحة"

 (6) بالكسر مصدر و قال في المصباح: مدحته مدحا من باب نفع أثنيت‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 60

عليه بما فيه من الصفات الجميلة، خلقية كانت أو اختيارية، و لهذا كان المدح أعم من الحمد، قال الخطيب التبريزي: المدح من قولهم انمدحت الأرض إذا اتسعت، فكان معنى مدحته وسعت شكره.

" يا من هو أقرب"

 (1) مأخوذ من قوله تعالى:" وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" قال البيضاوي: أي و نحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه من حبل الوريد تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبه و حبل الوريد مثل في القرب، قال: و الموت أدنى لي من الوريد، و

الحبل‏

 (2) العرق و إضافته للبيان، و الوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه.

و قيل: سمي‏

وريدا

 (3) لأن الروح ترده، و قال الطبرسي (ره):" نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ" بالعلم" مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" و هو عرق يتفرق في البدن يخالط الإنسان في جميع أعضائه، و قيل: هو عرق الحلق عن ابن عباس و مجاهد، و قيل: هو عرق متعلق بالقلب يعني نحن أقرب إليه من قلبه عن الحسن، و قيل: معناه نحن أعلم به ممن كان منه بمنزلة حبل الوريد في القرب، و قيل: معناه نحن أملك له من حبل وريده مع استيلائه عليه و قربه منه، و قيل: معناه نحن أقرب إليه بالإدراك من حبل الوريد لو كان مدركا، انتهى.

و أقول: لعل المعنى الذي قبل المعنى الأخير أقرب المعاني ففي النسبة إلى حبل الوريد إيماء إلى جهة قربه سبحانه فإن الحياة تزول عند قطعه، فربما يتوهم أنه علة لها فأشار إلى أنه تعالى أقرب من جهة العلية من هذا العرق، فإن الموجد و المحيي و المبقي هو الله سبحانه، و هو خلق هذا العرق و جعله من شرائط الحياة فهو سبحانه أقرب من جهة العلية و أقوى منه و هو مسبب الأسباب و علة العلل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 61

" يا من يحول"

 (1) إشارة إلى قوله سبحانه:" وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ" و قيل فيه وجوه:

الأول: أنه تمثيل لغاية قربه تعالى من العبد، لقوله:" وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" فإن الحائل بين الشي‏ء و غيره أقرب إلى ذلك الشي‏ء من ذلك الغير.

الثاني: أنه تنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب ما عسى يغفل عنه صاحبها، و هو قريب من الأول، و روي عن محمد بن إسحاق أنه قال: معناه لا يستطيع القلب أن يكتم الله شيئا.

الثالث: أنه حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب و تصفيتها قبل أن يحول الله بين المرء و قلبه بالموت أو غيره، أو قبل أن يحول الله بين المرء و الانتفاع بقلبه بالموت، فلا يمكنه استدراك ما فات فبادروا إلى الطاعات قبل الحيلولة.

الرابع: أنه تصوير و تخييل لتملكه على العبد قلبه فيفسخ عزائمه و يغير مقاصده و يبدله بالذكر نسيانا و بالنسيان ذكرا و بالخوف أمنا و بالأمن خوفا كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام عرفت الله بفسخ العزائم و ورد في الدعاء: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، و روي قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء.

الخامس: ما رواه العياشي عن يونس بن عمار قال: إن الله يحول بين المرء و قلبه، معناه لا يستيقن القلب إن الحق باطل أبدا و لا يستيقن القلب إن الباطل حق أبدا، و روي أيضا عن هشام بن سالم عنه عليه السلام قال: معناه يحول بينه و بين أن يعلم أن الباطل حق، و حاصله أنه سبحانه يتم حجته على عباده و يعطيهم المعرفة إما مطلقا أو إذا خلوا أنفسهم عن الأغراض الباطلة و صاروا طالبين للحق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 62

كما قال تعالى:" وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا".

السادس: أن المعنى يذهله عما هو مخزون في قلبه.

" يا من هو بالمنظر الأعلى"

 (1) في القاموس: المنظر و المنظرة ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك، و منظري و منظراني حسن المنظر، و النظر محركة الفكر في الشي‏ء تقدره و تقيسه، و المناظر أشراف الأرض، انتهى.

و لعله عليه السلام شبه المكانة و الدرجة الرفيعة المعنوية بالأمكنة المرتفعة الصورية فهو إما كناية عن اطلاعه على جميع المخلوقات فإن من كان على مكان يشرف على ما تحته و يطلع عليه أو عن تسلطه و اقتداره على ما تحته من الممكنات أو عن عدم وصول العقول و الأفهام إلى ساحة عرفانه، أي منظره أعلى من أن يدركه أحد، و يحتمل أن يكون المنظر من النظر بمعنى الفكر أي هو أرفع من أن تدركه أنظار الخلق كما روي و ارتفع فوق كل منظر، و يحتمل أن يكون مصدرا ميميا أي هو متلبس بالنظر الذي هو أعلى الأنظار أو بمعنى ما ينظر إليه من الشخص كما يقال: فلان حسن المنظر أي منظره أعلى من أن يدرك، و قيل: أي هو سبحانه منظور جميع الممكنات إذ نظر جميعها في ذواتها و لوازمها و آثارها و خواصها في سلسلة الأسباب و العلل إليه جل شأنه و هو أعلى من الجميع.

" يا من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ"

 (2) المشهور أن الكاف زائدة قال البيضاوي: أي ليس مثله شي‏ء يزاوجه و يناسبه، و المراد من مثله ذاته كما في قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه و يسد مسده كان نفيه عنه أولى، و من قال الكاف فيه زائدة لعله عني أنه يعطي معنى ليس مثله لكنه آكد لما ذكرناه، و قيل: مثل صفته أي ليس كصفته صفة.

و قال الراغب: المثل يقال على وجهين أحدهما: بمعنى المثل نحو شبه و شبه،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 63

قال بعضهم: و قد يعبر بهما عن وصف الشي‏ء نحو قوله:" مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ" و الثاني عبارة عن المشابه لغيره في معنى من المعاني أي معنى كان، و هو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة و ذاك أن الند يقال فيما يشارك في الجوهر فقط، و الشبه يقال فيما يشاركه في الكيفية فقط، و الشكل يقال فيما يشاركه في القدر و المساحة فقط، و المثل عام في جميع ذلك، و لهذا لما أراد الله تعالى نفي التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال: ليس كمثله شي‏ء، و أما الجمع بين الكاف و المثل فقد قيل ذلك لتأكيد النفي تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل و لا الكاف فنفى بليس الأمرين جميعا، و قيل: المثل ههنا بمعنى الصفة و معناه ليس كصفته صفة تنبيها على أنه و إن وصف بكثير مما يوصف به البشر فليست تلك الصفات له على حسب ما تستعمل في البشر.

و قوله:" لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى‏" أي لهم الصفات الذميمة و له الصفات العلى.

 (الحديث الثالث)

 (1): ضعيف على المشهور صحيح عندي.

و لعل المراد

بالمدحة

 (2) ما يدل على عظمة ذاته و صفاته بلا ملاحظة نعمة و

بالثناء

 (3) الاعتراف بنعمائه و آلائه و الشكر عليها و ضمير

هي‏

 (4) راجع إلى آداب الدعاء بقرينة المقام.

قوله: إنه و أمته هذا مبني على أن الخروج من الذنوب من شرائط إجابة الدعاء، و يؤيده قوله تعالى:" إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 64

 (الحديث الرابع)

 (1): موثق كالصحيح.

و ضمير

عنه‏

 (2) راجع إلى أحمد و

الاعتراف‏

 (3) و الإقرار متقاربان بل مترادفان.

 (الحديث الخامس)

 (4): ضعيف على المشهور.

و الخمس الأول متقاربة، و يحتمل العموم و الخصوص في بعضها، و قد يقال:

التمجيد هو الله أكبر، و التحميد هو الحمد لله، و التسبيح سبحان الله، و التهليل هو لا إله إلا الله، و الثناء هو عد نعم الله عليه، و لا يبعد تعميمها ليشمل ما يؤدي تلك المعاني كما يطلق التمجيد على الحوقلة.

 (الحديث السادس)

 (5): صحيح.

و في النهاية في أسماء الله تعالى‏

العزيز

 (6) هو الغالب القوي الذي لا يغلب، و العزة في الأصل القوة و الشدة و الغلبة، و قال في أسمائه تعالى‏

الجبار

 (7)، و معناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر و نهي، يقال: جبر الخلق و أجبرهم، و أجبر أكثر و قيل: هو العالي فوق خلقه، و في العدة

الجواد

 (8) هو المنعم المحسن الكثير الإنعام و الإحسان، و الفرق بينه و بين الكريم أن الكريم الذي يعطي مع السؤال، و الجواد الذي يعطي من غير سؤال، و قيل: بالعكس.

و الجود السخاء و رجل جواد أي سخي، و لا يقال لله تعالى سخي لأن أصل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 65

السخاوة يرجع إلى اللين، يقال: أرض سخاوية و قرطاس سخاوي إذا كان لينا و سمي السخي سخيا للينه عند الحوائج.

و أقول: روي في الخصال و العيون أنه سأل رجل أبا الحسن عليه السلام و هو في الطواف فقال له: أخبرني عن الجواد فقال: إن لكلامك وجهين فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه، و البخيل من بخل بما افترض الله عليه، و إن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى، و هو الجواد إن منع، لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له، و إن منع منع ما ليس له.

و قال في النهاية:

الأحد

 (1) هو الفرد الذي لم يزل وحده و لم يكن معه آخر، و هو اسم بني لنفي ما معه من العدد، تقول: ما جاءني أحد، و الهمزة فيه بدل من الواو، و أصله وحد لأنه من الوحدة، و في حديث الدعاء أنه قال له سعد و كان يشير في دعائه بإصبعين أحد أحد أي أشر بإصبع واحدة، لأن الذي تدعو إليه واحد، و هو الله تعالى و قال: الواحد هو الفرد الذي لم يزل وحده و لم يكن معه آخر.

قال الأزهري: الفرق بين الواحد و الأحد أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد تقول: ما جاءني أحد، و الواحد اسم بني لمفتتح العدد، تقول: جاءني واحد من الناس، و لا تقول: جاءني أحد من الناس، و لا تقول: جاءني أحد فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل و النظير، و الأحد منفرد بالمعنى و قيل: الواحد هو الذي لا يتجزى و لا يثني و لا يقبل الانقسام و لا نظير له و لا مثل و لا يجمع هذين الوصفين إلا الله تعالى.

و قال في العدة: الواحد و الأحد اسمان يشملهما نفي الأبعاض عنهما. و الأجزاء، و الفرق من وجوه: الأول: أن الواحد هو المتفرد بالذات و الأحد هو المتفرد بالمعنى، الثاني: أن الواحد أعم موردا لكونه يطلق على من يعقل و غيره، و لا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 66

يطلق الأحد إلا على من يعقل، الثالث: أن الواحد يدخل في الضرب و العدد، و يمتنع دخول الأحد في ذلك.

روى الصدوق (ره) في التوحيد عن الصادق عليه السلام قال: قال الباقر عليه السلام الأحد الفرد المتفرد و الحد و الواحد بمعنى واحد و هو التفرد الذي لا نظير له، و التوحيد الإقرار بالوحدة و هو الانفراد و الواحد المتباين الذي لا ينبعث من شي‏ء و لا يتحد بشي‏ء و من ثم قالوا إن بناء العدد من الواحد و ليس الواحد من العدد، لأن العدد لا يقع على الواحد، بل يقع على الاثنين فمعنى قوله: الله أحد أي المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه و الإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته متعال عن صفات خلقه.

و قال البيضاوي:

الصمد

 (1) السيد المصمود إليه في الحوائج من صمد إذا قصد و هو الموصوف به على الإطلاق لأنه يستغني عن غيره مطلقا و كل ما عداه يحتاج إليه في جميع جهاته.

و في النهاية الصمد هو السيد الذي انتهى إليه السؤدد، و قيل: الدائم الباقي و قيل: الذي لا جوف له، و قيل: الذي يصمد في الحوائج إليه أي يقصد، و روي في التوحيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن علي عليهما السلام أنه قال: الصمد الذي لا جوف له، و الصمد الذي قد انتهى سؤدده، و الصمد الذي لا يأكل و لا يشرب، و الصمد الذي لا ينام، و الصمد الدائم الذي لم يزل و لا يزال.

و عنه عليه السلام قال: كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه يقول: الصمد القائم بنفسه الغني عن غيره، و قال غيره: الصمد المتعالي عن الكون و الفساد، و الصمد الذي لا يوصف بالتغاير، و قال الباقر عليه السلام: الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر و ناه.

و عن علي بن الحسين عليه السلام قال: الصمد الذي لا شريك له و لا يؤده حفظ

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 67

شي‏ء و لا يعزب عنه شي‏ء و بإسناده عن أبي البختري قال: قال زيد بن علي عليه السلام قال: الصمد الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، و الصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا و أشكالا و أزواجا و تفرد بالوحدة بلا ضد و لا شكل و لا مثل و لا ند.

و عنه عن الصادق عليه السلام قال: إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين عليه السلام يسألونه عن الصمد فكتب إليهم أنه سبحانه قد فسر الصمد فقال: لم يلد لم يخرج منه شي‏ء كثيف كالولد، و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين و لا شي‏ء لطيف كالنفس و لا يتشعب منه البدوات كالسنة و النوم الخطرة و الهم و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء و الرغبة و السأمة و الجوع و الشبع، تعالى عن أن يخرج منه شي‏ء و أن يتولد منه شي‏ء كثيف أو لطيف، و لم يولد و لم يتولد من شي‏ء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشي‏ء من الشي‏ء و الدابة من الدابة و النبات من الأرض و الماء من الينابيع و الثمار من الأشجار و لا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين و السمع من الأذن و الشم من الأنف و الذوق من الفم و الكلام من اللسان و المعرفة و التميز من القلب و النار من الحجر، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شي‏ء و لا في شي‏ء و لا على شي‏ء مبدع الأشياء و خالقها و منشئ الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشية و يبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد و لم يولد، عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال، و لم يكن له كفوا أحد فيعازه في سلطانه.

و جملة القول فيه أنه إما فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده أي السيد المقصود إليه في جميع الحوائج أو هو بمعنى الصمت أي الذي لا جوف له.

و قال بعض اللغويين هو الأملس من الحجر، لا يقبل الغبار، و لا يدخله شي‏ء و لا يخرج منه شي‏ء فعلى الأول عبارة عن وجوب الموجود و الاستغناء المطلق و احتياج كل شي‏ء في جميع أموره إليه أي الذي يكون عنده ما يحتاج إليه كل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 68

شي‏ء و يكون رفع حاجة الكل إليه و لم يفقد في ذاته شيئا مما يحتاج إليه الكل و إليه يتوجه كل شي‏ء بالعبادة و الخضوع، و هو المستحق لذلك.

و أما على الثاني فهو عبارة عن أنه إحدى الذات أحدي المعنى ليست له أجزاء ليكون بين الأجزاء جوف و لا صفات زائدة فيكون بينهما و بين الذات جوف، أو عن أنه الكامل بالذات ليس فيه جهة استعداد و إمكان و لا خلو له عما يليق به، فلا يكون له جوف يصلح أن يدخله ما ليس له في ذاته فيستكمل به، فالجوف كناية عن الخلو عما يصح اتصافه به.

و أما على الثالث فهو كناية عن عدم الانفعال و التأثر عن الغير و كونه محلا للحوادث، كما روي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن رضا الله و سخطه فقال:

ليس على ما يوجد من المخلوقين، و ذلك أن الرضا دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، لأن المخلوق أجوف معتمل مركب للأشياء فيه مدخل و خالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد واحدي الذات واحدي المعنى.

و قد بسطنا القول في ذلك في كتاب التوحيد من البحار.

" يا من لَمْ يَلِدْ"

 (1) لتنزهه عن الشهوة، و الافتقار إلى الصاحبة و الولد، و المجانسة لشي‏ء و الولد يجانس الوالد، و فيه رد على من أثبت له ولدا كاليهود و النصارى و المشركين القائلين بأن الملائكة بنات الله" وَ لَمْ يُولَدْ" لأنه لا يفتقر إلى شي‏ء و لا سبقه عدم.

" وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ"

 (2) أي و لم يكن له كفوا أحد أي و لم يكن أحد يكافئه أو يماثله عن صاحبة و لا غيرها و كان أصله أن يؤخر الظرف لأنه صلة لكن لما كان المقصود نفي المكافاة عن ذاته تعالى قدم تقديما للأهم.

و يجوز أن يكون حالا من المستكن في كفوا أو خبرا و يكون كفوا حال من أحد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 69

و قال الطبرسي قدس سره سأل رجل عليا عليه السلام عن تفسير سورة التوحيد فقال هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بلا تأويل عدد، الصَّمَدُ بلا تبعيض بدد، لَمْ يَلِدْ فيكون موروثا هالكا، وَ لَمْ يُولَدْ فيكون إلها مشاركا، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ من خلقه كُفُواً أَحَدٌ، و قال ابن عباس لَمْ يَلِدْ فيكون والدا، وَ لَمْ يُولَدْ فيكون ولدا، و قيل لَمْ يَلِدْ ولدا فيرث عنه ملكه، وَ لَمْ يُولَدْ فيكون قد ورث الملك عن غيره، و قيل لَمْ يَلِدْ فيدل على حاجته، فإن الإنسان يشتهي الولد لحاجته إليه، وَ لَمْ يُولَدْ فيدل على حدوثه، و ذلك من صفات الأجسام، و في هذا رد على القائلين بأن عزيرا و المسيح ابن الله تعالى، و أن الملائكة بنات الله، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، كفوا له أي عديلا و نظيرا يماثله.

و في هذا رد على من أثبت له مثلا في القدم و غيره من الصفات، و قيل:

معناه و لم تكن له صاحبة و زوجة فتلد منه لأن الولد يكون من الزوجة فكني عنها بالكفو، لأن الزوجة تكون كفوا لزوجها.

و قيل: أنه سبحانه بين التوحيد بقوله اللَّهُ أَحَدٌ، و بين العدل بقوله:

اللَّهُ الصَّمَدُ، و بين ما يستحيل عليه من الوالد و الولد بقوله لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ، و بين ما لا يجوز عليه من الصفات بقوله وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، و فيه دلالة على أنه ليس بجسم و لا جوهر و لا عرض و لا هو في مكان و لا جهة.

و قال بعض أرباب اللسان: وجدنا أنواع الشرك ثمانية: النقص و التقلب و الكثرة و العدد و كونه علة و معلولا، و الأشكال و الأضداد، فنفى الله سبحانه عن صفة نوع الكثرة و العدد بقوله: هو الله، و نفى التقلب و النقص بقوله اللَّهُ الصَّمَدُ، و نفى العلة و المعلول بقوله لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ، و نفى الأشكال و الأضداد بقوله:

وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ فحصلت الوحدانية البحت.

" و لا ولدا"

 (1) اتخاذ الولد هو أن يجعل أحدا من عبيده بمنزلة الولد، فذكر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 70

عدم الولد لا يغني عنه‏

" يا من يَفْعَلُ ما يَشاءُ"

 (1) بمجرد المشية بلا آلة و لا روية و لا تعب و لا مشقة

" و يَحْكُمُ ما يُرِيدُ"

 (2) الحكم القضاء بالعدل أي يحكم بلا مانع بالعدل بين العباد ما يشاء من الفقر و الغناء و الصحة و السقم و غيرها، و يقضي ما أحب على وفق الحكمة

" يا سميع"

 (3) أي من يسمع بغير جارحة و لا يعزب عن إدراكه مسموع‏

" يا بصير"

 (4) أي الذي يشاهد الأشياء كلها ظاهرها و خافيها بغير جارحة.

" من رزقك الحلال"

 (5) هو ما كان حصوله بطريق مشروع بظاهر الشرع لا الحلال الواقعي فإنه قوت المصطفين.

و اختلفوا في أن الحرام رزق أم لا؟ فذهب إلى كل فريق، فالحلال على الأول تقييد و على الثاني تأكيد

" ما أكف به وجهي"

 (6) أي عن ذل السؤال‏

" و أؤدي به عن أمانتي"

 (7) كذا في أكثر نسخ الكتاب و سائر كتب الأدعية و في بعض النسخ عني أمانتي، و يؤيده ما رواه السيد بن طاوس في كتاب الإقبال بإسناده عن الكاظم و الصادق عليهما السلام في الدعاء عقيب كل فريضة في شهر رمضان:" و اجعل فيما تقضي و تقدر أن تطيل عمري و توسع على رزقي و تؤدي عني أمانتي و ديني، و في رواية أخرى أيضا عن الصادق مثل ذلك، و على الأخير لا يحتاج إلى تكلف و على الأول كلمة من أما زائدة أو بمعنى من أو للبدل كما في قوله تعالى:" لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً" أو بتضمين معنى التجاوز و الإعراض، أو للتعليل إن كان المراد بالأمانة ضد الخيانة أي أؤدي به الحقوق بسبب أمانتي.

في القاموس: الأمانة ضد الخيانة و" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ" أي الفرائض المفروضة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 71

أو النية التي تعتقدها فيما تظهره باللسان من الإيمان و تؤديه من جميع الفرائض في الظاهر لأن الله تعالى ائتمنه عليها و لم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر التوحيد مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة.

و في النهاية: الأمانة تقع على الطاعة و العبادة و الوديعة و الثقة و الأمان، و قد جاء في كل منها حديث، و في حديث أشراط الساعة و الأمانة مغتما أي يرى من في يده أمانة أن الخيانة فيها غنيمة قد غنمها، و فيه: استودع الله دينك و أمانتك أي أهلك و من تخلفه بعدك منهم و مالك الذي تودعه و تستحفظه أمينك و وكيلك.

و قال الطيبي في شرح المشكاة: فيه فإنكم أخذتموهن بأمانة الله أي بعهده و هو ما عهد إليهم من الرفق و الشفقة، انتهى.

و الظاهر أن المراد هنا أداء بما ائتمنه عليه الناس و ما لزمه من حقوقهم التي يمكن تداركها بالمال، و ربما يقرأ أؤدي بتخفيف الدال من قولهم آدى يؤدي كآوى يؤوي إذا قوي فعن بمعنى على، فقال: المراد بالأمانة العبادات و القوة عليها و أداؤها موقوف على الرزق، و في الخبر لو لا الخبز ما صلينا و لا صمنا.

" عجل العبد ربه"

 (1) حيث سأله قبل أن يجده و يثني عليه، و تعديته إلى المفعول به لتضمين معنى السؤال، و فيه دلالة على أن الحمد و الثناء و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الصلاة غير كافية للسؤال عقيبها" سل تعطه" كان الهاء للسكت، و في بعض النسخ بدونها.

 (الحديث السابع)

 (2): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 72

و مضمونه ظاهر مما سبق و

قوله:" إن في كتاب علي"

 (1) من كلام الصادق عليه السلام.

 (الحديث الثامن)

 (2): مرسل.

من‏

" أطاع الله تعالى فيما أمره"

 (3) أي جميع أوامره، لأن الله تعالى قال:" أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ" أو إشارة إلى قوله تعالى:" وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها"" ثم دعاه من جهة الدعاء" إشارة إلى أن الوعد مشروط بحصول شروط و رفع موانع، و من جملة الشروط ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر، فقد يكون عدم حصول خصوص الأمر الذي دعا له لعدم تحقق هذه الشرائط و قد يكون لموانع تمنع من حصوله، مع أن الاستجابة الموعودة أعم من أن يكون بإعطاء عين المسؤول أو ما هو أفضل منه عاجلا أو آجلا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 73

" و تستعيذ منها"

 (1) و في بعض النسخ و تستغفر منها و على الأول هو مستلزم للندامة و التوبة، و قيل: كان الاستعاذة كناية عن التوبة، و فيه دلالة على أن الدعاء محجوب بدون شرطه كما لا تصح صلاة بغير طهور، و من جملة شرائطه التوبة عن الذنوب كلها، و العزم على عدم العود إليها، و هذا الشرط لمن له صلاح و لله تعالى فيه عناية، حيث يمنع إجابة دعائه تأديبا له حتى يخلص له النية، و يطهر نفسه عن الذنوب المكدرة لصفاء قلبه و يدخل نفسه في خلص عباده و إلا فسيجي‏ء أن دعاء العدو قد يكون أسرع إجابة من دعاء المحب حبا لسماع صوته و بغضا لسماع صوت العدو.

و قال بعض العامة: و من شرائط قبوله أن لا يشتغل به في وقت مستحق لغيره كما لو اشتغل به في وقت وجوب فريضة فلا يتقبل من غاصب لأنه في كل آن مكلف بالاشتغال بالرد.

و قال بعضهم: الصواب خلاف ما ذكر، و أنه يصح من المشتغل به في وقت عبادة أخرى و يأثم بالترك أو بتأخير تلك العبادة.

" وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ"

 (2) قال في مجمع البيان: أي و ما أخرجتم من أموالكم في وجوه البر فإنه سبحانه يعطيكم خلفه و عوضه، إما في الدنيا بزيادة النعمة و إما في الآخرة بثواب الجنة، يقال: أخلف الله له و عليه إذا أبدل له ما ذهب عنه‏

" وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ"

 (3) لأنه يعطي لمنافع عباده لا لدفع ضرر أو جر نفع لاستحالة المنافع و المضار عليه، و قال الكلبي: ما تصدقتم به في خير فهو يخلفه إما أن يجعله لكم في الدنيا أو يدخره لكم في الآخرة.

و روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: كل معروف صدقة، و ما وقى الرجل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 74

به عرضه فهو صدقة، و ما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية، و عن أبي إمامة قال: إنكم تأولون هذه الآية في غير تأويلها" وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ" و قد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول و إلا صمتا إياكم و السرف في المال و النفقة، فعليكم بالاقتصاد فما افتقر قوم قط اقتصدوا، انتهى.

و أقول: ظاهر الخبر أن الوعد بالإخلاف إنما هو في الدنيا، و يمكن أن يكون على سبيل التنزل أي لو كان مقصورا على الدنيا فهو أيضا مشروط بشرط و يمكن أن يكون التخلف للإخلال بالشرط.

" من حله"

 (1) الحل بالكسر و تشديد اللام ضد الحرام، و الضمير في الموضعين إما راجع إلى المال أو إلى أحدكم.

 (الحديث التاسع)

 (2): ضعيف على المشهور.

" و المكسب"

 (3) إما مصدر ميمي أو اسم مكان و الفعل كضرب، و طيب المكسب.

هو أن يكون من حلال، و المراد ما يصرفه في المأكل و الملبس أو مطلقا و هو أظهر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 75

باب الاجتماع في الدعاء

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف.

و في المصباح:

الرهط

 (3) ما دون العشرة من الرجال ليست فيهم امرأة و سكون الهاء أفصح من فتحها، و هو جمع لا واحد له من لفظه، و قيل: الرهط من سبعة إلى عشرة و ما دون التسعة إلى الثلاثة نفر، و قال أبو زيد: الرهط و النفر ما دون العشرة من الرجال، و قال ثعلب أيضا: الرهط و النفر و القوم و المعشر و العشيرة معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم، و هو للرجال دون النساء، و قال ابن السكيت الرهط و العشير بمعنى، و يقال: الرهط ما فوق العشرة إلى الأربعين قاله الأصمعي، و نقله ابن فارس أيضا و رهط الرجل قومه و قبيلته الأقربون.

و في النهاية: الرهط هم عشيرة الرجل و أهله من الرجال ما دون العشرة، و قيل: إلى الأربعين، و لا تكون فيهم امرأة و لا واحد له من لفظه، و يجمع على أرهط و أرهاط و أراهط جمع الجمع، انتهى.

و قيل: المراد هنا الجماعة المتفقون في مقصد و أربعين بدل من الرهط، و قوله: فأربعة مجرور بدلا من الرهط المحذوف بتقدير فما من رهط أربعة أو مرفوع بالابتداء و يدعون خبره و المستثنى منه في‏

قوله: إلا استجاب‏

 (4) محذوف أي ما دعوا إلا استجاب و

قوله:" فواحد"

 (5) مرفوع بالابتداء و لا ينافي تنكيره مثل قولهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 76

كوكب انتقض الساعة، و يدعو خبره.

و أقول: ربما يتوهم التنافي بين هذا و بين ما مر من كون دعاء السر أكثر ثوابا، و يمكن أن يجاب بوجهين:

أولهما: أن كون الاجتماع ادعى للإجابة لا ينافي كونه أقل ثوابا.

و الثاني: أن يكون هذا لمن أمن الرياء و ما مضى لمن لم يأمن، مع أنه يمكن أن يدخل في زمرتهم و يخفى الدعاء عنهم لكنه بعيد.

و قيل: الظاهر أنه لا بد من دعاء كل واحد سواء كان الدعاء واحدا أو متعددا، فإذا اجتمعوا في طلب الرزق مثلا و دعا كل منهم دعاء مأثورا غير ما دعا الآخرون من الأدعية المأثورة فيه يتحقق الاجتماع إذا دعا واحد و أمن الباقون كما يدل عليه خبر آخر.

ثم الظاهر أنه يعتبر في دعاء الأربعة، عشر مرات و دعاء الواحد، أربعين مرة أن يكون ذلك في مجلس واحد، لأن ذلك قائم مقام اجتماع الأربعين.

 (الحديث الثاني)

 (1): كالسابق و إن كان أقوى.

" أربعة رهط"

 (2) أي رجال كقوله تعالى:" تِسْعَةُ رَهْطٍ" و لا ينافي ذلك كون مظنة الإجابة في الأربعين، أكثر، أو يحمل على ما إذا دعا كل منهم عشر مرات، و قد يحمل الرهط على العشرة فيصير المجموع أربعين.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 77

 (الحديث الثالث)

 (1): مرسل.

" إذا أحزنه أمر"

 (2) في بعض النسخ إذا حزنه، و في النهاية: فيه كان إذا حزنه أمر صلى، أي إذا نزل به مهم أو أصابه غم، و منه حديث علي نزلت كراية الأمور و حوازب الخطوب جمع حازب و هو الأمر الشديد: و قال‏

آمين‏

 (3) و أمين بالمد و القصر، و المد أكثر اسم مبني على الفتح، معناه اللهم استجيب لي، و قيل: معناه كذلك فليكن يعني الدعاء، يقال: أمن فلان يؤمن تأمينا.

و قال في المصباح: أمين بالقصر في الجواز و المد إشباع بدليل أنه لا يوجد في العربية كلمة على فاعيل و معناه اللهم استجب. و قال أبو حاتم: معناه كذلك يكون، و عن الحسن البصري أنه اسم من أسماء الله تعالى، و الموجود في مشاهير الأصول المعتمدة أن التشديد خطأ و قال بعضهم: التشديد لغة و هو وهم قديم، انتهى.

و هذا الخبر يومئ إلى أن الرهط في الأخبار أعم من النساء و الصبيان و يمكن حمل تلك الأخبار علي اجتماع الأجانب، و هذا الخبر على الأهل و العيال و يؤيد الأول ما ورد من إخراج الأطفال و النساء في الاستسقاء فإنهم محل رحمة جبار الأرض و السماء.

 (الحديث الرابع)

 (4): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 78

باب العموم في الدعاء

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

" فليعم"

 (3) على بناء المجرد من باب نصر أي يدخل المؤمنين في دعائه و ظاهره الدخول في اللفظ ففيه رخصة لتغيير الدعوات المنقولة من لفظ المتكلم مع الغير، و يمكن الاكتفاء بالقصد أو يدعو بعد تلاوة الدعاء المنقول تشريكهم في دعائه‏

فإنه أوجب للدعاء

 (4)، قيل: اللام للتعدية.

و أقول: كأنه من الوجوب لا من الجوب و الإجابة أي ألزم للدعاء و لزوم الدعاء استحقاقه للإجابة، قال في النهاية: فيه أن رجلا قال: يا رسول الله أي الليل أجوب دعوة؟ قال: جوف الليل الغابر أجوب، أي أسرع إجابة كما يقال: أطوع، من الطاعة، و قياس هذا أن يكون من جانب لا من أجاب، لأن ما زاد على العقل الثلاثي لا يبني منه أفعل من كذا إلا في أجوف جاءت شاذة، قال الزمخشري: كأنه في التقدير: من جابت الدعوة بوزن فعلت بالضم كطالت أي صارت مستجابة كقولهم في فقير و شديد كأنهما من فقر و شدد و ليس ذلك بمستعمل، و يجوز أن يكون من جبت الأرض إذا قطعتها بالسير على معنى أمضى دعوة و أنفذ إلى مظان القبول. انتهى.

فيحتمل أن يكون في الرواية أجوب و ما ذكرنا أظهر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 79

باب من أبطأت عليه الإجابة

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

و

أبو الحسن‏

 (3) هو الرضا عليه السلام و أبو جعفر هو الباقر عليه السلام، و قيل: كذا و كذا كناية عن العدد المركب مع العطف كإحدى و عشرين.

" من إبطائها شي‏ء"

 (4) أي شبهة في وعده تعالى مع عدم الإجابة أو خفت أن لا أكون مستحقا للإجابة لشقاوتي أو حصول اليأس من روح الله، و

قوله:" أن يكون"

 (5) بدل اشتمال للشيطان.

قوله عليه السلام:" فيؤخر عنه"

 (6) على بناء المعلوم و نسبة التأخير إلى التعجيل مع أن الظاهر نسبته إلى الإجابة، إما باعتبار أن المراد بتعجيل الإجابة إعطاء أثر القبول في الدنيا، أو باعتبار أن المراد بالتأخير المنع أو باعتبارهما معا كذا قيل. و

النحيب‏

 (7) أشد البكاء، و كان حبه تعالى ذلك كناية عن كون ذلك أصلح للمؤمن و بين ذلك‏

بقوله: و الله ما أخر الله‏

 (8). و كلمة" ما" في ما أخر الله مصدرية، و في‏

" ما يطلبون"

 (9) موصولة، و في‏

" مما"

 (10) إما موصولة أو مصدرية، و" من" في‏

قوله: من هذه‏

 (11)، بيانية

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 80

أو تبعيضية.

" فإنه"

 (1) أي الدعاء من الله عز و جل‏

" بمكان"

 (2) أي بمنزلة عظيمة رفيعة يجب اشتغال عبده المؤمن به في جميع الأحوال، و قيل: في هذا الكلام إشارة إلى وجوه كثيرة لتأخير الإجابة:

الأول: تحقير الدنيا و كون التأخير إلى الآخرة أصلح للمؤمن، و إليه أشار تعالى بقوله:" وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا".

الثاني: علم الله تعالى أن إجابته يصير سببا لفتوره في الدعاء بسبب الرخاء، و فيه إشارة إلى أن من شرائط الإجابة عدم تركه الدعاء في الحالين.

الثالث: قلة صبره عن ترك المعاصي و فعل الواجبات، أو هو إشارة إلى أن من شرائط الإجابة أن يكون صابرا عند تأخرها راجيا لها ملحا في الدعاء.

الرابع: عدم طيب مكسبه كما مر أو هو إشارة إلى أن من شرائط الإجابة عدم كون الدعاء متضمنا لطلب الحرام.

الخامس: قطع الرحم، أو إشارة إلى عدم تضمن الدعاء قطعها.

السادس: من أسباب تأخير الإجابة مكاشفة الناس، و في القاموس: كاشفة بالعداوة: بأداة بها.

" العاقبة الحسنة"

 (3) أي عاقبة ذلك حسنة في الدنيا و الآخرة، و في بعض النسخ بالفاء أي نعافي بذلك من شرور الدنيا و أهلها، و الثواب الجزيل في الآخرة. و يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى عدم الاهتمام في الدعاء على العدو.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 81

و قوله:" إن صاحب النعمة"

 (1)، إشارة إلى عدم الاهتمام في الدعاء على العدو و قوله إن صاحب النعمة إشارة إلى وجه سابع من وجوه تأخيره الإجابة و إن تعجيلها يصير سببا لزيادة الحرص على الدنيا و صغر النعمة عنده و هما من أسوإ مأثم الأخلاق.

و قوله عليه السلام:" إذا كثرت النعم"

 (2) إشارة إلى وجه ثامن لأن كثرة المال و الجاه تصير سببا لوجوب حقوق كثيرة من الله و من الخلق و هو على خطر عظيم في ترك تلك الحقوق و التقصير، فيمكن أن يفتتن بحسب الدنيا و يصير مقصرا في أداء الحقوق فيصير قرين قارون.

" و ما يخاف"

 (3) على بناء المجهول أظهر و ضمير فيها راجع إلى الحقوق، و قيل: الواو في قوله: و ما يخاف للتقسيم أي هو مردد بين أمرين إما أن لا يؤدي الحقوق فيعاقب بذلك، أو يؤديها فيبتلى بالعجب و لا يخلو من بعد.

" فإنك على أعلى موعد من الله"

 (4) أي أنت و أمثالك من الشيعة، و لذا قال سبحانه‏

" إِذا دَعانِ"

 (5) فإن المخالفين لم يعرفوا الله فلا يدعون الله، و قد مر في كتاب التوحيد: إنما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه إنما يعرف غيره، و قد ورد أيضا في الخبر إنما تدعون من لا تعرفون.

" لا تَقْنَطُوا"

 (6) في الزمر:" يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 82

رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً" و قد روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: أنزل الله هذه الآية في شيعة ولد فاطمة خاصة، فإذا لم يستجب لهم في الدنيا ينبغي أن لا يقنطوا من رحمة الله في الآخرة لأنه وعدهم غفران الذنوب في الآخرة، فإذا لم يقض حوائجهم في الدنيا ينبغي أن لا ييأسوا و لا يقنطوا و يرجوا العوض في العقبى، و قال في سورة البقرة:" الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ".

فإذا عرفت حقارة الدنيا و قد وعدك الله المغفرة و الفضل اللذين هما أعظم منها فلا تبال بعدم حصول مقصودك في الدنيا، و اعلم أن عدم قضاء حاجتك في الدنيا لعلمه بأنه ليس صلاحك في قضائها فلا تقنط من رحمة الله و لا تظن به إلا خيرا و لا تشك في أن الله سبحانه ينجز وعده و إن لم يظهر لك في الدنيا أثره.

و في هذا الخبر فوائد كثيرة و حقائق غزيرة لمن نظر فيها بعين اليقين.

 (الحديث الثاني)

 (1): مجهول.

و في القاموس: صقله جلاء فهو مصقول و صقيل، و

الصيقل‏

 (2): شحاذة السيوف و جلاؤها

" ربما دعا الرجل"

 (3) فيه تقدير استفهام و ثم للتعجب. و كان المراد بالاستجابة هنا تقديرها، و ذلك إشارة إلى حصولها و ظهور أثرها، و قيل، إشارة إلى الإجابة المفهومة من الاستجابة و لا يظهر الفرق بينهما في اللغة.

قال الجوهري: الإجابة و

الاستجابة

 (4) بمعنى، يقال: استجاب الله دعاءه، و قال الكرماني في شرح البخاري: في قوله: من يدعوني فاستجيب، السين ليست للطلب بل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 83

بمعنى أجيب‏

ليزداد

 (1) بتقدير الاستفهام و الازدياد لازم،

فقوله: من الدعاء

 (2) في مقام التميز كقولهم: عز من قائل. و قد قال تعالى:" لِيَزْدادُوا إِثْماً" و قيل: من للسببية، أي ليزيد قدرهم و منزلتهم بسبب الدعاء.

 (الحديث الثالث)

 (3): كالسابق.

" فيقول الله عز و جل للملكين"

 (4) أي الكاتبين للأعمال، أو لملكين آخرين موكلين بذلك، و قيل هما الملكان اللذان مضى ذكرهما في باب فضل اليقين، حيث قال أمير المؤمنين علي عليه السلام لسعيد بن قيس: إنه ليس من عبد إلا و له من الله عز و جل حافظ و واقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليا بينه و بين كل شي‏ء.

و ضمير الجمع في‏

احبسوا

 (5) و

عجلوا

 (6) إشارة إلى أن في كل يوم و كل ليلة ملكان موكلان غير الموكلين في اليوم السابق و الليلة السابقة من زمان الحبس و التعجيل، و الخطاب لكل ملك بلفظ المفرد نظير قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ" مع أن الخطاب إلى كل رسول في زمانه بلفظ المفرد.

" احبسوه بحاجته"

 (7) أي احبسوه في الدعاء بسبب حاجته أو تأخير إجابتها.

 (الحديث الرابع)

 (8): كالسابق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 84

و يستجاب‏

 (1) بتقدير الاستفهام و عدم ذكر الزائد عن لعشرين لندرته.

 (الحديث الخامس)

 (2): حسن كالصحيح.

 (الحديث السادس)

 (3): حسن موثق.

" إلى يوم الجمعة"

 (4) ليخصه بفضل الدعاء يوم الجمعة و يضاعف له فيه.

 (الحديث السابع)

 (5): مرسل كالحسن.

و قال الجوهري:

نابه‏

 (6) أمر و انتابه أي أصابه و النائبة المصيبة واحدة نوائب الدهر

قوله: و عجلها

 (7) أي قد يكون التعجيل لذلك، فلا يعجب المرء بتعجيل ظهور أثر دعائه و لا يقنط من تأخيره و إلا فكثيرا ما يظهر أثر دعاء الأنبياء و الأوصياء و الأولياء من غير تأخير لظهور كرامتهم و لكونه معجزا لهم.

 (الحديث الثامن)

 (8): صحيح و قد مر مضمونه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 85

و الحاصل أنه ينبغي أن لا يفتر عن الدعاء لبطء الإجابة فإنه إما أن يكون التأخير لعدم المصلحة في هذا الوقت فسيعطى ذلك في وقت متأخر في الدنيا أو سوف يعطى عوضه في الآخرة، و على التقديرين فهو في خير لأنه مشغول بالدعاء الذي هو أعظم العبادات و يترتب عليه أجزل المثوبات، و رجاء رحمة في الدنيا و الآخرة و هذا أيضا من أشرف الحالات.

 (الحديث التاسع)

 (1): مجهول بل حسن، لأن الشيخ قال في‏

سعدان‏

 (2) له أصل.

و" شوقا"

 (3) مفعول له لقوله فيقول و ضمير

" أنه"

 (4) للشأن أو راجع إلى المؤمن، و من في‏

قوله" مما"

 (5) للسببية، و في‏

قوله: من حسن‏

 (6)، للبيان، و قيل: الشوق إنما يتعلق بشي‏ء أدرك من وجه و لم يدرك من وجه آخر، فإن غير المدرك أصلا، و المدرك من جميع الوجوه لا يتصور الشوق إليه فإن من غاب عنه محبوبة و بقي عنده خياله يشتاق إليه و كذا لو رآه لم يتصور أن يشتاق إليه إلا أن يراه من وجه دون وجه، كان يرى وجهه دون شعره و يراه في ظلمة، فإنه حينئذ يشتاق إلى استكمال رؤيته بإشراق الضوء عليه، ففي كل مشتاق جهتان جهة إدراك و جهة جهل فالشوق نقص و هو ممتنع عليه سبحانه. و أجيب بأن الشوق يستلزم المحبة و إذا نسب إليه سبحانه يراد به ذلك اللازم.

و أقول: المحبة أيضا فيه عز و جل مجاز و حاصله أنه سبحانه يعلم صلاح العبد في تأخير الإجابة و كثرة الدعاء فيؤخرها ليكثر دعاءه و يثيبه على ذلك، فما

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 86

ذكره القائل قياس للغائب على الشاهد، مع أن ما ذكره في الشاهد أيضا ممنوع.

قوله عليه السلام:" فيتمنى المؤمن"

 (1) قيل: إن قلت عدم ظفر المتمني بما تمناه ألم و لا ألم في الجنة. قلت: لا نسلم أن ذلك ألم و لو سلم فقد وقع هذا الألم في يوم القيامة على أنه ألم لمن لم ينل ثواب ذلك و لعله بتمنيه ذلك ينال ثوابه أيضا.

باب الصلاة على محمد و أهل بيته‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): حسن كالصحيح.

و آل النبي‏

 (4) عند الإمامية عترته الطاهرة و أصحاب العصمة و لا وجه لتخصيص الشهيد الثاني (ره)، أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، و للعامة فيه اختلاف كثير، فقيل: آله أمته، و قيل: عشيرته، و قيل: من حرم عليه أخذ الزكاة من بني هاشم و بني عبد المطلب، و قد بينا معنى الآل فيما سبق، و السر في حجب الدعاء بدون الصلاة أمور:

الأول: أن العبد إذا ضم الصلاة مع دعائه و عرض بالمجموع على الله سبحانه و الصلاة غير محجوبة فالدعاء أيضا غير محجوب لأن الله تعالى كريم يستحيي أن يقبل جزء المفروض و يرد الجزء الآخر، و قد قرر سبحانه هذا بين عباده أيضا فإن من اشترى أمتعة مختلفة بصفقة واحدة و كان بعضها معيبا يجب عليه إما أن يقبل الجميع أو يرد الجميع، و لا يجوز أن يرد المعيب فقط و كان هذا أحد أسرار الجماعة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 87

في الصلاة و الاجتماع في الدعاء.

الثاني: أن من كانت له حاجة إلى سلطان فمن آدابه المقررة في العقول و العادات أن يهدي تحفا إلى المقربين لديه و المكرمين عليه لكي يشفعوا له عنده بل لو لم يشفعوا أيضا و علم السلطان ذلك يقضي حاجته، و بعبارة أخرى من أحبه السلطان و أكرمه و رفع منزلته يجب أن يكرمه الناس و يثنوا عليه فإذا فعل استحق العطاء من السلطان، و إذا لم يظهر ذلك منه استحق الحرمان.

الثالث: أن الصلاة عليه و آله يصير سببا لتكفير السيئات المانعة عن قبول الدعوات.

الرابع: أن حبهم و ولاءهم و الإقرار بفضلهم من أعظم أركان الإيمان فبالصلاة عليهم و التوسل به يكمل الإيمان، و لا ريب أن كمال الإيمان يوجب مزيد القرب من الرحمن و توفير الفضل و الإحسان كما أن الثناء على الله سبحانه يقدم على الدعاء لذلك بالجنان و اللسان.

الخامس: أن المقصود من إيجاد الثقلين و سائر الموجودات و القابل من فيوض الفائضة من بدو الإيجاد إلى ما لا يتناهى من الأزمنة و الأوقات هو رسول الله و أهل بيته عليهم أفضل الصلوات، فلهم الشفاعة الكبرى في هذه النشأة و النشأة الأخرى و بواسطتهم تفيض الرحمات على جميع الورى، إذ لا بخل في المبدأ و إنما النقص من القابل و هم القابلون لجميع الفيوض القدسية و الرحمات الإلهية فإذا أفيض عليهم فبتطفلهم يفيض على سائر الموجودات، فإذا أراد الداعي استجلاب رحمة من الله سبحانه يصلي عليهم و لا يرد هذا الدعاء لأن المبدأ فياض و المحل قابل و ببركتهم يفيض على الداعي بل على جميع الخلق، كما إذا جاء أعرابي أو كردي غير مستأهل لشي‏ء من الإكرام إلى باب سلطان نافذ حكمه الأنام، فأمر له ببسط الموائد و اختصه بأنواع العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل و سخافة الرأي بخلاف‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 88

ما إذا أمر بذلك لأحد من مقربي حضرته و أمراء جنده أو لرسول أحد من سلاطين عصره فحضر هذا الأعرابي أو الكردي تلك المائدة فأكل منها يكون مستحسنا بل لو منع منها يكون مستقبحا بظاهر النظر.

السادس: أنهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا و بين ربنا تقدس و تعالى في إيصال الحكم و الأحكام منه إلينا لعدم ارتباطنا بساحة جبروته و بعدنا عن حريم ملكوته فلا بد أن يكون بيننا و بين ربنا سفراء و حجب ذوو جهات قدسية و حالات بشرية يكون لهم بالجهات الأول ارتباط بالجناب الأعلى يأخذون عنه و يكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق يلقون إليهم ما أخذوا من ربهم.

و لذا جعل الله سفراءه و أنبياءه و ظاهرا من نوع البشر و باطنا مباينين عنهم في أطوارهم و أخلاقهم و نفوسهم و قابلياتهم فهم مقدسون روحانيون قائلون:" إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ" لئلا ينفر عنهم أمتهم و ليقبلوا منهم و يأنسوا بهم. فكذلك في إفاضة سائر الفيوض و الكمالات هم وسائط بين ربهم و بين سائر الموجودات فكل فيض وجود يبتدأ بهم صلوات الله عليهم ثم ينقسم على سائر الخلق، فالصلوات عليهم استجلاب للرحمة من معدنها و للفيوض إلى مقسمها لتنقسم على سائر البرايا بحسب استعداداتها و قابلياتها.

و قد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب عين الحياة و الفرائد الطريفة.

و قال في النهاية: الصلاة أصلها في اللغة الدعاء فسميت العبادة المخصوصة ببعض أجزائها، و قيل: إن أصلها في اللغة التعظيم، و سميت العبادة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى، فأما قولنا: اللهم صل على محمد فمعناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره و إظهار دعوته و إبقاء شريعته، و في الآخرة بتشفيعه في أمته و تضعيف أجره و مثوبته. و قيل: المعنى لما أمر الله سبحانه بالصلاة عليه و لم تبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله تعالى و قلنا: اللهم صل أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 89

به، انتهى.

و المشهور أن الصلاة من الله سبحانه الرحمة و من الملائكة الاستغفار و من العبد الدعاء، و قال صاحب الوافي: معنى صلاة الله على نبيه صلى الله عليه و آله و سلم إفاضة أنواع الكرامات و لطائف النعم عليه.

و أما صلاتنا عليه و صلاة الملائكة عليه فهو سؤال و ابتهال في طلب تلك الكرامة و رغبة في إفاضتها عليه، و أما استدعاؤه صلى الله عليه و آله و سلم الصلاة من أمته فلأمور:

منها: أن الدعاء مؤثر في استدرار فضل الله و نعمته و رحمته و ما وعد الرسول من الحوض و الشفاعة و الوسيلة و غير ذلك من المقامات المحمودة غير محمودة على وجه لا يتصور الزيادة فيها و الاستمداد من الأدعية استزادة لتلك الكرامات.

و منها: ارتياحه صلى الله عليه و آله و سلم به كما قال: إني أباهي بكم الأمم يوم القيامة.

و منها: الشفقة على الأمة بتحريصهم على ما هو حسنة في حقهم و قربة لهم و أما مضاعفة الله صلواته على المصلي عليه بسبب صلاته عليه، فلان الصلاة عليه ليست حسنة واحدة بل هي حسنات متعددة إذ هي تجديد الإيمان بالله أو لا ثم بالرسول ثانيا ثم التعظيم له ثالثا ثم العناية بطلب الكرامات له رابعا ثم تجديد الإيمان باليوم الآخر و أنواع كراماته خامسا ثم تذكر ذلك سادسا، ثم تعظيم القرب سابعا، ثم الابتهال و التضرع في الدعاء ثامنا، و الدعاء مخ العبادة، ثم الاعتراف بأن الأمر كله لله، و أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و إن جل قدره فهو عبد له محتاج إلى فضله و رحمته و إلى مدد أمته، و أنه ليس له من الأمر شي‏ء تاسعا، ثم جميع ذلك في شأن أهل بيته صلى الله عليه و آله و سلم إن ضمهم معه عاشرا.

فهذه عشر حسنات سوى ما ورد به الشرع أن الحسنة الواحدة بعشر أمثالها و السيئة بمثلها.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 90

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور.

" و لم يذكر النبي صلى الله عليه و آله و سلم"

 (2) أي قولا، و شموله للذكر القلبي بعيد، و قال الجوهري:

رفرف‏

 (3) الطائر: إذا حرك جناحيه حول الشي‏ء يريد أن يقع عليه انتهى.

و أستعير هنا لانفصال الدعاء عن الداعي و عدم وصوله إلى محل الاستجابة.

 (الحديث الثالث)

 (4): صحيح.

" أجعل"

 (5) بصيغة المتكلم وحده، و اللام للاختصاص أو الملكية، و هذا الخبر مع قطع النظر عن الخبر الآتي يحتمل وجوها:

الأول: ما سيأتي في الخبر، فإذا جعل ثلث صلواته له، معناه أنه يجعل المقصود بالذات في ثلث دعواته الدعاء للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و الصلاة عليه، فكأنه جعل ثلث دعواته له، فإنه جعل الدعاء له مقدما ثم أتبعه بالدعاء لنفسه فكأنه جعل ثلث صلاته له، و كذا النصف و الكل.

الثاني: أن يكون المعنى أجعل ثلث دعواتي الصلاة عليك أو نصفها أو كلها بمعنى أنه لا يدعو لنفسه و كلما أراد أن يدعو لحاجته يترك ذلك و يصلي بدله على النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

الثالث: ما قيل: أن المراد بالاختصاص هنا الاتصال و المراد بالصلاة الثناء على نفسه بالدعاء و اتصال نصف الدعاء بالرسول عبارة عن أن يصلي على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يدعو بعده ثلاث دعوات لنفسه و النصف أن يدعو بعد الصلاة عليه دعائين لنفسه، و الكل أن يدعو بعد كل صلاة إلا دعاء واحدا لنفسه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 91

و القرينة على إرادة هذا المعنى أنه قال في الثاني نصف صلواتي و لم يقل ثلثي صلواتي لأنه يحصل الكسر حينئذ أو الاختلاف بأن يدعو بعد صلاة دعاء واحدا و بعد أخرى دعائين.

و لا يخفى ما فيه من التكلف مع أنه يرجع إلى ما ذكرنا أولا و لا تكلف فيه.

ثم اعلم أنه روي في المصباح و المشكاة نقلا عن الترمذي بإسناده عن أبي بن كعب قال: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟

فقال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك. قلت: النصف؟

قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين، قال: ما شئت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا يكفي همك و يكفر لك ذنبك.

و قال الطيبي في شرح المشكاة نقلا عن بعضهم: المعنى كم أجعل لك من دعائي الذي أدعو به لنفسي و لم يزل يفاوضه ليوقفه على حد من ذلك و لم ير النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يحد له في ذلك حدا لئلا يلتبس الفضيلة بالفريضة أولا، ثم لا يغلق عليه باب المزيد ثانيا، فلم يزل يجعل الأمر فيه إليه مراعيا للترغيب و الحث على المزيد حتى قال: إذن أجعل لك صلاتي كلها، أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي، فقال:

إذا يكفي همك أي ما يهمك من أمر دينك و دنياك، و ذلك لأن الصلاة عليه مشتمل على ذكر الله تعالى و تعظيم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و الاشتغال بأداء حقه عن مقاصد نفسه و إيثاره بالدعاء له على نفسه و ما أعظمها من خلال جليلة الأخطار و أعمال كريمة الأعصار. و أدى هذا الحديث تابعا في المعنى لقوله صلى الله عليه و آله و سلم حكاية عن ربه عز و جل: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين.

ثم قال: و أقول، قد تقرر أن العبد إذا صلى مرة على النبي صلى الله عز و جل عليه عشرا، و أنه إذا صلى وفق للموافقة لله تعالى، و دخل في زمرة الملائكة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 92

المقربين في قوله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" فإنه يؤدي هذا دعاءه لنفسه، انتهى.

و قال بعضهم:" كم أجعل لك من صلاتي" هي هنا الدعاء و الورد، يعني لي زمان أدعو فيه لنفسي فكم أصرف من ذلك الزمان في الدعاء لك.

قوله:" أجعل لك صلاتي كلها"

 (1) أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي. و فيه: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من الدعاء لنفسه لأن فيه ذكر الله و تعظيم النبي صلى الله عليه و آله و سلم و من شغله ذكره عن مسألة أعطي أفضل و يدخل فيه كفاية ما يهمه في الدارين.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" إذا تكفى‏

 (2) إذن جواب و جزاء، و

المؤنة

 (3) ما يحتاج إليه و فيه صعوبة أي إذا كان الأمر كما ذكرته يكفيك الله مؤنتك في الدنيا و الآخرة، فحذف الفاعل و أقيم المفعول الأول مقامه.

و في النهاية: كفاه الأمر إذا قام مقامه فيه، و قال الجوهري: المؤنة يهمز و لا يهمز و هي فعولة، و قال الفراء: هي مفعلة من الأين و هو التعب و الشدة، و يقال: مفعلة من الأون و هو الخرج و العدل لأنه ثقل على الإنسان و مانت القوم أمانهم مانة إذا احتملت مؤنتهم، و قال: كفاه مؤنته كفاية و كفاك الشي‏ء يكفيك، و اكتفيت به و استكفيته الشي‏ء فكفانيه.

 (الحديث الرابع)

 (4): صحيح أيضا. و قد عرفت معناه في أول الوجوه التي ذكرناه في الخبر السابق. و كان غرضه عليه السلام الرد على العامة فيما فهموه من الرواية التي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 93

رووه كما عرفت،

" و حتى"

 (1) للاستثناء، و

قوله:" فيصلي"

 (2) منصوب و كذا يسأل. و قيل:

الجمع في حوائجه كالجمع في يا أيها الرسل كما عرفت.

و أقول: يحتمل أن يكون مراده عليه السلام الابتداء بالصلاة في كل وقت يشرع في الدعاء و إن سأل بعده أكثر من حاجة واحدة و ما ذكره أيضا حسن.

قوله:" يقدمه"

 (3) الضمير راجع إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم لا إلى الصلاة فما قيل: إن تذكير الضمير هنا باعتبار المعنى و هو الدعاء و تأنيثه سابقا باعتبار اللفظ محل نظر. و كذا ما قيل: لعل المراد- بكل الصلاة- الصلاة الكاملة في الفضل و الأجر و هي الواقعة قبل السؤال و بنصفها ما دونها بهذا القدر في الفضل و هي الواقعة في وسط السؤال، و بثلثها ما انحط منها بهذه النسبة و هي الواقعة بعد الفراغ من السؤال، و بالجملة ففيه إشارة إلى تفاوت مراتب الصلاة في الفضل و الكمال و الأجر، و ستأتي الإشارة إلى جهة تكلفه.

 (الحديث الخامس)

 (4): ضعيف.

و رواه العامة أيضا بأسانيد.

قال في النهاية: فيه: لا تجعلوني‏

كقدح الراكب،

 (5) أي لا تؤخروني في الذكر.

لأن الراكب يعلق قدحه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله و يجعله خلفه.

قال حسان:" كما نيط خلف الراكب القدح الفرد".

و قال في باب الغين و الميم: فيه" لا تجعلوني كغمر الراكب، صلوا على أول الدعاء و أوسطه و آخره" الغمر- بضم الغين و فتح الميم- القدح الصغير، أراد أن الراكب يحمل رحله و أزواده و يترك قعبه إلى آخر ترحاله ثم يعلقه على رحله كالعلاوة فليس عنده بمهم فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغمر الذي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 94

لا يقدم في المهام و يجعل تبعا. انتهى.

و قال في الفائق: أراد لا تؤخروني في الذكر لأن الراكب يؤخر القدح إلى أن يرفع كل شي‏ء بسبب ما فيه من الماء. و ربما يحتاج إليه فيستعمله و يشربه ثم يعلقه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله و يجعله من خلفه.

و أقول: يظهر من هذا الخبر معنى آخر و هو أن وجه الشبه أن الراكب لا يذكر قدحه إلا إذا عطش و أراد أن يشرب فحينئذ يملأه و يشربه، و أما في سائر الأوقات فهو عنه في غفلة. و قيل" في" في المواضع بمعنى" مع" و المعنى إذا كان لك حوائج فصل قبل كل دعاء و لا تكتف بالصلاة مرة قبل جميع الدعوات، فوجه الشبه النسيان في أكثر الأوقات، انتهى.

و أقول: ظاهر الخبر أنه ليس الغرض من التشبيه ما فهمه المخالفون بل المعنى لا تجعلوني كقدح الراكب لا يذكره إلا إذا عطش و اضطر إليه، فيلتفت إليه و يشرب منه، و أما في سائر الأوقات فهو غافل عنه كما مر، أو الغرض أن الراكب يملأ القدح أولا و يشربه كلما اضطر إليه فلا تجعلوا الصلاة كذلك بأن تصلوا أولا و تكفوا بذلك في سائر الدعوات، فقوله: إذا شاء متعلق بيشربه فقط، أو المعنى ينبغي أن لا يكون غرضكم من الصلاة التوسل بها إلى الإجابة فقط فتذكروها في أول الدعاء ثم تبالغوا في حاجتكم و تهتموا بها، بل ينبغي أن يكون اهتمامكم بالصلاة أكثر فتكرروها في أول الدعاء و وسطه و آخره، و تجعلوها مقصودكم الحقيقي كما أومأنا إليه في الخبر الأول.

فشبه عليه السلام الصلاة التي جعلها وسيلة الإجابة بالقدح و ملئها فإنها وسيلة للشرب عند الحاجة و المقصود الحقيقي هو الشرب، و يمكن تطبيقه على ما فهمه اللغويون بتكلف بأن يكون قوله: يملأ قدحه، لبيان علة تأخير تعليق القدح فإنه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 95

مملوء من الماء و يحتمل عنده احتياجه إليه فلذا يؤخر تعليقه، و لما كان أصل المثل مشهورا لم يذكره عليه السلام.

فقوله: إن شاء

 (1) متعلق بالشرب، و يمكن تعلقه بيملأ أيضا و يكون الغرض ما ذكروه أيضا أي إنما يعلقه في آخر رحله لأنه ليس الاحتياج إليه مستمرا بل قد يحتاج أحيانا بأن يعطش فيأخذه و يملأه و يشرب منه، فلا تجعلوا الصلاة هكذا.

و الفرق بين الوجوه و تطبيقها على الخبر لا يخفى على المتأمل.

 (الحديث السادس)

 (2): ضعيف.

" فأكثروا الصلاة عليه"

 (3) الإكثار محمول على الاستحباب إجماعا. و صلاته عليه في ألف من الملائكة تحتمل وجوها:

الأول: و هو الظاهر أن يثني و يصلي عليه بكلام يسمعه ألف صف من الملائكة، فهم أيضا يصلون عليه بصلاته جل جلاله.

الثاني: أنه يأمرهم بالصلاة عليه و النسبة إليه تعالى لأنه آمر.

الثالث: أن المراد بصلاته عليه رحمته و تضعيف أجره بمشهد من الملائكة.

الرابع: ما قيل: إن" في" للسببية أو بمعنى مع.

فعلى الأول المقصود أن صلاته عليه هو توفيقه للعبد بأن يوكل ألف صف من الملائكة بأن يحفظوه من البلايا و المعاصي و وساوس الشياطين و على التقادير هو إشارة إلى قوله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" الآية. و المراد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 96

بالصلاة عليه، الصلاة عليه و على آله لا الصلاة عليه صلى الله عليه و آله و سلم فقط. فإنه قد ورد في روايات الخاصة و العامة أن الصلاة عليه بدون الصلاة على الآل غير مقبول، بل يظهر من أخبارنا أنه محرم و موجب للعقاب، و لذا ورد في التشهد في طرق العامة و الخاصة الصلاة عليه مقرونة بالصلاة على الآل. و في آخر هذا الخبر أيضا إيماء إليه.

و روي في المصابيح و المشكاة عن البخاري و مسلم و غيرهما بإسنادهم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: أ لا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه و آله و سلم؟ فقلت: بلى فأهدها لي، فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليك؟ فقال:

قولوا:" اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" ثم قالا: متفق عليه، إلا أن مسلما لم يذكر" على إبراهيم" في الموضعين، و قد ورد في الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: من صلى على و لم يصل على آلي لم يجد ريح الجنة و إن ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام. و روي أيضا في الصحيح عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال في حديث طويل: إذا صلى على و لم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها و بين السماء سبعون حجابا يقول الله عز و جل: لا لبيك و لا سعديك، و يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بنبيي عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي.

و حملها على ما إذا تركها استخفافا بشأنهم أو لعدم اعتقادهم إمامتهم و فضلهم تكلف مستغنى عنه، و قد روت العامة أيضا في صحاحهم و غيرها بطرق عديدة أن الصحابة سألوا عن كيفية الصلاة عليه فأجاب بما نقلناه آنفا، و لم أر في خبر منها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 97

لم يذكر فيه الآل، بل ذكر بعضهم أنه لم أجاب النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن سؤال الصلاة عليه بذكر الآل أيضا- للإشعار بأن الصلاة عليه لا يتم بدون الصلاة على آله، بل لبيان غاية اختصاصهم صلوات الله عليهم به حتى كأنهم نفسه- اكتفى الله بالصلاة عليه عن الصلاة عليهم، و مع هذا يتركون الصلاة على الآل كفرا و عنادا.

قال الزمخشري في الكشاف بعد ذكر الأقوال في الصلاة عليه صلى الله عليه و آله و سلم: فإن قلت: فما تقول في الصلاة على غيره؟ قلت: القياس يقتضي جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى:" هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ" و قوله:" وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ" و قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" اللهم صل على آل أبي أوفى" و لكن للعلماء تفصيلا في ذلك، و هو أنها إن كانت على سبيل التبع كقولك: صلى الله على النبي و آله فلا كلام فيها، و أما إذا أفرد غيره صلى الله عليه و آله و سلم من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه، فإن ذلك صار شعارا لذكر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض انتهى.

و لا يخفى ما فيه من العصبية و العناد كما هو دأبهم في جميع المواد.

قوله:" فهو جاهل"

 (1) أي بصلاح نفسه و بما يجب عليه و يوجب نجاته من العقاب،

" مغرور"

 (2) قد غره شياطين الجن و شياطين الإنس من المخالفين الخارجين عن الدين.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 98

 (الحديث السابع)

 (1): كالسابق.

" فليقل"

 (2) بتشديد اللام المفتوحة بصيغة الأمر أي إذا عرف ذلك فالأمر مفوض إليه في الإقلال و الإكثار، فإن النفع و الضر يصلان إليه أو فمن شاء قلة صلاة الله و ملائكته عليه فليقل الصلاة على، و من شاء كثرة صلاتهما فليكثر.

 (الحديث الثامن)

 (3): حسن كالصحيح.

و إذهاب النفاق‏

 (4) مشروط بالإقرار بفضلهم و الاعتراف بإمامتهم، فتخلف ذلك في المخالفين لعدم تحقق الشرط، فإن قبول جميع العبادات مشروط بالولاية، أو لوجود المانع و هو إنكار إمامتهم بل هم لا يفهمون معنى الصلاة عليهم، فإنه متضمن للإقرار بإمامتهم كما ستعرف، فهم لا يصلون حقيقة.

 (الحديث التاسع)

 (5): ضعيف.

و ظاهره أن قضاء الحاجات مترتب على القول المذكور و إن لم يطلبها و أن مائة مرة بيان لعدد تكرار هذا القول، و قيل: هو جزء للدعاء كما ورد سبحان الله مداد كلماته، و لا إله إلا الله عدد الليالي و الدهور، و هو بعيد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 99

 (الحديث العاشر)

 (1): صحيح، و قد مر مضمونه في الخبر الأول.

 (الحديث الحادي عشر)

 (2): مرسل، و قد مر مضمونه في الثالث.

 (الحديث الثاني عشر)

 (3): حسن كالصحيح، و مضمونه قريب مما مر.

و قوله: جعلت‏

 (4) يحتمل الإنشاء و الخبرية، و يؤيد الأول الخبران السابقان، و ما نقلته من طرق العامة إذ الظاهر اتحاد الواقعة، و الضمير المجرور في له للصادق عليه السلام.

 (الحديث الثالث عشر)

 (5): كالسابق.

و المراد

برفع الأصوات‏

 (6) إما الاجتماع و الاتفاق في الصلاة، فإن بذلك ترتفع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 100

الأصوات، أو رفع صوت كل منهم، لإظهار الجد و الاهتمام، و الضمير في‏

قوله:

فإنها

 (1) إما راجع إلى الصلاة أو إلى رفع الأصوات فالتأنيث باعتبار المضاف إليه.

 (الحديث الرابع عشر)

 (2): مجهول.

و مولى آل طلحة

 (3) لعله كان ممن أعتقوه، و روي عن الشهيد الثاني (ره) أن المولى إذا أطلق في كتب الرجال فالمراد به غير العربي الصريح، و متى وجد منسوبا فبحسب النسبة انتهى. و يحتمل هنا الصديق و التابع و المصاحب، و الظاهر أن المراد بطلحة هنا الملعون المعروف‏

" صلى الله عليه"

 (4) لقوله تعالى:" مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها" و روى العامة بإسنادهم عن أبي طلحة قال: دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم فلم أره أشد استبشارا منه يومئذ و لا أطيب نفسا، قلت: يا رسول الله ما رأيتك قط أطيب نفسا و لا أشد استبشارا منك اليوم؟ فقال: و ما يمنعني و قد خرج آنفا جبرئيل من عندي، قال: قال الله تعالى: من صلى عليك صلاة صليت بها عليه عشر صلوات، و محوت عنه عشر سيئات، و كتبت له عشر حسنات.

و هذا أقل مراتبه كما قال تعالى:" وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ" فلا ينافي ما مر من الألف، لأن المراد فيه الصلاة الكاملة، أو هذا بحسب الاستحقاق، و ما مر هو التفضل و الأول أظهر، فالتفاوت بحسب مراتب الصلوات و المصلين، و الاستشهاد بالآية لإثبات أصل صلاة الله و ملائكته للمؤمنين رفعا لاستبعاد القاصرين، لا لبيان العدد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 101

المذكور إذ لا دلالة فيها على ذلك العدد.

و قال الطبرسي (ره) الصلاة من الله المغفرة و الرحمة، و قيل: الثناء، و قيل:

هي الكرامة، و أما صلاة الملائكة فهي دعاؤهم عن ابن عباس، و قيل: طلبهم إنزال الرحمة من الله تعالى.

" لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ"

 (1) أي من الجهل بالله إلى معرفته، فشبه الجهل بالظلمات و المعرفة بالنور، لأن هذا يقود إلى الجنة، و ذلك يقود إلى النار، و قيل: من الضلالة إلى الهدي بألطافه و هدايته، و قيل: من ظلمات النار إلى نور الجنة.

" وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً"

 (2) خص المؤمنين بالرحمة دون غيرهم، لأن الله سبحانه جعل الإيمان بمنزلة العلة في إيجاب الرحمة، و النعمة العظيمة التي هي الثواب.

ثم اعلم إن بعضهم استدلوا بهذه الآية على جواز استعمال المشترك في كلا المعنيين على سبيل الحقيقة، فإن الصلاة هنا استعمل في الله بمعنى و في الملائكة بمعنى آخر، و أجيب بأنه يمكن أن يكون ذلك من باب عموم المجاز، و لا نزاع في جوازه، على أنا لا نسلم أن ملائكته عطف على المرفوع المستكن في يصلي، لجواز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، و هو يصلون بقرينة المذكور، و يكون من باب عطف الجملة على الجملة، انتهى.

و لا يخفى بعد ما ذكره أخيرا، بل الظاهر العطف على الضمير المستتر و ترك التأكيد بالضمير المنفصل للفاصلة بقوله: عليكم، نعم يمكن أن يكون الصلاة مستعملا في معنى مشترك بينهما كالثناء أو الإعانة و التأييد و الهداية إما حقيقة أو مجازا، و ليس هنا محل تحقيق هذا المطلب.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 102

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): حسن كالصحيح.

" فيميل به"

 (2) الباء للمصاحبة و في أكثر النسخ، فيميل بالياء و في بعضها بالتاء فإذا كان بالتاء فضمير الفاعل يعود إلى الأعمال، و المجرور إلى الميزان، أي فتميل الأعمال الحسنة مع الميزان أي الكفة التي فيها الحسنات إلى الفوق، و على نسخة الياء أيضا يحتمل ذلك بتأويل العمل، و يحتمل أن يكون المرفوع عائدا إلى الميزان فالمجرور راجع إلى الرجل بالإسناد المجازي، أو بتقدير العمل، و قيل: المجرور راجع إلى مصدر ليوضع، و كذا قال في يرجح به.

و أقول: فالباء حينئذ تحتمل السببية في الموضعين و إن صرح بالمصاحبة فيهما، و المراد بالأعمال نهي بدون الصلاة، و قال الشيخ البهائي (ره): ثقل الميزان كناية عن كثرة الحسنات و رجحانها على السيئات، و قد اختلف أهل الإسلام في أن وزن الأعمال الوارد في الكتاب و السنة هل هو كناية عن العدل و الإنصاف و التسوية، أو المراد به الوزن الحقيقي فبعضهم على الأول، لأن الأعراض لا يعقل وزنها، و جمهورهم على الثاني للوصف بالخفة و الثقل، و الموصوف صحائف الأعمال أو الأعمال أنفسها بعد تجسمها في تلك النشأة، و بسط القول في ذلك، و قد حققت ما هو الحق عندي في ذلك في كتاب العدل و المعاد من كتاب بحار الأنوار.

قوله عليه السلام:" فيخرج الصلاة عليه"

 (3) هذا من قبيل الاكتفاء للإشعار بأن الصلاة عليه بدون الصلاة على آله ليست بصلاة عليه كما أومأنا إليه سابقا.

 (الحديث السادس عشر)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 103

" لا تحجب عنه"

 (1) أي هي مرفوعة إلى الله مقبولة أبدا لا يحجبها و يمنعها عن القبول شي‏ء، و يدل على استحباب افتتاح الدعاء و اختتامه بالصلوات على محمد و آله.

 (الحديث السابع عشر)

 (2): مجهول.

و المراد

بالبيت‏

 (3) الكعبة ضاعف الله شرفها

" لم يخرج أحد"

 (4) أي لم يخرج من البيت مع ثواب أفضل مما خرجت معه، أو لم يخرج أحد من البيت فضلا و غنيمة أفضل مما أخرجته منه، أي إلا من كان دعاؤه متضمنا للصلاة على النبي و آله، و الحاصل أنه أفضل الدعوات.

 (الحديث الثامن عشر)

 (5): ضعيف.

و في الصحاح‏

الشطط

 (6) مجاوزة القدر في كل شي‏ء، و في القاموس شط يشط و يشط شطا و شطوطا بالضم، بعد، و عليه في حكمه شطا و شطيطا جار كأشط و اشتط، و في سلعته شططا محركة جاوز الحد و القدر، و تباعد عن الحق، و في السوم أبعد كأشط و فلانا شطا و شطوطا شق عليه و ظلمه، انتهى.

و قال الطبرسي قدس سره في الآية:" قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى" أي قد فاز من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 104

تطهر من الشرك. و قال: لا إله إلا الله، و قيل: معناه قد ظفر بالبغية من صار زاكيا بالأعمال الصالحة و الورع، و قيل: أي أعطي زكاة ماله، و قيل: أراد صدقة الفطر و صلاة العيد

" وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى"

 (1) أي وحد الله، و قيل: ذكر الله بقلبه عند بصلاته فرجي ثوابه، و خاف عقابه، فإن الخشوع في الصلاة بحسب الخوف و الرجاء، و قيل: ذكر اسم ربه بلسانه عند دخوله في الصلاة، فصلى بذلك الاسم أي قال:

الله أكبر، لأن الصلاة لا تنعقد إلا به، و قيل: هو أن يفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم و يصلي الصلوات الخمس المكتوبة، انتهى.

و روى الصدوق في الفقيه أنه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز و جل:" قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى" قال: من أخرج الفطرة، قيل له:" وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى" قال: خرج إلى الجبانة فصلى و روى حماد بن عيسى، عن حريز، عن أبي بصير و زرارة قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة، يعني الفطرة كما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم من تمام الصلاة، لأنه من صام و لم يؤد الزكاة فلا صوم له، إذا تركها متعمدا و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم إن الله عز و جل قد بدأ بها قبل الصوم، قال:" قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى".

و في تفسير علي بن إبراهيم قوله: قد أفلح من تزكى، قال: زكاة الفطر، فإذا أخرجها قبل صلاة العيد و ذكر اسم ربه فصلى قال: صلاة الفطر و الأضحى، و في بعض الروايات إن ذكر اسم الرب التكبيرات المستحبة في ليلة العيد و يومه و لا تنافي بين هذه الرواية و تلك الروايات، فإنه أحد معاني الآية و بطن من بطونها.

قوله عليه السلام:" لقد كلف الله"

 (2) أي أذن أو لو كان كما يقولون لقد كلف الله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 105

عز و جل هذا، أي المراد بالموصول في قوله:" مَنْ تَزَكَّى" الذي يرجع إليه ضمائر ذكر و قام و صلى و هو مفعول كلف، أي كلفه الله فوق طاقته أو تكليفا شاقا فوق وسعه، و قد قال تعالى:" لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها".

 (الحديث التاسع عشر)

 (1): ضعيف.

" و قال رسول الله"

 (2) في الموضعين الظاهر أنه من تتمة رواية الصادق عليه السلام، و يحتمل أن يكونا حديثين مرسلين، و

" يسلك"

 (3) على بناء المجهول و الباء في‏

" بصلاته"

 (4) للتعدية، و الظرف نائب للفاعل، و

" غير"

 (5) منصوب بالظرفية كناية عن عدم إيصال صاحبها إلى الجنة أو عن عدم رفعها و إثباتها في عليين إشارة إلى قوله تعالى:" كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ" و ربما يستدل به على وجوب الصلاة على النبي و آله في التشهد إذ لا تجب في الصلاة إلا فيه اتفاقا.

" فأبعده الله"

 (6) جملة دعائية وقعت خبرا أو خبرية أي كان بعيدا من رحمة الله، حيث حرم من هذه الفضيلة

" خطى‏ء به"

 (7) على بناء المجهول من المجرد و الباء للتعدية، و قرأ بعضهم هنا بالتشديد و كأنه خطأ، و

" طريق"

 (8) منصوب بالمفعولية أو بالظرفية المكانية، قال في القاموس: الخطأ و الخطأ و الخطأ ضد الصواب و قد أخطأ إخطاء و تخطئ و خطى‏ء و الخطيئة الذنب أو ما تعمد منه كالخطي‏ء بالكسر، و الخطأ ما لم يتعمد، و خطى‏ء في ذنبه و أخطأ سلك سبيل خطإ عامدا أو غيره أو الخاطى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 106

متعمدة، و خطأت القدر بزبدها كمنع رمت.

و في المصباح: الخطأ بفتحتين ضد الصواب، و يقصر و يمد، و هو اسم من أخطأ فهو مخطئ، و قال أبو عبيدة: خطى‏ء خطاء من باب علم و أخطأ بمعنى واحد لمن يذنب على غير عمد، و قال غيره: خطى‏ء في الدين و أخطأ في كل شي‏ء عامدا أو كان غير عامد و قيل: خطى‏ء إذا تعمد ما نهي عنه فهو خاطئ و أخطأ إذا أراد الصواب فصار إلى غيره، فإذا أراد غير الصواب و فعله قيل: قصده أو تعمده و أخطأه الحق إذا بعد عنه و أخطأه السهم تجاوزه، انتهى.

و قيل: أصله خطأ الله به طريق الجنة فحذف الفاعل، و أقيم الظرف مقامه، يعني جعله الله مخطئا طريق الجنة غير مصيب إياه، ثم النسيان إن كان كناية عن الترك كما ورد في قوله تعالى:" فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً" فالأمر ظاهر، و إن حمل على معناه الحقيقي فلعل ذلك لعدم الاهتمام به، انتهى.

و أقول: قد عرفت الأمر في التشديد أنه خطاء، و أما التكلف في النسيان فلا حاجة إليه، لأن الذي صرح به أكثرهم أن الخطأ إنما يستعمل غالبا فيما ليس على سبيل العمد، فيصير حاصله أنه ترك ما يوجب دخول الجنة خطأ، و لا يلزم منه العقاب و دخول النار، نعم يومئ إلى أنه إذا فعل ذلك عمدا يوجب العقاب، و يمكن أن يكون هذا القول لبيان لزوم الاهتمام بهذا الأمر لئلا يقع منه النسيان فيفوت منه مثل هذه الفضيلة.

 (الحديث العشرون)

 (1): مجهول.

و قد مر مضمونه و يدل على أن النسيان من الله عقوبة له على بعض أعماله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 107

الرذيلة فحرم بذلك تلك الفضيلة، و إن لم يكن معاقبا بذلك لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: رفع عن أمتي الخطأ و النسيان.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (1): ضعيف.

و في القاموس:

البتر

 (2) القطع أو مستأصلا، و الأبتر المقطوع الذنب، و كل أمر منقطع من الخير، و البتراء من الخطب ما لم يذكر اسم الله فيه، و لم يصل على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الانبتار الانقطاع، و قال:

الظلم‏

 (3) بالضم وضع الشي‏ء في غير موضعه، و ظلمه حقه و تظلمه إياه" و لم تظلم منه شيئا" أي و لم تنقص.

و أقول: المراد بالبتر هنا إما الاستئصال للإشعار بأن الصلاة على النبي بدون آله باطل فكأنه لم يصل أصلا، أو النقص و عدم الإتمام كما سموا خطبة زياد بدون الحمد و الصلاة البتراء، و يدل الخبر على حرمة الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم بدون الصلاة على الآل لأنه عده ظلما عليهم و الظلم عليهم حرام بإجماع المسلمين.

و لنختم الباب بذكر فوائد لا بد من التعرض لها.

الأولى: في بيان وجوب الصلاة على النبي و آله صلوات الله عليهم، و موانعها.

قال مؤلف كنز العرفان: ذهب أصحابنا و الشافعي و أحمد إلى وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الصلاة و استدل بعض الفقهاء بما تقريره شي‏ء من الصلاة على النبي واجب، و لا شي‏ء من ذلك في غير الصلاة بواجب، ينتج أنها في الصلاة واجبة، أما الصغرى فلقوله تعالى صَلُّوا، و الأمر حقيقة في الوجوب، و أما الكبرى فظاهرة، و فيه نظر: لمنع الكبرى كما يجي‏ء. و حينئذ فالأولى الاستدلال على الوجوب بدليل خارج، أما من طرقهم فما رووه عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 108

لا تقبل صلاة إلا بطهور، و بالصلاة على، و كذا عن أنس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال:

إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله ثم ليصلي علي، و من طرقنا ما رواه أبو بصير و غيره عن الصادق عليه السلام قال:" من صلى و لم يصل على النبي و تركه متعمدا فلا صلاة له" حتى إن الشيخ جعلها ركنا في الصلاة، فإن عنى الوجوب و البطلان بتركها عمدا فهو صحيح، و إن عنى تفسير الركن بأنه ما يبطل الصلاة بتركه عمدا و سهوا فلا.

ثم قال (ره): قال علماؤنا أجمع: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم واجبة في التشهدين معا، و به قال أحمد، و قال الشافعي: مستحبة في الأول واجبة في الأخير، و قال مالك و أبو حنيفة هي مستحبة فيهما، دليل أصحابنا روايات كثيرة عن أئمتهم عليهم السلام.

أقول: ظاهر كلامه عدم الخلاف بيننا في وجوبها في التشهدين، و قد خالف فيه بعضهم و إن ادعوا الإجماع أيضا.

ثم قال قدس سره: هل تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم في غير الصلاة أم لا؟

فذهب الكرخي إلى وجوبها في العمر مرة، و قال الطحاوي: تجب كلما ذكر و اختاره الزمخشري، و نقل عن ابن بابويه من أصحابنا، و قال بعضهم: في كل مجلس مرة. أقول: أي و لو تكرر ذكره.

و قال بعضهم: تجب في التشهد آخر الصلاة، و قيل: في التشهد مطلقا و قيل:

تجب في الصلاة من غير تعيين المحل، و قيل: يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد، و قيل: تجب في كل دعاء، و قال الزمخشري- بعد ذكر قول الطحاوي- و هو الذي يقتضيه الاحتياط.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 109

و قال المحقق الأردبيلي (ره): و لا شك أن احتياط الكشاف أحوط- ثم قال- و يمكن اختيار الوجوب في كل مجلس مرة إن صلى آخرا، و إن صلى ثم ذكر تجب أيضا كما في تعدد الكفارة بتعدد الموجب، إذا تخللت و إلا فلا، و لا يخفى ما في هذه الوجوه.

ثم قال صاحب الكنز قدس سره: و المختار الوجوب كلما ذكر لدلالة ذلك على التنوير برفع شأنه و الشكر لإحسانه المأمور بهما، و لأنه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا و هو منهي عنه في آية النور، و لما روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله، و الوعيد أمارة الوجوب، و روي أنه قيل له: يا رسول الله أ رأيت قول الله:" إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" فقال صلى الله عليه و آله و سلم: هذا من العلم المكنون و لو لا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به، إن الله عز و جل و كل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلي علي إلا قال له ذانك الملكان:

غفر الله لك، و قال الله و ملائكته: آمين، و لا أذكر عند مسلم فلا يصلي علي إلا قال له الملكان لا غفر الله لك و قال الله و ملائكته آمين.

و أما عند عدم ذكره فيستحب استحبابا مؤكدا لتظافر الروايات بأن الصلاة عليه تهدم الذنوب و توجب إجابة الدعاء المقرون بها.

و أقول: استدل القائلون بعدم وجوب الصلاة عند مطلق الذكر بالأصل و بالشهرة و بعدم تعليمه صلى الله عليه و آله و سلم للمؤذنين و تركهم ذلك مع عدم وقوع نكير لهم كما يفعلون الآن، و لو كان لنقل، و في جميع ذلك نظر لأن عدم التعليم ممنوع، و كذا عدم النكير و عدم النقل و تكفي الأخبار و التهديدات الواردة فيها مطلقا، مع أنه سيجي‏ء في باب بدو الأذان و الإقامة ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 110

عليه السلام قال: قال: إذا أذنت فأفصح بالألف و الهاء، و صل على النبي صلى الله عليه و آله و سلم كلما ذكرته أو ذكره ذاكر في أذان أو غيره، على أن عدم النقل لا يدل على العدم و أصالة البراءة لا يصح التمسك بها بعد ورود الآية و الأخبار الكثيرة به.

الثانية: الظاهر أن الأمر فيها على الفور حيث رتب الأمر في أكثرها بالفاء الدالة على التعقيب بلا تراخ، فلو أهمل الفور أثم على تقدير الوجوب و لم يسقط، و كذا الظاهر هو الأمر بها على كل أحد في جميع الأحوال، و لو كان مشتغلا بالصلاة فلو ترك الامتثال و اشتغل بالقراءة أو بغيرها من الأذكار الواجبة أمكن القول ببطلانها على تقدير الوجوب بناء على أن الأمر بالشي‏ء يستلزم النهي عن ضده الخاص، و النهي في العبادة يدل على الفساد، لكن كون الأمر بالشي‏ء مستلزما للنهي عن الضد في محل المنع و لو كان في أثناء كلمة بل أثناء آية لا يبعد القول بأن إتمامهما لا ينافي الفورية العرفية بل إذا كان قريبا من آخر السورة لا يبعد القول بجواز إتمامها، و لو تكرر الذكر تكرارا كثيرا بحيث يخرج الاشتغال بالصلاة عليه صلى الله عليه و آله و سلم عن كونه قارئا أو عن كونه مصليا على طريقة الأصحاب لا يبعد القول بسقوط التكليف بها لأن الواجبين إذا تضيقا و لم يمكن الجمع بينهما علمنا أن أحدهما ليس بواجب، و لما كان مشتغلا بالصلاة و يحرم قطعها، فكان ما ينافيها غير مأمور به لا سيما إذا كان وقت الصلاة مضيقا.

و مع التوسعة يمكن أن يقال: إذا كان وقت الصلاة موسعا و وقت الصلاة عليه صلى الله عليه و آله و سلم مضيقا ينبغي أن يبدأ بالمضيق و تحريم القطع في تلك الصورة ممنوع، لأنه يمكن أن يكون من الضرورات التي يجوز القطع لها، كإنقاذ الغريق أو إدراك الغريم أو إذا تضيق وقت صلاة الكسوف مثلا و قد دخل في الحاضرة الموسعة.

و بالجملة تلك الفروع لا تخلو من إشكال لما سمعت، و لعدم ثبوت خروج الإنسان عن كونه مصليا و عن كونه قارئا بأمثال ذلك، و أنه موقوف على معرفة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 111

كون الأذكار الكثيرة و الأعمال الكثيرة التي لم يرد عنها نهي في الشريعة و السكوت الطويل و أمثال ذلك مخرجة عن الصلاة.

مع أنه قد ورد تجويز التسبيحات الكثيرة و الأدعية الطويلة في الركوع و السجود و غيرهما، و الخروج عن المسجد الحرام إلى ما بين الصفا و المروة و إزالة النجاسة ثم العود إلى المسجد و البناء على الصلاة، و العرف العام و اصطلاحات العوام لا مدخل لها في تحقيق الحقائق الشرعية، و أيضا تحريم قطع الصلاة مطلقا محل نظر، و قد حققنا ذلك في كتاب الصلاة من الكتاب الكبير، و في بعض تعليقاتنا على كتب الحديث.

الثالثة: قد عرفت اشتراط صحة الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالصلاة على الآل، قال صاحب الكنز: مذهب علمائنا أجمع أنه تجب الصلاة على آل محمد في التشهدين و به قال بعض الشافعية، و إحدى الروايتين عن أحمد، و قال الشافعي بالاستحباب، لنا رواية كعب و قد تقدمت في كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه و آله و سلم و إذا كانت الصلاة عليه واجبة كانت كيفيتها واجبة أيضا، و روى كعب أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يقول ذلك في صلاته، و قال صلى الله عليه و آله و سلم: صلوا كما رأيتموني أصلي، و عن جابر الجعفي عن الصادق عليه السلام و عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من صلى صلاة و لم يصل فيها على و على أهل بيتي لم تقبل منه.

ثم قال: الذين يجب عليهم الصلاة في الصلاة و يستحب في غيرها هم الأئمة المعصومون لإطباق الأصحاب على أنهم هم الآل و لأن الأمر بذلك مشعر بغاية التعظيم الذي لا يستوجبه إلا المعصوم، و أما فاطمة عليها السلام فتدخل أيضا لأنها بضعة منه صلى الله عليه و آله و سلم، انتهى.

ثم اعلم أنه اشتهر بين الشيعة عدم جواز الفصل بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم ب" على" ما

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 112

اشتهر بينهم من رواية غير معلوم الإسناد" من فصل بيني و بين آلي بعلي لم ينل شفاعتي" و لم يثبت عندنا هذا الخبر، و لم أره في كثبنا، و يروي عن الشيخ البهائي (ره) أنه من أخبار الإسماعيلية لكن لم أجد في الدعوات المأثورة عن أرباب العصمة الفصل بها إلا نادرا، و لعل تركه أحوطه.

الرابعة: اختلف العلماء في أنه هل ينفعهم الصلاة شيئا أم ليس إلا لانتفاعنا، فذهب الأكثر إلى أنهم صلوات الله عليهم لم يبق لهم كمال منتظر، بل حصل لهم جميع الخصال السنية و الكمالات البشرية و لا يتصور للبشر أكثر ما منحهم الله تعالى، فلا يزيدهم صلواتنا عليهم شيئا بل يصل نفعها إلينا و إنما أمرنا بذلك لإظهار حبهم و ولاءهم بل هي إنشاء لإظهار الإخلاص و الولاء لنا، و ليس الغرض طلب شي‏ء لهم و يترتب عليه أن يفيض الله علينا بسبب هذا الإظهار فيوضه و مواهبه و عطاياه، كما أنه إذا كان لأحد محبوب يحبه حبا شديدا و قد أعطاه كلما يمكن فإذا كان لرجل حاجة عند المحب يتقرب إليه بالثناء على محبوبة و طلب شي‏ء له تقربا إليه بإظهار حبه و تصويبه في إكرامه و أنه مستحق لما أعطاه حقيق بما أولاه.

و هذا الكلام عندي مدخول، بل يمكن توجيهه بوجوه آخر لكل منها شواهد من الأخبار.

الأول: أن تكون الصلاة سببا لمزيد قربهم و كمالاتهم، و لم يدل دليل على عدم ترقيهم إلى ما لا يتناهى من الدرجات العلى في الآخرة و الأولى، و كثير من الأخبار يدل على خلافه، كما ورد في كثير من أخبار التفويض أنه إذا أراد الله سبحانه أن يفيض شيئا على إمام العصر يفيضه أولا على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم على إمام إمام حتى ينتهي إلى إمام الزمان، لئلا يكون آخرهم أعلم من أولهم،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 113

و كما أن بيننا و بين موالينا صلوات الله عليهم من أرباب العصمة و الطهارة درجات غير متناهية لا يمكن لأحدنا و إن عرج على معارج القرب و الكمال أن يصلي إلى أدنى منازلهم، فكذا بينهم عليهم السلام و بين جناب الألوهية و ساحة الربوبية معارج غير متناهية كلما صعدوا بأجنحة الرفعة و الكمال على منازل القرب و الجلال، لا تنتهي تلك المعارج، و يعدون أنفسهم في جنب ساحة القدس مثل الذرة أو دونها.

و قد أفيض على وجه وجيه في استغفار النبي و الأئمة صلوات الله عليهم يناسب هذا الوجه، و هو أنهم صلوات الله عليهم لما كانوا دائما في الترقي في مدارج المعرفة و القرب و الكمال، ففي كل آن تحصل لهم معرفة جديدة و قرب جليل و كمال عتيد عدوا أنفسهم مقصرين في المرتبة السابقة في المعرفة و القرب و الطاعة، فكانوا يستغفرون منها، و هكذا إلى ما لا نهاية لها، و قد ورد في الروايات الكثيرة أن أشرف علومنا علم ما يحدث بالليل و النهار آنا فآنا، و ساعة فساعة.

و يؤيده ما روي في تأويل قوله سبحانه:" وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ" أن أهل الجنة في كل يوم جمعة يجتمعون في موضع يتجلى لهم الرب تبارك و تعالى بأنوار جلاله، فيرجع المؤمن بسبعين ضعفا مما في يديه فيتضاعف نوره و ضياؤه، و هذا كناية عن تضاعف قربه و معرفته.

الثاني: أن تكون سببا لزيادة المثوبات الأخروية و إن لم تصر سببا لمزيد قربهم و كمالهم، و كيف يمنع ذلك عنهم و قد ورد في الأخبار الكثيرة وصول آثار الصدقات الجارية و الأولاد و المصحف، و تعليم العلوم و العبادات إلى أموات المؤمنين و المؤمنات، و أي دليل دل على استثنائهم عن تلك الفضائل و المثوبات، بل هم آباء هذه الأمة المرحومة و الأمة عبيدهم و ببركتهم فازوا بالسعادات، و نجوا من الهلكات، و كلما صدر عن الأمة من خير و سعادة و طاعة يصل إليهم نفعها و بركتها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 114

و لا منقصة لهم في ذلك مع أن جميع ذلك من آثار مساعيهم الجميلة و أياديهم الجليلة.

الثالث: أن تصير سببا لأمور تنسب إليهم من رواج دينهم و كثرة أمتهم و استيلاء قائمهم و تعظيمهم و ذكرهم في الملإ الأعلى بالجميل و بالتفخيم و التبجيل، و قد ورد في بعض الأخبار في معنى السلام عليهم أن المراد سلامتهم و سلامة دينهم و شيعتهم في زمن القائم عليه السلام.

