[ 1 ]
كتاب
نوادر المعجزات
في مناقب الائمة الهداة عليهم السلام
تأليف أبى جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري
من أعاظم علماء الامامية في المائة الرابعة
تحقيق ونشر مدرسة الامام المهدى عليه السلام
قم المقدسة
[ 2 ]
هوية الكتاب
الكتاب: نوادر المعجزات في مناقب الائمة الهداة
المؤلف: محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي
تحقيق ونشر: مؤسسة الامام المهدي عليه السلام - قم المقدسة –
برعاية: السيد محمد باقر نجل آية...
السيد المرتضى الموحد الابطحي
الطبعة: الاولى
العدد: (200) نسخة نموذجيا
المطبعة: مؤسسة الامام المهدي عليه السلام
التاريخ: ذو الحجة 1410 ه. ق.
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا بلطفه إلى معرفته والايمان به، وعرفنا دينه القويم وكتابه وما أنزله على نبيه صلى الله عليه وآله وحببنا سبيله بجميل إحسانه، وأحيانا على التثبت بحبل أمانته، ووفقنا لخدمة تراث أهل بيت نبيه، وإحياء آثار رسالته.
والصلاة والسلام على من ختم به رسالته، وأكمل به دينه، محمد وآله المعصومين صلى الله عليه وعليهم أجمعين، ورحمته وبركاته المتواصلة على الذين اتبعوهم من المخلصين الاخيار، والموالين للنبي والائمة الاطهار.
أما بعد: لما كانت المشيئة الالهية في أن يعمر الارض ويرثها أفضل خلقه، فقد جعل المولى الحق - وهو الخالق لكل شئ - عبادة الانسان له شرطا لذرئه إياهم فقال تعالى: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) ليكونوا النواة الصالحة للبشرية، والمخلصين لله بعبادته تعالى.
ولما كانت البشرية بحاجة إلى توجيه ورعاية إلهية خالدة، ولئلا تكون لهم الحجة على الله تعالى في معصيته، ولبيان الحقائق الضرورية ومختلف مقومات الحياة، فقد كان على الله تعالى - ومن فضل رحمته على عباده - أن لا يخلي الارض من خليفة يصطفيه وينتجبه من خيار خلقه، ممن كان طاهر السريرة، عارفا بحقائق الامور، كفوءا لحمل الرسالة، واعيا لظروف امته وما تحيط به من السلبيات وشوائب السلف، وخاليا من أية عاهة أو نقص في الجسم والعقل والنسب، لكي لا يكون عرضة للشك والريب، ويستخلفه أمينا على وحيه، حافظا لحدود، متكفلا أداء رسالته مصطبرا على عبادته، صابرا على أذى قومه، يرغبهم في الطاعة ويحذرهم المعصية
[ 4 ]
وينذرهم عواقب السيئات بما ينزل عليهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وبما أن هذه الدعوات الالهية الى المعارف الغيبية لا تحتملها علومهم الحسية، كما لا يحتملون مفاجأة الامر الجديد الذي يدعو الى تغيير سلوك ما كانوا عليه، ولا تطيق إمرة شخص عليهم - من بينهم - دون اختيارهم، فكان على الرسالة السماوية أن تبرهن معجزة ظاهرة وآية باهرة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم في تصديق الرسول صلى الله عليه وآله بما أتاهم عن الله تعالى، وينالوا جوابا لما يختلج في نفوسهم وتعارضه أفكارهم بقولهم: (فات بآية إن كنت من الصادقين).
فبعث - الله تعالى - أنبياء امناء إلى الارض بالايات البينات، والمعجزات الباهرات ليعرفوا البشرية آفاق الرسالة السماوية، ويبلغوهم المطالب النورانية، ويدعوهم إلى عبادة الواحد الاحد، ونبذ ما كانوا عليه من العبادات والتقاليد السقيمة البالية التي ورثوها.
ومن الضروري أن رسالات الانبياء لا تختص باثبات وجود الصانع الذي لا تتوقف معرفته على إتيان المعجز والبراهين، لان الانسان السوي ذا الفطرة السليمة إذا نظر في آيات السماوات والارضين وما بينهما من النبات والحيوان والانسان والماء والهواء وغيرها - خلقا ونظاما - يستدل بفطرته تلك على أن هذه كلها بقدرة حكيم قوي، صانع عليم، لا يقاس علمه وحكمته وقدرته بما يصنعه الانسان -.