فإن قيل: ما ذكرت إنما ينفع في دفع الشبهة الواردة في الصلاة عليهم فما تقول في اللعن على أعدائهم و سائر من يستحق اللعن، بل هل يصير سببا لمزيد عقابهم أم لا؟ و على الأول يلزم أن يعاقب المرء بفعل غيره ما لا يستحقه و هو ينافي العدل، و على الثاني يلزم أن يكون لغوا؟

قلت: يمكن أن يجاب بوجوه:" الأول" أن يختار الشق الثاني و يقال:

الفائدة فيه إظهار ما يجب على الإنسان من التبري عن أعداء الله، و هو من أعظم أركان الإيمان، و ليس الغرض منه طلب العقاب بل محض إظهار عداوتهم و التبري منهم و من أعمالهم، فيستحق بذلك المثوبات العظيمة كما في ذكر كلمة التوحيد و أشباهها المخبرة عما في الضمير من العقائد الحقة. الثاني: أن نختار الشق الأول و نقول إن مقادير العقوبات ليست إلا بتقرير الشارع و تبيينه، فإذا قال المولى لعبده: إن فعلت الفعل الفلاني أعطيتك مائة درهم، و إن تركته ضربتك مائة سوط، فإذا أتى به استحق مائة درهم، و إن تركه استحق مائة سوط و إذا قال الشارع إن صليت الصلوات الخمس أعطيتك كذا و كذا في الجنة، و إن تركتها عذبتك ألف سنة ثم تركها مع علمه بذلك استحق تلك العقوبة، و ليس له أن يقول: لم عذبتني ألف سنة لترك صلاة واحدة لأنه عبده و يجب إطاعته، فإذا قرر مقدارا من العقوبة على المخالفة ثم خالفه باختياره و عاقبه بتلك العقوبة لا يعد العقلاء ذلك ظلما، فنقول هيهنا قرر سبحانه لمن خالف أولياءه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 115

و غصب حقوقهم أو أنكرها أو أمثال ذلك عقابا في نفسه و عقابا بسبب لعن من يلعنهم، فالعقاب المترتب على اللعن جزء من عقوبتهم المقررة لهم على أعمالهم، فإذا عاقبهم عند اللعن لم يعاقبهم أكثر من استحقاقهم، و هم مستحقون لجميع ذلك.

الثالث: أن يقال إن لإعمال هؤلاء الأشقياء قبحا في نفسه حيث خالف أمر الله، و قبحا آخر من جهة الظلم على غيرهم و منعهم عن الشيعة الفوائد التي كانت تترتب على اقتدار أئمتهم و استيلائهم و ظهورهم من المنافع الدنيوية و الأخروية و هداتهم، و دفع الظلم عنهم و عدم جهالتهم و تحيرهم في الأحكام الدينية و الدنيوية و لم يوجد أحد لم يصل إليه من ثمرات هذه الشجرات الملعونة شي‏ء بل في كل آن يصل إليهم أثر من آثار ظلمهم، كما ورد في الأخبار الكثيرة أنه ما زال حجر عن حجر و لا أهريقت محجمة دم إلا و هو في أعناقهما يعنون أبا بكر و عمر، فكل الشيعة مظلومون من جهتهم طالبوا حقوق منهم، و كل لعن طلب حق و استعداء لظلم فيزيد عقابهم من قدر من يلعنهم.

الرابع: أن يقال: إنهم بجرأتهم على الله و ظلمهم على أهل بيت العصمة و الطهارة سلام الله عليهم مستحقون لما لا يتناهى من العقوبات، و كلما عاقبهم الله تعالى به فهو أقل من استحقاقهم، فكلما زاد الله تعالى في عقابهم بسبب لعن اللاعنين لا يصل إلى قدر استحقاقهم إليهم جميعا لعنة الله إلى يوم الدين.

الخامسة: في مزيد تحقيق لمعنى الصلاة عليهم، و إن أسلفنا بعض القول في ذلك قال الله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً" قيل: صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه و تبجيله و تعظيمه، و كذا صلاة الملائكة الثناء عليه بأحسن الثناء، و الدعاء له بأفضل الدعاء و قيل: صلاة الله مغفرة و صلاة الملائكة استغفار، و هو لا يستقيم على أصولنا إلا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 116

بتأويل، و قيل: صلاة الله رحمته و من الملائكة طلب رحمته.

و يدل على الأول ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية؟

فقلت: كيف صلاة الله على رسوله؟ فقال: يا أبا محمد تزكيته له في السماوات العلى، فقلت: قد عرفت صلاتنا عليه فكيف التسليم؟ فقال: هو التسليم له في الأمور و أمرنا بالصلاة عليه أمر بقول: اللهم صلى على محمد و آل محمد.

و قال صاحب الكنز: الصلاة و إن كانت من الله الرحمة المراد بها الاعتناء بإظهار شرفه و رفعة شأنه، و من هنا قال بعضهم: تشريف الله محمدا صلى الله عليه و آله و سلم بقوله:" إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله و سلم" أبلغ من تشريف آدم بالسجود له و التسليم، قيل: المراد به التسليم بمعنى الانقياد له، كما في قوله:" فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" و قيل: هو قولهم السلام عليك أيها النبي قاله الزمخشري و القاضي في تفسير بهما، و ذكره الشيخ في تبيانه و هو الحق لقضية العطف، و لأنه المتبادر إلى الفهم عرفا، و لرواية كعب المتقدمة و غيرها.

ثم قال: استدل بعض شيوخنا على وجوب التسليم المخرج من الصلاة بما تقريره شي‏ء من التسليم واجب، و لا شي‏ء منه في غير الصلاة بواجب، فيكون وجوبه في الصلاة و هو المطلوب، أما الصغرى فلقوله:" سَلِّمُوا" الدال على الوجوب، و أما الكبرى فللإجماع: و فيه نظر لجواز كونه بمعنى الانقياد كما تقدم، سلمنا لكنه سلام على النبي، لسياق الكلام، و قضية العطف، و أنتم لا تقولون أنه المخرج من الصلاة بل المخرج غيره.

و استدل بعض شيوخنا المعاصرين على أنه يجب إضافة السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته إلى الأخير بما تقريره السلام على النبي واجب، و لا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 117

شي‏ء منه في غير التشهد الأخير بواجب، ينتج أنه فيه واجب، و بيان المقدمتين تقدم.

قيل عليه: أنه خرق للإجماع لنقل العلامة الإجماع على استحبابه، و لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يعلمه الأعرابي في كيفية التشهد، و لا هو في حديث حماد في صفة الصلاة عن الصادق عليه السلام فلو وجب لزم تأخر البيان عن وقت الحاجة و هو باطل اتفاقا، و لضبط الأصحاب الواجبات في الصلاة و لم يعدوه فيها، و لعدم دلالة الآية عليه صريحا، و لو دلت لم تدل، على الفورية، و لا على التكرار، و لا على كونه في الصلاة، و لا على كونه آخرها، و لا على كونه بصيغة مخصوصة.

و يمكن الجواب عن الأول بمنع الإجماع على عدم وجوبه، و الإجماع المنقول على شرعيته و راجحيته و هو أعم من الوجوب و الندب.

و عن الثاني و الثالث بأن عدم النقل لا يدل على العدم، مع أن حديث حماد ليس فيه إشعار بالعبارة المتنازع فيها بالوجوب وجودا و عدما، مع إمكان الدخول في التشهد لأنه قال: فلما فرغ من التشهد سلم.

و عن الرابع بأنه معارض بوجوب التسليم المخرج عن الصلاة، فإن كثيرا من الأصحاب لم يعده من الواجبات، مع الفتوى بوجوبه.

و عن الخامس قد بينا فيما تقدم أن سياق الكلام و قضية العطف تدل على أن المراد السلام على النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

و عن السادس بأن الفورية و التكرار استفيدا من خارج الآية، و هو أنه لما ثبت كونه جزءا من الصلاة فكل ما دل على فوريتها و تكرارها يدل على فوريته و تكراره تضمنا.

و عن السابع و الثامن و التاسع بما تقرر في بيان الكبرى إذ لا قائل بالوجوب في غير الصلاة و لا في غير التشهد الأخير، و لا بغير الصيغة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 118

و بالجملة الذي يغلب على ظني الوجوب و يؤيده ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام قال: إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و تقول السلام علينا و على عباد الله الصالحين، و أيضا رواية الشيخ في التهذيب عن أبي كهمش عن الصادق عليه السلام قال: سألته إذا جلست للتشهد فقلت و أنا جالس السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته انصراف هو؟ قال: لا، و لكن إذا قلت السلام علينا و على عباد الله الصالحين فهو انصراف، و هي ظاهرة في أنه من التشهد، و الإجماع حاصل منا على وجوبه.

و عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: كلما ذكرت الله و النبي فهو من الصلاة و دلت الآية على الوجوب، فيكون الواجب فيها و هو المطلوب، انتهى كلامه قدس سره.

و من الغرائب أن بعض من كان في عصرنا كان يقول بتحريم هذا السلام في الصلاة و أنه مبطل لها، و هما قد أبعدا في الإفراط و التفريط و الحق استحبابه، و قد دلت الأخبار المعتبرة المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام تعقيب الصلاة عليهم بالسلام، بل هو من شعار المخالفين حيث تركوا الصلاة على الآل في غير الصلاة و أردفوها بالتسليم و قالوا صلى الله عليه و و آله و سلم.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 119

باب ما يجب من ذكر الله في كل مجلس‏

 (1) كان مراده الاستحباب المؤكد و إن أمكن الاستدلال على الوجوب من بعض الأخبار.

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

و كونه‏

حسرة

 (3) لا يدل على الوجوب لأن ترك كل ما يوجب الأجر في الآخرة سبب للحسرة و الندامة في القيامة، و المراد

بالذكر

 (4) كل ما يصير سببا لحظور الله سبحانه بالبال و إطاعة أو أمر الله و ترك نواهيه، و ذكر أوامر الله سبحانه و نواهيه، و التفكر في كل ما يجوز التفكر فيه من صفات الله سبحانه و محامده، و تذكر جميع ذلك بالقلب و اللسان، و ذكر أصفياء الله من أنبيائه و حججه، و ذكر مناقبهم و فضائلهم و دلائل إمامتهم، فقد ورد في الأخبار: إذا ذكر الله، و إذا ذكر أعداؤنا ذكر الشيطان كما سيأتي، و ذكر المعاد و الحشر و الحساب و الصراط و الميزان و الجنة و النار، و ذكر أحكام الله تعالى و ما يدل عليها من الكتاب و السنة و حفظ آثار الرسول و أئمة الهدى عليهم السلام و نشر أخبارهم، و جميع الطاعات و العبادات، كل ذلك من ذكر الله إذا كان موافقا لما أمر الله به مع تصحيح النية عن الرياء و المراء أعاذنا الله و سائر المؤمنين منهما.

و أما العبادات المبتدعة و الأذكار المخترعة و ما لم يكن خالصا لله، فليس من ذكر الله في شي‏ء لأن الله سبحانه يقول:" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" و معلوم أن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 120

تلك الأعمال ليست موجبة لذكر الله له بالرحمة بل هي أسباب للبعد من الله و استحقاق اللعنة، و الذكر هنا أعم من أن يكون بالقلب و اللسان معا و هو أفضل أنواعه، أو بالقلب فقط أو باللسان فقط، و هذا أدونها و أضعفها و إن كان لا يخلو من فائدة.

 (الحديث الثاني)

 (1): موثق.

قوله: ثم قال أبو جعفر

 (2)، كذا في أكثر النسخ، و الظاهر تكرار قال كما في بعض النسخ، و على الأول يمكن أن يكون ثم للترتيب المعنوي للاختلاف ظاهرا بين الكلامين، فإن الأول يدل على المغايرة بين الذكرين، و اشتراط الأول بالثاني، و الثاني يدل على اتحادهما و إن كان بعد التأمل يظهر عدم الاختلاف و يحتمل أيضا أن يكون السماع من الصادق في حياة الباقر عليه السلام و قيل: الواو في قوله: و لم يذكرونا، حالية إشارة إلى أن ذكر الله لا يتصور بدون ذكرنا، و قال: ثم قال كلام أبي بصير، و كان الوالد و الولد عليهما السلام حاضرين في المجلس، فذكر الولد عليه السلام أولا الكلام السابق، ثم ذكر الوالد عليه السلام ما قال توضيحا لكلام الولد صلوات الله عليهما.

و الحاصل أن من لم يعرفهم لم يعرف الله تعالى.

 (الحديث الثالث)

 (3): كالسابق.

" إن يكتال"

 (4) على بناء المعلوم، قال في المصباح: كلت الزيد الطعام كيلا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 121

من باب باع يتعدى إلى مفعولين، و تدخل اللام على المفعول الأول فيقال: كلت له الطعام، و الاسم الكلية بالكسر، و المكيال ما يكال به، و اكتلت منه و عليه إذا أخذت و توليت الكيل بنفسك يقال: كال الدافع و اكتال الآخذ، انتهى.

و المعنى من أراد أن يأخذ الثواب من الله على الوجه الأكمل من غير نقص فليقرأ هذه الآية، فهو كناية عن كثرة الثواب و عظمته و كأنه على التمثيل، و احتمل الحقيقة كما يوزن بالميزان في القيامة.

و روي في مجمع البيان عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه:" سُبْحانَ رَبِّكَ" إلى قوله:" رَبِّ الْعالَمِينَ".

و في قرب الإسناد للحميري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل في دبر كل صلاة سُبْحانَ رَبِّكَ" إلخ".

و روى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليكن آخر قوله:" سُبْحانَ رَبِّكَ" إلى قوله" رَبِّ الْعالَمِينَ" فإن له من كل مسلم حسنة، و روي أيضا مرسلا عن الصادق عليه السلام أنه قال: كفارات المجالس أن تقول عند قيامك و ذكر الآيات الثلاث:

سبحان ربك‏

 (1)، قال الطبرسي (ره): أي تنزيها لربك مالك العزة يعز من يشاء من الأنبياء و الأولياء، لا يملك أحد إعزاز أحد سواه، فسبحانه عما يصفونه مما لا يليق به من الصفات، و هو قولهم باتخاذ الأولاد و الشريك‏

" وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ"

 (2) أي سلام و أمان لهم من أن ينصر عليهم أعداؤهم، و قيل: هو خبر معناه أمر أي سلموا عليهم كلهم لا تفرقوا بينهم‏

" وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ"

 (3) أي احمدوا الله الذي هو مالك العالمين و خالقهم، و المنعم عليهم، و أخلصوا له الثناء و الحمد، و لا تشركوا به أحدا فإن النعم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 122

كلها منه.

و سيأتي في الروضة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لرجل من أهل الشام: إن الله تعالى كان و لا شي‏ء غيره، و كان عزيزا و لا كان قبل عزه عز، و ذلك قوله:" سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ".

و روى الصدوق في التوحيد أنه جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفر عليه السلام فسأله عن أول ما خلق الله فإن بعض من سألته قال القدرة، و قال بعضهم: العلم، و قال بعضهم: الروح؟ فقال عليه السلام: ما قالوا شيئا أخبرك إن الله علا ذكره كان و لا شي‏ء غيره، و كان عزيزا و لا عز لأنه كان قبل عزه، و ذلك قوله سبحانه:" سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ" و كان خالقا و لا مخلوق، الخبر.

 (الحديث الرابع)

 (1): صحيح.

" في التوراة التي لم تغير"

 (2) يدل على أن التوراة التي في أيدي أهل الكتاب مغيرة محرفة، و إن كتب الله كما أنزلت عندهم عليهم السلام كالقرآن المجيد

" أ قريب أنت مني"

 (3) كان الغرض السؤال من آداب الدعاء مع علمه بأنه أقرب إلينا من حبل الوريد بالعلم و القدرة و العلية أي أ تحب أن أناجيك كما يناجي القريب أو أناديك كما ينادي البعيد؟ و بعبارة أخرى إذا نظرت إليك فأنت أقرب من كل قريب، و إذا نظرت إلى نفسي أجدني في غاية البعد عنك، فلا أدري في دعائي لك أنظر إلى حالي أو إلى حالك.

و يحتمل أن يكون السؤال للغير أو من قبلهم كسؤال الرؤية، فإن أكثرهم كانوا مجسمة و لذا قالوا اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 123

و قوله:" أنا جليس من ذكرني"

 (1) أي أنا كالجليس في العلم بنجواهم فلا حاجة إلى رفع الصوت، أو ينبغي أن يلاحظوا في الذكر جهة قربي و هو أنسب بأدب الدعاء، و يدل على أن الأنسب بالذكر الأسرار لا الإجهار، إلا أن يكون الغرض التذكير لا الذكر فقط كالأذان و الخطبة و نحوهما، فيرفع صوته بقدر الحاجة.

" من في سترك"

 (2) أي تحت عرشك يوم لا ستر غيره أو يستر الله عيوبه‏

" فأذكرهم"

 (3) أي بالرحمة و المغفرة أو في الملإ الأعلى بالثناء الجميل‏

" يتحابون"

 (4) أي يحبون أو يظهرون حب كل منهم لصاحبه‏

" في"

 (5) أي حبهم خالص لي أو في رضاي و طاعتي‏

إذا أردت"

 (6) فيه استعارة تمثيلية، أي وجودهم سبب لعدم إرادة عذابهم فكأني أردت عذابهم فصرفته عنهم لذكرهم.

 (الحديث الخامس)

 (7): مجهول.

و في القاموس‏

الوبال‏

 (8) الشدة و الثقل.

 (الحديث السادس)

 (9): ضعيف على المشهور و يدل على استحباب الذكر في حال الجنابة و الخلاء و سائر الأحوال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 124

الخسيسة، و ربما يستدل به على جواز قراءة القرآن للجنب و الحائض كما يأتي في محله إنشاء الله تعالى.

 (الحديث السابع)

 (1): كالسابق.

" فإن كثرة المال تنسى الذنوب‏

 (2)، لأن الإنسان يطغى إذا استغنى، و كثرة المال موجبة لحسبه و الغفلة عن ذنوبه، بل يسول له الشيطان أن وفور المال لقربه من ربه، فلا يبالي بكثرة ذنوبه، و ترك الذكر على أي حال كان موجب لقساوة القلب و غلظته، و القلب القاسي بعيد عن ربه.

 (الحديث الثامن)

 (3): صحيح بل هو تتمة للحديث الرابع كما لا يخفى.

" أن أذكرك"

 (4) هو بتقدير من و الظرف متعلق بكل من أعزك و أجلك.

 (الحديث التاسع)

 (5): مرسل.

" خاشعا"

 (6) أي مع الذلل و المسكنة و حضور القلب، قال الراغب: بخشوع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 125

الضراعة و أكثر ما يستعمل فيما يوجد في الجوارح و الضراعة أكثر ما يستعمل فيما يوجده في القلب، و لذلك قيل في ما روي: إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.

" و اطمأن عند ذكري"

 (1) إشارة إلى قوله تعالى:" أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" و مثله في الكتاب العزيز كثير، قال الراغب: الطمأنينة و الاطمئنان السكون بعد الانزعاج، قال تعالى:" وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ"" وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي"" يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي" و هي أن لا تصير أمارة بالسوء، و قال:

" أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" تنبيها على أن بمعرفة الله و الإكثار من عبادته يكتسب اطمئنان النفس المسؤول بقوله:" وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" و قوله تعالى:

" وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ" و قال:" وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها".

و قال البيضاوي:" الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ" أنا به و اعتمادا عليه و رجاء منه، أو بذكر رحمته بعد القلب من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده و وحدانيته أو بكلامه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات" أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" تسكن إليه‏

" و لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً"

 (2) في العبادة أو الأعم إلى المصير في الآخرة أو في الدارين‏

" اجعلني ذخرك"

 (3) أي ما تدخره ليوم فاقتك في الدنيا و الآخرة، قال في المصباح: ذخرته ذخرا من باب نفع و الاسم الذخر بالضم إذا أعددته ليوم الحاجة إليه و ادخرت على افتعلت مثله فهو مذخور و ذخيرة أيضا.

" من الباقيات"

 (4) إشارة إلى قوله تعالى:" الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 126

وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا" و قال البيضاوي الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أعمال الخيرات التي تبقى ثمرتها أبد الآباد و يندرج فيها ما فسرت من الصلوات الخمس و أعمال الحج و صيام شهر رمضان و سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و الكلام الطيب.

 (الحديث العاشر)

 (1): كالسابق.

" اجعل لسانك من وراء قلبك"

 (2) أي تأمل أو لا فيما أردت أن تتكلم به في حسنه و عاقبته ثم تكلم فإنك إن فعلت ذلك سلمت عن الخطإ و الندم، أو لا تتكلم بشي‏ء من التلاوة و الذكر إلا مع تعقل القلب و تذكره أو لا تقل شيئا ليس في قلبك الإذعان به نفاقا أو قولا بغير علم.

و قوله:" و لا تتبع"

 (3) إما بصيغة النهي الحاضر من باب علم أو من باب الافتعال أو الأفعال، و الموعد إما مصدر ميمي أو اسم مكان و إضافة الموعد أما إضافة إلى الفاعل أو المفعول كما قيل، فالكلام يحتمل وجوها.

الأول: لا تجالس أهل الخطيئة الذين هم معدنها فتشرك معهم فتندم عليها، فإن الخطيئة محل وعد أهل النار، فإنهم إنما يعدون و يجتمعون للاشتراك في الخطايا من الملاهي و أكل لحوم المؤمنين بالغيبة و ذكر الدنيا و ما يلهى عن الله، و قيل: المراد أن عمدة الخطيئة الوعد مع الأشرار و أهل النار.

الثاني: ما قيل: كان المراد بمعدن الخطيئة السفاهة و الجهالة أو كل ما يتولد منه الخطايا و الشرور كرذائل النفس و أهوائها، و بالجملة نهي عن اتباع الخطيئة بالتحرز عن الأصول المتولدة هي منها.

الثالث: أن يكون الغرض النهي عن حضور مواضع هي مظنة ارتكاب الخطيئة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 127

فإن الخطيئة موعد أهل النار في الآخرة أي عقابها، و الحاصل أن أهل النار إنما يدخلونها و يعدون من أهلها لخطاياهم، فمن شرك معهم في الخطيئة يدخل مدخلهم و الأول أظهر.

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): كالسابق.

و كان‏

موت القلب‏

 (2) بسلب اليقين و مرضه بالشك و النفاق، كما قال سبحانه:

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً" و بذكر الله تحيي القلوب الميتة و تشتد فيها اليقين.

 (الحديث الثاني عشر)

 (3): مجهول.

و في القاموس‏

الملأ

 (4) كجبل الأشراف و العلية و الجماعة و القوم ذوو الشارة، و المراد بالملأ الأول الجماعة من الناس، و بالملأ الثاني الملائكة، و لعل المراد بذكر الله في الملإ الثناء عليه تعالى بحيث يسمعهم و يذكرهم لا الذكر فيما بينهم لتصح المطابقة بين القرينتين، و هذه الرواية رواها العامة أيضا ففي صحيح مسلم إن ذكرني عبدي في ملإ ذكرته في ملإهم خير منهم، و قال القرطبي: يعني بهم الملائكة عليهم السلام و فيه تفضيل الملائكة على بني آدم و هو أحد القولين، انتهى.

و قال عياض: اضطرب العلماء أيهما أفضل الملائكة أو الأنبياء على جميعهم السلام، و استدل الأولون بهذا الحديث و أجاب الآخرون تارة بأن المعنى ذكرته‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 128

بذكر خير من ذكره، و هو بعيد من اللفظ، و أخرى بأن هذا الحديث خبر واحد، و رد بلفظ العموم و خبر الواحد لا يفيد القطع، و في التمسك بالعام خلاف انتهى.

و أقول: كون مجموع الملأ أشرف من جماعة كلهم أو أكثرهم غير المعصومين لا ينافي كون بعض آحاد البشر أفضل من جميع الملائكة، على أنه يحتمل أن يكون المراد بالملأ ملأ أرواح النبيين و المرسلين أو المشتمل عليها لكن الخبر الآتي يأبى عنه ظاهرا.

 (الحديث الثالث عشر)

 (1): مرسل.

باب ذكر الله عز و جل كثيرا

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): ضعيف على المشهور.

" ما شي‏ء"

 (4) أي مما كلف الإنسان به‏

" ينتهي"

 (5) على صيغة المعلوم، و الضمير المستتر راجع إلى الشي‏ء

" و إلا الذكر"

 (6) في الأول استثناء متصل من ضمير له، و في الثاني استثناء منقطع من قوله الفرائض و شهر رمضان و الحج، و المراد

بالفرائض‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 129

 (1) الصلوات الخمس‏

" فهو حدهن"

 (2) الضمير راجع إلى مصدر أداهن و هو مبتدأ، و قائم مقام عائد الموصول بتقدير فتأديته إياهن، و كذا

قوله: فهو حده‏

 (3)، الضمير فيه راجع إلى مصدر صامه بتقدير فصومه إياه، و كذا في الثالث عائد إلى مصدر حج بتقدير فحجه، و الحد خبر في الجميع.

" اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً"

 (4) قال القرطبي في تفسير هذه الآية: هذا السياق يدل على وجوب الذكر الكثير لأنه لم يكتف به حتى أكده بالمصدر و لم يكتف بالمصدر حتى وصفه بالكثير، و هذا السياق لا يكون في المندوب، فظهر أن الذكر الكثير واجب، و لم يقل أحد بوجوب اللساني دائما فيرجع إلى ذكر القلب، و ذكر الله تعالى دائما في القلب يرجع إما إلى الإيمان بوجوده، و صفات كماله و هو بحسب إدامته في القلب ذكرا أو حكما في حال الغفلة، لأنه لا ينفك عنه إلا بنقيضه و هو الكفر، و إما أن يرجع إلى ذكر الله تعالى عند الأخذ في الفعل فإنه يجب أن لا يقدم أحد على فعل أو قول حتى يعرف حكم الله فيه، و لا ينفك المكلف عن فعل أو قول دائما فيجب ذكر الله دائما.

و قال الطبرسي قدس سره: روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: من عجز عن الليل أن يكابده و جبن عن العدو أن يجاهده، و بخل بالمال أن ينفقه فليكثر ذكر الله عز و جل، ثم اختلف في معنى الذكر الكثير فقيل: أن لا ينسأ أبدا عن مجاهد، و قيل: أن يذكره سبحانه بصفاته العلى و أسمائه الحسنى، و ينزهه عما لا يليق به، و قيل: هو أن يقول: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر على كل حال عن مقاتل، و قد ورد عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قالوا: من قالها ثلاثين مرة فقد ذكر الله ذكرا كثيرا، و عن زرارة و حمران ابني أعين عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من سبح تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام فقد ذكر الله ذكرا كثيرا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 130

و روى الواحدي بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس قال: جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا محمد قل سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، و لا حول و لا قوة إلا بالله عدد ما علم وزنة ما علم و ملأ ما علم، فإنه من قالها كتب الله له بها ست خصال: كتب من الذاكرين الله كثيرا، و كان أفضل من ذكره بالليل و النهار، و كن له غرسا في الجنة، و تحاتت عنه خطاياه كما تحات ورق الشجرة اليابسة، و ينظر الله إليه، و من نظر إليه لم يعذبه.

" وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا"

 (1) أي و نزهوه سبحانه عن جميع ما لا يليق به، بالغداة و العشي، و الأصيل العشي، و قيل: يعني به صلاة الصبح و صلاة العصر عن قتادة، و قيل: صلاة الصبح و صلاة العشاء الآخرة.

و خصهما بالذكر لأن لهما مزية على غيرهما من أن ملائكة الليل و النهار يجتمعون فيهما، و قال الكلبي: أما بكرة فصلاة الفجر، و أما أصيلا فصلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة، و سمي الصلاة تسبيحا لما فيها من التسبيح و التنزيه‏

" ما يشغله ذلك من ذكر الله"

 (2) أي الذكر القلبي، كان يجد ذلك بنور الإمامة أو من شواهد أحواله، أو عند تكلم الغير كان مشغولا بالذكر، فإذا تم كلام السائل شرع في الجواب أو كان كلامه دائما مشتملا على الذكر.

و قوله: و كنت أرى‏

 (3) أي في غير بعض تلك الأحوال‏

" لازقا بحنكه"

 (4) لأن اللام أكثر حروف تلك الكلمة الطيبة، و فيها يلزم اللسان بالحنك، و ليس فيها شي‏ء من الحروف الشفوية، و هذا أحد وجوه نسبة هذا الذكر من بين سائر الأذكار إلى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 131

ذاته المقدسة إذ يمكن المتكلم بها على وجه لا يطلع عليها غيره تعالى.

و في القاموس:

الحنك‏

 (1) محركة باطن أعلى الفم من داخل، و الأسفل من طرف مقدم اللحيين، و كان يجمعنا يدل على استحباب الاجتماع للذكر و الدعاء و التلاوة، و

الذكر

 (2) هنا لا يشمل التلاوة، و يدل على أنها أفضل من الذكر و الدعاء، و روى العامة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة و غشيتهم الرحمة، و نزلت عليهم السكينة، و ذكرهم الله فيمن عنده.

و قال بعضهم: المراد بالسكينة الوقار و الطمأنينة و قال بعضهم: المراد بها الرحمة، و رد بذكر الرحمة قبلها و قال في النهاية فيه: كما ترون‏

الكوكب الدري‏

 (3) في أفق السماء أي الشديد الإنارة كأنه نسب إلى الدر تشبيها بصفائه، و قال الفراء:

الكوكب الدري عند العرب هو العظيم المقدار، و قيل: هو أحد الكوكب الخمسة السيارة، انتهى.

و قد قرأ في الآية على وجوه كثيرة بالهمزة و بدونه، قال البيضاوي كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ مضي‏ء متلألئ كالزهرة في صفاته و زهرته منسوب إلى الدر أو فعيل كمريق من الدر فإنه يدفع الظلام بضوئه أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه إلا أنه قلبت همزته ياءا، و يدل عليه قراءة حمزة و أبي بكر على الأصل، و قراءة أبي عمرو و الكسائي دري‏ء كشريب، و قد قرأ به مقلوبا، انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 132

" و خير لكم من الدينار و الدرهم"

 (1) أي من إنفاقهما في سبيل الله أو من جمعهما موافقا لعقول أهل الدنيا لعظمها عندهم أو تنبيها لهم على خطائهم، في ذلك حيث يختارونهما على المطالب العالية الباقية الأخروية، و إن كان ذلك بينا عند كل عاقل، و مثل ذلك شائع في عرف الناس.

" أكثرهم لله ذكرا"

 (2) تقديم الظرف للحصر

" و من أعطي لسانا ذاكرا"

 (3) أما مع ذكر القلب أو الأعم و لا ريب في أن الجمع بينهما أتم و أكمل و مع الاكتفاء بأحدهما فالقلب أفضل لأنه الأصل، و القرب فيه أكمل و إن كان الخبر يوهم خلافه.

" خير الدنيا"

 (4) لأن من شغله ذكر الله عن حاجته كفى الله مهماته و خير الآخرة ظاهر، و قال في قوله تعالى:

" وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ"

 (5) قال: الضميران في قال أولا و ثانيا إما راجعان إلى الرسول أو إلى الإمام أو الأول راجع إلى الإمام و الثاني إلى الرسول، فعلى الأولين قال ثانيا تكرار و تأكيدا للأول و على الأخير الظرف أعني في قوله متعلق بقوله قال ثانيا.

" وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ" قال البيضاوي: و لا تعط مستكثرا نهي عن الاستعزاز و هو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهيا خاصا به لقوله عليه السلام المستعزز يثاب من هبته و الموجب له ما فيه من الحرص و الضنة أو لا تمنن على الله بعبادتك مستكثرا إياها، أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم، أو مستكثرا إياه و قرأ تستكثر بالسكون للوقف أو بالإبدال من تمن على أنه من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 133

من بكذا و تستكثره بمعنى تجده كثيرا أو بالنصب على إضمار أن و قرأ بها، و على هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها و إبطال عملها كما روي و أحضر الوغا بالرفع، انتهى.

و قيل: كأنه إشارة إلى أن لا تمنن من منه بكذا و تستكثر بدل منه، و أن ما صدر من الخير لله سواء كان عبادته أو الإحسان إلى عباده يجب أن لا تستكثر لأن استكثاره يوجب إخراج النفس عن حد التقصير و عجبها و إحباط أجرها.

و أقول: اتفق القراء على الرفع إلا الحسن فإنه قرأ بالجزم و الأعمش فإنه قرأ بالنصب، و قال الطبرسي (ره): قال ابن جني الجزم في تستكثر يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون بدلا من تمنن فكأنه قال: لا تستكثر، و الآخر أن يكون لا تستكثر فأسكن الراء لثقل الضمة مع كثرة الحركات، و أما تستكثر بالنصب فبان مضمرة، و ذلك أن يكون بدلا من قوله: و لا تمنن في المعنى، أ لا ترى أن معناه لا يكن منك من فاستكثار، فكأنه قال: لا يكن منك من أن تستكثر فتضمر أن لتكون مع الفعل المنصوب بها بدلا عن المن في المعنى الذي دل عليه الفعل، انتهى.

و قيل: الخبر محمول على رواية الرفع، و هو حال عن المستتر في لا تمنن، و المن بمعنى النقص و الإعياء، أو بمعنى القطع، و النهي متوجه إلى القيد و هو الاستكثار و لذا قال عليه السلام في التفسير: لا تستكثر، فالمنهي عنه النقص و القطع الذين يكونان من جهة الاستكثار لا من جهة أخرى، قال في القاموس: من عليه منا أنعم، و اصطنع عنده صنيعة و منة، و الحبل قطعه و الناقة حسرها، و السير فلانا أضعفه و أعياه، و الشي‏ء نقص و المنان من أسماء الله تعالى و هو المعطي ابتداء و أجر غير ممنون غير محسوب، و لا مقطوع، و أقول: يظهر مما ذكرنا وجوه أخر لتأويل الخبر فلا تغفل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 134

 (الحديث الثاني)

 (1): موثق.

و يدل على مدح الذكر في الخلوة خلافا للمنافقين الذين يذكرون الله عند الناس، و يتركون في الخلوات.

 (الحديث الثالث)

 (2): صحيح.

و كان المراد

بقوله: ذكر الله كثيرا

 (3) إما ذكره أولا، و إنما هو تفنن في العبارة، أو المراد بأحدهما المداومة و بالآخر الإكثار و لو مرة، و قيل: المراد بالأول التكرار و الاستمرار من الثاني، و بالثاني موافقة القلب مع اللسان كما سيأتي في الخبر الثاني من باب ذكر الله في السر.

 (الحديث الرابع)

 (4): مجهول بسنده الأول، صحيح بسنده الثاني.

 (الحديث الخامس)

 (5): ضعيف على المشهور، و داود الحمار ذكره الشيخ في‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 135

الفهرست بلا مدح و توثيق.

" أظله الله في جنته"

 (1) أي أسكنه في قصورها و منازلها و تحت أشجارها و قبابها، أو في ظل رحمة الله، فيها كناية عن اختصاصه فيها برحماته الخاصة، قال في النهاية في الحديث: سبعة يظلهم الله بظله و في حديث آخر: سبعة في ظل العرش أي في ظل رحمته، و قال الكرماني في شرح البخاري أضافه إليه للتشريف أي ظل عرشه أو ظل طوبى أو ظل الجنة، و قال النووي: قيل: الظل عبارة عن الراحة و النعيم، نحو هو في عيش ظليل، و المراد و ظل الكرامة لا ظل الشمس، و قيل: أي كنه من المكاره و وهج الموقف.

باب أن الصاعقة لا تصيب ذاكرا

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): مجهول.

و الميتة

 (4) بالكسر حالة الموت و نوعه، قال في المصباح: الميتة بالكسر الحال و الهيئة، و مات ميتة حسنة، و قال:

الصاعقة

 (5) النازلة من الرعد و لا تصيب شيئا إلا دكته و أحرقته، و يدل على أن الصاعقة في حال الذكر لا يصيب المؤمن.

 (الحديث الثاني)

 (6): حسن كالصحيح.

من قرأ

مائة آية

 (7) أي في كل يوم و ليلة، أو في كل منهما، و يدل على أن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 136

الذكر الذي لا تصيبه الصاعقة أعم من أن يكون تحقيقا أو تقديرا، و الحاصل أنه إذا كان معدودا عند الله من الذاكرين لا من الغافلين لا تصيبه الصاعقة، أو يقال من قرأ في كل يوم مائة آية بشرائطها فهو بحيث لا يغفل عن الله إذا رجع إلى نفسه، و إن منعه شغل آخر عنه فهو أبدا في حكم الذاكر.

 (الحديث الثالث)

 (1): موثق‏

" و لا تصيب"

 (2) أي الصاعقة.

باب الاشتغال بذكر الله عز و جل‏

 (3) أي عن طلب الحاجة منه.

 (الحديث الأول)

 (4): حسن كالصحيح.

قيل: دل على أن من شغل بذكره تعالى خالصا من غير أن يجعله وسيلة للسؤال عن حاجته و قضائها قضى الله حاجته، و وجه التفضيل حينئذ ظاهر، و يمكن التعميم بحيث يشمل أيضا من أراد السؤال و نسيه، و أقول: يمكن حمله على أنه بعد النسيان صارت نيته خالصة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 137

 (الحديث الثاني)

 (1): موثق.

باب ذكر الله عز و جل في السر

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): مرسل.

" من ذكرني سرا"

 (4) أي في قلبه أو في الخلوة أو بالإخفات الذي يقابل الجهر

" ذكرته علانية"

 (5) أي في القيامة بإظهار شرفه و فضله أو توفير ثوابه أو في الملإ الأعلى كما مر، أو ذكره بالجميل في الدنيا على ألسن العباد، و قيل: لعل المراد به إظهار حاله و شرفه في المخلوقين من الملائكة و الناس أجمعين و قال بعضهم: الذكر ثلاثة ذكر باللسان، و ذكر بالقلب، و هذا نوعان أحدهما الفكر في عظمة الله سبحانه و جلاله و ملكوته و آيات أرضه و سمائه و الثاني ذكره عند أمره و نهيه فيمتثل الأمر و يجتنب النهي و يقف عند ما يشكل، و أرفع الثلاثة الفكر لدلالة الأحاديث الواردة على فضل الذكر الخفي و أضعفها الذكر باللسان، و لكن له فضل كثير على ما جاء في الآثار، و قيل: الخلاف إنما هو في الذكر بالقلب بالتهليل و التسبيح و نحوهما، و في الذكر باللسان به لا في الذكر الخفي الذي هو الفكر، و في الذكر باللسان، فإن الفكر لا يقاربه ذكر اللسان، فكيف يفاضل معه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 138

ثم هذا الخلاف إذا كان القلب في ذكر اللسان حاضرا، و أما إذا كان لاهيا فذكر اللسان لغو لا ذكر، فمن رجح ذكر القلب قال: لأن عمل السر أفضل، و من فضل ذكر اللسان قال: لأن فيه زيادة عمل الجوارح على عمل ذكر القلب، و زيادة العمل تقتضي زيادة الأجر، و اعترض عليه بأن ما ذكر من أنه لا بد من حضور القلب كأنه أراد به النية، فإن خلا الذكر عن النية فهو لغو ثم إن صحبته النية من الشروع إلى التمام فهو الغاية و المطلوب، و إن صحبته في الشروع و عزبت في الأثناء فالظاهر أنه إذا كان أصل العمل خالصا لله تعالى و على ذلك عقد فلا يضره ما يعرض من الخطرات التي تقع في القلب و لذلك اعتبروا النية الحكمية في الوضوء و الصلاة و نحوهما دون الفعلية.

أقول: فيما ذكر من الأسئلة و الأجوبة أنظار يطول الكلام بذكرها، ثم اختلفوا في أن ذكر القلب هل تعلمه الملائكة و تكتبه؟ فقيل: نعم، لأن الله تعالى يجعل عليه علامة، و قيل: لا لأنهم لا يطلعون عليه، و قد مر ما يؤيد الطرفين لا سيما في باب المصافحة.

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف.

و

الخصاف‏

 (2) كأنه الذي يخصف النعل و الآية وردت في المنافقين حيث قال:" إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى‏ يُراؤُنَ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 139

النَّاسَ" الآية، و في المجمع قاموا كسالى أي متثاقلين‏

" يُراؤُنَ النَّاسَ"

 (1) يعني أنهم لا يعملون شيئا من أعمال العبادات على وجه القربة و إنما يفعلون ذلك إبقاء على أنفسهم و حذرا من القتل و سلب الأموال، و إذا رأوهم المسلمون صلوا ليروهم أنهم يدينون بدينهم و إن لم يرهم أحد لم يصلوا

" وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا"

 (2) أي ذكرا قليلا، و معناه لا يذكرون الله عن نية خالصة، و لو ذكروه مخلصين لكان كثيرا و و إنما وصف بالقلة لأنه لغير الله عن الحسن و ابن عباس، و قيل: لا يذكرون إلا ذكرا يسيرا نحو التكبير و الأذكار التي تجهر بها و يتركون التسبيح و ما يخافت به من القراءة و غيرها عن الجبائي، و قيل: إنما وصف الذكر بالقلة لأنه سبحانه لم يقبله، و كلما يرد الله فهو قليل، و قال البيضاوي إِلَّا قَلِيلًا إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من يرائيه و هو أقل أفعاله أو لأن ذكرهم باللسان قليل بالإضافة إلى الذكر بالقلب، و قيل: المراد بالذكر الصلاة، و قيل: الذكر فيها فإنهم لا يذكرون فيها غير التكبير و التسليم.

 (الحديث الثالث)

 (3): مرفوع.

" اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي"

 (4) النفس هنا مجاز كما في قوله سبحانه:

" تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ" قال البيضاوي: تعلم ما أخفية في نفسي كما تعلم ما أعلنه، و لا أعلم ما تخفيه من معلوماتك، و قوله: في نفسك للمشاكلة، و قيل: المراد بالنفس الذات.

أقول: كون المراد بالنفس الذات عندي أظهر كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: أنت‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 140

كما أثنيت على نفسك و يقال: اختار الله لنفسه أسماء لأن النفس قد تطلق و يراد بها ما وضع الله في ذوات الأنفس من الحيوان و الإنسان يدعوه إلى ما يشتهيه من مثل الأكل و الشرب و الجماع، قال تعالى:" إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ" و قد يراد بها ذات الشي‏ء و عينه، تقول: اشتريت لنفسي و بنيت لنفسي، و مثله قولك: أخذته لنفسي و أخذت منه حق نفسي و لها معان غير ما ذكر أحدث بعضها المتفلسفون الباحثون في النفس و العقل و الروح، و قال الراغب: النفس الروح في قوله عز و جل" أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ" و قال تعالى:" وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ" و قوله تعالى:" تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ" و قوله عز و جل:

" وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ" فنفسه ذاته، و هذا و إن كان قد حصل من حيث اللفظ مضاف و مضاف إليه يقتضي المغايرة و إثبات شيئين من حيث العبارة، فلا شي‏ء من حيث المعنى سواه تعالى من الاثنوية من كل وجه، و قال بعض الناس: إن إضافة النفس إلى الله تعالى إضافة الملك، و يعني بنفسه نفوسنا و أضاف إليه على سبيل الملك، انتهى.

و قيل: النفس تطلق على الدم و على نفس الحيوان و على الذات و على الغيب. و منه قوله تعالى:" وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ" أي في غيبك و الأولان يستحيلان في حقه تعالى دون، و قيل: المراد بالذكر النفساني في قوله اذكر في نفسك ذكر لا يعرفه غير الذاكر، و في قوله: أذكرك في نفسي، جزاء ذلك الذكر يعني أجازيك و أرجعك لأجل الذكر، فسمي جزاء الذكر ذكرا و ليس المراد به الذكر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 141

المقابل للنسيان، لأن الذكر بهذا المعنى ثابت له تعالى سواء ذكره العبد أم لا، أو المراد أذكرك من حيث لا يطلع عليه أحد فإن العبد إذا ذكره تعالى بحيث لا يطلع عليه أحد كما قال تعالى:" فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ" فأخبر سبحانه بأنه انفرد بعلم بعض ما يجازي به عباده الصالحين.

أقول: لا ريب أن المراد بالذكر المواضع الذكر بالجميل، و بما يتضمن تعظيم المذكور لا مطلق الذكر

" اذكرني في ملإك"

 (1) قيل: إشارة إلى الذكر الجلي و يندرج فيه فعل الطاعات ظاهرا و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أيضا

" أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين"

 (2) أي أظهر ذكرك إياي للملائكة و الروحانيين ليثنوا عليك أو أظهر ثواب ذكرك لهم أو أظهر فضلك و شرفك على الإطلاق و قال في النهاية:

بصبص‏

 (3) الكلب بذنبه إذا حركة، و إنما يفعل ذلك من خوف أو طمع‏

" و كن في ذلك حيا"

 (4) أي كن حاضر القلب و لا تكن ساهيا غافلا فإن القلب الساهي الغافل عن ذكره تعالى و عن إدراك الحق ميت و القلب العاقل الذاكر حي، و قوله تعالى:" أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ"" و إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى‏" إشارة إلى هذين القلبين.

 (الحديث الرابع)

 (5): حسن كالصحيح.

" لا يكتب الملك إلا ما سمع"

 (6) أي من الأذكار فإن الملك يكتب غير المسموعات من أفعال الجوارح أيضا و الغرض بيان عظمة ذكر القلب لبعده عن الرياء فإنه لا يطلع عليه الملك فكيف سيره، و لا ينافي ذلك ما مر في باب من يهم بالحسنة و السيئة أن الملك يعرف قصد الحسنة و السيئة بريح نفس الإنسان، لأنه يمكن أن يكون ذلك لتعلقه بالأفعال الظاهرة الصادرة من الجوارح.

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 142

" و قال الله"

 (1) قيل: هذا بيان لعظمة ذكر القلب بوجهين: الأول أن في تتمة الآية" وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ" و تقديم ذكر القلب على القول يدل على رجحان عظمة ذكر القلب، و الثاني تخصيص التضرع و الخيفة بذكر القلب يدل على أن عمدة التضرع و الخيفة فيه لا في ذكر اللسان، و

قوله: فلا يعلم‏

 (2)، تفريع و يحتمل البيان.

و قال في مجمع البيان‏

" وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ"

 (3) خطاب للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و المراد به عام، و قيل: هو خطاب لمستمع القرآن، و المعنى" و اذكر ربك في نفسك بالكلام من التسبيح و التهليل و التحميد، و روى زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: معناه إذا كنت خلف إمام تأثم به فأنصت" و سبح" في نفسك يعني في ما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة، و قيل: معناه و اذكر نعمة ربك بالتفكر في نفسك و قيل:

أراد ذكره في نفسك بصفاته العليا و أسمائه الحسنى‏

" تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً"

 (4) يعني بتضرع و خوف يعني في الدعاء، فإن الدعاء بالتضرع و الخوف من الله تعالى أقرب إلى الإجابة و إنما خص الذكر بالنفس لأنه أبعد من الرياء عن الجبائي" وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ" معناه ارفعوا أصواتكم قليلا فلا تجهروا بها جهارا بليغا حتى يكون عدلا بين ذلك كما قال:" وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها" و قيل: إنه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه عن ابن عباس" بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ" أي بالغدوات و العشيات، و المراد به دوام الذكر و اتصاله و قيل:

إنما خص هذين الوقتين لأنهما حال فراغ الناس عن طلب المعاش فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب" وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ" عما أمرتك به من الدعاء و الذكر.

و قيل: إن الآية متوجهة إلى من أمر بالاستماع للقرآن و الإنصات و كانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالدعاء عند ذكر الجنة و النار، و في الآية دليل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 143

على أن الذين يرفعون أصواتهم عند الدعاء و يجهرون به مخطئون، انتهى.

و أقول: حاصل الخبر أن العمل إذا وقع موافقا لأمره سبحانه يترتب عليه الثواب قطعا و الذكر في النفس مما أمر الله به للآية، و الملك لا يكتب من الذكر إلا ما سمع و كان يمكنه سبحانه أن يضع لذلك علامة يعرفها الملك فيكتبه، فعدم ذلك دليل إما على شدة اعتنائه بهذا العمل حيث لم يكل ثوابه إلى غيره كوفور ثوابه بحيث لا يعرف ذلك غيره، كما قال تعالى:" فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ" و هذا الوجه في غاية الانطباق على الخبر و أحسن مما قيل فيه، و يؤيده عدم ذكر تتمة الآية فتفطن.

باب ذكر الله عز و جل في الغافلين‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن موثق.

قوله:" في المحاربين"

 (3) أي الهاربين أو الحاضرين في الحرب الذين لم يحاربوا و في بعض النسخ في الهاربين كما سيأتي، و قيل: كلمة" في" في الأول ظرفية، و في الثاني للسببية، أي كما أن حرب غير الفارين يدفع ضرر العدو عن الفارين لئلا يعاقبوهم، و كذلك ذكر الذاكرين يدفع ضرر الشيطان عن الغافلين.

و أقول: كان الغرض التشبيه في كثرة الثواب أو رفع نزول العذاب على الغافلين، و هو من قبيل تشبيه الهيئة بالهيئة أو المفرد بالمفرد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 144

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور و قد مر.

باب التحميد و التمجيد

 (2) قال الراغب: المجد السعة في الكرم و الجلالة و الكرم إذا وصف الله به، فهو اسم إحسانه و إنعامه المتظاهر نحو" فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" و أصل المجد من قولهم مجدت الإبل إذا حصلت في مرعى كثير واسع، و القرآن المجيد وصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية و الأخروية، و قوله: ذو العرش المجيد، لسعة فيضه و كثرة جوده، و التمجيد من العبد لله بالقول و ذكر الصفات الحسنة.

و أقول: مراده هنا الأدعية المشتملة على كثير من صفات الجلال و الإكرام‏

 (الحديث الأول)

 (3): مختلف فيه، و قال الشهيد الثاني (ره) و غيره: عدي سمع باللام مع أنه متعد بنفسه، لأنه ضمن معنى استجاب فعدي بما تعدى به كما أن قوله تعالى:" لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى‏" ضمن معنى يصفون تعدى بإلى، و قال السيد (ره) في المدارك: هذه الكلمة محتملة بحسب اللفظ للدعاء و الثناء، و في هذه الرواية تصريح بكونها دعاء، و قال في النهاية: في دعاء الصلاة

سمع الله لمن حمده،

 (4) أي أجاب حمده و تقبله: يقال: اسمع دعائي، أي أجب لأن غرض السائل الإجابة و القبول، و منه الحديث: اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 145

أي لا يستجاب، و لا يعتد به، فكأنه غير مسموع، انتهى.

و قال النووي في شرح صحيح مسلم: أي أجاب الله دعاء من حمده.

ثم اعلم أنه قد يستدل بهذا الخبر على وجوب قول سمع الله لمن حمده في الصلاة لأنه عليه السلام أخبر أن كل مصل يقوله، فمن لم يقله لا يكون مصليا، و إلا لزم الكذب في كلامه عليه السلام، و يرد عليه أنه يمكن أن يكون مبنيا على الغالب أو يكون المراد بالصلاة الكاملة منها

فقوله:" يقول"

 (1) استئناف بياني، و يحتمل أيضا أن يكون يقول جملة حالية فهو في قوة الجملة الشرطية كما قيل.

 (الحديث الثاني)

 (2): مجهول.

 (الحديث الثالث)

 (3): كالسابق.

 (الحديث الرابع)

 (4): حسن موثق.

و في أكثر النسخ‏

الحسين بن محمد

 (5) و الظاهر الحسن مكبرا لأن حميدا يروي عن الحسن بن محمد بن سماعة، و هو يروي عن أحمد الميثمي كما مر مرارا.

و لا تنافي بين هذا الخبر و بين الخبر السابق إلا أنه لم يذكر المساء في الخبر السابق، فيمكن أن يكون قوله عليه السلام. ثانيا بعد غروب الشمس، و هو داخل في‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 146

الليل، و يؤيده الخبر الآتي حيث قال شكر ليلته، و إن كان قد يطلق على ما بعد الزوال أو العصر.

فلا حاجة إلى ما قيل: هذا مفصل و السابق عليه مجمل، و المجمل يحمل على المفصل مع احتمال حمل السابق على أنه صلى الله عليه و آله و سلم كان يقول العدد المذكور في كل يوم، و حمل هذا على أنه كان يقوله في بعض الأيام مرتين، مرة في الصباح و مرة في المساء، و في لفظة إذا إشعار به لأنها للإجمال و المهملة في حكم الجزئية، انتهى.

ثم أنه في أكثر النسخ‏

لم ينم‏

 (1) بالنون أي لا يعتريه النوم من الوجع و في بعضها بالتاء أي لا يكون تام الصحة خاليا من المرض أو لا يتم أمره و لا يتأتى منه كما ينبغي، و اللام في الحمد إما للاستغراق أو للجنس، و اللام للملكية أو للاختصاص و على التقادير تدل على أن جميع النعم يرجع إليه و هو النعم على الإطلاق كما قال سبحانه" وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" و إن كان شكرا لوسائط أيضا حسنا للأمر به.

" و الرب"

 (2) في الأصل بمعنى التربية و هو تبليغ الشي‏ء إلى كماله شيئا فشيئا ثم وصف به للمبالغة، و قيل: هو نعت من ربه يربه فهو رب ثم سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه و يربيه، و لا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا كقوله:" ارْجِعْ إِلى‏ رَبِّكَ".

و العالم‏

 (3) اسم لما يعلم به كالخاتم و القالب غلب فيما يعلم به الصانع، و هو كل ما سواه من الجواهر و الأعراض فإنها لا مكانها و افتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدل على وجوده، و إنما جميع ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة، و غلب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 147

العقلاء منهم فجمعه بالياء و النون كسائر أوصافهم، و قيل: اسم لذوي العلم من الملائكة و الثقلين و تناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع، و قيل: عنى به الناس هيهنا فإن كل واحد منهم عالم من حيث أنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر و الأعراض يعلم بها الصانع كما يعلم بما أبدعه في العالم الكبير، و لذلك سوى في النظر فيهما. قال تعالى:" وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ".

" كثيرا"

 (1) أي أحمده حمدا كثيرا

على كل حال‏

 (2)، إذ ليس من حال إلا و له سبحانه على عبده نعم لا تحصى، بل ما نعده من المصائب و البلايا هو من نعمه تعالى، و هو المستحق للحمد في السراء و الضراء و الشدة و الرخاء.

 (الحديث الخامس)

 (3): ضعيف.

" فقد أدى شكر يومه"

 (4) من النعماء الواصلة إليه في ذلك اليوم، و الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها، و المدح هو الثناء على الجميل مطلقا و الشكر مقابلة النعمة قولا و عملا و اعتقادا فهو أعم منهما من وجه، و أخص من وجه آخر.

و لما كان الحمد من شعب الشكر أشيع للنعمة و أدل على مكانها لخفاء الاعتقاد و ما في آداب الجوارح من الاحتمال، جعل رأس الشكر و العمدة فيه فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: الحمد رأس الشكر، و ما شكر الله من لم يحمده فلذا اكتفى عليه السلام لشكر نعم اليوم بتكرير هذه الكلمة الجامعة لجميع المحامد.

و يخطر بالبال لخصوص هذا العدد أن أصول النعم إما دنيوية أو أخروية ظاهرة أو باطنة، كما قال سبحانه:" وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً" فتصير

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 148

أربعا، أو يقال: النعم إما إفاضة رحمة، أو عافية من بلية، و كل منهما إما في دين أو دنيا فتصير أربعا، و يؤيده ما روي عن الصادق عليه السلام بأسانيد قال: إذا أصبحت و أمسيت فقل عشر مرات اللهم ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد و لك الشكر بها علي حتى ترضى و بعد الرضا، فإنك إذا قلت ذلك كنت قر أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم و في تلك الليلة.

 (الحديث السادس)

 (1): ضعيف.

و في النهاية فيه: كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله‏

فهو أبتر،

 (2) أي أقطع، و التبر القطع انتهى.

و المراد به النقض أو القطع من أصله، أو القطع من القبول أو الصعود

" أنت الأول"

 (3) أي السابق على الأشياء كلها فإنه موجدها و مبدعها، و هو مفيد للحصر، فلذا فرع عليه‏

قوله: فليس قبلك شي‏ء

 (4)، و الآخر الباقي وحده بعد أن يفنى الخلق كلها، و قيل: أي الذي هو منتهى السلوك فإنه منه بدأ و إليه يعود، و قيل: الآخر بحسب الغايات و حصر الآخرية المطلقة بحسبها دل على أنه منتهى كل غاية، و مرجع كل حاجة، و لذلك فرع عليه‏

قوله: فليس بعدك شي‏ء

 (5)، إذ كل من بعده شي‏ء في سلسلة رفع المقامات و الحاجات ليس هو منتهاها.

و بالجملة أشار بالفقرة الأولى إلى أنه الأول باعتبار ابتداء الوجودات، و بالفقرة الثانية إلى أنه الآخر باعتبار انتهاء الغايات، فدائرة الإمكان تبتدئ منه في الوجود، و تنتهي إليه في الحاجة، و تلخيص القول في ذلك أن أوليته و آخريته‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 149

سبحانه تحتمل وجوها. الأول: أن يكون المراد الأسبقية بحسب الزمان، بناء على كون الزمان أمرا موهوما كما ذهب إليه المتكلمون، أو الزمان التقديري كما ذكره الطبرسي قدس سره، أي لو فرضنا و قدرنا قبل حدوث الزمان زمانا آخر كان الواجب تعالى أسبق و أقدم، إذا لقول بالزمان الموجود القديم مخالف لما أجمع عليه المليون من حدوث العالم، و كذا الآخرية المراد بها أنه الموجود بعد الأشياء بأحد المعنيين، فيدل على أنه سبحانه ينفي الأشياء جميعا و يوجدها قبل القيامة كما يدل عليه كثير من الآيات، و صرح به أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه المشهورة.

الثاني: أن يكون المراد بآخريته تعالى بقاؤه ذاتا و صفة، بحيث لا يتطرق إليه تغير و تحول من هيئة إلى هيئة و من حال إلى حال، و من صفة إلى صفة، و كل ما سواه في معرض الزوال و الفناء، و التغير كما مر في صحيحة ابن أبي يعفور و غيرها في كتاب التوحيد.

الثالث: أن يكون المراد بالأول القديم لا الأسبق، و بالآخر الأبدي فلا ينافي أبدية الجنة و النار و أهلهما، لكن لا بد من تكليف في التفريع و الحصر.

الرابع: أن يكون المراد بهما الأولية و الآخرية بحسب العلية، أي هو علة العلل و مبدء المبادئ، و هو الآخر أي غاية الغايات كما هو مصطلح الحكماء، أو أنه منتهى سلسلة العلل ذهنا فإنك إذا فتشت عن علة شي‏ء ثم عن علة علته ينتهي إليه سبحانه، فأوليته عين آخريته و لا يختلفان إلا بالاعتبار.

الخامس: أنه مبدء السلوك العارف و منتهاه، فإن بتوفيقه تعالى يبتدأ و إليه ينتهي، أو أنه أول الأشياء معرفة و أظهرها، و منتهى مراتب الكمال عرفانه على وجه الكمال بالنظر إلى كل استعداد و قابلية، و يقرب منه ما قاله بعض العارفين: هو الأول بحسن تعريفه، إذ لو لا فضله لما بدا لك من إحسانه ما عرفته،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 150

و الآخر بإكمال اللطف، و قيل: هو الأول بإحسانه و الآخر بغفرانه.

" و أنت الظاهر"

 (1) أي الغالب القادر على جميع الأشياء، فلما حصره فيه قال:

" فلا شي‏ء فوقك"

 (2) يغلبك و يقدر عليك، و قيل: أي الظاهر بالدلائل و الآثار، فليس فوقه شي‏ء في الظهور

" و أنت الباطن"

 (3) قال في النهاية: الباطن هو المحتجب عن أبصار الخلائق و أوهامهم، فلا يدركه بصر و لا يحيط به وهم، و قيل: هو العالم بما بطن، يقال: بطنت الأمر إذا عرفت باطنه، انتهى.

" فليس دونك شي‏ء"

 (4) أي في الخفاء ليس شي‏ء دونك يحول بينك و بين الأشياء، و الأظهر عندي أن المعنى ليس أقرب منك شي‏ء بالأشياء، قال الجوهري: يقال هذا دون هذا أي أقرب منه فهو مؤيد للمعنى الثاني للباطن، و ما قيل: إن المعنى ليس دونك شي‏ء لم يبلغه علمك، أو ليس غيرك شي‏ء تكون له تلك الصفة فلا يخفى ما فيهما.

و قال الطيبي في شرح المشكاة: الأول السابق على الأشياء كلها، و الآخر الباقي وحده بعد فناء الخلق" الظاهر" الجلي وجوده بآياته الباهرة في أرضه و سمائه" و الباطن" المحتجب كنه ذاته عن نظر الخلق بحجب كبريائه، و إليه أشار من قال: الأول قبل كل شي‏ء و الآخر بعد كل شي‏ء، و الظاهر بالقدرة و الباطن عن الفكرة، و قيل: الأول بلا مطلع، و الآخر بلا مقطع، و الظاهر بلا اقتراب و الباطن بلا حجاب.

قال الشيخ أبو حامد: اعلم أنه تعالى إنما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره، و ظهوره بسبب بطونه، و نوره هو حجاب نوره، و كل ما جاوز حده انعكس إلى ضده، و حظ العبد أن يهتم بأمره فيبتدر أوله و يدبر آخره، و يصلح باطنه و ظاهره.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 151

و قال الشيخ أبو القاسم: أشار بهذه الأسماء إلى صفات أفعاله فهو الأول بإحسانه، و الآخر بغفرانه، و الظاهر بنعمته، و الباطن برحمته، و قيل: هو الأول بحسن تعريفه، إذ لو لا فضله بما بدا لك من إحسانه لما عرفته و هو الآخر بإكمال اللطف كما كان أولا بابتداء العرف، و هو الظاهر بما يفيض عليك من العطاء و النعماء، و الباطن بما يدفع عنك من فنون البلاء، و صنوف اللأواء، و قيل: الظاهر لقوم فلذلك وحدوه، و الباطن عن قوم فلذلك جحدوه.

و للمفسرين أيضا كلمات في ذلك تركناها حذرا من الإطناب، و قال بعضهم:

احتجت المعتزلة به لمذهبهم أن الأجسام تفنى لأن معنى الآخر الباقي بعد فناء خلقه، و مذهب أهل السنة خلافه، و أن المراد الآخر بصفاته بعد ذهاب صفاتهم.

" و أنت العزيز الحكيم"

 (1) هما من أسمائه تعالى، و العزيز هو الغالب القوي الذي لا يغلب، و الرفيع المنيع الذي لا يعادله شي‏ء و لا يماثله أحد، و العزة في الأصل القوة و الشدة و الغلبة، يقال: عز يعز بالكسر إذا صار عزيزا، و بالفتح إذا اشتد، و الحكيم هو الذي يقضي بالحق، و الذي يحكم الأشياء و يتقنها بأكمل التقدير و أحسن التقدير و التصوير، و الذي لا يفعل القبيح و لا يخل بالأصلح و الذي يضع الأشياء في مواضعها و الذي يعلم الأشياء كما هي.

 (الحديث السابع)

 (2): كالسابق.

" الحمد لله الذي علا"

 (3) أي فوق الممكنات بالشرف و الرتبة و العلية، و القدرة و القوة، فقهرهم بالإيجاد و الإفناء، و غلبهم بالأعدام و الإبقاء، فلا يملكون المنع و الدفع، و لا الضرر و لا النفع، و قيل: علوه تعالى عبارة عن تنزهه عن صفات المصنوعين و سمات المخلوقين، و عن الأشباه و الأضداد، و الامتثال و الأنداد، فتفرع القهر عليه ظاهر، و قيل: التفريع باعتبار علم الخلائق، فهو من قبيل تفريع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 152

المدلول على الدليل و مفعول القهر محذوف ليفيد العموم، أي‏

فقهر

 (1) كل شي‏ء، و الأظهر أن الفاء للتفريع أي علوه بالذات و الصفات على جميع الممكنات صار علة لقهره جميع من دونه من المخلوقات على ما أراد.

" و الحمد لله الذي ملك"

 (2) جميع الأشياء بنفوذ إرادته في كل ما أراد

" فقدر"

 (3) و اختص بالقدرة الكاملة المطلقة و أما غيره سبحانه فإذا اتصف بالقدرة من جهة اتصف بالعجز من جهة أخرى، فلا يتصف بالقدرة على الإطلاق إلا الحكيم الخلاق.

و عن بعض المحققين أن الملك الحق هو الغني مطلقا في ذاته و صفاته عن كل ما سواه، و يحتاج إليه كل ما سواه إما بواسطة أو بغيرها، فهو المالك و الملك بالحقيقة، و كل ما سواه ممكن محتاج في وجوده و سائر صفاته إلى غيره، فليس الملك و المالك حقيقة إلا هو تبارك و تعالى.

و قيل: أي ملك رقاب الأكاسرة و أعناق القياصرة و ذمام المخلوقات، و تمام المصنوعات فقدر على إمضاء ما أراد و إجراء ما شاء عليهم من الإحياء و الإماتة، و الإبقاء و الإزالة، و الصحة و السقم و غيرها من الأمور المعلومة لنا و غير المعلومة.

" و الحمد لله الذي بطن فخبر"

 (4) قال الوالد قدس سره: أي علم بواطن الأمور فجازاهم بعلمه، أو أنه لتجرده علم بواطن الأمور كما قال تعالى:" أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" و قال في النهاية: الخبير هو العالم بما كان و بما يكون، خبرت الأمر أخبره إذا عرفته على حقيقته، و قال غيره: الخبير العليم بالخفايا الباطنة يحيي الموتى بعد إماتتهم في القبر و الحشر، أو الأعم الشامل لإحياء المواد الحيوانية بإفاضة الأرواح، أو بإحياء الأرض أيضا بعد موتها بالنبات، و إحياء القلوب الميتة بإفاضة المعارف الإيمانية.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 153

باب الاستغفار

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

" خير الدعاء الاستغفار"

 (3) لأن الغفران أهم المطالب و أعظمها، أو لأنه يصير سببا لرفع السيئات التي هي أعظم حجب إجابة الدعوات.

 (الحديث الثاني)

 (4): ضعيف.

يقال‏

تلألأ

 (5) البرق إذا لمع.

 (الحديث الثالث)

 (6): مجهول على المشهور حسن عندي لأن ياسرا كان خادم الرضا عليه السلام و هو مدح عظيم، و له مسائل عنه عليه السلام و هو أيضا لا يخلو من مدح.

" تحرك"

 (7) على بناء المفعول من التفعيل، و الضمير للشجرة

" فتتناثر"

 (8) أي الورق فشبه عليه السلام الهيئة المنتزعة من الاستغفار و سقوط السيئات به بهيئة شجرة تحركه الريح أو إنسان في فصل الخريف فتفرق منه الأوراق و تنتثر، في القاموس:

نثر الشي‏ء ينثره و ينثره نثرا و نثارا رماه متفرقا كنثره فانتثر، و تنثر و تناثر،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 154

ثم بين عليه السلام أن الاستغفار إنما ينفع مطلقا أو كاملا إذا لم يكن مع الإصرار و التهاون بالذنب، و عدم الندامة، فإنه مع ذلك شبيه و العياذ بالله بمن يستهزئ بربه.

 (الحديث الرابع)

 (1): ضعيف على المشهور.

" و إن خف"

 (2) أي كان زمان جلوسه صلى الله عليه و آله و سلم قليلا و قد مر بعض الكلام في معنى استغفارهم عليهم السلام، و قيل: دعاؤه و استعاذته و استغفاره صلى الله عليه و آله و سلم مع معافاته و عصمته إنما هو تعليم للخلق، و إبلاغ في العبودية و الخوف، و قيل: قد كان يحصل له فترات و غفلات من الذكر الذي شأنه الدوام عليه، فعد ذلك ذنبا و استغفر منه، و قيل: كان استغفارا لأمته بسبب ما اطلع عليه من أحوالهم، كما روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أن الله تعالى حملني ذنوب شيعة علي فغفرها لي، و قيل: سببه النظر في مصالح أمته و أمورهم و محاربة العدو و مداراتهم و تأليف المؤلفة و نحو ذلك من معاشرة الأزواج و الأكل و الشرب و النوم و ذلك مما يحجبه و يحجزه عن عظيم مقامه فرآه ذنبا بالنسبة إلى ذلك المقام العلي و هو حضوره في حضرة القدس و مشاهدته و مراقبته و فراغه مع الله مما سواه فيستغفر لذلك و إن كانت تلك الأمور من أعظم الطاعات.

و قيل: سببه تغشى السكينة قلبه لقوله تعالى:" فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى‏ رَسُولِهِ" فالاستغفار لإظهار العبودية و الافتقار و الشكر لما أولاه، و قيل: سببه حالات حسنة و افتقار، فالاستغفار شكر لها قال المحاسبي: خوف المقربين خوف إجلال و إعظام، و قيل: سببه شي‏ء يعتري القلوب الصافية مما يحدث في النفس‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 155

من الملالة و الحديث و الغفلة فيشوشها.

و قد مر أن أحسن الوجوه في ذلك وجهان خطرا ببالي.

الأول: أنهم عليهم السلام لما كانوا أبدا مترقين في مراتب القرب و الحب و العرفان و الإيقان و لعله يحصل لهم ذلك في كل يوم سبعين مرة أو أكثر، فلما صعدوا درجة استغفروا من الدرجة السابقة و إن كانت فوق متمنيات جميع العارفين و الواصلين.

و الثاني: أنه لما كان الممكن و أعماله و أحواله كلها في درجة النقص و كل كمال حصل فيهم فهو من مفيض الخيرات و السعادات، فإذا نظروا إلى عظمته سبحانه على ما تجلت لهم في مراتب عرفانهم و إلى عجزهم عن الإتيان بما يليق بذاته الأقدس عدوا أنفسهم مقصرين في المعرفة و العبادة، فقالوا سبحانك ما عرفناك حق معرفتك و ما عبدناك حق عبادتك و أوقفوا أنفسهم الكاملة في حد التقصير، و استغفروا لجميع ذلك من العليم الخبير و لي في ذلك تحقيقات جليلة لا يناسب فهم أكثر الخلق فاكتفيت بالقليل عن الكثير، و أستغفر الله سبحانه مما أبديته في هذا المقام الخطير.

 (الحديث الخامس)

 (1): حسن كالصحيح.

 (الحديث السادس)

 (2): مجهول.

" قال الله"

 (3) أقول: قال تعالى قبل هذه الآية" فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 156

تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ" ثم قال:

" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ".

 (1) قال في مجمع البيان قال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى أقم على هذا العلم و أثبت عليه، و أعلم في مستقبل عمرك ما تعلمه الآن، و يدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: من مات و هو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة.

و قيل: إنه يتعلق بما قبله على معنى إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا إله إلا الله، أي يبطل الملك عند ذلك فلا ملك و لا حكم لأحد إلا الله.

و قيل: إن هذا إخبار بموته عليه السلام، و المراد فاعلم أن الحي الذي لا يموت هو الله وحده، و قيل: أنه صلى الله عليه و آله و سلم كان ضيق الصدر من أذى قومه، فقيل له: فاعلم أنه لا كاشف لذلك إلا الله‏

" وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ"

 (2) الخطاب له و المراد به الأمة، و إنما خوطب عليه السلام بذلك لتستن أمته بسنته، و قيل: أن المراد بذلك الانقطاع إلى الله تعالى، فإن الاستغفار عبادة يستحق به الثواب.

و قد صح الحديث بالإسناد عن حذيفة قال: كنت رجلا ذرب اللسان على أهلي، فقلت: يا رسول الله إني لأخشى أن يدخلني لساني النار، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:

فأين أنت من الاستغفار، إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة و قال تعالى بعد ذلك:

" وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ" قال الطبرسي: أكرمهم الله بذلك إذ أمر نبيهم أن يستغفر لذنوبهم، و هو الشفيع المجاب فيهم.

و قال البيضاوي: أي إذا علمت سعادة المؤمنين و شقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية و تكميل النفس بإصلاح أحوالها و أفعالها و يفصحها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 157

بالاستغفار لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات و لذنوبهم بالدعاء لهم و التحريص على ما يستدعي غفرانهم، و في إعادة الجار و حذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم و لكثرة ذنوبهم و أنها جنس آخر فإن الذنب ما له تبعة ما بترك الأولى.

فإذا عرفت هذا فاستشهاده عليه السلام بالآية إما لكون كثرة الذكر سببا لزيادة العلم و اليقين، أو لأن المراد بالآية القول مع العلم أو القول فقط، لظهور حصول العلم في المخاطب، أو المراد الاستدامة على هذه العقيدة و أعظم أسبابها تكرار الذكر.

و الأفضلية إما لاختيارهما للرسول صلى الله عليه و آله و سلم أو للتفريع على ما سبق في الآيات من ذكر القيامة فعلم أن أنهما أنفع الأشياء لها، أو لما كان هي أهم العقائد فما يدل عليه أفضل الأذكار.

باب التسبيح و التهليل و التكبير

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح.

" من سياق مائة بدنة"

 (3) أي استصحابها من الميقات لإحرام الحج أو العمرة لتذبح في منى أو مكة، و فيه فضل عظيم و قد ساق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في عمره الحديبية و في حجة الوداع و إنما أطلق عليه السياق لأنها لا تركب و لا تحمل لأنها إنما سيقت لله، و مع الإشعار و التقليد خرجت عن ملكه، فإنما تساق لتذبح لله في محله.

و البدنة تطلق غالبا على الإبل، قال في المصباح: البدنة قالوا هي ناقة أو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 158

بقرة، و زاد الأزهري: أو بعير ذكر، و لا تقع البدنة على الشاة.

و قال بعض الأئمة: البدنة هي الإبل خاصة، و يدل عليه قوله تعالى:" فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها" سميت بذلك لعظم بدنها و إنما ألحقت البقرة بالإبل بالسنة و هو قوله عليه السلام تجزئ البدنة عن سبعة، و البقرة عن سبعة، إذ لو كانت البدنة بالوضع تطلق على البقرة لما شاع عطفها، لأن المعطوف غير المعطوف عليه، و نقل البغوي أيضا: أن البدنة لا تطلق على الشاة، قالوا: و إذا أطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير ذكرا كان أو أنثى.

" من حملان مائة فرس"

 (1) الحملان بضم الحاء و سكون الميم مصدر أي من أن يركب و يحمل مائة إنسان على مائة فرس تامة الأدوات قال في النهاية في حديث تبوك قال أبو موسى: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أسأله الحملان، الحملان مصدر حمل يحمل حملانا و ذلك أنهم أنفذوه يطلب منه شيئا يركبون عليه، و منه تمام الحديث قال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ما أنا حملتكم و الله حملكم، أراد إفراده تعالى بالمن عليهم، و قيل: لما ساق الله إليه هذه الإبل وقت حاجتهم كان هو الحامل لهم عليها.

قوله عليه السلام" بسرجها"

 (2) كذا فيما عندنا من النسخ فيدل على أنه يجمع السرج على السرج بضمتين، و لم أجده في كتب اللغة و قال في المصباح: سرج الدابة معروف و جمعه سروج، مثل فلس و فلوس، و السراج المصباح، و الجمع سرج، مثل كتاب و كتب، و قال:

اللجام‏

 (3) للفرس قيل: عربي، و قيل: معرب و الجمع لجم مثل كتاب و كتب.

و في القاموس:

الركاب‏

 (4) من السرج كالغرز من الرحال، و الجمع ككتب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 159

و قال: الغرز ركاب من جلد، و قيل: في قوله: إلا من زاد تنبيه على أن ما زاد على هذا العدد يكون له الأجر بحساب ذلك، لأنه ليس من العبادات التي نهى الشارع عن الزيادة في عددها فيه نظر.

" كان أفضل الناس عملا"

 (1) أي ليس أحد أفضل منه لأن من عمل مثل فعله لم يكن هذا أفضل منه إلا أن يقال أنه داخل في المفضل، فالمفضل عليه غيره.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ"

 (2) ظاهره أن الفقراء لا يبلغون فضل الأغنياء مع أن ثواب فقرهم و صبرهم عليه عظيم كما مر في الأخبار الكثيرة و أيضا قد دلت الأخبار على أن من تمنى شيئا من الخير و لم يتيسر له يمنحه الله الكريم ثواب ذلك، فيمكن أن يكون عدم ذكر ذلك لهم ليكون أعظم لأجرهم أو لتأديبهم بترك ما يوهم الحسد، و عدم الرضا بقضاء الله، و قيل: ظاهره تفضيل الغناء على الفقر لأنه لما استووا في عمل الذكر و اختص الأغنياء من العبادات المالية بما عجز الفقراء عنه قال" ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ" فالإشارة بذلك إلى الفضل الذي اختصوا به، و إنما قلنا ظاهر في ذلك لإمكان أن يجعل سبق الفقراء بالذكر المذكور و تقدمهم على الأغنياء فضيلة اختصوا بها دون الأغنياء، و يجعل ذلك إشارة إليها فيفيد تفضيل الفقر على الغناء لكنه عدول عن الظاهر. و لا يمكن ترجيح هذا بقوله كان أفضل الناس عملا ذلك اليوم إلا من زاد بناء على حمل الناس على العموم و حمل الزيادة على الزيادة في الذكر، فمن اتصف بالزيادة المالية داخل في المفضل عليه، و غير خارج بالاستثناء لأنا نمنع عموم الناس لأنه يستلزم تفضيل الشي‏ء على نفسه، بل المراد به من لم يماثله في الذكر، و نمنع أيضا تخصيص الزيادة بالزيادة في الذكر، لجواز أن يكون المراد بها الزيادة المطلقة الشاملة للزيادة في الذكر و غيره من الأعمال التي تشتمل الحقوق المالية.

و لبعض الأفاضل في تحقيق الفقر و الغناء كلام لا بأس أن نورده في هذا المقام،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 160

و هو أن الفقر و الغناء ثلاثة.

الأولى: الغني و الفقير اللذين يفعل كل منهما الواجب عليه فقط.

الثانية: أن يفعل كل منها ما هو مقدوره كان يصبر الفقير و يؤثر على غيره و يحج الغني و يعتق و يتصدق.

الثالثة: الفقر و الغناء وصفان كليان من حيث كون كل منهما قابلا للأمر إما الغناء فقابل لتحصيل القرب بالمالية، و أما الفقر فقابل للصبر، و كل واحد من هذه الثلاثة يصح أن يكون محلا للخلاف، أما الأولى فلأنه يمكن أن يقال فيها هل فضل القربات المالية الواجبة أرجح من صبر الفقير أو صبره أرجح، و أما الثانية و هي الأنسب بهذا الحديث، فكذلك بنحو ما تقدم، و أما الثالثة فكذلك فإنه يصح أن يقال هل قابلية فعل الخيرات و القربات المالية أرجح من قابلية تحصيل الصبر و السلامة من عهدة الغناء و تكاليفه أو العكس فتأمل، و رجح بحسب ما ظهر لك من الروايات و غيرها، انتهى.

و أقول: الأظهر عندي أن الفقر و الغناء و الصحة و القسم و العزة و الذلة و الشهرة و الخمول و سائر تلك الأحوال المتقابلة لكل منها جهات كثيرة و مختلف.

بحسب الأحوال و الأشخاص و الأزمان، و لا يعلم جميع ذلك إلا علام الغيوب، و لا يفعل شيئا من ذلك بعباده بلطفه الشامل إلا ما علم صلاحهم فيه بعلمه الكامل، فوظيفة العبد أن يكل جميع ذلك إلى مولاه، و يتوكل عليه و يرضي بقضائه، و يصبر على بلائه و يشكره على نعمائه، و لا يختار لنفسه ما لا يعلم عاقبته، فالغني للغني أصلح، و إلا لم يفعله به مولاه، و الفقر للفقير أفضل و إلا لم يفعله به من خلقه و رباه و هكذا جميع أحوال العالمين" فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 161

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور صحيح عندي.

و أفضلية التهليل لدلالتها على التوحيد الكامل، و التكبير لدلالتها على الاتصاف بجميع الصفات الكمالية، و التنزه عن جميع سمات النقص على وجه لا يصل إليه العقول، و الأفهام فهما متضمنان لمعرفة الله الملك العلام على وجه الكمال، و التمام.

 (الحديث الثالث)

 (2): ضعيف على المشهور.

" التسبيح نصف الميزان"

 (3) قيل: لعل السر في ذلك، إن لله سبحانه صفات ثبوتية جمالية، و صفات سلبية جلالية، و إنما يملأ ميزان العبد بالإتيان بهما جميعا، و التسبيح إتيان بالثانية فحسب فهو نصف الميزان، و التحميد إتيان بهما جميعا لوروده على كل ما كان كمالا فهو يملأ الميزان، و هما لا يتجاوزان ميزان العبد لأنهما إنما يكونان منه بقدر فهمه و علمه و معرفته، و أما التكبير فلما كان تفضيلا مجملا يكفي فيه العلم الإجمالي بالمفضل عليه، فهو يملأ ما بين السماء و الأرض.

و قيل:

الحمد لله يملأ الميزان‏

 (4) إما بنفسه أو مع التسبيح، فهو على الأول ضعف التسبيح، و على الأخير مثله، و من طريق العامة الحمد لله يملأ الميزان، قال المازري: الحمد ليس بجسم فيقدر بمكيال و يوزن بمعيار، فقيل هو كناية عن تكثير العدد أي حمدا لو كان يقدر بمكيال، و يوزن بميزان لملأه، و قيل هو لتكثير أجوره، و قيل هو على التعظيم و التفخيم لشأنه، و قد جاء من طريق العامة أن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 162

الميزان له كفتان، كل كفة طباق السماوات و الأرض. و جاء أيضا أن الحمد لله يملأه، و قيل: القول الأول- و هو أنه لتكثير العدد- أظهر لمجي‏ء سبحان الله عدد خلقه، و ظاهر أنه لتكثير العدد.

 (الحديث الرابع)

 (1): صحيح.

و في المصباح‏

غرست‏

 (2) الشجرة غرسا من باب ضرب، فالشجر مغروس، و يطلق عليه أيضا غرس، و قال: الحائط البستان، و قال:

ينعت‏

 (3) الثمار ينعا من بابي نفع و ضرب أدركت، و الاسم الينع بضم الياء و فتحها فهي يانعة، و أ ينعت بالألف مثله انتهى. و نسبة الإيناع هنا إلى الشجرة مجازا و أستعير لوصول الشجرة حد الإثمار،" و أبقى (أي أبقى ثمرا أو أصل الشجرة

" على فقراء المسلمين"

 (4) إما متعلق بالصدقة، أو بالمقبوضة أهل الصدقة بدل من الفقراء، أو صفة لها أي ممن يستحق أخذ الزكاة.

و أقول: المشهور أن سورة الليل مكية، و هذا الخبر يدل على أنها مدنية، و يؤيده ما رواه الطبرسي (ره) بإسناده عن ابن عباس، أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال، و كان الرجل إذا جاء فدخل الدار و صعد النخلة ليأخذ منها التمر فربما سقطت التمرة، فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرجل من النخلة حتى يأخذ التمر من أيديهم، فإن وجدها في فم أحدهم أدخل إصبعه حتى يخرج التمر من فيه، فشكى ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و أخبره بما يلقى من صاحب النخلة، فقال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اذهب، و لقي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم صاحب النخلة، فقال: تعطني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان، و لك بها نخلة في الجنة فقال له الرجل: إن لي نخلا كثيرا، و ما فيه نخلة أعجب إلى ثمرة منها، قال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 163

ثم ذهب الرجل فقال رجل كان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، يا رسول الله أ تعطيني بما أعطيت الرجل نخلة في الجنة أن أنا أخذتها، قال نعم، فذهب الرجل و لقي صاحب النخلة فساومها منه، فقال له أ شعرت إن محمدا أعطاني بها نخلة في الجنة فقلت له: يعجبني ثمرها، و أن لي نخلا كثيرا فما فيه نخلة أعجب إلى ثمرة منها، فقال له الآخر: أ تريد بيعها فقال: لا، إلا أن أعطي بها ما لا أظنه أعطي، قال: فما مناك، قال: أربعون نخلة، فقال الرجل: جئت بعظيم، تطلب نخلتك المائلة، أربعين نخلة، ثم سكت عنه، فقال له: أنا أعطيك أربعين نخلة، فقال له، أشد إن كنت صادقا، فمر إلى ناس فدعاهم فأشهد له بأربعين نخلة، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: يا رسول الله، إن النخلة قد صارت في ملكي، فهي لك فذهب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى صاحب الدار، فقال له: النخلة لك و لعيالك، فأنزل الله تعالى" وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏" السورة.

و عن عطاء قال: اسم الرجل، أبو الدحداح، ثم قال: و الأولى أن تكون الآيات محمولة على عمومها في كل من يعطي حق الله في ماله، و كل من يمنع حقه سبحانه.

و روى العياشي ذلك بإسناده، عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال" فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏" مما أتاه الله،" وَ اتَّقى‏ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‏" أي بأن الله يعطي بالواحد عشرا إلى أكثر من ذلك، و في رواية أخرى إلى مائة ألف فما زاد" فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏" قال لا يريد شيئا من الخير إلا سير الله له" وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ" بما أتاه الله" وَ اسْتَغْنى‏ وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏" بأن الله يعطي بالواحد عشرا إلى أكثر من ذلك،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 164

و في رواية أخرى إلى مائة ألف فما زاد" فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏" قال لا يريد شيئا من الشر إلا يسر له قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام" وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى" أما و الله ما تردى من جبل، و لا تردى من حائط، و لا تردى في بئر، و لكن تردى في نار جهنم.

فعلى هذا يكون‏

قوله" وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‏"

 (1) معناه بالعدة الحسنى و قيل بالجنة التي هي ثواب المحسنين.

و قوله" فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏"

 (2) معناه فستهون عليه الطاعة مرة بعد مرة، و قيل معناه سنهيؤه، و نوفقه للطريقة اليسرى، أي سنسهل عليه فعل الطاعة حتى يقوم إليه بجد، و طيب نفس، و قيل معناه ينسره للخصلة اليسرى أو للحالة اليسرى و هي دخول الجنة، و استقبال الملائكة إياه بالتحية، و البشرى.

" وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ" أي منن بماله الذي لا يبقى له، و بخل بحق الله فيه،" وَ اسْتَغْنى‏" أي التمس الغناء بذلك المنع لنفسه، و قيل: معناه أنه عمل عمل من هو مستغن عن الله، و عن رحمته" وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏" أي بالجنة، و الثواب، و الوعد بالخلف" فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏" هو على مزاوجة الكلام، و المراد به التمكين، أي تخلى بينه و بين الأعمال الموجبة للعذاب، و العقوبة.

 (الحديث الخامس)

 (3): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 165

باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح.

" و أوشك"

 (3) مبتدأ مضاف إلى الدعوة،

و أسرع‏

 (4) معطوف عليه، و المضاف محذوف أي و أسرعها، و إجابة غير كما قيل: و يحتمل أن يقرأ كلاهما بالإضافة فيقدر قوله و إجابته في أخر الكلام بقرينة أول الكلام، أي هذا الدعاء أقرب الدعوات من الله، و إجابته أسرع الإجابات، و يمكن أن يقرأ كلاهما بالتمييز فيكون دعاء المرء مبتدأ، و أوشك خبره، و المراد بالدعوة الحصول أو السماع مجازا، و على التقادير السابقة إما أسرع تأكيد لأوشك، أو المراد بأوشك مزيد التوفيق للدعاء، أو المراد أنه إذا دعي للأخ لا يحتاج إلى المبالغة و التطويل لحصول الإجابة بل يكفيه أيسر دعاء

بظهر الغيب‏

 (5)، أي في حاله مستظهرا بذلك متقويا به.

قال في النهاية: فيه" خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى، و الظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام، و تمكينا كان صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال، تقول: قرأت القرآن على ظهر قلبي، أي قراءة من حفظي.

و قال في المصباح: قيل: ظهر الغيب، و ظهر القلب، و المراد نفس الغيب و نفس القلب، لكنه أضيف للإيضاح، و البيان، و قال النووي دعا بظهر الغيب، أي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 166

بغيبة المدعو، و في سر، و قال الطبيبي إنما كان أسرع إجابة، لأنه أقرب إلى الإخلاص، و يعينه الله في دعائه، لأن الله تعالى في عون العبد ما دام في عون أخيه، و أقول: الباء بمعنى في.

 (الحديث الثاني)

 (1): صحيح، و في القاموس أدرت الريح السحاب حلبته.

 (الحديث الثالث)

 (2): ضعيف.

" وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا"

 (3) قال البيضاوي: أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في و إذا كالوهم، و المراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة، فإنها كدعاء و طلب لما يترتب عليه، أو يستجيبون الله بالطاعة إذا دعاهم إليها،" وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ" على ما سألوا، أو استحقوا و استوجبوا له بالاستجابة.

و قال الطبرسي (ره): أي يجيبهم إلى ما يسألونه، و قيل: معناه يجيبهم في دعاء بعضهم لبعض، عن معاذ بن جبل، و قيل: معناه يقبل طاعاتهم و عباداتهم، و يزيدهم من فضله على ما يستحقونه من الثواب، و قيل: معناه و يستجيب الذين الذين آمنوا، بأن يشفعهم في إخوانهم، و يزيدهم من فضله، و يشفعهم في إخوان إخوانهم عن ابن عباس.

و روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: في‏

قوله" وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ"

 (4) الشفاعة لمن وجب له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا" هو المؤمن" الضمير راجع إلى الموصول، و اللام في المؤمن للعهد الذهني، و لذا وصف بالحكمة و هو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 167

يدعو لأنه في قوة النكرة، و قوله" يقول" كلام الإمام عليه السلام و قيل هو كلام الملك للخبر الآتي، و لا حاجة إلى هذا التكلف فإنه يمكن الجمع بين قول الله و قول الملك، و عدم الذكر لا يدل على العدم، و يحتمل أن يكون ما في الخبر الآتي كلام ملك أخر.

قوله" و قد أعطيت ما سألت"

 (1) أي لأخيك فيكون امتنانا عليه باستجابة دعائه في حق أخيه، أو المعنى أعطيناك ما سألت لأخيك مضاعفا لحبك إياه، و قيل:

الأخ شامل للواحد و الجماعة من المؤمنين أحياء كانوا أم أمواتا، و الظاهر من الملك هو الموكل به لكتب أعماله و حفظه عن الشياطين، كما دل عليه الخبر الآتي، و قيل: المراد به ملائكة السماء، و قيل: إذا قال الملك الموكل به ذلك قاله من فوقه حتى ينتهي إلى ملائكة السماء، و قيل: المراد به الملائكة المستغفرون لمن في الأرض كما جعل الله سبحانه ملائكة يصلون على من يصلي على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و ملائكة يدعون لمن ينتظر الصلاة، كذلك جعل ملائكة يؤمنون على دعاء المؤمنين و ما منهم إلا و له مقام معلوم.

و اختلفوا في أن آمين هل هو دعاء أم لا، فقيل: بالثاني لأنه اسم للدعاء و هو اللهم استجب و الاسم مغاير لمسماه، و قيل: بالأول لأنها اسم فعل، و أسماء الأفعال أسماء لمعاني الأفعال لا لألفاظها، كما حققه الشيخ الرضي، و من أدلته أن العرب تقول صه مثلا، و تريد معنى اسكت، و لا يخطر ببالهم لفظة اسكت بل قد لا تكون مسموعة للقائل أصلا.

 (الحديث الرابع)

 (2): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 168

" و أسرع"

 (1) أفعل تفضيل و هو مبتدأ و

" نجحا"

 (2) تميز، و

" للإجابة"

 (3) صفة لقوله نجحا، أو متعلق به، و ما قيل- إن أسرع فعل ماض و الدعاء منصوب،

و دعاء الأخ‏

 (4) مرفوع بالفاعلية- بعيد و" النجح" بالضم الظفر بالشي‏ء، و

قوله" و لك مثلاه"

 (5) إما خبر أو دعاء.

و لا ينافي ذلك ما سيأتي أنه نودي من العرش و لك مائة ألف ضعف، لأن الضعف بمقتضى دعائه، و الزائد تفضل منه تعالى لمن يشاء، كما قيل: أو لأن الضعف أقل المراتب، و مائة ألف ضعف أكثرها، و بينهما مراتب متفاوتة بحسب تفاوت الداعي و المدعو له، و قيل: يحتمل أن تكون علة الضعف أن الدعاء للغير يتضمن عملين صالحين، أحدهما: الدعاء و الضراعة إلى الله تعالى، و الثاني: دعاؤه لأخيه و محبته له، و طلب الخير له، و لذلك كان هذا الدعاء مستجابا يؤجر عليه مرتين.

ثم بعض السلف كان إذا أراد أن يدعو لنفسه بشي‏ء دعا لأخيه المؤمن بتلك الدعوة، طمعا لحصول المطلوب مع زيادة لما رأى أنها مستجابة، و يدل عليه فعل عبد الله بن جندب كما سيجي‏ء، و كان بعضهم يقول: هذا خلاف الأولى، و الأولى أن يدعو لنفسه و لغيره، ثم الدعاء على الغير ليس مثل الدعاء له في تأمين الملك و طلب المثلين عليه.

 (الحديث الخامس)

 (6): مجهول.

" إلا رد الله"

 (7) أي يتضاعف ما سأل لهم، بعدد جميع المؤمنين الذين كانوا في الدنيا، و يكونون بعد ذلك، فيعطى جميع ذلك و

" سحبه"

 (8) كمنعه جره على وجه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 169

الأرض و منه سحب ذيله فانسحب، و

" التشفيع"

 (1) قبول الشفاعة.

 (الحديث السادس)

 (2): حسن كالصحيح.

و

" الموقف"

 (3) في الأول اسم مكان، و المراد به عرفات، و في البقية مصدر ميمي و

عبد الله بن جندب‏

 (4) بضم الجيم، و سكون النون، و ضم الدال و فتحها، من ثقات أصحاب الصادق، و الكاظم، و الرضا عليهم السلام، و لجلالته و علو شأنه قال عليه السلام مناسبا لحاله، إن دعاءه يضاعف مائة ألف ضعف، كما عرفت في وجه الجمع، و في المصباح‏

صدرت‏

 (5) عن الموضع صدرا، من باب قتل رجعت.

 (الحديث السابع)

 (6): مجهول و يمكن أن يعد حسنا.

" مثل ما سألت"

 (7) و في بعض النسخ مثلي بالتثنية في الموضعين، و لعل‏

قوله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 170

" و لك الفضل عليه"

 (1) يؤيد الأفراد أي و إن كنت في العطاء، و الثناء مثله، لكن لك الفضل عليه، حيث أحسنت إليه، و صرت سببا لحصول ما سألت له، و على نسخة التثنية أيضا لعله هو المراد، و على النسختين، يحتمل أن يكون إشارة إلى تضاعف العطاء، و الثناء فلا تنافي نسخة الإفراد، سائر الأخبار الدالة على تضاعف ما سأل، و أما في الثناء فالفضل ظاهر فإنه لا نسبة بين ثناء الله في الملإ الأعلى، و ثناء العبد في الأرض و

" المستر"

 (2) على بناء المجهول من التفعيل، أو الأفعال، و ما قيل إنه على بناء الفاعل فهو بعيد، و

" العورة"

 (3) العيب، و ما يستحيي منه، و قال الجوهري‏

ربع‏

 (4) الرجل يربع، إذا وقف و تحبس، و منه قولهم أربع على نفسك و أربع على طلعك أي أرفق بنفسك و كف انتهى، و المعنى اقتصر على النظر في حال نفسك، و لا تلتفت إلى غيرك.

و اعلم أن الله أعلم بعبده منك فإن علم صلاحه و صلاح سائر عباده في دفعه يدفعه، و في ابتلائه يبتليه، و في عافيته يعافيه، و لا يحتاج في شي‏ء من ذلك إلى تعليمك و قيل: المعنى إن كان الباعث على الدعاء، أو ذكره بسوء طلب الاستجابة، فبئس ما قصدت في حق أخيك، و لا يستجاب لك، و إن كان الباعث إظهار براءتك من العيب فكفاك هذا العيب، و هو الدعاء على أخيك و ذكرك إياه بالسوء و إن كان الغرض عرض حاله على الله فهو أعلم به منك.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 171

باب من تستجاب دعوته‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن.

" ثلاثة"

 (3) مبتدأ مثل كوكب أنقض الساعة، و في المصباح خلفت فلانا على أهله، و ماله خلافة صرت خليفته، و استخلفته جعلته خليفة، و

تخلفونه‏

 (4) بضم اللام أي أحسنوا خلافتهم في أهلهم، و مالهم، و دارهم، و عقارهم، ليدعوا لكم فإن دعاءهم مستجاب، و في القاموس‏

الغيظ

 (5) الغضب، أو أشده، أو سورته، و أو له غاظه يغيظه فاغتاظ، و غيظه فتغيظ، و أغاظه و غايظه، و قال‏

ضجر

 (6) منه و به كفرح، و تضجر تبرم فهو ضجر، و أضجرته فأنا مضجر، و كلاهما من باب الأفعال أنسب أي لا تغيظوهم ليدعوا عليكم، فنظر منه أن استجابة دعائهم أعم من أن يكون للإنسان أو عليه.

 (الحديث الثاني)

 (7): ضعيف على المشهور.

و" الحجب"

 (8) كناية عن عدم الاستجابة، و

" المقسط"

 (9) العادل، و المراد إمام الصلاة، و يحتمل إمام الكل‏

" و لو بعد حين"

 (10) أي مدة طويلة فإن الله يمهل الظالم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 172

و لا يهمله فيقول أي الرب تعالى.

 (الحديث الثالث)

 (1): كالسابق.

" فإنها ترفع فوق السحاب"

 (2) كان السحاب كناية عن موانع إجابة الدعاء، أو الحجب المعنوية الحائلة بينه و بين ربه، أو هي كناية عن الحجب فوق العرش، أو تحته على اختلاف الأخبار، و يمكن حمله على السحاب المعروف، على الاستعارة التمثيلية، لبيان كمال الاستجابة، و المراد بالنظر، نظر الرحمة و العناية و إرادة القبول.

و أقول: روي في المشكاة، نقلا عن الترمذي، بإسناده عن أبي هريرة، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حين يفطر، و الإمام العادل، و دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، و يفتح لها أبواب السماء، و يقول الرب و عزتي لأنصرنك و لو بعد حين.

و قال القتيبي: الغمام شي‏ء يشبه السحاب الأبيض فوق السماء السابعة إذا سقط انشقت السماوات و الأرض و لم تبقيا على حالهما قال الله تعالى" يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ" أي عنه.

و قال البيضاوي: رفعها فوق الغمام، و فتح أبواب السماء لها، مجاز عن إثارة الآثار العلوية، و جمع الأسباب السماوية على انتصاره بالانتقام من الظالم،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 173

و إنزال البأس عليه.

 (الحديث الرابع)

 (1): موثق.

 (الحديث الخامس)

 (2): حسن كالصحيح، و يدل على أن الدعاء لأربعين من المؤمنين موجب لإجابة الدعاء لنفسه، و من قرأ بتخفيف الدال أي أتاهم و شرك معهم في الدعاء فقد أبعد.

 (الحديث السادس)

 (3): مجهول.

و" الفتح"

 (4) كناية عن القبول، أو محمول على الحقيقة، و كذا الصيرورة إلى العرش يحتملهما، و في بعض النسخ" أو تصير" فالترديد من الراوي أو هي بمعنى إلى أن، أو الترديد باعتبار اختلاف مراتب الإجابة و القبول.

 (الحديث السابع)

 (5): ضعيف على المشهور.

و قيل‏

" لغائب"

 (6) متعلق بقوله" أسرع إجابة".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 174

 (الحديث الثامن)

 (1): كالسابق.

" قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما"

 (2) يظهر من الخبر أن الداعي و إن كان موسى عليه السلام حيث قال قبل ذلك" وَ قالَ مُوسى‏ رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ" الآية أشرك هارون في الإجابة، لأنه كان يؤمن على دعائه فيدل على أن الداعي و المؤمن شريكان في الدعاء، و الأجر

" فَاسْتَقِيما"

 (3) أي فأثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة و إلزام الحجة، و لا تستعجلا فإن ما طلبتما كائن، و لكن في وقته‏

" و من غزا"

 (4) عطف على قوله قد أجيبت.

باب من لا تستجاب دعوته‏

 (5)

 (الحديث الأول)

 (6): حسن موثق.

" يشبعك الله"

 (7) على بناء الأفعال جملة دعائية

" في غير حقه"

 (8) أي ما يجب أو يستحب صرفه، فإن الإسراف في الخيرات أيضا غير محمود، و الظاهر أن السائلين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 175

كانوا من المخالفين، و المستضعفين، فلذا اكتفى عليه السلام بالثلاثة و منع الرابعة، و إلا فهم كانوا يؤثرون شيعتهم على أنفسهم، أو كان هذا التعليم الحكم، و بيان عدم لزوم أكثر من ذلك توسعة على المؤمنين‏

" أن يريحه منها"

 (1) أي بالموت أو الأعم.

 (الحديث الثاني)

 (2): مجهول سندية.

" الرجل جالس"

 (3) اللام للعهد الذهني، فهو في حكم النكرة، و جالس صفته، و

" الاقتصاد"

 (4) التوسط بين الإسراف و التقتير، و

الإسراف‏

 (5) صرف المال زائدا على القدر الجائز شرعا، و عقلا، و

القتر

 (6) و القتور التضييق، يقال قتر على عياله قترا و قتورا من باب قعد، و ضرب ضيق في النفقة، و أقتر إقتارا و قتر تقتيرا مثله، و قيل: الإسراف هو الإنفاق في المحارم، و التقتير منع الواجب، و

القوام‏

 (7) بالفتح العدل، و الاعتدال، و الوسط، و قرئ بالكسر و هو ما يقام به الحاجة لا يفضل منها و لا ينقص، و قرأ ابن كثير، و أبو عمرو بفتح الباء و كسر التاء، و نافع، و ابن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 176

عامر و لم يقتروا من أقتر

" أ لم أمرك بالشهادة"

 (1) أي الإشهاد على الدين كما في آية.

المداينة و غيرها.

 (الحديث الثالث)

 (2): ضعيف على المشهور، و الضمير راجع إلى الصادق عليه السلام‏

" و هو لها ظالم"

 (3) بسبب الدعاء عليها، لأن دعاءه عليها مع قدرته على التخلص بوجه آخر ظلم.

باب الدعاء على العدو

 (4)

 (الحديث الأول)

 (5): ضعيف.

" و ما ألقي منه"

 (6) أي من الأذى، قيل و لعله كان عدوا دينيا له، و إنما كان‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 177

يؤذيه من هذه الجهة، و إلا لما استحق ذلك منه،

قوله عليه السلام" إذا أدبر و إذا استدبر"

 (1) لعل المراد بالإدبار أول ما ولى، و بالاستدبار الذهاب و للبعد في الأدبار، و يحتمل أن يكون المراد بالثاني، إرادة الأدبار فيكون بعكس الأول، و قيل المراد بالاستدبار الغيبة، و هو بعيد.

قال في القاموس: دبر ولى، كأدبر و استدبر، ضد استقبل، و في بعض النسخ إذا أقبل و استدبر و هو أظهر، و في بعض النسخ إذا مكرر و قيل: حتى أراح بتقدير حتى أن أراح، و

حتى‏

 (2) متعلق بالمنفي لا بالنفي و الحاصل تحقق الإراحة من غير مرور زمان.

 (الحديث الثاني)

 (3): مرسل، و ربما يقرأ روى بصيغة المعلوم فالضمير المستتر لاستحق، و الخبر مثل الأول ضعيف، و هو بعيد، و في بعض النسخ اللهم اطرقه بليلة، و في بعضها ببلية، و

" الطرق"

 (4) يكون بمعنى الدق، و الضرب، و الطروق أن يأتي ليلا، و الطوارق النوائب التي تنزل بالليل، و تطلق على مطلق النوائب، و الفعل في الجميع كنصر، فعلى النسخة الثانية، المعنى الأول أنسب، و على النسخة الأولى، المعاني الآخر أظهر، قال في النهاية: فيه نهي المسافر أن يأتي أهله طروقا، أي ليلا، و كل آت بالليل طارق، و قيل: أصل الطروق من الطرق، و هو الدق، و سمي الآتي بالليل طارقا، لاحتياجه إلى دق الباب، و منه الحديث أعوذ بك من طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير، و فيه فرأى عجوزا تطرق شعرا هو ضرب الصفوف و الشعر بالقضيب لينتقش هو انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 178

و الحاصل على الأولى. أنزل عليه أو لا يبقى بعدها إلى ليلة أخرى- فالطروق مجاز كقوله صلى الله عليه و آله و سلم" اللهم اشدد وطأتك على مضر" و يمكن أن يقرأ حينئذ على بناء الأفعال، و على الثانية المعنى دقة و أضربه ببلية لا شبيه لها في الشدة، و الصعوبة

" و أبح حريمه"

 (1) الحريم ما يختص بالرجل، و لا يحل لغيره التصرف فيه إلا بإذنه كحريم الدار، و البئر و الحرمة ما لا يحل انتهاكه و قد تحرم بصحبة و حرمة الرجل حرمه و أهله و هو كناية عن استيلاء الأعادي عليه و هتك عرضه و كشف معائبه و إذلاله و إنما يدعى بذلك لمن يستحق ذلك من الكفار و المخالفين.

 (الحديث الثالث)

 (2): مجهول، و محرز بضم الميم و كسر الراء اسم رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أحدهما: ابن زهير، و الآخر ابن نضلة.

و في القاموس‏

" نوهه"

 (3) و به دعاه و رفعه، و في المصباح ناه بالشي‏ء نوها، من باب قال و نوه به تنويها رفع ذكره و عظمه، و في حديث عمر" أنا أول من نوه بالعرب" أي رفع ذكرهم بالديوان، و الإعطاء، و قال شهرت زيدا بكذا و شهرته بالتشديد مبالغة، و في النهاية:

الشهرة

 (4) طهور الشي‏ء في شنعة حتى يشهره الناس، و قال الجوهري:

الغيظ

 (5) غضب كامن للعاجز يقال: غاظه فهو مغيظ

" و السهم"

 (6) أستعير للبلية التي توجب هلاكه، و

" الأثر"

 (7) بالتحريك ما بقي من رسم الشي‏ء، و قد يطلق على ما بقي في الأرض من أثر القدم فيحتمل أن يكون المراد قطع جميع آثاره من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 179

أولاده و أمواله و دياره، بل ذكره بين الناس كما هو الشائع بين العجم، أو يكون كناية عن موته، فإن مات لا يبقى له أثر قدم في الأرض، قال في النهاية: في الحديث من سره أن يبسط الله في رزقه، و ينسئ في أثره، فليصل رحمه، الأثر الأجل و سمي به لأنه يتبع العمر و أصله من أثر مشيه في الأرض، فإن من مات لا يبقى له أثر فلا يرى لإقدامه في الأرض أثر، و منه قوله للذي مر بين يديه و هو يصلي" قطع صلاتنا قطع الله أثره" دعاء عليه بالزمانة لأنه إذا زمن انقطع مشيه فانقطع أثره.

 (الحديث الرابع)

 (1): موثق.

" يفعل بي و يفعل"

 (2) أي يبالغ في الإضرار بي و يكرره، و لا يكف شره عني‏

" فإن رأيت"

 (3) الجزاء محذوف، أي إن رأيت المصلحة في الدعاء لي فعلت.

" هذا ضعف بك"

 (4) هذا الكلام يحتمل وجوها.

الأول: أن يكون هذا إشارة إلى إضرار العدو، و المراد بالضعف قلة الورع و التقوى، و ضعف الدعاء، و التوسل بالله، و التوكل عليه و الحمل على المجاز من حمل السبب على المسبب.

الثاني: أن يكون إشارة إلى ذلك أيضا و يكون المراد الضعف في التقية، و حسن المعاشرة و السعي في إرضاء الخصم.

الثالث: أن يكون هذا إشارة إلى إتيانه، و طلب الدعاء منه عليه السلام أي هذا من ضعف يقينك، حيث لا تتضرع إلى الله، و تتوسل إليه، و تأتيني و تسألني‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 180

الدعاء.

الرابع: أن يكون هذا إشارة إلى ما يفهم من الكلام ضمنا أنه دعا و لم ير الإجابة فتوسل به عليه السلام فالمعنى أن عدم الاستجابة، لضعف علمك بآداب الدعاء، و شرائطه ثم علمه الدعاء لذلك" إنك تكفي من كل شي‏ء، و لا يكفي منك شي‏ء" أي يمكن الاستغناء بك من كل شي‏ء، و لا يستغني بغيرك منك، أو يمكن كفاية ضرر كل شي‏ء بك، و لا يمكن كفاية ضررك و عقابك بشي‏ء.

قال في المصباح المنير:

كفى‏

 (1) الشي‏ء يكفي كفاية فهو كاف إذا حصل به الاستغناء عن غيره، و اكتفيت بالشي‏ء استغنيت به، أو قنعت به" وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ" أغناهم من القتال.

و في النهاية: من قرأ الآيتين من أخر البقرة في ليلة، كفتاه أي اغتناه عن قيام الليل، و قيل: أراد أنهما أقل ما يجزي من القراءة في قيام الليل، و قيل:

تكفيان الشر و تقيان المكروه، و منه الحديث سيفتح الله عليكم، و يكفيكم الله أي يكفيكم القتال بما فتح عليكم، و الكفاة الخدم الذين يقومون بالخدمة، جمع كاف، و منه حديث أبي مريم فأذن لي إلى أهلي بغير كفى، أي بغير من يقوم مقامي يقال: كفاه الأمر إذا قام مقامه فيه، و منه الحديث" و أكفي من لم يشهد الحرب و أحارب عنه".

و قال الراغب: الكفاية، ما فيه سد الخلة، و بلوغ المراد في الأمر، قال عز و جل" وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ" و قال" إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ" و يقال كافيك من رجل، كقولك حسبك من رجل، و

" بم"

 (2) إشارة إلى سبب الأخذ، و الكفاية، و

" كيف"

 (3) إلى كيفيتهما، و

" حيث"

 (4) إلى مكانهما و

" أنى"

 (5) إلى زمانهما، فهي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 181

هنا بمعنى متى للزمان، لا بمعنى كيف، و لا بمعنى أين لئلا يلزم التكرار، كذا قيل، و الظاهر أن معنى‏

" من حيث شئت"

 (1) من أي جهة و ناحية شئت، و

" أنى شئت"

 (2) في أي مكان شئت، فالفرق بينهما ظاهر قال في القاموس حيث كلمة دالة على المكان، كحين في الزمان، و يثلث أخره.

و أقول: الجوهري، و غيره اكتفوا بالضم و الفتح، و قالوا لا يضاف إلا إلى جملة، و قال الراغب: حيث عبارة من مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده نحو قوله" وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ"" وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ".

 (الحديث الخامس)

 (3): ضعيف عند الأكثر، و عندي أنه صحيح لأن المسمعي يطلق على ثلاثة، عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، و هو ضعيف لكنه ليس في هذه المرتبة، لأنه يروي عنه محمد بن عيسى بن عبيد من أصحاب الرضا و الجواد، فروايته عن الصادق عليه السلام بعيد، و محمد بن عبد الله المسمعي، و هو أيضا و إن كان مجهولا، أو ضعيفا، لكنه ليس في هذه المرتبة، لأنه يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى، و يطلق على مسمع بن عبد الملك، و هو ثقة، يروي عن الصادق عليه السلام فالظاهر أنه هو المراد هنا، فالحديث صحيح، و

معتب‏

 (4) بضم الميم، و فتح العين، و تشديد التاء المكسورة.

و المعلى بن خنيس‏

 (5) كان مولى الصادق عليه السلام، و اختلفوا فيه، ضعفه النجاشي و ابن الغضائري، و قال الشيخ الطوسي ره في كتاب الغيبة: إنه كان من قوام أبي عبد الله عليه السلام، و كان محمودا عنده و مضى على منهاجه، و روى الكشي روايات كثيرة تدل على مدحه، و أنه من أهل الجنة.

و الأقوى عندي أنه كان من خواص أصحاب الصادق عليه السلام، و محل إسراره و ذمه يرجع إلى أنه كان يروي أخبارا مرتفعة، لا يدركها عقول أكثر الخلق، و معجزات غريبة لا توافق فهم أكثر الناس، و كان مقصرا في التقية لشدة حبه لهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 182

عليهم السلام، و لعل من ورائه الشفاعة، و يظهر من الأخبار أن القتل كان كفارة له، و سببا لرفع درجاته.

و روى الكشي، عن ابن أبي يعفور، عن حماد الناب، عن المسمعي قال: لما أخذ داود بن علي، المعلى بن خنيس حبسه فأراد قتله فقال له المعلى: أخرجني إلى الناس، فإن لي دينا كثيرا و مالا، حتى أشهد بذلك، فأخرجه إلى السوق، فلما اجتمع الناس قال: أيها الناس أنا معلى بن خنيس، فمن عرفني فقد عرفني، اشهدوا أني ما أترك من مال، عين أو دين، أو أمة، أو عبد، أو دار، قليل أو كثير، فهو لجعفر بن محمد، قال: فشد عليه صاحب شرطة داود فقتله، فقال: فلما بلغ ذلك أبا عبد الله عليه السلام خرج يجر ذيله حتى دخل على داود بن علي، و إسماعيل ابنه خلفه فقال: يا داود قتلت مولاي، و أخذت مالي فقال: ما أنا قتلته، و لا أخذت مالك، فقال: و الله لأدعون على من قتل مولاي و أخذ مالي، قال: ما قتلته و لكن قتله صاحب شرطتي فقال: بإذنك، أو بغير إذنك، فقال: بغير إذني فقال: يا إسماعيل شانك به، فخرج إسماعيل و السيف معه، حتى قتله في مجلسه، قال: حماد فأخبرني المسمعي، عن معتب، قال: فلم يزل أبو عبد الله عليه السلام ليلة ساجدا و قائما قال فسمعته في آخر الليل و هو ساجد يقول:" اللهم إني أسألك بقوتك القوية و بجلالك الشديد.

و بعزتك التي جل خلقك لها ذليل، أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تأخذه الساعة، قال: فو الله ما رفع رأسه من سجوده حتى سمعنا الصائحة فقالوا مات داود بن علي فقال أبو عبد الله عليه السلام: إني دعوت الله عليه بدعوة بعث الله إليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة انشقت مثانته.

و بإسناده عن إسماعيل بن جابر، أنه قال: لما سمع أبو عبد الله عليه السلام قتل المعلى قال: أما و الله لقد دخل الجنة.

و عن الوليد بن صبيح، قال: قال داود بن علي: لأبي عبد الله عليه السلام ما أنا قتلته‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 183

يعني المعلى، قال: فمن قتله قال السيرافي، و كان صاحب شرطته قال: أقدنا منه قال: قد أقدتك، قال: فلما أخذ السيرافي، و قدم ليقتل جعل يقول يا معشر المسلمين يأمروني بقتل الناس فأقتلهم لهم ثم يقتلوني، فقتل السيرافي.

و روى أيضا بإسناده عن حفص التمار قال دخلت على أبي عبد الله أيام طلب المعلى بن خنيس، فقال لي يا حفص إني أمرت المعلى فخالفني، فابتلي بالحديد، إني نظرت إليه يوما، و هو كئيب حزين فقلت: يا معلى كأنك ذكرت أهلك، و عيالك قال أجل، قلت: ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت: أين تراك، فقال أراني في أهل بيتي، و هذه زوجتي، و هذا ولدي، قال: فتركته حتى تملأ منهم، و استترت منه حتى نال ما ينال الرجل من أهله، ثم قلت: ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت: أين تراك، فقال: أراني معك في المدينة قال فقلت يا معلى إن لنا حديثا من حفظه، حفظه الله على دينه، و دنياه، يا معلى لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا، إن شاءوا آمنوا عليكم، و إن شاءوا قتلوكم، يا معلى أنه من كتم الصعب من حديثنا، جعله الله نورا بين عينيه، و زوده قوة في الناس، و من أذاع الصعب من حديث لم يمت حتى يعضه السلاح، أو يموت بخبل، يا معلى أنت مقتول فاستعد. و عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: و جرى ذكر المعلى بن خنيس، فقال: يا أبا محمد اكتم على ما أقول لك في المعلى، قلت: افعل فقال أما إنه لا ينال درجتنا، إلا مما ينال منه داود بن علي، قلت: و ما الذي يصيبه من داود، قال: يدعو به فيأمر به فيضرب عنقه، و يصلبه قلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، قال:

ذلك في قابل فلما كان قابل والي المدينة، فقصد قصد المعلى فدعاه، و سأله عن شيعة أبي عبد الله عليه السلام و أن يكتبهم له، فقال: ما أعرف من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام أحدا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 184

و إنما أنا رجل اختلف في حوائجه، و لا أعرف له صاحبا، قال: تكتمني أما إنك إن كتمتني قتلتك، فقال له المعلى: بالقتل تهددني، و الله و الله، لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم، و إن أنت قتلتني لتسعدني و أشقيك و كان كما قال أبو عبد الله عليه السلام يغادر منه قليلا، و لا كثيرا، و قد مضت الأخبار في أنه عليه السلام نهى المعلى عن الإذاعة في باب الإذاعة، و غيره، و مر أيضا بكاؤه عليه السلام له، و ترحمه عليه.

قوله" بقوتك القوية"

 (1) القوة، و القدرة متقاربتان، و وصف القوة بالقوية للتأكيد إشارة إلى كمالها، و استيلائها على جميع الممكنات، و عدم تطرق العجز إليها

" و بجلالك الشديد"

 (2) أي القوي الغالب المرتفع على كل شي‏ء، و الجلال العظمة، و من أسمائه تعالى الجليل، قال في النهاية: هو الموصوف بنعوت الجلال الحاوي بجميعها، و هو راجع إلى كمال الصفات، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات، و العظيم إلى كمال الذات، و الصفات، و قال: المحال بالكسر الكيد، و قيل: المكر، و قيل: القوة، و الشدة، و ميمه أصلية، و رجل محل أي ذو كيد.

و قال الجوهري:

" الإرزبة"

 (3) التي يكسر بها المدر فإن قلتها بالميم خففت قلت: المرزبة، و في القاموس: الأرزبة و المرزبة مشددتان، و الأولى فقط عصية من حديد، و في النهاية: المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد، و منه حديث الملك و بيده مرزبة، و يقال لها الأرزبة أيضا بالهمزة و التشديد و

" المثانة"

 (4) العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 185

باب المباهلة

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن، و في النهاية

" السرية"

 (3) طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو، و جمعها السرايا، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر، و خيارهم من الشي‏ء السري النفيس، و قيل: سموا بذلك، لأنهم ينفذون سرا و خفية، و ليس بالوجه لأن لام السر راء، و هذه ياء، و أقول:

قد مر جهات أجوبة تلك الشبه في كتاب الحجة فلا نعيدها.

و في النهاية

" المباهلة"

 (4) الملاعنة، و هو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شي‏ء فيقولون لعنة الله على الظالم منا، و منه حديث ابن عباس من شاء باهلته أن الحق معي.

قال:" أصلح نفسك ثلاثا"

 (5) أي ثلاث ليال بأيامهن، و لو كان المراد الأيام لقال ثلاثة، و الغالب في التواريخ، و أمثالها اعتبار الليالي، و الإصلاح بالتوبة، و الاستغفار و الدعاء، و الاشتغال بالأعمال الصالحة، و لخصوص الثلاثة مدخلا عظيما في ذلك، كما اعتبرت في أقل الاعتكاف، و الكفارات و صوم الحاجة، و الاستسقاء و غيرها

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 186

" و أظنه قال: و صم"

 (1) أي في الأيام الثلاثة

" و اغتسل"

 (2) أي في اليوم الثالث قبل الخروج، و الظاهر أنه عطف على أصلح لا على صم، فلا يكون داخلا في المظنون و إن كان محتملا، و منه يظهر أن ما ورد في عداد الأغسال من غسل المباهلة، و حمله الأصحاب على غسل يوم مباهلة النبي صلى الله عليه و آله و سلم، نصارى نجران يحتمل هذا أيضا بل هو أظهر لعدم الحاجة إلى تقدير اليوم إلا أن يكون لهم قرينة من غير هذه الرواية، و البروز الخروج.

و في المغرب‏

" الجبانة"

 (3) المصلى العام في الصحراء، و في المصباح: الجبانة مثقل الباء، و ثبوت الهاء أكثر من حذفها هي المصلى في الصحراء، و ربما أطلقت على المقبرة، لأن المصلي غالبا يكون في المقبرة، و في القاموس: الجبان، و الجبانة مشددتين المقبرة، و الصحراء، و المنبت الكريم، أو الأرض المسوية في ارتفاع، و قيل: المراد المكان المرتفع لينظر الناس إليهما، و يشهدوا بذلك، و هو بعيد

" في أصابعه"

 (4) أي أصابع يده اليمنى أيضا، و

" التشبيك"

 (5) إما بإدخال الأصابع في الأصابع، أو بأخذ الأصابع بالأصابع كالمصافحة، و الأول أظهر

" تم أنصفه"

 (6) بأن يبدأ في اللعن بنفسه،

فقوله و أبدا

 (7) عطف تفسير له.

" عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ"

 (8) أي يعلم ما لا تشاهده حواس الخلق، و ما تشاهده حواسهم، و لا يعلمون، و ما يعلمون، و قال البيضاوي: الغيب مصدر وصف به للمبالغة كالشهادة في قوله تعالى" عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ" و العرب تسمى المطمئن من الأرض، و الخمصة التي تلي الكلية، غيبا أو فيعل فعيل خفف كقيل، و المراد به الخفي الذي لا يدركه الحسن، و لا تقتضيه بديهة العقل، و هو قسمان قسم لا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 187

دليل عليه، و هو المعنى بقوله تعالى" وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ" و قسم نصب عليه دليل كالصانع و صفاته، و اليوم الآخر و أحواله، و هو المراد به في قوله سبحانه" يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ" إذا جعلته صلة للإيمان انتهى و قيل: يعلم ما يغيب عنكم، و ما تشهدونه، و قيل: إنما قدم الغيب على الشهادة، لأن علمه تعالى بالأشياء قبل خلقها علم بالغيب فقط، و بعد خلقها علم بالشهادة أيضا.

و قوله" الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ"

 (1) إن كانا بدلين فهما مبنيان على الضم كالمنادى المنفرد، و إن كانا نعتين فهما منصوبان، و إن كانا عطفي بيان فيحتمل الرفع و النصب عند الأخفش، و النصب متعين عند غيره، و في القاموس‏

" الحسبان"

 (2) بالضم جمع الحساب، و العذاب، و البلاء و الشر، و الصاعقة و كأنه إشارة إلى قوله تعالى" وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ" أي بعذاب أليم سواه و قال تعالى في قصة صاحب الجنة الكافر" وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ" قال البيضاوي: أي مرامي جمع حسبانة و هي الصواعق، و قيل: هو مصدر بمعنى الحساب، و المراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة، و قيل: الحسبان عذاب الاستئصال، و العذاب الأليم ما لم يكن سببا للاستيصال، و إن ترى بتقدير حتى أن ترى و يتعلق بالمنفي لا بالنفي.

قوله" فو الله"

 (3) الظاهر أنه من كلام أبي مسروق بتقدير قال، و يحتمل أن يكون كلام الإمام عليه السلام‏

" يجيبني إليه"

 (4) أي يرضى بأن يباهلني بمثل هذا لخوفهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 188

على أنفسهم و عليهم، أو ظنهم بأني على الحق كما امتنع نصارى نجران عن المباهلة لذلك.

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف بسنده الأول مجهول بسنده الثاني.

" يباهل"

 (2) بالياء على بناء المجهول، أو بالتاء على بناء المخاطب المعلوم، و حمل على أن المباهلة فيها أفضل لأنه وقت استجابة الدعاء، و كان دعوة النبي صلى الله عليه و آله و سلم أهل نجران إلى المباهلة كانت في هذه الساعة.

 (الحديث الثالث)

 (3): مرسل موقوف.

و" تلاعنه سبعين مرة"

 (4) و الظاهر كون العدد في مجلس واحد، و قيل: يعني إن لم تقع الاستجابة في المرة الأولى، لاعنه مرة ثانية و هكذا.

 (الحديث الرابع)

 (5): صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 189

 (الحديث الخامس)

 (1): ضعيف موقوف.

و" جحد"

 (2) إما على بناء المجهول، و الضمير المرفوع في أراد، و في يلاعنه راجعان إلى الرجل، أو على بناء المعلوم، و الضميران راجعان إلى القائل بالحق بقرينة المقام، قال الجوهري: الجحود الإنكار مع العلم يقال: جحده حقه و بحقه جحدا و جحودا.

باب ما يمجد به الرب تبارك و تعالى نفسه‏

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): مرسل.

" حين تكون الشمس"

 (5) قيل: أي حين تكون الشمس من جانب المشرق إلى الصلاة الأولى، و هي الظهر مقدارها حين تكون من جانب المغرب وقت العصر إلى الغروب، و هو قريب من ثمن الدور، و مثله في آخر الليل إلى طلوع الفجر فإنه قال أول ساعات الليل في الثلث الباقي، أو أول الثلث الباقي، و لو قال ذلك لكان المقدار قريبا من سدس الدور و هو أكثر من ثلاث ساعات انتهى، و هو بعيد بل الظاهر أن أول ساعات النهار حين كان ارتفاع الشمس عن الأفق من جانب المشرق بقدر ارتفاعها من الأفق في وقت العصر في جانب المغرب، و أول ساعات الليل من أول الثلث الثالث من الليلة الشرعية إلى آخرها و هو طلوع الفجر الثاني، و لا بعد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 190

في كون الساعات الثلاث في الليل أطول من ساعات النهار، لكون عبادة الليل و ساعاته أشرف كما قال تعالى" إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا" أنا لا تسلم كون تلك الساعات أطول، لأنها إنما تكون ثلثا بالنسبة إلى الليل الشرعي و هو أقصر من الليل النجومي بقريب من ساعتين فمع انضمامهما إلى الليل الشرعي يصير الثلث ربعا فتفطن.

ثم الظاهر أن قوله" من المشرق" من كلام الراوي و كذا" من المغرب" و أيضا ظاهر أن كلا من الفقرتين تحديد لتمام الثلث بأن يكون الثلث في كل منهما متوالية، و كونه تحديدا للساعة الأولى فقط كما قيل بعيد جدا و يدل على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس داخل في النهار، و قد يقال: دلالة فيه على ذلك، لأنه قال: في الثلث الباقي لأول الثلث الباقي فيمكن أن تكون تلك الساعات بين هذا الثلث، و لا يخفى بعده.

و تفصيل القول في شرح الخبر: أنه قد يقسم مجموع الليل و النهار، أربعا و عشرين ساعة متساوية و تسمى بالساعات المسوية، و قد يقسم كل من الليل و النهار، اثني عشرة ساعة متساوية في أي فصل كان، و تسمى بالساعات المعوجة، و كأنها المراد هنا، و قد يطلق على مقدار قليل من الليل أو النهار، اختص بحكم أو حالة، كما ورد أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة، و أن بين العشاءين ساعة، فليست هي من الساعات المسوية، و لا المعوجة.

قال في المصباح:

الساعة

 (1) الوقت من ليل، أو نهار، و العرب تطلقها، و تريد بها الوقت، و الحين و إن قل و عليه قوله تعالى" لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ" و منه قوله عليه السلام من راح في الساعة الأولى الحديث، ليس المراد الساعة التي ينقسم عليها النهار القسمة الزمانية، بل المراد مطلق الوقت، و هو السبق، و إلا لاقتضى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 191

أن يستوي من جاء في أول الساعة الفلكية و من جاء في آخرها لأنهما حضرا في ساعة واحدة و ليس كذلك بل من جاء في أولها أفضل ممن جاء في آخرها انتهى.

و إنما خص هذين الوقتين، لأنهما وقت غفلة أكثر الناس بالنوم، و الاستراحة، و القيلولة فهم غافلون عن ذكر الله، فالرب الذي لا يغفل، و لا يكل و لا ينام، و لا يموت يمجد نفسه في تلك الساعات، بل يظهر مجده و عظمته و تفرده بالجلال، و الكبرياء في تلك الساعات، بل يظهر مجده و عظمته و تفرده بالجلال، و الكبرياء في تلك الساعات، و أنه لا يشبههم في تلك الحالات.

" يمجد فيهن"

 (1) أي في كل واحدة منهن كما يدل عليه الخبر الآتي‏

" فأول"

 (2) الفاء للبيان، و مرفوع بالابتداء و

" حين"

 (3) خبره، و

" هذا الجانب"

 (4) مفعول فيه لتكون، و

" مقدارها"

 (5) خبر تكون بتقدير على مقدار ارتفاعها، و قيل‏

" من"

 (6) في ثلاثة مواضع بمعنى- في- و في الرابعة للتبعيض، و المراد

بالمشرق‏

 (7) النصف الأول من قوس النهار، و

بالمغرب‏

 (8) النصف الآخر منه، و

قوله" إلى صلاة الأولى"

 (9) ظرف مستقر، و هو خبر مبتدإ محذوف يفهم من الكلام السابق لأن معنى أول ساعات النهار حين تكون بمعنى ساعات النهار من حين تكون الحر، و على هذا القياس.

قوله" إلى أن ينفجر"

 (10) كذا قيل، و يمكن تقدير فعل أي تنتهي إلى صلاة الأولى أو تمتد إليها، و" صلاة الأولى" صلاة الظهر لأنها أول صلاة فرضها الله كما ورد في الأخبار، و قيل إن كانت الإضافة فيها من إضافة الموصوف إلى الصفة كما هو مذهب الكوفيين، فهو باعتبار أنها أول صلاة وجبت على الأمة لسبق نزول" أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ" على نزول" وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 192

و إن كانت بتقدير صلاة الساعة الأولى، كما هو مذهب البصريين، فهو باعتبار أن أول خلق العالم كانت الشمس في نصف نهار وسط الدنيا، كما روي عن الرضا عليه السلام.

فإن قيل: هذه الساعات تختلف باختلاف عروض البلاد، فالمعتبر في ذلك أي عرض، و أي بلد.

قلت: يحتمل أن يكون المعتبر قبة الأرض، أو مكة ضاعف الله شرفها، و لو حمل على أن المراد بالتمجيد ظهور تقدسه، و جلاله لطريان أضداد تلك الصفات على العباد فلا يبعد كون التمجيد في كل بلد في هذا النوع من الأوقات فتدبر.

" إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ"

 (1) الله، أشهر أسمائه تعالى، و أعلاها محلا في الذكر و الدعاء، و لذا ابتدأ به في القرآن المجيد، و في فقرات هذا التمجيد، و هو اسم للذات الواجب بالذات المستحق لجميع المحامد، و الكمالات، و" الرب" قيل هو مصدر بمعنى التربية و هي تبليغ كل شي‏ء إلى كماله اللائق به شيئا فشيئا، و الوصف به للمبالغة كزيد عدل، و قيل: صفة مشبهة من ربه يربه ثم سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه، و يربيه لينتقل من حد النقص إلى حد الكمال، و" العالم" هو كل ما سوى الله تعالى من المجردات، و الجسمانيات، و فيه دلالة على افتقار الممكن إلى المؤثر في البقاء.

" إني أنا الله العلي العظيم"

 (2) العلي المتنزه عن صفات الممكن، و قد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالغلبة، و القدرة عليهم، و بمعنى المتعالي عن الأشباه، و الأنداد و" العظيم" ذو العظمة، و هو راجع إلى كمال الذات، و الصفات و

" العزيز"

 (3) الغالب الذي لا يغلب، و لا يعادله شي‏ء و

" الحكيم"

 (4) الذي يعلم الأشياء كما هي، أو يحكم خلقها و يتقنها بلطف التدبير، و حسن التقدير و

" الغفور"

 (5) كثير المغفرة للسيئات، و عظيم التجاوز عن العقوبات و

" الرحيم"

 (6) شديد الرحمة بجميع عبادة،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 193

أو بالمؤمنين في الدنيا، و الآخرة و

" الرحمن"

 (1) ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلق في الدنيا بإيصال الأرزاق، و تيسر الأسباب، و دفع البليات، و قضاء الحاجات‏

" مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ"

 (2) الدين الجزاء أي مالك الأمور كلها، و المتصرف فيها يوم الجزاء إذ لا مالك فيه غيره، حذف المفعول به، و أقيم الظرف مقامه، و جعل مفعولا به على سبيل الاتساع و التجوز

" لم أزل و لا أزال"

 (3) إذ لا بداية لوجوده و لا نهاية له.

" خالق الخير و الشر"

 (4) أي مقدرهما، أو خالق النور و الظلمة، أو خالق الحياة، و الموت، أو خالق الغناء، و الفقر، و الصحة، و السقم، و غيرها من الصفات المتضادة

" خالق الجنة، و النار"

 (5) قيل الظاهر أن الخالق من حيث هو مضاف صفة الله، لا خبر بعد خبر، و حينئذ وجب أن يكون بمعنى الماضي لتكون الإضافة معنوية مفيدة للتعريف لا بمعنى الحال، أو الاستقبال فيفهم منه أن الجنة و النار مخلوقتان و هذا يجري في سائر الإضافات الواقعة في هذا التمجيد

" بدئ كل شي‏ء"

 (6) البدي‏ء كالبديع الأول كالبدء، و الله سبحانه أول كل شي‏ء بالعلية، و عليه عوده بعد الفناء و بالحاجة في حال البقاء و

" الغيب و الشهادة"

 (7) قيل هما الآخرة و الدنيا، و ما غاب عن الحس و ما حضر، أو السر، و العلانية، أو عالم المجردات، و عالم الجسمانيات و

" الْمَلِكُ"

 (8) هو المتصرف بالأمر و النهي في المأمورين.

و في النهاية في أسماء الله تعالى:

الْقُدُّوسُ‏

 (9) هو الطاهر المنزه عن العيوب و النقائص، و فعول من أبنية المبالغة، و قد تفتح القاف، و ليس بالكثير، و لم يجي‏ء منه إلا قدوس و سبوح و ذروح، و في القاموس: هو الطاهر، أو المبارك.

و

" السَّلامُ"

 (10) في الأصل مصدر، و وصفه تعالى به للمبالغة، و معناه السلامة عما يلحق الخلق من العيب و الفناء، و الحاجة، و العناء و قيل: للجنة دار السلام‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 194

لأن أهلها سالمون من الآفات، أو لأنها داره عز و جل، و من أسمائه‏

" الْمُؤْمِنُ"

 (1) لأنه الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق، أو يؤمنهم في القيامة عذابه فهو من الأمان، و الأمن ضد الخوف، و من أسمائه‏

الْمُهَيْمِنُ‏

 (2) قيل: هو الرقيب الحافظ لكل شي‏ء، و قيل: هو الشاهد علي الخلق، و قيل: المؤتمن، و قيل: القائم بأمور الخلق، و تدبيرهم، و قيل: أصله مؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة، و هو يفعل من الأمانة، و

الْعَزِيزُ

 (3) المنيع الذي لا يغلب، أو لا يعادله شي‏ء، أو لا مثل له، و لا نظير،

و الْجَبَّارُ

 (4) من أبنية المبالغة، و معناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر و نهي، و غيرهما من الأمور التي ليس لهم فيها اختيار، و لا قدرة على تغييرها، و قيل: هو العالي فوق خلقه، و قيل: هو الذي يجبر مفاقر الخلق، و كسرهم، و يكفيهم أسباب الرزق، و يصلح أحوالهم، و

الْمُتَكَبِّرُ

 (5) العظيم من الكبر بالكسر، و هو العظمة و هي عبارة عن كمال الذات، و الصفات، و قيل: هو المتعالي عن صفات الخلق، و قيل: المتكبر على عتاة خلقه.

" الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ"

 (6) قال الشيخ البهائي ره: قد يظن أن الثلاثة مترادفة لأنها بمعنى الإيجاد و الإنشاء فذكرها للتأكيد، و ليس كذلك بل هي أمور متخالفة أ لا ترى أن البنيان يحتاج إلى تقدير في الطول، و العرض، و إلى إيجاد بوضع الأحجار و الأخشاب على نهج خاص، و إلى تزيين، و نقش و تصوير فهذه أمور ثلاثة مترتبة يصدر عنه جل شأنه في إيجاد الخلائق من كتم العدم، فله سبحانه باعتبار كل منها اسم على ذلك الترتيب.

" لي الأسماء الحسنى"

 (7) هي التي لا نقص فيها، و لا في مفهومها، أو مترتب عليها الآثار الحسنة، و في العدة:

الكبير

 (8) السيد يقال لكبير القوم سيدهم، و في النهاية: في أسماء الله تعالى المتكبر، و الكبير أي العظيم ذو الكبرياء، و قيل:

المتعالي‏

 (9) عن صفات الخلق، و قيل: المتكبر على عتاة خلقه، و التاء فيه للتفرد،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 195

و التخصص لا تاء التعاطي و التكلف، و الكبرياء العظمة، و الملك، و قيل: هي عبارة عن كمال الذات، و كمال الوجود، و لا يوصف بها إلا الله تعالى، و قد تكرر ذكرهما في الحديث، و هما من الكبر بالكسر و هو العظمة، و يقال: كبر بالضم يكبر أي عظم فهو كبير.

قوله" من عنده"

 (1) الضمير راجع إلى الصادق عليه السلام أي ليس هذا من تتمة الدعاء، و قال في النهاية في الحديث:" قال الله تبارك و تعالى: العظمة إزاري،

و الكبرياء ردائي"

 (2) ضرب الإزار و الرداء مثلا في انفراده بصفة العظمة، و الكبرياء أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة، و الكرم، و غيرهما، و شبههما بالإزار، و الرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان، و لأنه لا يشاركه في إزاره، و ردائه أحد فكذلك الله لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد، و مثله الحديث الآخر" تأزر بالعظمة و تردى بالكبرياء و تسر بل بالعزة".

قوله عليه السلام" أكبه الله"

 (3) كذا في النسخ، و المشهور أن كب متعد و أكب لازم على خلاف القياس المطرد، قال في المصباح: كببت الإناء كبا من باب قتل قلبته على رأسه، و كببت زيدا كبا أيضا ألقيته على وجهه و أكب هو بالألف، و هو من النوادر التي تعدى ثلاثيها و تقصر رباعيها، و في التنزيل" فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ"" أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى‏ وَجْهِهِ" و أكب على كذا بالألف لازمه لكن قال في القاموس كبه قلبه، و صرعه كأكبه، و كبكبه فأكب و هو لازم متعد و

" قلبه"

 (4) مرفوع، و هو فاعل مقبلا، و قضى على بناء المفعول و شقي يشقي شقاء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 196

ضد سعد، و الشقوة بالكسر، و

الشقاوة

 (1) بالفتح الاسم منه، و

السعادة

 (2) حسن العاقبة و الشقاوة سوء العاقبة إما في الدنيا أو في الآخرة، و المراد هنا في الآخرة، و قد ينسبان إلى العمل، و الحالة كما في الخبر الآتي.

 (الحديث الثاني)

 (3): حسن موثق، و في ثواب الأعمال، عن زرارة بن أعين، و فيه مكان‏

" العزيز الكبير"

 (4) العلي الكبير، و فيه" لم تلد و لم تولد و لم يكن لك كفوا أحد"، و في أخره" أنت الله الخالق البارئ المصور، لك الأسماء الحسنى يسبح لك ما في السماوات، و الأرض، و أنت العزيز الحكيم".

قوله عليه السلام:" منك بدأ الخلق"

 (5) مهموزا على صيغة فعل الماضي أي ابتداء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 197

خلقهم، أو على صيغة المصدر، و قد يقرأ غير مهموز أي ظهر الخلق.

باب من قال لا إله إلا الله‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على مشهور.

" إن الله لا يعدله شي‏ء"

 (3) كأنه تعليل لما مضى فإنه إذا لم يعدل الله شي‏ء، لا يعدل ما يتعلق بألوهيته و وحدانيته شي‏ء، و هذا الذكر أعظم ما يتعلق به من الأذكار إذ تدل على اتصافه بجميع الصفات الكمالية، و على نفي الشريك، و الأنداد عنه، و على احتياج كل موجود سواه إليه، و لذا صارت من بين جميعها سببا للدخول في الإسلام، و توقف عليها صحة سائر العبادات و يحتمل أن يكون بيانا لكيفية التهليل الذي ليس شي‏ء أعظم ثوابا منه بأن يكون المقصود منه هذا المعنى الذي هو التوحيد الكامل، و على هذا الوجه يمكن أن يقرءان بالفتح عطف بيان لقوله:

" إن لا إله إلا الله" و في توحيد الصدوق، و ثواب الأعمال لأن الله فهو يؤيد الأول" لا يعدله شي‏ء" أي في كمال الذات، و الصفات‏

" و لا يشركه في الأمور أحد"

 (4) في صفات الأعمال له الحكم، و الأمر، و في ثواب الأعمال في الأمر.

 (الحديث الثاني)

 (5): مجهول مرفوع.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 198

" من ياقوتة"

 (1) من ابتدائية و قيل بيانية أي من ياقوتة واحدة

" منبتها"

 (2) وصف لأرض الجنة في طيبها، و ريحها

" أحلى من العسل"

 (3) أي ثمرتها أحلى، أو وصف للشجرة باعتبار ثمرتها فالإسناد مجازي، و قد يقرأ منبتها بضم الميم و فتح الباء أي الثمرة التي تنسب منها

" أمثال ثدي الأبكار"

 (4) قد يقرأ ثدي كحلي بضم الثاء، و كسر الدال، و تشديد الياء جمع الثدي، و في ثواب الأعمال فيها ثمار أمثال أثداء الأبكار و في القاموس: الثدي و يكسر خاص بالمرأة أو عام، و يؤنث، و الجمع أثد، و ثدي كحلي‏

" تعلو"

 (5) أي ترتفع منفصلا، أو منفتحا أو كاشفا أو علوا ناشيا

عن سبعين حلة

 (6) و الحاصل أن في جوف هذه الثمرة سبعون حلة يلبسها أهل الجنة و هذا نوع آخر من ثمرها غير ما مر.

و قيل المراد أن ثمرتها شبيهة بثدي بكر تكون تحت سبعين حجابا تحفظها عن الغبار و الكثافة، و نظر الأجانب مبالغة في صفاء تلك الثمرة، و طراوتها، و في نسخ ثواب الأعمال تفلق بالفاء ثم القاف أي تشق، و هو أظهر، و لا استبعاد في كون الحلة أيضا من ثمرات الجنة، و يؤيده ما رواه الصدوق ره في المجالس بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام قال إن في الجنة شجرة يخرج من أعلاها الحلل، و من أسفلها خيل بلق مسرجة ملحمة ذوات أجنحة لا تروث، و لا تبول، إلى آخر الخبر.

و روى البرقي في المحاسن، بإسناده عن الباقر، و الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و الذي نفس محمد بيده أن في الجنة لشجرا يتصفق بالتسبيح بصوت لم يسمع الأولون، و الآخرون بمثله يثمر ثمرا كالرمان تلقى الثمرة إلى الرجل فيشقها عن سبعين حلة الخبر، و التشبيهان متقاربان، فإن الرمان شبيه بالثدي، و هو مؤيد لنسخة ثواب الأعمال.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 199

و روى السيد بن طاوس، في كشف اليقين بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لما أدخلت الجنة رأيت الشجرة تحمل الحلي، و الحلل أسفلها خيل بلق، و أوسطها الحور العين، و في أعلاها الرضوان، قلت يا جبرئيل لمن هذه الشجرة، قال: هذه لابن عمك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إذا أمر الله الخليقة بالدخول إلى الجنة، يؤتى بشيعة علي حتى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة فيلبسون الحلي، و الحلل، و يركبون الخيل البلق، و ينادي مناد هؤلاء شيعة علي صبروا في الدنيا على الأذى فحبوا هذا اليوم، و مثله كثير، و في القاموس:

الحلة بالضم إزار و رداء برداء، و غيره، و لا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة، و قد مر شرح آخر الخبر في باب الاستغفار.

و قيل: يحتمل أن يكون المراد أن مجموع التوحيد، و الاستغفار من حيث المجموع خير العبادة.

لكن فيه شي‏ء، لأنك قد عرفت أن التوحيد وحده خير العبادة فما الفائدة في ضم الاستغفار معه، و الحكم على المجموع بالخيرية.

و يمكن الجواب: بأن الخيرية تقبل التشكيك فهذا الفرد منها أكمل من السابق.

و يحتمل أن يكون المراد أن كل واحد منهما خير العبادة، أما الأول:

فلما عرفت، و أما الثاني: فلأن الاستغفار في نفسه عبادة، لكونه غاية الخشوع و التذلل، و الرجعة إليه سبحانه، و مع ذلك سبب لمحو الذنوب الصغيرة، و الكبيرة جميعا الذي يوجب طهارة النفس، و حصول القرب إليه سبحانه لأن المعصية مانعة منه، و أما غيره من العبادات و إن كان مكفرا للذنوب، لكن ليس بهذه المثابة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 200

باب من قال لا إله إلا الله و الله أكبر

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مرفوع.

" الله أكبر"

 (3) أي من كل شي‏ء أو من أن يوصف، و البائع هو الله سبحانه، و المشتري هو العبد، و الثمن هذه الكلمة الشريفة مع شرائطها، و منها الإقرار بالرسالة و الولاية لأهلهما، قال في النهاية: في حديث الأذان الله أكبر معناه الكبير فوضع أفعل موضوع فعيل، و قيل: معناه الله أكبر من كل شي‏ء، أي أعظم فحذفت من لوضوح معناها، و أكبر خبر، و الإخبار لا ينكر حذفها، و قيل معناه الله أكبر من أن يعرف كنه كبريائه، و عظمته، و إنما قدر له ذلك و أول، لأن أفعل فعلى يلزمه الألف و اللام، أو الإضافة كالأكبر و أكبر القوم انتهى، و أقول: قد مر معناه في كتاب التوحيد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 201

باب من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مرسل، و في النهاية فيه فطوبى للغرباء، طوبى اسم الجنة و قيل هي شجرة فيها، و أصلها فعلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الواو ياء و فيه طوبى للشام المراد بها ههنا فعلى من الطيب لا الجنة، و لا الشجرة، و قال:

يقال جلس وحده، و رأيته وحده أي منفردا، و هو منصوب عند أهل البصرة على الحال أو المصدر، و عند أهل الكوفة على الظرف كأنك قلت أوحدته رؤيتي إيجادا أي لم أر غيره و هو أبدا منصوب انتهى، و الحاصل أن الوحدة مصدر، و نصبه هنا إما بنيابة الظرف بتقدير مع وحده، أو بنيابة الحال بتقدير منفردا وحده، و على التقديرين هنا للتأكيد، و التكرير للمبالغة، و الإشارة إلى الوحدة في الخلق، و استحقاق العبادة و التفرد في الأمر و الحكم، أو إلى نفي الشرك في الألوهية، و النبوة، و الإمامة فإن إنكارهما من الشرك كما مر، أو إلى توحيد الذات، و الصفات و الأفعال.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 202

باب من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له عشرا

 (1) أقول: في أكثر النسخ في عنوان الباب اختصار و في بعضها ذكر جميع ما في الخبر.

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح، و عتبة بضم العين و سكون التاء، و رواه البرقي في المحاسن، عن أبيه، و عمرو بن عثمان، و أيوب بن نوح جميعا، عن ابن المغيرة إلى آخر الخبر، إلا أنه ليس فيه" و يميت و يحيي".

و أقول: هذه التهليلات باختلافها متواترة بالمعنى رواها العامة، و الخاصة في مواطن متعددة، فمما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال:" من قال- لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، و له الحمد، و هو على كل شي‏ء قدير- عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل" قال الآبي: فيه دلالة على أن العرب تسترق.

" له الملك"

 (3) إشارة إلى قوله تعالى" قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ" فالملك الحقيقي مختص به، و الملك الظاهري الواقعي من النبوة و الإمامة بيده، و الملك الذي يحصل بالتغلب أيضا بتقديره، و تمكينه، يعطيه من يشاء برفع الموانع، و أن يخليه و اختياره لا بأن يجبره عليه، و يصرفه عمن يشاء

" و له الحمد"

 (4) أي الحمد مختص به، لأن النعمة كلها مخلوقة له، و هو مسبب الأسباب، و مولى النعم. و كلها بتقديره، و تدبيره‏

" يحيي و يميت و يميت و يحيي"

 (5) كان الإحياء أو لا في الدنيا،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 203

و الإماتة أولا فيها، و الإماتة الثانية في القبر فتدل ضمنا على إحياء أخر، و لما كانت مدة تلك الحياة قليلة، لم يذكرها صريحا، و الإحياء ثانيا في الآخرة، و إنما لم يتعرض للأحياء و الأمانة في الرجعة لعدم عمومها و شمولها لكل أحد، مع أنه يحتمل أن تكون الأمانة الثانية إشارة إليه، و لا يبعد أن يكون المراد بكل من الفقرتين، جنسي الإماتة و الإحياء، و التكرير لبيان استمرارهما، و كثرتهما

" بيده الخير"

 (1) أي كلما يصدر عنه فهو خير، و إن كان بحسب الظاهر شرا، كما ورد في الدعاء، الخير في يديك، و الشر ليس إليك.

" كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم"

 (2) لعل المراد باليوم اليوم مع ليلته، فيكون ما قاله قبل طلوع الشمس، كفارة لذنوب الليل، و ما قاله قبل غروبها كفارة لذنوب اليوم، و لو كان المراد اليوم فقط كان ناظرا إلى قبل غروبها، و أحال الأول على الظهور، و الظاهر أن المراد بالذنوب أعم من الصغيرة و الكبيرة، و قيل: لا يبعد تخصيصها بالصغيرة لأن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة، أو فضل الله تعالى، و يؤيد هذا التخصيص، قوله في الخبر الآتي، و لم تحط به كبيرة من الذنوب.

 (الحديث الثاني)

 (3): مرسل.

" قبل أن ينقض ركبتيه"

 (4) النقض الهدم، و أستعير هنا لتغيير وضع الركبتين عن الحالة التي كانتا عليها في حال التشهد، و التسليم، و في بعض النسخ أن يقبض و هو قريب من الأول، و المراد قبضهما بإرادة القيام،

قوله" إلا من جاء بمثل عمله"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 204

 (1) إن قيل: الاستثناء يفيد، أن عمل من جاء بمثل عمله، أفضل من عمله، و المثلية تقتضي المساواة فبينهما تناف، قلت: المراد بالأفضلية هنا المساواة مجازا، كما يقال:

ليس في البلد أفضل من زيد، و المراد نفي المساواة، و أنه أفضل ممن عداه، و هذا شائع فالمعنى لم يلق الله عز و جل عبد بعمل مساو لعمله في الفضيلة و الكمال، إلا من جاء بمثل عمله، و قيل: المراد في المستثنى بعض ما جاء بمثل عمله، فإن الاستثناء لا يفيد العموم في المستثنى، فالأفضل من جاء بمثل عمله، و زاد عليه، و الأول أظهر و المراد بالملاقاة عند الموت أو في القيامة.

باب من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده إلخ‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): حسن على الظاهر، إذ الظاهر أن سعيدا هو ابن غزوان لرواية ابن أبي عمير عنه ألف حسنة، في بعض النسخ ألف ألف حسنة، و يمكن أن تكون نسبة الكتابة إلى الله على المجاز لأنه الأمر بذلك، و الكاتب هو الملك.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 205

باب من قال عشر مرات في كل يوم أشهد إلخ‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف و رواه الصدوق في التوحيد، و ثواب الأعمال، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران مثله إلا أن في الجميع خمسا و أربعين ألف ألف، و في الأخير و رفع له في الجنة، و في صدر الخبر من قال في يوم، و في بعض النسخ يومه، و زاد في أخره و كان كمن قرأ القرآن في يومه اثنتي عشرة مرة، و بنى الله له بيتا في الجنة، و قيل: لو لم تكن له سيئة، لا يبعد القول بأنه يعوض عن محو السيئة حسنة، و لم أر بذلك تصريحا من الأصحاب، و جزم بذلك الخطابي من علماء العامة، و قد يقال: المراد بالسيئة الصغيرة، إذ محو الكبائر عندهم مشروط بالتوبة، و فيه نظر، بل الظاهر أنها تشمل الكبيرة أيضا.

قوله عليه السلام" و لم تحط به كبيرة"

 (3) أي لم تستول عليه بحيث يشمل جملة أحواله ناظرا إلى قوله تعالى" مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ" و الحاصل: أن هذه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 206

الكلمات تصير سببا لعدم الإصرار على الكبيرة، و عدم استيلاء الشيطان، و التضرر من السلطان.

باب من قال يا الله عشر مرات‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

" قيل له لبيك"

 (3) هذا من تنزلاته بالنسبة إلى عبيده، و يحتمل أن يكون القائل هو الله تعالى، أو الملك الموكل من قبله بقضاء حاجة العبد، و قيل: إن كان القائل هو الله سبحانه، فهو للاستنطاق، و إن كان غيره يحتمل الاستفهام أيضا، و أقول:

الظاهر أنه استعارة تمثيلية لبيان استعداده و استئهاله لقبول حاجته، و في القاموس ألب، أقام كلب، و منه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد الباب، و إجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي، و قصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها، أو معناه محبتي لك من امرأة لبه أي محبة لزوجها، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 207

باب من قال لا إله إلا الله حقا حقا

 (1) في العنوان اختصار

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

" و حقا"

 (3) حال مؤكدة من الله، لأنه في حكم المفعول به، أو مفعول مطلق لفعل محذوف أي حق حقا جي‏ء به لتأكيد مضمون الجملة، و التكرير للمبالغة في التأكيد، أو إشارة إلى مدلولي كلمة التوحيد أي لا خالق سواه حقا و لا معبود سواء حقا و

قوله" عبودية و رقا"

 (4) كل منهما مفعول له لفعل محذوف، أي أقولها لعبوديتي و رقيتي، و يحتمل أن يكونا نائبين للمفعول المطلق، أي أقولها قولا ناشئا من جهة العبودية، و الرقية، و في القاموس: العبودية، و العبادة الطاعة، و قال:

الرق بالكسر الملك، و في المصباح: الرق بالكسر العبودية، و هو مصدر رق الشخص يرق من باب ضرب فهو رقيق، و كذا

قوله" إيمانا و صدقا"

 (5) يحتمل النصب بالعلية و المصدرية، أي أقولها لأني مؤمن صادق مصدق، أو آمنت إيمانا، و صدقت فيه صدقا. و قيل الجمع بينهما للإشعار بالتوافق بين اللسان و القلب، و إقبال الله تعالى عليه بوجهه، و عدم صرف وجهه عنه كناية عن توفيقه، و تأييده، و تسديده، و إفاضة رحماته عليه، و حفظه، و عصمته عما يوجب دخول النار حتى يدخله الجنة بفضله.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 208

باب من قال يا رب يا رب‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

" و الرب"

 (3) أقرب الأسماء إلى الاسم الأعظم، و لذا لم يذكر الله تعالى دعاء من أدعية الأنبياء، و الصالحين إلا افتتحها به كقوله" رَبَّنا ظَلَمْنا" رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً"" رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا"" رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا"" رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا"" رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا"" رب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ"" رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً"" فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ"" رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا" و مثله كثير، و فيه استعطاف لما فيه من الدلالة على تربية كل شي‏ء، و تكميله، و حفظه، و إخراجه من حد النقص إلى الكمال بحسب ما يليق بحاله، كما عرفت.

 (الحديث الثاني)

 (4): مجهول. و يمكن أن يقرأ

رب‏

 (5) بكسر الباء بأن يكون تخفيف يا ربي و الكسرة تدل على الياء المحذوفة، أو بالرفع بأن يكون منادي مفرد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 209

 (الحديث الثالث)

 (1): صحيح، و في بعض النسخ يا ربي الله، و في بعضها يا ربي يا الله، و في أكثرها يا رب يا الله.

باب من قال لا إله إلا الله مخلصا

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): موثق، و أبو الحسن هو علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح بن قيس بن سالم مولى عمر بن سعد بن أبي وقاص لعنه الله، و قال النجاشي:

كان ثقة في الحديث واقفا في المذهب صحيح الرواية ثبت معتمد على ما يرويه.

قوله عليه السلام" من شهد

 (4) فيه" إشارة إلى أن مجرد القول بدون القصد، و الاعتقاد لا يمكن في ترتب الجزاء لأن الشهادة لا تكون الأمن صميم القلب، و

قوله" مخلصا"

 (5) حال مؤكدة من فاعل شهد، أي مخلصا لله دينه كما قال تعالى" مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" و إخلاص الدين أن لا يشوبه بشي‏ء من الشرك كنفي الرسالة، و الولاية، و إنكار المعاد، و سائر ما علم من الدين ضرورة و قد بين عليه السلام ذلك في آخر الخبر حيث قال‏

" تسلب لا إله إلا الله عمن ليس على هذا الأمر"

 (6) و هذا الأمر إشارة إلى دين الحق الذي عمدته الإقرار بجميع الأئمة عليهم السلام و بما بينوه عليهم السلام من أصول الدين، و عقائدهم الحقة، كما روى الصدوق في المجالس، و العيون بإسناده عن إسحاق بن راهويه قال لما وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور، و أراد أن يرحل منها إلى المأمون، اجتمع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 210

إليه أصحاب الحديث، فقالوا له يا بن رسول الله، ترحل عنا، و لا تحدثنا بحديث فنستفيد منك، و قد كان قعد في العمارية فأطلع رأسه، و قال: سمعت أبي موسى بن جعفر، يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد، يقول: سمعت أبي محمد بن علي، يقول:

سمعت أبي علي بن الحسين، يقول: سمعت أبي الحسين بن علي، يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: سمعت جبرئيل عليه السلام يقول: سمعت الله عز و جل يقول: لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها و أنا من شروطها.

بل يدل بعض الأخبار على أنه يدخل في الإخلاص بعض الأعمال أيضا كما روى الصدوق في ثواب الأعمال، بإسناده الصحيح، عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، و إخلاصه أن يحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله، و روي أيضا هذا المضمون، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و روى أيضا زر بن حبيش قال: سمعت حذيفة يقول: لا إله إلا الله ترد غضب الرب جل جلاله عن العباد، ما كانوا لا يبالون ما انتقص من دنياهم إذا سلم دينهم، فإذا كانوا لا يبالون ما انتقص من دينهم إذا سلمت دنياهم ثم قالوها ردت عليهم، و قيل كذبتم و لستم بها صادقين. فاستبان أنه ليس المراد بالإخلاص هنا ترك الرياء فقط، كما فهمه الأكثر، و قيل: لما دلت ظواهر الآيات و الروايات على نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة، و اقتضى هذا الحديث أمنهم تعين فيه التأويل صونا لظاهر الشرع عن التناقض، فتأوله بعضهم أن ذلك قبل نزول الفرائض، و أما بعده فالعاصي بالمشية و قال بعضهم: هذا التأويل و إن كان مستبعدا من جهة قوله" إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث" لأن الغرض منه الترغيب في هذه الكلمة الشريفة و لا شبهة في أنهم نشأوا بعد نزول الفرائض، و من جهة عموم من شهد لكنه قد مر في باب، بعد باب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 211

أن الإيمان قبل الإسلام ما يؤيده حيث قال الباقر عليه السلام في حديث طويل: ثم بعث الله عز و جل محمدا صلى الله عليه و آله و سلم و هو بمكة عشر سنين، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، إلا أدخله الله الجنة بإقراره، و هو إيمان التصديق، و لم يعذب الله أحدا ممن مات، و هو متبع لمحمد صلى الله عليه و آله و سلم على ذلك الأمن أشرك بالرحمن، و أوله بعضهم بحمله على من مات و لم يعص.

ثم قال: و يؤيده أن لهذا الحكم أعني ترتب وجوب دخول الجنة على الشهادة بالتوحيد شروطا كما أشار عليه السلام إلى بعضها، بقوله" إلا من كان على هذا الأمر" و بعضها الشهادة بالرسالة، و هي غير مذكورة فيحتمل أن يكون عدم العصيان أيضا من الشروط.

و أوله البخاري بمن مات و هو ثابت، يريد أن من كان آخر كلامه هذه الكلمة الشريفة وجبت له الجنة، لأنها مكفرة للذنوب التي صدرت قبلها.

و قيل: لا يحتاج الحديث إلى التأويل لأن المؤمن العاصي إن غفر له ابتداء يلتحق بغير العاصي فيدخل الجنة مثله، و إن نفذ فيه الوعيد يدخل النار على ما شاء الله، ثم لا بد له من دخول الجنة، فوجوب دخول الجنة على ظاهره إذ لا بد للقائل بالشهادتين من دخولها، إما ابتداء أو بعد الجزاء.

قوله عليه السلام" فتسلب"

 (1) المراد بالسلب إما نسيانها أو عدم ترتب أثرها عليها، أو عدم انطلاق لسانه بها، كما أنهم في القيامة يريدون أن يسجدوا و هم لا يستطيعون" وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 212

باب من قال ما شاء الله لا حول و لا قوة إلا بالله‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

" بعد ما دعا"

 (3) كلمة ما مصدرية

" ما شاء الله"

 (4) قال البيضاوي: أي الأمر ما شاء الله، أو ما شاء الله كائن، على أن" ما" موصولة، أو أي شي‏ء شاء الله كائن، على أنها شرطية، و الجواب محذوف.

و قال الطبرسي: رحمه الله تعالى" ما شاءَ اللَّهُ" يحتمل أن يكون ما رفعا و تقديره- الأمر ما شاء الله- فيكون موصولا و الضمير العائد إليه تكون محذوفا لطول الكلام، و يجوز أن يكون التقدير- ما شاء الله كائن- و يحتمل أن تكون" ما" في موضع نصب على معنى الشرط و الجزاء، و يكون الجواب محذوفا و تقديره- أي شي‏ء شاء الله كان- و مثله في حذف الجواب قوله" فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ" و المعنى ما شاء الله كان و إني إن تبعت في جمعي و عمارتي فليس ذلك إلا بقوة الله و تيسيره، و لو شاء لحال بيني و بين ذلك و لنزع البركة عنه، فإنه لا يقوى أحد على ما في يديه من النعمة إلا بالله و لا يكون له إلا ما شاء الله، انتهى.

و أقول: في أكثر النسخ في هذا الخبر" ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" و في بعضها" لا حول و لا قوة إلا بالله" كالخبر الآتي.

و قال في النهاية: الحول هيهنا الحركة يقال حال الشخص يحول إذا تحرك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 213

المعنى لا حركة و لا قوة إلا بمشية الله تعالى، و قيل: الحول الحيلة و الأول أشبه و منه الحديث" اللهم بك أصول و بك أحول" أي أتحرك، و قيل: احتال، و قيل:

أدفع و أمنع من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر، و قال فيه: ذكر الحوقلة هي لفظة مبنية من‏

" لا حول و لا قوة إلا بالله"

 (1) كالبسملة من" بسم الله" و الحمد له من" الحمد لله"، فهكذا ذكره الجوهري بتقديم اللام على القاف، و غيره يقول" الحوقلة" بتقديم القاف علي اللام، و المراد بهذه الكلمات إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة منه على ما يحاول من الأمور و هو حقيقة العبودية، و روي عن ابن مسعود أنه قال: معناه لا حول عن معصية الله، إلا بعصمة الله، و لا قوة على طاعة الله، إلا بمعونة الله.

و أقول: هذا المعنى الأخير مروي عن الباقر و الصادق عليهما السلام و قد مر في كتاب التوحيد، و سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه الكلمة فقال: إنا لا نملك مع الله شيئا و لا نملك إلا ما ملكنا فمتى ملكنا ما هو أملك به منا كلفنا، و متى أخذه منا وضع تكليفه عنا، و في القاموس: الحول و الحيل و الحولة و الحيلة الحذق و جودة النظر و القدرة على التصرف و الحولة القوة و التحول و الانقلاب، و قال الراغب: حالت الدار تغيرت، و الحال لما يختص به الإنسان و غيره من أموره المتغيرة في نفسه و جسمه أو قنياته، و الحول ماله من القوة في أحد هذه الأصول الثلاثة، و منه قيل" لا حول و لا قوة إلا بالله".

و في طرق العامة قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعبد الله بن قيس: أ لا أدلك على كنز من كنوز الجنة، قال بلى يا رسول الله قال:" لا حول و لا قوة إلا بالله" قال المازري في ضبط هذه الكلمة خمس لغات فتح الكلمتين بلا تنوين، و رفعهما منونتين، و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 214

فتح الأول و نصب الثانية، و رفعها منونة، و الخامس عكس الرابع، و في القاموس:

أبسله‏

 (1) لكذا عرضه و رهنه أو أبسله أسلمه للهلكة و لعمله و به و كله إليه، و نفسه للموت وطنها كاستبسل، و استبسل طرح نفسه للحرب يريد أن يقتل أو يقتل، و بالجملة هو كناية عن غاية التسليم و الانقياد و إظهار العجز في كل ما أراد بدون تقدير رب العباد.

 (الحديث الثاني)

 (2): مرسل.

" سبعين مرة"

 (3) أي في مجلس واحد أو في اليوم بليلته، كما قيل سبعين نوعا و إن قضيت عليه و أبرمت، و لكن لم تبلغ الإمضاء، و في القاموس:

خنقه‏

 (4) خنقا ككتف فهو خنق أيضا و خنيق و مخنوق كخنقه فاختنق، و الخناق كغراب داء يمتنع معه نفوذ النفس إلى الرية و القلب انتهى، و منشأه غلبة الدم و السوداء.

" قلت جعلت فداك و ما الخنق"

 (5) قيل- الواو في الحكاية دون المحكي، و عطف الإنشاء على الإخبار إذا كان له محل من الإعراب جائز- و لا يخفى ما فيه‏

" لا يقتل بالجنون"

 (6) تفسير لصرف المفهوم من الكلام السابق" فيخنق" على بناء المجهول بالنصب.

و أقول: كان المعنى أن مقصودي من الخنق، هذا النوع منه و هو الذي يحصل من الجنون كالصرع، و كلما كان الأيسر أشد كان أبلغ في المبالغة، و منهم من قرأ لا

" يعتل"

 (7) بالعين و اللام المشددة من الاعتلال، أو بالفاء و اللام المخففة من فتله يفتله لواه كفتله فهو فتيل و مفتول، و الحبون بالحاء المهملة و الباء الموحدة جمع الحبن بالكسر كالحمول جمع الحمل، و هو خراج كالرمل و ما يعتري في الجسد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 215

فيقيح و يرم، و الحبن محركة داء في البطن يعظم منه و يرم كذا في القاموس، و أقول: لا يخفى ما فيه من التكلف و التصحيف.

باب من قال أستغفر الله الذي إلخ‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

" في دبر صلاة الفريضة"

 (3) الإضافة فيها من إضافة الموصوف إلى الصفة، و مأول عند غيرهم بصلاة العبادة الفريضة، فهي من إضافة الجزئي إلى الكلي، مثل بنو هاشم نجباء قريش، لأن الفريضة شاملة للزكاة، و الصوم، و الحج، و الجهاد، و التاء للفريضة للنقل عن الوصفية إلى الاسمية مأخوذ من الفرض بمعنى القطع، لاقتطاعها عن سائر العبادات بنوع تشديد و تأكيد كما قيل.

و قال في النهاية: في حديث الدعاء

" من قال عقيب الصلاة و هو ثان رجله"

 (4) أي عاطف رجله في التشهد قبل أن ينهض، و في حديث آخر، من قال قبل أن يثني رجله، هذا ضد الأول في اللفظ و مثله في المعنى لأنه أراد قبل أن يصرف رجله عن حالته التي هي عليها في التشهد، انتهى و قال الطيبي: و يثني رجليه من صلاة المغرب، و الصبح أي يعطفهما و يغيرهما عن هيئة التشهد.

و أقول: في بعض النسخ" ذا الجلال" بالنصب و في بعضها بالرفع، فعلى الأول‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 216

الظاهر نصب الحي و القيوم أيضا فالكل أوصاف للجلالة، و على الثاني: فالظاهر رفع الكل أما لكونها أوصافا للضمير على مذهب الكسائي إذ المشهور بين النحاة أن الضمير لا يوصف، و أجاز الكسائي وصف ضمير الغائب في نحو قوله تعالى" لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" و قولك مررت به المسكين، و الجمهور يحملون مثله على البدلية إذ يجوز الإبدال من ضمير الغائب اتفاقا، و يحتمل نصب الأولين و رفع ذو على المدح، كما أنه في الأول يحتمل رفع الأولين و نصب ذا على المدح.

قال البيضاوي: في قوله تعالى‏

" ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ"

 (1) ذو الاستغناء المطلق و الفضل العام.

و قال الطبرسي (ره):" ذُو الْجَلالِ" أي ذو العظمة و الكبرياء، و استحقاق الحمد و المدح بإحسانه الذي هو في أعلى مراتب الإحسان، و إنعامه الذي هو أصل كل إنعام،" وَ الْإِكْرامِ" يكرم أنبياءه و أولياءه بألطافه و إفضاله مع عظمته و جلاله، و قيل: معناه أنه أهل أن يعظم و ينزه عما لا يليق بصفاته كما يقول الإنسان لغيره- أنا أكرمك عن كذا و أجلك عنه- كقوله" أَهْلُ التَّقْوى‏" أي أهل أن يتقى.

و قال الراغب: الجلالة عظم القدر و الجلالة بغير الهاء التناهي في ذلك، و خص بوصف الله تعالى فقيل:" ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ" و لم يستعمل في غيره و الجليل العظيم القدر و وصفه تعالى بذلك أما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه، أو لأنه يجل عن الإحاطة به، أو لأنه يجل عن أن يدرك بالحواس، و قال:

الكرم إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لإحسانه و إنعامه المتظاهر نحو- إن ربي غني كريم- و الإكرام و التكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة، أو جعل ما يوصل إليه شريفا كريما و قوله: ذو الجلال و الإكرام منطو على المعنيين، انتهى و قيل: الجلال إشارة إلى الصفات السلبية و الإكرام‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 217

إلى الصفات الكمالية الذاتية الوجودية.

باب القول عند الإصباح و الإمساء

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

و الآية في سورة الرعد هكذا" وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ" و قال الطبرسي (قدس سره):" مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ" يعني الملائكة و سائر المكلفين" طَوْعاً وَ كَرْهاً" اختلف في معناه علي قولين:

أحدهما: أن معناه أنه يجب السجود لله تعالى إلا أن المؤمن يسجد له طوعا، و الكافر يسجد له كرها بالسيف، عن الحسن، و قتادة، و ابن زيد.

و الثاني: أن المعنى لله يخضع من في السماوات و الأرض إلا أن المؤمن يخضع له طوعا، و الكافر يسجد له كرها لأنه لا يمكنه أن يمتنع عن الخضوع لله تعالى لما يحل به من الآلام و الأسقام عن الجبائي‏

" وَ ظِلالُهُمْ"

 (3) أي و يسجد ظلالهم لله‏

" بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ"

 (4) أي العشيات، قيل: المراد بالظل الشخص فإن من يسجد يسجد معه ظله، قال الحسن: يسجد ظل الكافر و لا يسجد الكافر، و معناه عند أهل التحقيق: أنه يسجد شخصه دون قلبه، لأنه لا يريد بسجوده عبادة من حيث إنه يسجد للخوف، و قيل: إن الظلال على ظاهرها و المعنى في سجودها تمايلها من جانب إلى جانب، و انقيادها للتسخير بالطول و القصر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 218

و قال النيسابوري: إن كان السجود بمعنى وضع الجبهة فذلك ظاهر في المؤمنين لأنهم يسجدون له طوعا أي بسهولة و نشاط، و كرها أي على تعب و اصطبار و مجاهدة، و أما في حق الكافرين فمشكل و توجيهه أن يقال: المراد حق له أن يسجد لأجله جميع المكلفين من الملائكة و الثقلين فعبر عن الوجوب بالوقوع و إن كان بمعنى الانقياد، و الخضوع، و الاعتراف بالإلهية، و ترك الامتناع عن نفوذ مشية فيهم فلا إشكال نظيره قوله:" وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ" و أما قوله" وَ ظِلالُهُمْ" فقد قال جمع من المفسرين كمجاهد، و الزجاج، و ابن الأنباري لا بعد في أن يخلق الله للظلال أفهاما تسجد بها الله و تخضع له كما جعل للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيحة، و ظل المؤمن يسجد لله طوعا، و هو طائع و ظل الكافر يسجد لغير الله كرها و يسجد لله طوعا، و قال آخرون: المراد بسجود الظلال تقلصها و امتدادها حسب ارتفاع الشمس و انحطاطها، فهي منقادة مستسلمة لما أتاح الله لها في الأحوال، و تخصيص الغدو و الآصال بالذكر لغاية ظهورها و ازديادها في الوقتين، و قال: في التأويل و لله يسجد من في السماوات و الأرض و الملائكة بين أرواح الأنبياء و الأولياء، و الصلحاء طوعا، و من أرواح الكافرين و المنافقين و الشياطين كرها بالدليل و التسخير تحت الأحكام و التقدير، و ظلالهم أي نفوسهم، فإن النفوس ظلال الأرواح و ليس السجود من شأنها لأنها أمارة بالسوء إلا ما رحم الرب فإنها تسجد بتبعية الأرواح (معنى آخر) و لله يسجد من في سماوات القلوب من صفات القلوب و الأرواح و العقول طوعا، و من في أرض النفس من صفات النفس و القوي الحيوانية و السبعية و الشيطانية كرها، و ظلالهم و هي آثارها و نتائجها. (آخر) و لله يسجد الأرواح في الحقيقة و ظلالهم و هي أجسادهم بالتبعية و هذا السجود بمعنى وضع الجبهة و خص الوقتان بالذكر لأن آثار القدرة فيهما أكثر، و إن أريد الانقياد و التسخير احتمل أن يراد بالوقتين وقت الانتباه و النوم،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 219

ففي الأول يطلع شمس الروح من أفق الجسد، و في الثاني تغرب فيه، انتهى. و قال الراغب: السجود أصله التطأمن و التذلل، و جعل ذلك عبارة عن التذلل لله و عبادته و هو عام في الإنسان و الحيوانات و الجمادات و ذلك ضربان، سجود باختيار و ليس ذلك إلا للإنسان و به يستحق الثواب، نحو قوله" فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَ اعْبُدُوا" أي تذللوا له، و سجود بتسخير و هو للإنسان و الحيوان و النبات و على ذلك قوله تعالى" وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ" و قوله تعالى" يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَ الشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَ هُمْ داخِرُونَ" فهذا سجود تسخير، و هو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، و أنها خلق فاعل حكيم، و قوله تعالى" وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَ الْمَلائِكَةُ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ" ينطوي على النوعين من السجود التسخير و الاختيار، و قوله تعالى" وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ" فذلك على سبيل التسخير و قال في الظل قوله تعالى" أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلى‏ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ يَتَفَيَّؤُا" إلخ أي إنشاؤه، يدل على وحدانية الله تعالى و ينبئ عن حكمته، و قوله عز و جل" وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ إلخ" قال الحسن أما ظلك فيسجد الله، و أما أنت فتكفر به، انتهى.

و أقول: يحتمل أن يكون المراد بالظلال عالم المثال، أو عالم الأرواح سواء قيل بتجردها أم كونها أجساما لطيفة، كما روي عن الصادق عليه السلام أن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام فلو قام قائمنا أهل البيت ورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة و لم يورث الأخ في الولادة، و روي أيضا أن الله خلق الخلق فخلق من أحب، و كان ما أحب أن خلقه من طينة من النار ثم بعثهم في الظلال، فقلت: و أي شي‏ء الظلال، فقال: أ لم تر إلى فلك في الشمس شي‏ء و ليس بشي‏ء، و مثله في الأخبار كثير و قد مر شرحها فالمراد بالظلال أرواحهم أو أجسادهم المثالية، أو أمثلتهم على القول بعالم المثال، فكلما يصدر عن أجسادهم من السجود

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 220

و غيرها يصدر عن أمثلتهم فهي تابعة للأجساد في كل ما يصدر عن العباد.

و لنرجع إلى شرح هذا الخبر فنقول: كأنه عليه السلام فسر السجود بالخضوع و التذلل و الانقياد و الدعاء، أعم من أن يكون بالمقال أو بلسان الحال، فإنها كلها خاضعة له منقادة لمشيته و إرادته، لا تقدر على الامتناع مما أراد منها، و تسأله سبحانه عما تستعد له بلسان إمكانها و افتقارها فتستجاب لها كما قال سبحانه" يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ" و قال تعالى" وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ" قيل أي بلسان استعداداتكم و قابلياتكم، و المؤمنون يسألونه بلسان المقال أيضا، و ضمير هي راجع إلى كل واحد، و التأنيث باعتبار الخبر، و كونهما ساعتا إجابة، لأنه يقدر ما يقع في كل من اليوم و الليل في مفتتحهما" و الغدو" بضمتين جمع الغدوة و هي البكرة، أو ما بين صلاة الفجر و طلوع الشمس" و الآصال" جميع الأصيل و هو ما بين صلاة العصر إلى الغروب.

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف.

" و اللعائن"

 (2) جمع لعان بالكسر كشمائل جمع شمال، و في القاموس: لعنه كمنعه طرده و أبعده، فهو لعين و ملعون، و الاسم اللعان‏

" يبث جنود الليل"

 (3) كان فيه حذفا، أي و جنود النهار بقرينة السياق، و في بعض النسخ" جنوده" و هو أظهر، و يؤيده ما رواه في الفقيه، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن إبليس إنما يبث جنود الليل، من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق، و يبث جنود النهار، من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس، و ذكر أن نبي الله كان يقول:

أكثروا ذكر الله إلى آخر الخبر.

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 221

و أقول: يمكن إضافة الوقتين إلى الليل لمجاورة أحدهما لابتداء الليل، و الآخر لانتهائه‏

فإنهما ساعتا غفلة،

 (1) أي يغفل الناس فيهما عن ذكر الله، و لا يبعد أن يكون إشارة إلى قوله تعالى" وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ" و في القاموس: غفل عنه غفولا تركه و سها عنه كأغفله أو غفل صار غافلا و غفل عنه و أغفله أوصل غفلته إليه، و الاسم الغفلة و الغفل محركة.

فائدة

اعلم أن الآيات المتكاثرة و الأخبار المتواترة تدل على فضل الدعاء و الذكر و لا سيما التهليل في هذين الوقتين، و كثير منها ظاهرها الوجوب، و إن لم يقل به صريحا أحد، و فيه علل كثيرة.

الأولى: شكر النعم التي مضت على الإنسان في اليوم الماضي، أو الليلة الماضية من الصحة و العافية و الأمن من البلايا و التوفيق للطاعة و غير ذلك.

الثانية: أنه يستقبل يوما أو ليلة يمكن نزول البلايا و الطوارق فيه، و يمكن أن يحصل له فيه صنوف الخيرات، و الطاعات و الصحة و السلامة، و أنواع الفوائد الدنيوية و الأخروية، و أضدادها من الذنوب و الخطيئات و البلايا و الآفات، و هاذان الوقتان من أوقات التقديرات كما دلت عليه الروايات، فلا بد له من تمهيد ما يستجلب له الخيرات و يدفع عنه الآفات.

الثالثة: أن في هاذين الوقتين الفراغ للعبادة و الذكر و الدعاء أكثر من سائر الأوقات ففي الصباح لم يشتغل بأعمال اليوم و في السماء قد فرغ منها، و لم يشتغل بعد بأعمال الليل.

الرابعة أن فيهما تظهر قدرة الله الجليلة من إذهاب الليل و الإتيان بالنهار، و بالعكس، مع ما فيهما من المنافع العظيمة و الفوائد الجسمية الدالة على كمال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 222

حكمته و لطفه لعباده فيستحق بذلك ثناء طريفا و شكرا جديدا.

الخامسة: أنه يظهر في الوقتين ظهورا بينا أن جميع الممكنات في معرض التغير و التبدل و الفناء، و أنها مسخرة لإرادة رب الأرض و السماء، و هو سبحانه باق على حال لا يعتريه الزوال و لا يخاف عليه الأهوال و لا تتبدل عليه الأحوال كما قال الخليل عليه السلام" لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ" فيتنبه العارف المترقي إلى درجة اليقين أنه سبحانه المستحق للتسبيح، و التهليل، و التحميد، و التمجيد، و الثناء العتيد.

السادسة: أن في هاتين الساعتين تنادي جميع المخلوقات في الأرضين و السماوات، أنها مخلوقة مربوبة، مفتقرة إلى صانع حكيم، منزه عن صفات الحدوث و الإمكان و سمات العجز و النقصان كما قال سبحانه" وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" بسمع اليقين ينبغي أن يوافقهم في ذلك، بل ينادي روحه و نفسه و جسده و أعضاؤه بشراشرها بلسان الحال، فيجب أن يوافقها بالمقال في جميع الأحوال، لا سيما في هاتين الحالتين اللتين ظهور ذلك فيهما أكثر من سائر الأحوال و هذه قريبة من السابقة.

السابعة: أنه ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه كل يوم بل كل ساعة قبل أن يحاسب في القيامة كما ورد عنهم عليهم السلام" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوها قبل أن توزنوا" لا سيما في هذين الوقتين اللذين هما وقتا صعود ملائكة الليل و النهار، فعند المساء ينبغي أن ينظر و يتفكر فيما عمل به في اليوم و ساعاته، و ما قصر فيه من عبادة ربه و طاعاته، و ما أتى به من سيئاته فيستغفر ربه و يحمده و يمجده استدراكا لما فات منه من الحسنات، و استمحالا فتيلا في ذلك بالذكر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 223

و الدعاء و الاستغفار، و يتوب إلى ربه المطلع على الخفايا و الأسرار، و النكات في ذلك كثيرة لا يمكن إحصاؤها و بما نبهنا عليه يمكن أن يتفطن العارف الخبير ببعض ما تركنا و الله الموفق.

 (الحديث الثالث)

 (1): مجهول، و في المحاسن، عن أبي يوسف، عن ابن أبي عمير، عن الأنماطي، عن كليمة صاحب الكلل عنه عليه السلام و بينهما اختلاف، و على ما رواه الكليني، لا إشعار فيه بالقراءة عند الصباح بل فيه إيماء باختصاصه بالمساء، و في المحاسن هكذا قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من قال هذا القول إذا أصبح فمات في ذلك اليوم دخل الجنة، فإن قال إذا أمسى فمات من ليلته دخل الجنة اللهم- إلى قوله- و رسولك و فلان، و فلان حتى ينتهي إليه- إلى قوله- و أبرأ من فلان و فلان و فلان و فلان أربعة، فإن مات في يومه أو ليلته دخل الجنة.

" الرحمن"

 (2) بالرفع خبر ثان، لأن أو خبر مبتدإ محذوف أي أنت الرحمن، و كذا

" الرحيم"

 (3) يحتمل الوجهين.

" و إن فلان بن فلان"

 (4) أي يسمي إمام العصر، أو القائم عليه السلام و الأول أظهر، و على التقديرين ضمير إليه عائد إليه، و التخصيص على الأول، لأن إمام العصر أخص بالداعي و أحق بالذكر، و على الثاني لأن الإيمان به مستلزم للإيمان بالجميع، و أنه المنتظر لشفاء غيظ صدورهم و الغلبة لأعدائهم، و أنه لا يستخفي بشي‏ء من الحق مخافة أحد من الخلق و الذكر أخيرا أيضا للتأكيد إن كان ذكره في الأخير أيضا مقصودا كما هو الظاهر

" إمامي"

 (5) أي يجب على الاقتداء به في جميع الأمور

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 224

" و وليي"

 (1) أي أولى بي و بالتصرف في، من نفسي و من كل أحد

" و إن أباه"

 (2) فيما عندنا من النسخ بصيغة المفرد

فقوله:" رسول الله"

 (3) عطف بيان له و

" عليا"

 (4) عطف على أباه و يحتمل أن يكون" آباءه" بصيغة الجمع فقوله عليا عطف على رسول الله، و على الأول تخصيص الأبوة بالرسول صلى الله عليه و آله و سلم لأنه الذي نفاه المخالفون" على ذلك أحيى" إلخ قيل هذا القول أما بالنظر إلى رسوخ اعتقاده و الاعتماد عليه، أو للطلب من الله أن يجعله كذلك‏

" و فلان"

 (5) في الثاني في أكثر نسخ الكتاب ثلاثة و في بعضها أربعة، كالمحاسن فالرابع معاوية عليهم اللعنة، و قيل: فلان في غير الأول غير منون لأنها كناية عن غير المنصرف‏

" دخل الجنة"

 (6) ظاهره أنه يدخلها بلا عقوبة، و قد يقال: إن المذكور أصل الإيمان و هو بدون الأعمال لا يوجب دخول الجنة ابتداء لأن المعاصي في المشية فلا بد من حمل الدخول على الدخول في الجملة، و إن كان بعد الجزاء، و لا يخفى بعده إذ لا فائدة حينئذ لهذا العمل.

 (الحديث الرابع)

 (7): كالسابق.

" و أصبحت"

 (8) من الأفعال التامة و

" مؤمنا"

 (9) حال عن ضمير أصبحت‏

" و بالله"

 (10) متعلق به و التقديم للحصر أي لا أشرك بعد غيره في الإلهية

" آمنت بسرهم و علانيتهم"

 (11) أي من دعى منهم الإمامة ظاهرا، كأمير المؤمنين، و الحسن صلوات الله عليهما، و من اتقى و لم يدع ظاهرا كسائر الأئمة عليهم السلام أو المراد بالسر، العقائد و بالعلانية الأقوال و الأعمال، أو المراد بالسر ما اختص بهم عليهم السلام من الجميع، و بالعلانية ما اشترك بينهم و بين سائر المسلمين، أو المراد بالسر ما يتقون فيه من المخالفين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 225

و بالعلانية ما لا يتقون فيه، و هذا قريب من السابق، أو بحكم التقية و حكم الواقع، أو المراد بالسر ما لا يصل إليه عقول سائر الخلق من المعارف الربانية و بعض درجاتهم و حالاتهم و بالعلانية ما سوى ذلك، و هذا أظهر الوجوه، و شاهدهم غير القائم عليه السلام و غائبهم هو عليه السلام، و قيل: الشاهد الموجود، و الغائب الماضي إلى جوار الله، و لا يخفى بعده، و في القاموس:

رغب‏

 (1) فيه كسمع زغبا و يضم و رغبة أراده، و عنه لم يرده و إليه رغبا محركة و رغبة بالضم و يحرك ابتهل أو هو الضراعة و المسألة

" فيما رغبوا إليه"

 (2) العائد محذوف أي إليه فيه.

 (الحديث الخامس)

 (3): صحيح.

" أبتدئ يومي هذا"

 (4) أي أفتتح يومي أو أبتدئ في يومي هذا باسم الله أو بقول بسم الله، و ما شاء الله عطف على اسم الله أو بسم الله، و قيل: على أبتدئ، و حاصل الكلام يحتمل وجوها:

الأول: أن يكون المعنى، أبتدئ قبل كل عمل قبل أن أنسى الله سبحانه و أعجل عن ذكره إلى غيره، و

قوله:" فإذا فعل ذلك"

 (5) من كلام الصادق عليه السلام‏

" أجزأه مما نسي‏

 (6) من ذكر الله" في هذا اليوم، لأنه افتتح يومه بذكره تعالى.

الثاني: أنه لما وجب أن يكون العبد جميع أفعاله مقرونة بالتسمية و التمشية،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 226

و يعرف أنه لا يتم له فعل، و لا يصدر منه أمر إلا بالاستعانة به سبحانه و بأسمائه العظام، و لا يكون شي‏ء إلا بمشيته سبحانه كما مر تحقيقه في الأصول، و قد يغفل الإنسان عن ذلك أما للنظر إلى الأسباب الظاهرة، و الغفلة عن مسبب الأسباب، و قد ينسى التسمية لا بد من ذكرها و تذكرها، و يترك قول ما شاء الله عند رؤية نعم الله، و تذكر أنها من قبل الله و تركهما إما لغفلة، أو لتعجيله في أمر فيذكر في أول يومه هذين القولين، و يتذكر هاتين العقيدتين، ليكون كل أفعاله و أقواله مقرونة بهما، و إن تحققت الفاصلة بينهما، و قوله:" أجزأه" أي كفاه، و قام مقام المنسي، و في النهاية أجزأني الشي‏ء أن كفاني فضمير المفعول، راجع إلى العبد، و ضمير الفاعل إلى فعل ذلك و هذا أظهر الوجوه، و له مؤيدات من سائر الأدعية.

الثالث: أن يكون المعنى أقول بسم الله و ما شاء الله قبل أن يقع مني نسيان و عجلة، لئلا يقعا مني، و آخر الخبر يأبى عنه.

الرابع: ما قيل أن المعنى أبتدئ و أقدم بين يدي نسياني عن الخيرات و سرعتي فيها هاتين الكلمتين الشريفتين، و في الأول توسل بالذات الواجب وجوده لذاته المستجمع لجميع كمالاته و صفاته، و في الثانية تفويض للأمر إليه و إذعان بأنه لا يقع في ملكه شي‏ء إلا بمشيته إلا أن مشيته في فعل العباد غير حتمية و تعلقها بالطاعة بالذات و بالمعصية بالعرض لأنه أراد انطباق علمه بالمعلوم و هي تستلزم إرادة المعلوم بالعرش فمشيئته المتعلقة بالطاعة بالذات من وجه و بالعرض من وجه آخر و مشيته المتعلقة بالمعصية بالعرض فقط و منه يظهر سر ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن، انتهى، و أقول: هو في غاية العبد لفظا و معنى.

 (الحديث السادس)

 (1): مرسل.

و كونه محفوفا

بجناح جبرئيل‏

 (2) كناية عن كونه محفوظا من جميع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 227

الآفات، و في المصباح:

استودعته‏

 (1) مالا دفعته له وديعة ليحفظه، و في النهاية:

العلي‏

 (2) الذي ليس فوقه شي‏ء في الرتبة، و الحكم فعيل بمعنى مفعول من علا يعلو، انتهى، و

الأعلى‏

 (3) تأكيد و مبالغة في علوه، و إنه أعلى من أن يدرك علوه، أو يدانيه أحد في علوه، و في النهاية:

الجليل‏

 (4) هو الموصوف بنعوت الجلال و الحاوي جميعها هو الجليل المطلق، و هو راجع إلى كمال الصفات، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات، و العظيم راجع إلى كمال الذات و الصفات، و قال فيه أتاه جبرئيل فقال بسم الله أرقيك من كل داء يعنيك أي يقصدك يقال عنيت فلانا عنيا إذا قصدته، و قيل معناه من كل داء يشغلك يقال: هذا أمر لا يعنيني أي لا يشغلني و يهمني، و منه الحديث" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" أي ما لا يهمه و يقال:

عنيت‏

 (5) أعني بها فأنالها معنى، و عنيت به فأنا عان، و الأول أكثر أي اهتممت بها و اشتغلت.