الذي خلق ضعيفا - مهما بلغ من درجات العلم والكمال فلا يكون إلا كما قال تعالى: " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنفذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " وقوله: " وما اوتيتم من العلم إلا قليلا ".
وبعد هذه النظرة الواقعية، تنادي الفطرة مستنكرة ومتمثلة بما ذكره تعالى في محكم كتابه: " أفي الله شك فاطر السماوات والارض " ثم تجيب: لا، بل تسبح له ما في
[ 5 ]
السماوات والارض، وإنه إله إلا هو خالق كل شئ وهو على كل شئ قدير.
وبالجملة فرسالات الانبياء لا تنحصر بمثل إثبات الخالق بل تتعداها إلى أنواع المعارف الالهية، وغيبه وأحكامه وثوابه وعقابه في يوم القيامة، يوم يحيي فيها الموتى بعد ما صارت العظام رميما.
ومن غرائب النفوس البشرية البسيطة، أنها قاصرة عن إدراك تلك المعارف الغيبية - قبل أن تشاهدها - إلا بدلائل صدق مدعيها عقلا، فالعقل يحكم بضرورة إتيان المعجزة وبأن من أتى بها حقا فهو صادق في دعواه بالرسالة منه تعالى.
كما مر على الامم السالفة كذلك، وينطق القرآن الكريم بما يحكيه لنا من قصص ثلة من الانبياء مع اممهم ولقد قالوا لهم: إئتونا بآية ! فجاءوهم بآيات بينات، فهذه الفطرة باقية، والسنة جارية وحجة الله بالغة إلى يوم القيامة، وهذه مشيئة الباري تعالى - بالنسبة الى عامة الانبياء - في تعزيز رسالته بالقوة الدامغة والبراهين الساطعة بواسطة أنبيائه واوصيائهم عليهم السلام.
وأما خاتمهم إلى آخر الدهر فهو أفضل الانبياء، واكملت رسالته بخير الاوصياء - علي وبنيه - الائمة والقادة المعصومين، الذين خلقهم تعالى من نوره قبل أن يخلق الخلق، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فهم الادلاء عليه سبحانه، كما أعطاهم من الفضل وكثرة الكرامات ما لم يعط أحدا قبلهم، ووهبهم المعجزات وسخر لهم كل شئ باذنه تعالى، ليظهر بهم دينه حتى تقوم الساعة ولو كره الكافرون.
فإذا كان (آصف بن برخيا) الذي آتاه الله تعالى علما من الكتاب، أتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد الطرف، فحقيق على الله تعالى أن يطلع من أنباء الغيب من عنده علم الكتاب الائمة الاطهار الاثني عشرة عليهم السلام بواسطة نبيه محمد صلى الله عليه وآله كما قال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) والرسول الكريم بدوره أطلع الائمة بما أنبأه الله تعالى إماما بعد إمام، والائمة كلهم واحد، وأولهم وآخرهم واحد، كما قال الصادق عليه السلام: " المنكر لاخرنا كالمنكر لاولنا " وقال: من " أنكر واحدا من الاحياء فقد أنكر الاموات ".
[ 6 ]
والحق أن ما اعطوا من الكرامات والمعجزات الالهية التي كانت تبرهن إمامتهم لمن كان يجحدها أو بشك فيها ولحكمة تقتضي أن يظهرها الائمة عليهم السلام، قد أبهرت عقول البشرية وحيرتهم في الاتيان بوصف كنههم عليهم السلام.
ورغم تلك البراهين الساطعة الدالة على نبوة الانبياء ورسالتهم - بلا إكراه ولاجبر - فقد يتمادى بعض الضالين والطغاة بغيهم، فينالوا جزاءهم: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ".
وقد أشار إليهم القرآن المجيد في مواضع كثيرة من قصص الانبياء.
ومن نتائج التاريخ المظلم، والظروف العصيبة القاسية والملابسات التي أحاطت بحياة ووضع الائمة عليهم السلام وجور الحكام الظالمين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، ومخالفة المخالفين، ووضع الوضاهين وأصحاب البهتان والزور أن كل ما ظهر من خوارق العادات والايات الباهرات من النبي والائمة الاطهار حسب الضرورات، لم يصل إلى عصرنا عصر النشر والنور والمعرفة.