" أستودع الله نفسي"

 (6) كذا في النسخ، و الظاهر تأخير نفسي عن كل شي‏ء مع‏

قوله و من يعنيني أمره‏

 (7) كما في سائر الروايات، و على تقدير صحته فالمرهوب صفة للجلالة، و الفرق بينه و بين المخوف أن الرهبة ملاحظة العظمة من حيث هي، و الخوف بملاحظتها مع ملاحظة التقصير كذا قيل، و قال الراغب:

الرهبة،

 (8) و الرهب، و الرهب مخافة مع تحرز و اضطراب، و في القاموس‏

تضعضع‏

 (9) خضع و ذل و افتقر.

 (الحديث السابع)

 (10): كالسابق، و المراد

بالصلوات‏

 (11) صلاة المغرب، و الجمع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 228

باعتبار تعدد المكلفين كما قيل، أو مع نوافلها أو مع صلاة العشاء و نوافلها أيضا، و الدعاة جمع الداعي و المراد بها المؤذنون فإنهم يدعون الناس إلى الصلاة، أو طالبوا الحاجات منه تعالى.

 (الحديث الثامن)

 (1): ضعيف.

" إلا قال له"

 (2) أي اليوم بلسان الحال أو الملك الموكل به بلسان المقال، و قيل: يبقى للأقوال و الأفعال و الأعمال آثار في بدن الإنسان تظهر في القيامة فهي شهادتها، نسبت إلى اليوم مجازا فهو يخوف الإنسان بلسان الحال من ذلك، و قد يقال: إن للجمادات و سائر الموجودات أرواحا و شعورا و تسبيحا، كما قال تعالى" وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" و الإيمان الإجمالي بأمثال ذلك، و عدم الخوض فيها أحوط و أولى‏

" فإنك لن تراني بعدها"

 (3) الضمير راجع إلى الأعمال و الأقوال، أو إلى الساعات و الأزمنة، و في الفقيه بعد هذا أبدا و يمكن أن يكون المراد عدم الرؤية في دار التكليف، فلا ينافي الشهادة يوم القيامة، و الغرض إني لا أرجع إليك في الدنيا حتى يمكنك تدارك ما فات في، و اليوم الآخر الذي تدركه له حقوق عليك و أعمال تختص به فلا يمكن تدارك ذلك فيه أيضا.

و قال الجوهري:

الرحب‏

 (4) بالضم السعة، و قولهم مرحبا و أهلا أي أتيت سعة و أتيت أهلا. فاستأنس و لا تستوحش انتهى، و قيل: منصوب بفعل محذوف، و الباء للسببية أي صادفنا سعة في الحال و سرورا بسبب مجيئك،

و الكاتب الشهيد

 (5) أي الشاهد علي أو الحاضر، و الخطاب في‏

" اكتبا"

 (6) للملكين، و كون الخطاب لليوم، و الملك بعيد و على التقديرين المراد بالكاتب الجنس، و الأمر لكاتب السيئات بالتبع، أو لمدخليته في كتابة الحسنات أيضا

" على اسم الله"

 (7) أي مستعينا بذكر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 229

اسم الله، أو بعون الله، أو ابتداء بكتابة اسمه تعالى، ثم اكتبا أعمالي و يمكن أن يقرأ" علي" بتشديد الياء أي لي لكنه بعيد، و الضمير المستتر في يذكر عائد إلى علي عليه السلام.

 (الحديث التاسع)

 (1): مجهول.

" إذا تغيرت الشمس"

 (2) تطلق الشمس على جرمها و ضوئها و الخبر يحتملهما و المراد تغير لونها و اصفرارها قريبا من غروبها

" يشغلونك"

 (3) من باب منع أو باب الأفعال، و قيل الثانية قليلة أو ردية، و يروي أنه كتب رجل إلى الصاحب بن عباد:

المأمول من الأمير إشغالي ببعض إشغاله فكتب الصاحب على عريضته من كتب إشغالي لا يصلح لإشغالي‏

" فقم"

 (4) أي إلى موضع لا يشغلك فيه أحد

" و ادع الله"

 (5) و أذكره فإنها ساعة الإجابة و قبول الدعاء و العبادة.

 (الحديث العاشر)

 (6): ضعيف.

و كان المراد

بالتناسخ‏

 (7) الانتساخ و نسخ بعضهم عن بعض، و يحتمل أن يكون‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 230

من تناسخ الميراث أو التداول في القاموس: نسخ الكتاب كمنع كتبه عن معارضة كانتسخه و استنسخه، و المنقول منه النسخة بالضم، و التناسخ و المناسخة في الميراث موت ورثة بعد ورثة، و أصل الميراث قائم لم يقسم، و تناسخ الأزمنة تداولها

" كان إذا أصبح يقول"

 (1) الضمائر الثلاثة راجعة إلى رسول الله، أو إلى كل واحد من الأنبياء و كان الأول أظهر.

" تباشر به قلبي"

 (2) المباشرة ملاقاة البشرة، و في القاموس. باشر الأمر وليه بنفسه، و المرأة جامعها، أو صار في ثوب واحد فباشرت بشرته بشرتها، فهذه الفقرة تحتمل وجوها:

الأول: أن يكون المعنى تجده في قلبي، و لا يكون إيمانا ظاهريا بمحض اللسان، و هذا ما فهم أكثر مشايخنا، و لعل وجه الدلالة أن من طلب شيئا من موضع و وجده فيه أو في محل لا يكون غالبا إلا بأن يدخل الموضع أو يباشر الشي‏ء الذي قام ذلك الشي‏ء به بكفه، فعبر عن كون الإيمان في القلب بمباشرة الله القلب بسببه، أي إيمانا تباشر بسبب ذلك الإيمان و تفحصه و العلم به قلبي.

و الثاني: أن يكون عبارة عن استقرار الإيمان و ثباته و عدم كونه مستودعا فالمراد إما مباشرته به و وجدانه فيه دائما أو إشارة إلى أن الإيمان القلبي لا يزول و المستودع لا يكون قلبيا.

الثالث: أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملا تكون بسبب ذلك الإيمان مباشرا لقلبي مستقرا فيه، أي يكون محلا لمعرفتك و حبك كما ورد في الخبر" قلب المؤمن عرش الرحمن".

الرابع: أن يكون المعنى أسألك إيمانا ثابتا تجده في قلبي يوم لقائك أي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 231

عند الموت أو في القيامة، و هذا مما أفاده الوالد العلامة ره.

الخامس: أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملا تكون بسببه مالكا لازمة نفسي مدبرا الأمور قلبي كما ورد" قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء" و خاطب سبحانه مقر بي جنابه بقوله" وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ" السادس: أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملا يقينيا يباشرك قلبي، و يراك على سبيل القلب كما ورد" أعبد الله كأنك تراه" و قال أمير المؤمنين عليه السلام" لم أكن لأعبد ربا لم أره" و قال:" لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا".

السابع: ما قيل أي تلي بإثباته قلبي بنفسك يقال: باشر الأمر إذا وليه بنفسه.

الثامن: أن تكون الباء للتعدية، أي تجعله مباشرا لقلبي مستقرا فيه، و أكثر هذه الوجوه مما خطر بالبال و الله أعلم بأسرار تلك الفقرة، و من قال و يحضرني وجوه دقيقة أخرى لا نطيل بإيرادها المقال.

" و يقينا"

 (1) أي بالقضاء و القدر، و قد مر في باب اليقين أنه يطلق غالبا على الإيمان الكامل بذلك، و لذا قال‏

" حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي"

 (2) و هو إشارة إلى قوله تعالى:" قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" و قيل: حتى أعلم أي حتى أعمل بمقتضى علمي و هو التوكل كما قال تعالى- بعد قوله قُلْ لَنْ يُصِيبَنا." وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" و قد يطلق اليقين على مطلق الإيمان الكامل بجميع العقائد الإيمانية بحيث يظهر على الجوارح آثاره، و قال المحقق الطوسي ره- في أوصاف الأشراف- اليقين هو العلم بالحق مع العلم بأنه لا يكون غيره فهو مركب من علمين.

" إلا ما كتبت لي" أي في اللوح أو هو كناية عن القضاء و القدر، و هو لا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 232

ينافي مدخلية العبد و اختياره في بعضها، أو هو في غير التكاليف و قد مر تحقيقه في أبواب العدل.

" و رضا بما قسمت لي"

 (1) هذه هي الكلمة الثالثة إشارة إلى قوله سبحانه" ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ" قوله: و زاد فيه هذه الفقرات من تتمة الكلمة الثالثة، و يمكن أن لا تكون في هذه الرواية لفظة ثلاث‏

" تعجيل ما أخرت"

 (2) من متاع الدنيا و زهراتها

" و لا تأخير ما عجلت"

 (3) أي من نوائب الأزمنة و مصيباتها، و يمكن التعميم فيهما كما يقول بعض الجاهلين لو كان هذا المطر قبل ذلك أو بعد ذلك كان أنفع مثلا، و قيل في حذف المستغاث له دلالة على التعميم، و يمكن تخصيصه بالشدائد الحاضرة و تخصص‏

" أصلح لي شأني كله"

 (4) بالتقصيرات الماضية، و الشأن الخطب و الأمر و الحال، و قد تخفف الهمزة و تخصيص‏

قوله" و لا تكلني"

 (5) بالأموال الآتية، و قال الجوهري: و كل إليه الأمر وكلا و وكولا سلمه و تركه و أقول: يحتمل أن يكون قوله:" يا حي إلخ" مشتركا بين الروايتين و الاختصاص بالثانية أظهر.

 (الحديث الحادي عشر)

 (6): مرسل.

و يحتمل أن يكون عطفا على السند السابق فيكون مثله.

" أصبحنا و الملك له"

 (7) الإصباح الدخول في الصباح و الواو للحال و الملك بالضم العظمة و السلطة و التصرف بالأمر و النهي في الجمهور و القدرة على إجراء ما أراد منهم، و الملك الحقيقي مخصوص به، و ملك من سواه بيده كما قال سبحانه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 233

" قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ" الآية، و قيل المحمود عليه الإصباح المقيد أو القيد، و الأول نعمة لنا، و الثاني و هو كون الملك له تعالى صفة له، و بكل واحدة منهما يستحق الحمد

" و أصبحت"

 (1) في الأول عمم نعمة الإصباح و في الثاني خصه بنفسه و قوله عبدك حال و كذا ما عطف عليه و فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، إشارة إلى أنه بالحمد الأول صار مستحقا للحضور و المخاطبة كما قبل في سورة الحمد، و ربما يقرأ

عبدك‏

 (2) بالضم ليكون مبتدأ، و

قوله" في قبضتك"

 (3) خبره، و الجملة حالا و هو بعيد، و كونه في قبضته سبحانه كناية عن اقتداره و استيلائه و تسلطه عليه فإن ما كان في كف أحد يقدر على التصرف فيه كيف شاء، و منه قوله تعالى" وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ" قال البيضاوي: تنبيه على عظمته و حقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأفهام بالإضافة إلى قدرته تعالى، و دلالة على أن تخريب العالم أهون شي‏ء عليه على طريقة التخييل و التمثيل من غير اعتبار اليمين حقيقة و لا مجازا كقولهم (شابت لمة الليل) و قال الجوهري: قبضت الشي‏ء قبضا أخذته و يقال صار الشي‏ء في قبضك و في قبضتك أي في ملكك و القبضة بالضم ما قبضت عليه من شي‏ء.

" من حيث أحتسب"

 (4) أي أظن‏

" و من حيث لا أحتسب"

 (5) أي لا أظن أو من حيث أعده من جهات حصول رزقي و من حيث لا أعد و قال تعالى" وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ" قيل أي لا يظن من حسبت، أو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 234

لم يكن في حسابه من حسب، و قوله تعالى" يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ" أي يظنهم و في الحديث (أبي الله إلا أن يرزق المؤمنين من حيث لا يحتسبون)

" من حيث احتفظ"

 (1) الاحتفاظ هنا بمعنى التحفظ و التحرز و التيقظ، و إن لم أره في كتب اللغة بهذا المعنى، أي من حيث أعلم ضرره و أتحرز منه، و من حيث لا أعلم و لا أتحرز.

" و سيد السادات"

 (2) أي مالك الملاك، و قال في النهاية: السيد يطلق على الرب، و المالك، و الشريف، و الفاضل، و الكريم، و الحليم، و المتحمل أذى قومه، و الزوج، و المقدم، و أصله من ساد يسود فهو سيود فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت، و قال فيه: إنه جاء رجل فقال أنت سيد قريش فقال: السيد الله، أي هو الذي يحق له السيادة، كأنه كره أن يحمد في وجهه و أحب التواضع، و فيه أنه قال للحسن بن علي إن ابني هذا سيد فقيل أراد به الحكيم لأنه قال في تمامه و إن الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

و قال الراغب: السيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة، و ينسب ذلك فيقال سيد القوم، و لا يقال سيد الثوب، و سيد الفرس، يقال ساد القوم يسودهم، و لما كان من شرط المتولي للجماعة أن يكون مهذب النفس، قيل لكل من كان فاضلا في نفسه سيد، و على ذلك قوله تعالى" وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً" و قوله" وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ" فسمي الزوج سيدا لسياسة زوجته، و قوله عز و جل" إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا" أي ولاتنا و سائسينا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 235

" يا لا إله إلا أنت"

 (1) الموصول مقدر أي يا من لا إله إلا أنت‏

" بشفائك"

 (2) أي بلا توسط أحد من المخلوقين أو بالشفاء الكامل فإن ما ينسب إلى الكامل يكون كاملا، و قد يقال‏

" من كل داء و سقم"

 (3) متعلق بشفائك لا بقوله اشفني، و يمكن أن يكون المراد بالداء الأمراض الروحانية، و بالسقم العلل الجسمانية

" أتقلب في قبضتك"

 (4) أي أتحول و أتصرف من حال إلى حال من الشباب و المشيب، و الصحة و السقم، و سائر الأحوال المختلفة في قبضتك، و قدرتك و اختيارك، أو أتصرف في الأمور في قبضتك، إشارة إلى الأمر بين الأمرين أي و إن كنت أتصرف في الأمور، لكن لم أخرج من قدرتك و قبضتك و اختيارك و لم يصدر عني أمر إلا بمشيتك و قضائك و قدرك، و هذا معنى لطيف جليل خطر بالبال، قال في القاموس:

قلبه يقلبه حوله عن وجهه، كأقلبه و قلبه، و الشي‏ء حوله ظهرا لبطن كقلبه، و تقلب في الأمور تصرف كيف شاء انتهى، و قال تعالى" أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ" أي متقلبين في متاجرهم و أسفارهم و قال" تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ" أي تصرفهم فيها للتجارة، أي فلا يغرنك تقلبهم و خروجهم من بلد إلى بلد فإن الله تعالى محيط بهم، و قال" وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ" أي المصلين، و تقلبه فيهم تصرفه فيما بينهم بقيامه و ركوعه و سجوده و قعوده إذا أمهم، و قال" تقلب فيه القلوب و الأبصار" أي تضطرب من الهول و الفزع و تشخص أو ينقلب أحوالها فتفقه القلوب و تبصر الأبصار بعد إن كانت لا تفقه و لا تبصر، و قال" قَدْ نَرى‏ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ" أي تردد وجهك و تصرف نظرك تطلعا للوحي.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 236

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): مرفوع، و ضمير

عنه‏

 (2) راجع إلى أحمد بن محمد.

و في الفقيه في دعاء آخر شبيه بهذا الدعاء" اللهم إن الليل و النهار خلقان هن خلقك فلا تبتليني فيهما بجرأة على معاصيك إلخ" فقرأ السيد الداماد (ره) خلفان بكسر الخاء المعجمة و الفاء إشارة إلى قوله تعالى" وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً" و هو تصحيف لطيف مخالف للمضبوط في النسخ المعتبرة، ثم اعلم أنه على نسخة الكافي يمكن أن يقرأ

النهار

 (3) بالنصب عطفا على اللفظ و بالرفع عطفا على المحل، و

الابتلاء

 (4) الامتحان، أو الوقوع في البلاء و الشدة، و ابتلاء الإنسان باليوم الابتلاء بالبلايا و المصائب فيه فكأن اليوم أوقعه فيها فالإسناد مجازي، و يحتمل أن يكون الباء للظرفية لكنه بعيد، و ابتلاء اليوم بالإنسان أن يوقع فيه الشرك و الكفر أو المعاصي لأنه يضيع يومه بها فكأنه قد أذاها، فالإسناد أيضا على المجاز أو المراد ابتلاء الملائكة الموكلين باليوم أو بالإنسان فيه، أو يقال: إن جميع المخلوقات لما كانت في مقام التذلل، و الخضوع، و السجود، و الانقياد، و التسبيح له تعالى فهي منكرة للمعاصي طبعا، و هي مخالفة لمقتضاها فهي مبتلى بها، و على القول بأن لها أرواحا و شعورا لا يحتاج إلى تكلف. و

قوله" و لا تره"

 (5) تفسير و تأكيد له، و قد يخص الابتلاء بالشرك و الكفر حذرا من التكرار، و هو تكلف، و يمكن إدخال الجميع في كل من الفقرتين الأولين، فتكون الثانية تأكيدا للأولى تفننا في الكلام فإن الابتلاء بالمعاصي لما كان في اليوم يمكن نسبته إليه مع قطع النظر عن أن لمقتضيات الأزمنة مدخلا في ذلك، و أيضا لما كان لأفعال الإنسان مدخلا في البلايا و المصائب، و هي من هذه الجهة مخالفة لمقتضى اليوم، كما قال تعالى" وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 237

و يمكن أن يراد بالمعاصي الكبائر و لذا نسب الجرأة إليها، و

بالمحارم‏

 (1) الصغائر أو الأعم، و يمكن أن يقال: في الركوب إشعار بالإصرار،" و المحارم" جمع المحرم على مفعول بناء التفعيل‏

" و الأزل"

 (2) بالفتح الضيق و الشدة

" و اللأواء"

 (3) الشدة و ضيق المعيشة

" و البلوى"

 (4) اسم لما يبتلي و يختبر به من المحنة، و البلية، و الغم من بلوته و ابتليته اختبرته.

" و سوء القضاء"

 (5) السوء بالضم اسم من ساءه سوءا إذا فعل به ما يكره، و المراد به الآفات و البليات و غيرها مما تعلق به القضاء قد يدفع بالدعاء كما مر

" و شماتة الأعداء"

 (6) هي الفرح و السرور بذل الغير و هو أنه و بليته،

" و منظر السوء في نفسي و مالي"

 (7) السوء يقرأ بالضم و الفتح و الفتح أحسن.

في القاموس: ساءه سوءا و سواءة و مساءة فعل به ما يكره و السوء بالضم الاسم منه، و رجل سوء و رجل السوء بالفتح و الإضافة، و قال المنظر و المنظرة ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك.

و قال الجوهري: ساءه يسوؤه سوء بالفتح نقيض سره، و الاسم السوء بالضم، و قرئ قوله تعالى" عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ" يعني الهزيمة و الشر و من فتح فهو من المساءة، و تقول هذا رجل سوء بالإضافة ثم تدخل عليه الألف و اللام فتقول هذا رجل السوء.

قال الأخفش: و لا يقال الرجل السوء، و يقال الحق اليقين، و حق اليقين جميعا لأن السوء ليس بالرجل، و اليقين هو الحق، قال: و لا يقال هذا رجل السوء بالضم، انتهى: إذا عرفت هذا فهذه العبارة تحتمل وجهين:

الأول: أن يكون" منظر" مصدرا ميميا أي النظر إلى أمر يسوؤني في نفسي و مالي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 238

الثاني: أن يكون منظر بمعنى ما ينظر إليه، فالإضافة بيانية، و على التقديرين سوء النفس شامل للعيوب النفسانية، و الجسمانية، و العاهات البدنية، و في المال تلفه أو نقصه، أو الخسران فيه أو كساده، بل كونه حراما أو شبهة أو مخلوطا بالحرام، و في بعض الأدعية للسفر" أعوذ بك من كابة المنقلب و سوء المنظر في النفس، و الأهل، و المال، و الولد.

" و بالقرآن بلاغا"

 (1) إشارة إلى ما وصف الله تعالى في مواضع من القرآن بالبلاغ منها قوله سبحانه في سورة إبراهيم" هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ" و قال الطبرسي (ره): هو إشارة إلى القرآن، أي هذا القرآن عظة للناس بالغة كافية، و قيل هو إشارة إلى ما تقدم ذكره، أي هذا الوعيد كفاية لمن تدبره من الناس، و الأول هو الصحيح، و منها قوله تعالى في سورة الأحقاف" بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ" و قال الطبرسي: أي هذا القرآن و ما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم و البلاغ بمعنى التبليغ، و منها قوله عز و جل في سورة الأنبياء" إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ" قالوا أي في هذا القرآن و دلائله كفاية و وصلة إلى البغية و البلاغ سبب الوصول إلى الحق.

و الحاصل: أن البلاغ بالفتح الكفاية، و الاسم من الإبلاغ و التبليغ و هما الإيصال، و قد يقوم مقامهما و يفيد مفادهما، و في القرآن تبليغ رسالات الله و كفاية لمن تدبر فيه و عمل به لأن فيه الدلالة على الإمام، و على أن لكل قوم و كل عصر هاديا و إماما يبين للناس ما أشكل عليهم فمن عمل به لا يشتبه عليه أمر

" قال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 239

و كان يقول"

 (1) أي أمير المؤمنين عليه السلام‏

" إذا أمسى"

 (2) أي دخل في وقت المساء

" أصبحنا لله شاكرين"

 (3) قيل أصبح و أمسى هنا إما لاقتران مضمون الجملة بهذين الوقتين أو بمعنى صار لإفادة الانتقال من حال إلى حال، مجردا عن ملاحظة الوقت له، أو تامة" و لله" على الأولين متعلق بما بعده و تقديمه لقصد الحصر أو الاهتمام، و على الأخير حال كما بعده أو متعلق به و التقديم لما ذكر، و إنما قدم الشكر على الحمد لأن العرفي منه أعظم من الحمد، و اللغوي أهم لكونه في مقابل النعمة و أعم باعتبار صدوره من كل واحد من الموارد الثلاثة

" و الحمد لله كما أمسينا"

 (4) إشارة إلى أن هاتين النعمتين، يعني الكون من أهل الإسلام أو التسليم و الانقياد، و الكون من أهل السلامة من الآفات يقتضيان الحمد لله رعاية لحسن المعاملة و أداء لحق النعمة

" و إذا أصبح قال"

 (5) إنما غير الأسلوب فقال في السابق أولا أصبحنا، و قال هنا أولا أمسينا لرعاية تقديم ما هو المقدم بحسب الواقع في الموضعين، انتهى.

و قيل: الفرق بين الشكر و الحمد هنا، إن الأول تعظيم بجميع الجوارح التي تعلقت بها الفرائض، و الثاني تعظيم باللسان فقط

" و شاكرين"

 (6) في الموضعين حال محققة، إذ تقدير الله تعالى الشكر في اليوم الماضي معلوم لنا في أول الليل، بسبب أداء الفرائض مثل الصلاة و تقديره تعالى الشكر في الليل غير معلوم لنا في أوله، بل المعلوم الحمد فقط، فلذا نسب الشكر إلى الماضي و الحمد إلى الحال، و الأمر في الفقرة الثانية أيضا كذلك و الكاف في كما في الموضعين للتشبيه، و ما مصدرية و الظرف قائم مقام المفعول المطلق للنوع بتقدير حمدا، كما و أقيم هنا المقتضي للشي‏ء

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 240

مقامه فإن الإمساء بالسلامة مثلا يقتضي نوعا عظيما من الحمد، فكأنه وقع ذلك الحمد نفي هذا الوقت ينتنئ مثله و نظائر هذا كثيرة نحو- أحسن كما أحسن الله إليك-

" و لك"

 (1) متعلق بكل من مسلمين، و سالمين، و المراد

بالإسلام‏

 (2) هنا الانقياد، و

بالسلامة

 (3)، و السلامة من الغش و الخلوص لله تعالى، انتهى.

 (الحديث الثالث عشر)

 (4): موثق.

" بسم الله"

 (5) أي أبتدئ هذا الدعاء أو كل أعمالي في هذا اليوم أو متبركا أو مستعينا بسم الله، و قيل الاسم مقحم‏

" و بالله"

 (6) أي أستعين بالله‏

" و إلى الله"

 (7) أي مرجعي أو التجائي إليه‏

" و في سبيل الله"

 (8) أي جعلت نفسي أو أعمالي و إرادتي كلها في سبيل الله، حتى تكون أعمالي خالصة له و موافقة لرضاه، و قيل: أي أنا مستقيم في سبيل الله، و أنا مستقر ثابت على ملة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، أو أعمالي موافقة لملة رسول الله و شريعته، و قيل الجار في هذه المواضع متعلق بفعل مقدر و تقديره بعده لقصد الحصر، و العطف من باب عطف الجملة على الجملة، كما في حمدا له، و شكرا له.

" إليك أسلمت نفسي"

 (9) أي سلمتها إليك لا إلى غيرك، فعليك حفظها و إصلاحها، و في القاموس: أسلم انقاد و صار مسلما كتسلم، و العدو خذله و أمره إلى الله سلمه.

" و إليك فوضت أمري" قال في النهاية: في حديث الدعاء،

فوضت أمري إليك‏

 (10) أي رددته، يقال: فوض إليه الأمر تفويضا إذا رده إليه و جعله الحاكم فيه انتهى، و من فوض أمره إلى الله هداه إلى الخيرات و وقاه من الشرور، و كما قال تعالى" فَوَقاهُ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 241

اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا" و في المكارم بعد ذلك" و إليك وجهت وجهي" أي وجه قلبي أو ذاتي أو توجهي و عبادتي، و في المشكاة بعد ذلك- و ألجأت ظهري إليك.

و قال الطيبي في شرحه: في هذا النظم غرائب و عجائب لا يعرفها إلا النقات من أهل البيان فقوله- أسلمت نفسي- إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره و نواهيه، و قوله- وجهت وجهي- إلى أن ذاته و حقيقته مخلصة بريئة من النفاق و قوله- فوضت- إلى أن أموره الداخلة و الخارجة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره، و قوله- ألجأت ظهري إليك- بعد قوله- فوضت- إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليها و بها معاشه و عليها مدار أمره يلتجئ إليه ما يضره و يؤذيه من الأسباب الداخلة و الخارجة، انتهى.

" و عليك توكلت"

 (1) أي اعتمدت في أموري عليك، و ألجأتها إليك لعجزي عن القيام بها، و ثقتي بكفايتك إياها

" يا رب العالمين"

 (2) أي جميع ذلك مما تقتضيه ربوبيتك‏

" اللهم احفظني بحفظ الإيمان"

 (3) أي بأن تحفظ إيماني، أو مع حفظه، أو بما تحفظ به أهل الإيمان، أو بحفظ تؤمنني به من مخاوف الدنيا و الآخرة، فإن المؤمن من أسمائه تعالى، و قيل: أي الحفظ الذي يقتضيه الإيمان ليشمل الحفظ عما يضر بالدين كما يشمل الحفظ عما يضر بالدنيا، و قيل الباء للسببية المجازية، مثل ضربته بضرب شديد، و إضافة المصدر إلى المفعول، فهو قائم مقام المفعول المطلق للنوع أي احفظني حفظ الإيمان، أي حفظا شديدا، فهو إشارة إلى أنه تعالى يحفظ السماوات و الأرض، و سائر أجزاء العالم لحفظ إيمان المؤمنين، فحفظه للإيمان أشد من حفظه سائر الأشياء

" من بين يدي"

 (4) قيل استوعب الجهات الست بحذافيرها لأن ما يلحق الإنسان من بلية، و فتنة فإنما يلحق به و يصل إليه من إحدى هذه الجهات، و قيل: الجهات الأربع الأول المراد منه ما يصيبه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 242

من قبل الخلق، و الخامسة و السادسة من قبل الله، و السابعة من قبل نفسه و قد يقرأ" من" بفتح الميم عطفا على الضمير المنصوب في احفظني، و قبلي بكسر القاف و فتح الباء صلة للموصول أي أحفظ من كان له عندي من أهلي و أولادي و أحبائي، و الأول أظهر، و قيل: السالك إلى الله خائف من قطع الطريق من الشيطان، و من نفسه الأمارة بالسوء و الشيطان يأتيه من الجهات الست بالوساوس و الشبهات و النفس تعرض عليه سلوك سبيل المشتهيات، فهو من قرنه إلى قدمه مغمور في بحار الظلمات و مخنوق بالأدخنة الثائرة من نيران الشهوات، ظلمات بعضها فوق بعض، فلم ير للتخلص منها مساغا إلا بأن يلتجئ إلى الله سبحانه و يطلب منه الحفظ من جميع تلك الجهات، و ما يخاف منه من قبل نفسه.

و إنما أخره مع أن الاحتراز عن العدو الداخلي أولى من الاحتراز عن الخارجي، لأن رفع الخارج إذا كان منه فساد الداخل أهم، و لعل السر في تقديم الإمام و الخلف و تأخير الفوق و التحت و توسيط اليمين و الشمال أن إتيان العدو في الأولين أغلب، إلا أن القوي يأتي من الإمام و الضعيف من الخلف، و في الأخيرين نادر جدا، و في الوسطين غالب بالنسبة إلى الأخيرين، فالأولى في طلب الحفظ أن يقدم الأهم فالأهم، و إنما أثر" عن" على" من" في الوسطين طلبا لتجاوز الحفظ منهما إلى الأولين للمبالغة في حفظهما حيث طلبه أولا صريحا و ثانيا ضمنا، و قيل:" عن" هنا اسم بمعنى الجانب إذ المراد باليمين و الشمال هنا العضوان المخصوصان لا الجانبان بتقدير" من عن يميني، و من‏

عن شمالي‏

 (1)" و حذفت" من" حذرا من اجتماع حر في الجر بحسب الصورة و قد يذكران- فيقال:- من عن يميني.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 243

" من كل سوء و شر"

 (1) يمكن أن يكون المراد بالسوء بلايا الدنيا، و بالشر عقوبات الآخرة، على اللف و النشر المرتب، أو المراد بالسوء الحزن و الغم، و بالشر عذاب البدن، و ذكر الضغطة بعد العذاب للتخصيص بعد التعميم لكونها أشد عقوبات القبر، و يومئ إلى عدم عموم الضغطة

" و ضيق القبر"

 (2) كأنه كناية عن شدة عالم البرزخ، و قال الجوهري‏

السطوة

 (3) القهر بالبطش يقال سطا به و السطوة المرة الواحدة و الجمع السطوات انتهى، و سطوات الليل و النهار البلايا النازلة فيهما فإنها عقوبات العمال غالبا، و يمكن أن يكون المراد بطش الجبارين و الظالمين، و يؤيده أن في بعض نسخ المكارم من سطوات الأشرار في الليل و النهار، و يؤيده الأول أن في بعض نسخ الكتاب من سطواتك في الليل و يمكن التعميم و كأنه أولى و على التقادير الإضافة إلى ظرف الزمان.

" و رب المشعر الحرام"

 (4) أي المزدلفة أو الجبل الذي فيها، أو المسجد الذي فيه، و يمكن أن يراد به جنس المشعر ليشمل عرفات بل غيرهما أيضا، كما ورد في بعض الأدعية- و رب المشاعر العظام- و على الأول التخصيص لكونها أشرف لدخولها في الحرم، و الوقوف بها أفضل للأخبار الكثيرة، و لظاهر الآية حيث لم يأمر بوقوف عرفات صريحا و أمر بالذكر عند المشعر صريحا حيث قال (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) و عند أكثر العامة بالعكس لروايتهم- الحج عرفة- و في القاموس: أشعار الحج مناسكه، و علاماته و الشعيرة و الشعارة و المشعر معظمها أو شعائره معالمه التي ندب الله إليها و أمر بالقيام بها و المشعر الحرام و تكسر ميمه المزدلفة و عليه بناء اليوم، و وهم من ظنه جبيلا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 244

بقرب ذلك البناء انتهى.

و في المصباح المشاعر مواضع المناسك، و المشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة و اسمه قزح و ميمه مفتوحة على المشهور، و بعضهم يكسرها على التشبيه باسم الآلة انتهى،

" و رب الحل و الحرام"

 (1) و في بعض النسخ و الإحرام فعلى الأول الحل بالكسر بمعنى الحلال أو ما خرج عن الحرم فالمراد بالحرام الحرم، و على الثاني المراد بالحل الإحلال أي الخروج عن الإحرام، في القاموس حل من إحرامه يحل حلا بالكسر و أحل خرج فهو حلال و فعله في حله و حرمه بالضم و الكسر فيهما أي وقت إحلاله و إحرامه، و الحل بالكسر ما جاوز الحرم و الحلال و يكسر ضد الحرام كالحل بالكسر انتهى، و الوجه في تخصيص هذه الأشياء بالمربوبية- مع أنه رب كل شي‏ء- المبالغة في تعظيم الخالق بإضافة كل عظيم شريف إلى إيجاده و لذلك ورد رب السماوات و الأرضين، و رب النبيين و المرسلين، و رب الجبال و الهواء، و رب المشرقين و رب المغربين، و رب العالمين و غير ذلك مما جاء في القرآن و الأدعية و لم يرد فيما يستحقر و يستقذر كالحشرات و الكلاب و القرود و القاذورات، إلا في ضمن العموم.

" أبلغ"

 (2) أمر من باب الأفعال‏

" بدرعك الحصينة"

 (3) درع الحديد مؤنثة عند الأكثر، و قد يذكر و بمعنى القميص مذكر و هنا كناية عن حفظه و حراسته و أمر الملائكة بدفع الشرور عنه، و يحتمل أن يكون المراد بها التقوى كما قال سبحانه (وَ لِباسُ التَّقْوى‏ ذلِكَ خَيْرٌ) و قيل: هي العافية من جميع شرور الدنيا.

و الآخرة و يرجع إلى ما ذكرنا، و قيل: ذمة الإسلام أو كلمة التوحيد مع شرائطها

" و أعوذ بجمعك"

 (4) أي بجمعك لجميع صفات الكمال أو بجمعك المخلوقات و حفظك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 245

لها بجمعك الناس في المحشر كما قال ذلك يوم الجمع. و كأنه غير مناسب، أو حزبك و جيشك من الملائكة و الأنبياء و الأوصياء و الأولياء، و لعله أظهر، و قيل:

بجمعك للأسماء الحسني و ربما يقرأ بالضم أو الكسر أي خواصك الذين هم مستورون عن الخلق كأنهم في قبضتك كأصحاب القائم، و الأكثر لا يخلو من تكلف، قال الفيروزآبادي: الجمع كالمنع تأليف المتفرق و القيامة و جماعة الناس و الجمع جموع، و بلا لام المزدلفة و يوم جمع يوم عرفة و أيام جمع أيام منى، و جمع الكف بالضم و هو حين تقبضها و أمرهم بجمع أي مكتوم مستور، و في النهاية قيل: الجمع الجيش.

" أن تميتني"

 (1) أي من أن تميتني، و في المكارم أن لا تميتني أو سائلا أن لا تميتني و نصب غرقا و ما عطف عليه إما بالحالية، و في المصادر يقدر مضاف أي ذا غرق مثلا بخلاف أكبل فإنه لا يحتاج إلى تقدير و كذا بشي‏ء فإن الباء للملابسة و الظرف مستقر، و إما بكونها مفعولا مطلقا، و الأصل إماتة غرق حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه و أعرب بإعرابه، و كذا نظائره، و

الغرق‏

 (2) بالفتح و بالتحريك الموت في الماء، و

الحرق‏

 (3) بالتحريك اسم من إحراق النار، و في بعض نسخ الدعاء ضبطوا بسكون الراء أيضا و

الشرق‏

 (4) بالتحريك مصدر شرق فلان بالماء أو غيره كفرح إذا غص به حتى يموت، و في القاموس:

القود

 (5) محركة القصاص و قال‏

صبره‏

 (6) عنه يصبره حبسه و صبر الإنسان و غيره على القتل أن يحبس و يرمى حتى يموت و قد قتله صبرا و المصبورة المحبوسة إلى أن تقتل انتهى.

و الحاصل: أنه هنا أن يؤخذ و يحبس للقتل ثم يقتل و هذا أشد أنواع القتل أو يحبس حتى يموت‏

أو مسما

 (7) و كأنه بفتح الميم مصدرا ميميا أو بضمها من اسمه إذا سقاه سما و إن لم يذكر في اللغة بناء الأفعال بهذا المعنى، و يمكن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 246

أن يقرأ بضم الميم و كسر السين ثم الميم المشددة المفتوحة، في القاموس: سم يومنا بالضم فهو مسموم و سام و مسم، و في بعض النسخ سما و هو أظهر و في المكارم هضما و الهضم الكسر و هضمه حقه ظلمه، و في المصباح:

فجأت‏

 (1) الرجل أفجؤه مهموز من باب تعب، و في لغة بفتحتين جئته بغتة، و الاسم الفجاءة بالضم و المد و في لغة وزان تمرة و فجأة الأمر مهموز من بابي تعب و نفع أيضا فاجأه مفاجاة أي عاجلة.

و" ميتات"

 (2) جمع ميتة بالكسر فيهما أي أنواع الموت المتضمنة للسوء و الشر بالنسبة إلى سائر أنواعه، و

" السوء"

 (3) بالفتح و قيل إضافة الميتات إلى السوء من إضافة الفاعل إلى الفعل المصادر عنه‏

" غير مخطئ"

 (4) أي لحق أو في صف الذين و في بعض النسخ الصف و في المكارم أو في الصف الذي نعت أهله‏

في كتابك‏

 (5) و ليست هذه الفقرة في المصباح و في أكثر ما مر موافق للمكارم و فيه إشارة إلى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) قال البيضاوي: أي مصطفين، مصدر وصف به‏

كأنهم بنيان مرصوص‏

 (6) في تراصهم من غير فرجة حال من المستكن في الحال الأولى، و الرص اتصال بعض البناء بالبعض و استحكامه انتهى و قيل: هو من الرصاص و قيل لما كان الصف يصدق على الكثير وصفه بصيغة الجمع و هذا على بعض النسخ و البنيان مصدر بناه و لذا لم يجمع و المراد هنا المبني و المرصوص الملصق بعضه ببعض و المدغم جزؤه في جزء بحيث يعسر هدمه شبه الصف به في التلازق و التلاصق و عدم الفرجة.

و" الولد"

 (7) محركة و بالضم و الكسر و الفتح واحد و جمع و قد يجمع على‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 247

أولاد و ولدة بالكسر و ولد بالضم، و في المصباح، و المكارم" أعيذ نفسي و أهلي و مالي و ولدي و ما رزقني ربي بالله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد أعيذ نفسي و أهلي و مالي و ولدي و ما رزقني ربي برب الفلق" و مثله في قوله برب الناس و هذا أظهر مما في الكافي لكنه صحيح أيضا، و لا ينافي اختصاص دخول حرف الجر بالاسم إذ مجموع قل أعوذ إلى آخرها في الموضعين في قوة الاسم و نازل منزلته كما قال الرضي (رض) في شرح الكافية في أول مبحث المفعول المطلق ضربت باعتبار أنه مقول، ليس بفعل بل هو اسم لأن المراد هذا اللفظ المقول انتهى.

و قوله" حتى يختم السورة"

 (1) في الموضعين كلام الصادق عليه السلام و الضمير المستتر راجع إلى الباقر عليه السلام و يحتمل أن يكون كلام أبي بصير فالضمير راجع إلى الصادق، و الحاصل أنه يحتمل أن يكون الاختصار من أبي بصير أو من الإمام عليه السلام و كونه من سائر الرواة بل من المصنف أيضا ممكن لكنه بعيد قوله عليه السلام‏

" و يقول"

 (2) معطوف على يقول سابقا و الضمير المستتر راجع إلى الباقر عليه السلام و

قوله" عدد"

 (3) و نظائره منصوب نائب للمفعول المطلق لكن في بعضها بتقدير حرف الجر- كقوله عدد فإنه بتقدير حمدا بعدد أو حمدا يساوي عدد خلقه و مداد بتقدير حمدا كمداد إشارة إلى قوله تعالى (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) و إلى قوله (وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ) و قيل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 248

عدد و مداد منصوبان بنزع الخافض، و قال البيضاوي:

مِداداً

 (1) ما يكتب به و هو اسم ما يمد به الشي‏ء كالحبر للدواة و السليط للسراج‏

" لِكَلِماتِ رَبِّي"

 (2) لكلمات علمه و حكمته (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) لنفد جنس البحر بأسره لأن كل جسم متناه (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) فإنها غير متناه لا تنفد كعلمه (وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ) بمثل البحر الموجود (مَدَداً) أي مادة و معونة لأن جميع المتناهين متناه انتهى.

و قيل: الظاهر أنه إذا قال ذلك يثاب مثل ثواب من حمده تلك العدة، و قد صرح به بعض العامة أيضا، و قال بعضهم يثاب بأكثر من ثواب من حمده زائدا على مرة واحدة و هو تحكم، و رووا من طرق العامة هكذا" سبحان الله و بحمده عدد خلقه و رضا نفسه وزنة عرشه و مداد كلماته" قال عياض: مداد مصدر بمعنى المدد و المدد ما يكثر به الشي‏ء قالوا و استعماله هنا مجاز لأن كلماته تعالى لا تنحصر بعدد و المراد المبالغة في الكثرة لأنه ذكر أو ما لا يحصره العدد الكثير من عدد الخلق ثم ارتقى إلى ما هو أعظم و عبر عنه بهذا اللفظ الذي لا يحصيه عدد،

" و زنة عرشه"

 (3) الذي لا يعلمها إلا هو، و قيل: مداد كلماته، مثلها في العدد و قيل: مثلها في أنها لا تنفذ قيل و الأظهر أن ذلك كناية عن الكثرة لا أنها مثلها في العدد لا في الكثرة لأن كلماته سبحانه غير متناهية فلا يلحق بها المتناهي في العدد و الكثرة، و قال القرطبي، معنى‏

قوله و رضا نفسه‏

 (4) رضاه عمن رضي عنه من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين انتهى.

و قيل: الرضا بمعنى المرضي أي حمدا يكون مرضيا لله تعالى‏

" من درك الشقاء"

 (5) الدرك اللحاق و الوصول إلى الشي‏ء و أدركته إدراكا و دركا و منه الحديث" لو قال إن شاء الله لم يحنث و كان دركا له في حاجته، و فيه ذكر الدرك الأسفل من النار

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 249

الدرك بالتحريك و قد يسكن، واحد الإدراك و هي منازل في النار و الدرك إلى سفل و الدرج إلى فوق انتهى، و قال صاحب كتاب إكمال الإكمال: الدرك بفتح الراء اسم الإدراك كالثخن من الإثخان و ضبطه بعضهم بسكونها على أنه مصدر و قال درك الشقاء في الدنيا التعب و في الآخرة سوء الخاتمة.

و قال الشيخ البهائي: في مفتاح الفلاح عند ذكر هذا الدعاء الدرك بالتحريك يطلق على المكان و طبقاته دركات يقال النار دركات و الجنة درجات و يطلق أيضا على أقصى قعر الشي‏ء انتهى و ما ذكرنا أولا أظهر

" و من شماتة الأعداء"

 (1) أي فرحهم بما نزل بي من البلاء استعاذ منها بدفع ما يفضي إليها في المصباح شمت يشمت إذا فرح بمصيبة نزلت به و الاسم الشماتة و أشمت الله به العدو" و أعوذ بك من الفقر و

الوقر"

 (2) قيل: المراد بالفقر الفقر الذي لا يكون معه صبر و لا ورع حتى فيما لا يليق بأهل الدين و المروة أو المراد به فقر القلب الذي يقضي إلى فقر الآخرة و الوقر بالفتح و السكون ثقل السمع كذا في النهاية، و في القاموس: الوقر ثقل في الأذن أو ذهاب السمع كله، و قد وقر كوعد و وجل و مصدره و قرأ بالفتح و القياس بالتحريك، و قيل: يحتمل أن يكون هنا من الاتباع يقال فقير وقير اتباعا، و أقول:

يحتمل أن يكون المراد به كل ثقل من الديون و الذنوب و كثرة العيال و غيرها.

 (الحديث الرابع عشر)

 (3): صحيح.

" الله أكبر كبيرا"

 (4) قد مر معنى الله أكبر، و قال في النهاية كبيرا منصوب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 250

بإضمار فعل كأنه قال أكبر كبيرا و قيل هو منصوب على القطع من اسم الله انتهى، و قيل: صفة لمفعول مطلق محذوف بتقدير تكبيرا كبيرا أو عامل المفعول مضمون الجملة لأن الله أكبر بمعنى أكبر الله" و سبحان الله بكرة و أصيلا" في القاموس:

البكرة

 (1) بالضم الغدوة و اسمها الأبكار و

الأصيل‏

 (2) العشي و قيل هو الوقت بعد العصر إلى الغروب و هما منصوبان بالظرفية الزمانية و عامله مضمون الجملة إذ سبحان الله في قوة أسبح الله و هو إطاعة لأمره تعالى حيث قال (وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا) و

كثيرا

 (3) أيضا صفة للمفعول المطلق المحذوف، أي حمدا كثيرا.

و أقول: روي مثل هذا الحديث مسلم في صحيحه بإسناده عن ابن عمر قال بينا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرا و الحمد لله كثيرا و سبحان الله بكرة و أصيلا، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من القائل كلمة كذا و كذا فقال رحل من القوم، أنا يا رسول الله قال عجبت لها فتحت لها أبواب السماء قال ابن عمر ما تركتهن منذ سمعت رسول الله يقول ذلك، و قال بعض الشراح: انتصاب كبيرا بإضمار فعل دل عليه ما قبله أي كبرت كبيرا، و قيل على أنه حال مؤكدة و قيل على القطع و قيل على التميز، و أورد عليهما بأن النصب على القطع إنما يكون فيما يصح أن يكون صفة و لا تصح الصفة هنا، و بأن النصب على التميز هنا لا يصح لأن تميز أفعل التفضيل شرطه أن يكون مغايرا للفظه نحو أحسن عملا

" إلا ابتدرهن،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 251

 (1) الابتدار الاستباق، و فيه دلالة على أن الملائكة يتنافسون في رفع أعمال العباد فيفهم منه أن الرافع لأعمالهم غير منحصر في الحفظة

" فإن هؤلاء كلمات الكنوز"

 (2) قيل الإضافة بيانية و تسميتها بالكنوز باعتبار ادخار ثوابها لصاحبها أو باعتبار نفاستها و عظم قدرها فإنما يكنز ما يضمن به و كان نفيسا عزيزا عند صاحبه.

 (الحديث الخامس عشر)

 (3): مرسل كالموثق.

و قال في النهاية: في أسمائه تعالى‏

الخالق‏

 (4) و هو الذي أوجد الأشياء جميعا بعد أن لم تكن موجودة و أصل الخلق التقدير فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها و باعتبار الإيجاد على وفق التقدير خالق، و قال في حديث الدعاء أعوذ بكلمات الله التامات من شر كل ما خلق الله و ذرأ و برأ

ذرأ

 (5) الله الخلق يذرءهم ذرءا إذا خلقهم و كان الذرء مختص بخلق الذرية، و قال في أسماء الله تعالى‏

البارئ‏

 (6) هو الذي خلق الخلق لا عن مثال، و لهذه اللفظة من الاختصاص يخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات و قلما تستعمل في غير الحيوان فيقال برأ الله النسم و خلق السماوات و الأرض انتهى.

فيمكن أن يكون المراد بالجميع خلق جميع المخلوقات و الجمع بينها للتأكيد و يمكن أن يراد بالخلق التقدير و بالذر خلق الإنس و الجن أو الإنس فقط و بالبرء خلق سائر الأشياء أو بالأول ما ليس فيه روح، و بالثاني خلق الجن و الإنس، و بالثالث خلق سائر الحيوانات، و قيل: خلقت أي جميع المخلوقات و ذرأت أي أكثرت خلق الأشياء و خلقتها بكثرة لا تحصى، و برأت أي خلقتها بريئا من أن يشبهك شيئا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 252

منها و لا يساعده ما ذكره اللغويون.

" في بلادك"

 (1) متعلق بالأفعال الثلاثة على التنازع و

قوله" و عبادك"

 (2) عطف على بلادك أي شر من خلقت بين عبادك أو فيهم من أعضائهم و قواهم و مواد مكائدهم و تدابيرهم و أفكارهم و شرورهم، أو عطف على الموصول في ما خلقت ليكون تخصيصا بعد التعميم و قيل متعلق بقوله أعوذ بك و تعلقه بالأفعال الثلاثة بعيد انتهى، و لا يخفى ما فيه.

" بجلالك"

 (3) الجلال عظمة الذات و كون ذاته أجل من أن تدركه العقول و الأفهام و

" الجمال"

 (4) البهاء و حسن الصفات و الحلم و الكرم يرجعان إلى حسن الأفعال، أو الجلال الصفات السلبية و التنزيهية، و الجمال الصفات الثبوتية و الأخيران كما مر و قد مر شرح أسمائه تعالى مرارا.

 (الحديث السادس عشر)

 (5): حسن موثق.

" و الفجأة"

 (6) بالضم و المد وقوع الشي‏ء بغتة من غير تقدم سبب، و قرأه بعضهم بالفتح و السكون من غير مد على المرة و

" النقمة"

 (7) مثل الكلمة و الرحمة، و النعمة العقوبة

" و من شر ما سبق في الليل"

 (8) أي قدر في الليل من البلايا الواقعة في النهار، و قيل: البلايا النازلة فيه الطالبة لأهلها، و قيل: أي ما سبق مني في الليل بلا تدبر و تفكر في عاقبته، و الأظهر ما سيأتي في رواية الجعفري في هذا الدعاء بعينه، و من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 253

شر ما سبق في الكتاب أي في اللوح‏

" بعزة ملكك"

 (1) أي غلبة سلطنتك‏

قوله" ثم سل حاجتك"

 (2) قيل هو عطف على المفهوم من السابق فإن النقل عن أمير المؤمنين عليه السلام متضمن لأمر المخاطب بقول مثله فكأنه قال: فقل هذا ثم سل حاجتك.

 (الحديث السابع عشر)

 (3): مجهول.

" وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ"

 (4) أي في القلب أو بالإخفات، و يشمل التفكر في صفات الله تعالى و أمثاله مما يذكر الرب تعالى به، و روى زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال معناه إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت و سبح في نفسك يعني فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة

" تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً"

 (5) أي بتضرع و خوف‏

" وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ"

 (6) أي باللسان خفيا إذا حمل السابق على ذكر القلب أو جهرا لا يبلغ حد العلو و الإفراط إذا حمل الأول على الذكر اللساني الخفي أو الأعم منه و من الذكر القلبي، قال في المجمع: معناه ارفعوا أصواتكم قليلا فلا تجهروا بها جهارا بليغا حتى يكون عدلا بين ذلك، و قيل: إنه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه.

" بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ" هو جمع أصيل و هو الوقت بعد العصر إلى المغرب، و

قوله عليه السلام:" عند المساء"

 (7) يحتمل وجوها.

الأول: أن يكون عليه السلام قرأ الآية إلى قوله و الآصال و فسر الآصال بالمساء فالاختصار في الآية من الراوي.

الثاني: أن يكون من القول من كلام الإمام و هو خبر و قوله" لا إله إلا الله"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 254

إلى آخره مبتدأ و الاختصار في الآية إما من الإمام عليه السلام أو من الراوي.

الثالث: أن يكون من القول تتمة الآية و يكون متعلق الظرف مقدرا أي تقول عند المساء أو القول عند المساء و الأوسط أظهر، و عدم التعرض لقوله عند الصباح لعله لكون الذكر عند المساء أهم، أو أن له على الظهور لدلالة الآية على تساوي الوقتين‏

قوله عليه السلام:" و لكن قل"

 (1) يدل على أنه لا ينبغي إضافة شي‏ء إلى الدعاء المأثور و إن كان في الإضافة زيادة ثناء، و لها حسن موقع لأن الفضل المرتب عليه لا يدرك بالعقل بل بالسمع فلا يغير، و أما ذكرها في بعض الروايات و تركها في بعضها فيمكن أن يكون باعتبار أحوال المخاطبين و المأمورين في ضيق أوقاتهم و سعتها، أو قلة شعورهم و مداركهم و كثرتها أو باعتبار اختلاف مطالبهم و دواعيهم فإن لكل ترتيب و نظم و تركيب مدخلا و تأثيرا في شي‏ء كما أن لهذا العدد أي عشر مرات تأثيرا خاصا فلا ينبغي التعدي عنه و أما نحن فلما لم نعرف مناسبة أي منها لنا فنحن مخيرون في الإتيان بأيها شئنا، و الجمع بينها أفضل و لعل الاختصار في الاستعاذة و الاكتفاء بذكر بعضها لعلم السامع بالتتمة لاشتمال كثير من الأخبار عليها.

و يؤيده: أن العياشي روى في تفسير هذه الآية عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله (وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ) قال تقول عند المساء لا إله إلا الله و ساق الحديث كما في المتن إلى قوله- و أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين و أعوذ بك رب أن يحضرون إن الله هو السميع العليم، عشر مرات حين تطلع الشمس و عشر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 255

مرات حين تغرب، و بهذا الوجه الذي رواه يندفع أكثر إشكالات الخبر، و كان في الخبر إشعارا بأن وقت التهليل أوسع من وقت الاستعاذة.

 (الحديث الثامن عشر)

 (1): حسن كالصحيح.

و في المصباح:

الصبح‏

 (2) الفجر و

الصباح‏

 (3) مثله، و هو أول النهار و الصباح أيضا خلاف المساء

" الحمد لرب الصباح"

 (4) أي لمالكه أو مربية المبلغ له إلى غايته و كماله المقدر له‏

" الحمد لفالق الإصباح"

 (5) قال البيضاوي: أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل، أو عن بياض النهار، أو شاق ظلمة الإصباح و هو الغبش الذي يليه، و" الإصباح" في الأصل مصدر أصبح إذا دخل في الصبح سمي به الصبح و قرأ بفتح الهمزة على الجمع انتهى. و قيل: الصباح هنا الصبح الصادق، و الإصباح الكاذب‏

" و ثلاث مرات"

 (6) مفعول مطلق لقوله" تقول".

قوله عليه السلام" باب الأمر الذي فيه اليسر و العافية"

 (7) اليسر ضد العسر و هو اللين و الرخاء و طيب العيش و العافية شاملة لعافية الدنيا و هي السلامة من الآفات، و عافية الآخرة و هي النجاة من العقوبات‏

" اللهم هيئ لي سبيله"

 (8) أي سبيل ذلك الأمر و طريقه الموصول إليه، قيل: و أصل التهيئة إحداث هيئة الشي‏ء و صورته‏

" و بصرني مخرجه"

 (9) بفتح الميم كما في أكثر نسخ الدعاء أو ضمها و على التقديرين إما مصدر بمعنى الخروج أو الإخراج أو اسم مكان و هو النسب، و في القاموس:

خرج خروجا و مخرجا و المخرج أيضا موضعه و بالضم مصدر أخرجه و اسم المفعول و اسم المكان لأن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالميم منه مضموم تقول مدحرجنا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 256

انتهى. و إنما طلب ذلك لتحصل له بصيرة تامة فيما هو محل خروج ذلك الأمر من الأسباب و الوسائل و غيرها، و في أكثر نسخ الدعاء" اللهم بصرني سبيله و هيئ لي مخرجه" و المعاني متقاربة، و قيل بصر بي مخرجه أي محل خروجه لئلا أنجل و لا أسرف، و لا يخفى بعده.

" اللهم إن كنت قضيت"

 (1) قيل: إدخال كنت بين إن الشرطية و مدخولة لأن" إن" يخرج الماضي عن معناه إلى الاستقبال فأدخل كنت ليعود الماضي إلى معناه الأصلي، و المقدرة بفتح الميم و تثليث الدال المقدرة و الباء في‏

قوله بالشر

 (2) للملابسة، و الظرف صفة المقدرة، و في الدعاء لدفع القضاء دلالة على البداء، و قد مر أن الدعاء يرد القضاء و إن كان مبرما.

و قال البيضاوي: في قوله تعالى حكاية عن إبليس (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ) أي من جميع الجهات الأربع مثل قصده إياهم بالتسويل و الإضلال من أي وجه يمكنه بإتيان العدو من الجهات الأربع، و لذلك لم يقل من فوقهم، و من تحت أرجلهم، و قيل: لم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل منه و لم يقل من تحتهم لأن الإتيان منه يوحش.

و يحتمل أن يقال: من بين أيديهم من حيث يعلمون و يقدرون التحرز عنه، و من خلفهم من حيث لا يعلمون و لا يقدرون، و عن إيمانهم و عن شمائلهم من جهة أن يتيسر لهم إن يعلموا و يتحرزوا و لكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم و احتياطهم و إنما عدي الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما متوجه إليهم، و إلى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 257

الآخرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم و نظيره جلست عن يمينه انتهى‏

" بما شئت"

 (1) أي بأي وسيلة و سبب شئت‏

" و من حيث شئت"

 (2) أي من أي طريق شئت‏

" و كيف شئت"

 (3) أي بأي نحو شئت.

 (الحديث التاسع عشر)

 (4): مرسل.

" و الذمة"

 (5) بالكسر العهد و الأمان و الكفالة و الضمان‏

" و الجوار"

 (6) بالكسر الأمان و إعطاء الذمة و بالضم المجاورة في المسكن و غيره و الكسر هنا أنسب‏

قوله عليه السلام:" من شر يبلس به إبليس"

 (7) كذا في أكثر النسخ، و في بعضها ما يلبس بتأخير الباء عن اللام من التلبيس و هو التدليس و التخليط و هو ظاهر، و أما على الأول: فالمراد به ما يئس إبليس به من رحمة الله تحير في أمره، من التكبر و الشرك و الكفر و التمرد عن أمر الله و إضلال عباد الله، أو ما يسكت فيه حيلة و مكرا ليتم إضلاله، أو يكون اشتقاقا جعليا أي ما يعمل فيه شيطنته.

قال الراغب: الإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس يقال: أبلس و منه اشتق إبليس فيما قيل، قال تعالى (وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ)- (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ)- (وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) و لما كان‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 258

الملبس كثيرا ما يلزم السكوت و ينسى ما يعينه قيل إبليس فلان إذا سكت و إذا انقطعت حجته.

و قال الفيروزآبادي: البلس محركة من لا خير عنده أو عند إبلاس و شر و أبلس يئس و تحير و منه سمي إبليس، و قال في النهاية: فيه فتأشب أصحابه حوله و أبلسوا حتى ما أوضحوا بضاحكة، أبلسوا أي سكتوا و المبلس الساكت عن الحزن أو الخوف، و الإبلاس الحيرة، و منه الحديث أ لم تر الجن و إبلاسها، أي تحيرها و دهشها انتهى. و أقول: يمكن أن يكون استعمل بأحد المعاني السابقة متعديا و إن لم يذكره أهل اللغة.

 (الحديث العشرون)

 (1): ضعيف على المشهور.

قوله عليه السلام:" مرتين"

 (2) ظاهره استحباب الفقرتين المتقدمتين مرتين في الصباح و المساء معا، و إن كان ظاهر مضمونهما الاختصاص بالصباح كما هو مدلول رواية زرارة المتقدمة، و لذا قال بعض الأفاضل قوله- مرتين- مفعول مطلق لقوله- يقول- باعتبار ما بعده، و المراد أن الحمد لله إلى آخرها يقولها مرتين مرة عند الصباح و مرة عند المساء، بخلاف- الحمد لرب الصباح الحمد لفالق الإصباح- فإنه يقولها مرة أي عند الصباح فقط، ثم الظاهر أنه يقول عند المساء" الحمد لله الذي ذهب بالنهار بقدرته و جاء بالليل برحمته".

و أقول: الظاهر أن‏

قوله" و أمسيت"

 (3) زيد من النساخ أو بعض الرواة كما

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 259

أن الشيخ و غيره ذكروا مثل ذلك في أدعية الصباح فقط.

قوله:" و تقرأ" آية الكرسي‏

 (1) قال الشيخ في المفتاح- إلى هم فيها خالدون-

و آخر الحشر

 (2) أي من قوله (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ) إلى آخر السورة. و قيل: من قوله (هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ) أو من قوله (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أو من قوله (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ)،

و عشر آيات من الصافات‏

 (3) قالوا هي من أولها إلى قوله (شِهابٌ ثاقِبٌ) و قيل: يقرأ البسملة أيضا فتكون إحدى عشر آية

" فسبحان الله"

 (4) قيل هو تفريع على قوله تعالى (وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) و النصب على الإغراء بتقدير فألزموا سبحان الله.

و قال البيضاوي: أخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى و الثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته و تجدد فيها نعمته، أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزيهه و استحقاقه للحمد ممن له تميز من أهل السماوات و الأرض، و تخصيص التسبيح بالمساء و الصباح لأن آثار القدرة و العظمة فيها أظهر، و تخصيص الحمد بالعشاء الذي هو آخر النهار من عشي العين إذا نقص نورها، و الظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر، و يجوز أن يكون- عشيا- معطوفا على حين تمسون.

و قوله:" وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ"

 (5) اعتراضا، و عن ابن عباس أن الآية جامعة للصلوات الخمس تمسون صلاة المغرب و العشاء و تصبحون صلاة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 260

الفجر و عشيا صلاة العصر، و حين تظهرون صلاة الظهر، و عنه عليه السلام من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون- الآية و عنه عليه السلام من قال حين يصبح فسبحان الله إلى قوله- و كذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته، و من قال حين يمسي أدرك ما فاته في يومه‏

" يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ"

 (1) كالإنسان من النطفة و الطائر من البيضة

" وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ"

 (2) النطفة و البيضة أو يعقب الحياة بالموت و بالعكس في بعض الأخبار إخراج الحي من الميت و الميت من الحي إخراج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن.

و قال الراغب: الحياة تستعمل على وجه الأول للقوة النامية الموجودة في النبات و الحيوان و منه قيل نبات حي قال تعالى" اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها" و قال:" وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً و جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ" الثانية:

للقوة الحساسة و به سمي الحيوان حيوانا قال الله تعالى:" وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لَا الْأَمْواتُ" و قوله عز و جل" أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً" و قوله تعالى:" إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ" فقوله إن الذي أحياها إشارة إلى القوة النامية، و قوله لمحيي الموتى إشارة إلى القوة الحساسة، الثالثة: القوة العاملة العاقلة كقوله" أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ" و الرابعة: عبارة عن ارتفاع الغم، قال الشاعر:

         ليس من مات فاستراح بميت             إنما الميت ميت الأحياء

 و على هذا قوله" وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" أي هم متلذذون لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 261

و الخامسة: الحياة الأخروية الأبدية و ذلك يتوصل إليه بالحياة التي هي العقل و العلم قال الله تعالى:" اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ" و قوله (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) يعني به الحياة الأخروية الدائمة، و السادسة: الحياة التي يوصف بها الباري فإنه إذا قيل فيه تعالى إنه حي فمعناه هو حي لا يصح عليه الموت و ليس ذلك إلا لله تعالى، و قوله تعالى" يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ" أي يخرج الإنسان من النطفة و الدجاجة من البيضة و يخرج النبات من الأرض، و يخرج النطفة من الإنسان انتهى.

و في النهاية: في حديث الدعاء

سبوح قدوس‏

 (1)- يرويان بالضم و الفتح و الفتح أقيس و الضم أكثر استعمالا و هو من أبنية المبالغة، و المراد بهما التنزيه انتهى.

" و الروح"

 (2) قيل: إنه جبرئيل و روي ذلك عن ابن عباس و قيل ملك أعظم من جبرئيل و من سائر الملائكة. و قيل: ليس من جنس الملك بل هو خلق أعظم من الملك و به وردت أخبار كثيرة، و استدلوا عليهم السلام بآية سورة القدر، و بقوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ) على المغايرة للعطف المقتضي لها

" سبقت رحمتك غضبك"

 (3) المراد بالسبق أما السبق المعنوي بمعنى الزيادة و الغلبة فإن الله يعطي بالحسنة عشر أمثالها، إلى ما لا نهاية لها و لا يجزى بالسيئة إلا مثلها، و ما يعفو عنه أكثر و يبادر بالحسنة و لا يبادر بالعقوبة" وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها" و من تساوت حسناته و سيئاته تلحقه الرحمة و يغفر بشفاعة الشافعين و ذنوب جميع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 262

العمر بندامة ساعة و رحمته وسعت كل شي‏ء و غضبه لا يلحق إلا ببعض أهل المعاصي و دواعي الطاعة أضعاف دواعي المعصية، أو المراد به السبق الزماني، و هو أيضا ظاهر من جهات شتى لأن نعمة الإيجاد و العقل و القوي و الجوارح مقدمة على التكليف، و التكليف مقدم على الغضب، و أيضا لم يكن إمام من أئمة الضلالة إلا و قد سبقه إمام من أئمة الحق كما أن آدم عليه السلام كان أول أئمة الحق و حصل بعده أئمة الجور من قابيل و أولاده و هكذا إلى آخر الدهر و الملائكة الكرام سبق خلقهم خلق الشياطين، و أنوار الأئمة عليهم السلام الذين هم أعظم نعم الله على العباد سبق خلقها خلق كل شي‏ء.

و قال في القاموس:

تاب‏

 (1) إلى الله توبا و توبة و متابا رجع عن المعصية، و هو تائب و تواب و تاب الله عليه، و فقه للتوبة أو رجع به من التشديد إلى التخفيف أو رجع عليه بفضله و قبوله و هو تواب على عباده.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (2): حسن كالصحيح.

" اللهم لك الحمد"

 (3) أي الحمد مختص بك لأن المحامد كلها لك و منك‏

" أحمدك"

 (4) أي بجميع محامدك‏

" و أستعينك"

 (5) أي في أموري كلها حتى في حمدك‏

" و أنت ربي و أنا عبدك"

 (6) في الإقرار بالربوبية و العبودية استعطاف لأن الرب من شأنه التربية، و العبد من شأنه الحاجة إليها

" أصبحت على عهدك و وعدك"

 (7) أراد العهد المأخوذ على العباد بالإقرار بالتوحيد و الرسالة و الولاية و الطاعة و الوعد بالثواب و الجزاء في دار البقاء فلذلك قال:

" أومن بوعدك"

 (8) أي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 263

أصدق بأنه حق لا خلف فيه‏

" و أوفى"

 (1) على بناء الأفعال كما قال تعالى:" أُوفِ بِعَهْدِكُمْ" و قد يقرأ على بناء التفعيل كما قال:" وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى" و الأول أظهر، و الوفاء بعهده تعالى طاعته فيما عهد إلى عباده من الأوامر و النواهي، و قيد الاستطاعة لبيان أنه لا يمكن الخروج عن عهدة طاعته كما هو حقه و يليق به.

و قال في النهاية في حديث الدعاء و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت أي أنا مقيم على ما عاهدتك عليه من الإيمان بك، و الإقرار بوحدانيتك لا أزول عنه و استثنى‏

بقوله:- ما استطعت‏

 (2) موضع القدرة السابق في أمره أي إن كان قد جرى القضاء إن أنقض العهد يوما فإني أخلد عند ذلك إلى التنصيل و الاعتذار لعدم الاستطاعة في دفع ما قضيته على، و قيل معناه: أي متمسك بما عهدته على من أمرك و نهيك و مبلى العذر في الوفاء به قدر الوسع و الطاقة، و إن كنت لا أقدر أن أبلغ كنه الواجب فيه، و قال فيه- كل مولود يولد على الفطرة- الفطر الابتداء و الاختراع و الفطرة منه الحالة كالجلسة و الركبة، و المعنى أنه يولد على نوح من الحيلة و الطبع المتهيّئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها و لم يفارقها إلى غيرها، و إنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر و التقليد، ثم تمثل بأولاد اليهود و النصارى في اتباعهم لآبائهم، و الميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السليمة.

و قيل معناه: كل مولود يولد على معرفة الله و الإقرار به فلا تجد أحدا إلا و هو يقر بأن له صانعا و إن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره، و منه- حذيفة على غير فطرة محمد- أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه و في حديث علي- و جبار القلوب على فطراتها- أي على خلقتها انتهى.

و قال النووي: هي ما أخذ عليهم و هي في أصلابهم، و قيل: ما قضي عليهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 264

من سعادة و شقاوة، انتهى. و قيل: أي الفطرة التي فطروا عليها و ركب في قلوبهم استحسانها، و قيل: أريد به إيمان يوم الميثاق و قال الكرماني في شرح البخاري في الحديث- مت على الفطرة- أي الإسلام و الطريقة الحقة.

و أقول: قد مضت في باب فطرة الخلق على التوحيد من كتاب الإيمان و الكفر أخبار كثيرة عن الصادقين عليهما السلام في قوله تعالى" فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ" إن الفطرة هي التوحيد و في بعضها، فطرهم عليها و في بعضها هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، و في بعضها فطرهم على المعرفة به، فيحتمل أن تكون الإضافة هنا بيانية.

" و كلمة الإخلاص"

 (1) هي كلمة التوحيد أو الشهادة بالرسالة أيضا و عبر عنهما بالمفرد للتنبيه على أنه لا يعتبر بدون الأخرى، و لا يتحقق الإخلاص إلا بهما فهما بمنزلة كلمة واحدة

و ملة إبراهيم‏

 (2) هي التوحيد و سائر أصول الدين التي لا تتبدل باختلاف الأزمنة و الشرائع، و نسبتها إلى إبراهيم عليه السلام مع شركة سائر الأنبياء معه فيها لتشريفه و اشتهاره بين جميع أرباب الملل حيث ينسب كل منهم ملته إليه، و يدعي أنه على ملته، و لأنه عليه السلام بذل جهده في التوحيد و رفع الشرك أكثر من غيره، و

دين محمد

 (3) أخص لأنه يشمل جميع ذلك مع ما اختص بملته و شريعته‏

" و عليه أموت"

 (4) أي أعزم أن أكون عليه حتى أفارق الدنيا

" ما أحييتني"

 (5) ما بمعنى ما دام‏

" و أبتغي"

 (6) استيناف بياني، و فيه إشارة إلى أن ذلك إنما ينفع إذا كان بحسب القلب و خالصا لله تعالى.

" و أئمة"

 (7) في أكثر النسخ بهمزتين كما في التنزيل الكريم بقراءة عاصم و سائر الكوفيين، و ابن عامر، و في بعضها بقلب الثانية ياء كما في سائر القراءات‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 265

و هو عندهم أقيس، قال في المصباح: جمع الإمام أئمة و الأصل أءممة وزان أمثلة فأدغمت الميم بعد نقل حركتها إلى الهمزة فمن القراء من يبقى الهمزة محققة على الأصل، و منهم من يستهلها على القياس بين بين، و بعض النحاة يبدلها ياء للتخفيف، و بعضهم يعده لحنا و يقول لا وجه له في القياس.

و في القاموس: الجمع أئمة و أمة شاذ، و في الصحاح: الإمام الذي يقتدي به، و جمعه أئمة، و أصله آممة مثل إناء و آنية، و إله و إلهه فأدغمت الميم فنقلت حركتها إلى ما قبلها فلما حركوها بالكسر جعلوها ياء، و قرئ" فقاتلوا أئمة الكفر" قال الأخفش: جعلت الهمزة ياء لأنها في موضع كسر و ما قبلها مفتوح فلم يهمز لاجتماع الهمزتين، قال: و من كان من رأيه جمع الهمزتين همزة، انتهى"

بهم أءتم"

 (1) الأفصح عندهم قلب الهمزة الثانية ألفا و في نسخ الدعاء صححوا على الوجهين بل ظاهر أكثر النسخ عدم الإبدال‏

قوله عليه السلام" و آبائي معهم"

 (2) الواو و للحال، و يحتمل العطف أي و الحق آبائي معهم.

و أورد هيهنا اعتراض: و هو أن طلب كون الآباء مع الصالحين طلب لصلاح الآباء في الزمان الماضي إذ لا يكون مع الصالحين إلا من كان منهم، و لا يعقل طلب حصول أمر في الماضي.

و أجيب: بأن الماضي على قسمين (الأول) أن لا يكون تابعا لفعل المكلف، (و الثاني) أن يكون تابعا لفعله كإثبات أفعال المكلفين في القرآن أو في اللوح، و مثل خلق السعادة و الشقاوة عند خلق المكلفين من طينة عليين أو السجين و أمثال ذلك، و طلب الماضي أيضا على قسمين، (الأول) طلب وجود شي‏ء علم عدمه في‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 266

الماضي (الثاني) طلب وجود شي‏ء أو عدمه في الماضي مع تجويزه أن يكون الوجود أو العدم تابعا لدعائه في الوقت الذي بعده كما مر في باب أن الدعاء يرد القضاء، إن الله عز و جل ليدفع بالدعاء الأمر الذي علمه أن يدعي له فيستجيب، فطلب الشي‏ء في الماضي نافع مفيد إذا كان من القسم الأخير إذ التابع للشي‏ء و إن كان مقدما بحسب الزمان على الشي‏ء في حكم المؤخر و منه يعلم صحة التعوذ عن درك الشقاء و محو الاسم من ديوان الأشقياء و أمثال ذلك، بل بعد التأمل يظهر أن جميع الدعوات كذلك لإثبات جميع الأمور في القرآن و في اللوح و في علمه سبحانه.

و أقول: هذا جواب متين لكن ليس ما نحن فيه من قبيل طلب الماضي، بل يطلب منه تعالى أن يغفر لآبائه و يلحقهم بالصالحين و يرفعهم إلى منازلهم، و إن لم يكونوا منهم بفضله و كرمه و هذا ليس من طلب الماضي نعم نحتاج إلى مثل هذا التحقيق في دفع شبه القضاء و القدر و الثبوت في علمه تعالى أو في اللوح كما أشرنا إليه سابقا لكن لا اختصاص له بالماضي فتفطن.

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (1): مرسل كالصحيح لإجماع العصابة على صفوان.

" يفعل ما يشاء"

 (2) أي ليس له عن تعلق إرادته و مشيته دافع و لا مانع‏

" و لا يفعل ما يشاء غيره"

 (3) أقول: يحتمل وجهين:

الأول: أن يكون فاعل يفعل الضمير الراجع إلى الله سبحانه أي لا يفعل الله كل ما يشاء غيره و إن لم تكن فيه مصلحة فيكون مقهورا في مشيته لتعلق مشية غيره به.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 267

الثاني: أن يكون فاعل يفعل غيره على التنازع بينه و بين يشاء فيه أي ليس غيره بحيث يفعل كل ما شاء لأن لأفعاله صوارف و موانع و شرائط، منها عدم تعلق إرادة الله القاهرة بخلافه.

قوله عليه السلام" في كل خير"

 (1) أي مما أنا أهله و يمكن حصوله لي لئلا يكون اعتداء في الدعاء فإن من الخيرات التي أدخلهم فيه الإمامة و الخلافة، و لا يمكن دخولنا فيهما، إلا أن يقال: المراد إدخالنا في نوعه و جنسه البعيد كهداية الخلق و تعليمهم مثلا.

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (2): ضعيف.

" و مهما"

 (3) اسم متضمن لمعنى الشرط منصوب محلا بكونه مفعول تركت، و- من- بيانية و تفيد عموم مفهوم مهما في كل شي‏ء و عدم اختصاصه بجنس مخصوص و يقول في المساء مكان- أصبحت- أمسيت، و كذا يقول مكان- في هذا الصباح و في هذا اليوم- في هذا المساء و في هذه الليلة، و يحتمل عدم التغيير في الموضعين، و قال الجوهري:

اللعن‏

 (4) الطرد و الإبعاد من الخير و اللعنة الاسم،

قوله" ممن نحن بين ظهرانيهم"

 (5) في القاموس هو بين ظهريهم و ظهرانيهم و لا يكسر النون، و بين أظهرهم أي وسطهم، و في منتظمهم و في النهاية المراد أنه أقام بينهم على سبيل الاستظهار و الاستناد إليهم و زيدت فيه ألف و نون مفتوحة تأكيدا، و معناه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 268

إن ظهرا منهم قدامه و ظهرا وراءه فهو مكنوف من جانبيه و من جوانبه إذا قيل بين أظهرهم، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا و- من- في‏

قوله" من المشركين"

 (1) للبيان أو للتبعيض و المراد بالمشركين ما يشمل المخالفين، و

بقوله" مما كانوا يعبدون"

 (2) أعم من خلفاء الجور و ضمير

" أنهم"

 (3) راجع إلى- من- الموصول‏

" بركة على أوليائك"

 (4) البركة محركة النماء و الزيادة و الشرف و الكرامة و الخير و السعادة.

" اللهم اختم لي بالأمن و الإيمان"

 (5) أي بالأمن من شر الشيطان و أذى أهل العدوان و آفات الزمان و بالإيمان بك و برسولك و أوصياء رسولك و كل ما جاء به رسولك عند كل طلوع الشمس و غروبها، و المراد بالختم عند الطلوع أن يكون على الوصفين إلى آخر اليوم و بالختم عند الغروب أن يكون عليهما إلى آخر الليلة، أو المعنى أن يكون ختم أعمالي عند كل طلوع و غروب على الوصفين أي يكون عند كل طلوع و غروب يصدق عليه أنه من أول عمره أو من حين قراءة الدعاء إلى ذلك الوقت على الوصفين، فعلى التقديرين طلب الكون على الوصفين في جميع أوقات عمره و يحتمل أن يكون ذلك كناية عن جميع آنات عمره إذ في كل أن تطلع الشمس في أفق من الآفاق و تغرب في أفق منها فالختم يحتمل وجهين:

أحدهما: ما مر من كون أعماله في كل أن من آنات عمره مختوما بالوصفين.

و ثانيهما: أن يكون المعنى أن يكون آخر عمري و خاتمته في كل إن اتفق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 269

مقرونا بهما.

" كما ربياني"

 (1) نائب مناب المفعول المطلق أي رحمة مثل تربيتهما لي و رحمهما لي، قال البيضاوي: رحمة مثل رحمتهما علي و تربيتهما و إرشادهما لي في صغري وفاء بوعدك للراحمين انتهى، و أقول: يحتمل كون الكاف للتعليل كما قالوا في قوله تعالى" كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا" أي لأجل إرسالي و قوله" وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ" و المراد بالمؤمنين الكاملون في الإيمان و بالمسلمين غيرهم، أو بالمؤمنين الشيعة و بالمسلمين المستضعفين، أو بالمؤمنين الشيعة و بالمسلمين المسلمون المنقادون الكاملون في الإيمان.

" فإنك تعلم متقلبهم و مثواهم"

 (2) إشارة إلى قوله تعالى" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ" قال الطبرسي (ره) أي منصرفكم في أعمالكم في الدنيا و مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو النار عن ابن عباس، و قيل: يعلم منقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات و مثواكم أي مقامكم في الأرض عن عكرمة، و قيل: متقلبكم من ظهر إلى بطن و مثواكم في القبور، و قيل: متقلبكم متصرفكم بالنهار و مثواكم مضجعكم بالليل و المعنى، أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شي‏ء منها و قال البيضاوي:

مُتَقَلَّبَكُمْ أي في الدنيا فإنها مراحل لا بد من قطعها وَ مَثْواكُمْ أي في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله و استغفروه و أعدوا لمعادكم انتهى، و في بعض النسخ منقلبكم بالنون، و في بعضها بالتاء و هما متقاربان في المعنى و الأخير أوفق بالآية، و يحتمل أن يكونا مصدرين أو اسم مكان و الانقلاب الانصراف و التقلب التصرف في الأمور

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 270

و قد مر الكلام فيهما.

و قال الجوهري: المنقلب يكون مكانا و يكون مصدرا و قال في القاموس:

ثوى المكان و به يثوي ثواءا و ثويا بالضم و أثوى به أطال الإقامة به أو نزل و المثوى المنزل انتهى، و قد يستعمل بمعنى المصدر، و قيل: لعل المراد أنك تعلم انقلابهم و سكونهم، أو محلهما، و بالجملة تعلم جزئيات أمورهم في حال الحركات و السكنات فاصرفهم إلى ما هو خير لهم.

" و قهم" عما هو شر لهم، و اغفر لهم مما صدر عنهم من الزلات و يمكن أن يكون المراد بهما انقلاب قلوبهم و حركتها في طلب الحق و سكونها عند الوصول إليه‏

" بحفظ الإيمان"

 (1) قد مر معانيه و لا يخفى ما هو أظهر منها هيهنا، و قيل الباء للسببية و الإضافة إلى المفعول أي- أحفظه بسبب حفظك- أو حفظه الإيمان و أهله إذ لو لا الإمام لبطل الإيمان و الإسلام‏

قوله عليه السلام" نصرا عزيزا"

 (2) قال الطبرسي (ره) النصر العزيز هو ما يمتنع به من كل جبار عنيد و عات مريد، و قد فعل الله ذلك بنبيه إذ صير دينه أعز الأديان و سلطانه أعظم السلطان و قال البيضاوي: أي نصرا فيه عن و منعة أو يعز به المنصور فوصف بوصفه مبالغة.

" سُلْطاناً نَصِيراً"

 (3) تضمين لقوله تعالى" وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً" قال في المجمع أي اجعل لي عزا أمتنع به ممن يحاول صدي عن إقامة فرائضك و قوة تنصرني بها على من عاداني فيك، و قيل: اجعل لي ملكا عزيزا أقهر به العصاة فنصر بالرعب حتى خافه العدو على مسيرة شهر، و قيل: حجة بينة أتقوى بها على سائر الأديان الباطلة عن مجاهد، قال: و سماه نصيرا لأنه يقع به النصر على الأعداء فهو كالمعين.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 271

" فلانا و فلانا"

 (1) أي أبا بكر و عمر و التكنية و التبهيم إما من الإمام عليه السلام أو بعض الرواة أو المصنف تقية، و الأخير بعيد و إن كان لم يذكر أخبار اللعن بدون الإبهام إلا نادرا

" و المختلفة"

 (2) في بعض النسخ بالفاء أي المخالفة لرسولك، و علي عليه السلام بتضمين معنى الرد و الإضرار، أو المعنى أنهم اختلفوا في الأحكام ردا على الرسول و ضررا عليه لا كاختلاف الشيعة لاختلاف الأخبار أو الأفهام، و في بعضها بالقاف من الاختلاق بمعنى الكذب و الافتراء و في التنزيل" إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ" و في القاموس: خلق الإفك افتراه كاختلقه و تخلقه.

" و ولاة"

 (3) عطف على رسولك و الأئمة عطف على ولاة للتفسير و التأكيد

" و شيعتهم"

 (4) بالجر أيضا عطف على الأئمة

" و أسألك الزيادة من فضلك"

 (5) كان المراد بالفضل معرفة الأئمة عليهم السلام و متابعتهم كما ورد في الأخبار أن الفضل و الرحمة معرفة الأئمة عليهم السلام و الولاية لهم و قد أشار تعالى إلى ذلك في سورة الجمعة حيث قال" وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ" و ورد في الأخبار أن المراد بهم المؤمنين من الموالي و العجم، و روي أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قرأ هذه الآية فقيل من هؤلاء فوضع يده على كتف سلمان، و قال لو كان الإيمان في الثريا لنالته رجال من هؤلاء ثم قال سبحانه بعدها- ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ- فظهر أن الفضل الولاية و يؤيده ما مر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إن من الملائكة الذين في السماء ليطلعون إلى الواحد و الاثنين و الثلاثة و هم يذكرون فضل آل محمد قال فيقولون أ ما ترى إلى هؤلاء في قلتهم و كثرة عدوهم يصفون فضل آل محمد قال فتقول الطائفة الأخرى من الملائكة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم و يحتمل التعميم ليشمل فضل الدنيا و الآخرة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 272

" و التسليم لأمرك"

 (1) أي الانقياد لكل ما أمرتني به، أو لكل أمر صدر منك و عدم الاعتراض عليك و على حججك كما قال سبحانه" فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" و قد مر معنى التسليم في بابه‏

" لا أبتغي"

 (2) استيناف بياني، أو حال عن فاعل المحافظة، أو عن جميع الأفعال المتقدمة، و ضمير- به- راجع إلى الموصول، أو إلى كل واحد مما تقدم، أي لا أطلب بسببه أو بعوضه‏

" بدلا و لا اشترى به"

 (3) أي لا استبدل ذلك بالثمن القليل أي متاع الدنيا كما استبدلوه به و فيه استعارة تبعية و ترشيح كما قيل‏

" اللهم اهدني فيمن هديت"

 (4) فإن قوله- فيمن هديت- نائب مناب المفعول المطلق، أي هداية كاملة أدخل به في زمرة من هديت بالهدايات الخاصة، أو حال عن مفعول- اهدني- أي حال كوني داخلا فيمن هديت و معدودا منهم، و فيه نوع استعطاف أيضا أي هديت جماعة كثيرة فلا يبعد منك هدايتي، و قيل- في- بمعنى إلى، أو بمعنى مع، و على التقادير المراد بالهداية الهدايات الخاصة المختصة بالأنبياء و الأولياء كما قال تعالى" أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ" و قال تعالى (وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).

" و قني شر ما قضيت"

 (5) أي جنبني من قضايا السوء في الدنيا و الآخرة

" إنك تقضي"

 (6) أي تقدر أو تحكم على العباد بما تشاء

" و لا يقضي عليك"

 (7) على بناء المفعول أي لا يقدر و لا يحكم غيرك عليك‏

" لا يذل من واليت"

 (8) أي من ولايته و أحببته لا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 273

يصير ذليلا و إن أهين في الدنيا فإنه يصير سببا لمزيد عزه عند الله و عند أوليائه في الدنيا و الآخرة.

" تباركت"

 (1) البركة كثرة الخير و الثبات أي كثرت خيراتك و نعمتك على عبادك، أو ثبت و دمت على مالك من صفات الكمال و سمات الجلال، أو تقدست عن الأشباه و الأضداد و الأنداد و الأمثال قال البيضاوي في قوله تعالى (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ) تكاثر خيره من البركة، و هي كثرة الخير، أو تزايد عن كل شي‏ء و تعالى عنه في صفاته و أفعاله، فإن البركة تتضمن معنى الزيادة و ترتيبه على إنزال الفرقان لما فيه من كثرة الخير، أو لدلالته على تعاليه و قيل دام من بروك الطير على الماء، و منه البركة لدوام الماء فيها، و لا يتصرف فيه، و لا يستعمل إلا لله تعالى.

و قال الطبرسي، (ره): تبارك تفاعل من البركة معناه عظمت بركاته و كثرت عن ابن عباس، و البركة الكثرة من الخير، و قيل: معناه تقدس و جل بما لم يزل عليه من الصفات و لا يزال كذلك فلا يشاركه فيها غيره و أصله من بروك الطير فكأنه قال: ثبت و دام فيما لم يزل و لا يزال، و قيل: معناه قام بكل بركة، و جاء بكل بركة

" و تعاليت"

 (2) أي عن صفات المخلوقين، و عن أن يدرك بكنه ذاته و صفاته أو يشبهه شي‏ء قال في النهاية: في أسماء الله تعالى- العلي و المتعالي- فالعلي الذي ليس فوقه شي‏ء في الرتبة، و الحكيم فعيل بمعنى مفعول من علا يعلو، و المتعالي الذي جل [ذكره‏] عن إفك المفترين، و علا شأنه، و قيل:

جل عن كل وصف و ثناء و هو متفاعل من العلو، و قد يكون بمعنى العالي، و في حديث ابن عباس- فإذا هو يتعالى عني- أن يترفع على.

" سبحانك رب البيت"

 (3) أي أنزهك عن أن يكون لك مكان بل أنت خالق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 274

البيت الحرام و مشرفه، و قيل: في إضافته إلى البيت تعظيم له حيث إن البيت أعظم ما ابتلى به خلقه، و أذل به رقاب الكبراء فضلا عن الضعفاء

" تقبل مني دعائي"

 (1) أي استجب لي و أثبني عليه، أو المراد أعم منهما، و قيل: الدعاء و غيره من العبادات و إن كان في غاية الكمال في ذاته لكنه بالنسبة إلى قدس الحق ناقص يحتاج إلى التضرع في قبوله، و لذلك قال خليل الرحمن مع كون عمله في نهاية الكمال (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

" و ما تقربت"

 (2) ما موصولة و لتضمنه معنى الشرط دخل الفاء في‏

قوله" فضاعفه ما أحسن ما أبليتني"

 (3) صيغة تعجب و المشهور أن الإبلاء يكون في الخير و الشر و الإنعام و الإحسان من غير فرق بين فعلهما تقول بلوت الرجل و أبليته بالإحسان، و منه قوله تعالى (وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً) و قال القتيبي يقال: من الخير أبليته أبليه إبلاء، و من الشر بلوته إبلاء، و المراد منه الإبلاء بالخير، و في هذا التعجب دلالة على تعظيم الإبلاء، و" ما" في" ما أبليتني" و نظائره مصدرية، أو موصولة بحذف العائد فلك الحمد على تلك النعماء بجزيله‏

" و كثيرا"

 (4) صفة للمفعول المطلق المحذوف أي حمدا كثيرا

" طيبا"

 (5) أي طاهرا من النقص و الرياء

" مباركا عليه"

 (6) لعل الضمير المجرور راجع إلى الحمد و المعنى أديم له الشرف، و البركة و مضاعفة الثواب، و منه قولك- و بارك على محمد و آل محمد- أي آدم له ما أعطيته من التشريف و الكرامة، كما في النهاية، أوضاعهما له من البركة بمعنى الزيادة.

قوله:" ملأ السماوات"

 (7) هو بكسر الميم و سكون اللام، أي حمدا يكون‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 275

بقدر ما تمتلئ به هذه الأجسام، في القاموس: الملأ اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ و قال في النهاية: في دعاء الصلاة لك الحمد مل‏ء السماوات و الأرض، هذا تمثيل لأن الكلام لا يسمع الأماكن، و المراد به كثرة العدد يقول لو قدر أن تكون كلمات الحمد أجساما لبلغت من كثرتها أن تملأ السماوات و الأرض، و يجوز أن يراد بها أجرها و ثوابها انتهى‏

" و ملأ ما شاء ربي"

 (1) أي من العرش و الكرسي، و الحجب و السرادقات، و صحف بعض الشارحين، فقرأ ملأ بالتحريك يعني الأشراف و الجماعات، و قال هو مرفوع بالابتداء و عليه خبره، و الجملة صفة أخرى للمفعول المطلق أي جمعا يكون عليه أشراف أهل السماوات و الأرضين، و لا يخفى ما فيه و

قوله كما يحب‏

 (2)، صفة أخرى للمفعول المطلق لوجه ربي أي لذاته و صفاته فإن الناس يتوجهون إليهما في جميع الأمور، و لو كان المراد بالوجه الأنبياء و الحجج عليهم السلام كما مر في الأخبار فالمعنى حمدا يناسب تلك النعمة العظيمة التي أعظم النعم على العباد، و هي السبب لإفاضة سائر النعم عليهم، و قد مر شرح‏

" ذي الجلال و الإكرام"

 (3) و قيل: الجلال العظمة التي ليس فوقها عظمة و الإكرام إكرامه للمتقين كما قال: إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

 (الحديث الرابع و العشرون)

 (4): صحيح.

و ضمير

" عنه"

 (5) عائد إلى البرقي‏

حين يصلي الفجر

 (6) أي بعد فريضة الصبح عرفا و لعل أخره طلوع الشمس.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 276

 (الحديث الخامس و العشرون)

 (1): ضعيف على المشهور.

" أهونها الريح"

 (2) الريح يحتمل وجوها.

الأول: أن يكون تعفن الأعضاء و فسادها بحيث يحس منها الريح المنتنة و ينجر غالبا إلى الجذام، و يؤيده ما مر في العشرين، لم يصبه جذام، و لا برص و لا جنون فذكر مكان الريح الجذام و سيأتي في خبر سماعة أيضا كذلك و يقال راح الشي‏ء و أروح إذا أنتن، و أروح الماء و اللحم أنتنا، و في المصباح الريح بمعنى الرائحة عرض يدرك بحاسة الشم.

الثاني: الابتلاء بالريح كسقوطه بها من سطح أو نزول، قال في النهاية: في الحديث كان يقول إذا هاجت الريح" اللهم اجعلها رياحا و لا تجعلها ريحا" العرب تقول لا تلقح السحاب إلا من رياح مختلفة، يقول: اجعلها لقاحا للسحاب و لا تجعلها عذابا و يحقق ذلك مجي‏ء الجمع في آيات الرحمة و الواحد في قصص العذاب ك الرِّيحَ الْعَقِيمَ" و رِيحاً صَرْصَراً".

الثالث: أن يكون كناية عن تصرف الجن في البدن كما يقال في عرف العرب و العجم أصابته ريح الجن و في النهاية و منه حديث ضمام" إني أعالج من هذه الأرواح" الأرواح هيهنا كناية عن الجن سموا أرواحا لكونهم لا يرون، فهم بمنزلة الأرواح و قال الأرواح جمع ريح لأن أصلها الواو و يجمع على أرياح قليلا و على رياح كثيرا انتهى و أقول: سيأتي أنه كتب إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عوذة للرياح التي تعرض للصبيان.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 277

الرابع: ما قيل إن المراد ريح الفم أو الريح التي تأخذ بعض الأعضاء عند طول المرض‏

قوله عليه السلام" محي من الشقاء"

 (1) قد مر معنى المحو و الإثبات في باب البداء، و قيل: استعارة تمثيلية لأنه تعالى كان يعلم من بعض المكلفين أنه لو لم يدع بهذا الدعاء كان يكتب اسمه في ديوان الأشقياء فكأنه كتب ثم محي و لا يخفى ما فيه بل الحق ما حققنا سابقا.

 (الحديث السادس و العشرون)

 (2): مرسل مجهول.

 (الحديث السابع و العشرون)

 (3): موثق، و

أبو الحسن‏

 (4) يحتمل الكاظم و الرضا عليهما السلام و يقولها في هذا الخبر مكان قال في دبر صلاة الفجر إلى آخره في رواية على و سعدان فهو بمعنى من يقولها و الضمير للاختصار لأنه قال عليه السلام من يقول بسم الله إلى أخره و

قوله" لم يخف"

 (5) خبر من الذي أسقطه المصنف، و يحتمل أن يكون هذا الخبر أيضا من قال فغير الراوي نقلا بالمعنى.

 (الحديث الثامن و العشرون)

 (6): موثق أيضا و ليس في بعض النسخ" العلي العظيم".

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 278

 (الحديث التاسع و العشرون)

 (1): مجهول.

و كان‏

بسط الرجل‏

 (2) كناية عن القيام أو مدها أو تغييرها عن هيئة التشهد.