نعم لقد وصلنا من تراثهم في المعجزات النزر اليسير الذي حافظ عليه موالوهم من الشيعة وغيرهم ممن حرص على كتابته وطبعه ونشره.
وقد أخذت مؤسستنا الموقرة على عاتقها - حرصا منها - جمع ونشر علوم وآثار أهل البيت ومعجزاتهم عليهم السلام كما هو دأبها.
وقد نشرت كتاب (الخرائج والجرائح) للشيخ الفقيه المحدث قطب الدين الراوندي الذي تضمن معجزات النبي والائمة عليهم السلام.
[ 7 ]
والان - عزيزي القارئ - بين يديك هذا السفر المتواضع في حجمه، والعظيم في محتواه، المسمى ب " نوادر المعجزات في مناقب الائمة الهداة عليهم السلام ".
تأليف الشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب دلائل الامامة.
وقد حرصنا في تحقيقه بكل ادقة وامانة، لاخراجه بالشكل اللائق ووضعه بين يدي القراء الاعزاء، لعلهم ينتهلون من فيوضات الاثار التي خلفها لنا أئمتنا الاطهار عليهم السلام باظهار فضلهم وكراماتهم على الله تعالى وعلو شأن شيعتهم لديهم.
وورثها العلماء الامناء وحفظوها تراثا وحجة لمن سواهم.
وغير خفي أن حفظ الاثار خلفا عن أسلافنا الابرار وأداء الامانة والرسالة الحديثية منهم لا يوجب الالتزام بصحة جميعه، بل إن هذا كأحد الكتب الموروثة - سوى القرآن - يحتاج إلى تحقيق وتثبت أكثر.
وإنما غرضنا العثور على جامع كبير لاثارهم عليهم السلام في كل موضوع، راجين المولى العلي القدير أن يوفقنا للسير على هداهم، وأن يلهمنا بصيص أنوار علومهم ويكلل مساعينا لخدمة نشر معارفهم وآثارهم بالتوفيق والسداد، إنه ولي التوفيق.
[ 8 ]
التعريف بالنسخة ومنهج التحقيق: بفضل الله تعالى ومنه اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسخة فريدة وقعت بأيدينا بعد عناء وجهد طويلين، ولم نعثر على ما سواها.
وقد كانت تلك النسخة كثيرة السقط والخطأ والبياض، بالاضافة إلى ضعف خطها.
وقد قابلنا هذا الكتاب - الوحيد - الذي اعتبر التوأم لكتاب دلائل الامامة - لنفس مصنفه - مع مصادره والبحار كما هو المألوف، لدينا لاثبات متن صحيح وقويم للخبر، بعد إجراء التعديلات اللازمة، والاشارة في الهامش إلى كل اختلاف لفظي ضروري.
وطبيعي أن مثل هذا يحتاج إلى تكرار المقابلة من قبل مجموعات مختلفة مستخدمين العدسة المكبرة، وتخريج المصادر والمتحدات وبالاخير تقويم النص.
كما أشرنا مفصلا إلى المصادر والاتحادات لكل حديث في نهايته، واعتمدنا على المصادر اللغوية لشرح أكثر الالفاظ اللغوية شرحا موجزا.
ووضعنا ترجمة لثلة من الاعلام التي وردت في أسانيد الروايات ومتونها خصوصا تلك التي ورد فيها تصحيف أو تحريف، معتمدين على كتب الرجال والتاريخ المعتبرة والقيمة.
وكذلك الحال لاسماء الاماكن والبقاع والاقوام والفرق والقبائل.
علما بأن ماكان بين [ ] دون إشارة في الهامش فهو مما استظهرناه أو أثبتناه من سائر المصادر أو بعضها.
وختاما فاني أشكر جميع الاخوة الافاضل العاملين في مؤسستنا، الذين آزرونا وتعاونوا في إخراج هذا المستطاع.
كما نشكر السيد باسم الموسوي الذي قام بتقويم النص ابتداءا بعد الاستنساخ والمقابلة والتصحيح واستخراج المصادر والاتحادات، وقبل الخوض في مراحل التأكيد والتدقيق والتحقيق والتوضيح.
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
هو أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الاملي، من كبار علماء الامامية في القرن الرابع الهجري، وهو من الاصحاب الاجلاء، جليل القدر، دين، كثير العلم، حسن الكلام، ثقة في الحديث، وله كتاب " غريب القرآن " ذكره ابن النديم (ص 52) لدى ذكره الكتب المصنفة في غريب القرآن، معبرا عنه ب " أبي جعفر بن رستم الطبري ".
وقد اختلف المؤرخون في تحديد عصره ومعاصريه وفي نسبة التصنيف إليه فقد لقبوا بهذا الاسم: الكبير والصغير والمتأخر والسمي.
وقد وصفه صاحب الذريعة عند ذكره " نوادر المعجزات في مناقب الائمة الهداة عليهم السلام بمحمد بن أبي جعفر بن رستم أبي جعفر الاملي الطبري الكحي كوهي " الصغير في قبال الطبري الكبير الامامي صاحب المسترشد المعاصر للطبري المؤرخ المتوفى سنة 310 ه.
ويروي المؤلف عن أبي الفضل الشيباني، وعن أبي الحسين بن محمد بن هارون التلعكبري، وعن أحمد بن محمد الجوهري " صاحب مقتضب الاثر " وعن أبي التحف علي بن ابراهيم المصري (1).
ووصفه الشيخ الطوسي في الفهرست بالكبير وثناه النجاشي بالامامي، وقد ذكرا له كتاب المسترشد في الامامة (2) يروي عنه الشريف أبو محمد الحسن بن
1) الذريعة الى تصانيف الشيعة: 4 / 349 برقم 1880.
2) الفهرست: 281 برقم 123، ورجال النجاشي: 332 برقم 879
[ 2 ]
حمزة المرعشي الطبري المتوفى سنة 538 ه، وهو معاصر لسميه محمد بن جرير ابن يزيد الطبري العامي، صاحب التاريخ والتفسير الكبير بن المولود سنة 224 ه والمتوفى سنة 310 ه على ما في فهرس ابن النديم (1).
وقد ترجم الشيخ الطوسي والنجاشي لهذا العامي مصرحين بأنه عامي، وأنه ألف التاريخ والتفسير الكبير بن، كما ترجما للامامي الكبير مؤلف " المسترشد " ولكنهما لم يترجما لمحمد بن جرير المتأخر مؤلف " دلائل الامامة " والذي كان معاصرا لهما، والدليل على ذلك عدة امور:
1 - روايته في كتابه " دلائل الامامة " عن كثير من مشايخهما منهم: أبو عبد الله الحسين ابن إبراهيم بن علي (عيسى خ ل) المعروف بابن الخياط القمي من مشايخ الشيخ الطوسي، ومنهم: محمد بن هارون بن موسى التلعكبري المتوفى سنه 387 ه الذي يروي عنه النجاشي عن والده التلعكبري، كما يروي الشيخ الطوسى عن أخيه الحسين ابن هارون بن موسى عن والده، ومنهم: أبو المفضل الشيباني المتوفى سنة 385 ه الذي أدركه النجاشي أيضا ولكنه امتنع عن الرواية عنه إلا بواسطة، لرعاية الاحتياط.
ومنهم: أبو عبد الله الحسين بن الغضائري.
2 - روايته عن جمع ممن يروون عن الصدوق أبي جعفر بن بابويه، كما يروي الشيخ والنجاشي عن جمع ممن يروون عن الصدوق أيضا، كما أن الشيخ الطوسي والنجاشي وصاحب دلائل الامامة يروون جميعا عن جمع ممن يروون عن التلعكبري.
3 - أنه ألف " دلائل الامامة، بعد سنة 411 ه التي توفي فيها ابن الغضائري وهو شيخهم جميعا، فانه عند ذكر معجزة صاحب الزمان عليه السلام ص 300 من المطبوع قال: " نقلت هذا الخبر من أصل بخط شيخنا أبي عبد الله الحسين بن الغضائري (ره).
فيظهر وفاته قبل النقل عن خطه.
1) فهرس ابن النديم: 95.
[ 3 ]
مع أن ترك الشيخ الطوسي والنجاشي ترجمتهما له في كتابيهما لا يدل على عدم وجوده.
فانهما قد تركا ترجمة جمع من المصنفين الاجلاء المعاصرين لهما مثل: 1 - الكراجكي المتوفى سنة 449 ه.