و مائة مرة

 (3) قيل: الواو ليس للعطف بل للاستئناف النحوي و مائة مبتدأ و

في الغداة

 (4) خبره، و الفاء في فمن للبيان و أقول: يمكن تصحيحه على العطف بتقدير كما لا يخفى، و قيل: النسبة بين هذا الخبر و الأخبار السابقة تقتضي أن يكون المدفوع بالسبع مرات سبعة أنواع من البلايا، أو بمائة ألف نوع من البلايا، و الجواب:

أن أنواع البلايا المدفوعة بمائة مرة أشد و أعظم من الأنواع المدفوعة بسبع، كما يشعر به‏

قوله عليه السلام أدنى نوع منها البرص إلى آخره،

 (5) و في السبع قال: لم يصبه جنون و لا جذام و لا برص، و لا سبعون نوعا من البلاء، حيث يفهم منه أن الجنون و الجذام و البرص، و السبعون نوع من هذه الأنواع، و إذا اختلفت البلايا بالشدة و الضعف بطلت النسبة المذكورة.

و أقول: يمكن رفع التنافي بوجوه أخر كاختلاف الأعمال و الشرائط و النيات، أو حمل بعضها على الأنواع و بعضها على الأصناف أو كون الأهم أكثر ثوابا.

 (الحديث الثلاثون)

 (6): مجهول و رواه البرقي في المحاسن، عن أبيه عن هارون‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 279

ابن الجهم، عن ثوير بن أبي فاختة، عن أبي خديجة عن أبي عبد الله قال: و حدثنا بكر بن صالح، عن الجعفري، عن أبي الحسن عليه السلام و أبو الحسن الكاظم عليه السلام أو الرضا عليه السلام على بعد.

" الذي يصف و لا يوصف"

 (1) أي يصف الأشياء بصفاتها و حقائقها و لا يوصف كنه ذاته و صفاته، أو لا يتصف بصفات المخلوقات، أو بصفات زائدة على الذات، و يعلم الأشياء

" و لا يعلم"

 (2) على بناء المجهول بالتخفيف، أي لا يقدر أحد أن يعلم كنه ذاته و لا حقيقة صفاته، أو بالتشديد أي لا يحتاج في العلم إلى تعليم.

و قال في النهاية: فيه- ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين- أي يضمر في نفسه غير ما يظهره فإذا كف لسانه و أو ما بعينه فقد خان، و إذا كان ظهر تلك الحالة من قبل العين سميت خائنة الأعين، و منه قوله تعالى‏

 (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ)

 (3) أي ما به يخونون فيه من مسارقة النظر إلى ما لا يحل، و الخائنة بمعنى الخيانة، و هي من المصادر التي جاءت على لفظ الفاعل كالعافية

" و أعوذ بوجه الله الكريم"

 (4) أي بذاته الموصوف بالكرم ذاتا و فعلا، أو بحججه الذين أكرمهم و على العالمين قدمهم".

" و من شر ما تحت الثرى"

 (5) الثرى التراب الندى قال سبحانه (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى‏) قال الطبرسي (ره): يعني ما

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 280

و أرى الثرى من كل شي‏ء عن الضحاك، و قيل: يعني ما في ضمن الأرض من الكنوز و الأموات، و قال البيضاوي: الثرى الطبقة الترابية من الأرض، و هي آخر طبقاتها و أقول: في الأخبار أنها آخر المخلوقات الأرضية ففي بعضها أن الأرضين السبع على الديك، و هو على الصخرة، و هي على الحوت، و الحوت في البحر المظلم، و البحر على الهواء، و الهواء على الثرى، و في بعضها: الأرض على عاتق ملك، و قدماه على صخرة، و هي على قرن ثور، و الثور قوائمه على ظهر الحوت، و الحوت في اليم الأسفل، و أليم على الظلمة، و الظلمة على العقيم، و العقيم على الثرى، و ما يعلم ما تحت الثرى إلا الله تعالى، و في بعضها بعد ذكر الثرى و عند ذلك انقضى علم العلماء، و في بعضها عند ذلك فصل علم العلماء، و في الخبر في وصف الأئمة عليهم السلام، و الحجة البالغة على من في الأرض و من تحت الثرى، فيحتمل أن يكون المراد هنا بما تحت الثرى الحشرات التي في الأرض أو الجن الذين بين أطباقها أو طائفة من الجن أو خلق آخر يكونون تحت الثرى لا يعلمهم إلا الله تعالى.

" و من شر ما بطن أو ظهر"

 (1) أي شخصه أو شره‏

" و من شر أبي مرة"

 (2) أقول: في نسخ الحديث هنا اختلاف كثير ففي أكثر نسخ الكتاب أبي مره، و هو أظهر و هو بضم الميم و تشديد الراء كنية إبليس لعنه الله ذكره الجوهري و غيره، و في أكثر نسخ المحاسن أبي قترة قال الفيروزآبادي: أبو قترة إبليس لعنه الله، أو قترة علم للشيطان بدون ذكر أبي قال في النهاية: فيه- تعوذوا بالله من قترة و ما ولد- هو بكسر القاف و سكون التاء اسم إبليس انتهى، و كل من الوجوه صحيح و موافق للاستعمال و اللغة، و ربما يقرأ ابن قترة بكسر القاف و سكون التاء لما ذكره الجوهري حيث قال ابن قترة حية خبيثة إلى الصغر ما هي و لا يخفى ما فيه من التكلف لفظا و معنى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 281

قال السيد بن طاوس (ره): في فلاح السائل قال صاحب الصحاح ابن قترة بكسر القاف حية خبيثة فيمكن أن يكون المراد التعوذ منها، و يمكن أن يكون المراد إبليس و ذريته شبهه بالحية المذكورة، و في بعض النسخ أبي مرة و هو أقرب إلى الصواب لأن هذا الدعاء عوذة من الشيطان و ذريته، و لأنه ما يقال أبو قترة إنما يقال ابن قترة. أما

قوله:" و من شر الرسيس"

 (1) فقال صاحب الصحاح رس الميت أي قبره، و الرس الإصلاح بين الناس و الإفساد و قد رسست بينهم و هو من الأضداد لعله تعوذ من الفساد و من الموت، و من كل ما يتعلق بمعناه انتهى و أقول: الأظهر أن المراد بالرسيس العشق الباطل أو الحمى أو المفسد أو الكاذب أو من يتعرف خبر الناس أو الأرجوفة أو انتشار العيوب بين الناس قال الفيروزآبادي: الرس ابتداء الشي‏ء و منه رس الحمى و رسيسها و الإصلاح و الإفساد ضد و الحفر و الدس، و دفن الميت، و تعرف أمور القوم، و خبرهم، و الرسيس الشي‏ء الثابت و الفطن العاقل، و خبر لم يصح و ابتداء الحب، و الحمى.

و قال في النهاية: في حديث الحجاج أنه قال النعمان بن زرعة أ من أهل الرس و الرهمسة أنت، أهل الرس هم الذين يبتدئون الكذب و يوقعونه في أفواه الناس، و قال الزمخشري: هو من رس بين القوم إذا أفسد فيكون قد جعله من الأضداد، و في المحاسن بعد الدعاء قال: و ذكر أنها أمان من كل سبع و من الشيطان الرجيم، و ذريته و من كل ما عض، و لسع و لا يخاف صاحبها إذا تكلم بها لصا و لا غولا.

و أقول: قد مر مثل الدعاء الأخير في السادس عشر بأدنى تغيير قد أشرنا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 282

إليه، و الظاهر أن- ثم سل حاجتك- أو نحوه سقط من الراوي، و قد كان فيما سبق أو أحاله على الظهور، أو تأكيد للاستعاذة مما مر في هذا الدعاء، و قيل:

لم يذكر للتعميم أو للاختصار أو للحوالة على علمه تعالى.

 (الحديث الحادي و الثلاثون)

 (1): ضعيف.

قوله عليه السلام" سنة واجبة"

 (2) لم أر أحدا قال بالوجوب إلا شر ذمة من محدثي المتأخرين فالمراد بالواجبة اللازمة و المؤكدة

قوله عليه السلام" مع طلوع الفجر"

 (3) كان المراد بالمعية القرب أو الغرض التخيير بتقدير كلمة أو، أو متعلق‏

بقوله" واجبة"

 (4) فقط أي الإيقاع عندهما أوجب و أحسن، أو يكون الغرض بيان ابتداء الأول و انتهاء الثاني، و في أكثر نسخ فلاح السائل، و بعض نسخ الكتاب- مع طلوع الشمس- فالغرض بيان انتهاء الوقتين و التضيق و اللزوم عندهما، و على النسختين خصوصا الثانية يحتمل أن يكون تفسيرا للقبلة، و الغرض اتصالهما بالوقتين، و قيل على النسخة الأخيرة المراد بهما الشروع قبل الطلوع، و الإتمام بعده، و الشروع قبل الغروب و الإتمام بعده، فالمغرب مصدر ميمي بمعنى الغروب، و يؤيده مع بعده أن في بعض نسخ الفلاح- بين طلوع الشمس و الغروب.

و قال صاحب الوافي قوله- مع طلوع الفجر- تفسير لما قبل طلوع الشمس‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 283

و تعيين لأوله و إعلام بأن فيه سعة و امتداد، أو

قوله- و المغرب‏

 (1) أي و مع المغرب تفسير لما قبل غروبها و تعريف له بإشرافها على الغروب و إعلام بأن فيه ضيقا

" يحيي و يميت و يميت و يحيي"

 (2) يمكن أن يكون التكرار لبيان تكرر صدور الفعلين منه تعالى و استمرارهما و يكون التقديم و التأخير تفننا في الكلام، أو المراد بالإحياء أولا الإحياء في الدنيا، و كذا المراد بالإماتة أولا الإماتة في الدنيا و بها ثانيا الإماتة في القبر ففيه دلالة على الإحياء في القبر ضمنا و عدم ذكره صريحا لكون مدته قليلة، أو المراد بها الإماتة في الرجعة فيدل على الإحياء فيها و عدم ذكر إحياء القبر لضعفه و قصر مدته، و على التقادير الإحياء ثانيا عند النشور.

" مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ"

 (3) في القاموس: الهمز الغمز، و الضغط، و النخس، و الدفع، و الضرب، و العض، و الكسر يهمز و يهمز و الهامز و الهمزة الغماز و فسر النبي صلى الله عليه و آله و سلم همز الشيطان بالموتة أي الجنون لأنه يحصل من نخسه و غمزه، و في النهاية في حديث الاستعاذة من الشيطان أما همزة فالموتة الهمز النخس و الغمز و كل شي‏ء دفعته فقد همزته و الموتة الجنون، و الهمز أيضا الغيبة و الوقيعة في الناس و ذكر عيوبهم و قد همز يهمز فهو هماز و همزة للمبالغة

" إن الله هو السميع العليم"

 (4) فيعلم دعاء الداعين و يعلم مقاصدهم و عجزهم فيستجيب لهم كما قال ادعوني أستجب لكم و فيه حث على حسن الظن بقبول الدعاء

" فإن نسيت"

 (5) أن تقوله في وقته المذكور

" قضيت"

 (6) متى ما ذكرت كما

" تقضي الصلاة"

 (7) عند ذكرها

" إذا نسيتها"

 (8) في وقتها و المراد بالصلاة الفريضة أو النافلة و الأول أوفق بمشرب المحدثين،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 284

و الثاني أنسب بمذهب الفقهاء و على الأول يمكن أن يكون التشبيه لتأكيد القضاء عند الذكر لا للوجوب.

 (الحديث الثاني و الثلاثون)

 (1): ضعيف.

و المراد

بالشيطان‏

 (2) هنا الجنس، و لما كان في المعنى متعددا أرجع إليه ضمير الجمع في‏

قوله" أَنْ يَحْضُرُونِ"

 (3) و هو بكسر نون الوقاية للدلالة على ياء المتكلم المحذوفة

قوله عليه السلام" نعم مفروض محدود"

 (4) الفرض في اصطلاح الأخبار ما ظهر وجوبه من القرآن، و يقابله السنة أي ما ظهر وجوبه من السنة، و قد يطلق الفرض على ما ظهر رجحانه من الكتاب أعم من أن يكون على الوجوب أو الاستحباب، و يقابله السنة بالمعنى الأعم أي ما ظهر شرعيته من السنة أعم من أن يكون واجبا أو مستحبا، فيمكن حمل الفرض هنا على هذا المعنى لما مر من الأخبار أن المراد بآيات التسبيح الذكر بكرة و أصيلا و قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و بالعشي و الأبكار و بكرة و عشيا و بالغدو و الآصال هذه التهليلات بل الاستعاذات أيضا فإنهما أتم و أهم من سائر الأذكار و المراد بالمحدود الموقوت الذي جعل لوقته حد أولا و آخرا.

و قال في القاموس: الفرض كالضرب التوقيت و منه (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) و ما أوجبه الله تعالى كالمفروض و القراءة و السنة يقال: فرض رسول الله أي سن و العطية المرسومة و ما فرضته على نفسك فوهبته أوجدت به لغير ثواب أي عوض و افترض الله أوجب، و في النهاية أصل افرض القطع و قد فرضه يفرضه فرضا و افترضه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 285

افتراضا و هو الواجب سيان عند الشافعي، و الفرض أكد من الواجب عند أبي حنيفة، و الفرض يكون بمعنى التقدير انتهى.

و أقول: إذا عرفت معاني الفرض و إطلاقاته لغة و عرفا يشكل الاستدلال على وجوب الذاكرين بهذه الأخبار ضعف أكثرها و لو كانا واجبين كان يحق أن يكونا متواترين كالفرائض اليومية مع أنهما لم يصيرا مستفيضين كالنوافل المرتبة، و أيضا لم يذكر في شي‏ء من الأخبار الوعيد على تركهما الذي هو من لوازم الوجوب و الاختلافات الكثيرة فيهما قرينة جلية على الاستحباب لكن الاحتياط سبيل أولي الألباب و" من" في‏

قوله" من الليل"

 (1) بمعنى- في.

 (الحديث الثالث و الثلاثون)

 (2): مرسل مجهول.

و القضاء

 (3) في هذا الخبر مخصوص بالنسيان كالخبر الأول لكن الفوت الوارد في الخبر السابق يشمل العدم أيضا و يمكن حمله على النسيان أو القول بالتعميم و حمل التقييد بالنسيان على أن القضاء فيه أهم أو قيد به إيماء إلى أنه لوفور فضله مما لا ينبغي أن يترك عمدا و

قوله عليه السلام" كان عليه"

 (4) و إن كان ظاهره الوجوب لكن‏

" ينبغي"

 (5) في صدر الخبر قرينة الاستحباب.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 286

 (الحديث الرابع و الثلاثون)

 (1): صحيح.

و المراد

بالموظف‏

 (2) ما له عدد مخصوص و هيئة خاصة لا يزاد عليه و لا ينقص منه، أو ما يكون من السنن الأكيدة التي ينبغي أن لا يترك إلا لعذر شديد و يلزم المواظبة عليها و مع ذلك كأنه على التأكيد و المبالغة و لا استبعاد فيه فإنهما من المتواترات بين الخاصة و لم يرد في شي‏ء من الأذكار ما ورد فيهما من الأخبار

قوله عليه السلام" و يسبح ما شاء تطوعا"

 (3) كان المراد بالتسبيح هنا أعم من سبحان الله و ما يشاكلها بل يشمل كل ما يدل على عظمته سبحانه و تنزيهه و جلالته من الأذكار كالتهليل و التكبير و الحوقلة و أشباهها كما يقال تسبيح الزهراء عليها السلام و المراد إما الأذكار المنقولة خصوصا أو الأعم و التطوع يطلق في عرف الأخبار و المحدثين غالبا على المستحبات التي ليست من السنن التي كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يواظب عليهن كالنوافل اليومية و صوم ثلاثة أيام في كل شهر و أمثالها و لذا عقد الصدوق في الفقيه لصوم السنة بابا و لصوم التطوع بابا آخر، و من خواص السنن أنها تقضي إذا فاتت.

فإذا عرفت هذا فاعلم أنه عليه السلام أو ما في هذا الكلام إلى أمرين (الأول) أن تخصيص هذين الذكرين بالتوظيف و بكونهما من السنن لا ينافي استحباب سائر الأذكار المأثورة خصوصا أو عموما (و الثاني) أن يعلم أنهما من السنن الأكيدة و سائر الأدعية و الأذكار ليست في درجتهما و فضلهما بل هي من التطوعات.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 287

 (الحديث الخامس و الثلاثون)

 (1): ضعيف على المشهور صحيح عندي.

و قيل: المراد

بالصباح‏

 (2) في هذا الحديث جميع اليوم أو المراد بالليلة أولها أي المغرب، و أقول: يمكن أن يقال النكتة في تغيير الأسلوب أن في اليوم غالبا متيقظ مشتغل بالأعمال فيمكن أن يكون في سائر اليوم غافلا بخلاف الليل فإن في أكثره نائم فيتفضل الله عليه بأن لا يكتبه في جميع الليلة غافلا لافتتاحها بالذكر، كما أنه إذا نام متطهرا يكتب كذلك إلى الصباح، و معلوم أن هذا التسبيح غير تسبيح فاطمة عليها السلام بل الظاهر أن قراءته قبل الصلاتين و

قوله عليه السلام" لم يكتب من الغافلين"

 (3) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إلى قوله بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ و إلى أنه يكفي هذا الذكر لإطاعة الأمر في تلك الآية فتفطن و لا تكن من الغافلين.

 (الحديث السادس و الثلاثون)

 (4): مجهول و إن أمكن أن يكون‏

محمد بن الفضيل‏

 (5) محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة، فالخبر صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 288

" و إن زدت على ذلك"

 (1) من الأدعية المنقولة لقضاء الحوائج أو الأعم‏

" فهو لكل شي‏ء"

 (2) أي ينفع لقضاء كل حاجة و ليس هو لحاجة دون حاجة

" بإذن الله"

 (3) أي بتوفيقه أو بتقديره‏

" يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ"

 (4) أي كن صاحب يقين في قضاء حاجتك، أو لا يمنعك عظم حاجة عندك عن سؤالها فإنه يفعل ما يشاء و لا تعجز قدرته عن شي‏ء أو إذا كان موافقا لمشيته التابعة للمصلحة يستجيبه فلا يكن في صدرك حرج إذا لم يستجب كما قال سيد الساجدين- و يا من تبدل حكمته الوسائل- و قيل:

المعنى يوفق من شاء لهذا الوجه من الدعاء ليستجيب له و لا يوفق من لم يشاء.

 (الحديث السابع و الثلاثون)

 (5): مجهول و يمكن أن يعد حسنا لأن سعد إن كان له أصل و هو عندي مدح.

قوله" هذا من الدعاء المخزون"

 (6) أي مخزون عن غير أهله" لا تعلمه كل أحد" أو المخزون في كنوز مقالة المؤمنين التي يحفظها الملائكة المقربون كما قيل إشارة إلى ما مر في الرابع عشر أنه إذا قال المؤمن هذا الدعاء ابتدرهن ملك و صعد به إلى أن ينتهي بهن إلى حملة العرش فيقولون انطلق بهن إلى حفظة كنوز مقالة المؤمنين إلى آخر ما مر، و الأول عندي أظهر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 289

 (الحديث الثامن و الثلاثون)

 (1): ضعيف.

" وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى"

 (2) في النجم هكذا (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى‏) وَ إِبْراهِيمَ أي صحف إبراهيم الَّذِي وَفَّى قيل أي وفر و أتم ما التزمه، أو أمر به، أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله، و قيل وفي بالصير على ذبح الولد، و على نار نمرود حتى قال جبرئيل عليه السلام و هو في الهواء بعد الرمي إليها أ لك حاجة فقال أما إليك فلا

" قال كلمات"

 (3) النصب أي عنى كلمات، و قيل بالرفع أي هي كلمات، و أقول: يمكن أن يكون المعنى من جملة ذلك هذه الكلمات لا أنه مختص بها

" و ربي محمود"

 (4) أي بحمد جميع الخلائق، أو بحمدي له، أو مستحق للحمد بنعمة علي و على جميع الخلائق و الواو للحال و كذا

" لا أشرك"

 (5) حال‏

" و لا أتخذ من دونه وليا"

 (6) أي ناصرا و معينا و متوليا لأموري و أولى بالأمر مني كما قال تعالى:

" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا" و قال:" إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ" و قال:" وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ" و قال:" إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا" الآية.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 290

قوله تعالى:

" إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً"

 (1) قيل كان يحمد الله في مجامع حالاته و فيه إيماء إلى أن نجاته و نجاة من معه كان ببركة شكره، و حث للذرية على الاقتداء به و قيل الضمير موسى لأنه المذكور في صدر الآية السابقة حيث قال سبحانه" وَ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً" و الخبر يدل على إرجاعه إلى نوح، و هو أقرب لفظا و

قوله عليه السلام" كلمات"

 (2) يحتمل الوجهين" ما أصبحت بي" التأنيث باعتبار معنى الموصول و الباء للملابسة، و في بعض الأخبار ما أصبح نظرا إلى لفظ الموصول، و قراءته بصيغة الخطاب كما توهم تصحيف‏

" وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا"

 (3) قيل أي رحمة منا عليه أو رحمة منا و تعطفا في قلبه على أبويه و غيرهما عطف على الحكم في قوله" وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ"

" وَ زَكاةً"

 (4) قيل أي الطهارة النفسانية من الأرجاس الشيطانية، أو صدقة تصدق الله بها على أبويه، أو مكنه و وفقه للتصدق على الناس قال‏

" تحنن الله"

 (5) التحنن الترحم و التعطف و الاشتياق و البركة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 291

باب الدعاء عند النوم و الانتباه‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

و قد مر مثله مع شرحه في باب التحميد و نعيده هنا مجملا

" الحمد لله الذي علا فقهر"

 (3) أي علا على كل شي‏ء في الرتبة و الشرف و العلية و الحكم، و ليس فوقه شي‏ء فقهر جميع ما عداه و غلب على جميع ما سواه فيفعل بهم ما يشاء و يحكم بهم ما يريد.

" و الحمد لله الذي بطن"

 (4) أي احتجب عن الأبصار و الأوهام فلا يدركه بصر و لا يحيط به و هم، أو علم بواطن الأشياء كما علم ظواهرها تقول بطنت الأمر إذا عرفت باطنه‏

" فخبر"

 (5) دقائق الأشياء و سرائرها و علم غوامضها و ضمائرها، من الخبر و هو العلم، يقال: فلان خبير أي عالم بكنه الشي‏ء و طبيعته مطلع على آثاره و حقيقته،

" و الحمد لله الذي ملك فقدر"

 (6) أي ملك رقاب الممكنات و زمامها و قوامها و نظامها، فقدر على إيجادها و إبقائها و إصلاحها و إفنائها.

" و الحمد لله الذي يحيي الموتى و يميت الأحياء"

 (7) يجوز أن يراد بالموتى من اتصف بالموت قبل تعلق الوجود و الروح به، و من اتصف به عند انقضاء الآجال في الدنيا، و من اتصف به بعد رد الروح إليه في القبر للسؤال، و من اتصف به بعد رد الروح إليه في الرجعة، للإثابة و الانتقام في الدنيا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 292

فالإحياء في أربعة مواضع، في الدنيا، و في القبر، و في الرجعة، و في القيامة و الإماتة في ثلاثة مواطن، في الدنيا، و في القبر، و في الرجعة، و لو أطلقنا الإماتة على خلقهم أمواتا ففي أربعة مواضع، في الدنيا مرتين، و في القبر، و في الرجعة، فالمراد بالتثنية في قوله تعالى (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) مطلق التكرير لا خصوص المرتين كما في- لبيك و سعديك- و لو حمل على المرتين حقيقة فالمراد الإحياء بعد الإماتة، و الإماتة بعد الإحياء و عدم عد إحياء القبر و إماتتها لضعف الحياة و قلة زمانها، أو عدم عد الرجعة، إما لعدم عمومهما فيها إذ الرجعة مختصة بجماعة من الأخيار و الأشرار، و هذا إذا قيل بعموم إحياء القبر، و إن كان السؤال مختصا بالمستضعفين كما ورد في الأخبار، لكن الظاهر من بعضها عدم الإحياء أيضا لهم إذ الظاهر أن الإحياء للسؤال و الثواب و العذاب أو لكونها من مقدمات الحشر و القيامة فعدا واحدا، و فيه تكلف‏

" خرج من الذنوب"

 (1) ظاهره الخروج من الكبائر أيضا.

 (الحديث الثاني)

 (2): مرفوع.

" إذا أوى أحدكم"

 (3) بالتخفيف و قد يشدد في القاموس أويت منزلي وليه أويا بالضم و قد يكسر و أويت تأوية نزلته بنفسي و سكنته، و آويته و أويته أنزلته‏

" إني احتسبت نفسي"

 (4) كذا في بعض النسخ بتقديم الباء على السين، و كذا صححه الأكثر، و الاحتباس يكون بمعنى الحبس في القاموس احتبسه حبسه فاحتبس لازم متعد انتهى، و المعنى أني قصدت النوم فكأني حبست نفسي عندك، و يمكن أن يكون من الحبس بمعنى الوقف، و في جامع الأصول في قوله صلى الله عليه و آله و سلم:- حبسوا أنفسهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 293

لله- أراد بهم الرهابين أقاموا بالصوامع، و منه تسمية النصارى الحبيس، و في بعض النسخ احتبست نفسي عندك فاحتسبها بتقديم السين على الباء في الموضعين، و هو عندي أظهر أي رضيت بقبضك روحي في المنام، و بما قدرته علي فيه من إمساكها و إرسالها، كما قال تعالى (وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى‏ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى‏ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى) فالغرض تفويض أمر نفسه إليه و الرضا بما قضى عليه.

فقوله:" فاحتسبها في محل رضوانك"

 (1) أي في محل أهل رضوانك و الذين ترضى عنهم، و الظاهر أنه في صورة الإمساك بقرينة المقابلة و يحتمل التعميم ليشمل حالة النوم فيرفع نفسه إلى المحل الذي يرفع إليه نفوس أهل الرضوان و الغفران قال في النهاية فيه- من صام رمضان إيمانا و احتسابا- أي طلبا لوجه الله و ثوابه و الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد و إنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به، و الحسبة اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد و الاحتساب في الأعمال الصالحات، و عند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالتسليم و الصبر، أو باستعمال أنواع البر و القيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها، و منه الحديث- من مات له ولد فاحتسبه- أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته، يقال: احتسب فلان ابنا له إذا مات كبيرا و افترطه إذا مات كبيرا، و افترطه إذا مات صغيرا، و معناه اعتد مصيبته به في جملة بلايا الله التي يثاب على الصبر عليها انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 294

و في جامع الأصول في قوله صلى الله عليه و آله و سلم فيمكث فيه صابرا محتسبا أي صابرا بقضاء الله محتسبا نفسه عند الله أي يدخرها عنده و يفوض أمرها إليه انتهى، و في بعض النسخ المصححة اللهم إن احتبست نفسي فاحتسبها فتقديم الباء على السين أظهر، و هو أظهر النسخ‏

" حتى تتوفاها على ذلك"

 (1) أي كائنة على تلك الأحوال و العقائد حتى نقبضها كائنة عليها، و قيل: إنما قال على ذلك لأنه قد يكون حكم ما بعد حتى غير داخل في حكم ما قبلها فصرح بالدخول لذلك.

 (الحديث الثالث)

 (2): مرسل كالموثق.

" و الطاغوت"

 (3) الشيطان و الأصنام و الكاهن، و كل ما عبد من دون الله، و كل رئيس في الضلالة و يطلق في الأخبار على خلفاء الجور لا سيما الثاني.

 (الحديث الرابع)

 (4): مجهول.

و فيه إشعار بأنه يقرأ آية الكرسي إلى- هم فيها خالدون- بل يمكن الاستدلال به على أن آية الكرسي اسم للآيات الثلاث كما ذهب إليه بعض المحدثين، فالمراد جنس الآية لا الآية الواحدة كآية السخرة، و المشهور أنه إذا أطلق فالمراد بها إلى العلي العظيم.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 295

 (الحديث الخامس)

 (1): موثق كالصحيح.

و روى الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا خفت الجنابة فقل في فراشك" اللهم" إلى آخر الدعاء، و في القاموس‏

الحلم‏

 (2) بالضم و بضمتين الرؤيا و الجمع أحلام حلم في نومه و احتلم و تحلم و انحلم و الحلم بالضم و

الاحتلام‏

 (3)، الجماع في النوم، و الاسم الحلم كعنق انتهى، و الأصوب أن يقال الاحتلام الجنابة في المنام سواء كان بالجماع أو بغيره، و كذا قالوا في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم غسل الجمعة واجب على كل محتلم أي بالغ مدرك كذا ذكره في النهاية، و قال فيه الرؤيا من الله و الحلم من الشيطان، الرؤيا و الحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء لكن علمت الرؤيا على ما يراه من الخير و الشي‏ء الحسن و غلب الحلم على ما يراه من الشر و القبيح، و منه قوله تعالى (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) و يستعمل كل منهما موضع الآخر و تضم لام الحلم و تسكن انتهى، و الباء في‏

" بي الشيطان"

 (4) للتعدية أو المصاحبة، و لعب الشيطان كناية عن التخييلات الباطلة التي تضر الإنسان و لا تنفعه و التسويلات التي توجب ارتكاب المعاصي كأنه يستهزئ بالإنسان و يلعب به، و منها الاحتلام.

قال في النهاية فيه صادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهرا، سمي اضطراب أمواج البحر لعبا لما لم يسر بهم إلى الوجه الذي أرادوه، يقال لكل من عمل عملا لا يجدي عليه نفعا إنما أنت لاعب انتهى. و كان هذا الدعاء منه عليه السلام لتعليم غيره أو لإظهار العجز و التواضع و الافتقار إليه تعالى و إن عصمتهم من ألطافه سبحانه بهم، فلا تنافي بين الدعاء و وجوب ذلك على الله لأخباره بعصمتهم و إن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 296

من لوازم الإمامة و علاماتها عدم الاحتلام و عدم استيلاء الشيطان عليهم و لعبة بهم.

 (الحديث السادس)

 (1): مجهول.

" و تسبيح"

 (2) مرفوع بالابتداء، و إذا تمحض الظرفية، و هو مع مدخولة خبر و الفاء في‏

" فكبر"

 (3) تفريعية أو بيانية، و قيل تسبيح منصوب على الإغراء بتقدير أدرك، أو مفعول مطلق لفعل محذوف أي سبح، و على التقديرين إذا شرطية و الفاء في فكبر جزائية و جملة الشرط و الجزاء استئناف بياني للسابق، ثم إن هذه الرواية دلت بحسب الترتيب الذكرى على تقديم التحميد على التسبيح في تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام عند النوم، و صحيحة محمد بن عذافر الواردة فيه على الإطلاق صريحة في ذلك، و كذا رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام و إن كانت ضعيفة على المشهور، فلذلك ذهب أكثر الأصحاب إلى أن التحميد مقدم على التسبيح مطلقا.

و نقل عن الصدوق و أبيه و ابن الجنيد (رضي الله عنهم) أن التسبيح مقدم على التحميد مطلقا لما روي في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال له و لفاطمة عليهما السلام في آخر حديث طويل" إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا و ثلاثين تكبيرة و سبحا ثلاثا و ثلاثين و احمدا ثلاثا و ثلاثين، و روى الصدوق ذلك في الفقيه مرسلا، و رواه في العلل بسند أكثره من رجال العامة، عن أبي الورد بن تمامة، عن علي عليه السلام.

و يؤيد أخذه من طرق العامة و كتبهم أن مسلما روى في صحيحه عن علي عليه السلام نحوه قال إن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها و في غير مسلم أنها جرت بالرحى حتى مجلت يدها و قمت البيت حتى أخبر شعرها و خبزت حتى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 297

تغير وجهها فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم لتطلب خادمة فلم تجده و لقيت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم أخبرته عائشة بمجي‏ء فاطمة فجاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلينا و قد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري و قال أ لا أخبركما أ لا أعلمكما خيرا مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما إن تكبرا الله أربعا و ثلاثين و تسبحاه ثلاثا و ثلاثين و تحمداه ثلاثا و ثلاثين فهو خير لكما من خادم.

و روى الشيخ (ره) في مجالسه بسند أكثر رجاله من العامة عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال معقبات لا يخيب مماثلهن أو فاعلهن يكبر أربعا و ثلاثين و يسبح ثلاثا و ثلاثين و يحمد ثلاثا و ثلاثين و رواه العامة أيضا في كتبهم بهذا الإسناد، عن كعب بن عجرة مثله، إلا أنهم قدموا في روايتهم التسبيح على التحميد، و التمجيد على التكبير و لذا قال أكثرهم بهذا الترتيب، و قال في شرح السنة أخرجه مسلم.

و أقول: روى أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج و شيخ الطائفة في الفقيه، و الصدوق في إكمال الدين، و غيرهم بسند حسن كالصحيح، أنه سأل الحميري القائم عليه السلام عن تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام من سها فجاز التكبير أكثر من أربع و ثلاثين هل يرجع إلى أربع و ثلاثين أو يستأنف، و إذا سبح تمام سبعة و ستين هل يرجع إلى ستة و ستين أو يستأنف و ما الذي يجب في ذلك فأجاب عليه السلام إذا سها في التكبير حتى تجاوز أربعا و ثلاثين عاد إلى ثلاث و ثلاثين و يبني عليها، و إذا سها في التسبيح فتجاوز سبعا و ستين تسبيحة عاد إلى ست و ستين و بنى عليها، فإذا جاوز التحميد مائة فلا شي‏ء عليه.

و روى سبط الطبرسي (ره) في مشكاة الأنوار مرسلا قال دخل رجل على‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 298

أبي عبد الله عليه السلام و كلمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله عليه السلام و شكا إليه ثقلا في أذنيه فقال له ما يمنعك و أين أنت من تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام فقلت له جعلت فداك و ما تسبيح فاطمة قال تكبر الله أربعا و ثلاثين و تحمد الله ثلاثا و ثلاثين و تسبح الله ثلاثا و ثلاثين تمام المائة قال فما فعلت ذلك إلا يسيرا حتى أذهب عني ما كنت أجده.

و أقول إذا عرفت اختلاف الأخبار فلنعد إلى بيان الجمع بينها و أقوال أصحابنا و المخالفين في ذلك، فاعلم أنه لا خلاف بين الأمة في أصل استحبابه و إنما الخلاف في ترتيبه و كيفيته قال العلامة (ره) في المنتهى أفضل الأذكار كلها تسبيح الزهراء عليها السلام و قد أجمع أهل العلم كافة على استحبابه انتهى. فالمخالفون بعضهم على أنها تسع و تسعون بتساوي التسبيحات الثلاث و تقديم التسبيح ثم التحميد ثم التكبير و بعضهم على أنها مائة بالترتيب المذكور و زيادة واحدة في التكبيرات و لا خلاف بيننا في أنها مائة، و في تقديم التكبير. و إنما الخلاف في أن التحميد مقدم على التسبيح أو بالعكس، و الأول أشهر و أقوى.

و قال في المختلف: المشهور تقديم التكبير ثم التحميد ثم التسبيح ذكره الشيخ في النهاية و المبسوط و المفيد في المقنعة و سلار، و ابن البراج، و ابن إدريس.

و قال علي بن بابويه يسبح تسبيح الزهراء عليها السلام و هو أربع و ثلاثون تكبيرة و ثلاث و ثلاثون تسبيحة و ثلاث و ثلاثون تحميدة و هو يشعر بتقديم التسبيح على التحميد، و كذا قال ابنه أبو جعفر و ابن الجنيد، و الشيخ في الاقتصاد و احتجوا برواية فاطمة.

و الجواب: أنه ليس فيها تصريح بتقديم التسبيح أقصى ما في الباب أنه قدمه في الذكر و ذلك لا يدل على الترتيب و العطف بالواو لا يدل عليه انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 299

و قال شيخنا البهائي (ره) في مفتاح الفلاح اعلم أن المشهور استحباب تسبيح الزهراء عليها السلام في وقتين أحدهما بعد الصلاة و الآخر عند النوم، و ظاهر الرواية الواردة به عند النوم تقتضي تقديم التسبيح على التحميد، و ظاهر الرواية الصحيحة الواردة في تسبيح الزهراء عليها السلام على الإطلاق يقتضي تأخيره عنه.

و لا بأس ببسط الكلام في هذا المقام و إن كان خارجا عن موضوع الكتاب فنقول قد اختلف علماؤنا قدس الله أرواحهم في ذلك مع اتفاقهم على الابتداء بالتكبير لصراحة صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام في الابتداء به فالمشهور الذي عليه- العمل في التعقيبات تقديم التحميد على التسبيح، و قال رئيس المحدثين، و أبوه، و ابن الجنيد بتأخيره عنه، و الرواية عن أئمة الهدى سلام الله عليهم لا تخلو بحسب الظاهر من اختلاف.

و الرواية المعتبرة التي ظاهرها تقديم التحميد شاملة بإطلاقها لما يفعل بعد الصلاة و ما يفعل عند النوم، و هي ما رواه شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن محمد بن عذافر قال دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه السلام فسأله أبي عن تسبيح الزهراء عليها السلام فقال الله أكبر حتى أحصى أربعا و ثلاثين مرة ثم قال الحمد لله حتى بلغ سبعا و ستين مرة ثم قال سبحان الله حتى بلغ مائة مرة يحصيها بيده جملة واحدة و الرواية التي ظاهرها تقديم التسبيح على التحميد مختصة بما يفعل عند النوم، ثم أورد من الفقيه رواية على و فاطمة عليها السلام التي أشرنا إليها ثم قال: و لا يخفى أن هذه الرواية غير صريحة في تقديم التسبيح على التحميد فإن الواو لا تفيد الترتيب و إنما هي لمطلق الجمع على الأصح كما بين في الأصول نعم ظاهر التقديم اللفظي يقتضي ذلك و كذا الرواية السابقة غير صريحة في تقديم التحميد فإن لفظة" ثم" فيها من كلام الراوي فلم يبق إلا ظاهر التقديم اللفظي أيضا فالتنافي بين الروايتين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 300

إنما هو بحسب الظاهر فينبغي حمل الثانية على الأولى لصحة سندها و اعتضادها ببعض الروايات الضعيفة كما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام أنه قال في تسبيح- الزهراء عليها السلام تبدأ بالتكبير أربعا و ثلاثين ثم التحميد ثلاثا و ثلاثين ثم التسبيح ثلاثا و ثلاثين و هذه الرواية صريحة في تقديم التحميد فهي مؤيدة لظاهر لفظ الرواية الصحيحة فتحمل الرواية الأخرى على خلاف ظاهر لفظها ليرتفع التنافي بينهما كما قلنا.

فإن قلت: يمكن العمل بظاهر الروايتين معا بحمل الأولى على الذي يفعل بعد الصلاة و الثانية على الذي يفعل عند النوم و حينئذ لا يحتاج إلى صرف الثانية عن ظاهرها فلم عدلت عنه و كيف لم تقل به.

قلت: لأني لم أجد قائلا بالفرق بين تسبيح الزهراء عليها السلام في الحالين بل الذي يظهر بعد التتبع أن كلا من الفريقين القائلين بتقديم التحميد و تأخيره قائل به مطلقا سواء وقع بعد الصلاة أو قبل النوم فالقول بالتفصيل إحداث قول ثالث في مقابل الإجماع المركب.

و أما ما يقال: من أن إحداث القول الثالث إنما يمتنع إذا لزم منه رفع ما أجمعت عليه الأمة كما يقال في رد البكر الموطوءة بعيب مجانا لاتفاق الكل على عدمه بخلاف ما ليس كذلك كالقول بفسخ النكاح ببعض العيوب الخمسة دون بعض لموافقة كل من الشطرين في شطر و كما نحن فيه إذ لا مانع منه مثل القول بصحة بيع الغائب و عدم قتل المسلم بالذمي بعد قول أحد الشطرين بالثاني و نقيض الأول و الشطر الثاني بعكسه.

فجوابه: هذا التفصيل إنما يستقيم على مذهب العامة إما على ما قرره الخاصة- من أن حجية الإجماع مسببة عن كشفه عن دخول المعصوم- فلا إذ مخالفته حاصلة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 301

و إن وافق القائل كلا من الشطرين في شطر و قس عليه مثال البيع و القتل انتهى كلامه زيد إكرامه.

و أقول: الإجماع المذكور غير ثابت و ما ذكروه وجه جمع بين الأخبار و يمكن الجمع بالقول بالتخيير مطلقا أيضا، و أما قوله (ره) إن رواية ابن عذافر غير صريحة في الترتيب لأن لفظة ثم فيها في كلام الراوي فهو طريف، لكنه تفطن بوهنه و تداركه فيما علقه على الهامش حيث قال لكن يمكن أن يقال تفسير الراوي بلفظ" ثم" يعطي أنه فهم من الإمام عليه السلام تراخي التسبيح عن التحميد و هذا كاف في الترتيب المشهور.

فإن قلت: التراخي لم يقل به أحد من الأصحاب و الرواية متروك الظاهر.

قلت: انسلاخ لفظ ثم عن التراخي لا يستلزم انسلاخه عن الترتيب انتهى، و كان إصلاحه أيضا غير صالح فتفطن.

قوله" و عشر آيات من آخرها"

 (1) أي من قوله (وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) إلى آخر السورة و لا يبعد أن يكون من قوله (وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا) إلى آخر السورة فإن هاتين الآيتين مناسبتان أيضا للمقصود ظاهرا بأن تكون بعض الآيات عندهم أطول و قد يشعر بعض الأخبار بأن من قوله سبحان ربك إلى آخرها آية واحدة فتتم عشر آيات لكنه تكلف.

 (الحديث السابع)

 (2): مجهول.

" و المسباح"

 (3) بالكسر اسم لما يسبح به و يعلم به عدده كالمفتاح لما يفتح به، و المسبار لما يسبر به الجرح أي يمتحن غوره، و الحاصل أنه موافق للقياس لكن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 302

لم يذكره اللغويون و إنما ذكروا السبحة بالضم. قال في المصباح السبحة خرزات منظومة، قال الفارابي: و تبعه الجوهري، و السبحة التي يسبح بها و هو يقتضي كونها عربية. و قال الأزهري: كلمة مولدة و جمعها سبح مثل غرفة و غرف انتهى و صحف بعضهم، و قرأ سباحا بكسر السين مع أنه أيضا لم يرد في اللغة و مخالف للنسخ المضبوطة

" و له اختلاف الليل و النهار"

 (1) أي تعاقبهما أو اختلاف مقدارهما باعتبار دخول كل منهما في الآخر في وقتين أو في وقت واحد في قطرين.

 (الحديث الثامن)

 (2): صحيح.

و قال في المصباح:

الهامة

 (3) ما له سم يقتل كالحية قاله الأزهري، و الجمع الهوام مثل دابة و دواب، و قد يطلق الهوام على ما لا يقتل كالحشرات و منه حديث كعب بن عجرة و قد قال عليه السلام أ يؤذيك هوام رأسك و المراد القمل على الاستعارة بجامع الأذى، و قال‏

السأمة

 (4) من الخشاش ما يسم و لا يبلغ أن يقتل بسمة كالعقرب و الزنبور فهي اسم فاعل، و الجمع سوام مثل دابة و دواب و نحو ذلك، قال في النهاية في الموضعين ثم قال، و في حديث ابن المسيب كنا نقول إذا أصبحنا نعوذ بالله من شر السأمة و إلهامه، السأمة هيهنا خاصة الرجل يقال سم إذ أخص انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 303

قوله" فيقول الصبي"

 (1) أقول: هذا الكلام يحتمل وجوها.

الأول أن الصبي لما بلغ في متابعة الدعاء الذي يلقيه عليه السلام عليه إلى لفظ رسولك أو إلى محمد زاد في وصفه من تلقاء نفسه الطيب المبارك و قرره أبوه عليه السلام عليه و كأنه عليه السلام كان يريد إلقائهما عليه فبادر الصبي و ذكرهما فاستحسنه و قرره عليه فالظرف معترض بين الوصفين كذا سمعنا من مشايخنا قدس الله أرواحهم.

الثاني: أن يكون الطيب صفة للصبي، مدحه الراوي به و المبارك مقول القول و صفة للنبي فأضاف عليه السلام الطيب أيضا و قال صفه بهما فقل رسولك الطيب المبارك.

الثالث: أن يكون بعكس السابق فيكون الطيب مفعول القول و المبارك و صفة للنبي وصفه الراوي به و سائر الكلام كما مر، و الأول أحسن الوجوه ثم الثاني.

 (الحديث التاسع)

 (2): ضعيف على المشهور:

" إن استطعت"

 (3) أن شرطية و الجزاء محذوف و هو فافعل أو نحوه‏

" أن لا تبيت ليلة"

 (4) أي لا تنام مجازا على الأشهر أو لا تفعل فعلا في ليلة حتى تتعوذ أولا تمضي عليك ليلة فلو فعله آخر الليل أيضا كان حسنا و قيل أصله دخول الليل قال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 304

في القاموس: بات يفعل كذا يبيت و يبات بيتا و بياتا و مبيتا و بيتوتة أي يفعله ليلا و ليس من النوم و من أدركه الليل فقد بات و قد بت. القوم و بهم و عندهم و إباتة الله أحسن بيتة بالكسر أي إباتة و بيت الأمر دبره ليلا و الغدو أوقع بهم ليلا و قال في المصباح بات يبيت بيتوتة و مبيتا و مباتا فهو بائت و لذلك معنيان أشهرهما اختصاص ذلك الفعل بالليل كما اختص الفعل في ظل بالنهار، فإذا قلت بأن يفعل كذا فمعناه فعله بالليل و لا يكون إلا مع سهر الليل، و عليه قوله تعالى (وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً).

و قال الأزهري قال الفراء بات الليل إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية، و قال الليث من قال بات بمعنى نام فقد أخطأ، أ لا ترى أنك تقول بات يرعى النجوم و معناه ينظر إليهما و كيف ينام من يراقب النجوم و قال ابن القوطية أيضا، و تبعه السر قسطي و ابن القطاع بات يفعل كذا إذا فعله ليلا و لا يقال بمعنى نام، و المعنى الثاني يكون بمعنى صار يقال بات بموضع كذا أي صار به سواء كان في ليل أو نهار، و على هذا قول الفقهاء بات عند امرأته ليلة أي صار عندها سواء حصل معه نوم أو لا، و قال في النهاية: كل من أدركه الليل فقد بات يبيت نام أو لم ينم انتهى، و قيل حتى هنا للاستثناء.

و أقول:

تعوذ

 (1) يحتمل أن يكون كتقول أو من باب التفعل بحذف إحدى التائين و قيل الباء في‏

" بأحد"

 (2) للآلة و إطلاق الحرف على الكلمة و الكلام شائع‏

" و تعوذ به"

 (3) يحتمل الأمر و المضارع من التفعل، و المضارع من باب نصر، و الحاصل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 305

أنه ينبغي قراءته في كل حال و في كل زمان من الليل و النهار و قد مر شرح سائر أجزاء الدعاء.

 (الحديث العاشر)

 (1): مجهول.

" بسم الله"

 (2) أي أبتدئ باسم الله أو أنام مستعينا به‏

" وضعت جنبي الأيمن لله"

 (3) قد تواترت الروايات معنى من طرق الخاصة و العامة على استحباب النوم على الجنب الأيمن قال عياض: لما في التيامن من البركة و في اسمه من الخير، و أيضا في النوم على الأيمن سرعة التيقظ لأن القلب في الجانب الأيسر فإذا نام كذلك يبقى القلب معلقا إلى جهة الأيمن و إذا نام على الأيسر استغرقه النوم و لا ينتبه إلا بعد حين، و أما الدعاء المذكور فلأنه تجديد عهد إذ قد يموت في نومته تلك كذا قيل‏

" على ملة إبراهيم"

 (4) أي كائنا على ملته‏

" و الحنيف"

 (5) المسلم المائل إلى الدين المستقيم و الحنف محركة، الاستقامة و منه قوله دين محمد حنيف أي مستقيم لا عوج فيه، و في الخبر في قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) قال أمره أن يقيم وجهه إلى القبلة ليس فيه شي‏ء من عبادة الأوثان خالصا مخلصا.

 (الحديث الحادي عشر)

 (6): مجهول.

" و رب المستضعفين"

 (7) على بناء المفعول أي الأئمة الطاهرين الذين استضعفهم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 306

المخالفون في الأرض إشارة إلى قوله تعالى (وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) و قد مرت الأخبار في أنها نزلت فيهم عليهم السلام، و يحتمل التعميم ليشمل غيرهم من شيعتهم.

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): حسن كالصحيح.

و كان المراد برد

الروح‏

 (2) كمال تصرفه في البدن و اشتغال المشاعر الظاهرة بأعمالها و قد مر الكلام في السبوح و القدوس، و الروح، و الاشتغال بالدعاء و الذكر في هذا الوقت لما ورد في الأخبار الكثيرة من طرق الخاصة و العامة، إن لله ديكا عرفه تحت العرش و رجلاه في تخوم الأرضين السابعة السفلى إذا كان في الثلث الأخير من الليل سبح الله تعالى ذكره بصوت يسمعه كل شي‏ء ما خلا الثقلين الجن و الإنس، فتصيح عند ذلك ديكة الدنيا، و في بعض الأخبار أن الديك رأسه عند العرش و هو ملك من ملائكة الله تعالى و رجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى مضى مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش و هو يقول سبحانك ربي، و لذلك الديك جناحان إذا نشرهما جاوز المشرق و المغرب فإذا كان في آخر الليل نشر جناحيه و خفق بهما و صرخ بالتسبيح و هو يقول سبحان الله الملك القدوس الكبير المتعال القدوس لا إله إلا هو الحي القيوم فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها و خفقت بأجنحتها و أخذت في الصراخ فإذا سكن ذلك الديك في المساء سكنت الديكة في الأرض فإذا كان في بعض السحر نشر جناحيه تجاوز المغرب و المشرق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 307

و خفق بهما و صرخ بالتسبيح (سبحان الله العظيم سبحان الله العزيز القهار سبحان الله ذي العرش المجيد سبحان الله رب العرش الرفيع) فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض فإذا هاج هاجت الديكة في الأرض تجاوبه بالتسبيح و التقديس لله تعالى و لذلك الديك ريش أبيض كأشد بياض رأيته قط، و له زغب أخضر تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة رأيتها قط، و روى الصدوق في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير قوله تعالى (وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ) مثل ذلك و أن المراد بالطير الديكة و الأخبار في ذلك كثيرة فظهر أن التسبيح عند سماع أصواتها موافقة لها في التسبيح.

و من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال إذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا قال عياض إنما أمرنا بالدعاء حينئذ لتؤمن الملائكة و تستغفر و تشهد للداعي بالتضرع و الإخلاص، و قال القرطبي: و لرجاء القبول و قيل الفاء في‏

قوله" فاغفر"

 (1) للتفريع على الإقرار بالوحدانية و الاعتراف بالذنوب و الفاء في‏

قوله" فإنه"

 (2) للبيان و الضمير للشأن.

" إلى أفاق السماء"

 (3) أي ما ظهر من نواحيها، في المصباح الأفق بضمتين الناحية من الأرض و من السماء و الجمع آفاق انتهى، و النظر إليها للعبرة و التفكر في آثار عظمته و قدرته سبحانه و قيل لملاحظة الوقت‏

" لا يواري عنك"

 (4) أي لا يستر عنك من المواراة و هي الستر

" ليل داج"

 (5) بالتخفيف من المعتل اللام من دجى الليل دجوا إذا أظلم و تمت ظلمته و ربما يقرأ بالتشديد قال في القاموس دج أرخى الستر و الدجج بضمتين شدة الظلمة كالدجة و ليلة ديجوج و دجداجة انتهى،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 308

و الأول أظهر و في بعض كتب الدعاء و الحديث ساج بالسين و هو إما بالتخفيف كما صححه الشيخ البهائي (قدس سره) في مفتاح الفلاح قال ساج بالسين المهملة و أخره جيم اسم فاعل من سجي بمعنى ركد و استقر، و المراد ليل راكد ظلامه مستقر قد بلغ غايته انتهى.

و أقول: يؤيد هذه النسخة قوله تعالى (وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى‏) قال البيضاوي أي سكن أهله أو ركد ظلامه من سجي البحر سجوا إذا سكنت أمواجه و أما بالتشديد من السبح بمعنى التغطية و هو بعيد

" و الأبراج"

 (1) الأظهر عندي أنه جمع برج بالتحريك أي ذات كواكب نيرة حسنة المنظر قال في القاموس: البرج محركة المجيد الحسن الوجه أو المضي‏ء البين المعلوم و الجمع أبراج، و قال البرج بالضم الركن و الحصن و واحد بروج السماء انتهى، و زعم الأكثر أنه جمع برج لقوله تعالى (وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) و هو بعيد إذ هو يجمع في الغالب على بروج، و إن قيل أنه يجمع على أبراج، قال في مصباح اللغة برج الحمام مأواه و البرج في السماء قيل منزل القمر و قيل الكوكب العظيم و قيل باب السماء و الجمع فيهما بروج و أبراج" و لا أرض ذات مهاد" أي أمكنة مستوية ممهدة للقرار قال في القاموس‏

المهاد

 (2) الموضع مهيأ للصبي و يوطأ و الأرض و الفراش (و أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) أي بساطا ممكنا للسلوك فيه و لبئس المهاد أي ما مهد لنفسه في معاده انتهى.

و يحتمل أن يكون المعنى صاحبة هذا الاسم أو هذه الصفة و الحالة فيكون شبيها بالتجريد، و قيل: الظاهر أن مهادا هنا جمع مهد أو مهدة بالضم فيهما و هما ما ارتفع من الأرض أو ما انخفض منها في سهولة و استواء و المعنى لا يستر عنك أرض ذات أتلال عالية، و جبال رأسيه أو ذات أقطاع مستقيمة ممهدة و أمكنة مستوية منبسطة انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 309

و قيل: هو جمع مهد و هو الموضع المستوي، هو إشارة إلى أن الأرض لما كانت مستوية احتاجت إلى الجبال لرفع تزلزلها كما قال تعالى (أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَ الْجِبالَ أَوْتاداً) فالمراد أن الجبال التي حصلت سبب استواء الأرض لا تواري عنك ما وراءها، و لا يخفى ما فيه.

و قال الشيخ البهائي (ره) في المفتاح ذات مهاد بكسر أوله جمع ممهود أي ذات أمكنة مستوية ممهدة و اعترض عليه بأن ما ذكره (قدس سره) من كون مهاد جمع ممهود لا يعرف مأخذه و لا وجه صحته، بل هو مخالف للسماع و القياس.

أما الأول: فلان المذكور في التفاسير أن مهادا مفرد قال في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى (أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) أي وطأ و قرارا و مهيأ للتصرف فيه من غير إذنه، و قيل: مهادا أي بساطا و قال صاحب الكشاف مهادا أي فراشا و قال في القاموس: المهاد ككتاب الفراش جمعه أمهدة و مهد و (أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) أي بساطا ممكنا للسلوك (وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ) أي ما مهد لنفسه في معاده و ذكر فيه أن المهاد جاء بمعنى المهد و هو الموضع الذي يهيئ للصبي و يوطأ له.

و أما الثاني: أعني مخالفة القياس فلان قياس الصفة مثل اسم الفاعل و المفعول مطلقا أن يجمع جمع الصحيح، فإن كانت صفة لمذكر يعقل فيه الواو و النون، نحو منصورون و إن كانت صفة لمذكر لا يعقل أو المؤنث مطلقا فبالألف و التاء كمرفوعات و منصورات، و أما جمع التكسير فغير قياس إلا ما كان على فاعل بل قليل موقوف على السماع كميامين و مشاييم فقياس ممهود أن يجمع على ممهودات و لو جمع جمع تكسير لا على الشذوذ يجب أن يقال مماهيد، و أما جمعه على مهاد فبعيد غاية البعد، و لو قلنا بجمعية مهاد فالأولى أن يقال: أنه جمع مهد لأن فعلا يجمع على فعال كجبل و جبال، و نعل و نعال، و رحل و رحال انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 310

قوله عليه السلام" و لا بحر لجي"

 (1) قال في المفتاح بضم اللام و قد يكسر و تشديد الجيم المكسورة المشددة أي عظيم انتهى، و في القاموس: لجة البحر معظمه و منه بحر لجي، و أقول: هذه الفقرة و التي قبلها إشارة إلى قوله تعالى في سورة النور (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) قال البيضاوي: أي عميق منسوب إلى اللجج و هو معظم الماء، (يَغْشاهُ) يغشى البحر (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) أي أمواج مترادفة متراكمة (مِنْ فَوْقِهِ) من فوق الموج الثاني سَحابٌ غطى النجوم و حجب أنوارها و الجملة صفة أخرى للبحر (كَظُلُماتٍ) أي هذا ظلمات (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) لم يقرب أن يراها فضلا أن يراها.

قوله عليه السلام" تدلج بين يدي المدلج من خلقك"

 (2) قال في القاموس: الدلج محركة و الدلجة بالضم و الفتح السير من أول الليل، و قد أدلجوا فإن ساروا في آخر الليل فأدلجوا بالتشديد، و في المصباح أدلج إدلاجا مثل أكرم إكراما مسار الليل كله فهو مدلج، و به سمي و منه أبو قبيلة من كنانة، و منهم القافة فإن خرج آخر الليل فقد أدلج بالتشديد انتهى.

و أقول: المضبوط في الدعاء التخفيف و التشديد أنسب، و الكفعمي (ره) في البلد الأمين عكس و نسب التخفيف إلى آخر الليل و لعله من سهو قلمه و قال في المفتاح: الإدلاج السير بالليل و ربما يختص بالسير في أوله، و ربما يطلق الإدلاج على العبادة في الليل مجازا لأن العبادة سير إلى الله تعالى و قد فسر بذلك قول النبي فيه من خاف أدلج، و من أدلج بلغ المنزل، و معنى تدلج بين يدي المدلج أن رحمتك و توفيقك و أعانتك لمن توجه إليك و عبدك صادرة عنك قبل توجهه إليك و عبادته لك إذ لو لا رحمتك و توفيقك و إيقاعك ذلك في قلبه لم يخطر ذلك بباله فكأنك سريت إليه قبل أن يسري هو إليك و قال (ره) في الهامش و بعض‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 311

المحدثين فسر الإدلاج في هذا الحديث بالطاعات و العبادات في أيام الشباب فإن سواد الشعر يناسب الليل فالعبادة فيه كأنها إدلاج انتهى.

و أقول: علقها على قوله صلى الله عليه و آله و سلم من خاف أدلج لما روي عن محمد بن الحنفية في تفسير هذا الخبر أن مراده صلى الله عليه و آله و سلم من خاف الله و اليوم الآخر اجتهد في العبادة أيام شبابه و قوته و سواد شعره فقد كنى عن العمل في الشباب بالدلج و هو السير بالليل كما يكنى عن الشيب بالصبح و أقول في الدعاء، و يحتمل أن يكون المعنى أن ألطافك و رحماتك تزيد على عبادته لك كما ورد في الحديث القدسي، من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا و من تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا.

و قال والدي (ره) في أكثر نسخ التهذيب يدلج بالياء على صيغة الغائب فيحتمل أن يكون صفة للبحر إذ السائر في البحر يظن أن البحر متوجه إليه يتحرك نحوه و يمكن أن يكون التفاتا فيرجع إلى المعنى الأول‏

" تعلم خائِنَةَ الْأَعْيُنِ"

 (1) الخائنة أما اسم فاعل أي النظرة الخائنة الصادرة عن الأعين، أو الخائنة مصدر كالعافية أي خيانة الأعين و هي النظر إلى ما لا يجوز و الغمز بها

" وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ"

 (2) خطوراتها و مضمراتها

" غارت النجوم"

 (3) أي تسفلت و أخذت في الهبوط و الانخفاض بعد ما كانت أخذه في الصعود و الارتفاع و اللام للعهد، و يجوز أن يكون بمعنى غابت بأن يكون المراد بها النجوم التي كانت في أول الليل في وسط السماء

" و نامت العيون"

 (4) أي هذا وقت اليأس عن المخلوقين و التوسل برب العالمين و قيل: كأنه تأسف على الغفلة عن مشاهدة هذا الصنع الغريب و التدبير العجيب‏

" و أنت الحي القيوم"

 (5) أي الفعال المدرك للأشياء كما هي، و القائم على كل شي‏ء برعايته و حفظه و إصلاحه و تدبيره.

و أقول: حاصل هذه الفقرات، التنبيه على التوسل بقاضي الحاجات، و قطع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 312

الرجاء عن غيره، فإن الناس قد يتوسلون بالكواكب و النظرات و الساعات فنبه بهبوطها و غيبتها على عجزها و ضعفها، و كونها مسخرة لرب قاهر كما قال الخليل عليه السلام (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) و قد يلجأون إلى الأقوياء من المخلوقين لزعمهم أنهم قادرون على كل ما يريدون فيه على عجزهم و ضعفهم بقوله- و نامت العيون- فإنهم لطريان النوم يغفلون عمن يتوسل بهم، و الموت الذي هو أخوه محتمل فيه مع قطع النظر عن سائر الموانع و القواطع عن الأفعال و الإرادات، و لذا عقبها

بقوله" و أنت الحي القيوم"

 (1) أي القادر العالم بذاته الذي لا يعتريه موت لا فناء، و القائم بذاته الذي يقوم به كل شي‏ء، و لا يعجز عن شي‏ء، و يحتاج إليه كل شي‏ء.

ثم قال:

" لا تأخذك سنة و لا نوم"

 (2) فتصير غافلا أو عاجزا عن قضاء حوائج المخلوقين، فإذا تفكر العاقل في هذه الفقرات و تنبه بها انبعث منه شوق إلى التوجه بحوائجه إلى رب الأرباب، و التضرع إليه في كل باب و يأس تام عن المخلوقين، و انقطاع إلى قاضي حوائج السائلين" و السنة" بالكسر مبادئ النوم و قيل فتور يتقدم النوم، و قال الشيخ البهائي (ره) تقديمها عليه مع أن القياس في النفي الترقي من الأعلى إلى الأسفل بعكس الإثبات لتقدمها عليه طبعا، أو المراد نفي هذه الحالة المركبة التي تعتري الحيوان.

 (الحديث الثالث عشر)

 (3): صحيح.

" حتى يسمع"

 (4) على بناء الأفعال أو المجرد و كان الإسماع ليستيقظ من أراد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 313

الاستيقاظ و يقوم من أراد القيام و فيه إيماء إلى جواز إيقاظ الغير للعبادة إذا كان راضيا بل مع عدم الرضا أيضا، و فيه إشكال بل ربما يمنع مع الرضا أيضا لأنه إبراء ما لم يجب، و لا يخفى ضعفه، إذ يلزم منه عدم جواز الفصد، و الحجامة و أمثالهما

" اللهم أعني"

 (1) أي على تحمله بتسهيله علي أو رفعه عني. و في المصباح‏

هالني الشي‏ء هولا

 (2) من باب قال أفزعني فهو هائل، و لا يقال مهول إلا في المفعول و موضع مهيل بفتح الميم و مهال أيضا أي مخوف ذو هول‏

" و المطلع"

 (3) بالتشديد و فتح اللام إما مصدر ميمي أو اسم مكان، و قد يقرأ بكسر اللام و هو الرب تعالى قال في القاموس: و بكسر اللام القوي العالي القاهر انتهى، و هو تصحيف.

و قال في النهاية: فيه في ذكر القرآن لكل حرف حد و لكل حد مطلع أي لكل مصعد يصعد إليه من معرفة علمه، و المطلع مكان الاطلاع من موضع عال يقال مطلع هذا الجبل من مكان كذا أي مأتاه و مصعدة، و منه حديث عمر لو أن لي ما في الأرض جميعا لافتديت به من هول المطلع يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال انتهى.

و قال الكفعمي (ره) في حواشي البلد الأمين بعد ذكر ما مر و رأيت بخط الشهيد (ره) أن هول المطلع هو الاطلاع على الملائكة الذين يقبضون الأرواح و المطلع مصدر.

و أقول: الظاهر أن المراد به أهوال القبر لما ورد، لا تفجأ بالميت القبر، فإن للقبر أهوالا، و المراد

بالمضجع‏

 (4) القبر أو عالم البرزخ، في القاموس: ضجع كمنع ضجعا و ضجوعا وضع جنبه بالأرض كانضجع و اضطجع و المضجع كمقعد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 314

موضعه كالمضطجع، و في الفقيه و وسع على المضجع و مناسبة الدعاء لهذا الوقت و إذا استيقظ في ظلمة الليل و انفرد عن الناس ينبغي أن يذكر ظلمة القبر و وحدته فيه، و انفراده عن الناس، و لما كان النوم و الانتباه شبيهين بالموت و البعث ينبغي أن يذكرهما و يستعيذ من شرهما.

 (الحديث الرابع عشر)

 (1): صحيح، و إن كان فيه شوب إرسال لأن الإرسال بعد ابن أبي عمير.

قوله عليه السلام:" إن أمسكت بنفسي"

 (2) أي لم ترسلها إلى بدني و وصلت نومي بالموت‏

" فارحمها"

 (3) و اغفر لها و لا تؤاخذها بسيئات أعمالها،

" و إن أرسلتها"

 (4) إلى بدنها

" فاحفظها"

 (5) من الذنوب و الآفات، و تكرار هذا المضمون في الأدعية و ذكرها في الآية الكريمة للتنبيه على أنه لا اعتماد على الحياة، و احتمال عدم الانتباه من هذا المنام فينبغي أن يتوب عند كل نوم و يجدد وصيته و لا يغتر بظن الحياة لحبها و عدم احتمال الموت لكراهتها.

 (الحديث الخامس عشر)

 (6): صحيح و أخره موثق بسماعه، و فاعل‏

قال‏

 (7) أبو عبد الله عليه السلام، و

أبو محمد

 (8) كنية أخرى لليث بن البختري، و ليحيى بن القاسم أيضا، و إنما كني بأبي بصير لكونهما بصيرين مكفوفي البصر تكنية بالضد أو لبصيرة قلبهما، أو كناية عن أنهما ليسا ببصيرين، و إنما ولدا بصيرين، فإن البصير خلاف‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 315

الضرير، و يمكن أن يكون تكنية الليث بعد صيرورته بصيرا بإعجاز الباقر و الصادق عليه السلام كما هو المشهور، و المذكور في الأخبار، و بالجملة تكنيته بأبي محمد في الأخبار و كتب الرجال أشهر من أن يخفى على الناقد البصير، و من الغرائب أنه قال بعض الشراح: فاعل قال أبو بصير و أبو محمد كنية لسماعة لأنه قال النجاشي: يكنى أبا تاشرة، و قيل أبا محمد.

و أما

قوله عليه السلام" أما إنك إن جربته وجدته سديدا"

 (1) فيحتمل وجوها.

الأول: أن يكون المراد به أنه يظهر لك في الآخرة صدق ما قلته لك، أو في المنام.

الثاني: أن يكون المراد ظهور آثاره من إنارة قلبه فإنه علامة المغفرة كما قيل، أو من التوفيق و الهداية و تيسير أمور الدنيا و الآخرة.

الثالث: ما قيل يفهم منه أن لقارئها على العدد المذكور إذا واظب عليها أن تحصل له حالات غريبة، و كمالات عجيبة يجدها الذوق و يدركها الشوق و لا يبعد إجراء مثل هذا الحكم في غيرها من الأدعية المأثورة عن أهل العصمة عليهم السلام.

الرابع: ما قيل التجربة بأن لا يصيبه بعد الخمسين بلية إذ البلايا لتكفير السيئات و لا يخفى بعده بل بعد أكثر ما مر.

 (الحديث السادس عشر)

 (2): مجهول، و قيل ضعيف.

و

الحياة

 (3) و

الموت‏

 (4) في هذا الخبر أعم من الحياة و الانتباه و الموت و النوم، و قيل: معناه بك يكون ذلك فالاسم هو المسمى و قيل إنه من أسمائه تعالى المحيي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 316

و المميت و معنى كل اسم واجب له فهو سبحانه يحيي و يميت لا يتصف غيره بذلك فكأنه قال باسمك المحيي أحيا و باسمك الميت أموت‏

" الحمد لله الذي أحياني"

 (1) حمده بالإحياء لأن الإحياء نعمة يستحق به الحمد

" وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ"

 (2) السابق دليل عليه لأن الإحياء بعد موت النوم نشور صغير يمكن الاستدلال به على النشور الأكبر، فلذلك ذكره بعده و إليه خبر النشور قدم عليه للحصر

قوله عليه السلام:" آية الكرسي"

 (3) أي إلى- العظيم- أو إلى- خالدون- كما مر

" شَهِدَ اللَّهُ"

 (4) أي بنصب الآثار الدالة على توحيده فإن كل ذرة من ذرات العالم شاهدة عليه، أو بإنزال الآيات الدالة عليه، أو بقوله في القرآن المجيد (أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) و أمثاله‏

" وَ الْمَلائِكَةُ"

 (5) بالإقرار" وَ أُولُوا الْعِلْمِ" بالإيمان بها و الاحتجاج عليها شبه ذلك في البيان و الكشف بشهادة الشاهد" قائِماً بِالْقِسْطِ" أي مقيما للعدل في قسمه و حكمه و انتصابه على الحال من الله أو عن هو" لا إِلهَ إِلَّا هُوَ" كرره للتأكيد و مزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد و الحكم به بعد إقامة الحجة و ليبني عليه" الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" فيعلم أنه الموصوف بهما، و قدم العزيز لتقدم العلم بقدرته على العلم بحكمته، و رفعهما على البدل من الضمير أو الصفة لفاعل شهد، و هذا آخر الآية.

و قد يضاف إليه (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) مع أنه خارج عن الآية، و كأنه على قراءة أن الدين بفتح الهمزة بدلا من أنه لا إله إلا هو، أو من القسط، فيكون من تتمة الآية معنى و إن لم تكن لفظا.

و يؤيده ما رواه الطبرسي عن غالب القطان قال أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش، فكنت أختلف إليه، فلما كنت ذات ليلة أردت أن أنحدر إلى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 317

البصرة قام من الليل فتهجد فمر بهذه الآية (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) الآية، ثم قال الأعمش و أنا أشهد بما شهد الله به، و أستودع الله هذه الشهادة، و هي لي عند الله وديعة، (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) قالها مرارا، قلت لقد سمع فيها شيئا فصليت معه و ودعته، ثم قلت: آية سمعتك ترددها، قال: لا و الله لا أحدثك بها إلى سنة فكتبت على بابه ذلك اليوم و أقمت سنة، فلما مضت السنة، قلت: يا أبا محمد قد مضت السنة، فقال: حدثني أبو وائل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله إن لعبدي هذا عهدا عندي و أنا أحق من و في بالعهد، أدخلوا عبدي هذا الجنة- ففيه إيماء إلى قراءة هذه التتمة، و قد يقرأ إلى- سريع الحساب.

و قال الطبرسي أيضا روى أنس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال من قرأ (شَهِدَ اللَّهُ) الآية عند منامه، خلق الله له منها سبعين ألف خلق يستغفرون له إلى يوم القيامة و

آية السخرة

 (1) في الأعراف (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ- إلى قوله- رَبُّ الْعالَمِينَ) و قيل: إلى (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) كما ذكره الشيخ البهائي (ره) فالمراد بالآية الجنس، و سميت سخرة لدلالتها على تسخير الله تعالى للأشياء و تذليله لها و المشهور أن المراد

بآية السجدة

 (2) آيتان في آخر حم السجدة (سَنُرِيهِمْ آياتِنا) إلى آخر السورة، و قيل: المراد بها الآية المتصلة بآخر آية السجدة في الم السجدة، و هي (تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) لأنها أنسب بهذا المقام و كان الأحوط الجمع بينهما

" يحفظانه"

 (3) فيه غاية اللطف حيث جعل عدو وليه حافظا له‏

" شاءوا أو أبوا"

 (4) قيل جملة شرطية عند بعض‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 318

النحاة بتقدير- إن شاءوا- أو أبوا و حالية عند بعضهم، و هم الذين لا يشترطون في الماضي إذا كان حالا [حالة] لفظة- قد- لا لفظا و لا تقديرا، و الضميران إما راجعان إلى الملكين مجازا أو إلى مردة الشياطين أي لا يمكنهم الغلبة عليهما، لأنهما يفعلان ذلك بأمره تعالى، و ثواب ذلك له، لأنه الباعث لذلك، و لا ينافي ذلك قوله تعالى (وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏) لأن ذلك من آثار سعيه كما أن الخيرات الصادرة عن المؤمنين له من آثار إيمانه و سعيه.

 (الحديث السابع عشر)

 (1): مجهول.

و آخر الكهف‏

 (2) (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) إلى آخر السورة

" إلا تيقظ"

 (3) بصيغة الماضي من باب التفعل و ربما يقرأ باليائين و فتح الأولى و ضم القاف أو فتحها و هو مخالف للمضبوط في النسخ و لا حاجة إليه.

 (الحديث الثامن عشر)

 (4): ضعيف على مشهور.

" لا تؤمني مكرك"

 (5) أصل المكر الخداع و هو على الله محال، و إذا نسب إليه تعالى يراد به الاستدراج، أو الجزاء بالغفلات و الإيقاع بالبليات، و العقوبة بالسيئات‏

" و لا تنسني ذكرك"

 (6) قيل: نسيان العبد ذكره تعالى لازم لسلب اللطف و التوفيق و الإعانة و النصرة عنه فقصد بنفي اللازم نفي الملزوم من باب الكناية

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 319

" و لا تجعلني من الغافلين"

 (1) عن ذكرك و طاعتك بالإمداد و التوفيق لها

" أقوم"

 (2) أي أريد

" إلا و كل"

 (3) المستثنى منه مقدر أي ما قاله إلا و كل.

باب الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله‏

 (4)

 (الحديث الأول)

 (5): حسن كالصحيح، و سنده الثاني صحيح.

" قال حين يريد"

 (6) قيل جملة حالية من فاعل خرج بتقدير قد، نحو قوله تعالى (جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)

" ثلاثا"

 (7) أي قال الله أكبر ثلاث مرات‏

" بالله أخرج"

 (8) أي أخرج مستعينا بذاته أو متبركا باسمه‏

" و على الله أتوكل"

 (9) أي في الخروج و الدخول، و في جميع الأمور

" ثلاث مرات"

 (10) أي قال الكلمات الثلاث المذكورة، ثلاث مرات‏

" اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير و اختم لي بخير"

 (11) كأنه أراد أن يكون خير الابتداء متصلا بخير الانتهاء أو طلب الخير في الذهاب و الخير في العود.

" و قنى شر كل دابة أنت أخذ بناصيتها"

 (12) إشارة إلى قوله تعالى حكاية عن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 320

هود عليه السلام (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَ رَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) قال البيضاوي: أي إلا و هو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها، و الأخذ بالنواصي تمثيل لذلك‏

" إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ"

 (1) أي أنه على الحق و العدل لا يضيع عنده معتصم و لا يفوته ظالم انتهى.

و أقول: لما كان الآخذ بناصية حيوان قادرا على صرفه كيف شاء، و يدل المأخوذ له غاية التذلل، مثل به في الكتاب و السنة و العرف العام، قال تعالى (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ) و في الدعاء خذ إلى الخير بناصيتي" أي اصرف قلبي إلى عمل الخيرات، و وجهني إلى القيام بوظائف الطاعات، كالذي يجذب بشعر مقدم رأسه إلى العمل، ففي الكلام استعارة، و الناصية قصاص الشعر فوق الجبهة و الجمع النواصي، و في الدعاء و النواصي كلها بيدك، و هو أيضا من باب التمثيل، أي كل شي‏ء في قبضتك و ملكك و تحت قدرتك، و قوله عليه السلام هنا" أنت أخذ" أما وصف للدابة للتوضيح و التعميم و الإشارة إلى الترقب بحصول الوقاية، بل إلى تحققها، و يحتمل أن يكون استئنافا بيانيا، كأنه قيل كيف أقي قال أنت أخذ بناصيتها، و قيل و في ذكر قيامه على الحق و هو الصراط المستقيم توقع لنصرته على طاعته و توفيقه له، و أقول:

قوله" لم يزل"

 (2) جزاء الشرط في إذا خرج.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 321

 (الحديث الثاني)

 (1): صحيح.

" فوافقته"

 (2) في أكثر النسخ بتقديم الفاء على القاف أي صادفته و فاجأت لقاءه، في القاموس: الوفيق كأمير الرفيق و وفقت أمرك تفق كرشدت صادفته موافقا، و أوفق القوم لفلان و نوامنه و اجتمعت كلمتهم، و أوفق لزيد لقاؤنا بالضم كان لقاؤنا فجأة و وافقت فلانا صادفته.

و في بعض النسخ بتقديم القاف على الفاء في القاموس الوقاف و الموافقة إن تقف معه و يقف معك في حرب أو خصومة و واقفته على كذا سألته الوقوف، و الأول أكثر و أظهر

" بسم الله"

 (3) أي أمشي أو أخرج أو أطلب الحاجة، مستعينا أو متبركا أو متوسلا بذاته أو باسمه إذ لأسمائه سبحانه تأثيرات و خواص لا تحصى كما يظهر من أخبار أئمة الهدى‏

" آمنت بالله"

 (4) قيل: إقرار بإيمان ثابت و الإقرار به من كمال الإيمان أو جزؤه كما بينا في موضعه، أو بإيمان حادث بأن الحافظ مطلقا خصوصا في السفر، و بعد الخروج من المنزل هو الله تعالى" و توكلت على الله" أي فوضت أموري كلها إليه، خصوصا الخروج و ما يرد بعده.

" عرض له الشيطان"

 (5) المراد بالشيطان هنا و فيما سيأتي جنس الشياطين بقرينة ما سيأتي‏

" قال الملكان"

 (6) أي الموكلان به عن اليمين و عن الشمال‏

" كيفيت"

 (7) على بناء المجهول أي كفى الله ما أهمك و استغنيت به عن غيره‏

" هديت"

 (8) أي إلى دين الحق و إلى ما ينفعك في الدارين‏

" وقيت"

 (9) أي من شر الشياطين و غيرهم‏

" فيقول بعضهم"

 (10) أي بعض الشياطين‏

" لبعضهم"

 (11) كيف لنا بالتعرض لمن كان كذلك.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 322

" اللهم إن عرض لك اليوم"

 (1) أي لا أتعرض لمن هتك عرضي لوجهك إما عفوا أو تقية و كلاهما لله رضي، في النهاية العرض أي بالكسر موضع المدح و الذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره، و قيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه و حسبه و يحامي عنه أن ينتقص و يثلب، و قال ابن قتيبة عرض الرجل نفسه و بدنه لا غير، و منه حديث أبي ضمضم اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك أي تصدقت على من ذكرني بما يرجع إلى عيبه و منه حديث أبي الدرداء (أقرض من عرضك ليوم فقرك) أي من عابك و ذمك فلا تجاوزه و اجعله قرضا في ذمته لتستوفيه منه يوم حاجتك في القيامة انتهى، و قيل: معنى هذا الحديث إني أبحت للناس عرضي لأجلك، فإن اغتابوني و ذكروني بسوء عفوت عنهم و طلبت بذلك الأجر منك يوم القيامة لأنك أمرت بالعفو و التجاوز، و قد ورد أن يوم القيامة نودي ليقم من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا.

و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال أ يعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته قال اللهم إني تصدقت بعرضي على الناس، معناه إني لا أطلب مظلمة يوم القيامة و لا أخاصم عليها، لا أن غيبته صارت بذلك حلالا، و ذلك لأنه لا يسقط الحق بإباحة الإنسان عرضه للناس لأنه عفو قبل الوجوب، إلا أنه وعد ينبغي له أن يفي به و لا سيما إذا جعله لله.

و أقول: في خصوص هذه المادة لا ينفع العفو لأن ذمه و غيبته عليه السلام كفر و لا ينفع عفوهم في رفع عقابهم، و لا يشفعون في الآخرة أيضا لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى، فعفوهم للتقية أو لرفع درجاتهم و لا ينفع المعفو أصلا

" إن تركت الناس‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 323

لم يتركوك"

 (1) كان المراد بالترك ترك المحاورة معهم و الوقيعة فيهم، و

بالرفض‏

 (2) الاعتزال عنهم و عدم المجالسة معهم، قيل: ليس المقصود من الشرط هنا ثبوت الجزاء عند ثبوته، و انتفاؤه عند انتفائه، كيف و ترتبه على نقيض الشرط أولى من ترتبه على الشرط بل المقصود أن الجزاء لازم الوجود في جميع الأوقات لأنه إذا ترتب على وجود الشرط و كان ترتبه على نقيضه أولى يفهم منه استمرار وجوده، سواء وجد الشرط أو لم يوجد فيكون متحققا دائما.

و أقول: صحف بعض الأفاضل فقرأ رفصتم بالصاد المهملة من الرفصة بمعنى النوبة، و هو رفيصك أي شريبك و ترافصوا الماء تناوبوه أي إن عاشرتهم ناويتهم لم يعاشروك و لم يناوبوك، و الظاهر أنه تصحيف.

 (الحديث الثالث)

 (3): موثق.

" فقلت له"

 (4) أي تحريك الشفة و أظهرت له تحريك شفتيه‏

" أ فطنت لذلك"

 (5) بتثليث الطاء و كان الاستفهام ليس على الحقيقة، بل الغرض إظهار فطانة المخاطب و عدم غفلته، في القاموس: الفطنة بالكسر الحذف فطن به و إليه و له كفرح و نصر و كرم‏

" ما أهمه"

 (6) أي اهتم به و اعتنى بشأنه‏

" خير أموري كلها"

 (7) أي من جميع‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 324

أموري ما هو خير لي.

 (الحديث الرابع)

 (1): صحيح.

" بما عاذت به ملائكة الله"

 (2) أي بأسمائه الحسني، أو بالنبي و أوصيائه صلوات الله عليهم كما يومئ إليه بعض الأخبار، و في الفقيه نقلا عن أبي بصير أيضا أعوذ بالله بما عاذت منه ملائكة الله، فالموصول عبارة عن المعصية و المخالفة، فتدل على قدرتهم على المخالفة و إن لم تقع كما في الأنبياء عليهم السلام، و يمكن حملها على التواضع و التذلل، و أقول: ما في نسخ الكتاب موافقا للمحاسن أظهر،

قوله:" لم يعد"

 (3) أي اليوم‏

" و من شر الشياطين"

 (4) تفسير و تفضيل لقوله و من شر غيري لأنه مجمل شامل لجميع ما بعده، و في الفقيه مما عاذت منه ملائكة الله من شر هذا اليوم و من شر الشياطين.

" و من شر من نصب لأولياء الله"

 (5) أي نصب حربا أو عداوة لهم، و يندرج في الأولياء الشيعة، و في القاموس: نصب لفلان عاداه‏

" غفر الله له"

 (6) أي ذنوبه كلها كما هو الظاهر و هو خبر لمن قال‏

و تاب عليه‏

 (7) أي وفقه للتوبة، و عدم العود إلى الذنوب و كفاه الهم أي غم الدنيا و الآخرة، أوهم ما أراده بخروجه، و في الفقيه و بعض نسخ الكتاب‏

و كفاه الهم‏

 (8) أي ما أهمه من الأمور و كأنه أظهر

" و حجزه"

 (9) في القاموس حجزه و يحجزه حجزا منعه و كفه فانحجز بينهما فصل‏

عن السوء

 (10) أي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 325

بعد الخروج في السفر و الحضر، أو في بقية عمره‏

" و عصمه من الشر"

 (1) كذلك، و قيل:

لعل المراد بالسوء المكاره الزمانية و النوائب اليومية و بالشرور الحيوانية و الزلات النفسانية.

 (الحديث الخامس)

 (2): حسن كالصحيح.

" من فضلك"

 (3) أو للابتداء أو للتعليل‏

" و أتمم علي نعمتك"

 (4) قيل: نعمه تعالى على العباد غير محصورة و كل منها دنيوية كانت أو أخروية قابلة للزيادة إلى أن تبلغ حد الكمال، و الله سبحانه يحب أن يسأله العبد إتمامها على وجه التضرع و الابتهال‏

" و استعملني في طاعتك"

 (5) بالتوفيق لها و الإعانة عليها

" و اجعل رغبتي فيما عندك"

 (6) من السعادة و الكرامة و الجنة و نعيمها بصرف القلب إلى ما يوجب الوصول إليها

" و توفني على ملتك"

 (7) بالثبات عليها و حسن العاقبة و هو أمر يخاف من فوته العارفون فضلا عن غيرهم.

 (الحديث السادس)

 (8): ضعيف.

" بك خرجت"

 (9) أي بتوفيقك و حولك و قوتك لا بحولي و قوتي، أو مستعينا بك في أموري‏

و لك أسلمت‏

 (10) الظرف متعلق بأسلمت، و التقديم للحصر أي أنا منقاد لك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 326

حسب لا لغيرك، أو أسلمت و دخلت في الإسلام مخلصا لك ديني، أو اللام للتعليل‏

" و بك آمنت"

 (1) الباء صلة أي آمنت بك لا بغيرك من الآلهة

" و عليك توكلت"

 (2) في أموري كلها لا على غيرك لتكفيني إياها و تصلحها لي‏

" اللهم بارك لي"

 (3) أي أعطني البركة و الخير و الزيادة و الثبات في كل ما تعطيني في هذا اليوم‏

" و ارزقني فوزه"

 (4) أي الوصول إلى المطالب فيه‏

" و فتحه"

 (5) أي فتح أبواب الرحمة فيه‏

" و نصره"

 (6) أي النصرة على الأعادي الظاهرة و الباطنة فيه‏

" و طهوره"

 (7) أي الطهارة عن السيئات فيه‏

" و هداه"

 (8) أي الهداية إلى الحق فيه‏

" و بركته"

 (9) أي البركة و الزيادة في الرزق و سائر الخيرات فيه‏

" و اصرف عني شره"

 (10) لعل هذا مبني على أن للأيام و الشهور و الساعات نحوسة و شرا أو المراد بشره البلايا النازلة فيه من قبل الله تعالى‏

" و بشر ما فيه"

 (11) شر المخلوقات‏

قوله- قال‏

 (12) أي أبو خديجة-

و إذا دخل‏

 (13) أي أبو عبد الله عليه السلام- قال ذلك- أي هذا الدعاء بأدنى تغيير بأن يقول بك دخلت إني قد دخلت فبارك لي في دخولي.

 (الحديث السابع)

 (14): ضعيف على المشهور، صحيح عندي.

قوله عليه السلام" بل بحولك"

 (15) فيه التفاوت من الغيبة إلى الخطاب كما في إياك نعبد، و النكات مشتركة

" فأتني به في عافية"

 (16) قيل لك أن تجعل الظرفية مجازية

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 327

بتشبيه ملابسة رزقه للعافية في الاجتماع معها بملابسة المظروف للظرف فتكون في لفظة- في- استعارة تبعية، و لك أن تعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الرزق و العافية و مصاحبة أحدهما للآخر بالهيئة المنتزعة من المظروف و الظرف و اصطحابهما فتكون في الكلام استعارة تمثيلية تركب كل من طرفيها لكنه لم يصرح من الألفاظ التي بإزاء المشبه به إلا بكلمة في، فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة و ما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية فلا تكون لفظة- في- استعارة بل هي على معناها الحقيقي و لك أن تشبه العافية بما يكون محلا و ظرفا للشي‏ء على طريقة الاستعارة بالكناية و يكون ذكر كلمة في قرينة و تخييلا.

 (الحديث الثامن)

 (1): حسن كالصحيح.

و في المصباح:

كلأه‏

 (2) الله يكلؤه مهموز بفتحتين كلاءة بالكسر و المد حفظه و يجوز التخفيف فيقال كليته أكلاه من باب تعب لغة قريش و لكنهم قالوا مكلو بالواو أكثر من مكلي بالياء.

 (الحديث التاسع)

 (3): صحيح.

قوله عليه السلام" فقف على باب دارك"

 (4) أي تلقاء الوجه الذي تتوجه إليه كما في الفقيه حيث روي بسنده الصحيح عن البجلي عن صباح الحذاء قال: سمعت موسى بن جعفر عليه السلام يقول: لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء الوجه الذي يتوجه إليه فقرأ فاتحة الكتاب أمامه و عن يمينه و عن شماله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 328

و آية الكرسي أمامه و عن يمينه و عن شماله ثم قال اللهم احفظني إلى آخر الخبر و سيأتي مخالفا لهما و هذا الاختلاف مع اتحاد الراوي غريب‏

" و اقرء فاتحة الكتاب"

 (1) قيل ليس فيه النفث كما ذكره بعض، بل الأحوط تركه لتشبهه بالسحر، كما في قوله تعالى وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ.

ثم اعلم أن الأحسن و الأوفق بلفظ الخبر قراءة كل منها على حدة في الجهات الثلاث و لا يبعد جواز جمع الجميع في كل جهة

" اللهم احفظني"

 (2) أي من الآفات و البليات و المكاره الجسمانية و الروحانية

" و سلمني"

 (3) الظاهر أنه تأكيد لما قبله و هو كثير في الأدعية و مناسب للإلحاح في الدعاء، و قيل: الحفظ من الآفات و السلامة من السيئات و المراد بما في الأخير العبيد و الخدم و الرفقاء، و قيل:

الحفظ من الآفات الأرضية و التسليم من التقديرات السماوية

" و بلغني و بلغ ما معي بلاغا حسنا"

 (4) أي بلغني و ما معي إلى المقصود و المكان المقصود تبليغا حسنا بلا نقص و لا تعب و لا شي‏ء من الآفات، و قيل: البلاغ إما بالفتح و هو اسم لما يتبلغ و يتوصل به إلى المقصود، و المراد به هنا التبليغ بإقامة الاسم مقام المصدر كما في قولك أعطيته عطاء، أو بالكسر للمبالغة في التبليغ من بالغ في الأمر مبالغة و بلاغا إذا اجتهد فيه و لم يقصر انتهى.

و أقول: في القاموس: البلاغ كسحاب الكفاية و الاسم من الإبلاغ و التبليغ و هما الإيصال و

قوله" أ ما رأيت"

 (5) بيان لفائدة ضم الدعاء لما معه مع الدعاء له في الجميع.

قوله عليه السلام" و يسلم"

 (6) إلى آخره هذا الفعل و ما بعده من الأفعال إما مجرد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 329

معلوم أو مزيد مجهول.

 (الحديث العاشر)

 (1): مرسل كالموثق.

" إذا خرج"

 (2) أي أراد الخروج أو أخذ فيه في سفر أو حضر كما صرح بهما في خبر ابن الجهم.

 (الحديث الحادي عشر)

 (3): ضعيف على المشهور و اللام في الرجل للعهد الذهني.

و قوله" إذا أراد سفرا- إلى قوله- الجميل"

 (4) خبر كان و قام إلى قوله الجميل جزاء إذا، و

قوله" لحفظه الله" إلى قوله" و بلغ ما معه"

 (5) جزاء لو، و قد مر مضمونه إلا أنه لم يكن آية الكرسي فيما مضى.

 (الحديث الثاني عشر)

 (6): موثق كالصحيح.

" فتلقاه"

 (7) قيل في الكلام حذف يعني فإن من قال ذلك تلقاه و يحتمل سقوطه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 330

و قيل الفاء للبيان و الضمير الغائب منصوب عائد إلى قائل هذا الكلام و فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، إشارة إلى أن الحكم غير مخصوص بالمخاطب و تعرض الشيطان له لإضلاله و إضراره، و روى الصدوق (ره) هذا الخبر في الفقيه بإسناده الصحيح إلى علي بن أسباط و هو موثق عن أبي الحسن الرضا عليه السلام و ذكر نحوه إلى قوله فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوها و تقول إلى آخر الخبر و هو أظهر.

باب الدعاء قبل الصلاة

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مرسل.

من قال هذا القول المشار إليه مجموع الدعائين دعاء الاستفتاح و دعاء الانصراف و إذا لمحض الظرفية و

قوله" إذا قام"

 (3) إلى آخر الحديث بدل تفضيل‏

لقوله" قال هذا القول"

 (4) و المستتر في قام راجع إلى من، و قيل: من متعلق بقال و إذا قام ظرف له على الظاهر، أو لكان على احتمال و المراد بالقيام على الأول القيام للصلاة و على الثاني القيام للنشور انتهى، و الأول أوجه، و المراد باستفتاح الصلاة التكبيرات الافتتاحية أي قبل جميعها

" إني أتوجه إليك"

 (5) أي أقبل بظاهري و باطني إليك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 331

" بمحمد و آل محمد"

 (1) قيل الباء للسببية أو الاستعانة

" و أقدمهم بين يدي صلواتي"

 (2) قيل:

الصلاة هدية و تحفة من العبد إلى الله تعالى، و لا بد في إيصاله إليه و قبوله لها من توسطهم عليهم السلام كما يتوسط مقربو السلطان في إيصال التحف إليه‏

" و أتقرب بهم إليك"

 (3) أي أتقرب بتوسطهم أو بتصديقهم و متابعتهم إليك.

و أقول: لما كان الصلاة معراج المؤمن و بها يتقرب إلى حضرة القدس و لا يمكن سلوك هذه الطريقة الأصفى و الوصول إلى هذا المقصد الأقصى إلا بدليل يهدى إلى ذلك السبيل و معين يوصل العائد إلى حضرة الرب الجليل و ينجيه من وساوس أهل التضليل و يسقيه بكأس المحبة من العين السلسبيل، فلذا توسل بمقربي جنابه و العارفين بطرق قربه و أبوابه و توسل بهم إليه، و استشفع بهم لديه فقال‏

" فاجعلني بهم"

 (4) أي بهدايتهم و إرشادهم و تأييدهم و إسعادهم أو بتصديقهم و اتباعهم‏

" وجيها"

 (5) أي ذا جاه و منزله، في المصباح: وجه بالضم وجاهة فهو وجيه إذا كان له حظ و رتبة، و في القاموس: الوجه سيد القوم كالوجيه، و قال الراغب فلان وجيه ذو جاه، فالوجاهة عند الله في الدنيا بالعلم و العمل و سلوك الطريقة القويمة و متابعة العترة الهادية و كونه من الهادين المخلصين لله الدين، و في الآخرة بالدرجات الرفيعة، و كونه محشورا مع أئمة الدين بل يكون ببركتهم و قربهم من شفعاء المذنبين و يظهر منزلتهم و جاههم عند الله على العالمين و لذا قال‏

" و من المقربين"

 (6) أي منك و من الأئمة الراشدين برغم النواصب و المخالفين كما قال سبحانه (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ قِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) و قالوا عند ذلك (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ).

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 332

و لما كان هذا الكلام موهما لإظهار فضل و امتنان قال‏

" مننت علي بمعرفتهم"

 (1) أي هذه أيضا من نعمك الجليلة حيث جعلتني من شيعتهم و رزقتني القول بإمامتهم و لذا تقربت بهم إليك، فترك العاطف بينهما لكمال الاتصال أو للاستئناف كأنه سبحانه يقول من جعلك بحيث تتوصل بهم إلى فيقول: أنت مننت علي بمعرفتهم فأرجو منك أن تختم لي بطاعتهم في الأقوال و الأعمال و العقائد و تديم و تتم لي معرفتهم لأبلغ في جميع ذلك إلى درجة الكمال و أكون مستقرا فيها إلى آخر الأحوال و لا أكون مستودعا أزول عنها بشبه الشياطين و أهل الظلال‏

" فإنها السعادة"

 (2) التي توجب الخلود في النعم الباقية، فالضمير راجع إلى الطاعة و المعرفة و الولاية الكاملة الدائمة المستقرة، و تعريف الخبر لإفادة الحصر الدال على أن ما سواها من المعرفة و الطاعة الناقصة التي في معرض الزوال ليست بسعادة

" اختم لي بها"

 (3) أي بما ذكر من الأمور الثلاثة أو بالسعادة و مالهما واحد و هذا تأكيد للسابق للمبالغة و الاهتمام بها و ببقائها و ثباتها.