2 - سلار بن عبد العزيز تلميذ الشيخ المفيد المتوفى سنة 413 ه.
3 - القاضي عبد العزيز بن براج تلميذ الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 ه.
4 - الشيخ محمد بن علي الطرازي مؤلف " الدعاء والزيارة ".
وغير هؤلاء ممن ذكرهم الشيخ منتجب الدين بن بابويه المتوفى 385 ه في فهرسه أو لم يذكرهم الشيخ منتجب الدين أيضا كالطرازي المذكور، والطبري صاحب الدلائل هذا وغيرهما ممن ضاعت عنا أسماؤهم وآثارهم.
والمراجع لاسانيد روايات هذا الكتاب يظهر له أن المؤلف يرويها على ثلاثة أنحاء: الاول: ما رواه عن مشايخه الذين تحمل عنهم الحديث بالاجازة أو القراءة أو السماع، حتى صح له أن يقول: حدثنا، أخبرنا، حدثني، أخبرني، وهؤلاء الذين صدر الرواية عنهم بقوله: حدثني، أخبرني، هم مشايخه لا محالة.
وإذا نظرنا فيهم رأينا أن بعضهم من مشايخ النجاشي المتوفى سنة 450 ه خاصة، وبعضهم من مشايخ الطوسي المتوفى سنة 460 ه خاصة، وبعضهم من مشايخهما معا، وبعضهم ممن يختص به مؤلف دلائل الامامة ولا يروي الطوسي والنجاشي عنه كأبي طاهر عبد الله الخازن، كما وقع في (ص 93 و 239) من الدلائل المطبوع، ويروي أبو طاهر في كلا الموضعين عن أبي بكر محمد بن سالم القاضي الجعابي المتوفى سنة 355 ه - كما أرخه في تاريخ بغداد -.
فظهر أن أبا طاهر شيخ صاحب الدلائل مع الشيخ المفيد (ره) الذي هو استاذ الطوسي والنجاشي كانا في طبقه واحدة لروايتهما عن القاضي الجعابي.
[ 4 ]
كما أن صاحب الدلائل مع الطوسي والنجاشي كانوا في طبقة واحدة لاشتراكهم في مشايخ كثيرة.
فظهر أنه قد سقط اسم الشيخ صاحب الدلائل عن أول السند الموجود في النسخ الناقصة منه، فان الموجود هكذا: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي مع أنه بقرينة السندين المذكور بن في (ص 93 و 239) يكون هكذا: وحدثني أبو طاهر عبد الله بن أحمد الخازن، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عمر ابن سالم التميمي الجعابي.
فرواية صاحب الدلائل عن الجعابي بالواسطة في الموضعين دليل على سقوط أول السند فيما وصل إلينا منه، كما سقط في أول الكتاب إلى هذا الحد.
وقرينة اخرى على ذلك أن السيد ابن طاووس روي في " أمان الاخطار " عن محمد بن جرير بن رستم، عن أبي طاهر عبد الله بن أحمد الخازن، عن أبي بكر محمد ابن عمر القاضي الجعابي، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة المتوفى سنة 323 ه (كما ذكر).
الثاني: ما رواه برفع الحديث الى رجل معين متقدم عليه كقوله: روى جميل ابن دراج، روى إبراهيم بن هاشم، روى الحسين بن علاء، روى الحسن بن علي الوشاء، روى الهيثم النهدي، روى عباد بن سليمان، روى أبو حامد السندي.
وقد ذكر الثلاثة الاخيرة في (ص 191) من المطبوع، وغير هؤلاء من القدماء فيحتمل أنه وجد الرواية في كتبهم أو وصلت إليه الرواية مسندة فأرسلها هو اختصارا.
الثالث: ما رواه عن رجل متقدم بعنوان (قال).
فجاء في ص 31 [قال الصفواني] وفي ص 182 [قال أبو عبد الله المرزباني] وجاء مكررا [قال أبو جعفر بن بابويه] وأمثال هؤلاء ممن لم يلقهم، فانه يروي عن الصفواني والصدوق بواسطة النقيب أبي محمد الحسن بن أحمد المحمدي، فروايته عنهم يقال رواية عن كتابهم.
[ 5 ]
الرابع: ما رواه بعنوان [قال أبو جعفر] ومراده فيه مختلف في الموارد.
ففي كثير من الروايات أن مراده (من أبي جعفر) هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الذي يروي غالبا عن سفيان بن وكيع بن الجراح الرواسي الكوفي المتوفى سنة 247 ه، عن أبيه، عن الاعمش كما في الصفحات (66 و 67) من المطبوع، وعن أبي محمد عبد الله بن محمد البلوي كما في الصفحات (65، 66، 74، 75، 84، 85 و... وغيرها) والبلوي يروي عن عمارة بن زيد، وعن محمد بن الحسن بن عبد الله الجعفري المذكور في رجال النجاشي.
وفي بعض الموارد مراده - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري - الذي كان من أصحاب الامام الحسن العسكري عليه السلام المستشهد سنة 260 ه، ويخاطبه الامام بقوله: [يابن جرير] كما في (ص 224 و 225) وقد يريد بأبي جعفر، محمد بن جرير بن يزيد العامي المؤرخ والمفسر المتوفى سنة 310 ه فانه يروي في (ص 30) عن القاضي أبي إسحاق ابراهيم بن مخلد بن جعفر بن سهيل بن حمران الدقاق.
ومن المعلوم أن إبراهيم بن مخلد هو من مشايخ النجاشي ويروي عن أبيه مخلد وهو بدوره يروي عن محمد بن جرير المؤرخ.
فصاحب الدلائل يروي عن سميه المؤرخ بواسطتين هما: إبراهيم وأبو مخلد.
وكذا يروي عن سميه الاخر الكبير مؤلف المسترشد بثلاث وسائط.
فان صاحب الدلائل يروي عن الصدوق بواسطة واحدة وهو الشريف الحسن بن أحمد المحمدي، والصدوق يروي عن صاحب المسترشد بواسطة واحدة كذلك وهو محمد بن إبراهيم الطالقاني.
ثم إن مؤلف الدلائل معاصر للنجاشي وهو مع أن له الاسناد العالية لم يحصل له طريق الرواية عن صاحب المسترشد إلا بواسطتين، فلا يصح دعوى رواية مؤلف الدلائل عن مؤلف المسترشد بدون واسطة، وبما أن النجاشي يروي بعدة طرق عن الكليني المتوفى سنة
[ 6 ]
329 ه بواسطتين، يظهر أن مؤلف المسترشد كان متعاصرا مع الكليني (تقريبا) ولم يكن ممن أدرك أحد الائمة عليهم السلام ظاهرا، فانه لو كان كذلك لكان الطوسي والنجاشي قد ذكرا ذلك كما هو ديدنهما.
وعلى هذا فمؤلف المسترشد غير ابن جرير الذي خاطبه الامام العسكري عليه السلام ثلاث مرات ضمن قصة المعجزات التسع الواردة في " مدينة المعاجز " بقوله: يابن جرير.
إذ يستبعد بقاء من خاطبه الامام العسكري عليه السلام المستشهد سنة 260 ه الى عهد الكليني، فالمخاطب هو سمي آخر لمؤلف المسترشد.
وأيضا كان مؤلف المسترشد معاصرا لحسين بن روح (ره) المتوفى سنة 326 ه لانه يروي عنه من أدرك الحسين بن روح، وهو أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني الذي هو من مشايخ الصدوق... رحمهم الله، والطالقاني هذا روى عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب المسترشد الحديث الموجود في نسخة المسترشد.
والصدوق (ره) روى هذا الحديث بعينه عن محمد بن إبراهيم الطالقاني، عن محمد بن جرير الطبري في باب الثلاثة من كتاب " الخصال ".
وروى عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن جرير الطبري أيضا في المجلس الخامس من " أماليه " في كيفية ورود فاطمة عليها السلام الى المحشر، وابن جرير في هذا السند يروي عن أبي محمد الحسن بن عبد الواحد الخزاز، عن اسماعيل بن علي السندي.
وفي المجلس 63 من " أمالي الصدوق " أيضا محمد بن إبراهيم، عن محمد بن جرير، عن الحسن بن محمد، عن محمد بن عبد الرحمان المخزومي، ورواية اخرى لمحمد بن جرير، عن الحسن بن محمد، عن الحسن بن يحيى الدهان، وقال نفسه في المسترشد: حدثنا أحمد بن مهدي، وقال أيضا: أخبرني الحسن بن الحسين العرني
[ 7 ]
وبالجملة فصاحب الترجمة هو: محمد بن جرير " الكبير " في طبقة سميه المتوفى سنة 310 ه وهؤلاء مشايخه، ومنهم أيضا أحمد بن رشيد كما في المجلس 47 من " الامالي ".