" ثم تصلي"

 (4) في بعض النسخ بصيغة الخطاب و في بعضها بصيغة الغيبة و على الأول فيه التفات، و على ما اخترناه في أول الخبر هذه الجملة معطوفة على قوله" إذا قام" إلى آخره و هي من تتمة كلام أمير المؤمنين عليه السلام و في الكلام أيضا التفات لأنه في قوة فإذا انصرف قال اللهم اجعلني طلب ذلك لأن المعرفة التامة و المتابعة الكاملة و المحبة الصادقي تقتضي المشاركة في العافية و البلاء و الشدة و الرخاء

" و اجعلني مع محمد و آل محمد في كل مثوى و منقلب"

 (5) المثوى محل الإقامة أو مصدر ميمي من قولهم ثوى بالمكان أقام به، و كذا المنقلب يحتملهما أي في كل مكان أقاموا فيه و كل محل انقلبوا فيه، أو في كل إقامة و سكون و كل انقلاب و حركة، و بالجملة طلب أن تكون حركاته و سكناته موافقة لحركتهم و سكونهم، و لو لا ذلك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 333

لدخل النقص في المتابعة و وقع الفراق بين المحب و المحبوب في الجملة.

" اللهم اجعل محياي محياهم و مماتي مماتهم"

 (1) المحيي و الممات مفعل من الحياة و الموت، و يقعان على المصدر و الزمان و المكان و الأول هنا أظهر، و المعنى اجعل حياتي مثل حياتهم في التعرض للخيرات و الأعمال الصالحات، و موتي مثل موتهم في استحقاق الغفران و الرضوان و الدرجات و الشفاعات، أو في الشهادة و القتل في سبيل الله، و قيل المحيي الخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة و الممات الخيرات التي تصل إلى الشخص بعد الموت كالتدبير و الوصية و غير ذلك مما ينتفع به بعد الموت.

 (الحديث الثاني)

 (2): مرسل.

و في القاموس:

الطلبة

 (3) بكسر اللام ما طلبته.

 (الحديث الثالث)

 (4): ضعيف.

" لا تؤيسني من روحك"

 (5) في القاموس: أيس منه كسمع أياسا قنط و أيسه و آيسة، و قال الروح بالفتح الراحة و الرحمة، و نسيم الريح، و قال‏

قنط

 (6) كنصر و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 334

ضرب و كرم قنوطا بالضم و كفرح قنطا و قناطه و كمنع و حسب و هاتان على الجمع بين اللغتين يئس انتهى.

و أقول: الفقرتان الأوليان قريبتان معنى و مالهما واحد فيمكن أن تكون الثانية مؤكدة للأولى أو يكون المراد بالأولى اليأس من رحماته تعالى في الدنيا عند الشفاء و البلايا، أو الأعم من الدنيا و الآخرة، و بالثانية اليأس من الجنة و مثوباته الباقية في الآخرة فيكون على الثاني تخصيصا بعد التعميم لمزيد الاهتمام، أو يكون المراد بالقنوط الدرجة العليا من اليأس، كما قال في النهاية قد تكرر ذكر القنوط في الحديث و هو أشد اليأس من الشي‏ء يقال: قنط يقنط و قنط يقنط فهو قانط و قنوط و القنوط بالضم المصدر انتهى، و قد يقال: الروح دفع المكروه و الشر و الرحمة إعطاء المحبوب و الخير، و قيل: الروح بالفتح الراحة و النسيم الطيبة و الرحمة و الأولان أولى بالإرادة هنا تحرزا عن التكرار و المراد بهما نسيم الجنة و الراحة فيهما و القنوط منهما و من الرحمة بسبب المعصية و إن كانت عظيمة بعد الإيمان كفر بالله العظيم كما نطق به القرآن الكريم‏

" و لا تؤمني مكرك"

 (1) كالاستدراج و نحوه مثل أن يسكن قلبه و لا يخاف عقوبته من المعصية و يعتقد أنه مغفور قطعا فإن ذلك تكذيب للوعيد و ليس هذا من حسن الظن بالله فإن حسن الظن به أن يعمل و يستغفر و يظن أنه مقبول و قد مر القول فيه سابقا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 335

باب الدعاء في أدبار الصلوات‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن كالصحيح و قد روى الشيخ في مجالسه مدحا عظيما في عيسى.

قوله عليه السلام" إذا فرغ من الزوال"

 (3) أقول: تحتمل القريضة و النافلة لكن الشيخ و غيره ذكروهما في تعقيب نوافل الزوال بأدنى تغيير و إطلاق صلاة الزوال على النافلة في عرف الأخبار أكثر، و

الجود

 (4) و

الكرم‏

 (5) متقاربان و فيه سبحانه الجود العطاء من غير طلب مكافأة و جزاء، و الكرم استجماع أنواع الخير و الشرف و الفضائل و منها العطاء بغير حساب، و لعل المعنى أطلب القرب منك بجودك و كرمك لا بعملي و طاعتي، و فيه اعتراف بالتقصير و توسل بأفضل الوسائل للتقرب فإن الجود و الكرم على الإطلاق يقتضيان إعطاء السائل كل ما سأله مع المصلحة و الاستقالة من المتبايعين أن يندم أحدهما عن البيع فيطلب من الآخر أن يندم و يفسخ، و إقالة العثرة و الزلة أيضا كأنه مأخوذ منه كان الله تعالى أخذ العهد من العبد أن يعذبه إذا أذنب فطلب العبد المغفرة كأنه استقالة عن هذه المعاهدة، و فسخ لها، و في المصباح:

أقاله الله عثرته إذا رفعه من سقوطه و منه الإقالة في البيع لأنه رفع العقد، و

قوله" أقلتني عثرتي"

 (6) كان المعنى لم تعاجلني بعذابك كما قال‏

" و سترت على ذنوبي"

 (7) و يحتمل أن يكون نوعا من الاستعطاف و المبالغة في الدعاء أي استغفرت لذنوبي‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 336

و أظن أنك غفرت لي، و في القاموس‏

الخر

 (1) السقوط كالخرور أو من علو إلى سفل يخر و يخر و الهجوم من مكان لا يعرف.

و أقول: كان المراد هنا الاستعجال و المبادرة في السقوط أو السقوط الكامل بحيث ينبطح على الأرض، أو سقوط مع صوت و تسبيح، قال الراغب: معنى خر سقط سقوطا يسمع منه خرير و الخرير يقال لصوت الماء و الريح و غير ذلك مما يسقط من علو، و قوله عز و جل (خَرُّوا لَهُ سُجَّداً) فاستعمال الخر تنبيه على اجتماع أمرين السقوط و حصول الصوت منهم بالتسبيح و قوله من بعد (وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) تنبيه على أن ذلك الخرير كان تسبيحا بحمد الله لا بشي‏ء آخر.

" يا أهل التقوى"

 (2) أي أهل لأن يتقى من عقوبته و مخالفته لعظمته و جلاله و قدرته و أهل لأن يغفر ذنوب عباده بفضله و رحمته إشارة إلى قوله تعالى (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى‏ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) و قال في المجمع أي هو أهل أن يتقى محارمه و أهل أن يغفر الذنوب، و روي مرفوعا عن أنس قال إن رسول الله تلا هذه الآية فقال قال الله سبحانه: إنا أهل إن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقى أن يجعل معي إلها فإنا أهل أن اغفر له. و قيل: معناه هو أهل أن يتقى عقابه، و أهل أن يعمل له بما يؤدي إلى مغفرته انتهى، و قال البيضاوي: أي حقيق بأن يتقى عقابه انتهى، و قيل: أهل لأن يتقي الذاكرين عن الفساد أو لأن يتقي من مخالفة الذاكرين كما قرأ (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) برفع الجلالة و نصب العلماء أو أهل لأن يوفق المتقين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 337

للتقوى و يغفر للعاصين و الكل بعيد لا سيما الوسط، و في النهاية في أسماء الله تعالى‏

البر

 (1) هو العطوف على عباده ببره و لطفه و البر و البار بمعنى و إنما جاء في اسم الله تعالى البر دون البار و البر بالكسر الإحسان.

 (الحديث الثاني)

 (2): مجهول.

و قد مر شرح الدعاء و

الخير الكثير

 (3) شامل لخيرات الدنيا و الآخرة، و لا خير أعظم من الإقرار بمضمون هذا الدعاء فإنه مشتمل على الإقرار بكمال ربوبيته سبحانه و تفرده بالتدبير في ملكه و إنه لا يفعل إلا الأصلح بعباده و الأوفق بنظام الكل في بلاده، و يمكن أن يكون المراد به إجابة كل ما سأل بعده كما سيأتي في الخبر التاسع.

 (الحديث الثالث)

 (4): مرفوع مضمر، و المرفوع إليه غير معلوم.

" تقول بعد العشاءين"

 (5) أقول: ذكر الأكثر هذا الدعاء من تعقيبات المغرب و كأنه كان عندهم بين العشاءين كما في الفقيه، و التهذيب، فالأحوط القراءة في الموضعين‏

" بيدك"

 (6) اليد كناية عن القدرة و الحفظ و التدبير و الأمر و

المقدار

 (7) مبلغ الشي‏ء المقدر بتقدير معين يعني تقدير الليل و النهار بمقادير مخصوصة مختلفة و تعاقبهما و اختلافهما طولا و قصرا و زيادة و نقصانا و ظلمة و ضياء كلها منوطة بقدرتك و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 338

تدبرك و حكمتك أو مقادير ما يحدث فيهما أو تقديرات ما يكون فيهما

" و مقادير الدنيا و الآخرة"

 (1) فإن عند زوال الدنيا تقبل الآخرة، أو مقادير الدنيا و الآخرة بالنسبة إلى كل شخص فإنه ورد في الخبر من مات فقد قامت قيامته، أو مقادير الأمور الكائنة في الدنيا و الأمور الكائنة في الآخرة أو تقديراتهما، و قيل مقادير الأعمال النافعة في الدنيا و النافعة في الآخرة و قيل بانقطاع الأولى و تغير أحوالها، و دوام الثانية و ثبات درجاتها و دركاتها و مقادير أجورها و عقوباتها

" و مقادير الموت و الحياة"

 (2) أي مقدار أزمنة موت كل شخص و حياته إذ بزيادة مقدار كل منهما ينقص مقدار الآخر، أو عدد من يموت في الدنيا في كل يوم و ساعة و لحظة، و عدد من يتعلق به الروح في الأرحام و غيرها في كل آن و زمان، أو الأحوال المتعلقة بهما أو تقديراتهما.

" و مقادير الشمس و القمر"

 (3) أي مقادير حركاتهما و أنوارهما و أحوالهما من الطلوع و الغروب و الخسوف و الكسوف و المقابلة و المقارنة و التربيع و التسديس و الأوج و الحضيض، و السعادة و النحوسة، و نسبة كل منهما إلى الآخر و نسبتهما إلى غيرهما و حجب السحب بهما و غير ذلك من أحوالهما، و إنما خصهما من بين سائر الكواكب لكونهما أظهرهما و أنفعهما و أدلهما على قدرة الحكيم العليم و حكمته‏

" و مقادير النصر و الخذلان"

 (4) من الله بالنسبة إلى المؤمنين و الكافرين، و الصالحين و الطالحين، أو الأعم من أن يكون من الله تعالى و من غيره‏

" و مقادير الغناء و الفقر"

 (5) في الكمية و الكيفية و فيه رد على الملاحدة و الدهرية و التفويضية الذين ينسبون إيجاد الأشياء و أحوالها إلى الدهر، أو الطبائع أو الكواكب و الذين ينكرون قضاء الله و قدره، و قيل: على كل من نسب الإيجاب إليه تعالى إذ الموجب لا يصدر عنه أفعال مختلفة متضادة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 339

" اللهم بارك لي في ديني"

 (1) أي أعطني بركة و زيادة في ديني بمزيد العلم و العمل أو أدم لي ما أعطيتني في ديني من التشريف و الكرامة بمتابعة رسولك و أوليائك و الأول أظهر، في النهاية في حديث الصلاة على النبي و بارك على محمد و آل محمد أي أثبت له و أدم ما أعطيته من التشريف و الكرامة و هو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه، و تطلق البركة أيضا على الزيادة و الأصل الأول انتهى.

و أقول: إنما رجح الأول لأنه توهم أن في حقه صلى الله عليه و آله و سلم لا يتصور الزيادة لا سيما وعاء الغير و يرد عليه أن ذلك يرد في الإدامة أيضا و قد أجبنا عن هذه الشبهة في باب الصلاة، و الظاهر أن الترجيح نظرا إلى الاشتقاق، و في المصباح البركة الزيادة و النماء يقال بارك الله فيه فهو مبارك، و في القاموس البركة محركة النماء و الزيادة و السوادة و بارك الله لك و فيك و عليك و باركك‏

" و المنقلب"

 (2) بضم الميم و فتح اللام اسم مكان أو مصدر و الأخير هنا أنسب للتعدية بإلى.

 (الحديث الرابع)

 (3): مرفوع أيضا مضمر.

" و من قال"

 (4) مبتدأ و

" غفر له"

 (5) خبره و تعدية

" ارحمني"

 (6) بمن لتضمين معنى الإبعاد و

" بطنها

 (7)" مبتدأ

" و إلى ما يلي السماء"

 (8) خبره، و قيل:

" ثم يقول"

 (9) و نظائره عطف علي قال في من قال، و العدول إلى المضارع للإشعار بأن فعل الصورة الأولى يستلزم فعل سائر الصور و لا ينبغي الاكتفاء بالأول، و يحتمل أن يكون الجميع عطفا على‏

قوله" و يده اليسرى مرفوعة"

 (10) فتكون أحوالا عن فاعل" قال" و يكون المعنى و يرفع يده اليسرى‏

قوله عليه السلام" و يجعل بطونهما"

 (11) هذا من قبيل استعمال الجمع في الاثنين.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 340

و أقول: الأظهر و يجعل ظاهرهما مما يلي السماء كما في مصباح الشيخ، و مكارم الأخلاق و سائر كتب الدعاء، و على ما في هذا الكتاب يحتمل أن يكون المراد

بقوله و يجعل بطنها

 (1) بطن اليمنى فقط بعد رفعها عن اللحية كما هو ظاهر يده و قيل أي ثم يجعل بعد القلب بطونهما إلى السماء

" غفر له"

 (2) على بناء المجهول و يحتمل المعلوم أي غفر الله و كذا

قوله" و رضي عنه"

 (3) يحتملهما

" وصل"

 (4) أيضا يحتمل الوجهين و الحاصل أنه يصل الله تعالى جميع الخلائق‏

بالاستغفار

 (5) أي يجعلهم دائما مشغولين به من قولهم وصل الشي‏ء بالشي‏ء أي جعله متصلا به، أو المعنى يصل بين الخلائق أي يجعل بعضهم متصلا ببعض في الاستغفار كناية عن اشتراكهم في ذلك فإذا قرئ على المعلوم فجميع منصوب و إذا قرئ على المجهول فجميع مرفوع و على التقادير ضمير يموت راجع إلى من قال، و قيل: وصل من الصلة بمعنى- الإحسان و فاعله جميع الخلائق، و قيل: إلا في قوله إلا الثقلين للعطف كما قيل في قوله تعالى (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) و هو تخصيص بعد التعميم للاهتمام، و قيل: المستتر في وصل عائد إلى الله تعالى و المفعول محذوف و جميع الخلائق فاعل الاستغفار و الاستثناء من الخلائق يعني وصل الله تعالى مغفرته لذنوبه الثابتة باستغفار جميع الخلائق له بخصوصه فيما بقي من عمره حتى يموت لإفهامهم بحاله إلا الثقلين لعدم معرفتهما له بخصوصه لغرض يتعلق بنظامه أو بنظام‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 341

الكل كالعجب و غيره من المفاسد انتهى، و لا يخفى ما فيها من البعد و الركاكة.

و قال البيضاوي:

الثقلان الجن و الإنس‏

 (1) سميا بذلك لثقلهما على الأرض، أو لرزانة رأيهم و قدرهم، أو لأنهما مثقلان بالتكليف،

قوله" إذا فرغت من تشهدك"

 (2) هذا إما مبني على استحباب التسليم، أو على جزئية التسليم للتشهد حقيقة أو مجازا و كون الدعاء قبل التسليم بعيد

" مغفرة عزما"

 (3) أي حتما مغروما عليها، و الظاهر أنه صفة و قيل تميز و هو بعيد، و في القاموس عزم على الأمر يعزم عزما و يضم أراد فعله و قطع عليه أو جد في الأمر و عزم الأمر نفسه عزم عليه و على الرجل أقسم.

و أقول: لعل المغفرة المعزومة عليها هي التي لا تكون معلقة بشرط أو صفة أو وقت أو بنوع من الذنب‏

" لا تغادر"

 (4) على صيغة الخطاب أي أنت أو الغيبة فالضمير للمغفرة، و المغادرة الترك‏

" و عافني"

 (5) أي من الأمراض و الأعراض، الجسمانية و الروحانية، و الدنيوية و الأخروية

" بعدها أبدا"

 (6) أي في الدنيا و الآخرة إن كان تأكيد للمغفرة، و إذا كان تأكيدا بعدم الارتكاب هو في الدنيا و الأخير أظهر، و أبدا في الثاني شامل للدنيا و الآخرة

" و اهدني هدى"

 (7) قيل طلب للثبوت على الهداية أو الوصول إلى الهداية الخاصة التي هي للأولياء أو الإيصال إلى المطلوب فإنه الذي لا يتصور الضلالة بعده أبدا

" و انفعني يا رب بما علمتني"

 (8) من الأمور الدينية بالعمل به و تعليم غيري و إرشاده.

" و اجعله لي و لا تجعله علي"

 (9) أي اجعل ما علمتني نافعا لي بأن توفقني للعمل به، و لا تجعله بحيث يضرني بترك العمل به، فإن العالم بلا عمل محجوج بعلمه و الجاهل أقرب إلى المغفرة من العالم، و قد ورد أنه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 342

أن يغفر للعالم ذنب واحد، و قال الجوهري:

الكفاف‏

 (1) من الرزق القوت و هو ما كف عن الناس أي أغنى، و في الحديث اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا

" و رضني به"

 (2) على بناء التفعيل، و في بعض النسخ- و أرضني به- على بناء الأفعال‏

" يا رباه"

 (3) الألف للاستغاثة، و إلحاق الهاء لإظهار حرف المد لخفائه خصوصا الألف و الهاء ساكنة في الوقف و تسقط في الوصل، و قد تبقى مكسورة أو مضمومة، و عند بعض مفتوحة أيضا.

قال الشيخ الرضي (رض) في شرح الكافية: إنما ألحقوا هذه الهاء بيانا لحرف المد و لا سيما الألف لخفائها، فإذا جئت بعدها بهاء ساكنة تبينت و هذه الهاء تحذف وصلا، و ربما تثبت فيه في الشعر إما مكسورة للساكنين أو مضمومة بعد الألف و الواو تشبيها بها للضمير الواقعة بعدهما، و بعضهم يفتحها بعد الألف قبلها، و إثباتها في الوصل لإجراء الوصل مجرى الوقف قال- يا مرحباه بحمار ناجية- و الكوفيون يثبتونها وقفا و وصلا في الشعر أو في غيره،

" و السعير"

 (4) النار أو لهبها كما في القاموس و المراد هنا الثاني و الوصف للتوضيح لا للتقييد لأن نار جهنم ذات لهب دائما كما في التنزيل، و التعدية بمن لتضمين الإجارة و نحوها

" من سعة رزقك"

 (5) أي من رزقك الواسع‏

" و اهدني لما اختلف فيه من الحق"

 (6) من للتبعيض و يحتمل البيان، أي اهدني إلى الحق الذي اختلف فيه من الأصول و الفروع فقبله بعض و أنكره بعض، و

قوله" بإذنك"

 (7) متعلق بالهداية أو بالاختلاف على احتمال لما مر أنه لا يقع شي‏ء في الأرض و لا في السماء إلا بإذنه تعالى، و قد قدمنا تفسيره.

" و اعصمني من الشيطان"

 (8) البعيد من رحمة الله المرجوم بالأحجار عند إنزاله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 343

من السماء و باللعن من الله و الملائكة و الناس أجمعين‏

" و اهدني بهداك"

 (1) أي بهداياتك الخاصة و الهدى بضم الهاء و فتح الدال القرآن و البيان و الدلالة و الإرشاد، يقال:

هداه الله تعالى إذا أرشده و بصره طريق معرفته و معرفة حججه و أوليائه و عرفه ما لا بد منه في وجوده و بقائه و كماله في النشأتين‏

" و أغنني بغناك"

 (2) أي بغني من عندك حتى لا احتاج إلى غيرك أو بغني النفس لا بالمال‏

" و اجعلني من أوليائك المخلصين"

 (3) بفتح اللام من أخلصه لله إذا جعله خالصا من الرذائل أو متميزا عن غيرهم في السعادة من خلص إذا تميز، أو سالما من المكاره الأخروية من خلص إذا سلم و نجا، أو واصلا إلى قربه تعالى من خلص فلان إلى فلان إذا وصل إليه، أو بكسرها من أخلص لله إذا طلب بعلمه وجه الله تعالى و ترك الرياء و السمعة، أو أخلص نفسه من المهلكات و الخبائث كما أخلصت النار الذهب، أو غيره من الغش‏

" و كان حيا"

 (4) أي بالحياة التي تكون في البرزخ بالجسد المثاني- أو غيره كالشهداء، لا بهذا البدن و إن احتمل ذلك على بعد في غير المعصومين عليهم السلام.

 (الحديث الخامس)

 (5): مرفوع أيضا.

" حمدا خالدا"

 (6) أي لا يكون له نهاية كما أنه لا نهاية لوجوده و استحقاقه للحمد و قيل: يكون ثوابه خالدا

" لا منتهى له دون رضاك"

 (7) أي لا ينتهي حتى ترضى به عني، و المنتهى مصدر ميمي أو اسم مكان، و قيل: رضاه عبارة عن الإحسان و الإكرام و فيه رجاء لأن يكون ثواب حمده غير متناه لأن عدم نهاية الحمد عند إحسانه و إكرامه بسببه مستلزم لعدم نهايتهما

" لا أمد له دون مشيتك"

 (8) الأمد الغاية و هو يحتمل وجوها الأول: أن يكون المعنى دون مشيتك، أي دون ما تشاء من العباد أن يحمدوك به فهو قريب من الفقرة السابقة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 344

الثاني: أن يكون المعنى دون مشيتك تركه و هو محال فالحمد أبدي.

الثالث: أن يكون المعنى دون مشيتك تركه بارتكاب ما هو أهم منه.

الرابع: ما قيل إن المشية هنا بمعنى التجويز و التكليف، أي حمدا لا يكون متعلقا بأمر لا يرضى الله بالحمد عليه إلا بقيد كالحمد على الرضا بإمامة أئمة الضلالة.

الخامس: ما قيل فيه طلب لأن يكون الحمد بغير غاية عند تعلق مشيته تعالى بصدوره، و بالجملة طلب أن يكون تعلق المشية به على هذا الوصف.

السادس: ما قيل أيضا و هو أن يكون المراد عدم الغاية من طرف البداية تفضلا بإرادة المشية الأزلية و إن كان الحمد حادثا كتعلق المشية به.

" لا جزاء لقائله إلا رضاك"

 (1) قيل طلب لأن يكون الحمد خالصا له عاريا من الرياء و السمعة لأنه الذي يترتب عليه رضاه تعالى،

" اللهم لك الحمد"

 (2) أي الحمد على الوجه المذكور لك لا لغيرك و فيه إجمال بعد تفصيل و جمع بعد تفريق و هو فن من الصناعات البديعية

" و إليك المشتكى"

 (3) أي الشكاية من الغربة و الفرقة، و الوحدة و الوحشة، و غيبة الإمام و غيرها من البلايا الواردة في الدنيا

" و أنت المستعان،

 (4) في الأمور و الشدائد كلها

" كما أنت أهله"

 (5) قيل فيه إظهار عجز من حمد هو أهله و إنما غاية كمال العبد هي التضرع بأن يجعل حمده شبيها بحمد هو أهله و يثيب به من باب التفضل‏

" الحمد لله بمحامده كلها على نعمائه كلها"

 (6) حمده إجمالا بجميع ما يحمد به على جميع ما يحمد عليه للإشعار بأن حمده تفصيلا فيهما محال، و قد قال بعض الأفاضل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 345

قد يكون التفصيل في الدعاء في بعض المواضع أبلغ وقعا في النفوس و ألذ، و قد يكون الإجمال و الاختصار أبلغ و أنفع فلذلك بين الشرع كلا الطريقين‏

" حتى ينتهي الحمد إلى حيث ما يحب ربي و يرضى"

 (1) حيث هنا للمقام الأعلى من المحبة و الرضا بقرينة المقام‏

" قبل أن تتكلم"

 (2) أي بغير القرآن و الدعاء و الذكر أو أحدا من الآدميين و

الملي‏ء

 (3) بكسر الميم و سكون اللام مهموز إما يملأ الظرف و نصبه على المفعول المطلق إذ قد يكون غير المصدر نائبا للمصدر نحو- كلمته كلاما- و العامل الفعل المفهوم من السابق مثل أحمد و أدعو و أسبح و أكبر و أهلل، و من طرق العامة،

للميزان‏

 (4) كفتان كل كفة طباق السماوات و الأرض و الحمد لله يملأه فقيل المعنى يملأه لو كانت أجساما، و قيل المقصود منه تكثير العدة و قيل تكثير أجوره، و قيل تعظيم شأنه كما مر

" و منتهى الرضا"

 (5) لكونه في غاية الكمال المترتب عليها نهاية الرضا

" و زنة العرش"

 (6) بكسر الزاي أي ما يوازنه و يعادله تشبيها للمعقول بالمحسوس و الظاهر أن المراد بالعرش هنا أعظم الأجسام و إن كانت له معان أخر كما مر و في بعض النسخ التهليل مقدم على التكبير، و في بعضها بالعكس.

" تعيد ذلك"

 (7) هو من قبيل التأكيد أي تعيد تلك الفقرات مع كل من التحميد و التسبيح و التكبير و التهليل كما قلنا لا أن تكتفي بها مرة واحدة بأن تقول الحمد لله سبحان الله و الله أكبر و لا إله إلا الله ملأ الميزان إلخ و ليس تأسيسا حتى يفيد إعادة جميع ما ذكر أربع مرات، و يحتمل ذلك أيضا كما فهمه بعض الأصحاب و بعضهم قالوا يعيدها ثلاث مرات و كأنهم أخذوه من خبر آخر و لعله ما رواه ابن الباقي في اختياره مرسلا عن أمير المؤمنين عليه السلام قال من سره أن ينسئ الله تعالى في عمره و ينصره على عدوه فليواظب على هذا الدعاء بكرة ثلاثا و عشية ثلاثا و هو هذا الدعاء (سبحان الله مل‏ء الميزان و منتهى العلم و مبلغ الرضا وزنة العرش و سعة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 346

الكرسي، و الحمد لله مل‏ء الميزان إلى آخره و كذلك لا إله إلا الله و الله أكبر، و كذلك و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين) و لكن بينهما بون بعيد و حوائج الدنيا ما يحتاج إليه في التعيش و البقاء و حوائج الآخرة ما ينفع فيها من الخيرات كلها و الإعاذة من النار و عقوباتها و دخول الجنة و رفع درجاتها

" في يسر منك و عافية"

 (1) الظرف متعلق بتقضي أو حال عن ضمير المتكلم و متك صفة ليسر و يسر مترتب على قضاء حوائج الدنيا و عافية على قضاء حوائج الآخرة أو كل مترتب على كل و هو أفيد فإن حوائج الدنيا قد تحصل بمشقة و قد تكون مقرونا ببلية و سوء عاقبة و كذا حوائج الآخرة و رفع درجاتها قد تكون بعسر و مقاساة بلايا و شدائد في الدنيا و بغير عافية كعذاب البرزخ و شدة سكرات الموت و أهوال القيامة.

 (الحديث السادس)

 (2): ضعيف.

" بهذا الدعاء"

 (3) الباء للتقوية و علمنيه أي بعد ما لقيته مشافهة علمني معاني الدعاء و كيفية قراءته،

و قال من قال‏

 (4) أي من قاله و يحتمل أن يكون التعليم في الكتاب و الأول أظهر

" وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ"

 (5) قيل التفويض نوع لطيف من التوكل و هو أن يفعل العبد ما أمره الله به و يكل أموره الدنيوية و الأخروية إليه و لا يبالي بما وقع عليه من البلايا، و في النهاية في حديث الدعاء فوضت أمري إليك أي رددته يقال فوض إليه الأمر تفويضا إذا رده إليه و جعله الحاكم فيه، إن الله بصير بالعباد عالم بأحوالهم الظاهرة و الباطنة، و منافعهم و مضارهم فلا يخفى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 347

عليه كرب المكر و بين فيزيله إذا كانت في إزالته مصلحة فوقاه الله سيئات ما مكروا قال في المجمع: أي صرف الله عنه سوء مكرهم فجاء مع موسى حتى عبر البحر معه عن قتادة، و قيل إنهم هموا بقتله فهرب إلى جبل فبعث فرعون رجلين في طلبه فوجداه قائما يصلي و حوله الوحوش صفوفا فخافا و رجعا هاربين انتهى.

و في الكافي و المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام أنهم سطوا عليه و قتلوه و لكن أ تدرون ما وقاه وقاه أن يفتنوه في دينه، و في تفسير علي بن إبراهيم عنه عليه السلام و الله لقد قطعوه إربا إربا و لكن وقاه الله عز و جل أن يفتنوه عن دينه و في الاحتجاج عنه عليه السلام أنه بالتقية رفع شر فرعون عن نفسه، و قيل الواشين به‏

" لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"

 (1) فيه إقرار بتوحيده المطلق و تنزيهه عن النقص و العجز و اعتراف بالظلم لنفسه المشعر بأن ما لحقه من البلية و الغم من أجل عمله و كسبه و هذا الإقرار الدال على كمال العبودية و العجز و الانقطاع عن الخلق مقتضى لإزالة البلية و الغم كما قال‏

 (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ)

 (2) الضمير الذي النون و غمه ألم التقام الحوت أو غم الخطيئة أي ترك الأولى، و هي المهاجرة عن قومه بدون إذنه سبحانه و تنجيته بأن أمر الحوت بقذفه إلى الساحل بعد تسع ساعات كما في بعض الروايات أو بعد ثلاثة كما روي عن الباقر عليه السلام أو سبعة أيام كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام بسند معتبر و روايات الثلاثة أكثر، و الجمع بينها مشكل، و كان بعضها محمول على التقية

 (و كذلك)

 (3) أي كما أنجينا يونس‏

 (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)

 (4) المغمومين إذا دعوا الله بهذا الكلام أو مطلقا مخلصين، و الآية في سورة الأنبياء و هي مجربة لدفع الغموم‏

" حَسْبُنَا اللَّهُ"

 (5) أي محسبنا و كافينا في قضاء حوائجنا و دفع شر الأعادي عنا

" وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ"

 (6) لمن وكل إليه أمره و البحث في هذا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 348

العطف و الجواب عنه مشهوران‏

" فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ"

 (1) أي فرجع المجاهدون عن بدر بعد غزوة أحد متلبسين بنعمة عظيمة، و عافية و أمن من الأعداء، و بفضل كثير من الله من التجارة و الغنيمة أو الثواب الجزيل‏

" لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ"

 (2) من الأعداء و الآية في سورة آل عمران و هي مأثورة مجربة لدفع شر الأعادي‏

" ما شاءَ اللَّهُ"

 (3) أي كان و قد مر

" لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم"

 (4) في الأول إقرار بأن كل شي‏ء وجوده و بقاؤه و فناؤه بمشية الله تعالى على المعنى الذي مر في كتاب التوحيد، و في الثاني اعتراف بالعجز، و أن كل ما حصل له من الخيرات أو دفع عنه من المكروهات فهو بحول الله و قوته و أقداره و معونته و قد ورد في الأخبار أن ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لكثرة المال و الدنيا.

كما روى الصدوق في الخصال عن ابن أبي عمير عن جماعة من مشايخه منهم أبان بن عثمان، و هشام بن سالم، و محمد بن حمران عن الصادق عليه السلام قال: عجبت لمن فزع من أربع كيف لا يفزع إلى أربع عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله عز و جل (حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ) فإني سمعت الله جل جلاله يقول بعقبها (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) و عجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله عز و جل (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فإني سمعت الله جل جلاله يقول بعقبها (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) و عجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله (وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ)

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 349

فإني سمعت الله جل و تقدس يقول بعقبها (فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) و عجبت لمن أراد الدنيا و زينتها كيف لا يفزع إلى قوله تبارك تعالى (ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) فإني سمعت الله عز اسمه يقول بعقبها (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً فَعَسى‏ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) و عسى موجبة و أقول: ذكر بقية الآيات في هذا الدعاء حسن طلب بمضمونها.

" ما شاء الله"

 (1) أي كان قطعا لما فيه من المصلحة لا جميع ما شاء الناس إذ قد لا تكون فيه مصلحة

" ما شاء الله و إن كره الناس"

 (2) كالأمراض و البلايا و المصائب و الفقر و غيرها و فيه إشارة إلى الرضا بالقضاء، و دلالة على أن استجابة الدعوات تابعة للمصالح كما حققنا سابقا

" من المربوبين"

 (3) أي عوضهم‏

قوله عليه السلام" منذ قط"

 (4) كان فيه تقدير أي منذ كنت أو خلقت و قط تأكيد أو قط هنا بمعنى الأزل أي من أزل الآزال إلى الآن أو منذ كان الدهر و الزمان و قط، و إن كان غالبا تأكيدا للنفي فقد يأتي لتأكيد الإثبات، و ربما يقرأ بصيغة فعل الماضي أي منذ خلقني و أفرز مودتي عن سائر المواد.

و أقول: على هذا يحتمل أن يكون كناية عن تقدير الأشياء و القطع عليها في الألواح السماوية، و كان المعنى الثاني أظهر الوجوه.

قال في القاموس: القط القطع و ما رأيته و يضم و يخففان، و قط مشددة مجرورة بمعنى الدهر مخصوص بالماضي أي فيما مضى من الزمان أو فيما انقطع من عمري و إذا كانت بمعنى حسب فقط كعن، و قط منونا و قطي، و إذا كان اسم فعل بمعنى يكفي فيزاد نون الوقاية، و يقال قطني و يقال قطك أي كفاك و قطني أي كفاني، و منهم من يقول قط عبد الله درهم فينصبون بها، و قد تدخل النون فيها و تنصب بها فتقول قطن عبد الله درهم ثم قال و إذا أردت بقط الزمان فمرتفع أبدا غير منون، و ما رأيت مثله قط فإن قللت بقط فاجزمها ما عندك إلا هذا قط، ثم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 350

قال: و تختص بالنفي ماضيا و العامة تقول لا أفعله قط لحن، و في مواضع من البخاري جاء بعد المثبت منها في الكسوف أطول صلاة صليتها قط، و في سنن أبي داود توضأ ثلاثا قط، و أثبته ابن مالك في الشواهد لغة قال، و هي مما خفي على كثير من النحاة و ماله إلا عشرة قط يا فتى مخففا مجزوما و مثقلا مجزوما و قال منذ بسيط مبني على الضم و مذ محذوف منه مبني على السكون و يكسر ميمهما و يليهما اسم مجرور أنت هي.

و أقول: يظهر منه أنه يمكن أن يكون هنا قط بالسكون بمعنى حسب، و قيل المعنى‏

حسبي الله‏

 (1) و كفاني عن أول عمري إلى الآن و منه أتوقع الكفاية فيما بقي انتهى، و أقول في الفقيه هكذا" حسبي من كان منذ كنت لم يزل حسبي حسبي الله لا إله إلا هو" و في مفتاح الشيخ: حسبي من كان مذ كنت حسبي فلا تكلف فيهما و الأول أوثق و أحسن‏

" رضيت بالله ربا"

 (2) قوله عليه السلام ربا تميز عن النسبة كما حققه الشيخ الرضي (رض) في شرح الكافية في قولهم: كفى زيد رجلا، قال: تقديره كفى شي‏ء زيد رجلا، و في طاب زيد نفسا: طاب شي‏ء زيد نفسا أو علما أو دارا فالذات المقدرة هو شي‏ء المنسوب إليه كفى و طاب فإذا أظهرته صار زيد في كفى زيد رجلا بدلا منه و رجلا تميز لشي‏ء المقدر، فإن قصدنا أن نرد التميز في هذه الأمثلة كلها إلى أصله حين كان منسوبا إليه الفعل أو شبهه، و نرد الاسم الذي انتصب عنه التميز إلى مركزه الأصلي، جعلنا ما انتصب عنه التميز إن كان التميز نفسه بدلا من التميز، أو عطف بيان له، فنقول: كفى رجل زيد و طاب أب زيد إلى آخر ما حققه.

و اعترض عليه السيد الشريف بأن الظاهر أنك إذا قلت: كفى زيد كان هناك إبهام في أن الكافي في زيد ما هو رجوليته أو علمه أو شهادته، فإذا قلت:

رجلا كان المقصود، أي كفى رجولية زيد، و كذا إذا قلت: شهيدا كان المعنى كفى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 351

شهادته و على هذا ينبغي أن يضاف هيهنا أيضا شي‏ء إلى زيد فيقال شي‏ء زيد هو رجوليته، و ما ذكره الشارح يدل على أن الإبهام في أن الذات الكافي الذي هو زيد مما ذا فيكون التردد و الإبهام في ذات موصوف بالرجولية و ذات موصوف بالشهادة إلى غير ذلك فيفسر بذات مع صفة الرجولية أو بذات مع صفة الشهادة، و الحق ما ذكرنا إلى آخر ما قال، و كذا الكلام في نظائره و فلان و فلان كناية عما مضى من الأئمة عليهم السلام و فلان ثالثا كناية عن إمام العصر عليه السلام و هو خبر وليك و في بعض الكتب فلانا فهو عطف بيان، و قد مر الكلام في ذكر الجهات و سبب تبديل من بعن في الجانبين، و قيل: عن اسم بتقدير من عن يمينه و حذف من لكراهة اجتماع صورتي حرف الجر، و لا يخفى ما فيه.

" و اجعله القائم"

 (1) قيل ليس دعاء حقيقة بل خبر في صورة الإنشاء أي رضيت بكونه قائما، و قيل: المطلب للتأكيد و إظهار انتظار الفرج، و أقول: في سائر الأئمة عليهم السلام يحتمل الدعاء حقيقة أي يسر له أسباب الخروج و الغلبة على الأعادي فإنهم عليهم السلام لعدم يأس الشيعة و انتظارهم الفرج كانوا يبهمون الأمر عليهم و كانوا يقولون كلنا قائم بأمر الله إذا أمرنا بالخروج" و المنتظر" يحتمل الفتح و الكسر" و يقر عينه" على بناء الأفعال و في بعض النسخ‏

" و تقر به عينه"

 (2) فيحتمل بناء الأفعال بصيغة الخطاب و المجرد من باب علم و ضرب و رفع عينه، في القاموس قرت عينه تقر بالفتح و الكسر قرة و تضم و قرورا بردت و انقطع بكاؤها أو رأت ما كانت متشوقة إليه، و في النهاية في حديث الاستسقاء لو رآك لقرت عيناه أي تسر بذلك و فرح و حقيقته أبرد الله دمعة عينيه لأن دمعة الفرح و السرور باردة و قيل معنى أقر الله عينك بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك و تسكن عينك فلا تستشرف إلى غيرك انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 352

و أقول ذكر الأطباء أن دمعة السرور باردة لأنها تحصل من انبساط النفس فتنزل ما كانت من الرطوبات في شؤون الرأس فاكتسبت البرودة من الدماغ، و بكاء الحزن تحصل من بخار حاد يتصاعد من القلب إلى الدماغ فإذا وصلت إلى الدماغ و تأثرت من الدماغ فتنزل قبل أن تكتسب برودة ظاهرة كالتي تتقاطر من سقوف الحمامات، فهي باقية على حرارتها، فهذا منشأ تخالف الدمعتين في البرودة و السخونة فما قال الشيخ البهائي (ره) في المفتاح- إن العرب تزعم أن دمع الباكي من السرور بارد و دمع الباكي من الحزن حار- ليس على ما ينبغي، و

الشفاء

 (1) البرء من المرض و أستعير لشفاء القلوب من الهم و الحقد و الانتقام من العدو

قوله قال" و كان النبي"

 (2) ظاهره أنه من تتمة رواية محمد بن الفرج، و القائل الجواد عليه السلام و ما في الفقيه يحتمل ذلك، و يحتمل كونه رواية أخرى مرسلة، و يؤيده أنه روي في مكارم الأخلاق عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه من دعا به عقب كل صلاة مكتوبة حفظ في نفسه و داره و ماله و ولده و هو اللهم اغفر إلى آخر الدعاء.

و أكثر فقرات هذا الدعاء مأثورة في كتب العامة في روايات متفرقة، روي في المشكاة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء (اللهم اغفر لي خطيئتي و جهلي و إسرافي في أمري و ما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي جدي و هزلي و خطئي و عمدي و كل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت و ما أخرت و ما أسررت و ما أعلنت و ما أنت أعلم به مني أنت المقدم و أنت المؤخر و أنت على كل شي‏ء قدير) ثم قال متفق عليه أي مروي في الصحيحين، ثم روى من صحيح النسائي عن عطاء بن السائب عن أبيه قال صلى بنا عمار بن ياسر صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم لقد خففت و أوجزت الصلاة فقال أما على ذلك لقد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 353

دعوت فيها بدعوات سمعتهن من النبي صلى الله عليه و آله و سلم فلما قام تبعه رجل من القوم هو أبي غير أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فأخبر به القوم (اللهم بعلمك الغيب و قدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي و توفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم و أسألك خشيتك في الغيب و الشهادة و أسألك كلمة الحق في الرضا و الغضب و أسألك القصد في الفقر و الغناء و أسألك نعيما لا ينفد و أسألك قرة عين لا ينقطع و أسألك الرضا بعد القضاء و أسألك برد العيش بعد الموت و أسألك لذة النظر إلى وجهك و الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة و لا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان و اجعلنا هداة مهديين).

قوله عليه السلام" ما قدمت و ما أخرت"

 (1) يحتمل وجوها.

الأول: أن يكون المعنى ما فعلت قبل ذلك و ما أفعله بعد ذلك كما قال تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ).

الثاني: أن يكون المعنى ما فعله في حياته و ما يترتب على فعله بعد وفاته كبدعة يعمل بها بعده أو وصية بشر.

الثالث: أن يراد به تقديم ما أخره الله، أو تأخير ما قدمه الله، إما زمانا كالصلاة قبل الوقت و فعلها بعد الوقت قضاء أو تركها رأسا، أو تقديم خلافة، خلفاء الجور و تأخير خليفة الحق، أو رتبة كالقول بإمامة المفضول فإنه تقديم لما أخر الله و تأخير لما قدم الله، أو تقديم البدعة على السنة و عكسه، و تقديم الجاهل على العالم، و الطالح على الصالح، و الشباب على الشيوخ، و ربما يؤيده قوله أنت المقدم و المؤخر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 354

الرابع: أن يكون المراد ما قدم من المعاصي و أخر من الطاعات.

الخامس: أن يكون المراد به التعميم كما هو الشائع في العرف يقال لا أقدم رجل و لا أؤخر إلا عن رضاك و كأنه إشارة إلى قوله تعالى (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ) قال البيضاوي: أي بما قدم من عمل عمله و بما أخر منه لم يعمله، أو بما قدم من عمل عمله و بما أخر من سنة عمل بها بعده، أو بما قدم من مال تصدق به و بما أخر فخلفه أو بأول عمله و أخره، و قال الطبرسي (ره) أي يخبر الإنسان يوم القيامة بأول عمله و أخره فيجازى به و قيل بما قدم من العمل في حياته و ما سنه فعمل به بعد موته من خير أو شر، و قيل بما قدم من المعاصي و أخر من الطاعات عن ابن عباس، و قيل بما أخذ و ترك، و قيل بما قدم من طاعة الله و أخر من حق الله فضيعه، و قيل ما قدم من ماله لنفسه و ما خلفه لورثته بعده انتهى. و قد سبق توجيه نسبة المعصية إلى المعصومين عليهم السلام و استغفارهم عنها، و قيل دعاؤه صلى الله عليه و آله و سلم بذلك مع علمه أنه مغفور له و مع أنه معصوم من جميع الذنوب على ما هو الحق إشفاق و تعليم للأمة، و قيل خوف من مكر الله و لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، و قيل يحتمل أنه بحسب المقامات يرى مقامه في زمان دون مقامه في زمان آخر فيستغفر من مقامه الأول، و قيل طلب لأمته إلا أنه نسبها إلى نفسه للإشعار بأن مغفرة ذنوبهم مغفرة له، أو طلبها لنفسه بناء على أن الكفار كانوا معتقدين أنه مذهب في دعوى الرسالة فجعل رفع ذلك الاعتقاد منهم بمنزلة المغفرة، أو بناء على أنه عد خلاف الأولى ذنبا

" و ما أسررت"

 (1) أي أخفيته عن الخلق و ما أضمرته في قلبي أو الأعم منهما

" و ما أعلنت"

 (2) مقابلة بكل من المعاني و

الإسراف‏

 (3) التجاوز عن الحد، و تعديته بعلى لتضمين معنى الجرأة و نحوها أي المبالغة و الإصرار على المعاصي، أو إشارة إلى أن كل خطيئة جرأة عظيمة و مبالغة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 355

في الضرر على النفس.

" اللهم أنت المقدم و المؤخر"

 (1) على صيغة الفاعل و قد مر في روايات العامة أيضا و قد ذكر فيه وجوه.

الأول: التقديم و التأخير بين المخلوقات في الزمان كآدم إلى خاتم الأنبياء تم إلى خاتم الأوصياء صلوات الله عليهم و كذا في سائر الخلق و المخلوقات.

الثاني: أن يكونا في المكان كالعرش إلى الثرى ترتيب الكواكب و العناصر و المواليد و غيرها. الثالث: أن يكونا في الرتبة و الفضل و قال (وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى‏) و قال (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) و قال (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) و ذلك يكون في الدين و الدنيا، و في الآخرة و الأولى، و في الأجناس و الأنواع، و الأصناف و الأشخاص، كالنبوة و الإمامة، و الوصاية و الأمة و الرعية فهو المقدم للأنبياء على الأوصياء و الأمة و الأوصياء على سائر الأمة، فالنبي من قدمه الله و جعله نبيا، و الإمام و الوصي من قدمه الله و جعله إماما و وصيا فليس للناس أن يقدموا من أخره الله و جعله رعية أن يجعلوه إماما و وصيا، كما ليس لهم أن يجعلوه نبيا، فهو المقدم و المؤخر و ليس لهم الخيرة من أمرهم سبحانه و تعالى عما يشركون، و كذا فضل المؤمن على الكافر، و العالم على الجاهل، و الصالح على الطالح، و كذا فضل بعضهم على بعض في الدرجات الدنيوية، كالغناء و العزة و الثروة، و الفقر و الذلة، و الملك و الرعية و الفطنة و البلادة، و البخل و السخاوة، كل ذلك بحسب ما يعلم من مصالحهم كما قال تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 356

الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) و قال (وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) و قال في النبوة و الإمامة كما بينا سابقا (وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، و قال (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (و قال (وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ) و قال (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) و قال (فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‏ وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً. دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً) و مثلها كثير في الآيات، و كذا في أصناف الإنسان من العرب و العجم، و لهندي و التركي، و أهل كل بلدة و غيرها، و في أنواع الحيوانات و أصنافها و المعادن و الثمار و النباتات فكلا منها فضل بعضا و أخر بعضا بحسب الشرف و المرتبة و المنفعة و الخاصية و غيرها.

الرابع: أن يكون المراد بها ما يرجع إلى البداء كتأخير خروج القائم عليه السلام،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 357

و كتأخير موعد موسى عليه السلام: كما قال (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) و هو أنسب بمقام الدعاء.

و العامة ذكروا فيه وجوها، قال في النهاية: في أسماء الله تعالى، المقدم:

هو الذي يقدم الأشياء و يضعها في موضعها، فمن استحق التقديم قدمه، و قال في أسماء الله تعالى الآخر و المؤخر فالآخر هو الباقي بعد فناء خلقه كل ناطقة و صامتة، و المؤخر هو الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها و هو ضد المقدم، و قال الكرماني في شرح البخاري: أنت المقدم، أي لي في البعث في الآخرة، و المؤخر أي لي في البعث في الدنيا، و قال غيره هو أن يوفق بعضا للطاعات و يخذل آخر عن النصرة أو المعز و المذل، أو الرافع و الخافض.

و قال الطيبي في شرح المشكاة: المقدم المؤخر هو الذي يقدم الأشياء بعضها على بعض إما بالوجود كتقديم الأسباب على مسبباتها، أو بالشرف و القربة كتقديم الأنبياء و الصالحين من عباده على من عداهم، أو بالمكان كتقديم الأجسام العلوية على السفلية و الصاعدات منها على الهابطات، أو بالزمان كتقديم الأطوار، و القرون بعضها على بعض.

و قال القرطبي: هذان الاسمان من أسمائه تعالى المزدوجة كالقابض و الباسط، قال العلماء: لا يؤتى بهما إلا كذلك فلا يقال- أنت المقدم- وحده كما لا يقال- أنت القابض- وحده. و قال بعضهم: أنت منزل الأشياء منازلها فتقدم من تشاء لطاعتك و تؤخر من تشاء لخذلانك، و قال بعضهم: أنت المقدم بلا بداية و أنت المؤخر بلا نهاية، أو أنت المقدم القديم، و أنت المؤخر الباقي، أو أنت الأول بلا ابتداء و الآخر بلا انتهاء.

و أقول: كان هؤلاء قرءوا على بناء المفعول و هو خلاف المضبوط في الكتب لا إله إلا أنت فلا مقدم و لا مؤخر غيرك، فهو تأكيد لما قبله، أو تفريع عليه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 358

" بعلمك"

 (1) الباء للقسم أو للسببية و الظرف متعلق- بأسألك- المقدر، أو بأحيني و الغيب مفعول علمك، و قيل مجرور صفة له و هو بعيد و لا حاجة إلى مفعول ثان كما قيل و ما في‏

قوله" ما علمت"

 (2) اسمية شرطية زمانية مثل قوله فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم كذا قيل.

و قال الطيبي في شرح المشكاة: بعلمك الباء للاستعطاف أي أنشدك بحق علمك، و

قوله و أسألك خشيتك‏

 (3) عطف على هذا المحذوف و اللهم معترضة" خشيتك‏

في السر و العلانية"

 (4) قال المحقق الطوسي (قدس سره) في أوصاف الأشراف الخوف و الخشية و إن كانا في اللغة بمعنى واحد إلا أن بين خوف الله و خشيته في عرف أرباب القلوب فرقا و هو أن الخوف تألم النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات، و التقصير في الطاعات، و الخشية تحصل عند الشعور بعظمة الحق و هيبته و خوف الحجب عنه، و المراد بالخشية في السر و العلانية، ما أشار إليه الشيخ البهائي (ره) و هو أن يظهر آثارها في الأفعال و الصفات، من كثرة البلاء و دوام التحرق، و ملازمة الطاعات، و قمع الشهوات حتى يصير جميعها مكروها لديه كما يصير العسل مكروها عند من عرف أن فيه سما قاتلا مثلا، و إذا احترقت جميع الشهوات بنار الخوف ظهر في القلب الذبول و الخشوع و الانكسار، و زال عنه الكبر و الحقد و الحسد و صار كل همه النظر في خطر العاقبة فلا يتفرغ لغيره و لا يصير له شغل إلا المراقبة و المحاسبة و المجاهدة و الاحتراز من تضييع الأنفاس و الأوقات، و مؤاخذة النفس في الخطوات و الخطرات، و أما الخوف الذي لا يترتب عليه شي‏ء من هذه الآثار فلا يستحق أن يطلق عليه اسم الخوف، و إنما هو حديث نفس، و لهذا قال بعض العارفين: إذا قيل لك هل تخاف الله، فاسكت عن الجواب فإنك إذا قلت- لا- كفرت و إن قلت- نعم- كذبت‏

" و كلمة الحق في الغضب و الرضا"

 (5) أي لا يصير غضبي على أحد سببا لأن أنكر حقه أو لا أحكم به و لا رضاي عن أحد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 359

سببا لأن أثبت له ما ليس بحق، و قيل هي من توابع العدل و سلامة النفس من الآفات إذ هما نقيضان مراعاة الحق حال الغضب و الرضا و عدم التجاوز عنه إلى الباطل كما هو مقتضى الحمية الجاهلية و قال الطيبي المراد بالخشية في الغيب و الشهادة إظهارهما في السر و العلانية، و كذا معنى الرضا أي في حالة رضا الخلق و غضبهم‏

" و القصد في الفقر و الغناء"

 (1) القصد الاعتدال و المقتصد المعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي الإفراط و التفريط، و الإسراف و التبذير و هو متفاوت في الفقير و الغني، فقصد الفقير تقتير للغني و قصد الغني تبذير للفقير.

قال الراغب: القصد استقامة الطريق، يقال: قصدت قصده أي نحوت نحوه و منه الاقتصاد و هو على ضربين.

أحدهما: محمود على الإطلاق، و ذلك فيما له طرفان إفراط و تفريط كالجود فإنه بين الإسراف و البخل و كالشجاعة فإنه بين التهور و الجبن و نحو ذلك و على هذا قوله (وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) و إلى هذا النحو من الاقتصاد أشار بقوله (وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا).

و الثاني: يكنى به عما يتردد بين المحمود و المذموم و هو فيما يقع بين محمود و مذموم كالواقع بين العدل و الجور و القريب و البعيد و على ذلك قوله (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) و قوله (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ) أي سفرا متوسطا غير متناهي البعد، و ربما فسر بقريب و الحقيقة ما ذكرت‏

" و أسألك نعيما لا ينفد"

 (2) أي الجنة

" و قرة عين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 360

لا ينقطع"

 (1) أي ما يوجب رؤيته سرورا و هو لا ينقطع و هو أيضا في الجنة، و هما إما من باب التفضل أو التوفيق لما يوجبهما، و يحتمل أن يكونا في الدنيا أو الأعم بأن يتصل نعيم الآخرة و قرة عين الدنيا بقرة عين الآخرة، و قال الطيبي: يحتمل أنه طلب نسلا لا ينقطع بعده قال تعالى (هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) أو طلب محافظة الصلوات و الإدامة عليها كما ورد و جعل قرة عيني في الصلاة و لا يخفى بعدهما.

" و الرضا بالقضاء"

 (2) فإن قيل: قد تقرر و مر أنه لا يقع شي‏ء خيرا كان أو شرا إلا بقضاء الله تعالى و الرضا بقضائه واجب فيلزم منه وجوب الرضا بالكفر و المعاصي و هو قبيح، و أجاب بعضهم: بأنه إذا عرفت معنى القضاء و الرضا به علمت أنه لا نقص فيهما أصلا بل هما عين الحكمة و نفس الكمال و ذلك لأنه تعالى إذا علم في الأزل كفر فلان باختياره قضى به ليطابق علمه بالمعلوم فلا نقص فيه و لا في الرضا به بل النقص في عدمهما انتهى.

و أقول: قد مر الكلام فيه في كتابي التوحيد و الإيمان و الكفر، و إن للقضاء معان كثيرة، و كون القضاء بغير معنى العلم أو ما يرجع إليه متعلقا بالكفر و المعصية غير معلوم، و قد مر في الخبر أن الله تعالى يسأل العبد يوم القيامة عما كلفه و لا يسأله عما قضي عليه، و قال العلامة (ره) في شرحه على التجريد: القضاء يطلق على الخلق و الإتمام قال تعالى (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) أي خلقهن و أتمهن، و علي الحكم و الإيجاب كقوله تعالى (وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي أوجبه و ألزمه، و على الإعلام و الإخبار كقوله (وَ قَضَيْنا إِلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ)

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 361

أي أعلمناهم و أخبرناهم، و يطلق القدر على الخلق كقوله تعالى (وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) و الكتابة كما جاء في بعض الأشعار، و البيان كقوله تعالى (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) أي بينا و أخبرنا بذلك إذا ظهر هذا فتقول للأشعري ما تعني بقولك أنه تعالى قضى أعمال العباد و قدرها، إن أردت به الخلق و الإيجاد، فقد بينا بطلانه، و أن الأفعال مستندة إلينا، و إن عنيت به الإلزام لم يصح إلا في الواجب خاصة، و إن عنيت به أنه تعالى بينها و كتبها و اعلم أنهم سيفعلونها فهو صحيح فإنه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ و بينه للملائكة، و هذا المعنى الأخير هو المتعين للإجماع على وجوب الرضا بقضاء الله و قدره، و لا يجوز الرضا بالكفر و غيره من القبائح، و لا ينفعهم الاعتذار به من حيث الكسب لبطلان الكسب أولا، و ثانيا فإنا نقول إن كان كون الكفر كسبا بقضائه تعالى و قدره وجب الرضا به من حيث هو كسب، و هو خلاف قولكم، و إن لم يكن بقضاء و قدر بطل استناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء و القدر انتهى. و بالجملة الكلام فيه طويل، و في الخوض فيه خطر جليل، و ما ذكره القائل لعله لا يشفي العليل و الله يهدي إلى سواء السبيل.

" و بركة الموت بعد العيش"

 (1) ليست هذه الفقرة في المكارم و غيره و لا في رواية العامة كما عرفت و المعنى أن يكون الموت مباركا على نافعا لي مقرونا بالسعادة بعد عيش الدنيا و حياتها أو طلب عيشها قال الراغب: العيش المختصة بالحيوان و هو أخص من الحياة لأن الحياة يقال في الحيوان، و في الباري تعالى، و في الملك و يشتق منه المعيشة لما يتعيش به، و في الحديث لا عيش إلا عيش الآخرة، و قيل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 362

أريد بركة الموت الفرح و السرور و الراحة و مشاهدة السعادة بعده و بالعيش الحياة الطيبة و ما يكون به الحياة و يعاش به على الوجه الحلال‏

" و برد العيش بعد الموت"

 (1) أي راحة العيش و لذته، و في النهاية فيه- الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة- أي لا تعب فيه و لا مشقة و كل محبوب عندهم بارد انتهى، و قيل العيش البارد عيش لا تعب و لا مشقة و لا عسر فيه، أو عيش ثابت مستقر من قولهم برد لي على فلان حق أي ثبت و استقر.

" و لذة النظر إلى وجهك"

 (2) المراد بالوجه الذات و بالنظر نظر القلب، أو المراد بالوجه الأنبياء و الحجج عليهم السلام فإنهم وجه الله الذي يتوجه بهم إليه، و من أراد التوجه إلى الله يتوجه إليهم فالمراد بالنظر النظر بالعين، أو المراد بالوجه الدين و العبادة و التي أمر الله بها أو إخلاص العبادة له فالمراد بالنظر إليها النظر إلى ثوابها أو وجه الله رحمته.

قال الراغب: أصل الوجه الجارحة و لما كان الوجه أول ما يستقبلك و أشرف ما في ظاهر البدن استعمل في مستقبل كل شي‏ء و في أشرفه و مبدئه فقيل وجه كذا و وجه النهار، و ربما عبر عن الذات بالوجه في قوله عز و جل (وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ) قيل: ذاته، و قيل أراد بالوجه هيهنا التوجه إلى الله بالأعمال الصالحة قال عز و جل (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) و قال (كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) و قوله (يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ)- (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) إن الوجه في كل هذا زائد و نعني بذلك كل شي‏ء هالك إلا هو و كذا في أخواته.

و روي أنه قيل ذلك لأبي عبد الله الصادق عليه السلام فقال سبحان الله قالوا قولا

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 363

عظيما إنما عنى بالوجه الذي يؤتى منه، و معناه كل شي‏ء من أعمال العباد هالك و باطل إلا ما أريد به، و على هذا الآيات الأخر، و على هذا قوله (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) إلى آخر ما قال.

و قال الطيبي: قيد النظر باللذة لأن النظر إلى الله إما نظر هيبة و جلال في عرصات القيامة و إما نظر لطف و جمال في الجنة ليؤذن بأن المطلوب هذا انتهى.

و كذا المراد

بالرؤية

 (1) و

اللقاء

 (2) إما العارف القلبية الحاصلة للمقربين في الآخرة أو رؤية تفضلاته و لقاء ألطافه أو لقاء ملك الموت أو النبي و الأئمة صلوات الله عليهم أو رؤية تجلياته سبحانه، و على التقادير المراد بهما الشوق إلى الموت و الآخرة و قطع التعلق عن الدنيا الفانية بحيث يبعثه على السعي في تحصيل النعم الباقية لا محض تمنى الموت فإنه غير مطلوب عقلا و شرعا و

قوله عليه السلام" من غير ضراء"

 (3) إما متعلق بالفقرة الأخيرة أي لا يكون اشتياقي إلى الموت بسبب البلايا الشديدة التي عرضت لي و لم يمكني الصبر عليها فأتمني الموت لذلك كما هو الغالب في أكثر الناس، أو بقوله أحيني أو بالجميع أي أعطني جميع ذلك من غير بلية شديدة و الأول أظهر

" و مضرة"

 (4) على بناء التفعيل تأكيد أو احتراز عما لا يضر بالدين، أو بالدنيا أيضا ضررا شديدا فإن الدنيا لا تخلو من الضراء في الجملة" و الضر" ضد النفع و الضراء الحالة التي تضر كالبلية و الفاقة و نحوهما و هي نقيض السراء و هما بناء أن للمؤنث و لا مذكر لهما. و قال الطيبي: متعلق الظرف مشكل و لعله متصل بالقرينة الأخيرة و هي قوله و الشوق إلى لقائك سأل شوقا إلى الله تعالى في الدنيا بحيث يكون ضراء غير مضرة أي شوقا لا يؤثر في سيري و سلوكي و إن ضرني مضرة ما.

         إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلا             تقولين لو لا الهجر لم يطب الحب‏

             و إن قلت كربي دائم قلت إنما             يعد محبا من يدوم له كرب‏

 

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 364

و يجوز أن يتصل بقوله أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، و معنى ضراء مضرة الضر الذي لم يصبر عليه كما ورد في قوله صلى الله عليه و آله و سلم عجبا لامرئ المؤمن إلى قوله إن أصابته سراء شكره فكان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له انتهى‏

" و لا فتنة مضلة"

 (1) أي تضل عن الحق و الفتنة بالكسر مصدر بمعنى الاختبار أو اسم و هي البلية و المحنة و العذاب و المال و الأولاد و غيرهما مما يختبر و إنما قيدها بالمضلة لأن الإنسان ما دام في الدنيا لا يخلو عن أكثر أنواعها كما روى الطبرسي (ره) في مجمع البيان عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة لأنه ليس أحد إلا و مشتمل على فتنة و لكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن فإن الله سبحانه يقول (وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) و في نهج البلاغة قال عليه السلام لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة لأنه ليس أحد إلا و هو مشتمل على فتنة و لكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن فإن الله سبحانه يقول (وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ).

و قال السيد (رض): و معنى ذلك أنه سبحانه يختبرهم بالأموال و الأولاد ليبين الساخط لرزقه و الراضي بقسمة، و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب لأن بعضهم يحب الذكور و يكره الإناث و بعضهم يحب تثمير المال و يكره انثلام الحال و هذا من غريب ما سمع منه عليه السلام في التفسير انتهى. و أقول: هذا الاستغراب منه (ره) أغرب.

" بزينة الإيمان"

 (2) الظاهر أن الإضافة بيانية فالمراد به الإيمان الكامل و يحتمل أن يكون المراد بالإيمان التصديق، و بزينة الأعمال الصالحة و الأخلاق الفاضلة التي لها مدخل في كماله أو المراد بزينة يحصل من الإيمان و هي ثمرته‏

" و اجعلنا هداة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 365

مهديين"

 (1) إنما وصف الهداة بالمهديين لأن الهادي إذا لم يكن مهتديا في نفسه لم يصلح أن يكون هاديا لغيره لأنه يوقع الخلق في الضلال من حيث لا يشعر و لو هدى غيره أيضا لم يزده في القيامة إلا حسرة

" اللهم اهدنا فيمن هديت"

 (2) أي بالهدايات الخاصة من الأنبياء و المرسلين و الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم أجمعين و العباد الصالحين، و لعل المعنى إني لا أستحق الهداية فاهدني فيمن هديت ببركتهم و تبعيتهم أو هو استعطاف بأنك قد هديت جماعة فإذا هديتني ليس مستبعدا أو لا مستبدعا، أو المراد اهدني فيمن هديتهم من الأنبياء و الأولياء بالهدايات الخاصة نحو هدايتهم و قيل التعدية بفي لتضمين معنى الدخول أو الاندراج‏

" اللهم إني أسألك عزيمة الرشاد"

 (3) في القاموس رشد كنصر و فرح رشدا و رشدا و رشادا اهتدى كاسترشد، و الرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه، و في المصباح الرشد الصلاح و هو خلاف الغي و الضلال، و هو إصابة الصواب، و رشد رشدا من باب تعب و رشد يرشد فهو من باب قتل فهو راشد و الاسم الرشاد، و قال عزم على الشي‏ء و عزمه عزما من باب ضرب عقد على فعله و عزمه عزيمة و عزمة اجتهد و جد في أمره انتهى، و قيل العزيمة مصدر بمعنى الإرادة و الجد و القطع، و يقال: عزم على الأمر عزما و عزيمة إذا أراد فعله و قطع عليه و جد فيه، و لما كان الرشاد بدون العزيمة عليه متزلزلا مستودعا طلب العزم عليه ليصير مستقرا بالغا حد الكمال.

و أقول: تحتمل هذه الفقرة عندي معنيين.

أحدهما: أسألك أن تجعلني عازما على الرشاد راسخا فيه كما مر.

و ثانيهما: أن يكون المعنى قدر لي الرشد تقدير احتمال بداء فيه فالمراد عزم الله تعالى لا عزم العبد كذا خطر بالبال.

و يؤيده ما رواه الكليني و الشيخ في الدعاء بعد صلاة الاستخارة (و إن كان‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 366

كذا و كذا شرا لي في ديني و دنياي و آخرتي و عاجل أمري و آجله فصل على محمد و آله و اصرفه عني صل على محمد و آله و اعزم لي على رشدي و إن كرهت ذلك أو أبته نفسي) فإن حمله على المعنى الأول بعيد جدا، و في النهاية العزم الجد و الصبر و منه الحديث و اصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل و الآخر ليعزم المسألة أي يجد فيها و يقطعها، و حديث أم سلمة فعزم الله لي أي خلق لي قوة و صبرا انتهى، و الأكثر حملوه على المعنى الأول.

و قد روي مثله في كتب العامة بعكس الترتيب أسألك الثابت في الأمر و العزيمة على الرشد، و قال بعض شراحهم أي عقد القلب على إمضاء الأمر، و قدم الثبات على العزيمة و إن تقدمت هي عليه إشارة إلى أنه المقصود بالذات، لأن الغايات متقدمة في الرتبة و إن تأخر وجودا، و ورد أيضا في أخبارهم (ثم عزم الله لي فقلتها) قالوا في تفسيره أي خلق الله لي عزما

" و الثبات"

 (1) بالنصب عطفا على عزيمة و الجر عطفا على الرشاد بعيد و الأمر شامل لكل ما طلب الله من العباد من العقائد و الأعمال‏

" و الرشد"

 (2) تخصيص بعد التعميم و هو معطوف على الأمر و عطفه على عزيمة بعيد

" و أسألك شكر نعمتك"

 (3) أي توفيق شكرها تفصيلا فيما يعلم و إجمالا فيما لا يعلم‏

" و حسن عافيتك"

 (4) في الدنيا من البليات و المكروهات و المعاصي و الشبهات، و في الآخرة من الأهوال و العقوبات‏

" و أداء حقك"

 (5) من الواجبات و المندوبات، و يندرج فيه حقوق الأئمة و الإخوان و الأقارب و كل ما يطلق عليه اسم الحق فإن كلها حق الله قرره لعباده على عباده‏

" قلبا سليما"

 (6) أي من العقائد الفاسدة و الشبهات و الشهوات و الأخلاق الذميمة و نحوها، كما قال تعالى (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)

" و لسانا صادقا"

 (7) في جميع الأقوال‏

" لما تعلم"

 (8) أي من الذنوب و إن لم أعلمها

" و أسألك خير ما تعلم"

 (9) و إن كان شرا عندي كما قال تعالى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 367

 (عَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)

" من شر ما تعلم"

 (1) و إن كان خيرا عندي كما قال سبحانه (عَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ)

" فإنك تعلم"

 (2) الخير و الشر

" و لا نعلم"

 (3) بصيغة المتكلم و في بعض النسخ بصيغة الخطاب المجهول على بناء التفعيل.

 (الحديث السابع)

 (4): حسن كالصحيح.

" و المخرج"

 (5) مصدر أو اسم مكان أي فرجا من الشدة و مخرجا من الضيق الذي لا أدري كيف أخرج‏

" من حيث أحتسب"

 (6) أي أظنه طريق و أعده من طرقه‏

" و من حيث لا أحتسب"

 (7) أي لا أعده من طرق رزقي و لا أظنه، قيل: فبالجزء الأول أخرجه من السجن، و بالجزء الثاني أعطاه السلطنة.

 (الحديث الثامن)

 (8): مجهول.

" بالله الواحد الأحد"

 (9) قال صاحب العدة الله أشهر أسمائه تعالى في الذكر و الدعاء، و قال أكثر المحققين الله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 368

المنعوت بنعت الربوبية، المتفرد بالوجود الحقيقي فإن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته، و إنما استفاد الوجود منه فهو من حيث ذاته هالك و من جهته التي يليه موجود، و هو أخص الأسماء و أجمعها بجمعه الصفات الإلهية كلها، و سائر الأسماء لا يدل إلا على أحد المعاني من علم أو قدرة أو فعل، و لعدم إطلاقه على غيره لا حقيقة و لا مجازا لعدم اتصاف غيره بشوب منه كسائر الأسماء و لهذا يعرف سائر الأسماء بالإضافة إليه فيقال الجبار من أسماء الله، و لا يقال الله من أسماء الجبار، و حظ العبد من هذا الاسم التأله بأن يكون مستغرق القلب و الهمة بالله لا يرى غيره و لا يلتفت إلى سواه و لا يرجو و لا يخاف إلا إياه، و كيف لا يكون كذلك و قد فهم من هذا الاسم أنه الموجود الحقيقي الحق و كل ما سواه فان و هالك و باطل إلا به، فيرى أولا نفسه أول هالك و باطل، كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أصدق شعر قاله شاعر قول لبيد: ألا كل شي‏ء ما خلا الله باطل.

" و الواحد و الأحد" متقاربان معنى، و هو الذي لا يتجزى و لا يتثنى أما الذي لا يتجزى فكالجوهر الواحد الذي لا ينقسم فيقال إنه واحد بمعنى أنه لا جزء له و الله تعالى واحد بمعنى أنه لا جزء له و الله تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل الانقسام في ذاته، و أما الذي لا يتثنى فهو الذي لا نظير له كالشمس فإنها و إن كانت قابلة للقسم بالوهم متجزية في ذاتها لأنها من قبيل الأجسام فهي لا نظير لها إلا أنه يمكن أن يكون لها نظير فإن كان في الوجود موجود يتفرد بخصوص وجوده تفردا لا يتصور أن يشاركه فيه غيره أصلا فهو الواحد المطلق أزلا و أبدا، و العبد إنما يكون واحدا إذا لم يكن له في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير، و ذلك بالإضافة إلى أبناء جنسه بالإضافة إلى الوقت إذ يمكن أن يظهر في وقت آخر مثله،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 369

و بالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع، فلا وحدة على الإطلاق إلى الله تعالى.

و الحاصل أن الوحدة مقابلة للكثرة، و الكثرة تكون بحسب الذات إما بالانقسام إلى الأجزاء الخارجية كالأعضاء و العناصر و الأخلاط في الإنسان، أو إلى الأجزاء الوهمية كانقسام الجسم في الطول و العرض إلى ما لا يتناهى من الأجزاء، أو إلى الأجزاء العقلية كالجنس و الفصل و المادة و الصورة، و تكون بحسب الصفات لاشتمال كل ممكن على صفات موجودة زائدة على ذاته، فكلما يطلق عليه الواحد غيره سبحانه ليست وحدته وحدة، حقيقة بل هي وحدة إضافية أو اعتبارية، و لذا قال سيد الساجدين عليه السلام: لك يا إلهي وحدانية العدد، و قال أمير المؤمنين عليه السلام و كمال توحيده نفي الصفات عنه، كما مر تحقيقه في كتاب التوحيد.

و أما الصمد فقد مر الاختلاف في تفسيره فقيل: إنه فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده و هو السيد المقصود إليه في الحوائج، و روي ذلك عن ابن عباس و قيل: هو الذي لا جوف له، و قيل: هو الأملس من الحجر لا يقبل الغبار و لا يدخله شي‏ء و لا يخرج منه شي‏ء.

فعلى الأول: عبارة عن وجوب الوجود و الاستغناء المطلق و احتياج كل شي‏ء في جميع أموره إليه، أي الذي عنده ما يحتاج إليه كل شي‏ء و يكون رفع حاجة الكل إليه و لم يفقد في ذاته شيئا مما يحتاج إليه الكل و إليه يتوجه كل شي‏ء بالعبادة و الخضوع و هو المستحق لذلك، و قد سئل أبو جعفر الثاني عليه السلام عن الصمد فقال هو السيد المصمود إليه في القليل و الكثير.

و أما على الثاني: فهو إما مجاز عن أنه تعالى أحدي الذات أحدي المعنى لا جزء له ليكون بين الأجزاء جوف و لا صفات زائدة فيكون بينها و بين الصفات جوف، أو عن أنه الكامل بالذات ليست فيه جهة استعداد و إمكان، و لا خلو له عما يليق به فليس له جوف يصلح أن يدخله ما ليس له في ذاته فيستكمل به فالجوف‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 370

كناية عن الخلو عما يصح اتصافه به.

و أما على الثالث: فهو كناية عن عدم الانفعال و التأثر عن الغير و كونه محلا للحوادث كما ورد في جواب من سأل الصادق عليه السلام عن رضا الله و سخطه فقال ليس على ما يوجد من المخلوقين، و ذلك أن الرضا دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال لأن المخلوق أجوف معتمل مركب للأشياء فيه مدخل و خالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد و أحدي الذات و أحدي المعنى.

و روى الصدوق (ره) في التوحيد عن أبي البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام الله معناه المعبود الذي إله الخلق عن درك ماهيته و الإحاطة بكيفيته و تقول العرب إله الرجل إذا تحير في الشي‏ء فلم يحط به علما و وله إذا فزع إلى شي‏ء مما يحذره و يخافه.

و قال الباقر عليه السلام: الأحد الفرد المنفرد، و الأحد و الواحد بمعنى واحد و هو المتفرد الذي لا نظير له، و التوحيد الإقرار بالوحدة، و الواحد المبائن الذي لا ينبعث من شي‏ء و لا يتحد بشي‏ء، و من ثم قالوا إن بناء العدد من الواحد و ليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين، فمعنى قوله (الله أحد) أي المعبود الذي يا له الخلق عن إدراكه و الإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته متعال عن صفات خلقه.

قال الباقر عليه السلام: و حدثني أبي زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي عليهما السلام أنه قال: الصمد الذي لا جوف له، و الصمد الذي قد انتهى سؤدده، و الصمد الذي لا يأكل و لا يشرب، و الصمد الذي لا ينام، و الصمد الدائم الذي لم يزل و لا يزال قال الباقر عليه السلام كان محمد بن الحنفية يقول: الصمد القائم بنفسه المغني عن غيره، و قال غيره الصمد المتعالي عن الكون و الفساد و الصمد الذي لا يوصف بالتغاير [بالنظائر] و قال الباقر عليه السلام الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه أمر قال و سئل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 371

علي بن الحسين عليهما السلام عن الصمد فقال الصمد الذي لا شريك له و لا يؤده حفظ شي‏ء و لا يعزب عنه شي‏ء.

قال وهب بن وهب القرشي قال زيد بن علي عليه السلام الصمد الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون و الصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا و أشكالا و أزواجا و تفرد بالوحدة بلا ضد و لا شكل و لا مثل و لا ند، قال وهب: و حدثني الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليه السلام يسألونه عن الصمد فكتب إليهم بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار و إن الله سبحانه قد فسر الصمد فقال لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، لم يلد لم يخرج منه شي‏ء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين و لا شي‏ء لطيف كالنفس و لا ينبعث منه البدوات كالسنة و النوم و الحظرة و الهم و الحزن و البهجة، و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء، و الرغبة و السأمة، و الجوع و الشبع، تعالى عن أن يخرج منه شي‏ء و أن يتولد منه شي‏ء كثيف أو لطيف و لم يولد لم يتولد من شي‏ء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشي‏ء من الشي‏ء، و الدابة من الدابة و النبات من الأرض و الماء من الينابيع و الثمار من الأشجار، و لا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين، و السمع من الأذن، و الشم من الأنف، و الذوق من الفم، و الكلام من اللسان، و المعرفة و التميز من القلب، و كالنار من الحجر، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شي‏ء و لا في شي‏ء و لا على شي‏ء مبدع الأشياء و خالقها و منشئ الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته و يبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم اللَّهُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ‏

وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ

 (1) إلى آخر الخبر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 372

و قال في مجمع البيان: أي لم يكن أحد كفوا له أي عديلا و نظير أ يماثله، و في هذا رد على من أثبت له مثلا في القدم و غيره من الصفات، و قيل: إنه سبحانه بين التوحيد بقوله اللَّهُ أَحَدٌ، و بين العدل بقوله اللَّهُ الصَّمَدُ، و بين ما يستحيل عليه من الوالد و الولد بقوله لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ، و بين ما لا يجوز عليه من الصفات بقوله وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، و فيه دلالة على أنه ليس بجسم و لا جوهر و لا عرض و لا هو في مكان و لا جهة.

و قال الشيخ البهائي (ره): أول هذه السورة دل على الأحدية و آخرها دل على الواحدية

" بِرَبِّ الْفَلَقِ"

 (1) قيل الفلق ما يفلق عنه أي يفرق عنه كالفرق فعل بمعنى مفعول و هو يعم جميع الممكنات فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد عنها سيما ما يخرج من أصل كالعيون و الأمصار و البنات و الأولاد و يخص عرفا بالصبح و لذلك فسر به و تخصيصه لما فيه من تغير الحال و تبدل وحشة الليل بسرور النور و محاكاة يوم القيامة و الإشعار بأن من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم قدر أن يزيل عن العاند ما يخافه، و لفظ الرب هيهنا أوقع من سائر أسمائه لأن الإعاذة من المضار تربية

" مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ"

 (2) قيل خص عالم الخلق بالاستعاذة عنه لانحصار الشر فيه فإن عالم الأمر خير كله و شره اختياري لازم و متعد كالكفر و الظلم و طبيعي كإحراق النار و إهلاك السموم" وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ" أي ليل عظيم ظلامه من قوله إلى غسق الليل" إِذا وَقَبَ" أي دخل ظلامه في كل شي‏ء و تخصيصه لأن المضار فيه تكثر و يعسر الدفع و لذلك قيل الليل أخفى للويل، و قيل: المراد به القمر فإنه يكسف و يغسق و وقوبه دخوله في الكسوف" و النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ" أي النفوس أو النساء السواحر اللواتي يعقدن في الخيوط عقد أو ينفثن عليها و النفث بالفتح النفخ مع ريق.

و قال الشيخ البهائي (ره): اعلم إنا معاشر الإمامية على أن السحر لم يؤثر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 373

في النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم في هذه السورة بالاستعاذة من سحرهن لا يدل على تأثير السحر فيه صلى الله عليه و آله و سلم كالدعاء في قوله (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) و أما ما نقله من لغوتا من أن السحر أثر فيه صلى الله عليه و آله و سلم كما رواه البخاري و مسلم من أنه صلى الله عليه و آله و سلم سحر حتى إنه كان يخيل إليه أنه فعل الشي‏ء و لم يكن فعله فهو من جملة الأكاذيب و لو صح ما نقلوه لصدق قول الكفار (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً) و أما الاعتذار بأنهم أرادوا أن السحر أثر فيه جنونا فهو اعتذار واه إذ الأثر الذي نقلوه لا يقصر عنه" وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ" أي إذا أظهر حسده و عمل بمقتضاه فإنه لا يعود ضرره منه قبل ذلك إلى الحسود بل يخص به لاغتمامه بسروره و تخصيصه لأنه العمدة في إضرار الإنسان بل الحيوان و غيره.

" بِرَبِّ النَّاسِ"

 (1) قال البيضاوي: لما كان الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضار البدنية و هي نعم الإنسان و غيره و الاستعاذة في هذه السورة من الإضرار التي تعرض النفوس البشرية و تخصها عم الإضافة ثم و خصصها بالناس هيهنا، و كأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك أمورهم و يستحق عبادتهم (مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ) عطف بيان له فإن الرب قد لا يكون ملكا و الملك قد لا يكون إلها، و في هذا النظم دلالة على أنه حقيق بالإعاذة قادر عليها غير ممنوع عنها و إشعار على مراتب الناظر في المعارف فإنه يعلم أولا بما يرى عليه من النعم الظاهرة و الباطنة أن له ربا، ثم يتغلغل في النظر حتى يتحقق أنه غني عن الكل فكان كل شي‏ء له و مصارف أمره منه فهو الملك الحق، ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة لا غير و تدرج في وجوه الاستعاذة تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات إشعارا بعظم الآفة المستعاذ منها و تكرير الناس لما في الإظهار من مزيد البيان و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 374

الإشعار بشرف الإنسان (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة و أما المصدر فبالكسر كالزلزال و المراد به الموسوس، سمي به مبالغة (الْخَنَّاسِ) أي الذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) إذا غفلوا عن ذكر ربهم و ذلك كالقوة الوهمية فإنها تساعد العقل في المقدمات فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست و أخذت توسوسه و تشككه (مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ) بيان للوسواس أو للذي أو متعلق بيوسوس أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة و الناس، و قيل: بيان للناس على أن المراد به ما يعم القبيلين و فيه تعسف إلا أن يراد به الناسي كقوله (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) فإن نسيان حق الله يعم الثقلين. و روى الطبرسي (ره): عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس، و إذا نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس، قال: و روى العياشي بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر ابن محمد عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما من مؤمن إلا و لقلبه في صدره أذنان أذن ينفث فيه الملك و أذن ينفث فيه الوسواس الخناس فيؤيد الله المؤمن بالملك و هو قوله سبحانه (وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) و رواه الكليني بسند صحيح عن أبان كما مر قوله و برب الناس الظاهر أن فيه اختصار أو المراد أنه بعيد قوله" و أجير نفسي- إلى قوله- برب" إلى آخر السورة كما فهمه الأصحاب و إن احتمل الاكتفاء بمرة في السورتين لتناسبهما و توافقهما في النظم و المعنى، و كذا في‏

قوله و بآية- الكرسي‏

 (1) أي يقول" و أجير نفسي- إلى قوله- بالله لا إله إلا هو" أو يقول- بالله الذي لا إله إلا هو- و ظاهر مفتاح الفلاح و مصباح المتهجد عدم إعادة أجير في المعوذتين و قراءة آية الكرسي بدون العطف و الباء و في المفتاح إلى هم فيها خالدون و الأشهر إلى العظيم لكن قال الشيخ في المتهجد في تعقيب صلاة الفجر ثم تقول أعيذ نفسي و أهلي و مالي و ولدي و ما رزقني ربي و كل من يعنيني أمره بالله الذي لا

                                                مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 375

إله إلا هو الحي القيوم إلى آخر الآية ثم تقرأ آية السخرة و ذكرت آيات كثيرة ثم قال ثم تقول- أعيذ نفسي و ديني و أهلي و مالي و ولدي و ما رزقني ربي و من يعنيني أمره بالله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، و المعوذتين- ثم ذكر سائر الأدعية و إذا قرأ بالله لا إله إلا هو ظاهره جر الجلالة، و قيل يحتمل رفعها على الحكاية قال: و يؤيده قوله و بآية الكرسي و إلا قال بالله لا إله إلا هو و في المفتاح و المصباح و غيرهما أعيذ نفسي و أهلي و مالي و ولدي و إخواني و ما رزقني ربي و جميع من يعنيني أمره و الكل حسن و قد سبق الكلام في السنة و النوم (وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) أي لا يثقله و لا يتعبه و الطاغوت الشيطان أو ما يعبد من دون الله و ما يصدر و يمنع عن عبادته و يطلق غالبا على أئمة الضلال (لَا انْفِصامَ لَها) أي لا انقطاع.

 (الحديث التاسع)

 (1): حسن كالصحيح لكنه مضمر و الظاهر أن الضمير في‏

قال‏

 (2) راجع إلى الصادق عليه السلام لأن أكثر رواية معاوية عنه عليه السلام و قد يروي عن الكاظم عليه السلام أيضا و قد مر في الخبر الثاني من هذا الباب بسند آخر عن الصادق عليه السلام في تعقيب خصوص المغرب فيكون بعدها أكد و قد ورد في أدعية الصباح و المساء أيضا.

 (الحديث العاشر)

 (3): مجهول و يمكن أن يعد حسنا إذ قال الشيخ في‏

سعدان‏

 (4) له أصل.

" فأمر يدك على جبهتك"

 (5) يظهر من كثير من الأخبار أن ذلك بعد مسح محل السجود و كذا ذكره أكثر الأصحاب روي في مكارم الأخلاق عن إبراهيم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 376

بن عبد الحميد أن الصادق عليه السلام قال لرجل إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك ثم أمر يدك على وجهك من جانب خدك الأيمن ثم قل (بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهم و الحزن) ثلاثا و روى ابن إدريس في السرائر عن الصادق عليه السلام إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك و أمر يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر و على جنبيك إلى جانب خدك الأيمن ثلاثا تقول في كل مرة (بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم اللهم إني أعوذ بك من اللهم و الحزن و السقم. و العدم و الصغار و الذل و الفواحش ما ظهر منها و ما بطن) و ذكره الشهيد (ره) في النفلية و لم يذكر مسح يده على موضع سجوده و زاد فيه و يمر يده على صدره في كل مرة.

و قال السيد ابن طاوس (رض) في فلاح السائل فإذا رفعت رأسك من السجود فقل ما ذكره كردين بن مسمع في كتابه المعروف بإسناده إلى النبي أنه عليه السلام كان إذا أراد الانصراف من الصلاة مسح جبهته بيده اليمنى ثم يقول (لك الحمد لا إله إلا أنت عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم أذهب عني الغم و الحزن و الفتن ما ظهر منها و ما يطن) و قال ما أحد من أمتي يقول ذلك إلا أعطاه الله ما سأل، و روى لنا في حديث آخر إذا أردت أن تقول هذه الكلمات فامسح بيدك اليمنى على موضع سجودك ثلاث مرات و امسح في كل مرة وجهك و أنت تقول في كل مرة هذه الكلمات المذكورة.

و قال الشيخ في المصباح و غيره في تعقيب العصر فإذا رفعت رأسك من السجود أمر يدك على موضع سجودك و امسح بها وجهك ثلاثا و قل في كل واحدة منها (اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني اللهم و الحزن و الفتن ما ظهر منها و ما بطن) و قالوا في تعقيب المغرب ثم ارفع رأسك و امسح موضع سجودك و قل بسم الله إلى آخر ما في المتن إذا عرفت هذا فخبر المتن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 377

إما محمول على مسح الجبهة بعد مسح موضع السجود حوالة على علم السائل أو يقال بالتخيير بين الوجهين لورود الأخبار بالطريقين كما عرفت و هو أظهر، و ما ذكره الشيخ و غيره في تعقيب المغرب يمكن حمله على الوجهين إذ موضع السجود يحتمل أن يكون مراده موضع السجود من الوجه أو من الأرض فلا تغفل، و قيل:

تقديم الغيب على الشهادة ليس للترقي بل إشارة إلى حدوث العالم، إذ كون جميع الموجودات غيبا مقدم على كون بعضها شهادة.

و أقول: يحتمل أن يكون إشارة إلى أنه لا فرق في علمه سبحانه بين الغيب و الشهادة فليست الشهادة عنده أقوى من الغيب كما هو عندنا، أو إلى أنه لما كان خارجا عن ظرف الزمان فكل الموجودات عنده سبحانه حاضرة أزلا و أبدا كل في وقته فكل المعلومات شهادة فلا غيب عنده و إنما الغيب و الشهادة بالنظر إلينا، لكن فهم هذا في غاية الإشكال و إنما يتيسر ذلك لمن خرج عن دعاء الماضي و المستقبل و الحال، و قد يفرق بين الهم و الحزن بأن الهم ما يقدر الإنسان على رفعه كالإفلاس أو ما ليس له سبب معلوم أو ما هو قبل نزول المكروه أو ما هو من أجل الدنيا، و الحزن ما لا يقدر الإنسان على دفعه كموت الولد، أو ما له سبب معلوم، أو ما هو بعد نزول المكروه، أو ما هو من أجل الآخرة.

" و العدم" بالضم و بالتحريك الفقر و الفواحش مطلق المعاصي أو أفراد الزنا و ما ظهر منها و ما بطن علانيتها و سرها أو أفعال الجوارح و أفعال القلوب، و قيل:

الزنا في الحوانيت و اتخاذ الأخدان و عن سيد الساجدين عليه السلام ما ظهر نكاح امرأة الأب و ما بطن الزنا، و عن الباقر عليه السلام ما ظهر هو الزنا و ما بطن المخالة، و يمكن ورود الخبرين على سبيل المثال.

و أقول: يحتمل أن يكون المراد بما ظهر ما علم تحريمهما و بما بطن ما لم يعلم، و كان الخبر الأول يومئ إليه، و في بعض الأخبار ما ظهر تحريمه من ظهر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 378

القرآن، و ما ظهر من بطنه و في بعضها أن ما بطن منها أئمة الضلال و أتباعهم، و قيل:

قوله عليه السلام ثلاث مرات‏

 (1) إما متعلق- بأمر- إلى آخر الكلام أو- بقل- إلى أخره أو- باللهم- إلى أخره، و أقول: كان الأول أظهر.

 (الحديث الحادي عشر)

 (2): كالسابق.

" كنت كثيرا ما أشتكي عيني"

 (3) كان الاشتكاء من الشكوى و هي المرض، قال الجوهري: شكوت فلانا أشكوه شكوا و شكاية و شكاة إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك و اشتكيته مثل شكوته و اشتكى عضوا من أعضائه و تشكى بمعنى، و قال في النهاية الشكاة المرض، و منه حديث عمرو بن حريث أنه دخل على الحسين في شكو له الشكو و الشكوى و الشكاة و الشكاية المرض انتهى، و قيل: أي أشتكي من عيني إلى الله، و لا يخفى ما فيه، و قيل: كثيرا منصوب على أنه ظرف زمان، و ما زائدة للإبهام أو للمبالغة في الكثرة كما قيل في قوله تعالى (فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ) أنه للمبالغة في القلة، و أشتكي خبر كنت و عيني مفعول أشتكي، و

البلاغ‏

 (4) الكفاية و هو إما عطف على قوله لدنياك فيكون صفة لدعاء أو عطف على دعاء، و

" عليك"

 (5) متعلق بالحق بتضمين معنى- الوجوب.

" صل على محمد"

 (6) في مجالس الشيخ و أكثر كتب الدعاء (أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تجعل النور) و هو أظهر و على ما هنا كأنه استئناف بياني أي حقهم عليك أن تصلي عليهم‏

" و اجعل النور في بصري"

 (7) قيل يمكن أن يكون جعل النور في البصر كناية عن الهداية إلى الصراط المستقيم حتى لا يزيغ عنه أبدا، و يجوز أن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 379

يراد به التوفيق في رؤية ما يجوز رؤيته و المنع عما لا يجوز فإن ذلك يصلح القلب و يشرح الصدر و يزيد في الفهم، و رؤية الحرام بضد ذلك، و يحتمل أن يراد به القوة البصرية الموجبة للرؤية و المقصود في الدعاء في طلب سلامة العين و حفظها عن زوال نورها انتهى و لا يخفى ما في الأولين من التكلف، و قيل: الواو في‏

قوله- و الشكر

 (1) بمعنى مع‏

" و أبدا"

 (2) ظرف لا جعل أو الشكر و ما حرفية مصدرية زمانية مثل ما دمت حيا فمعنى‏

" ما أبقيتني"

 (3) زمان إبقائك إياي و هو تأكيد أبدا.

و أقول: هذا الدعاء من الأدعية الجامعة و مع وجازته متضمن لحوائج الدنيا و الآخرة فإنه سأل نور البصر أولا و هو أشرف القوي البدنية و أنفعها في الدين و الدنيا، ثم سأل أن تكون بصيرته القلبية في دينه بأن يختار ما هو أنفع لآخرته و لا يختار الدنيا عليها، ثم سأل اليقين الذي هو أكمل مراتب الإيمان كما مر- إنه لم يقسم بين العباد شي‏ء أقل من اليقين و ما من شي‏ء أعز منه و إن حده أن لا تخاف مع الله شيئا- ثم سأل الإخلاص الذي هو أعظم شرائط قبول الأعمال و أهم مكملاتها ثم سأل السلامة في نفسه أي تكون نفسه سالمة عن الأمراض النفسانية من الشك و الشرك و الحسد و حب الدنيا و الفخر و العصبية و سائر الصفات الذميمة كما قال سبحانه (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) و قال (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)، ثم سأل السعة في الرزق و التي لا يتم الرفاهية في عيش الدنيا إلا بها، ثم سأل أن تكون تلك النعم مقرونة بالشكر لئلا تكون استدراجا كما مر إنه قال عمر بن يزيد قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني سألت الله عز و جل أن يرزقني ما لا فرزقني، و إني سألت الله أن يرزقني ولدا فرزقني، و سألته أن يرزقني دارا فرزقني و قد خفت أن يكون ذلك استدراجا فقال: أما و الله مع الحمد فلا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 380

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): كالسابق.

و في القاموس:

" الهلقام"

 (2) بالكسر هو الضخم الطويل و الأسد و الرجل،

و قوله" للدنيا"

 (3) صفة أخر للدعاء أو متعلق بجامعا

و أوجز

 (4) عطف على علمني أي يكون مختصرا و كأنه لسهولة الحفظ، و قيل: هو بصيغة أفعل التفضيل عطفا على جامعا و هو بعيد

" إلى أن تطلع الشمس"

 (5) أي تكرره في جميع ذلك الوقت أو هذا وقت القول و إن قاله مرة واحدة و الأول أظهر

" سبحان الله"

 (6) أي أسبح سبحان الله و قيل: أو هو بتقدير يا سبحان الله‏

" و بحمده"

 (7) بتقدير و بحمده أدعو و أسبح و الباء للملابسة و هو من قبيل عطف الجملة على الجملة، و يفيد أن نفي صفات الذم مجامع لإثبات صفات المدح.

و قال عياض من شراح العامة: هذا الكلام على اختصاره جملتان (إحداهما) سبحان الله لأن سبحان مصدر و المصدر يدل على فعله فكأنه قال أسبح سبحان الله التسبيح الكثير، (و الثانية) بحمده لأنه متعلق بنحمد و أن تقديره أثنى عليه بحمده فما علمت أي من أسباب الفرح و النجاة من تلك الورطة شيئا حتى أتاني ميراث من قبل رجل لم أكن أظن أني وارث له لبعده و هذا الرزق و حصوله من حيث لا يحتسب علامة أنه ببركة الدعاء حيث سبب الله الأسباب حتى صار وارثا مع بعد نسبه، و يمكن أن يكون الميراث مجاز أو أوصى ذلك البعيد له بمال، و قيل: المراد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 381

عدم تأثره و تألمه بفوته إذ حصول المال الذي يكون يسبب مصيبة شديدة و أحزان كثيرة لا تعد نعمة جديدة.

باب الدعاء للرزق‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف.

" ما رأيت أجلب للرزق منه"

 (3) أي أنفع في تحصيله و توسعته، و أصل الجلب السياق، يقال: جلبه يجلبه جلبا و اجتلبه ساقه من موضع إلى آخر فجلب و انجلب و جلب لأهله كسب و طلب و احتال كأجلب و على الفرس زجره كذا ذكره- الفيروزآبادي و كأنه استعمل هنا على الاستعارة، و قال الراغب: كل عطية لا تلزم من يعطي يقال له‏

فضل‏

 (4) نحو قوله (وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) و قوله (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) و قوله (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) و قال: أصل‏

الطيب‏

 (5) ما تستلذه الحواس و ما تستلذه النفس و الطعام الطيب في الشرع ما كان متناولا من حيث يجوز و بقدر ما يجوز و من المكان الذي يجوز فإنه متى كان كذلك كان طيبا عاجلا و آجلا لا يستوخم و إلا فإنه و إن كان طيبا عاجلا لم يطب أجلا و على ذلك قوله تعالى (كُلُوا مِنْ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 382

طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ)- (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً)- (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) و قال (كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً) و هذا هو المراد بقوله (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) و قوله (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) قيل عنى بها الذبائح، و قوله وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، إشارة إلى الغنيمة انتهى.

فالمراد هنا

بالواسع‏

 (1) الكثير الشامل للبر و الفاجر و الحلال ضد الحرام و هو شامل للحلال في ظاهر الشريعة و الحلال في نفس الأمر و هو قوت المصطفين كما سيأتي، و المراد بالطيب إما الحلال فيكون تأكيدا و ما تستلذه النفس فيكون تأسيسا و قيل: المراد به الطاهر، و قيل: الحلال الواقعي.

و أقول: يحتمل أن يراد به غير الحرام و الشبهة و إن لم يكن حلالا واقعيا و قد يقال: لا معنى للحلال الواقعي، فإن كلما جوز الشارع التصرف فيه فهو حلال و كذا الطاهر الواقعي لا معنى له، فكلما لم تثبت نجاسته شرعا فهو طاهر، و لا يخلو من قوة، و إن عارضه بعض الأخبار، نعم ارتكاب الشبهات مكروه لكن معنى الشبهة مشتبه يشكل الحقيقة، و يمكن أن يراد به ما لم يظهر للفقيه الحكم فيه، فهو على أصل الحل حلال و اجتنابه مطلوب، و بعض المحدثين يذهبون إلى حرمته بل حرمة كلما لم يرد فيه بخصوصه أو بنوعه أنه حلال كشرب التتن، و هذا القول ضعيف، و أصل الحل قوي، و ليس هنا مقام تحقيق هذا القول، و سيأتي الكلام فيه إن شاء الله في محله، و قد مر بعض القول فيه و يحتمل أن يكون المراد بالشبهة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 383

ما قوي فيه احتمال التحريم فيه واقعا و إن حكم بحله ظاهرا، كأموال بعض الظلمة الذين أكثر وجوه مداخلهم حرام و لم يعلم بخصوصه أنه حرام و قد ورد فيه لنا المهنأ و عليه الوزر.

و قوله" رزقا"

 (1) قيل مفعول به أو مفعول مطلق، و الرزق ما ينتفع به بالتغذي و غيره حلالا كان أم حراما و تقييده بالحلال مؤيد له، و من خص الرزق بالحلال يقول إنه صفة موضحة مؤكدة جمعا بينه و بين ما روي عن الباقر عليه السلام أنه قال إن الله يسم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما و من اتقى و صبر أتاه رزقه من حله و من هتك حجاب ستر الله عز و جل و أخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة

" بلاغا"

 (2) أي كافيا

" للدنيا و الآخرة"

 (3) أي لأمور دنياي و معيشتها و أتسبب به لتحصيل أجر الآخرة بالحج و صلة الأرحام و الصدقات و المبرات‏

" صبا صبا"

 (4) أي كثيرا كثيرا مصدر بمعنى الفاعل أو المفعول من قولهم صبه أراقه فصب و أنصب و التكرير للتأكيد أو للإشعار بتجدده يوما فيوما فإنه ألذ و أنفع‏

" هنيئا مريئا"

 (5) الهني‏ء السائغ الذي لا يقف في الحلق و المري أن لا يعقبه بعد الأكل تعبا و مرضا و المراد هنا حصوله بلا تعب و صرفه بلا مشقة و لا يتعقبه ضرر جسماني و لا روحاني في الدنيا و لا في الآخرة. قال الفيروزآبادي: الهني‏ء و المهنأ ما أتاك بلا مشقة و قد هنئ و هنؤ هناءة و هنأني و لي الطعام يهنأ و يهنئ و يهنؤ هِنئا و هنئا و هنأتنيه العافية و هو هني‏ء سائغ و قال مرأى الطعام مثلثة الراء مراءة فهو مري‏ء هني‏ء حميد المغبة بين المرأة لتمره و هنأني و مرأني فإن أفرد فأمرأني و كلاء مري‏ء غير وخيم. و في النهاية يقال:

هنأني الطعام يهنئني و يهنؤني و هنئت الطعام أي تهنأت به و كل أمر يأتيك من غير تعب فهو هني‏ء هذا هو الأصل بالهمز و قد يخفف، و قال يقال: مرأني الطعام و أمرأني إذا لم يثقل على المعدة و انحدر عنها طيبا. قال الفراء: يقال هنأني الطعام‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 384

و مرأني بغير ألف فإذا أفردوها عن هنأني قالوا أمراني، و منه حديث الشرب، فإنه أهنأ و أمرأ

" من غير كد"

 (1) أي تعب و مشقة في تحصيله، و هو وصف لرزقا كالسوابق أو حال عنه، و في القاموس الكد الشدة و الإلحاح في الطلب.

" و لا من من أحد من خلقك"

 (2) بأن لا يكون منهم و لا من إمدادهم و إعانتهم مطلقا أو مع منتهم على، و لو كان بناء على أن للرزق أسبابا فليكن بلا منة فإن عدمه خير من وجوده معها و الأول أنسب‏

بقوله إلا سعة من فضلك الواسع‏

 (3) و الاستثناء منقطع من- من من أحد-

" و الملأى"

 (4) بوزن فعلى مؤنث ملآن أي مزيد قدرتك المملوء من نعم الدنيا و الآخرة أسأل إشارة إلى قوله سبحانه (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ) قال الجوهري: دلو ملأى على وزن فعلى و كوز ملآن ماء، و قيل:

الملأ بالفتح الغناء و منه الملي‏ء و هو الغني، و فعله كمنع و كرم، و أما الملي‏ء بالكسر فهو اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، و يمكن إرادته هنا على سبيل التشبيه للإشعار بأن المطلوب ما يملأ ظرف الطمع و الرجاء انتهى، و لا يخفى ما فيه.

 (الحديث الثاني)

 (5): موثق كالصحيح.

" لقد استبطأت الرزق"

 (6) أي عددت رزقي بطيئا و تأخر عني، في القاموس بطؤ ككرم و أبطأ ضد أسرع و بطؤ عليه بالأمر تبطيئا و أبطأ به آخره انتهى، و لما كان هكذا الكلام مشعرا بسوء الظن بالله سبحانه و عدم الرضا بقضائه غضب عليه السلام ثم علمه دعاء لإسراع الرزق بل دواء لمرضه النفساني إذا تأمل و تدبر في معانيه" إنك تكفلت برزقي و رزق كل دابة" أي ضمنته حيث قلت (نحن نرزقكم) و قلت (و ما من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 385

دابة إلا على الله رزقها) و قلت (و في السماء رزقكم و ما توعدون) ثم قلت (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) و مثله كثير

" يا خير مدعو"

 (1) إلى آخره قيل تفضيله تعالى على الغير في هذه الأفعال بالنظر إلى عادة الناس و ضعف عقولهم حيث يثبتون أصل تلك الأفعال في الجملة لغيره أيضا فحثهم على الرجوع إليه بأنه أكمل فيها من غيره، و إلا فلا نسبة بين الخالق و المخلوق و لا بين فعله و فعلهم حتى يجري فيه معنى التفضيل، و الرجاء و الارتجاء ضد اليأس،

و قوله" افعل بي كذا و كذا"

 (2) فيه إشعار بأن هذا الدعاء لا يختص بتعجيل الرزق بل هو لكل حاجة و إن كان بالرزق أنسب.

 (الحديث الثالث)

 (3): حسن كالصحيح.

و تعدية

الإبطاء بعن‏

 (4) لتضمين معنى التخلف و الباء في بك للتعدية و تقديره يذهب الله به عنك لم يتخذ ولدا رد على اليهود و النصارى و المشركين فيما قالوا في عزيز و المسيح و الملائكة وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، قال البيضاوي: في الألوهية وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ أي ولي يواليه من أجل مذلة به ليدفعها عنه بموالاته تفي عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه و من غير جنسه اختيارا أو اضطرارا و ما يعاونه و يقويه و رتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه كامل الذات المتفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق و ما عداه ناقص مملوك نعمة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 386

أو منعم عليه، و

قوله" وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً"

 (1) في الآية عطف على قل و توجيهه هنا مشكل و يمكن توجيهه بوجوه.

الأول: ما قيل إنه هنا أيضا عطف على قل و ليس من الدعاء، و يكون المراد تعظيمه و ذكره، بل يدل على كبريائه إما بتكرير ما مر كما سيأتي في الباب الآتي أو بتلاوة سائر الدعوات المتضمنة لتعظيمه و كبريائه مما مر و غيره.

الثاني: أن يكون خطابا عاما مشعرا باستحقاقه لذلك من كل أحد فيكون جزء للدعاء.

الثالث: أن يكون صفة بتأويل مقول في حقه.

الرابع: ما يروي عن بعض الأفاضل أنه كان يقرأه على صيغة الماضي أي كبره.

كل شي‏ء تكبيرا، و لا يبعد أن يكون في الأصل أكبره على صيغة المتكلم فصحف ظنا منهم أنه موافق للآية،

" فما لبث أن عاد"

 (2) إن مصدرية و هو فاعل لبث، أو فاعله الضمير المستتر فيه العائد إلى الرجل و التقدير في أن عاد، كذا قيل.

 (الحديث الرابع)

 (3): كالسابق.

و قيل: في هذا الدعاء اهتمام عظيم حيث خص بالصلاة المكتوبة لأنها أحق بالإجابة و بحال السجود لقوله صلى الله عليه و آله و سلم أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد

و قوله" من فضلك"

 (4) أي من مجرد فضلك من غير ملاحظة استحقاق فإني لست بأهل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 387

له و إلا فالرزق كله من الله تعالى و أكد ذلك‏

بقوله" فإنك ذو الفضل العظيم"

 (1) أي لا لأني أستحق ذلك، و أقول: يحتمل على بعد أن يكون المراد بالمكتوبة تعقيب المكتوبة فالمراد سجدة الشكر.

 (الحديث الخامس)

 (2): ضعيف.

" قل في صلاة الليل و أنت ساجد"

 (3) اعلم أن في مصطلح الأخبار تطلق صلاة الليل غالبا على الثمان ركعات، و قد تطلق على الإحدى عشرة بإضافة الشفع و الوتر إليها، و على الثلاث عشرة بإضافة ركعتي الفجر، و كان الأول هنا أظهر و المراد إما قراءته في كل سجدة منها أو في إحداها لا على التعيين و الأخير أظهر، لكن لا ينافي التكرار و كان قراءته في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين أنسب فإنها محل استجابة الدعوات لدفع الأمراض و الكربات كما مر في باب شدة ابتلاء المؤمن، أن يونس بن عمار شكا إلى الصادق عليه السلام ما ظهر بوجهه فقال عليه السلام إذا كان الثلث الأخير من الليل في أوله فتوضأ و قم إلى صلاتك التي تصليها فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فقل و أنت ساجد يا علي يا عظيم إلى آخر الخبر، و سيأتي مثله في باب الدعاء للعلل و الأمراض، و قد ورد الدعاء على العدو أيضا في تلك السجدة

" و سبب لي رزقا من قبلك"

 (4) أي هيئ‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 388

لي أسباب رزقك من غير توسلي إلى المخلوقين أو من الرزق الحلال فإنه من قبل الله.

 (الحديث السادس)

 (1): مجهول، و في أكثر النسخ محمد بن أحمد بن أبي داود، و في بعضها

أحمد بن محمد

 (2) و كلاهما مجهولان.

" توضأ"

 (3) بالهمز و في بعض النسخ توض بالقلب و الحذف على خلاف القياس أو هو لغة أيضا

" و أسبغ وضوءك"

 (4) الإسباغ الإكمال باشتماله على الواجبات و المستحبات، و في القاموس الوضاءة الحسن و النظافة و توضأت للصلاة و توضيت لغية أو لثغة و الوضوء الفعل و بالفتح ماؤه و مصدر أيضا أو لغتان قد يعني بهما المصدر و قد يعني بهما الماء

" و تمم الركوع و السجود"

 (5) و في بعض تتم بدون الواو فيكون حالا عن المستتر في صل، و المراد اشتمالهما على الواجبات أو المندوبات أيضا و هو أظهر.

ثم قل أي بعد الفراغ من الصلاة

" يا ماجد

 (6) هو الواسع الكرم الذي وسع غناؤه مفاقر عباده و وسع رزقه جميع خلقه" يقال: رجل ماجد إذا كان كريما سخيا واسع العطاء، و قيل: هو الكريم العزيز، و قيل: هو المفضال الكثير الخير، و قيل:

هو شريف ذاته و حسن فعاله، و الكل متقارب‏

" يا واحد"

 (7) هو الواحد بالوحدة الحقيقة المنافية للشركة في الذات و الصفات و التكثر و التعدد و التركيب الخارجي و الذهني، و قد يقرأ بالجيم هو الغني الذي لا يفتقر و قد وجد يجد جده أي استغنى غنى لا فقر بعده و هو هنا مخالف للمضبوط في النسخ‏

" يا كريم"

 (8) هو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 389

الكريم المطلق الجامع لأنواع الخير و الشرف و الفضائل و الجود و العطاء الذي لا ينفد، و قد مر تفسير تلك الأسماء مرارا لكنه المسك كلما كررته يتوضع‏

" نبي الرحمة"

 (1) عطف بيان‏

لقوله" نبيك"

 (2) أي النبي الذي كان رحمة خالصة و بعث لمحض الرحمة، و لم يطلب عذابا للأمة كسائر الأنبياء عليه و آله و عليهم السلام‏

" يا محمد- إلى قوله- كل شي‏ء"

 (3) جملة معترضة بين أجزاء الدعاء استمدادا للقبول و طلبا للشفاعة و قوله أن تصلي من تتمة أجزاء الدعاء و مجرور محلا بدل اشتماله لمحمد، و يمكن أن يكون بتقدير في أن تصلي فالظرف متعلق بأتوجه.

و الحاصل أنه توجه إلى الله تعالى أولا و جعله وسيلة بينه و بينه و شفيعا في إنجاز طلبته و نيل سؤله و قضاء حاجته ثم صرف الخطاب إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم و استشفعه ليقبل استشفاعه و يصير شفيعا له، ففيه من آداب حسن الدعاء ما لا يخفى، لأن من جعل أحدا من المقربين شفيعا إلى ملك لا بد له من الرجوع إليه و طلب قبول الشفاعة منه، ثم بعد الرجوع إلى خطاب الرب سبحانه و الشروع في عرض المطلب الابتداء بطلب الصلاة على من جعله شفيعا مع غنائه مشتمل على أنواع الأدب و حسن الطلب من جهات شتى أومأنا إلى بعضها في باب الصلاة عليهم صلى الله عليهم و وفينا حقها في الفرائد الطريفة في شرح الصحيفة الشريفة بحسب ما تصل إليه عقولنا السخيفة، و في أكثر النسخ‏

أن تصلي‏

 (4) بصيغة الخطاب كما ذكرنا و في بعضها أن يصلي بصيغة الغيبة فهو حينئذ متعلق بقوله إني أتوجه بك‏

ففي قوله على محمد و أهل بيته‏

 (5) عدول عن الخطاب إلى الغيبة لنكت كثيرة، منها التبرك أو الاستلذاذ أو الاهتمام بذكرهم صلوات الله عليهم‏

" و أسألك"

 (6) عطف على قوله" أتوجه إليك" و التوسل بهم معتبر هنا أيضا و

النفحة

 (7) هنا استعيرت لتوجه الرحمة و سطوع آثارها

" و الكريمة"

 (8) مبالغة في شرفها و عظمتها و خلوصها عن النقص و حسن عاقبتها و عدم اشتمالها على الاستدراج، في القاموس: نفح الطيب كمنع فاح و الريح‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 390

هبت و في النهاية نفح الريح هبوبها و نفح الطيب إذا فاح، و منه الحديث أن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها، و في حديث آخر تعرضوا لنفحات رحمة الله‏

" و فتحا يسيرا"

 (1) أي لأبواب الرزق و غيرها

" و رزقا واسعا"

 (2) أي يغنيني عن الخلق و يقوم بحوائجي كلها كما وصفه للكشف‏

" ألم به شعثي"

 (3) اللم الجمع، و الشعث بالتحريك انتشار الأمر، و إسناد اللم إلى الشعث من قبيل المجاز في الإسناد، أو إطلاق المصدر على المتشعث للمبالغة، و قد يقرأ بكسر العين ليكون صفة مشبهة و هو خلاف المضبوط في النسخ، قال في النهاية: اللم الجمع يقال: لممت الشي‏ء ألمه لما إذا جمعته و الشعث انتشار الأمر و منه قولهم لم الله شعثه، و منه حديث الدعاء أسألك رحمة تلم بها شعثي أي تجمع بها ما تفرق من أمري.

 (الحديث السابع)

 (4): صحيح لصحته عن ابن أبي عمير.

" يا رازق المقلين"

 (5) في الصحاح: أقل افتقر، و في القاموس: رجل مقل و أقل فقير، و فيه بقية

يا راحم المساكين‏

 (6) و رحمته و إن كانت عامة لكن تعلقها بالمساكين أكثر و أظهر

" يا ولي المؤمنين"

 (7) الولي: الناصر، و المحب، و المتولي لأمور غيره، و هو سبحانه و إن كان متوليا لأمور الخلائق كلهم، إلا أن توليته لأمور المؤمنين أكمل، أو التخصيص لأنهم يؤمنون بأنه أولى بهم من أنفسهم، و أنه المتولي لأمورهم كما قال: (إنما وليكم الله و رسوله) الآية، و قال: (و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) و قد خصص الله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 391

الولاية بالمؤمنين في آيات كثيرة كما قال سبحانه (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) و قال (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) و قال (وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) و قال (ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى‏ لَهُمْ) و مثله في الآيات كثيرة.

" و يا ذا القوة المتين"

 (1) إشارة إلى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) قال البيضاوي: أي الذي يرزق كلما يفتقر إلى الرزق، و فيه إيماء باستغنائه عنه و قرأ- إني أنا الرزاق ذو القوة المتين- أي شديد القوة، و قرئ المتين بالجر صفة للقوة، و قال في النهاية: في أسماء الله تعالى المتين هو الشديد القوي الذي لا يلحقه في أفعاله مشقة و لا كلفة و لا تعب، و المتانة الشدة فهو من حيث إنه بالغ القدرة تأمها قوي، و من حيث إنه شديد القوة متين انتهى، ثم إنه على المشهور منصوب هنا صفة للمضاف لا المضاف إليه، و على القراءة الشاذة مجرور صفة للمضاف إليه و هو بعيد، و في بعض النسخ زيد هنا العاطف و يا ذا القوة فقيل إنما عطف هنا لتحقق شرط صحته و هو تحقق المناسبة و المغايرة بين المعطوف و المعطوف عليه للاتحاد في المضاف و الاختلاف في المضاف إليه فيهما بخلاف السوابق لاتحادهما فيهما.

 (الحديث الثامن)

 (2): صحيح.

قوله عليه السلام" سألت قوت النبيين"

 (3) اعلم أن المشهور بين الفقهاء أن الحلال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 392

و الطيب مترادفان، أو الحلال ما أحله الشارع و لم يرد فيه نهي، و الطيب ما تستطيبه النفس و تستلذه، و قيل: الطيب يقال لمعان (الأول) المستلذ (الثاني) ما حلله الشارع (الثالث) ما كان طاهرا (الرابع) ما خلا عن الأذى في النفس و البدن، و هو حقيقة في الأول لتبادره إلى الذهن عند الإطلاق، و الخبيث يقابل الطيب بمعانيه.

و قال البيضاوي في قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً) نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة و الملابس، و قال:

طيبا تستطيبه الشرع أو الشهوة المستقيمة إذ الحلال دل على الأول.

و قال النيسابوري فيها:

حلالا

 (1) مفعول كلوا أو حال مما في الأرض، و هو المباح الذي انحلت عقدة الخطر عنه من الحل الذي يقابل العقد، ثم الحرام قد يكون حراما في جنسه كالميتة و الدم، و قد يكون حراما لعرض كملك الغير إذا لم يأذن في أكله فالحلال هو الخالي عن القيدين، و الطيب إن أريد به ما يقرب من الحلال لأن الحرام يوصف بالخبث (قل لا يستوي الخبيث و الطيب) فالوصف لتأكيد المدح مثل نفحة واحدة أي الطاهر من كل شبهة، و يمكن أن يراد بالطيب اللذيذ أو يراد بالحلال ما يكون بجنسه حلالا و بالطيب ما لا يتعلق به حق الغير انتهى. و يظهر من هذا الخبر أن الحلال أخص من الطيب، و الطيب ما هو طيب في ظاهر الشريعة سواء كان طيبا في الواقع أم لا، و الحلال ما هو حلال و طيب في الواقع لم تعرضه الخباثة و النجاسة قطعا، و لم تتناوله أيدي المتغلبة أصلا في وقت من الأوقات.

و كونه قوت النبيين و المصطفين، إما لأنه لا يتيسر العلم بذلك إلا لهم بالوحي و الإلهام، و إما لندرة وجوهه و لا يمكن لأكثر الناس الصبر عليه و القناعة به‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 393

إلا لهم لأنه نادر جدا و طريقه ضيق و الطالب له طالب لضيق معيشته، فما وقع في بعض الأدعية من طلبه، فالمراد به ما هو بمعنى الطيب و كأنه عليه السلام علم أن مراد الداعي بالحلال المعنى الأخص، فلذا نهاه عن ذلك، أو علمه كيف ينبغي أن يقصد وقت الدعاء.

و يؤيد هذه الوجوه ما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يجعل فطوره في حيرة و يختم عليها لئلا يدخله غير الحلال.

لكن يرد عليه أن الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم كانوا يجيبون دعوة من دعاهم إلى طعامهم و يأكلون منه مع أنه كان مخلوطا غالبا.

و يمكن أن يجاب بوجوه: (الأول) أنه تعالى خلق جميع الدنيا لهم، و هم أولى بأنفس الناس و أموالهم منهم، فلذا يحل لهم دون غيرهم.

 (الثاني) أن الله تعالى يصرف الشبهة و لا يأكلون إلا الحلال الصرف، و إن كان في بيوت غيرهم، كما روي أن المشركين أحضروا إطعاما حراما عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم فلما رفع اللقمة و أراد أن يأكله صرف الله يده عن فمه إلى جهة أخرى و لم يقدر على أكله و أحضروا الحلال فقدر على أكله كما روي في تفسير الإمام عليه السلام.

 (الثالث) أن يخص ذلك بما حصلوه بسعيهم و أكلوه في بيوتهم و غير ذلك نادر.

 (الرابع) إن يقال: ما يأكلونه في بيوت غيرهم إما أن يكون من أموال الكفار و هو عليهم حلال، أو من أموال المؤمنين و لا ريب أنهم راضون بذلك بطيب أنفسهم.

ثم اعلم أنه اختلف الأصحاب في أنه هل بين الحلال و الحرام منزلة أم لا، و على تقديرها هل هي موصوفة بالحرمة أو الكراهة، ثم إنها ما هي فذهب جماعة إلى أنه لا منزلة بينهما فكلما دل الدليل على حرمته فهو حرام، و كلما لم يدل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 394

دليل على تحريمه فهو حلال إلا أن يرد نهي تنزيه عنه، و الحلال و الحرام ليسا إلا بظاهر الشريعة كالطهارة و النجاسة فإنهما تابعتان لظاهر الشرع، فما لم يعلم نجاسته فهو طاهر و إن كان نجسا عند من علم نجاسته و لا معنى للنجاسة الواقعية و لذا كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم كانوا يعاشرون مع المنافقين و يناكحونهم و لا يعلمون بما علموا بغير ظاهر الشريعة منهم، و التنزه عن الأشياء بمحض احتمال الحرمة و النجاسة غير مستحسن شرعا، و إلا لكان النبي و الأئمة عليهم السلام أولى بالعمل بذلك من غيرهم.

و ذهب جماعة إلى أن بينهما منزلة و هي الشبهات كما ورد في الأخبار- حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لا يعلم- لكن اختلفوا فذهب الأكثر إلى استحباب ترك الشبهات، و بعضهم إلى وجوبه، و الأول أظهر لأنه لو كان واجبا لكان داخلا في الحرام البين فالمراد بقوله هلك من حيث لا يعلم ارتكب ما هو حرام واقعا لكنه لما لم يعلم لم يكن إثما فالهلاك بمعنى ترك ما هو أولى و أخرى لكن ظاهر الخبر كما مر أن المراد به الاشتباه في الحكم من حيث تعارض الأدلة لا فيما حلال بظاهر الشريعة و فيه احتمال الحرمة الواقعية و لذا ذهب جماعة من المحدثين إلى حرمة الحكم بالحل و التحريم و وجوب الاجتناب عما لم يرد فيه أو في نوعه حكم بالحل كشرب التتن و القهوة و أمثالهما، و مع اشتمال كلامهم على التناقض، وجوه الرد عليهم كثيرة ليس هذا مقام ذكرها، و منهم من قال الواسطة بين الحلال و الحرام الشبهات التي فيه احتمال الحرمة، و إن كان بظاهر الشريعة حلالا، و اجتنابها مستحب و تتأكد الاستحباب بقوة احتمال الحرمة.

قال الغزالي: اعلم أن الحرام كله خبيث و لكن بعضه أخبث من بعض، و الحلال كله طيب و لكن بعضه أطيب من بعض، فكما أن الطبيب يحكم على كل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 395

حلو بالحرارة و لكن يقول بعضها حار في الدرجة الأولى كالسكر، و بعضها في الثانية كالفانيذ، و بعضها في الثالثة كالدبس، و بعضها في الرابعة كالعسل، فكذلك الحرام، بعضه خبيث في الدرجة الأولى، و بعضه في الثانية أو الثالثة أو الرابعة و كذلك الحلال تتفاوت درجات صفاته و طيبه، و لنقتد بأهل الطب في الاصطلاح على أربع درجات تقريبا، و إن كان التحقيق لا يوجب هذا الحصر و يتطرق إلى كل من الدرجات تفاوت لا ينحصر، فكم سرك أقل حرارة من سكر و كذا غيره.

و كذلك نقول الورع عن الحرام على أربع درجات، (الأولى) ورع العدول و هو الذي يجب الفسق باقتمامه و تسقط العدالة به و يثبت اسم العصيان و التعرض للنار بسببه و هو الورع عن كل ما تحرمه فتاوى الفقهاء.

 (الثانية) ورع الصالحين، و هو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم و لكن المفتي يرخص في التناول بناء على الظاهر، فهو من مواقع الشبهة على الجملة فسمي التحرج عن ذلك ورع الصالحين، و هو في الدرجة الثانية.

 (الثالثة) ما لا تحرمه الفتوى و لا شبهة في حمله، و لكن يخاف منه أداؤه إلى محرم، و هو ترك ما لا بأس به مخافة ما به بأس، و هذا ورع المتقين.

 (الرابعة) ما لا بأس به أصلا و لا يخاف منه أن يؤدى إلى ما به بأس و لكنه يتناول بغير الله و غير نية التقوى به على عبادة الله، أو يتطرق إلى أسبابه المسهلة له كراهية أو معصية، و الامتناع منه ورع الصديقين، فهذه درجات الحلال جملة. و إما الحرام الذي ذكرناه في الدرجة الأولى و هو الذي يدخل المتورع عنه في العدالة، فهو أيضا على درجات في الخبث، فالمأخوذ بعقد فاسد حرام، و لكن ليس في درجة المغصوب على سبيل القهر، و في الأول الربا أغلظ عن غيرها، و في الثاني المأخوذ من فقير أو صالح أو من يتيم، أخبث و أغلظ من المأخوذ من قوي أو غني أو فاسق، و لو لا اختلاف درجات العصاة لما اختلف درجات النار، ثم شرع في الخوض‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 396

في مراتب الشبهات و مشاراتها و تميزها عن الحلال و الحرام ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:

الحلال بين و الحرام بين و بينهما أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه و دينه، و من وقع في الشبهات واقع الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فهذا الحديث نص في إثبات الأقسام الثلاثة و المشكل منها القسم المتوسط الذي لا يعرفه كثير من الناس، و هو الشبهة فلا بد من بيانها و كشف الغطاء عنها، فإن ما لا يعرفه الكثير قد يعرفه القليل. فنقول:

الحلال المطلق هو الذي انحل عن ذاته الصفات الموجبة للتحريم في عينه، و انحل عن أسبابه ما يتطرق إليه تحريم أو كراهية، و مثاله الماء الذي يأخذه الإنسان من المطر قبل أن يقع على ملك و يكون هو واقفا عند أخذه و جمعه من الهواء في ملك نفسه أو في أرض مباحة، و الحرام المحض ما فيه صفة محرمة لا يشك فيها كالسكر في الخمر و النجاسة في البول، أو حصل بسبب منهي عنه قطعا كالمحصل بالظلم و الغصب و الربا و نظائرها، فهذا طرفان ظاهران و يلحق بالطرفين ما تحقق أمره و لكن احتمل تغييره و لم يكن لذلك الاحتمال سبب يدل عليه فإن صيد البر و البحر حلال و من أخذ ظبية فيحتمل أن يكون قد ملكها ثم أفلت منه و كذلك السمكة يتصور أن يكون قد تزلق من الصياد بعد وقوعها في يده و شبكته، فمثل هذا الاحتمال لا يتطرق إلى ماء المطر المختطف من الهواء و لكنه في معنى ماء المطر و الاحتراز عنه وسواس فلنسم هذا الفن ورع الموسوسين حتى نلحق به أمثاله، و ذلك لأن هذا وهم مجرد لا دلالة عليه، نعم لو دل عليه دليل فإن كان قاطعا كما لو وجد حلقة في أذن السمكة أو كان محتملا كما لو وجد على الظبية جراحة يحتمل أن يكون كيا لا يقدر عليه إلا بعد الضبط، و يحتمل أن يكون جرحا فهذا موضع الورع، و إذا انتفت الدلالة من كل وجه فالاحتمال المعدوم دلالته كالاحتمال المعدوم في نفسه، و من هذا الجنس من يستعير فيغيب عنه المعير فيخرج‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 397

منه و يقول لعله مات و صار الحق للوارث فهذا وسواس إذا لم يدل على موته سبب قاطع أو مشكك، إذا الشبهة المحذورة ما ينشأ من الشك، و الشك عبارة عن اعتقادين متقابلين نشأ من سببين، فما لا سبب له لا يثبت عقده في النفس حتى يساوي العقد المقابل له فيصير شكا.

ثم أطال الكلام في مشارات الشبهة فجعلها على خمسة أقسام (الأول) الشك في السبب المحلل و المحرم و قسمها إلى أربعة أقسام.

الأول: أن لا يكون الحل معلوما من قبل ثم يقع الشك في المحلل فأوجب اجتنابها.

الثاني: أن يعرف الحل و يشك في المحرم فحكم بالحل.

الثالث: أن يكون الأصل التحريم و لكن طرأ ما يوجب تحليله بظن غالب فقال إن استند غلبة الظن إلى سبب معتبر شرعا فالمختار حله و اجتنابه من الوروع كان يرمي صيدا فيغيب ثم يدركه ميتا و ليس عليه أثر سوى سهمه.

الرابع: أن يكون الحل معلوما و لكن يغلب على الظن طريان محرم بسبب معتبر في غلبة الظن شرعا، فيرفع الاستصحاب و يقضي بالتحريم، إذ بأن لنا أن الاستصحاب ضعيف و لا حكم له مع غالب الظن، ثم قال فقد اتضح من هذا حكم حلال شك في طريان محرم عليه أو ظن، و حكم حرام شك في طريان محلل عليه أو ظن، و بأن فرق بين ظن يستند إلى علامة في عين الشي‏ء و بين ما يستند إليه، و كلما حكمنا في هذه الأقسام بحله فهو حلال في الدرجة الأولى، و الاحتياط تركه فالمقدم عليه لا يكون في زمرة المتقين و الصالحين بل زمرة العدول إلا ما ألحقناه برتبة الوسواس فإن الاحتراز منه ليس من الورع أصلا.

 (المثار الثاني) شك منشأه اختلاط الحلال بالحرام و عدم التمييز و بسط القول في ذلك، ثم قال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 398

 (المثار الثالث) الشبهة التي تتعلق و تتصل بالسبب المحلل بمعصية إما في قراءته أو في لواحقه أو في سوابقه أو في عوضه، و كانت من المعاصي التي لا توجب فساد العقد و إبطال السبب المحلل، كالبيع في وقت النداء يوم الجمعة، و الذبح بالسكين المغصوب، و الاحتطاب بالفأس المغصوب، و البيع على بيع الغير، و كل نهي ورد في العقود و لم يدل على فساد العقد، كان الامتناع من جميع ذلك ورعا، و هذه الكراهة لها درجات، منها ما يقرب من الحرام و الورع منه مهم في الدين، و منها- ما ينتهي إلى نوع من المبالغة كاد ينتهي إلى ورع الموسوسين، و بينهما أوساط نازعة إلى الطرفين، و مثال اللواحق فهو كل تصرف يفضي في سياقه إلى معصية و أعلاه بيع العنب من الخمار، و بيع الغلمان من المعروف بالفجور بالغلمان، و بيع السيف من قاطع الطريق، و قد اختلف العلماء في صحة ذلك، و في حل الثمن المأخوذ منه.

 (المثار الرابع) الاختلاف في الأدلة إما لتعارض أدلة الشرع، أو لتعارض العلامات الدالة، أو لتعارض المشابه.

 (فالأول) كتعارض عمومين من الكتاب أو السنة، و الورع تركه، و اتقاء مواضع الخلاف مهم في الورع في حق المفتي و المقلد.

 (و أما الثاني) كان ينهب نوع من المتاع في وقت و يندر وقوع مثله من غير النهب و يرى مثلا في يد رجل من أهل الصلاح فيدل صلاحه على أنه حلال، و نوع المتاع على أنه حرام و كان تخير عدل بأنه حرام و آخر بأنه حلال أو تتعارض شهادة فاسقين، أو قول صبي و بالغ فإن ظهر ترجيح حكم به و الورع الاجتناب و إن لم يظهر ترجيح وجب التوقف.

 (و أما الثالث) كتعارض الأشياء في الصفات التي بها يناط الأحكام، و مثاله كان يوصي بمال للفقهاء، فيعلم أن الفاضل في الفقه داخل فيه، و أن الذي ابتدأ

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 399

التعلم منذ يوم أو شهر لا يدخل فيه، و بينهما درجات لا تحصى فيقع الشك فيها، و المفتي يفتي بحسب الظن، و الورع الاجتناب، و هذا أغمض مثارات الشبهة و كذلك الصدقات المصروفة إلى المحتاجين فإن حد الحاجة غير معلوم.

ثم قال بعد ذكر أمثلة كثيرة، فهذه اشتباهات تثور من علامات متعارضة تجذب إلى طرفين متقابلين، و كل ذلك من الشبهات يجب اجتنابها إذا لم يترجح جانب الحل بدلالة تغلب على الظن أو باستصحاب بموجب قوله صلى الله عليه و آله و سلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، ثم جر الكلام إلى تحقيق المختلط بالحرام، و فصل القول فيه بحسب اختلاف أحوال الملاك و الأموال ثم في أكل طعام الظلمة و السلاطين و قبول جوائزهم و الدخول عليهم و المشي على بساطهم.

ثم ذكر في كل قسم ما تقتضيه قواعدهم المقررة فحكم في بعضها بوجوب الاجتناب و في بعضها بالاستحباب و لا جدوى كثيرا في إيرادها، و ليس هنا مقام تحقيقها و ستأتي الكلام في جميع ذلك عند إيراد الأخبار المناسبة لها، لكن نذكر هنا قليلا من الأخبار المنافية لما عده من المحرمات و ما عده من ورع المتقين و الصديقين، لتعلم أن أكثرها من ورع الموسومين، لأنهم عليهم السلام كانوا أفضل الصديقين و لم يعملوا بها بل أمروا بخلافها.

كما روي في الصحيح عن الصادق عليه السلام في الثوب الذي أعير الذمي الذي يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير، قال صل فيه و لا تغسل من أجل ذلك فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه.

و في الصحيح عنه عليه السلام أنه لبس الثوب الذي عمله المجوسي الخبيث الشارب الخمر قبل الغسل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 400

و عن أمير المؤمنين عليه السلام قال ما أبالي أ بول أصابني أم ماء إذا لم أعلم.

و في الموثق عن الصادق عليه السلام أنه قال كل شي‏ء نظيف حتى تعلم أنه قذر و ما لم تعلم فليس عليك.

و لا يخفى أن النجس لا يحل شربه فإذا مأخذ النجاسة و الحل واحد. و التردد في أحدهما يوجب التردد في الآخر.

و قد روي في الصحيح عن الصادق عليه السلام أنه قال كل شي‏ء يكون فيه حلال و حرام فهو حلال لك أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه و في الموثق عنه عليه السلام مثله- ثم قال- مثل الثوب قد اشتريته و هو سرقة، و المملوك عندك و لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة.

و في الموثق عنه عليه السلام أنه سئل عن رجل أصاب ما لا من عمل بني أمية و هو يتصدق منه، و يصل قرابته، و يحج ليغفر له ما اكتسب، و هو يقول أن الحسنات يذهبن السيئات، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الخطيئة لا تكفر الخطيئة و لكن الحسنة تحط الخطيئة، فإن كان خلط الحلال بالحرام فاختلطا جميعا فلا يعرف الحلال من الحرام فلا بأس.

و في الصحيح عن أبي بصير قال سألت أحدهما عليهما السلام عن شراء الخيانة و السرقة قال لا إلا أن يكون قد اختلط معه غيره فأما السرقة بعينها فلا إلا أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 401

و في الحسن عن الحلبي عنه عليه السلام قال أتى رجل أبي فقال إني ورثت مالا و قد عرفت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي و قد اعترف أن فيه ربا، و استيقن ذلك و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، و قد سألت الفقهاء من أهل العراق و أهل الحجاز، فقالوا لا يحل أكله فقال أبو جعفر عليه السلام إن كنت تعلم أن فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك و رد ما سوى ذلك و إن مختلطا فكل هنيئا فإن المال مالك و اجتنب ما كان يصنع صاحبه فإن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قد وضع ما مضى من الربا و حرم عليهم ما بقي فمن جهله وسع له جهله حتى يعرف فإذا عرف تحريمه حرم عليه و وجبت فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من يأكل الربا و في رواية أخرى عن الحلبي مثله.

و كتب الصفار إلى أبي محمد عليه السلام رجل اشترى ضيعة أو خادما بمال أخذه من قطع الطريق أو سرقة هل يحل له ما يدخل عليه من ثمرة هذه الضيعة أو يحل له أن يطأ هذا الفرج الذي اشتراه من سرقة أو قطع الطريق، فوقع عليه السلام لا خير في شي‏ء أصله حرام و لا يحل استعماله.

و حمل على ما إذا اشتراه بعين المال الحرام، لرواية السكوني عن الصادق عن آبائه عليهما السلام قال لو أن رجلا سرق ألف درهم فاشترى بها جارية أو صدقها امرأة فإن الفرج له حلال و عليه تبعة المال.

و أقول: الأحوط الاجتناب في الشقين، لصحة الخبر الأول، و ضعف الثاني و قد وردت الأخبار بجواز استيفاء الدين أو الجزية من ثمن الخمر و الخنزير، قالوا أما للمقضي حلال و إما للبائع حرام، و للأصحاب فيه تفصيل، و عد بعضهم هذا و أمثاله مما يستحب الاجتناب منه، و قالوا إنه من الشبهات و قد وردت أخبار صحيحة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 402

بجواز شراء الفراء من سوق المسلمين و إن كان ممن يستحل الميتة بالدباغ و عدوا الاجتناب عن هذا النوع من المستحبات و له وجه و قد ورد في أخبار كثيرة النهي عن التفتيش و السؤال فإن الخوارج إنما ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم و الدين أوسع من ذلك.

لكن ورد في بعض الأخبار الاجتناب عن بعض هذه الأشياء، تنزها و استحبابا وعد من الورع، كالاجتناب عن سؤر الحائض، و قيل: كل متهم بعدم الاحتراز عن النجاسات، و روي عن سيد العابدين عليه السلام أنه كان يلقى فروة حال الصلاة و كان من فراء العراق فقيل له في ذلك، فقال إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة، و يزعمون أن دباغه ذكاته.

و قد ورد الاحتياط في بعض الأمور كما روي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن كسب الحجام فقال لك ناصح فقال نعم فقال اعلفه إياه و لا تأكله. و قد ورد فيمن له مال لا يفي بنفقة عياله أنه يأخذ الزكاة لعياله و لا يأكل هو منه، و أما أخذ أموال السلاطين و العمال فهو جائز بلا خلاف، و إن علمنا أنهم يظلمون بها الناس و يأخذون الزيادة على المقدار المستحق، سواء أخذوها باسم المقاسمة أو الخراج أو الزكاة أو غير ذلك، يرضى مالكه به أم لم يرض، و سواء كان إعطاؤهم على سبيل الجائزة و الصلة و نحوهما أو على وجه البيع و الشراء و سائر المعاوضات للنصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام بذلك.

و قال بعض المتأخرين: يمكن اختصاص الحكم بسلاطين المخالفين، لورود الحكم في زمانهم و لأنهم يأخذون من المخالفين النواصب و هم يعتقدون جواز الأخذ و الرعية يعتقدون وجوب الإعطاء، بخلاف سلاطين الشيعة فإنهم يأخذون من الشيعة و الفرق المحقة، و مع اعتقاد الجميع عدم استحقاق الأخذ و وجوب الإعطاء.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 403

و هو ضعيف لعموم أكثر الأخبار و دلالة بعضها على أن للشيعة حقا في بيت و أرض الخراج يجوز لهم أخذه من الظالم و هذا الفرق الذي ادعوه غير ظاهر، و إن كان مقتضى الورع الاجتناب عن أخذ ذلك إلا مع ضرورة شديدة، أو كونه ممن له مدخل تام في إقامة شرائع الدين و مصالح المسلمين كالأئمة و قضاه الحق و المؤذنين غير المبتدعين و الجامعين لأخبار أهل البيت عليهم السلام و الناشرين لها و الساعين في رفع البدع و ترويج الدين و طلبة العلوم الدينية لله تعالى و أمثالهم.

هذا كله إذا علم أنهم إنما يعطون من مال الخوارج، و أما إذا لم يعلم و يعطي الجائر شيئا لا يعلم من أين أخذه فلا بأس به، لما ورد في أخبار كثيرة أنه إذا اشتبه عليك الحلال و الحرام فأنت على حل حتى تعرف الحرام بعينه.

و قد روي في الصحيح عن ابن ولادة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له كسب إلا من أعمالهم، و أنا أمر به فأنزل عليه يضيفني و يحسن إلى و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك فقال لي:

كل و خذ منه فلك المهنأ و عليه الوزر.

و في الصحيح عن أبي المعزى قال سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و أنا عنده فقال أصلحك الله أمر بالعامل فيجزئني بالدراهم أخذها قال نعم.

و في الحسن كالصحيح عنه عليه السلام قال جوائز العمال ليس بها يأس.

و روي في خبر آخر أنه سرق من رجل مال و وعده عامل المدينة أن يعطيه عوضه فجوز الصادق عليه السلام أن يأخذ ذلك منه، و قد روي في أخبار كثيرة أن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 404

الحسنين عليهما السلام كانا يغمزان معاوية و يقعان فيه و يقبلان جوائزهما، و كذا سائر الأئمة عليهم السلام كانوا يأخذون جوائز الخلفاء و الأمراء و العمال في زمانهم، لكنه كان استنقاذا لبعض حقوقهم التي غصبوها منهم.

و قد روى الشيخ في كتاب الغيبة و غيره بسند حسن بل صحيح عن محمد بن عبد الله ابن جعفر أنه كتب إلى صاحب الزمان عن الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده لا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته و هو فيها أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه فإن لم أكل من طعامه عاداني عليه فهل يجوز لي أن أكل من طعامه، أو تصدق بصدقة و كم مقدار الصدقة، و أن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل فيدعوني إلى أن أكل منها و أنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شي‏ء إن أنا نلت منها، فوقع عليه السلام إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل من طعامه و اقبل بره و إلا فلا.

و بالجملة هذا باب وسيع و الاحتياط و الورع فيه مطلوب ما لم ينته إلى حد الوسواس و البدعة كما يفعله بعض المتصوفة و الكلام في هذا الباب طويل و ليس هذا موضع تحقيقه، و إنما أشرنا إلى بعض ما يناسب هذا المقام لتعرف الفرق بين الحلال و الطيب، و الله الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد و نسأله أن يوفقنا للاحتراز عما يضر بالمعاد.

 (الحديث التاسع)

 (1): صحيح.

مضمونه قريب من السابق و الحاصل أن‏

قوله" من رزقك"

 (2) يدل علي أن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 405

المراد به الرزق الذي جوز الله تعالى بظاهر الشرع التصرف فيه، أو الرزق الذي قدره الله تعالى للعبد بناء على أن المقدر هو الرزق الذي جوز الله تعالى التصرف فيه، و الحرام بظاهر الشريعة ليس من الرزق المقدر، فإذا تصرف في الحرام نقص من رزقه المقدر بقدر ذلك، كما دلت عليه الأخبار، و أما الرزق الذي ضمن الله سبحانه للعباد بقوله (وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها) و بقوله (وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) فالمشهور أنه أقل القوت الذي يمسك الرمق فتقييد الرزق المقدر بالحلال يدل على أنه ليس المراد بالحلال ما أحله الله بظاهر الشريعة فإن رزقك يغني عنه و لا الرزق المضمون فإنه لا يحتاج إلى السؤال فالمراد به الرزق الذي لم يشبه حرام لا ظاهرا و لا واقعا، و هو قوت الأنبياء و المصطفين كما عرفت تفصيله، و علة اختصاصه بهم، قال بعض المحققين: لما كان للحلال مراتب بعضها أعلى من بعض و أطيب جاز الأمر بطلبه تارة و النهي عنه أخرى و يختلف أيضا بحسب مراتب الناس في أهليتهم له و لطلبه، فلا تنافي بين الأخبار.

 (الحديث العاشر)

 (1): مجهول مرسل.

قوله عليه السلام" و امدد لي في عمري"

 (2) زيادة عمر المؤمن عطية يتدارك بها ما فات و يقدم بها على ما هو آت، و لا ينافي طلبها ما روي أن المؤمن يحب الموت و أن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، و من كره لقاء الله كره الله لقاءه لوجوه.

الأول: أنه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار لما سيأتي في كتاب الجنائز أنه قال للصادق عليه السلام بعض أصحابنا أصلحك الله من أحب لقاء الله أحب‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 406

الله لقاءه و من أبغض لقاءه، الله أبغض الله لقاءه، قال نعم قلت: فو الله إنا لنكره الموت قال: ليس ذلك حيث تذهب إنما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحب فليس شي‏ء أحب إليه من أن يتقدم و الله تعالى يحب لقاءه و هو يحب لقاء الله حينئذ و إذا رأى ما يكره فليس شي‏ء أبغض إليه من لقاء الله و الله يبغض لقاءه.

الثاني: أن حب اللقاء مشروط بما إذا أحب الله لقاءه و اختار الموت له فيجب أن يرضى بذلك و لا يكره ما اختاره الله له، و أما إذا اختار له الحياة و هو يتمنى الموت فهو مناف لوجوب الرضا بقضاء الله، كما روي في المنتهى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به، و ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.

الثالث: أن كراهة الموت إنما يكره إذا كان ذلك لحب شهوات الدنيا و اختيارها على الآخرة، لا إذا كان لحب تكثير العبادات و تحصيل السعادات الموجبة لرفع الدرجات و لذا قال عليه السلام كره لقاء الله أي لقاء ثوابه و حججه و لم يقل كره الموت، و يؤيده ما ذكره سيد الساجدين عليه السلام فإذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلى أو يستحكم غضبك على.

" و اجعلني ممن تنتصر به لدينك و لا تستبدل بي غيري"

 (1) و الانتصار الانتقام أو طلب النصرة، أي اجعلني ممن تنتقم به من الأعداء لإظهار دينك بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد مع القائم عليه السلام و لو بالرجعة عند ظهوره، و المراد بالاستبدال أن يذهب و العياذ بالله بنا لعدم الغناء بنا في الدين، و يأتي بغيرنا بدلا منا، و الفقرتان إشارتان إلى قوله تعالى (وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 407

يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) و إلى قوله تعالى (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً- إلى قوله- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) و مثلها كثير و قال الطبرسي (ره) في الآية الأولى و إن تتولوا أي تعرضوا عن طاعة الله و أمر رسوله يستبدل قوما غيركم أمثل و أطوع لله منكم ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونوا خيرا منكم و أطوع لله منكم و روى أبو هريرة أن ناسا من أصحاب رسول الله قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه و كان سلمان إلى جنب رسول الله فضرب صلى الله عليه و آله و سلم يده على فخذ سلمان فقال هذا و قومه، و الذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس. و روى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال إن تتولوا يا معشر العرب يستبدل قوما غيركم يعني الموالي، و عن أبي عبد الله عليه السلام قال قد و الله أبدل بهم خيرا منهم الموالي. و قال (ره) في الآية الثانية قيل: هم أبناء فارس، و قيل: أهل اليمن، و قيل: الذين أسلموا بعد نزول الآية، و يحتمل أن يكون المراد بالاستبدال في الدعاء تغيير الخلق في القيامة لكنه بعيد جدا.

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): مرسل، و ضمير

عنه‏

 (2) راجع إلى البرقي.

و قيل كرر الجلالة لأن من شأن المستصرخين تكرير اسم الصريخ للإشعار بشدة النازلة و قوة الحاجة إلى الإعانة و الإغاثة

" بحق من حقه عليك عظيم"

 (3) أي النبي و أهل بيته صلوات الله عليهم كما مر في الباب السابق" بحق محمد و آل محمد عليك" و يدل على أن لهم عليهم السلام حقوقا عظيمة على الله ببذل أبدانهم و نفوسهم و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 408

أعراضهم في طاعة الله و نصرة دينه، و لا ريب أن حقهم على الله و على الخلق أعظم الحقوق و إن كان بسبب جعله تعالى على نفسه، و يحتمل على بعد أن يكون" عليك" بمعنى- عندك- أي حقهم على الخلق عندك عظيم، و" من" في قوله- من معرفة- للبيان أو للتبعيض و حقه و وجوب طاعته فيما أمر به و نهى عنه، و

الحظر

 (1) هنا بمعنى المنع و الحبس و إن أتى بمعنى التحريم أيضا لكنه لا يناسب المقام، في القاموس حظر الشي‏ء و عليه منعه و المال حبسه في الحظيرة، و المحظور المحرم (وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) أي مقصورا على طائفة دون أخرى.

 (الحديث الثاني عشر)

 (2): ضعيف على المشهور، و لا يضر ضعف سهل عندي و قد مر في ثاني الباب باختلاف في صدر السند و كان موثقا.

 (الحديث الثالث عشر)

 (3): كالسابق و معطوف عليه.

" و حسن المعيشة"

 (4) بضم الحاء، و يمكن أن يقرأ بالتحريك و المعيشة الحسنة هي الكفاف و هو ما يكفي للحوائج الضرورية و لا يزيد عنها زيادة توجب الطغيان و الاقتحام على العصيان و بين ذلك‏

بقوله" معيشة أتقوى بها على جميع حوائجي"

 (5) فقوله معيشة بالنصب عطف بيان لحسن المعيشة، و يحتمل الجر عطف بيان للمعيشة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 409

و الجمع المضاف يفيد العموم، و ذكر الجميع للمبالغة و

" أتوصل بها في الحياة"

 (1) أي في حياة الدنيا

" إلى آخرتي"

 (2) فهو طلب لما زاد عن حوائج الدنيا ليصرفه في وجوه البر تحصيلا لثواب الآخرة.

ثم نفى الزيادة المطغية و أشار إلى الحالة المتوسطة المطلوبة

بقوله" من أن تترفني فيها"

 (3) بصيغة الخطاب على بناء الأفعال، و في القاموس ترف كفرح تنعم، و أترفته النعمة أطغته أو نعمته كترفته تتريفا، و فلان أصر على البغي و المترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء و لا يمنع و المتنعم لا يمنع من تنعمه و الجبار، و تترف تنعم، و قال‏

طغى‏

 (4) كرضى طغيا و طغيانا بالضم و الكسر جاوز القدر و ارتفع و غلا في الكفر و أسرف في المعاصي و الظلم و الإقتار و التقتير و التضييق في النفقة، و

الشقاء

 (5) بالقصر و قد يمد الشدة و العسر و فعله كرضى و الشقاوة ضد السعادة فالمعنى فأتعب و يشتد على و أصير شقيا مرتكبا للحرام أو لا أصبر فأقول أو أظن ما يصير سببا لشقاوتي و الأول أظهر.

و لما كانت المعيشة و هي ما يعاش به صادقة على الحرام أيضا احترز عنه‏

بقوله" أوسع علي من حلال رزقك"

 (6) تخصيصا لها بالفرد الحلال و المراد بالحلال هنا غير المعنى المتقدم و هو كل ما جوزته الشريعة قيل و لا دلالة فيه على أن الحرام من رزق الله لأن الظاهر أن الإضافة بيانية

" و أفض علي من سيب فضلك"

 (7) و في بعض النسخ- و أفضل على- و في القاموس فاض الماء يفيض فيضا و فيضانا كثر حتى سأل كالوادي و الشي‏ء كثر أفاض الماء على نفسه أفرغه و الإناء ملأه حتى فاض، و قال السيب العطاء و العرف و مصدر ساب جرى و مشى مسرعا، و قال الراغب: كل عطية لا تلزم من يعطي يقال له فضل نحو قوله (وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) و قوله (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 410

وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) و أقول: قد مر تحقيق أنواع الفضل، و قيل: الإضافة في قوله- من سيب فضلك- من باب جرد قطيفة، و من للابتداء أو التعليل، و تشبيه النعمة بالمطر مكنية و الإفاضة تخييلية و سيب الفضل ترشيح يعني أفرغ علي من فضلك الجاري على الخلق نعمة كاملة وافية للدنيا و الآخرة.

" و عطاء غير ممنون"

 (1) أي غير مقطوع أو غير ممنون علي يمن به أحد من خلقك ذكرهما المفسرون في قوله تعالى (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) و في القاموس غير محسوب و لا مقطوع، و في القاموس‏

الشغل‏

 (2) بالضم و بضمتين و بالفتح و بفتحتين ضد الفراغ و شغله كمنعه شغلا و يضم و أشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة و اشتغل به و شغل كعني‏

عن شكر نعمتك‏

 (3) أي هذه و غيرها و يندرج في الشكر عليها الإتيان بطاعاته و الاجتناب عن منهياته‏

بإكثار منها

 (4) الباء للسببية و أشار بذلك إلى أن مطلوبه هو الكفاف تأكيدا لما سبق تلهيني بهجة اللهو اللعب و الإعجاب و حب الباطل و الغفلة عن الحق، و

ألهاه‏

 (5) بعثه على اللهو و أوقعه فيه، و

البهجة

 (6) الحسن و النضارة و الفرح و السرور و الإضافة إلى السبب و الضمير للإكثار، و الجملة صفة له، و فيه إيماء إلى قوله تعالى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ.

" و تفتنني"

 (7) في القاموس الفتنة بالكسر الخبرة و إعجابك بالشي‏ء، فتنة يفتنه فتنا و فتونا و افتنه و الضلال و الإثم و الكفر، و الفضيحة و العذاب، و إذابة الذهب و الفضة و الإضلال و الجنون و المحنة و المال و الأولاد و اختلاف الناس في الآراء و فتنة يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه و افتنه فهو مفتن و وقع فيها لازم متعد كافتتن فيهما انتهى.

و المراد هنا الإيقاع في الفتنة و الضلال عن الحق و الخروج عن الطاعة، و زهرات زهرته الزهرات بالفتحات جمع الزهرة، و في القاموس‏

الزهرة

 (8) بالفتح و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 411

يحرك النبات و نوره أو الأصفر منه و الجمع زهر و أزهار و جمع الجمع أزاهير، و من الدنيا بهجتها و نضارتها و حسنها و بالضم البياض و الحسن انتهى، و الإضافة للمبالغة و في بعض النسخ زهرته بالواو، و في القاموس‏

الزهو

 (1) المنظر الحسن و النبات الناضر و نور النبت و زهره و إشراقه، و الباطل و الكذب و الاستخفاف و الكبر و التيه و الفخر، و أقول أكثر المعاني مناسبة، و للإضافة وجوه مختلفة باختلاف المعاني، و على أي حال الضمير للإكثار و كأنه إشارة إلى قوله تعالى (وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏) فتفطن‏

" و لا بإقلال علي منها"

 (2) عطف على قوله- بإكثار- و لا زائدة للتأكيد أي لا تشغلني عن شكر نعمتك بإقلال علي منها

يقصر بعملي كده و يملأ صدري همه‏

 (3) الضمير المجرور في الموضعين عائد إلى الإقلال و يقصر كينصر و الباء في بعملي للتعدية و كده فاعل يقصر، و المراد بالعمل الطاعات، الكد الشدة و المشقة و الإلحاح في الطلب أي يجعل كدي و يسعني في الإقلال أي في طلب الرزق القليل أو الكد في طلب الرزق الناشئ من الإقلال طاعاتي قاصرة عن حد الكمال و يملأ صدري هم الإقلال أي حزنه أو اهتمامي و شغل خاطري في طلبه.

و هذه الفقرات و إن كان فيها شوب التكرار لكنه مطلوب في الدعوات للإلحاح في الطلب، مع أنه عليه السلام طلب أولا حدا متوسطا من المعيشة، ثم طلب السعة في الرزق الحلال، و لما كان فيه عرض عريض يشمل ما كان مخلا بالطاعة و شكر النعمة استدرك ذلك لئلا يكون راحته في الدنيا مانعة لرفع درجته في الأخرى و قيل: قد طلب الكفاف من غير زيادة و نقصان في هذا القول و هو- لا تشغلني- إلى أخره للتحرز عن الحزن و ترك حقوق الله، و في القول السابق و هو من غير أن تترفني الحر للتحرز عن الضيق و الشدة و ترك حقوق الله و في القول السابق و هو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 412

من غير أن تترفني الحر للتحرز عن الضيق و الشدة و ترك حقوق الناس بالطغيان و التكبر و نحوهما فلا تكرار، أعني من ذلك يا إلهي غنى عن شرار خلقك قيل من للبدلية و ذلك إلى الإقلال أو إلى كل من الإقلال و الإكثار، و قيل‏

ذلك‏

 (1) إشارة إلى حلال رزقك أو إلى سبب فضلك، و لكل وجه‏

" و الشرار"

 (2) جمع شرير كفصال جميع فصيل، و قيل: إنما طلب الغناء عن الشرار لأن الناس يحتاج بعضهم إلى بعض في أمير المبدأ و المعاد و المعاش و ليس لأحد منهم غنى عن الآخر بالكلية فغاية المرام طلب الغناء عن اللئام و الشرار دون الكرام و الأخيار.

" و بلاغا أنال به رضوانك"

 (3) قيل: نيل الرضوان بالطاعة، و الطاعة بالقدرة و القدرة بالبلاغ، و هو قدر ما يكفي في التعيش و البقاء من غير زيادة و نقصان، و لذلك طلبه لتحصيل الغايات المذكورة.

قوله" و ما فيها"

 (4) العطف للتفسير، أو المراد بشر الدنيا شر متاعها و زينتها الخادعة، أو شر النوازل و النوائب الموجعة و بشر ما فيها شر الفسقة و الظلمة

" لا تجعل على الدنيا سجنا"

 (5) بضنك العيش و كثرة المصائب و الفتن‏

" و لا فراقها على حزنا"

 (6) بشدة التعلق بها و الحب لها لجمع زخارفها و إنما فصل الفقرتين لكونهما مؤكدتين للسابق من الاستعاذة من شر الدنيا و شر ما فيها، أو ما طلبه من الكفاف محترزا من الإكثار و الإقلال‏

" أخرجني من فتنتها"

 (7) و هي كلما يشغل القلب عن ذكر الله أو محنة التكاليف و كثرة البلايا اللازمة للدنيا و إنما فصله لأنه تأكيد لما مر في الدعاء الجامع الشبيه بهذا الدعاء في التهذيب أجرني من فتنتها و اجعل عملي فيها مقبولا و سعى فيها مشكورا مرضيا، عنى الظرف نائب مناب الفاعل و هو ما بعده حالان عن مفعول أخرجني‏

" إلى دار الحيوان"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 413

 (1) متعلق بأخرجني، و في القاموس الحيوان محركة خلاف الموتان و المراد بها الجنة فإن الحياة الحقيقية فيها و في بعض النسخ إلى دار الخلود

و مساكن الأخيار

 (2) أي الجنة أو أعالي درجاتها.

" و أبدلني بالدنيا الفانية"

 (3) في القاموس بدل الشي‏ء محركة الخلف منه و أبدله منه اتخذه بدلا منه، و قيل: قوله أبدلني من باب الحذف و الإيصال أي أبدل لي- و الباء- بمعنى من، و الحروف الجارة قد تقع بعض منها في موضع آخر و المطلوب هو التوفيق لرفع زوائد الدنيا و العمل بها يوجب نعيم الآخرة انتهى.

و أقول: الباء للعوض و هو مثل قوله تعالى (وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) و قوله (عَسى‏ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً) و قوله (لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) و قال في المصباح: أبدلته بكذا إبدالا نحيت الأول و جعلت الثاني مكانه، و بدلته تبديلا بمعنى غيرت صورته تغييرا، و بدل الله السيئات حسنات يتعدى إلى مفعولين بنفسه لأنه بمعنى جعل و صير و قد استعمل أبدل بالألف مكان بدل بالتشديد فعدي بنفسه إلى مفعولين لتقارب معناهما و في السبعة (عَسى‏ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً) من أفعل و فعل اللهم إني أعوذ بك من أزلها و زلزالها في القاموس‏

الأزل‏

 (4) الضيق و الشدة، و بالكسر الكذب و الداهية، و قال:

زلزلة

 (5) زلزلة و زلزالا مثلثة حركة و الزلازل البلايا، و قال:

سطا

 (6) عليه و به سطوا و سطوة صال أو قهر بالبطش و قال:

نكل‏

 (7) به تنكيلا صنع به صنيعا يحذر غيره، أو نكله نحاه عما قبله، و النكال ما نكلت به غيرك كائنا ما كان، و

بغى‏

 (8) عليه بغيا علا و ظلمه و عدل عن الحق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 414

و استطال‏

" من كادني فكده"

 (1) الكيد المكر و الخبث و الخديعة و الحلية، و المراد بكيده تعالى الجزاء من باب المشاكلة

" و من أرادني"

 (2) أي بالسوء

" فأرده"

 (3) بالدفع أو بإيصاله إليه و الجزاء له على نحو ما مر، و

الفل‏

 (4) بالفتح الكسر و الثلم و فعله كمد و

الحد

 (5) الحدة و السورة و طرف السيف و السكين و مثله و حددت السكين رققت حده و أحددته جعلت له حدا ففي الكلام استعارة مكنية و تخييلية و كذا الفقرة الآتية

" و أطف عني نار من شب لي وقوده"

 (6) قال في المصباح طفأت النار تطفأ بالهمز من باب تعب طفوءا على فعول خمدت و أطفأتها و أطفأت الفتنة إذا سكنتها على الاستعارة و قال شبت تشب توقدت و يتعدى بالحركة فيقال شببتها أشبها من باب قتل إذا أذكيتها، و قال وقدت النار وقدا من باب وعد و وقودا، و الوقود بالفتح الحطب و أوقدتها إيقادا و منه على الاستعارة (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) أي كلما دبروا مكيدة و خديعة أبطلها، و توقدت النار و اتقدت و الوقد بفتحتين النار نفسها انتهى. و ضمير" وقوده" للموصول و لما عرفت أن شب يأتي لازما و متعد فيمكن أن يقرأ وقوده بفتح الواو بالنصب و بالرفع فتدبر، و أستعير النار للصفات الذميمة للعدو من الحقد و الحسد و الغضب و تدبير السوء

" و اكفني مكر المكرة"

 (7) أي ادفع عني مكرهم و كن كافيا لي في ذلك ففيه إظهار للعجز و تفويض للأمر إليه، و في المصباح كفى الشي‏ء يكفي كفاية فهو كاف إذا حصل به الاستغناء عن غيره، و منه (كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) أي أغناهم عن القتال، و في القاموس‏

فقأ

 (8) العين و البثرة و نحوها كمنع كسرها أو قلعها أو نجفها أي كفقاها فانفقأت و تفقأت انتهى و تعديته بعن لتضمين معنى الدفع، و هو كناية عن صرف عيونهم عنه، أو إذلالهم أو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 415

دفع ضرر عيونهم عنه، و في التهذيب عيون الكفرة الظلمة الطغاة الحسدة اللهم صل على محمد و آل محمد و أنزل علي منك سكينة إلى آخره.

" و اكفني هم من أدخل على همه"

 (1) هذه الفقرة يحتمل وجهين. الأول: أن يكون المراد بالهم الحزن و الغم و الإضافة إلى الموصول إضافة إلى السبب و إلى الضمير يحتمل أن يكون إضافة إلى السبب أيضا و أن تكون من إضافة المصدر إلى المحل كان يكون رجل مبتلى بالفقر مهتما بذلك ثم أخذ بالظلم مالا من غني فصيره فقيرا مبتلى ببلائه و صار غنيا بماله.

و الثاني: أن يكون المراد بالهم القصد و على للضرر و المطلوب صرف قصده و إرادته عنه‏

" و ادفع عني شر الحسدة"

 (2) الحاسد يتمنى زوال النعمة عن الغير بالوصول إليه أو مطلقا و هو بتلك الخصلة الذميمة يتفكر في كيفية الإزالة و يتدبر في كل سبب من أسبابها و يتوسل بكل شي‏ء من كل وجه و ينبعث من ذلك شرور غير محصورة توجب خراب الديار و الأعمار و الأعمال من غير أن يكون للمحسود شعور بذلك، فالالتجاء إليه تعالى لدفع شره من أهم الأمور و أوجبها.

" و اعصمني من ذلك بالسكينة"

 (3) هذا يحتمل وجوها.

الأول: أن يكون المعنى كما سألتك الاستعاذة عن شر الحاسدين لي أسألك أن تعصمني من أن أحسد غيري فإن ذلك أضر و الاستعاذة منه أهم و ذلك العصمة بأن تلقى في قلبي سكينة و طمأنينة بذكر الله فلا أتعرض لأحوال الخلق، أو بأن تلقى اليقين في قلبي" حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي" و لا يصير سلب النعمة عن المحسود سببا لزيادة رزقي و جاهي و غير ذلك و لا يصير حسدي سببا لسلب ذلك عنه، أو بسكون قلبي إلى نعيم الآخرة و إخراج حب الدنيا منه فإن أقوى بواعث الحسد حب الدنيا، و نزوع النفس إلى شهواتها فإذا عرف خسة لذات الدنيا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 416

و شهواتها و رفعة نعيم الآخرة و درجاتها لا يبالي من أكل الدنيا.

الثاني: أن يكون تأكيدا للفقرة السابقة أي و اعصمني من شر حسد الحاسدين باطمينان قلبي بالتوكل على الله و التفويض إليه و عدم الاعتناء بشأن الحسد فإن غالب تأثير الحسد في العين، و ورد أن علاجه التوكل، و قد جرب أن من لا يعتني بها لا تضره و من تزلزلت نفسه بها أثرت فيه، أو التوسل بذكره تعالى و الأدعية و التعويذات تدفعه، و هو المراد بالسكينة.

الثالث: أن تكون الباء للملابسة أي تكون عصمتي من حسد الغير، أو الحسد للغير متلبسا بالسكينة إذ يمكن أن تكون العصمة عن الحسد أو شره مع تزلزل الخاطر و عدم طمأنينة النفس.

الرابع: ما قيل أن المعنى اعصمني من ذلك بما يسكن قلبي من شره، و لعل المقصود بالفقرة الأولى سلب إرادة الحاسد من إيصال المكروه إليه و بالفقرة الثانية إعطاء المحسود ما يسكن قلبه و يأمن من وصول شر الحاسد إليه‏

" و أجنني"

 (1) على بناء الأفعال بالجيم و النون المشددة، في المصباح أجنة الليل و جن عليه من باب قتل ستره، و في بعض النسخ و أحيني بالحاء المهملة و الياء المثناة التحتانية من الحياة و قيل: في الإحياء إشارة إلى أن الشرور قاتلة مهلكة

" و الستر"

 (2) بالكسر و هو السائر و بالفتح المصدر و الأول أنسب و

الوقاية

 (3) من الشرور و المكاره‏

" و أصلح لي في حالي"

 (4) أي في نفسي" و بيني و بينك و بيني و بين خلقك" و في هذه العبارة الوجيزة طلب للخيرات الدنيوية و الأخروية كلها

" و صدق قولي بفعالي"

 (5) فإن الأعمال شواهد على صدق الأقوال فإن من ادعى الإيمان بالجنة و النار و لم يأت منه ما يقربه من الجنة و يبعده من النار فهذا فعله مكذب لدعواه و من إياك نعبد و إياك نستعين، و هو يعبد الشيطان و النفس و الهوى و يستعين يغيره سبحانه في كل ما يعرض فهذا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 417

فعله مكذب لقوله، و من ادعى حبه تعالى و هو يقدم المال و الولد و الاعتبارات الفانية على رضا الله فهو كاذب في دعواه، و من ادعى أن من شيعة على و الأئمة من ولده صلوات الله عليهم و هو يخالفهم في أكثر أقوالهم و أفعالهم فهذا مدع كاذب و كذا جميع العقائد الإيمانية لها لوازم و مصدقات إذا لم يأت بها فهو الكاذب فيما ادعى و كذا من أمر الناس بشي‏ء و لم يأت به و نهى الناس عن شي‏ء و أتى به فهو أيضا في درجة الكاذبين كما قال عز و جل (أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) و قال (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ)

" و بارك لي في أهلي و مالي"

 (1) أي زدهما لي أو زد نفعهما لي في الدارين من البركة و هي النمو و الزيادة أو أثبتهما و أدمهما لي، من برك البعير إذا ناخ في موضعه و لزمه كما مر.

باب الدعاء للدين‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): صحيح.

 (الحديث الثاني)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 418

" و كبره تكبيرا"

 (1) كأنه على سبيل الحكاية تبعا للآية أو بتقدير مقول في حقه فهتف به، في القاموس‏

هتف به‏

 (2) صاح.

 (الحديث الثالث)

 (3): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الرابع)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 419

باب الدعاء للكرب و الهم و الخوف‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

 (الحديث الثاني)

 (3): ضعيف.

" أو لأواء"

 (4) في القاموس اللأواء الشدة و ضيق المعيشة.

 (الحديث الثالث)

 (5): حسن.

" جؤجؤه"

 (6) في القاموس الجؤجؤ كهدهد الصدر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 420

 (الحديث الرابع)

 (1): مجهول.

 (الحديث الخامس)

 (2): صحيح.

" و بعزائمك التي"

 (3) أي حقوقك اللازمة على الخلق، أو المراد الأسماء التي إذا أقسم بها عليك لم تردها من عزمت عليك بمعنى أقسمت عليك، و الله يعلم و في القاموس عزائم الله فرائضه التي أوجبها.

 (الحديث السادس)

 (4): مرسل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 421

 (الحديث السابع)

 (1): موثق.

 (الحديث الثامن)

 (2): مرفوع.

" زك عملي"

 (3) إما من الزكاة بمعنى الطهارة أي طهره من مفسدات العمل أو بمعنى النمو أي ضاعفه أو أذكره بالطهارة كناية عن القبول،

" و لا تفجعني"

 (4) في الصحاح الفجيعة الرزية و قد فجعته المصيبة أي أوجعته و كذلك التفجيع‏

" حميما"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 422

 (1) أي قريبا.

 (الحديث التاسع)

 (2): ضعيف.

 (الحديث العاشر)

 (3): مجهول و في الصحاح يقال: أقبل فلان حق أي عنده.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 423

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): مجهول.

 (الحديث الثاني عشر)

 (2): صحيح. في المغرب‏

الربذة

 (3) بفتحتين اسم موضع و قرية فيها قبر أبي ذر الغفاري (ره).

 (الحديث الثالث عشر)

 (4): مجهول.

قال في القاموس‏

عني‏

 (5) بالكسر عناء أي تعب و نصب و عنيته أنا تعنية فتعنى.

 (الحديث الرابع عشر)

 (6): ضعيف، قال في الصحاح:

و ما لي به قبل‏

 (7) أي طاقة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 424

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): صحيح.

 (الحديث السادس عشر)

 (2): مرسل.

" ثم يقول في أخرهن"

 (3) لعل المراد آخر سجدة، و يحتمل بعد الصلاة كل ملأ في الصحاح و الملأ الجماعة

" و يا نجي موسى"

 (4) في الصحاح النجي على فعيل الذي تساره.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 425

 (الحديث السابع عشر)

 (1): مجهول.

في الصحاح و

استأثر

 (2) فلان بالشي‏ء استبد به.

 (الحديث الثامن عشر)

 (3): صحيح.

و قال في الصحاح‏

الصريخ‏

 (4) أيضا الصارخ و هو المغيث و المستغيث أيضا و هو من الأضداد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 426

 (الحديث التاسع عشر)

 (1): ضعيف.

و قال في مغرب اللغة

الخنازير

 (2) قروح تخرج في الرقبة

" جعفر بن سليمان"

 (3) لعله كان به هذا الداء فارتفع بهذا الدعاء فذكره عليه السلام تأكيدا لبيان تأثيره.

 (الحديث العشرون)

 (4): صحيح.

" يا لا إله إلا الله"

 (5) قيل المنادي في أمثال هذا الموضع محذوف، و قيل: يؤتى به لمجرد التنبيه و ليس المقصود النداء كذا ذكر في المغني.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 427

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (1): صحيح، و فيه شوب إرسال.

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (2): مرسل، مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 428

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (1): ضعيف.

" أبو الدوانيق"

 (2) لقب أبو جعفر المنصور، و هو الثاني من خلفاء بني العباس، و اشتهر بالدوانيقي و بأبي الدوانيق لأنه لما أراد حفر الخندق بالكوفة قسط على كل واحد منهم دانق فضة و أخذه و صرفه في الحفر، و قال في النهاية:

الدرء

 (3) الدفع و إنما خص‏

النحور

 (4) لأنه أسرع و أقوى في الدفع و التمكن من المدفوع، و قال في القاموس:

الهمس‏

 (5) الصوت الخفي و استشاط عليه التهب غضبا، و

الرسل‏

 (6) بالكسر الرفق و التؤدة.

 (الحديث الرابع و العشرون)

: مجهول.

" و من قبل"

 (7) أي كل شي‏ء يأتيني من قبل نفسي.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 429

باب الدعاء للعلل و الأمراض‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مرسل.

" قل ادعوا الذين"

 (3) قال في مجمع البيان: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله ادعوا الذين زعمتم من دونه أنها إلهه عند ضرر نزل بكم ليكشفوا ذلك عنكم و يحولوا تلك الحالة إلى حالة أخرى لتحريك حال القحط إلى الخصب و الفقر إلى الغني، و قيل: معناه لا يملكون تحويل الضر منكم إلى غيركم، و قيل: المراد

لمن دونه‏

 (4) الملائكة و مسيح و عزير، و قيل: الجن لأن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن.

 (الحديث الثاني)

 (5): صحيح.

" و جعلته خليفتك"

 (6) يحتمل أن يكون المراد

بالمضطر

 (7) أيوب عليه السلام فيكون‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 430

المراد

بالخلافة

 (1) الإمامة، و يحتمل أن يكون عاما و الخلافة عامة فإن المولى خليفة الله على العبد و كذا الوالد على الولد و غيرهما و الأظهر أنه إشارة إلى قوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) و يظهر منه أن المراد بالخلافة في الآية هي المعنى الثاني لا ما ذكره المفسرون من كون كل قرن خليفة للقرن الذي قبلهم أو كونهم خلفاء الكفار بنزول بلادهم، و في كثير من الروايات أن المضطر هو القائم عليه السلام فإذا سأل الله بالاسم الأعظم أجاب الله دعوته و كشف سوءه و جعله خليفته في الأرض فالخلافة هي الإمامة، و الله يعلم، و قال في الصحاح‏

نشطت‏

 (2) الحبل أنشطه نشطا عقدته و أنشطته أي حللته، يقال كأنما أنشط من عقال.

 (الحديث الثالث)

 (3): حسن.

 (الحديث الرابع)

 (4): مجهول.

" مؤمن آل فرعون"

 (5) الأظهر مؤمن آل يس كما ورد في غيره من الأخبار،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 431

فإن‏

قوله (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)

 (1) إنما وقع في قصته و لعله من الرواة و قال بعض الأفاضل باتحاد المؤمنين بأن صار طويل العمر، و لا يخفى بعده و مخالفته للأخبار المستفيضة من الجانبين، و قال في القاموس:

الأكنع‏

 (2) من رجعت أصابعه إلى كفه و ظهرت رواجبه، و الرواجب مفاصل أصول الأصابع، أو بواطن مفاصلها أو هي قصب الأصابع أو مفاصلها، و قال في الصحاح‏

الحزن و الحزن‏

 (3) خلاف السرور، و حزن الرجل بالكسر فهو حزن و حزين و أحزنه غيره و حزنه أيضا مثل أسلكه و سلكه.

 (الحديث الخامس)

 (4): حسن، أو موثق.

 (الحديث السادس)

 (5): مرسل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 432

 (الحديث السابع)

 (1): مختلف فيه.

 (الحديث الثامن)

 (2): مرسل.

و قال في مجمع البحار فيه العزيز تعالى الغالب القوي الذي لا يغلب واصل العزة القوة و الشدة و الغلبة.

 (الحديث التاسع)

 (3): مجهول.

 (الحديث العاشر)

 (4): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 433

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): مجهول.

 (الحديث الثاني عشر)

 (2): صحيح.

" عرق نفار"

 (3) قال في القاموس نفرت العين و غيرها تنفر نفورا هاجت و درمت و في بعض النسخ نعار في الصحاح نعر العرق ينفر بالفتح فيهما نعرا أي فار منه الدم فهو عرق نعار و نعور.

 (الحديث الثالث عشر)

 (4): موثق.

 (الحديث الرابع عشر)

 (5): موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 434

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): مجهول.

 (الحديث السادس عشر)

 (2): مرسل.

 (الحديث السابع عشر)

 (3): ضعيف.

و قال في النهاية:

النشرة

 (4) بالضم ضرب من الرقية و العلاج يعالج به من كان يظن به مسا من الجن سميت نشرة لأنه ينشر به عنه ما خامره من الداء، أي يكشف و يزول. و قال الحسن النشرة السحرة، و في الحديث نشره بقل أعوذ برب الفلق، أي رقاه و قال في الصحاح التنشير من النشرة و هي كالتعويذ و الرقية، و قال‏

الوقار

 (5) الحلم و الرزانة، و قال في القاموس‏

هدأ

 (6) كمنع سكن‏

يوم الرجفة

 (7) أي في بدو الخلق و يحتمل القيامة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 435

 (الحديث الثامن عشر)

 (1): مجهول.

" في أم الكتاب"

 (2) قال البيضاوي في اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماوية لدينا محفوظا عندنا عن التغيير لعلى رفيع الشأن في الكتب السماوية لكونه معجزا من بينها حكيم ذو حكمة بالغة أو محكم لا ينسخه غيره، و هما خبران لأن و- في أم الكتاب- متعلق بعلى و اللام لا تمنعه أو حال عنه و لدينا بدل منه أو حال من الكتاب انتهى‏

" علي حكيم"

 (3) لا ينافي ما ورد أن المراد بالعلي الحكيم أمير المؤمنين عليه السلام إذ هو بطن للآية لا ينافي كون ظاهره أيضا مرادا، على أنه يحتمل أن يكون على هذا التأويل المعنى أن القرآن في اللوح مفسر به عليه السلام لأنه كلام الله الناطق و هو عليه السلام مشتمل على لفظ القرآن و معانيه.

 (الحديث التاسع عشر)

 (4): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 436

باب الحرز و العوذة

 (1) و في الصحاح الحرز الموضع الحزين الحصين و يسمى التعويذ حرزا و قال العوذة و المعاذة و التعويذ كله بمعنى.

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

و قال في القاموس:

الوحشة

 (3) الهم و الخلوة و الخوف‏

" إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ"

 (4) أي يبلغ ما يريد و لا يفوته مراد، و قال في القاموس يقال: أنت في‏

كنف الله‏

 (5) محركة أي في حرزه و ستره.

 (الحديث الثاني)

 (6)

" لكل شي‏ء قدرا"

 (7) أي تقديرا أو مقدارا أو أجلا لا يتأتى غيره.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 437

 (الحديث الثالث)

 (1): مجهول.

و قال في الصحاح عند يعند بالكسر

عنودا

 (2) أي خالف و رد الحق و هو يعرفه فهو عنيد، و قال: و

المارد

 (3) العاتي، و مرد الرجل بالضم مرادة فهو مارد و مريد و قال في مجمع البحار فيه من كل ساعة هي ما يسم و لا يقتل كالعقرب و الزنبور و قال‏

الهامة

 (4) كل ذات سم يقتل‏

" و العامة"

 (5) أي التي تعم الناس.

 (الحديث الرابع)

 (6): مرسل.

" بكلمات الله"

 (7) قيل المراد بكلمات الله علمه، و قيل: كلامه، و قيل: القرآن و قيل: أسماؤه الحسنى، و قيل: كتبه المنزلة لخلوها عن النواقص و العوارض‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 438

بخلاف كلمات الناس، و المراد إما كل كلماته فإن جميعها تامة خالية عن النقص أو بعضها فالمراد بالتمام أنها تنفع المتعوذ بها كالمعوذتين و أمثالها، و قد وردت الكلمات في الأدعية و الآيات بمعنى تقديرات الله و بمعنى مواعيده، و بمعنى صفاته، و في أخبارنا أن المراد بها في الآيات الأئمة عليهم السلام، و قال في النهاية:

اللم‏

 (1) طرف من الجنون يلم بالإنسان و يقرب منه و يعتريه، و منه حديث الدعاء من كل عين لامة أي ذات لمم، و لذلك لم يقل ملمة و أصلها من ألممت بالشي‏ء لزواج قوله من شر كل سأمة، و قال في القاموس: العين اللامة التي تصيب بسوء. و قال في النهاية:

الغول‏

 (2) واحد الغيلان و هو جنس من الجن و الشياطين كانت العرب تزعم أن الغول يتراءى في الفلاة فيتغول تغولا أي يتلون تلونا في صور شتى، و يغولهم أي يضلهم من الطريق و مهلكهم‏

" صاحب صيد"

 (3) أي أصيد السبع.

 (الحديث الخامس)

 (4): صحيح.

و قال في النهاية: فيه سألت الله ربي أن لا يهلك أمتي بسنة

بعامة

 (5) أي بقحط عام يعم جميعهم و الباء في بعامة زائدة كما في قوله تعالى (وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) و قال‏

النفث‏

 (6) بالفم و هو شبيه بالنفخ و هو أقل من التفل لأن التفل لا يكون إلا و معه ريق، و في الحديث أعوذ بالله في نفخه و نفثه، و قد جاء تفسيره بالشعر لأنه ينفث‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 439

من الفم‏

حتى تأتي عليه‏

 (1) أي تحذف الجليل في الأول، و يأتي به مكان العظيم أو قبله فتأمل.

 (الحديث السادس)

 (2): حسن، أو موثق.

" الوسطى"

 (3) مبتدأ و بجنبه خبره، أو بدل عن بنات نعش و بجنبه جملة مستأنفة و الأول أظهر.

 (الحديث السابع)

 (4): ضعيف.

" التامات"

 (5) قال في النهاية وصفها بالتمام إما باعتبار عدم النقص فيها كما في كلام الآدميين، أو باعتبار تماميتها في النفع للمتعوذ بها

" لا يجاوزهن"

 (6) إذا كان المراد بالكلمات علم الله تعالى فالمعنى أنه يشمل علمه البر و الفاجر و يحيط بهما، و إذا كان المراد القرآن فالمراد إن أوامره و نواهيه و وعده و وعيده يشملهما و إذا كان المراد الأسماء فالمراد أنها تؤثر في البر و الفاجر و لهما و في القرآن أيضا يحتمل ذلك و إذا كانت الأسماء فالمراد بها التي يشمل مدلولها المؤمن و الكافر كالرحمن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 440

و الرازق و الخالق، و كذا إذا كان المراد الصفات و الله يعلم.

 (الحديث الثامن)

 (1): ضعيف على المشهور.

- و الذي نعرفه‏

 (2) هذا كلام الراوي أي علي بن الحكم يقول المشهور بيننا هذه العبارة مكان إلى أن يذهب الليل إلى آخره لكن هذه الرواية هكذا جاءت، و قيل: هو كلام ابن أبي حمزة اعتراضا على الإمام عليه السلام لكونه واقفيا بناء على أن المراد

بأبي الحسن‏

 (3) الرضا و لا يخفى ما فيه.

 (الحديث التاسع)

 (4): ضعيف. و كان دانيال محبوسا في الجب في زمن بخت نصر و طرحت معه السباع فلم تدن منه، و في النهاية يقال:

أسد و استأسد

 (5) إذا اجترأ.

 (الحديث العاشر)

 (6): مجهول.

" تعرض للصبيان"

 (7) يقولون في الفارسية (باد جن) و هو أم الصبيان و سماه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 441

الشيخ في القانون ريح الصبيان، و قال في النهاية: في حديث صمام إني أعالج هذه الأرواح و الأرواح هنا كناية عن الجن سموا أرواحا لكونهم لا يرون بمنزلة الأرواح‏

- أنفذهما إلى-

 (1) الظاهر أنه بتشديد الياء و رفع إبراهيم و هو كلام محمد بن عيسى و قيل المعنى أنه قال صالح إنه عليه السلام أرسلهما مع خادمه إلى إبراهيم و لم يعتمد على رسول إبراهيم و لا يخفى بعده‏

" مع ما عددت"

 (2) لعله معطوف على موسى أو على مقدر أي أسألك بهم ما عددت كما يومئ إليه ما بعده، و قيل ظرف للتسبيح أي أسبحك و أنزهك عن التركب في ذاتك مع ما عددت من أسمائك و صفاتك فإنها مما يوهم التركيب و الواو في قوله‏

" و بعظمتك"

 (3) للاستئناف لا للعطف و في القاموس‏

الملكوت‏

 (4) العز و السلطان.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 442

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): ضعيف.

" بعزيمة الله"

 (2) لعل المراد بالعزيمة ما يقسم به أي أقسمت عليك بالله أو بأسمائه أو بعهود الله أو حقوقه اللازمة عليك و كذا البواقي.

 (الحديث الثاني عشر)

 (3): ضعيف.

و قال في الصحاح‏

ضعضعه‏

 (4) أي هدمه حتى الأرض و تضعضعت أركانه أي اتضعت و ضعضعه الدهر فتضعضع أي خضع و ذل‏

" و من يعنيني أمره"

 (5) أي اهتم بشأنه و في القاموس حف بالشي‏ء أحاط به.

 (الحديث الثالث عشر)

 (6): مرفوع.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 443

 (الحديث الرابع عشر)

 (1): ضعيف.

و في القاموس‏

الورطة

 (2) الهلكة و كل أمر تعسر منه النجاة.

باب الدعاء عند قراءة القرآن‏

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): مرسل.

" و فوق السماوات"

 (5) أي حال كونك مستوليا و متسلطا على السماوات و العرش، و قال في النهاية:

رب أوزعني‏

 (6) أي ألهمني و أولعني، و قال‏

ترتيل‏

 (7) القرآن التأني فيها. و التمهل و تبيين الحروف و الحركات تشبيها بالثغر المرتل و هو المشبه بنور الأقحوان يقال رتل و ترتل‏

" عند الأحايين"

 (8) و في بعض النسخ الإجابين قال في القاموس فلان يفعل كذا أحيانا و في الأحايين، و قال الإجاب و الإجابة و الجابة و المجوبة و الجيبة، الجواب، و قال في النهاية:

الوسنان‏

 (9) النائم الذي ليس بمستغرق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 444

في نومه و الوسن أول النوم، و قد وسن يسن سنة و الهاء فيه عوض من الواو المحذوفة كما في عدة و قال في الصحاح‏

الذكاء

 (1) ممدود حدة القلب و قد ذكي الرجل يذكي ذكاء فهو ذكي و قال و قد لذذت الشي‏ء بالكسر لذا ذا و لذاذة أي وجدته لذيذا

" من تخلفه"

 (2) لعل المراد أن يتخلف في قلوبنا فلا يظهر أثره على أعضائنا و جوارحنا

" و توسده"

 (3) قال في النهاية و في الحديث إنه ذكر عنده شريح الحضرمي فقال ذلك رجل لا يتوسد القرآن هذا يحتمل مدحا و ذما، فالمدح أنه لا ينام الليل عن القرآن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 445

و لم يتهجد إلا به فيكون القرآن متوسدا معه بل يداوم قراءته و يحافظ عليها، و الذم معناه لا يحفظ من القرآن شيئا و لا يديم قراءته فإذا نام لم يتوسد معه القرآن و أراد بالتوسد النوم، و من الأول الحديث لا توسدوا القرآن و أتلوه حق تلاوته و فيه أيضا من قرأ ثلاث آيات في ليلة لم يكن متوسدا للقرآن، و من الثاني حديث أبي الدرداء قال له رجل إني أريد أن أطلب العلم و أخشى أن أضيعه فقال لأن تتوسد العلم خير لك من أن تتوسد الجهل، و قال الطيبي في شرح المشكاة هو كناية عن التكاسل أي لا تجعلوه وسادة تنكبون و تنامون عليه، أو عن التغافل عن تدبر معانيه و قال في القاموس رجل توسد القرآن يحتمل كونه مدحا أي لا يمتهنه و لا يطرحه بل يجله و يعظمه و ذما أي لا يكب على تلاوته إكباب النائم على وسادته، و من الأول قوله صلى الله عليه و آله و سلم لا توسدوا القرآن، و قال تصريف الآيات تبيينها، و قال في الصحاح‏

الميل‏

 (1) بالتحريك ما كان خلقه يقال منه رجل أميل العاتق في عنقه ميل.

" و حجيجا"

 (2) قال في النهاية: في حديث الدجال أن يخرج و أنا فيكم فأنا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 446

حجيجه أي محاججه و مغالبة بإظهار الحجة عليه و الحجة الدليل و البرهان يقال حاججته فأنا محاج و حجيج فعيل بمعنى فاعل، و قال في حديث الدعاء لا يبقى على من تضرع إليها يعني النار يقال أبقيت عليه أبقى إبقاء إذا رحمته و أشفقت عليه و الاسم البقيا كدنيا.

باب الدعاء في حفظ القرآن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مرسل.

و في القاموس‏

الخليل‏

 (3) الصادق أو من أصفى المودة

" و عيسى كلمتك"

 (4) قال في مجمع البيان إنما سمي المسيح كلمة لأنه حصل بكلام الله من غير أب، و قيل إنما سمي به لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله،

و روحك‏

 (5) قال في مجمع البيان إنما سماه الله روحا لأنه حدث عن نفخة جبرائيل عليه السلام في درع مريم بأمر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 447

الله و إنما نسبه إليه لأنه كان بأمره، و قيل إنما أضافه إلى نفسه تفخيما لشأنه كما قال:- الصوم لي و أنا أجزي به- و قد يسمى النفخ روحا، و قيل سمي به لأنه يحيي الله به الناس في دينهم كما يحيون بالأرواح فيكون المعنى أنه جعله نبيا يقتدى به و قيل: لأنه أحياه الله بتكوينه بلا واسطة من جماع أو نطفة، و قيل: معناه و رحمة منه كما قال في موضع. آخر و أيدهم بروح منه أي برحمته فجعل الله عيسى رحمة على من أمن به‏

" باسمك الذي"

 (1) يمكن أن يكون لأسماء الله تعالى تأثيرات جعلها الله لها و أن يكون المراد بالأسماء الصفات و الله يعلم قيل دعمه كمنعه أقامه، و في الصحاح‏

رسى‏

 (2) الشي‏ء يرسو ثبت‏

" من عرشك"

 (3) أي الخصال التي استحق بها لعرش العز أو بموضع انعقادها منه و حقيقة معناه بعز عرشك و أصحاب أبي حنيفة يكرهون هذا اللفظ في الدعاء

" و منتهى الرحمة"

 (4) أي منتهى الرحمة التي يظهر

من كتابك‏

 (5) أي القرآن أو اللوح المحفوظ و يحتمل على بعد أن يكون من بيانية

يملأ الأركان كلها

 (6) أي أركان‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 448

العرش أو أركان الخلق أي السماوات و الأرضين و غيرها، و هو إما كناية عن عظمة الاسم تشبيها للمعقول بالمحسوس، أو المراد أنه يملأ آثاره الأركان و تحيط لجميع الخلق و الله يعلم و المأذي العسل الأبيض.