وأما محمد بن جرير " المتأخر " فهو يروي في كتابه " الامامة " عن القاضي أبي الفرج المعافا النهرواني الذي كان أوحد عصره في مذهب محمد بن جرير المؤرخ والمفسر في سنة 377 ه كما ذكره ابن النديم.
والمعافا يروي عن محمد بن أحمد بن محمد ابن أبي الثلج المتوفى سنة 325 ه، وهو من أصحاب أبي جعفر محمد بن جرير المؤرخ والمفسر كما ذكره ابن النديم.
وأما نسبة ابن النديم " المسترشد " إلى ابن جرير المؤرخ والمفسر، فهي إما من اشتباهه في إسم المؤلف، أو أن " المسترشد " الذي للطبري صاحب التفسير هو كتاب آخر مشارك مع الموجود في الاسم.
كما أن ابن طاووس في كتاب " اليقين " و " الطرف " روى عن " مناقب أهل البيت عليهم السلام " عدة أحاديث وجزم بأنه لابن جرير المؤرخ والمفسر وهو غير واضح، بل الظاهر أن " مناقب أهل البيت " لصاحب الترجمة، وهو مرتب على الحروف من أسماء من روى ابن جرير عنهم.
وفي باب الياء ذكر روايته عن يوسف بن علي البلخي، كما ذكره ابن طاووس في " الطرف "، و " المناقب " هذا غير " مناقب فاطمة عليها السلام " الذي ينقل عنه السيد هاشم البحراني في " مدينة المعاجز " فانه لمحمد بن جرير الصغير المتأخر عن هذا الكبير والمعاصر للطوسي والنجاشي والمشارك معهما في جملة من المشايخ.
ثم إنه من المحتمل جدا أن الطبري صاحب الترجمة كان معاصرا للطبري صاحب التاريخ والتفسير، وأنه هو الطبري (الكبير) الذي أدرك أبا محمد الحسن العسكري عليه السلام ورأى منه تسع معجزات وعبر عنه ب (الحسن بن على السراج) وقد خاطبه الامام عليه السلام
[ 8 ]
بقوله: يابن جرير، وأنه رأى خط الامام بهلاك الزبير بن جعفر المتوكل بعد ثلاثة أيام.
وأنه روى عن علي بن محمد بن زياد الصيمري وهو من أصحاب الامام الهادي عليه السلام.
وأن محمد بن جرير الطبري صاحب " دلائل الامامة " وهو الصغير والذي ذكر فيه المترجم له قائلا: " قال محمد بن جرير الطبري: رأيت الحسن بن علي السرج ".
وقد رواها السيد البحراني التوبلي في " مدينة المعاجز " ووصف - مؤلف هذا الكتاب - بقوله: الطبري محمد بن جرير الاملي، كثير العلم، حسن الكلام إلا أنه زعم كونه محمد بن جرير الامامي " صاحب المسترشد " وأقول: لعل هذا الخلط منشأه عدم وجود ترجمة ل (محمد بن جرير الطبري) المتأخر في اصولنا الرجالية على ما عندي.
ثم اعلم أن أول من عثرنا على أنه نقل من هذا الكتاب هو السيد علي بن طاووس المتوفى سنة 664 ه، ثم السيد هاشم البحراني، كما أنه نقل بعض رواياته الشيخ المجلسي (ره) المتوفى سنة 1110 ه في بحار الانوار وكذا غيره من المتأخرين.
وأخيرا نقول: إن صاحب الترجمة قد جمع بعضا مما ألفه من كتب شتى ونوادر في مناقب ومعجزات الائمة الاطهار عليهم السلام وعلومهم واحتجاجاتهم، مما لا يستغني عنها الباحثون وطالبو الحق والحقيقة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وصلوات الله على محمد وآله رسولا وإماما.
[ 9 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله الذي نور قلوبنا بهداية محمد، وشرح صدورنا بولاية علي وصلى الله عليهما وعلى آلهما المعصومين المنصوصين صلاة دائمة إلى يوم الدين.