 (الحديث الثاني)

 (1): مرفوع و آخره مرسل.

باب دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا و الآخرة

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): ضعيف.

" و اجعلهما الوارثين"

 (4) قيل: أي اجعل السمع و البصر باقيين مني و المراد

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 449

ما يحصل بالسمع و البصر و هو العلم أي وفقنا لحيازة العلم لا المال حتى يكون العلم هو الباقي مني يبقى بعد موتي فالنسبة مجازية نسبة السبب إلى المسبب، و يحتمل أن يرجع الضمير إلى التمتيع و تثنيته باعتبار تمتيع السمع، بل هذا الاحتمال أرجح، لأن السمع و البصر سببان لتحصيل العلم، و خصوصا إذا أريد بالبصر البصيرة، و أولت العامة ما نقلوه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الدعاء اللهم متعنا بأسماعنا و أبصارنا على هذا الاحتمال، و قال في مجمع البحار فيه الوارث تعالى يرث الخلائق و يبقى بعد فنائهم، و منه اللهم متعني بسمعي و بصري" و اجعلهما الوارث مني" أي أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت، و قيل: أراد بقاء قوتها عند الكبر و انحلال القوي النفسانية فيكون السمع و البصر وارثي سائر القوي و الباقيين بعدها، و قيل: أراد

بالسمع‏

 (1) ما يسمع و العمل به و

بالبصر

 (2) الاعتبار.

 (الحديث الثاني)

 (3): مجهول.

 (الحديث الثالث)

 (4): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 450

 (الحديث الرابع)

 (1): مجهول.

 (الحديث الخامس)

 (2): صحيح.

 (الحديث السادس)

 (3): حسن أو موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 451

 (الحديث السابع)

 (1): موثق.

" من المعارين"

 (2) أي الذين لا تثبت لهم في الإيمان كان الدين عندهم عارية و قد سبق في باب الإيمان و الكفر، و قال السيد الداماد (ره): المعاري من يركب الفرس عريانا قال في القاموس: نحن نعاري نركب الخيل أعراء، و المعنى بالمعارين هيهنا الذين يتعبدون لا على أسبغ الوجوه و يلزمون الطاعات لكن لا على قصيا المراتب بل على ضرب من التقصير كالذين يركبون الخيل و لكن أعراء.

 (الحديث الثامن)

 (3): حسن أو موثق.

 (الحديث التاسع)

 (4): مجهول.

 (الحديث العاشر)

 (5): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 452

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): ضعيف.

 (الحديث الثاني عشر)

 (2): مجهول.

" و أفضى إليك"

 (3) أفيد أنه ينبغي أن يقرأ بضم الهمزة و فتح الضاد أي يوم أفضاني الخلق إليك إلى قبري متلبسا بالفقر و الفاقة، و في بعض النسخ و أقضى قال في القاموس يقال: قضى إليه أنهاه و أعلمه،

 (الحديث الثالث عشر)

 (4): مجهول.

و في الصحاح و

أدى‏

 (5) دينه تأدية أي قضاه و الاسم الأداء.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 453

 (الحديث الرابع عشر)

 (1): حسن كالصحيح.

 (الحديث الخامس عشر)

 (2): ضعيف على المشهور.

و في الصحاح‏

تحدر الدمع‏

 (3) أي تنزل‏

" ذلك الذنب"

 (4) أي ترك الأولى‏

" هلاك"

 (5) أي لا يليق بشأن الأنبياء.

 (الحديث السادس عشر)

 (6): مرفوع.

" دون علمك"

 (7) يحتمل أن يكون دون في الموضعين بمعنى عند و بمعنى سوى فعلى الأول فالمراد لا تعلم له نهاية و لم تكن له نهاية في علمك و إذا لم يكن له نهاية في علم الله لا يكون له نهاية

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 454

أصلا بخلاف علمنا، و كذا في‏

المشية

 (1) أي لا تشاء له نهاية، و أما على الثاني فيحتمل أن يكون كناية عن الكثرة كما يقال فمكث ما شاء الله، أو كناية عن عدم التناهي أي يكون بعده معلومات الله تعالى و مقدوراته، و هما غير متناهيين، أو يكون الاستثناء لتأكيد العموم من باب أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، أي لا يكون له نهاية إلا علمك و هو لا نهاية له فلا يكون له نهاية أصلا

" لك الحمد في السبع الشداد"

 (2) أي أنت محمود في السماوات بحمدك أهلها، أو أنت مستحق للحمد من أهلها، أو أنت محمود بسبب خلق السبع الشداد، و كذا في الثانية و الله يعلم‏

" قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ"

 (3) قال في مجمع البيان القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك أخبر الله تعالى عن كمال قدرته فذكر أن الأرض كلها مع عظمها في مقدوره كالشي‏ء يقبض‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 455

عليه القابض بكفيه فيكون في قبضته و كذا

قوله (وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ)

 (1) أي يطويها بقدرته كما يطوي الواحد منا الشي‏ء المقدور له طيبه‏

بِيَمِينِهِ‏

 (2) و ذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار و التحقيق للملك، و قيل: معناه أنها محفوظات مصونات بقوته و اليمين القوة.

 (الحديث السابع عشر)

 (3): حسن.

" لا تقر به أرض"

 (4) قال السيد الداماد (ره) الجار و المجرور في- لا تقر به أرض‏

و لا يقوم به سماء

 (5) غير متعلق بالفعل المذكور بل بفعل آخر مقدر و التقدير إذا رعيت به لا تقر أرض، و إذا رعيت به لا تقوم سماء، أو الباء بمعنى مع أي لا تقر معه أرض و لا يقوم معه سماء، و أما- لا يقوم له- باللام موضع الباء فمعناه لا تنهض لمقاومته و معارضته سماء، و في القاموس‏

الصدع‏

 (6) الشق في الشي‏ء الصلب و

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 456

الفرقة من الشي‏ء،

" و يستقل به الفلك"

 (1) قال في الصحاح الفلك السفينة واحد و جمع يذكر و يؤنث، و يمكن أن يقرأ بفتحتين أيضا و لعل المراد على هذا موج الهواء و على تقدير الضم يظهر منه أنه تعالى وكل ملكا بالسفينة.

 (الحديث الثامن عشر)

 (2): ضعيف أو مجهول.

" الشديد المحال"

 (3) قال البيضاوي: أي شديد المماحلة و المكايدة لأعدائه من محل بفلان إذا كاده و عرضه للهلاك، و منه تمحل إذا تكلف استعمال الحلية، و لعل أصله المحل بمعنى القحط، و قيل: فعال بمعنى القوة، و قيل: مفعل من الحول و الحيلة أعل على غير قياس، و يعضده أنه قرأ بفتح الميم من حال يحول إذا احتال، و يجوز أن يكون بمعنى الفعال فيكون مثلا في القوة و القدرة و في القاموس المحال‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 457

الكيد و المكر و القدرة، و قال في مصباح اللغة: يقال: أزال‏

منعة

 (1) الطائر أي قوته التي يمتنع بها على من يريده، و المناعة بالفتح مثل المنعة و منع مناعة و منعة فهو منيع، و قال الجزري و الفيروزآبادي في أسماء الله تعالى المانع هو الذي يمنع عن أهل طاعته و يحوطهم و ينصرهم، و قيل يمنع من يريد من خلقه ما يريد و يعطيه ما يريد و فيه اللهم من منعت ممنوع أي من حرمته فهو محروم لا يعطيه أحد غيرك يقال منعه يمنعه ضد أعطاه كمنعه فهو مانع و مناع و منوع، و جمع الأول منعة محركه و تسكن أي معه من يمنعه، و منع ككرم صار منيعا، و قال الجوهري‏

الدين‏

 (2) الجزاء و المكافاة يقال دانه دينا أي جازاه و منه الديان في صفة الله تعالى و

الجهة

 (3) مثلثة الناحية و الجانب‏

و الآخرة

 (4) أي عند سؤال القبر و عند سؤال الله تعالى في القيامة و قال في الصحاح‏

الفرق‏

 (5) بالتحريك الخوف و الفزع، و قال‏

حذافير

 (6) الشي‏ء أعاليه‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 458

و نواحيه يقال أعطاه الدنيا بحذافيرها أي بأسرها و تمامها واحدها حذفار.

 (الحديث التاسع عشر)

 (1): صحيح.

و" يجمعك"

 (2) قيل: المراد جمعك للكمالات، و يحتمل أن يكون المراد الجيش، أو يكون الجمع بمعنى المجموع أي بمجموع صفاتك و لعل المراد

بالأركان‏

 (3) مطلق الصفات أو الصفات الذاتية أو أركان الخلق و العظمة من السماوات و الكرسي و العرش و الله يعلم. و في الصحاح الجمع الجماعة تسمية بالمصدر، يقال: رأيت جمعا من الناس، و في النهاية و أركان كل شي‏ء جوانبه التي يستند إليها و يقوم بها.

 (الحديث العشرون)

 (4): مجهول.

و روى السيد في كتاب الإقبال، عن علي بن محمد البرسي، عن الحسين بن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 459

أحمد بن شيبان، عن حمزة بن القاسم العلوي العباسي، عن محمد بن عبد الله بن عمران البرقي، عن محمد بن علي الهمداني، عن محمد بن سنان، عن محمد بن السجاد في حديث طويل قال: قلت: لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك هذا رجب، علمني فيه دعاء ينفعني الله به، قال: فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، و قل في كل يوم من رجب صباحا و مساء و في أعقاب صلواتك في يومك و ليلتك يا من أرجوه إلى قوله يا كريم قال، ثم مد أبو عبد الله عليه السلام يده اليسرى فقبض على لحيته و دعا بهذا الدعاء و هو يلوذ بسبابته اليمنى، ثم قال بعد ذلك يا ذا الجلال و الإكرام يا ذا النعماء و الجود يا ذا المن و الطول حرم شيبتي على النار، و في حديث آخر، ثم وضع يده على لحيته و لم يرفعها إلا و قد امتلأ ظهر كفه دموعا، و ذكر أبو عمرو الكشي هذا الدعاء و أسند نقله إلى محمد بن زيد الشحام هكذا، قلت له علمني دعاء قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم يا من أرجوه إلى قوله و أعطني بمسألتي إياك الدعاء

" سخطه"

 (1) لعله محمول على السخط الذي يوجب الخلود في النار، أو المراد

بالأمن‏

 (2) رجاء العفو أو محض العثرة بالصغائر

" غير منقوص"

 (3) أي عطاؤك كامل غير ناقص أو لا يصير ما تعطيني سببا لنقص خزائنك أي منقوصا من شي‏ء فتأمل.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (4): مرفوع.

" اللهم ارفع ظني"

 (5) لعل المراد ارفع ظني عن المخلوقين و اجعله صاعدا إليك‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 460

فتكون أنت موضع رجائي، أو ارفع ظني عن الانحطاط أي اجعل ظني بك كاملا و الله يعلم، و في الصحاح‏

الغرامة

 (1) ما يلزم أداؤه و كذلك المغرم و الغرم.

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (2): مجهول.

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (3): صحيح.

 (الحديث الرابع و العشرون)

 (4): حسن، أو موثق، و

كرام‏

 (5) لقب عبد الكريم ابن عمرو.

" و نصرا في دينك"

 (6) في بعض الكتب- بصيرة في خلقك- في بعض الكتب-

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 461

في حكمك-

" و كفلين."

 (1) أي النعمة الظاهرة و الباطنة أو الدنيا و الآخرة أو ضاعف رحمتك و قال في القاموس: الكفل بالكسر الضعف و النصيب و الحظ، و قال:

الكسل‏

 (2) التثاقل من الشي‏ء و الفتور فيه، و قال:

الهرم‏

 (3) محركة أقصى الكبر، و قال في الصحاح‏

الملتحد

 (4) الملجإ لأن اللاجئ يميل إليه، و قال في مصباح اللغة:

الهلك‏

 (5) مثل قفل و الهلكة مثال قصبة بمعنى الهلاك،

و لا تردني‏

 (6) عن الرد أو من الإرادة فتدبر

ذات أبراج‏

 (7) أي مزينة بالكواكب و قد مر تفسير هذه الفقرات في باب الدعاء عند النوم و الانتباه فارجع إليه‏

" تدلج الرحمة"

 (8) لعل فيه حذفا و إيصالا أو الرحمة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 462

منصوب بنزع الخافض أو هو مرفوع بالفاعلية إذ الإدلاج لازم‏

" مكان شهادته"

 (1) أي ضاعف لي الثواب بعدد كل من جحد ما أقررت به‏

" أنت السلام"

 (2) أي السالم من النقائص أو مسلم الخلق من الآفات‏

" و منك السلام"

 (3) أي سلامة كل أحد من العيوب أو البلايا من فضلك.

 (الحديث الخامس و العشرون)

 (4): حسن أو موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 463

 (الحديث السادس و العشرون)

 (1): حسن‏

ما أنزل به‏

 (2) أي أنزل الملك بسببه، و في التهذيب، و المصباح أنزلت به جميع و هو الصواب‏

" و الذل"

 (3) بالكسر ضد الصعب و قال في النهاية: فيه نهي المسافر أن يأتي أهله‏

طروقا

 (4) أي ليلا و كل آت بالليل طارق، و قيل: أصل الطروق من الطرق و هو الدق و سمي الآتي بالليل طارقا لحاجته إلى دق الباب، و في نسخ المصباح هكذا- من طوارق الإنس و الجن و زوابعهم و توابعهم و حسدهم و مكائدهم و مشاهدة الفسقة منهم و في القاموس‏

الزوبعة

 (5) اسم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 464

شيطان أو رئيس الجن‏

" و بوائقهم"

 (1) في النهاية أي غوائلهم و شرورهم و أحدهما بائقة و هي الداهية، و قال في الصحاح‏

و قاساه‏

 (2) أي كابده، و قال: الكبد الشدة و كابدت الأمر إذا قاسيت شدته، و قال و الفعل بالكسر الاسم و الجمع فعال و الفعال أيضا مصدر، و قال‏

و توانى‏

 (3) في حاجته قصر.

 (الحديث السابع و العشرون)

 (4): صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 465

 (الحديث الثامن و العشرون)

 (1): ضعيف على المشهور.

و في النهاية: في أسمائه‏

الشكور

 (2) و هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد يضاعف لهم الجزاء و شكره لعباده مغفرته لهم و الشكور من أبنية المبالغة يقال شكرت الله و شكرتك و الأول أفصح.

 (الحديث التاسع و العشرون)

 (3): ضعيف على المشهور و قال في الصحاح‏

قدوس‏

 (4) اسم من أسماء الله تعالى و هو فعول من القدس و هو الطهارة و سيبويه يقول قدوس و سبوح بفتح أوائلهما و قال‏

الإدالة

 (5) الغلبة يقال اللهم أدلني على فلان أي انصرني عليه.

 (الحديث الثلاثون)

 (6): ضعيف على المشهور.

" و الآثار"

 (7) الأعمال الصالحة و السيئة قوله تعالى (وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ)

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 466

و في الصحاح‏

أفضيت‏

 (1) على فلان سري و أقضى بيده إلى الأرض إذا مسها بباطن راحته، و في القاموس يقال‏

زويت عني‏

 (2) ما أحب أي صرفته عني و قبضته، و في النهاية و ما زوى الله عنكم أي ما نحى عنكم من الخير و الفضل.

 (الحديث الواحد و الثلاثون)

 (3): مجهول أو حسن، و السند الآخر حسن.

" ولي الحمد"

 (4) يطلق الولي على المتولي بأمر، و على الأولى بأمر، فعلى الأول المراد أنه هو الحامد لنفسه كما يستحقه، أو هو الموفق لكل من حمده، و على الثاني المراد أنه أولى بالحمد من كل أحد، و نقل المعنيين في مجمع البيان‏

" أخلص"

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 467

 (1) لعله إشارة إلى أن من لم يخلص العمل له فهو مشترك فتدبر و قال في القاموس:

شانه‏

 (2) ضد زانه، و قال‏

العبرة

 (3) بالفتح الدمعة قبل أن تفيض، أو تردد البكاء في الصدر أو الحزن بلا بكاء، و الجمع عبرات و عبر، و قال في الصحاح:

الابتهال‏

 (4) التضرع و يقال في قوله تعالى (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) أي تخلص في الدعاء و قال فلان‏

يتحرى‏

 (5) الأمر أي يتوخاه و يقصده‏

" إن أقصيتني"

 (6) أي أبعدتني و قال في الصحاح‏

البطر

 (7) الأشر و هو شدة المرح و قد بطر بالكسر يبطر و قال‏

ركن الشي‏ء

 (8) جانبه الأقوى و الابتلاء الاختبار

" و هدت"

 (9) أي كسرت‏

" كيف اطلب"

 (10) إلى آخره في المصباح هكذا كيف لي طلب و شهوات الدنيا أو أبكي على حميم فيها و لا أبكي على نفسي و تشتد إلى آخره‏

" و أبكي على‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 468

حبيبي"

 (1) أي أرى أحبائي يموتون و أبكي عليهم أي كيف أبكي و كيف أطلب و الحال إني أبكي على معاصي و هي أشد، أو يقدر كيف في قوله و لا أبكي، و يكون قوله و أبكي جملة حالية أي كيف أطلب الدنيا و أرى موت إحيائي و كيف لا أبكي على ذنوبي و الحال أنه تشتد حسراتي عليها و قال في القاموس‏

التثبط

 (2) التوقف و لتعود عن الأمر و الشغل عنه‏

" و الحطام"

 (3) ما تكسر من اليبيس‏

" و همد"

 (4) الثوب يهمد همودا بلى و نبات هامد يابس و الهامد البالي المسود المتغير و اليابس من النبات و

" الهشيم"

 (5) من النبات اليابس المتكسر و الشجرة البالية يأخذها الحاطب كيف يشاء و

" باد"

 (6) هلك و ذهب و انقطع‏

" و الفرجة"

 (7) مثلثة التقضي من الأمر

" أو الهدى‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 469

بالضلالة"

 (1) و في المصباح أو الضلالة بالهدي و هو الظاهر، و لعله من النساخ.

 (الحديث الثاني و الثلاثون)

 (2): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 470

 (الحديث الثالث و الثلاثون)

 (1): حسن‏

" و النجاة من كل ورطة"

 (2) في المصباح النجاة بدون الواو في موضع و في موضع كما في المتن و على ما في المتن يكون المقصود بالسؤال الرحمة و بدون الواو يكون الباء للقسم أو للسببية و المقصود بالسؤال النجاة و يكون‏

قوله عليه السلام و الخروج‏

 (3) معطوفا على قوله رضاك، و لعل ما في المتن أظهر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 471

لورود تعدية السؤال بالباء كما في قوله تعالى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ)" و الورطة" كل غامض و الهلكة و كل أمر تعسر النجاة منه و شعبت الشي‏ء فرقته‏

" و الزهد في الكفاف"

 (1) أي مع الكفاف و في التهذيب و المصباح هكذا و الزهد فيما هو وبال و أسألك المخرج، و قال في النهاية: الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشي‏ء و يكون بقدر الحاجة، و في الحديث ابدأ بمن يقول و لا تلام على كفاف أي إذا لم يكن عندك كفاف لم تلم على أن لا تعطى أحدا، و قال النصف بالكسر الانتصاف و قال في القاموس‏

الإنصاف‏

 (2) العدل و الاسم منه النصف و النصفة محركتين.

 (الحديث الرابع و الثلاثون)

 (3): حسن، أو موثق.

" و حكم الفقهاء"

 (4) أي الحكمة أو القضاء

" لا يحفيك سائل"

 (5) قيل مشتق من الحفو بمعنى المنع أي لا يمنعك كثرة سؤال السؤال عن العطاء، و قيل: بمعنى المبالغة في السؤال أي كلما ألحوا في السؤال لم يصلوا إلى حد المبالغة في السؤال بل يحسن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 472

منهم الأكثر، و الأظهر أن المراد لا ينقص عطاياك كثرة سؤال السائلين لسعة خزائن رحمتك من الإحفاء بمعنى المبالغة في أخذ الشي‏ء كما في قوله عليه السلام أحفوا الشوارب‏

" و البرم"

 (1) السأمة و الضجر

" و الجبة"

 (2) الاستقبال بالمكروه‏

" ألفيتني"

 (3) أي وجدتني و

الهداءة

 (4) و الهدء السكون من الحركات ليست لعالم فوقه صفة لعل المراد ليس لعالم صفة في العلم تكون فوقه أي ليس أحد أعلم منه أو لا يمكن للعلماء أن يبالغوا في صفة حتى يكون أكثر مما هو عليه بل كلما بالغوا فيه فهم مقصرون و الأخير أظهر، و قيل المراد به أنه ليس لعالم يكون فوقه صفة أي وجود إذ كلما له وجود فله صفة، و الفقرة الثانية يمكن أن يكون المراد بها أنه ليس لما دونه من المخلوقات امتناع من أن يصل إليهم مكروه، أو ليس لمخلوق بدون لطفه و حفظه منعه، و قال في النهاية: يقال: قوم ليست لهم‏

منعة

 (5) أي قوة تمنع من يريدهم بسوء و قد يفتح النون و قال و

العنصر

 (6) بضم العين و فتح الصاد الأصل و قد يضم و النون زائدة فيه عند سيبويه.

 (الحديث الخامس و الثلاثون)

 (7): موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 473

 (الحديث السادس و الثلاثون)

 (1): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 474

كتاب فضل القرآن‏

 (1)

 [باب فضل قراءة القرآن‏]

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول، أو ضعيف.

و قال في النهاية:

القرآن‏

 (3) أصل هذا اللفظ للجمع و كل شي‏ء جمعته فقد قرأته و منه سمي القرآن لأنه جمع القصص، و الوعد و الوعيد و الآيات و السور بعضها إلى بعض، و هو مصدر كغفران، و قد يطلق على الصلاة لأن فيها القراءة، و على القراءة نفسها و قد يخفف الهمزة فيه تخفيفا

" نعرفه بنعته"

 (4) لعله يجي‏ء بصورة من يعرفونه أو المراد إنا نعرف بهذه الحلية و السيماء أنه رجل من المسلمين لكن لا نعرفه باسمه أو العرفان لأنهم كانوا يقرءونه و يتلونه لكن لما تغيرت الصورة ظنوا أنه رجل كانوا يعرفونه، و ذهب عن بالهم اسمه، و قيل: لما كان المؤمن في نيته أن يعبد الله حق عبادته و يتلو كتابه حق تلاوته إلا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد، و بالجملة لا

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 475

يوافق عمله ما في نيته كما ورد في الحديث نية المؤمن خير من عمله، فالقرآن يتجلى لكل طائفة بصورة من جنسهم إلا أنه أحسن في الجمال و البهاء، و هي الصورة التي لو كانوا يأتون بما في نيتهم من العمل بالقرآن لكان لهم تلك الصورة و إنما لا يعرفونه كما ينبغي لأنهم لم يأتوا بذلك كما ينبغي و إنما يعرفونه بنعته و وصفه لأنهم كانوا يتلونه و إنما وصفوا الله بالحلم و الكرم و الرحمة حين رؤيتهم لما رأوا في أنفسهم في جنبه من النقص و القصور الناشئين من تقصيرهم يرجون من الله العفو و الكرم و الرحمة، و إنما كان حجة الله على خلقه لأنه أتى بما يجب عليهم الإتيان به و الانتهاء عنه.

و أما

قوله" فمنهم من صانني"

 (1) فمعناه أنه أتى بما كان في وسعه و مع ذلك كان في‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 476

نيته أن يأتي بأحسن منه و إنما يشفع لمكان النية، و لعل رجوعه في صورة الرجل الشاحب لسماعة الوعيد الشديد، و هو و إن كان لمستحقيه إلا أنه لا يخلو من تأثير لمن يطلع عليه انتهى. و في الصحاح‏

السمت‏

 (1) الطريق و يستعار لهيئة أهل الخير يقال ما أحسن سمت فلان و قال في النهاية قد تكرر ذكر الشفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا و الآخرة و هي السؤال في التجاوز عن الذنوب و الجرائم يقال‏

شفع‏

 (2) يشفع شفاعة فهو شافع و شفيع و المشفع بكسر الفاء المشددة الذي يقبل الشفاعة و بالفتح الذي يقبل شفاعته‏

" شاحب متغير"

 (3) في الصحاح شحب جسمه بالفتح يشحب بالضم شحوبا إذا تغير و لعل تغير صورته للغضب على المخالفين، أو للاهتمام بشفاعة المؤمنين كما في قوله عليه السلام يقوم السقط محبنطئا على باب الجنة و سهر بالكسر و أسهره و غيره و في الصحاح‏

نصب‏

 (4) الرجل بالكسر نصبا تعب و أنصبه غيره‏

" إنهم أهل تسليم"

 (5) أي لا يشككون‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 477

في الأشياء و كلما سمعوا شيئا يعتقدونه كلام القرآن، قيل: تكلم القرآن عبارة عن إلقائه إلى السمع ما يفهم منه المعنى و هذا هو معنى حقيقة الكلام لا يشترط فيه أن يصدر من لسان لحي و كذا تكلم الصلاة فإن من أتى بالصلاة بحقها و حقيقتها نهته الصلاة عن متابعة أعداء الدين و غاصبي حقوق الأئمة الراشدين الذين من عرفهم عرف الله و من ذكرهم ذكر الله‏

" إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏"

 (1) قد وردت الأخبار في أن المراد بالصلاة أمير المؤمنين عليه السلام‏

و الفحشاء و المنكر

 (2) أبو بكر و عمر و ذكر الله رسول الله فقوله عليه السلام الصلاة رجل، يمكن أن يكون على سبيل التنظير أي لا استبعاد في أن يكون للقرآن صورة كما أن في بطن هذه الآية المراد بالصلاة رجل أو يكون المراد أن للصلاة صورة و مثالا يترتب عليه و ينشأ منه آثار الصلاة فكذا القرآن و يحتمل أن يكون صورة القرآن في القيامة أمير المؤمنين عليه السلام فإنه حامل علمه و المتخلق بأخلاقه كما قال عليه السلام أنا كلام الله الناطق فإن كل من كمل فيه صفة أو

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 478

عمل أو حالة فكأنه جسد لتلك الصفة و شخص له فأمير المؤمنين عليه السلام جسد للقرآن و للصلاة و للزكاة و لذكر الله، لكمالها فيه فيطلق عليه هذه الأسامي في بطن القرآن و يطلق على مخالفيه الفحشاء و المنكر و البغي، و الكفر و الفسوق و العصيان لكمالها فيهم فإنهم أجساد لتلك الخصال الذميمة و تلك أرواحهم كذا أفاض الله علي في حل هذا الخبر و به ينحل كثير من غوامض الأخبار.

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور.

و قال في النهاية

الهدنة

 (2) السكون و الصلح و الموادعة بين المسلمين و الكفار و بين كل متحاربين يقال هدنت الرجل و أهدنته إذا أسكنته يتعدى و لا يتعدى و أعدوا الجهاز و في بعض النسخ الجهاد، و قال في النهاية:

تجهيز

 (3) الغازي تجميله و إعداد ما يحتاج في غزوة و منه تجهيز العروس و الميت، و في الحديث هي أزادك و أعد جهازك انتهى، و الجهاد المبالغة و استفراغ ما في الوسع و الطاقة من قول أو فعل يقال جهد الرجل في الشي‏ء أي جد فيه و بالغ‏

" و ما دار الهدنة"

 (4) لعل الهدنة كناية عن المهلة و قال في النهاية منه حديث ابن مسعود القرآن شافع مشفع‏

و ماحل مصدق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 479

 (1) أي خصم مجادل مصدق، من قولهم محل بفلان إذا سعى به إلى السلطان يعني من اتبعه و عمل بما فيه فإنه شافع له مقبول الشفاعة و مصدوق عليه فيما يرفع من مساويه إذا ترك العمل بما فيه و في صفة القرآن‏

هو الفصل‏

 (2) أي الفاصل بين الحق و الباطل و

الأنيق‏

 (3) الشي‏ء المعجب، و الأنق بالفتح الفرح و السرور

" على نجومه نجوم"

 (4) لعل المراد له نجوم أي آيات تدل على أحكام الله تهتدي بها و فيه آيات تدل على هذه الآيات و توضحها أو المراد بالنجوم الثالث السنة فإن السنة توضح القرآن أو الأئمة عليهم السلام العالمون بالقرآن أو المعجزات فإنها تدل على حقيقة الآيات لمن عرف الصفة أي الصفات التي توجب المغفرة من القرآن أو صفة التعرف و الاستنباط فتأمل‏

" و العطب"

 (5) الهلاك‏

" و نشب"

 (6) في الشي‏ء إذا وقع فيما لا مخلص له منه و التربص الانتظار.

 (الحديث الثالث)

 (7): حسن أو موثق.

" و لو أتاكم"

 (8) أي لو أتاكم من يخبر عما في القرآن من غرائب العلوم و الحكم لتعجبتم و يمكن أن يكون المراد لو أتاكم رجل يخبركم بمثل ما في القرآن‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 480

يتعجبون و كيف لا يتعجبون من القرآن و فيه علم ما يكون و ما كان، و الله يعلم.

 (الحديث الرابع)

 (1): ضعيف.

 (الحديث الخامس)

 (2): ضعيف كالموثق‏

" و الدجى"

 (3) الظلمة.

 (الحديث السادس)

 (4): ضعيف.

" ما كان من جهد"

 (5) لعل المراد أنه ينفعك و لو كنت على غاية المشقة و الفاقة.

 (الحديث السابع)

 (6): ضعيف على المشهور.

و يدل على أن ما في الصدور أعم من الأمراض الظاهرة و الباطنة و الجسمانية و الروحانية.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 481

 (الحديث الثامن)

 (1): مرسل‏

" لا يرجع الأمر"

 (2) يمكن أن يكون المراد بطلان خلافتهم أو أنه لا يرجع إليهم بعد ذلك و الأخير أظهر فتدبر

" من الأحداث"

 (3) أي البدع و

" الهلكة"

 (4) محركة الهلاك.

 (الحديث التاسع)

 (5): موثق.

 (الحديث العاشر)

 (6): مجهول.

و قال في مجمع البيان قد شاع في الخبر عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال أعطيت مكان التوراة

السبع الطوال‏

 (7)، و مكان الإنجيل المثاني، و مكان الزبور المائين و فضلت بالمفصل، و في رواية واثلة بن الأسقع و أعطيت مكان الإنجيل المائين و مكان الزبور المثاني، و أعطيت فاتحة الكتاب و خواتيم البقرة من تحت العرش لم يعطها نبي قبلي.

و أعطاني ربي المفصل نافلة و السبع الطوال البقرة و آل عمران و النساء و المائدة و الأنعام و الأعراف و الأنفال مع التوبة لأنهما تدعيان القرينتين و لذلك لم يفصل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 482

بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم و قيل أن السابعة سورة يونس، و الطوال جمع الطولى تأنيث الأطول، و إنما سميت هذه السور الطوال لأنها أطول سور القرآن، و أما

المثاني‏

 (1) فهي السورة التالية للسبع الطوال فأولها سورة يونس و آخرها سورة النحل، و إنما سميت مثاني لأنها ثنيت الطوال أي تلتها فكان الطوال المبادئ و المثاني لها ثواني، و قال الفراء واحدها مثناة و قيل: مثنى و مثاني. كمعنى و معاني، و قيل:

المثاني سور القرآن كلها طوالها و قصارها من قوله تعالى (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ) و وجه التسمية أنه يثني فيه الحدود و الأمثال، و قيل: للثاني سورة الحمد و هو المروي عن الأئمة عليهم السلام و أما

المئون‏

 (2) فهي كل سورة تكون نحوا من مائة آية أو فويق ذلك أو دوينه و هي سبع أولها سورة بني إسرائيل و آخرها المؤمنون، و قيل: إن المائين ما ولي السبع الطوال ثم المثاني بعدها، و هي التي يقصر عن المائين و يزيد على المفصل، و سميت مثاني لأن المائين مباديها، أما

المفصل‏

 (3) فما بعد الحواميم إلى آخر القرآن، و طوالها من سورة محمد إلى النبإ و متوسطاته منه إلى الضحى، و قصاره منه إلى آخر القرآن، و سميت مفصلا لكثرة الفصول بين سورها ببسم الله الرحمن الرحيم انتهى، و على ما ذكره المفسرون من التفسير الطوال و المئين و المثاني و المفصل يخرج كثير من السور عن الأقسام، و السبع غير مذكور في هذا الخبر فيمكن أن يكون عند كل من الثلاثة الأول أزيد من السبع و لا يمكن إدراجها في المفصل لأن العدد مذكور فيه و المراد بالمفصل من سورة محمد صلى الله عليه و آله و سلم إلى آخر القرآن ثمان و ستون سورة و

" هو مهيمن"

 (4) أي شاهد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 483

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): ضعيف.

و قال في مغرب اللغة

رقي‏

 (2) في السلم رقيا من باب لبس، و في القرآن (أو يرقى في السماء) و ارتقى فيه مثله.

 (الحديث الثاني عشر)

 (3): مجهول.

و الديوان‏

 (4) جريدة الحساب و لعل ملؤ اليمين و الشمال كناية عن تضعيف جزاء ديوان الحسنات و محو ديوان السيئات، أو عن إعطاء كتاب دخول الجنة بيمينه،

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 484

و كتاب البراءة من النار بشماله أو الجميع استعارة تمثيلية لبيان غاية الإكرام و الإنعام.

 (الحديث الثالث عشر)

 (1): ضعيف.

 (الحديث الرابع عشر)

 (2): حسن، أو موثق.

و يمكن الجمع بين هذا الخبر و بين ما مر بأن يكون فاعل يقولون غير أرباب الصفوف، أو هم بعد التفتيش و التعريف أو يكون هذا مرورا آخر بعد المرور الأول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 485

باب فضل حامل القرآن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الثاني)

 (3): صحيح.

و قال في النهاية: و فيه مثل الماهر بالقرآن مثل‏

السفرة

 (4) هم الملائكة جمع سافر و هو الكاتب لأنه يبين الشي‏ء، و منه (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) قال النووي هو جمع سافر بمعنى رسول يريد أنه يكون في الآخرة رفيقا لهم في منازله أو هو عامل بعملهم، قال الطيبي: أو بمعنى مصلح بين قوم أي الملائكة النازلون لإصلاح مصالح العباد من دفع الآفات و المعاصي و

البررة

 (5) جمع بار.

 (الحديث الثالث)

 (6): صحيح.

" و الشاحب"

 (7) المتغير اللون و الجسم لعارض من مرض أو سفر و نحوهما

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 486

" تجارة كل تاجر"

 (1) لعل المراد أحصل لك تجارة كل تاجر أو أنا لك بعوض تجارة كل تاجر فتأمل‏

" في الجنان بيساره"

 (2) قال في النهاية أي يجعلان في ملكيته فاستعار اليمين و الشمال لأن القبض و الأخذ بهما.

 (الحديث الرابع)

 (3): مجهول،

" حجيزا"

 (4) أي مانعا.

 (الحديث الخامس)

 (5): ضعيف.

و قال في الصحاح قولهم‏

نولك‏

 (6) أي تفعل كذا أي حقك و ينبغي لك و أصله‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 487

من التناول‏

" و لا يغضب فيمن"

 (1) أي معه‏

" فيمن يجد"

 (2) من الوجد الغضب.

 (الحديث السادس)

 (3): مجهول.

 (الحديث السابع)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 488

" الحال المرتحل"

 (1) أي عمله، و في النهاية فيه أنه سئل أي الأعمال أفضل فقال: الحال المرتحل، قيل: و ما ذلك قال الخاتم المفتتح هو الذي يختم القرآن بتلاوته ثم يفتتح التلاوة من أوله شبهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحل فيه ثم يفتتح السير أي يبتدأ به و كذلك قراءة مكة إذا ختموا القرآن بالتلاوة ابتدءوا و قرءوا الفاتحة و خمس آيات من أول سورة البقرة إلى قوله (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ثم يقطعون القراءة و يسمون فاعل ذلك الحال المرتحل أي أنه ختم القرآن و ابتدأ بأوله و لم يفصل بينهما بزمان.

 (الحديث الثامن)

 (2): مجهول.

" و الإمابة عني"

 (3) أي الاهتمام و في بعض النسخ و الأمانة عني و في بعضها إلا ما به غنى أي إن لم يكن قرأ القرآن فليس هو بغني و إن جمع الأموال أو إن لم يرض بغني القرآن فلا يحصل له بعده غنى و الله يعلم.

 (الحديث التاسع)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 489

 (الحديث العاشر)

 (1): ضعيف.

 (الحديث الحادي عشر)

 (2): ضعيف على المشهور.

و قال في النهاية

العرفاء

 (3) هو جمع عريف، و هو القيم بأمور القبيلة و الجماعة يلي أمورهم و يتعرف الأمير منه أحوالهم‏

" قواد"

 (4) أي يقودونهم إليها، و في النهاية و فيه أن قريشا قادة زادة أي يقودون الجيوش و هو جمع قائد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 490

باب من يتعلم القرآن بمشقة

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

 (الحديث الثاني)

 (3): مجهول.

و لعل المراد

بالأولين‏

 (4) السابقون الذي سبقوا إلى الإيمان بالله و رسوله.

 (الحديث الثالث)

 (5): مرسل.

باب من حفظ القرآن ثم نسيه‏

 (6)

 (الحديث الأول)

 (7): موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 491

" و أفلت"

 (1) الطائر و غيره إفلاتا تخلص.

 (الحديث الثاني)

 (2): حسن.

 (الحديث الثالث)

 (3): حسن، أو موثق.

 (الحديث الرابع)

 (4): مجهول.

" أو تركها"

 (5) أي ترك قراءتها.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 492

 (الحديث الخامس)

 (1): مجهول.

و حمل على الجواز و الأخبار الأخر على الكراهة، أو تلك على ما إذا كان على وجه الاستخفاف و عدم الاعتناء و هذا على الضرورة أو هلك على النسيان مع ترك العمل أو ترك العمل فقط و هذا على النسيان و الله يعلم.

 (الحديث السادس)

 (2): صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 493

باب في قراءته‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن.

 (الحديث الثاني)

 (3): ضعيف.

باب البيوت التي يقرأ فيها القرآن‏

 (4)

 (الحديث الأول)

 (5): مرفوع.

و قال في مجمع البحار و منه و لا تجعلوا بيوتكم قبورا أي لا تجعلوها كالقبور فلا تصلوا فيها كالميت لا يصلي في قبره، لقوله: و اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 494

و لا تجعلوها قبورا، و قيل: لا تجعلوها كمقابر لا يجوز الصلاة فيها و الأول أوجه، و قال في شرح المصابيح و لا تتخذوها قبورا معناه لا تجعلوا البيوت خالية عن الصلاة شبه المكان الخالي عن العبادة بالقبر، و الغافل عنها بالميت ثم أطلق القبر على مقره و قيل معناه النهي عن الدفن في البيوت.

 (الحديث الثاني)

 (1): حسن، أو مجهول.

و في النهاية و من أهل الجنة

يتراءون‏

 (2) أهل عليين كما ترون الكوكب الدري أي ينظرون و يرون.

 (الحديث الثالث)

 (3): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 495

باب ثواب قراءة القرآن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

 (الحديث الثاني)

 (3): صحيح.

 (الحديث الثالث)

 (4): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 496

 (الحديث الرابع)

 (1): مجهول، و هذا السند بعينه مذكور في فهرست الشيخ، و فيه عن النضر بن شعيب، عن خالد بن ماد و كذلك في النجاشي و أسانيد الفقيه فما في الكتاب تصحيف.

و لعل التعبير بهذا النحو للإشعار باختلاف مراتب الفضل و إن اشترك الكل في ذلك الثواب مثلا الختم من الجمعة إلى الجمعة أفضل مما كان الختم فقط في الجمعة و هو أفضل مما إذا كان الابتداء و الختم في سائر الأيام.

 (الحديث الخامس)

 (2): مجهول.

و قال في النهاية يرد القنوت في الحديث لمكان متعددة كالطاعة و الخشوع و الصلاة و الدعاء و العبادة و القيام و طول القيام و السكوت‏

" من بر القنطار"

 (3) أي ثواب من أنفق قنطارا أو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، و في الصحاح القنطار معيار، و يروي عن معاذ بن جبل أنه قال هو ألف و مائتا أوقية، و يقال: هو مائة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 497

و عشرون رطلا و يقال ملأ مسك الثور ذهبا و يقال غير ذلك و الله أعلم و منه قولهم قناطير مقنطرة

" أصغرها"

 (1) لعل الصغير و الكبير باعتبار اختلاف الرجال و الأحوال.

 (الحديث السادس)

 (2): ضعيف.

" حرفا ظاهرا"

 (3) لعل المراد غير المدغمة و المسقط في الدرج.

 (الحديث السابع)

 (4): ضعيف.

" ربي حيث يعلم"

 (5) في بعض النسخ إلى و في بعضها إلى ربي و على نسخة إلى بدون ربي، لعل المراد أن من قرأ القرآن قدر ما يعلم‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 498

يعطى ثواب ختمه فيترتب ثواب الختم على ختم هذا القرآن الذي نقرؤه و إن كان في الواقع أكثر من ذلك، و على نسخة ربي فقط لعل المراد أنه تعالى جعل مجموع القرآن عند من يعلم أي الأئمة و على الجمع بينهما لعل المراد أن ثوابه إلى الله تعالى لا يعلم غيره لكثرته و الله يعلم.

باب قراءة القرآن في المصحف‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مرفوع.

 (الحديث الثاني)

 (3): مجهول.

 (الحديث الثالث)

 (4): ضعيف.

 (الحديث الرابع)

 (5): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 499

 (الحديث الخامس)

 (1): ضعيف.

باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): مجهول.

و قال في مجمع البحار: فيه قيل لمن قال قرأت المفصل الليلة أ هذا كهذا الشعر، أرادت هذا القرآن هذا فتسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر،

" و الهذ"

 (4) سرعة القطع، و أنكر عليه عدم التدبر، و قال في مصباح اللغة الهذ سرعة القطع و هذ قراءته هذا من باب قتل أسرع فيها، و في أخبار العامة نثرا كنثر الدقل، قال في مجمع البحار في باب الدال‏

نثرا

 (5) كنثر الدقل بفتحتين، قال في النهاية: هو ردي‏ء التمر و يابسه و ما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه و رداءته لا يجتمع و يكون منثورا و في باب النون و فيه هذا كهذا الشعر و نثرا كنثر الدقل أي كما يتساقط الرطب اليابس من العذق إذا هز انتهى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 500

و أقول: على ما روي في هذا الكتاب من تبديل الدقل بالرمل يمكن أن يكون المراد ما ذكروه من السرعة، و أن يكون المراد مقابل السرعة أي عدم اتصال الكلمات و كون الفاصلة بينها كثيرة كما أن الرمل عند الانتشار تقع متباعدة بعضها عن بعض.

 (الحديث الثاني)

 (1): حسن.

" نزل بالحزن"

 (2) أي لأجل الحزن و تأثر النفوس.

 (الحديث الثالث)

 (3): ضعيف.

و قال في الصحاح: قد

لحن‏

 (4) في قراءته إذا طرب بها و غرد، و هو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة أي غناءا، و قال:

الترجيع‏

 (5) في الأذان و ترجيع الصوت ترديده في الحلق كقراءة أصحاب الألحان، و قال في النهاية: فيه أن الخوارج يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم،

التراقي‏

 (6) جمع الترقوة و المعنى أن قراءتهم لا يرفعه الله و لا يقبله.

 (الحديث الرابع)

 (7): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 501

 (الحديث الخامس)

 (1): مرسل.

" أعرب القرآن"

 (2) قيل المراد اقرءوها بألحان العرب كما مر، أي بينوا فيه محسنات القراءة من التفخيم و الترقيق و الإدغام و غير ذلك، و قال الطيبي في شرح المشكاة أعربوا القرآن و اتبعوا غرائبه أي بينوا ما فيه من غرائب اللغة و بدائع الإعراب، و فيه غرائبه بالفرائض و الحدود ليزول التكرار، و في النهاية إنما سمي الإعراب إعرابا لتبيينه و إيضاحه.

 (الحديث السادس)

 (3): ضعيف.

 (الحديث السابع)

 (4): ضعيف، و لعل الضمير في‏

عنه‏

 (5) راجع إلى إبراهيم بن هاشم لا إلى ابنه، و يحتمل أن يكون راجعا إلى الابن بأن يكون روى علي عن علي بواسطة و بدونها و الأول أظهر.

" أقل من ثلاث"

 (6) قيل أي أقل من إحدى ثلاث أي لا يخلو كل منهم من‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 502

إحداهن و الأظهر أن المراد أن تلك الخلال بينهم أقل و أعم من سائر الخصال.

 (الحديث الثامن)

 (1): مجهول.

و في الصحاح‏

فلان حسن النغمة

 (2) إذا كان حسن الصوت في القراءة.

 (الحديث التاسع)

 (3): ضعيف.

و روي في العيون بإسناده عن الرضا عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عن علي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال قال: رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حسنوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا و يزيد في الخلق ما يشاء.

 (الحديث العاشر)

 (4): ضعيف.

 (الحديث الحادي عشر)

 (5): موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 503

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الثالث عشر)

 (2): صحيح.

باب فيمن يظهر الغشية عند القرآن‏

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): ضعيف بسنديه.

و المراد أنهم يكذبون في ادعائهم عدم الشعور، و أن مباديه بأيديهم لأن الرقة و الدمعة تدفعه و الأخير أظهر.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 504

باب في كم يقرأ القرآن و يختم‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن أو موثق على الظاهر.

 (الحديث الثاني)

 (3): ضعيف على المشهور.

و أشار بيده‏

 (4) كأنه أشار إليه أن يسكت‏

" شيئا من الشهور"

 (5) أي الختم في ثلاث في شهر رمضان حسن كما يظهر من آخر الباب فتدبر، و قال في النهاية

الهذرمة

 (6) السرعة في الكلام و المشي، و يقال للتخليط هذرمة، و قال في الصحاح الهذرمة السرعة في القراءة.

 (الحديث الثالث)

 (7): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 505

" معجزا"

 (1) ليختم في أسبوعين.

 (الحديث الرابع)

 (2): مجهول كالحسن.

" في هذه الحال"

 (3) أي التشيع أو شرعت في هذا العمل.

 (الحديث الخامس)

 (4): ضعيف على المشهور.

و قال في النهاية:

ها

 (5) مقصورة كلمه تنبيه للمخاطب ينبه بها على ما يساق إليه من الكلام.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 506

باب أن القرآن يرفع كما أنزل‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

و يمكن أن يكون المراد أنه لا يوافق لهجته أو لا يراعى محسنات القراءة أو يقرأ الغلط من غير علم مع بذل الجهد.

 (الحديث الثاني)

 (3): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 507

باب فضل القرآن‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

" أربعمائة شهيد"

 (3) لعل المراد شهداء غير هذه الأمة، أو ما تستحقون من الثواب و إن تفضل عليهم بأكثر و الأخير أظهر في أمثال هذه فتدبر

" أو يرى له"

 (4) أي يرى غيره في المنام مثلا، أو إمام يعلم الغيب فيخبره.

 (الحديث الثاني)

 (5): موثق.

" تعلقن بالعرش"

 (6) هذا إما كناية عن تقدسهن و بعدهن عن دنس الخطايا، أو المراد تعلق الملائكة الموكلين بهن أو أرواح الحروف كما أثبتها جماعة، و الحق‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 508

أن تلك الأمور من أسرار علومهم و غوامض حكمهم و نحن مكلفون بالتصديق بها إجمالا، و عدم التفتيش عن تفصيلها و الله يعلم‏

" يعني المكنونة"

 (1) أي الألطاف الخاصة كذا أفيد و في بعض النسخ يعني المكتوبة أي الفرائض اليومية.

 (الحديث الثالث)

 (2): ضعيف، و قال في مجمع البحار: و في الحديث يقرأ

المسبحات‏

 (3) أي سورا في أولها سبح الله، أو سبحان، أو سبح اسم ربك، و قال في التهذيب المسبحات من السور ما افتتح بسبح أو يسبح.

 (الحديث الرابع)

 (4): مجهول.

 (الحديث الخامس)

 (5): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 509

 (الحديث السادس)

 (1): مرسل.

و قال في النهاية يقال‏

يتشحط في دمه‏

 (2) أي يتخبط فيه، و يضطرب و يتمرغ.

 (الحديث السابع)

 (3): صحيح.

و لعل المراد أنه تعالى يتفضل بقراءة قل هو الله أحد مثل ما يستحقه الإنسان بثلث القرآن، أو أنه تعالى قرر لكل عمل ثوابا ثم يتفضل بأكثر منه، فلا يرد إن ضم قل هو الله أحد مع أمثالها مما ورد تحديد الثواب بالثلث و الربع يحيط بثواب القرآن فيصير باقي القرآن بلا ثمر و ثواب، و يمكن أن يكون المراد النصف بحسب القدر لا الثواب بأن يخرج منه هذه السور و الآيات المخصوصة أو يكون المراد نصف الثواب مع استثناء تلك السور و الآيات المعينة كل ذلك خطر بالبال و الأولان عندي أظهر من الأخيرين و الله يعلم.

 (الحديث الثامن)

 (4): مرسل.

و قال في النهاية:

الحمة

 (5) بالتشديد و التخفيف السم، و الأزهري أنكر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 510

التشديد و يطلق على إبرة العقرب للمجاورة لأن السم يخرج منها و أصلها حموا و حمى بوزن صرد، و الهاء فيها عوض عن لامها الواو أو الياء.

 (الحديث التاسع)

 (1): موثق.

و قال في مجمع البحار و فيه القرآن‏

يحاج‏

 (2) العباد أي يخاصمهم فيما ضيعوه و أعرضوا عنه.

 (الحديث العاشر)

 (3): ضعيف.

 (الحديث الحادي عشر)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 511

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): ضعيف.

 (الحديث الثالث عشر)

 (2): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الرابع عشر)

 (3): ضعيف.

 (الحديث الخامس عشر)

 (4): مرفوع.

 (الحديث السادس عشر)

 (5): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 512

 (الحديث السابع عشر)

 (1): ضعيف.

" و اللمم"

 (2) طرف من الجنون، و

العطاش‏

 (3) بالضم داء لا يروي صاحبه و لا يتمكن من ترك شرب الماء طويلا

" أو تعوهد"

 (4) كان الترديد من الراوي، أو يكون المراد يقرأ عليه إذا لم يمكنه القراءة و الأخير أظهر.

 (الحديث الثامن عشر)

 (5): ضعيف.

 (الحديث التاسع عشر)

 (6): مرسل.

" ماء إنشاء"

 (7) أي كلما ينقص ماؤه يصب عليه ماء آخر ليمتزج بالماء الباقي و يؤثر تأثيره دائما.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 514

 (الحديث العشرون)

 (1): ضعيف.

" و من فوقك"

 (2) أي يرفع رأسه إلى السماء و يقرأ

" ثم لا تفارقها"

 (3) أي عقد اليسرى أو قراءة السورة، و الأول هو المسموع.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (4): ضعيف.

و في النهاية

التفلت‏

 (5) و الإفلات و الانفلات التخلص من الشي‏ء فجأة من غير تمكث‏

" اللَّهُ الَّذِي"

 (6) في سورة الأعراف و هو هكذا (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) و في سورة الزمر (وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ)

و الفريسة

 (7) ما افترسه السبع‏

" ما أصفر"

 (8) أي الصفراء و قال في القاموس‏

الخطم‏

 (9) من كل طائر منقاره و من كل دابة مقدم أنفه و فمه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 515

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (1): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (2): ضعيف.

 (الحديث الرابع و العشرون)

 (3): مرسل.

" قد أمرني"

 (4) أي الملك كأنه يقول هذا من قبل الله تعالى.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 516

باب النوادر

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مرسل.

و في الصحاح الريح تدر السحاب و

تستدره‏

 (3) أي تستجلبه و في القاموس‏

البضاعة

 (4) بالكسر قطعة من المال تعد للتجارة

" إقامة القدح"

 (5) كأنه تأكيد للفقرة الأولى أعني حفظ الحروف و منهم من قرأ القدح بفتحتين تفسيرا للفقرة الثانية نظير ما مر في قوله عليه السلام- لا تجعلوني كقدح الراكب- و يحتمل أن يكون التشبيه من حيث إن القدح و هو السهم بلا ريش مستقيم ظاهرا و لا ينتفع به لعدم الوقوع على الهدف، و في النهاية و منه الحديث كان يسوي الصفوف حتى يدعها مثل القدح أو الرقيم أي مثل السهم أو سطر الكتابة و

الإدالة

 (6) الغلبة و في الصحاح‏

الكبريت‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 517

الأحمر

 (1) من الحجارة الموقد بها، و الياقوت الأحمر و الذهب أو جوهر معدنه بوادي النحل.

 (الحديث الثاني)

 (2): مجهول.

 (الحديث الثالث)

 (3): مرسل.

و يمكن أن يكون الثلث و الربع على سبيل التخمين، أو مجرد القسمة أثلاثا و أرباعا و إن لم تتساو الأقسام أو باعتبار اختلاف المعاني و البطون أو بعض التقسيمات في القرآن الواقعي و بعضها ما في بأيدينا منه و ربما يقال المراد

بالحلال‏

 (4) متابعة أهل البيت عليهم السلام، و

بالحرام‏

 (5) متابعة أعدائهم ليوافق التقسيم الآتي.

 (الحديث الرابع)

 (6): موثق.

 (الحديث الخامس)

 (7): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 518

" و أخره إذا جاء نصر الله"

 (1) لعل المراد أنه لم ينزل بعدها سورة كاملة فلا ينافي نزول بعض الآيات بعدها كما هو المشهور.

 (الحديث السادس)

 (2): مجهول، أو ضعيف على الظاهر.

و يمكن أن يكون عدم ذكر الكسر أي الثلث مع العشرين للظهور، أو لم يعتد بما نزل في الثلث لقلته، أو يكون بعد نزول الكل عشرين سنة.

 (الحديث السابع)

 (3): ضعيف و كان المراد النهي عن ذكر وقوع الأشياء في المستقبل و بيان الأمور الخفية من القرآن لا الاستخارة لأنه قد ورد الخبر بجوازه كذا قيد، و لعل الأظهر عدم التفؤل عند سماع آية أو رؤيتها كما هو دأب العرب في التفؤل و التطير و لا يبعد أن يكون السر فيه أنه يصير سببا لسوء عقيدتهم في القرآن إن لم يظهر أمره.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 519

 (الحديث الثامن)

 (1): مجهول.

و قيل:

الختم‏

 (2) ما كان علامة ختم الآيات فيه بالذهب، و يمكن أن يراد به النقش الذي يكون في وسط الجلد، أو في الافتتاح و الاختتام أو في الحواشي للزينة.

 (الحديث التاسع)

 (3): مجهول.

 (الحديث العاشر)

 (4): ضعيف.

" و ربيع القرآن"

 (5) أي كما أن الأشجار تنمو في الربيع و تظهر آثارها و أثمارها كذلك القرآن في شهر رمضان يكثر ثوابه و يظهر آثاره أكثر من سائر الأزمان فتأمل.

 (الحديث الحادي عشر)

 (6): مرسل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 520

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): ضعيف.

 (الحديث الثالث عشر)

 (2): حسن.

و قال في النهاية: فيه نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف أراد

بالحرف‏

 (3) اللغة يعني على سبع لغات من لغات العرب أي أنها متفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش، و بعضه بلغة هذيل، و بعضه بلغة هوازن، و بعضه بلغة اليمن، و ليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، على أنه قد جاء في القرآن ما قد قرئ بسبعة و عشرة كقوله (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) و عبد الطاغوت، و مما يبين ذلك قول ابن مسعود: إني سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرؤوا كما علمتم إنما هو كقول أحدكم هلم، و يقال و اقبل و فيه أقوال غير ذلك هذا أحسنها، و الحرف في الأصل الطرف و الجانب و به سمي الحرف حروف الهجاء.

 (الحديث الرابع عشر)

 (4): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 521

و قيل:

قوله" يعني به ما قد مضى- إلى قوله- قليلا"

 (1) من كلام الراوي، و هو جملة معترضة بين المبتدأ و الخبر وقعت مفسرة للمبتدإ تقدير الكلام ما عاتب الله به نبيه فهو عنى بذلك غيره.

أقول: هذا على نسخة يكون عنى بدون الواو و مع الواو أيضا يمكن تأويله بنحو مما ذكره، و على النسختين يمكن أن يكون من قوله- فهو يعني- إلى آخر الخبر جميعا كلام الراوي أو المصنف بل هذا أظهر فيكون المعنى محل هذا الكلام ما عتب الله به نبيه صلى الله عليه و آله و سلم.

 (الحديث الخامس عشر)

 (2): ضعيف.

 (الحديث السادس عشر)

 (3): مرسل.

 (الحديث السابع عشر)

 (4): مجهول.

" بعضه ببعض"

 (5) أفيد أن المراد تفسير القرآن و الجمع بين آيها و استنباط

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 522

الأحكام، فإنه لا يعلم ذلك غير المعصوم، و يحتمل أن يكون المراد المعنى الظاهر بتقدير الاستخفاف أو ارتكاب التجوز في الكفر، و قال الصدوق (ره) في كتاب معاني الأخبار بعد نقل هذا الخبر، و سألت محمد بن الحسن (ره) عن معنى هذا الحديث فقال هو أن تجيب الرجل في تفسير آية بتفسير آية أخرى انتهى، و يمكن أن يكون مراده نحوا مما ذكرنا أولا.

 (الحديث الثامن عشر)

 (1): مجهول.

 (الحديث التاسع عشر)

 (2): ضعيف و القتر و

القترة

 (3) محركتين الغبرة.

 (الحديث العشرون)

 (4): ضعيف.

" يبين الألسن"

 (5) أفيد أن المراد أنه لا يحتاج القرآن إلى الاستشهاد بإشعار العرب و كلامهم، بل الأمر بالعكس لأن القرآن أفصح الكلام و قد أذعن به جميع الأنام فتأمل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 523

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (1): مجهول.

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (2): موثق.

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (3): ضعيف.

" من اللوحين"

 (4) لعله عليه السلام في زمان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كتبه على لوحين فجمع منها، أو المراد لوح الخاطر و لوح الدفاتر، أو المراد اللوح المحفوظ و لوح المحو و الإثبات، أو الأرضى و السماوي و الله يعلم.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 524

 (الحديث الرابع و العشرون)

 (1): حسن.

 (الحديث الخامس و العشرون)

 (2): مجهول.

 (الحديث السادس و العشرون)

 (3): حسن.

 (الحديث السابع و العشرون)

 (4): مجهول و لعله عليه السلام اتقى ربيعة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 525

 (الحديث الثامن و العشرون)

 (1): موثق. و في بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن مسلم، فالخبر صحيح و لا يخفى أن هذا الخبر و كثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن و تغييره، و عندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، و طرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأسا بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر.

فإن قيل: إنه يوجب رفع الاعتماد على القرآن لأنه إذا ثبت تحريفه ففي كل آية يحتمل ذلك و تجويزهم عليهم السلام على قراءة هذا القرآن و العمل به متواتر معلوم إذ لم ينقل من أحد من الأصحاب أن أحدا من أئمتنا أعطاه قرانا أو علمه قراءة، و هذا ظاهر لمن تتبع الأخبار، و لعمري كيف يجترئون على التكلفات الركيكة في تلك الأخبار مثل ما قيل في هذا الخبر إن الآيات الزائدة عبارة عن الأخبار القدسية أو كانت التجزية بالآيات أكثر و في خبر لم يكن أن الأسماء كانت مكتوبة على الهامش على سبيل التفسير و الله تعالى يعلم و قال السيد حيدر الآملي في تفسيره أكثر القراء ذهبوا إلى أن سور القرآن بأسرها مائة و أربعة عشر سورة و إلى أن آياته ستة آلاف و ستمائة و ست و ستون آية و إلى أن كلماته سبعة و سبعون ألفا و أربعمائة و سبع و ثلاثون كلمة، و إلى أن حروفه ثلاثمائة آلاف و اثنان و عشرون ألفا و ستمائة و سبعون حرفا و إلى أن فتحاته ثلاثة و تسعون ألفا و مائتان و ثلاثة و أربعون فتحة، و إلى أن ضماته أربعون ألفا و ثمان مائة و أربع ضمات و إلى أن كسراته تسع و ثلاثون ألفا و خمسمائة و ستة و ثمانون كسرة، و إلى أن تشديداته تسعة عشر ألفا و مائتان و ثلاثة و خمسون تشديدة، و إلى أن مداته ألف و سبعمائة و أحد و سبعون مده و إلى أن همزاته ثلاث آلاف و مائتان و ثلاث و سبعون همزة

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 526

و إلى أن ألفاته ثمانية و أربعون ألفا و ثمان مائة و اثنان و سبعون ألفا.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 527

كتاب العشرة

 (1) قال في مصباح اللغة العشرة بالكسر اسم عن المعاشرة و التعاشر و هي المخالطة.

باب ما يجب من المعاشرة

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): ضعيف.

 (الحديث الثاني)

 (4): صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 528

 (الحديث الثالث)

 (1): ضعيف.

 (الحديث الرابع)

 (2): صحيح.

 (الحديث الخامس)

 (3): صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 529

و قال في الصحاح‏

أدى‏

 (1) دينه تأدية أي قضاه و الاسم الأداء، و قال‏

الخيط

 (2) السلك و

المخيط

 (3) الإبرة، و قال و هو

آدى‏

 (4) منك للأمانة بمد الألف‏

باب حسن المعاشرة

 (5)

 (الحديث الأول)

 (6): حسن.

و قال في النهاية

اليد العليا

 (7) خير من السفلى هي المتعففة، و السفلى السائلة، و روي أنها المنفقة و السفلى الآخذة و قيل المانعة.

 (الحديث الثاني)

 (8): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 530

و قال الفيروزآبادي: بيت و منزل‏

غاص‏

 (1) بالقوم ممتلئ و قال‏

خالقهم‏

 (2) عاشرهم بحسن خلق و قال‏

الممالحة

 (3) المؤاكلة.

 (الحديث الثالث)

 (4): حسن،

" كان"

 (5) أي يوسف عليه السلام.

 (الحديث الرابع)

 (6): ضعيف على المشهور.

" لا يتهجم"

 (7) أي لا يدخل عليهم بغير إذن قال في مصباح اللغة الهجوم على القوم الدخول عليهم و هجمت عليه هجوما من باب قعد دخلت بغتة على غفلة منه.

 (الحديث الخامس)

 (8): مرسل.

باب من تجب مصادقته و مصاحبته‏

 (9)

 (الحديث الأول)

 (10): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 531

و قال في النهاية

الكريم‏

 (1) الذي كرم نفسه عن التدنس بشي‏ء من مخالفة ربه، و الكريم الجواد، و رجل كريم القوم أي شريفهم.

 (الحديث الثاني)

 (2): مجهول و في الصحاح‏

غشه‏

 (3) لم يمحضه بالنصح أو أظهر خلاف ما أضمر.

 (الحديث الثالث)

 (4): مجهول، أو ضعيف.

" فخيارا"

 (5) أي يمثل له أصحابه في الدنيا أنه يحشر معهم فإن كانوا خيارا يفرح لذلك، و إن كانوا شرارا يعلم أن مصيره إلى ما هم يصيرون إليه‏

" تمثلت"

 (6) أي أمير المؤمنين عليه السلام أو الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

 (الحديث الرابع)

 (7): مرسل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 532

و الظاهر أن المراد

بالتلاد

 (1) الشيوخ، و

بالمحدث‏

 (2) الشباب أو المراد بالتلاد الأصحاب القديمة الذين جربهم بالمعاشرة الطويلة، و بالمحدث خلافه، و في الصحاح التألد المال القديم الأصلي الذي ولد عندك و هو نقيض الطارف و كذلك التلاد و الاتلاد.

 (الحديث الخامس)

 (3): مرفوع.

 (الحديث السادس)

 (4): ضعيف‏

" و النكبة"

 (5) هي ما يصيب الإنسان من الحوادث.

باب من تكره مجالسته و مرافقته‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 533

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف.

و قال في الصحاح‏

المجون‏

 (3) أن لا يبالي الإنسان ما صنع و قد مجن بالفتح يمجن مجونا و مجانة فهو ماجن، و قال الحديث الخبر يقع على الواحد و الكثير و يجمع على الأحاديث بغير قياس، الفراء نرى أن واحد الأحاديث الأحدوثه ثم جعلوه جمعا للحديث، و قال في القاموس‏

تمطرت‏

 (4) الطير أسرعت في هويها كمطرت و الخيل قد جاءت يسبق بعضها بعضا

" و السخيمة"

 (5) الحقد في النفس.

 (الحديث الثاني)

 (6): مجهول.

 (الحديث الثالث)

 (7): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 534

و في النهاية

أعداه‏

 (1) الداء يعديه أعداء و هو أن يصيبه مثل ما يصاحب الداء و في القاموس‏

ردي‏

 (2) كرمي سقط في البئر و أراده غيره و ردي كرضى ردي هلك و أراده غيره.

 (الحديث الرابع)

 (3): ضعيف على المشهور.

" و استتب له الأمر"

 (4) أي استقام و استمر.

 (الحديث الخامس)

 (5): مرسل، عن بعض أصحابنا، و في بعض النسخ أصحابهما، قيل: أصحابهما تصحيف أصحابنا أو موضعه بعد محمد بن مسلم و أبي حمزة و

الأكلة

 (6) المرة الواحد حتى تشبع و الأكلة بالضم اللقمة.

 (الحديث السادس)

 (7): صحيح على الظاهر.

و في القاموس‏

النذل‏

 (8) و النذيل الخسيس من الناس المحتقر في جمع أحواله الجمع أنذال و نذل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 535

 (الحديث السابع)

 (1): مرسل.

لا تقرب‏

 (2) أي كثيرا فإن كثرة الاختلاط يوجب سرعة انقضاء المحبة كما هو المجرب عند باغيه أي طالبه و

الزفت‏

 (3) بالكسر كالقير.

 (الحديث الثامن)

 (4): صحيح.

و الظاهر أن المراد أنه عند الناس‏

على دين خليله‏

 (5) أي يتهم بذلك فيكون‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 536

استشهادا بقوله عليه السلام، و يحتمل أن يكون المراد إفادة مفسدة أخرى بأنه يسري إليه دين خليله واقعا كما مر أن صاحب الشر يعدي.

 (الحديث التاسع)

 (1): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 537

باب التحبب إلى الناس و التودد إليهم‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

 (الحديث الثاني)

 (3): موثق،

" و المجاملة"

 (4) المعاملة بالجميل.

 (الحديث الثالث)

 (5): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الرابع)

 (6): ضعيف.

 (الحديث الخامس)

 (7): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 538

 (الحديث السادس)

 (1): ضعيف.

و قال في النهاية:

الغلول‏

 (2) الخيانة في المغنم و السرقة من الغنيمة و كل من خان في شي‏ء خفية فقد غل، و سمي غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة مجعول فيها غل، و قال‏

حسمه‏

 (3) أي قطع الدم عنه بالكي. و منه الحديث أنه أتى بسارق فقال اقطعوه ثم احمسوه أي اقطعوا يده ثم اكووها ليقطع الدم منها انتهى، و لعل المراد بالتشبيه مجرد التنبيه على أنه لا اعتماد على قرب القريب فإنه قد يبعد، أو من حيث إن يد السارق عدوة خائنة لصاحبها فمع غاية القرب تقطع و يحسم موضعها لئلا تعود، أو يحفظ الدم لمودته بالجسم أو المعنى أن الإنسان عدو يده فيصير سببا لقطعه و الله يعلم.

باب إخبار الرجل أخاه بحبه‏

 (4)

 (الحديث الأول)

 (5): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 539

و هذا ينطبق أشد انطباق على ما روي في العيون في تفسير هذه الآية أن المراد بها ليطمئن قلبي على الخلة فارجع إليه تفهم.

 (الحديث الثاني)

 (1): صحيح.

باب التسليم‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الثاني)

 (4): ضعيف.

فإن سلام الله‏

 (5) أي لا تقولوا هذا ظالم لا نسلم عليه فإن سلام الله لا ينالهم.

 (الحديث الثالث)

 (6): موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 540

 (الحديث الرابع)

 (1): موثق.

من بخل‏

بالسلام‏

 (2) على المبالغة أي كأنه البخيل فقط.

 (الحديث الخامس)

 (3): ضعيف.

و لعل الاشتراك اللفظي هنا ينفع في ترتب الثواب فتأمل، و قال في النهاية:

في أسماء الله تعالى‏

السلام‏

 (4)، قيل: معناه سلامته مما يلحق الخلق من العيب و الفناء، و السلام في الأصل السلامة و منه سميت الجنة بدار السلام لأنها دار السلامة من الآفات، و قيل: التسليم مشتق من السلام اسم الله تعالى لسلامته من العيب و النقص، و قيل: معناه أن الله مطلع عليكم فلا تغفلوا، و قيل: معناه اسم السلام عليكم أي اسم الله عليك إذ كان اسم الله تعالى يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه و انتفاء عوارض العباد عنه، و قيل معناه سلمت مني فاجعلني أسلم [السلم‏] منك.

 (الحديث السادس)

 (5): صحيح.

 (الحديث السابع)

 (6): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 541

 (الحديث الثامن)

 (1): مجهول.

" فإن معه غيره"

 (2) من كتبة الأعمال أو من جميع المؤمنين و المؤمنات، بل جميع ذوي العقول، بل جميع المخلوقات تغليبا ليشملهم رحمته تعالى و ببركة خيارهم يرحم شرارهم.

 (الحديث التاسع)

 (3): مرفوع.

" لا يسلمون"

 (4) بفتح اللام أو كسرها و الأول أظهر.

 (الحديث العاشر)

 (5): موثق.

 (الحديث الحادي عشر)

 (6): صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 542

و قال السيد الداماد (ره) الرحمة شامل لجميع المنافع الأخروية و البركات للمنافع الدنيوية التي ترجع إلى الأولى من بسط أيديهم لإعلاء كلمة الله و هداية خلق الله إلى جناب قدسه تعالى فيكون الأولى للكمال و الثانية للتكميل.

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): صحيح.

" على المسافر"

 (2) أي القادم من السفر.

 (الحديث الثالث عشر)

 (3): ضعيف على المشهور.

و قال في النهاية: فيه أن الملائكة قالت لآدم حياك الله و بياك معنى حياك أبقاك من الحياة، و قيل هو من استقبال المحيا و هو الوجه و قيل ملكك و فرحك، و قيل سلم عليك و هو من التحية السلام‏

" يتبعها بالسلام"

 (4) فإن السلام تحية من عند الله مباركة شاملة لمنافع الدارين و كمالات النشأتين.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 543

باب من يجب أن يبدأ بالسلام‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مجهول.

 (الحديث الثاني)

 (3): ضعيف.

 (الحديث الثالث)

 (4): ضعيف.

 (الحديث الرابع)

 (5): ضعيف.

 (الحديث الخامس)

 (6): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 544

و الظاهر أن المراد أنه إذا كان قوم في مجلس فدخل عليهم جماعة و تأخر من تلك الجماعة رجل فإذا دخل ذلك الرجل يعم أهل المجلس، و من دخل عليهم من رفقائه بالسلام، و يمكن أن يعم الحكم ليشمل عدم الفصل أيضا فيسلم كل لا حق على من سبقه بالدخول مع أهل المجلس.

باب إذا سلم واحد من الجماعة أجزأهم و إذا رد واحد من الجماعة أجزأ عنهم‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف.

 (الحديث الثاني)

 (3): صحيح.

 (الحديث الثالث)

 (4): موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 545

باب التسليم على النساء

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن‏

" صوتها"

 (3) لعل هذا للتعليم.

باب التسليم على أهل الملل‏

 (4)

 (الحديث الأول)

 (5): حسن.

و قال في النهاية فيه لكل داء إلا

السام‏

 (6) يعني الموت و ألفه منقلبة عن واو

" إلا زانه"

 (7) أي من الزينة

" إلا شانه"

 (8) أي من الشين العيب.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 546

 (الحديث الثاني)

 (1): موثق.

و" عليكم"

 (2) قال في النهاية قال الخطابي عامة المحدثين يروون هذا الحديث فقولوا و عليكم بإثبات و أو العطف، و كان ابن عيينة يرويه بغير واو، و هو الصواب لأنه إذا حذفت الواو صار قولهم الذي قالوه نفسه مردودا عليهم خاصة و إذا أثبت الواو وقع الاشتراك معهم فيما قالوه لأن الواو يجمع بين الشيئين انتهى.

و لعل المعنى على تقدير العطف علينا السلام و عليكم ما قلتم، و قيل، الواو هنا للاستئناف، و قيل: أي و عليكم الموت كما علينا و كلنا سواء في الموت، أقول:

و يحتمل أن يكون المعنى علينا ما نستحق و عليكم ما تستحقونه.

 (الحديث الثالث)

 (3): موثق.

 (الحديث الرابع)

 (4): موثق.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 547

 (الحديث الخامس)

 (1): ضعيف.

" إلا مشركا"

 (2) أي غير أبي طالب أو تقية:

" في الملة الآخرة"

 (3) أي في ملة عيسى التي هي آخر الملل لأن النصارى يقولون (ثالِثُ ثَلاثَةٍ) و لا يوحدون، أو في ملة قريش التي عليها أدركنا آباءنا و في الصحاح خلق الإفك و اختلفه أي افتراه، و منه قوله تعالى وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً.

 (الحديث السادس)

 (4): مجهول.

" سلام"

 (5) أي علينا أو على من يستحقه أو على من اتبع الهدى، و ما قيل: إن سلام بكسر السين بمعنى الحجارة فهو تصحيف ظاهر.

 (الحديث السابع)

 (6): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 548

 (الحديث الثامن)

 (1): صحيح.

 (الحديث التاسع)

 (2): مجهول.

 (الحديث العاشر)

 (3): موثق.

" فاغسل يدك"

 (4) أي مع الرطوبة وجوبا، و بدونها استحبابا.

 (الحديث الحادي عشر)

 (5): مجهول.

 (الحديث الثاني عشر)

 (6): صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 549

باب مكاتبة أهل الذمة

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): موثق.

و في الصحاح‏

العلج‏

 (3) الرجل من كفار العجم.

 (الحديث الثاني)

 (4): مجهول.

و لعل الأول محمول على الكراهة، و الثاني على الجواز، أو الأول على ما لا ضرورة فيه فتأمل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 550

باب الإغضاء

 (1) و في القاموس أغضى أدنى الجفون، و على الشي‏ء سكت.

 (الحديث الأول)

 (2): مرسل.

و في مصباح اللغة

وقع‏

 (3) فلان في فلان وقوعا و وقيعة سبه و ثلبه‏

" بأخيك كله"

 (4) أي كل الأخ التام في الإخوة، أي لا يحصل مثل ذلك إلا نادرا فتوقع ذلك كتوقع أمر محال، فارض من الناس بالقليل، و نقل السيد (ره) في كتاب الغرر و الدرر عن النابغة.

         حلفت لم أترك لنفسي ريبة             و ليس وراء الله للمرء مذهب‏

             لئن كنت قد بلغت عني خيانة             لمبلغك الواشي أغش و أكذب‏

             فلست بمستبق أخا لا تلمه             على شعث أي الرجال المهذب‏

 

 (الحديث الثاني)

 (5): موثق أو ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 551

باب نادر

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

" فإن أحدكما قد أحدث"

 (3) لعل المراد أنه أعلم أن صاحبك أيضا أبغضك، و سبب البغض أما شي‏ء من قبلك، أو توهم فاسد من قبله فتأمل.

 (الحديث الثاني)

 (4): ضعيف.

 (الحديث الثالث)

 (5): مجهول.

 (الحديث الرابع)

 (6): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 552

 (الحديث الخامس)

 (1): مجهول.

باب العطاس و التسميت‏

 (2) و قال في النهاية: في حديث العطاس فشمت أحدهما و لم يشمت الآخر، التشميت بالشين و السين الدعاء بالخير و البركة أعلاهما، و اشتقاق المعجمة من الشوامت و هي القوائم كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله، و قيل: معناه أبعدك الله عن الشماتة، و المهملة من السمت و هو الهيئة الحسنة و القصد و الحجة أي جعلك الله على سميت حسن لأن هيئته يزعج للعطاس.

 (الحديث الأول)

 (3): مجهول.

" يقول"

 (4) أي العاطس‏

" و يجيبه"

 (5) أي للمسلم أن يجيب أخاه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 553

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف.

 (الحديث الثالث)

 (2): ضعيف.

 (الحديث الرابع)

 (3): صحيح.

" أو كما تقول"

 (4) في بعض النسخ كما نقول بصيغة التكلم و في بعضها بصيغة الخطاب فعلى الأول يحتمل أن يكون غرض السائل السؤال عن التخيير أي هل نحن مخيرون بين أن نقول يرحمك الله كما يقول بعضنا لبعض و بين أن نقول كما نقول إشارة إلى ما قال صلى الله عليك فأجاب عليه السلام بالتخيير و رفع الاستبعاد الناشئ للسائل عن أنهم عليهم السلام لا يحتاجون إلى الدعاء لهم بالرحمة، و عن أنه حط لرتبتهم أن يقال لهم مثل هذا القول، فأجاب عليه السلام بأنك تقول في الدعاء ارحم محمدا و آل محمد و نقول صلى الله على محمد و آل محمد و الصلاة أيضا بمعنى الرحمة ثم رفع شبهته بأن صلواتنا عليهم ليس لاحتياجهم إلى دعائنا لهم بل قرر ذلك لرفع درجاتنا فيصل نفعها إلينا و يمكن أن يكون غرض السائل الاستبعاد عن الأمرين معا أي هل نقول أحد هذين‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 554

القولين فأجاب عليه السلام برفع الاستبعاد عن كليهما، و على الثانية لعل المراد أنه هل يجوز أن نقول لكم كما يقول بعضنا لبعض أو لكم قول مخصوص تعينه لنا فأجاب عليه السلام بأنه ليس لنا قول مخصوص بل تقولون كما يقول بعضكم لبعض و رفع الاستبعاد بنحو ما مر من التقريب و على التقديرين لعل في آخر الكلام سقطا و يمكن أن يقال أن السائل سكت عند

قوله عليه السلام ارحم محمدا و آل محمد

 (1) أي تقول ارحم إلى آخره لتوقفه في ذلك فقال عليه السلام بلى تقول ذلك أيضا.

 (الحديث الخامس)

 (2): صحيح.

و قال في النهاية: فيه‏

التثاؤب من الشيطان‏

 (3) التثاؤب معروف و هو مصدر تثاءبت و الاسم الثوباء و إنما جعله من الشيطان كراهة له لأنه إنما يكون مع ثقل البدن و امتلائه و استرخائه و ميلة إلى الكسل و النوم، و إضافته إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها و أراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه و هو التوسع في المطعم و الشبع. فيثقل عن الطاعات و يكسل عن الخيرات.

 (الحديث السادس)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 555

 (الحديث السابع)

 (1): موثق.

 (الحديث الثامن)

 (2): ضعيف.

 (الحديث التاسع)

 (3): حسن.

 (الحديث العاشر)

 (4): مجهول.

 (الحديث الحادي عشر)

 (5): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 556

 (الحديث الثاني عشر)

 (1): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الثالث عشر)

 (2): مجهول.

" فإن رسول الله"

 (3) كأنه تعليل رجحان أصل التحميد و الدعاء لا خصوص هذه الأذكار، أو المعنى أنه‏

سئل صلى الله عليه و آله و سلم‏

 (4) هل في تلك المواطن آية مخصوصة أو شي‏ء مخصوص فيه ذكر الله‏

فقال عليه السلام كلما ذكر الله فيه فهو حسن‏

 (5) أي ليس فيها شي‏ء مخصوص.

 (الحديث الرابع عشر)

 (6): ضعيف على المشهور.

و قال في النهاية يقال‏

رغم‏

 (7) يرغم رغما و رغما و رغما و أرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغم و هو التراب هذا هو الأصل، ثم استعمل في الذل و العجز عن الانتصار و الانقياد على كره و منه الحديث إذا صلى أحدكم فليلزم جبهته و أنفه الأرض حتى يخرج منه الرغم أي حتى يظهر ذلة و خضوعه.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 557

 (الحديث الخامس عشر)

 (1): مجهول.

 (الحديث السادس عشر)

 (2): مرسل.

 (الحديث السابع عشر)

 (3): مجهول.

 (الحديث الثامن عشر)

 (4): مرسل.

 (الحديث التاسع عشر)

 (5): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 558

 (الحديث العشرون)

 (1): مجهول، أو ضعيف.

 (الحديث الحادي و العشرون)

 (2): حسن، أو موثق.

 (الحديث الثاني و العشرون)

 (3): ضعيف.

 (الحديث الثالث و العشرون)

 (4): ضعيف، أو مجهول.

و في الصحاح‏

النبلة

 (5) العطية و النبل النبالة و الفضل و قد نبل بالضم فهو نبيل، و في النهاية

الإحليل‏

 (6) يقع على ذكر الرجل و فرج المرأة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 559

 (الحديث الرابع و العشرون)

 (1): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الخامس و العشرون)

 (2): ضعيف على المشهور.

 (الحديث السادس و العشرون)

 (3): ضعيف.

 (الحديث السابع و العشرون)

 (4): مجهول.

 (الحديث الثامن و العشرون)

 (5): مجهول.

باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم‏

 (6)

 (الحديث الأول)

 (7): صحيح.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 560

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور.

 (الحديث الثالث)

 (2): مجهول.

و قال في النهاية

الخصفة

 (3) بالتحريك واحدة الخصف و هي الجلة التي يكنز فيها التمر و كأنها فعل بمعنى مفعول من الخصف و هو ضم الشي‏ء إلى الشي‏ء لأنه شي‏ء منسوج من الخوص، و قال في القاموس الخصف زنبيل من آدم يبقى به الآبار، و قال:

الأديم‏

 (4) لجلد أو أحمرة أو مدبوغة الجمع أدمة و أدم و أدام.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 561

باب حق الداخل‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): ضعيف على المشهور.

" فهو أمير"

 (3) أي الداخل على صاحب البيت و يحتمل بعيدا العكس فتدبر

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 562

باب المجالس بالأمانة

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): حسن.

 (الحديث الثاني)

 (3): حسن.

 (الحديث الثالث)

 (4): مرسل.

باب في المناجاة

 (5)

 (الحديث الأول)

 (6): صحيح.

 (الحديث الثاني)

 (7): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 563

 (الحديث الثالث)

 (1): ضعيف على المشهور.

من عرض‏

 (2) أي تكلم في أثناء كلامه و لا يناسب الباب.

باب الجلوس‏

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): مجهول، أو مرسل.

و قال في القاموس‏

القرفصاء

 (5) مثلثة يمد و يقصر ضرب من الجلوس و هوان يجلس على أليتيه و يلصق فخذيه ببطنه و يحتبي بيديه يضعفهما على ساقيه كما يحتبي بالثوب يكون يداه مكان الثوب و قال‏

جثى‏

 (6) كرعى و رمى جثوا و جثيا بضمهما جلس على ركبتيه، و قال في مجمع البحار تربع في مجلسه أي يجلس مربعا و هو أن يقعد على وركيه و يمد ركبته اليمنى إلى جانب يمينه و قدمه اليمنى إلى جانب يساره و اليسرى بالعكس.

 (الحديث الثاني)

 (7): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 564

 (الحديث الثالث)

 (1): مجهول.

و قال في الصحاح‏

الشرف‏

 (2) العلو و المكان العالي و جبل مشرف عال و تشرف بكذا أي عده شرفا و تشرفت المرباء و أشرفته أي علوته.

 (الحديث الرابع)

 (3): ضعيف.

 (الحديث الخامس)

 (4): ضعيف.

 (الحديث السادس)

 (5): مرسل.

 (الحديث السابع)

 (6): كالموثق‏

" و الكراء"

 (7) بالمد الأجرة.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 565

 (الحديث الثامن)

 (1): ضعيف على المشهور.

 (الحديث التاسع)

 (2): حسن.

باب الاتكاء و الاحتباء

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): ضعيف على المشهور.

و ظاهره أنه ذم للاتكاء في المسجد أي كما أن الرهبانية ابتدعتها النصارى فكذا الاتكاء في المسجد من بدع العرب و يحتمل المدح أيضا كما لا يخفى، و قال في مجمع البحار و منه لا رهبانية في الإسلام، كان النصارى يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا و ترك ملاذها و العزلة عن أهلها و تعمد مشاقها فمنهم من يخص نفسه و يضع السلسلة في عنقه و غير ذلك من أنواع التعذيب فنفاها عن الإسلام و من عليكم بالجهاد فإنها رهبانية أمتي يريد أن الرهبان و إن تركوا الدنيا فلا ترك أكثر من بذل‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 566

النفس و كما أنه لا أفضل من الترهب عندهم ففي الإسلام لا أفضل من الجهاد و منه رهب أمتي الجلوس في المساجد انتظار الصلاة و هو مفعول له للجلوس.

 (الحديث الثاني)

 (1): ضعيف على المشهور.

و قال في النهاية فيه إنه نهى عن الاحتباء في الثوب الواحد

الاحتباء

 (2) هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعها به مع ظهره و يشده عليهما و قد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب و إنما نهى عنه لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب فتبدو عورته و منه الحديث الاحتباء حيطان العرب أي ليس في البراري حيطان فإذا أرادوا أن يستندوا احتبوا لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط و يصير لهم كالجدار يقال احتبى يحتبي احتباء.

 (الحديث الثالث)

 (3): موثق.

 (الحديث الرابع)

 (4): موثق.

 (الحديث الخامس)

 (5): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 567

باب الدعابة و الضحك‏

 (1) و في النهاية فيه إنه عليه السلام كان فيه دعابة الدعابة المزاح.

 (الحديث الأول)

 (2): صحيح.

 (الحديث الثاني)

 (3): ضعيف.

 (الحديث الثالث)

 (4): ضعيف.

" و الرفث"

 (5) الجماع و الرفث أيضا الفحش من القول.

 (الحديث الرابع)

 (6): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 568

 (الحديث الخامس)

 (1): ضعيف.

 (الحديث السادس)

 (2): حسن‏

" تميث الدين"

 (3) أي تذيبه.

 (الحديث السابع)

 (4): ضعيف على المشهور.

و قال في الصحاح‏

الواضحة

 (5) الأسنان التي تبدو عند الضحك، و قال في النهاية

تبييت‏

 (6) العدو هو أن يقصد في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتة و هو البيات.

 (الحديث الثامن)

 (7): حسن.

 (الحديث التاسع)

 (8): حسن.

 (الحديث العاشر)

 (9): حسن.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 569

 (الحديث الحادي عشر)

 (1): موثق.

 (الحديث الثاني عشر)

 (2): ضعيف، و السخية و

السخمة

 (3) بالضم الحقد في النفس.

 (الحديث الثالث عشر)

 (4): ضعيف.

و في مصباح اللغة

مقته‏

 (5) مقتا من باب قتل أبغضه أشد البغض عن أمر قبيح.

 (الحديث الرابع عشر)

 (6): مرفوع، و في الصحاح‏

مج‏

 (7) الرجل الشراب من فيه إذا رمى به.

 (الحديث الخامس عشر)

 (8): موثق.

 (الحديث السادس عشر)

 (9): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 570

 (الحديث السابع عشر)

 (1): مجهول.

 (الحديث الثامن عشر)

 (2): مجهول.

 (الحديث التاسع عشر)

 (3): صحيح.

 (الحديث العشرون)

 (4): مرسل.

باب حق الجوار

 (5)

 (الحديث الأول)

 (6): مجهول.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 571

و قال في النهاية لو تكاشفتم ما تدافنتم، أي لو علم بعضكم سريرة بعض، و قال في القاموس‏

كاشفة

 (1) بالعداوة بأداة بها، و انتصف منه استوفى منه حقه كاملا حتى صار كل على النصف، و قال في الصحاح‏

أنصف‏

 (2) أي عدل يقال أنصفه من نفسه و أنصفت منه، و قال‏

ربي‏

 (3) الشي‏ء يربو ربوا أي زاد، و أربيت إذا أخذت الأكثر، و قال‏

الباقية

 (4) الداهية و هي المصيبة.

 (الحديث الثاني)

 (5): ضعيف على المشهور.

" من أهل يثرب"

 (6) أي مدينة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، و لا يخفى أن الظاهر من مجموع الحديث أن المراد بالجار فيه من أجرته لا جار الدار فلا يناسب الباب إلا بتكلف بعيد

" غير مضار"

 (7) أي من عندك‏

" و لا إثم"

 (8) أي من قبلك.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 572

 (الحديث الثالث)

 (1): مجهول.

 (الحديث الرابع)

 (2): ضعيف.

 (الحديث الخامس)

 (3): مرسل.

 (الحديث السادس)

 (4): مجهول.

و قال في الصحاح و

كرب‏

 (5) النخل أصول السعف أمثال الكتف، و في المثل مني كان حكم الله في كرب النخل.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 573

 (الحديث السابع)

 (1): مجهول.

 (الحديث الثامن)

 (2): مجهول كالحسن، و

النهيكي‏

 (3) هو عبد الله بن محمد الثقة، و

الحكم الحناط

 (4) له أصل.

 (الحديث التاسع)

 (5): مجهول أو مرسل.

 (الحديث العاشر)

 (6): صحيح، و في القاموس‏

نسأه‏

 (7) كمنعه أخره كأنساه.

 (الحديث الحادي عشر)

 (8): مجهول.

 (الحديث الثاني عشر)

 (9): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 574

و في الصحاح‏

الغشم‏

 (1) الظلم و الحرب غشوم لأنها تنال غير الجاني.

 (الحديث الثالث عشر)

 (2): حسن أو موثق.

 (الحديث الرابع عشر)

 (3): مجهول.

 (الحديث الخامس عشر)

 (4): ضعيف.

و قال في الصحاح‏

الفاقرة

 (5) الداهية يقال فقرته الفاقرة أي كسرت فقار ظهره و قال‏

قصمت‏

 (6) الشي‏ء قصما إذا كسرته.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 575

 (الحديث السادس عشر)

 (1): ضعيف.

باب حد الجوار

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): مجهول.

 (الحديث الثاني)

 (4): حسن.

باب حسن الصحابة و حق الصاحب في السفر

 (5)

 (الحديث الأول)

 (6): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 576

 (الحديث الثاني)

 (1): حسن.

 (الحديث الثالث)

 (2): ضعيف على المشهور.

 [باب‏]

 (الحديث الأول)

 (3): مرسل.

 (الحديث الثاني)

 (4): ضعيف.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 577

باب التكاتب‏

 (1)

 (الحديث الأول)

 (2): مرسل.

 (الحديث الثاني)

 (3): صحيح.

باب النوادر

 (4)

 (الحديث الأول)

 (5): صحيح.

و قال في النهاية

لحظه‏

 (6) نظره بمؤخر عينه، و قال فيه قال بالماء على يده أي قلب و قال بيده أي أخذه و قال برجله أي مشى، و قالت له العينان سمعا و طاعة أي مات و هكذا يجعل العرب القول عبارة عن جميع الأفعال و تطلقه على غير الكلام و اللسان و كل ذلك على المجاز و الاتساع.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 578

 (الحديث الثاني)

 (1): صحيح.

 (الحديث الثالث)

 (2): ضعيف على المشهور.

" و إلا فإنها"

 (3) أي المصاحبة أو المعرفة.

 (الحديث الرابع)

 (4): مجهول.

" يتوحش"

 (5) و في بعض النسخ يتحرش و لعله بالحاء و السين المهملتين بمعنى التمكث أيضا أو بمعنى السعي بالحيل التي توجب إنزالها، قال الفيروزآبادي التحوس التجشع و الإقامة مع إرادة السفر و ما زال يستحوس أي يتجبس و يبطئ و يحتمل الجيم و السين المهملة من الجوس و هو طلب الشي‏ء بالاستقساء، و بالحاء أيضا يستعمل بهذا المعنى و أما الحاء و الشين كما في بعض النسخ من حاشية السيد فلا يناسب إلا بتكلف نعم يمكن أن يكون من قولهم تحوش أي تنحى و استحيا و يقال انحاش‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 579

عنه نفر و تقبض و حاوشته عليه حرضته و الحوش أن يأكل من جوانب الطعام حتى ينهكه فيكون راجعا إلى أحد المعنيين المتقدمين و الله يعلم، و قال في النهاية أصل الحوش شدة الاختلاط و مداركة الضرب و رجل أحوش جرى لا يرده شي‏ء و قال في الصحاح حشت السيد أحوشه إذا جئته من حواليه لتسرفه إلى الحبالة و قال التحريش الإغراء بين الأقوام فأعجبه نحوه أي مثله.

 (الحديث الخامس)

 (1): موثق.

و قال في النهاية و في حديث علي في السارق إني لأحشم أن لا أدع له يدا أي أستحيي و أنقبض و

الحشمة

 (2) الاستحياء و هو يتحشم المحارم أي يتوقاها.

 (الحديث السادس)

 (3): مجهول.

و قال في القاموس‏

الصرعة

 (4) بالكسر الطرح على الأرض و في المثل سواء الاستمساك خير من حسن الصرعة، و قال في النهاية

الاسترسال‏

 (5) الاستئناس و الطمأنينة إلى الإنسان و الثقة به فيما يحدثه، و أصله السكون و الثبات‏

" لم تستقال"

 (6) قيل:

الألف للإشباع أو على مذهب من لا يعلم لم و الصواب لن كما في بعض النسخ، و في النهاية لا أستقيلها أبدا أي لا أقيل هذه العثرة و لا أنساها و الاستقالة طلب الإقالة أي الفسخ في البيع و تكون في البيعة و العهد.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 580

 (الحديث السابع)

 (1): ضعيف.

و في الصحاح‏

غرب‏

 (2) عني فلان يغرب و يغرب أي بعد و غاب.

باب‏

 (3)

 (الحديث الأول)

 (4): ضعيف.

 (الحديث الثاني)

 (5): ضعيف.

" حتى ترفع السين"

 (6) قال الفاصل الأسترآبادي استحباب رفع السين قبل مد الباء يحتمل اختصاصه بالخط الكوفي.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 581

 (الحديث الثالث)

 (1): كالصحيح.

 (الحديث الرابع)

 (2): ضعيف،

" على العنوان"

 (3) أي عنوان الظهر.

 (الحديث الخامس)

 (4): موثق.

 (الحديث السادس)

 (5): موثق.

 (الحديث السابع)

 (6): حسن.

 (الحديث الثامن)

 (7): صحيح‏

" يترب"

 (8) أي يذر التراب على الكتابة قبل أن يجف‏

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 582

و قال في مجمع البحار فيه أتربوا الكتاب فإنه أنجح للحاجة من تربته إذا جعلت عليه التراب فليتربه أي ليسقطه على التراب اعتمادا على الحق تعالى في إيصاله إلى المقصد، أو أراد ذر التراب على المكتوب، أو ليخاطب و لكاتب خطابا في غاية التواضع.

 (الحديث التاسع)

 (1): حسن.

باب‏

 (2)

 (الحديث الأول)

 (3): صحيح.

 (الحديث الثاني)

 (4): صحيح.

 (الحديث الثالث)

 (5): حسن.

 (الحديث الرابع)

 (6): ضعيف على المشهور.

                        مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏12، ص: 583

 (الحديث الخامس)

 (1): حسن أو موثق.