أما بعد، فان الله سبحانه وتعالى لما أبدع العالم وذر الناس وبسط لهم أرزاقهم أوجبت حكمته أن يدعوهم إلى معرفة خالقهم، وعبادة رازقهم، واقتضى عدله أن أمرهم بالعدل والاحسان، ونهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي، لا لحاجة منه سبحانه إلى ذلك، بل لحاجة خلقه إلى ما فيه صلاحهم في الدنيا والاخرة.
فأرسل إليهم رسله صلى الله عليهم مبشرين ومنذرين، وبعث فيهم حججه والداعين إليه، والناطقين عنه، ليبصرهم الرشد، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
وجعلهم (صلوات الله عليهم) كاملين معصومين، قادرين عالمين بما كان وبما يكون، ليقيموا للناس البراهين الساطعة، والدلائل الواضحة، وليظهروا القدرة الباهرة، والمعجزة التامة التي تشهد بصدق قولهم: أنه من قبل الصانع القديم الازلي رب العالمين، خالق السماوات والارضين جلت عظمته.
ولو لم يجعلهم كذلك - قادرين كاملين عالمين معصومين - لم تبد من أولهم
[ 10 ]
وأوسطهم وآخرهم القدرة الباهرة، والمعجزة التامة، والبراهين الساطعة، والدلائل الواضحة، والعلوم الكاملة [و] ما اتبعهم أحد، [و] ما آمن بهم نفر ولصارت امور الخلق داعية إلى البوار وذهاب الحرث والنسل.
وشاهد ذلك قول الله عزوجل: (فلله الحجة البالغة) (1) والحجة البالغة هي الرسل والائمة عليهم السلام، الذين احتج الله تعالى بهم على الملائكة والجن والانس.
والحجة البالغة - فيما وصف الله تعالى من حجته - حجة لا تخلو من أن تكون بالغة من بعض الاحتجاج، وفوقها ما هو أبلغ منها وأتم وأكمل في كل الاحتجاج.
وأن تكون " بالغة " في كل الاحتجاج حتى لا يكون فوقها تام هو أتم منها.
ولاكمال هو أكمل من صفاتها، فان كانت بالغة في بعض الاحتجاج دون بعض.
وفوقها ما هو أتم وأكمل منها، فهي حجة ناقصة عن حدود التمام والكمال.
ثم لا يخلو الحكيم القادر عزوجل من أن يكون قادرا على الاحتجاج على خلقه في الاتم والابلغ والاكمل، أو أن يكون غير قادر على ذلك، فان كان غير قادر - ونعوذ بالله من هذا القول - لزم أن يكون مخصوص القدرة، ومعتل الحكمة، فيكون قادرا على الشئ عاجزا عن غيره، حكيما في شئ غير حكيم في غيره.
وهذه صفات خارجة عن (2) صفات أفعال الحكيم، لانها كلها توجب الاضطرار فيما عجز عنه وغفل عن الحكمة فيه، ولا يوجب هذا ممن أقر بالصانع القديم إلا جاهل عمي، وغافل غوي.
فان كان قادرا على الاحتجاج بالاتم والاكمل لزم في حكم الحكمة وتمام القدرة أن يحتج على خلقه بكمال حجة، وتمام دعوة.
وقوله (3): (فلله الحجة البالغة) يوجب أنه ليس فوقها أبلغ ولا أتم ولا أكمل
1) الانعام: 149.
2) استظهرناها، وفى الاصل " غير ".
3) استظهرناها، وفى الاصل " لقوله ".
[ 11 ]
منها، وأنها بالغة التمام والكمال في جميع وجوه الاحتجاج.
ويوجب (1) باضطرار - لا محيص عنه - أن حججه والداعين إليه والناطقين عنه عليهم السلام معصومون، قادرون على كل شئ، عالمون بما كان وبما يكون إلى آخر الزمان.
وإذ اثبت ولزم أن نبينا صلى الله عليه وآله بهذه الصفة في العصمة والكمال والقدرة، وأن الانبياء الذين أرسلهم الله قبله كانوا بهذه الصفة، وكذلك أوصياؤهم الذين هم حجج الله في أرضه، لزم أن يكون الائمة الذين يقومون مقام نبينا - صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين كذلك يشاكلونه في العصمة والكمال والقدرة وما شاكل ذلك.
وأن لافرق بينه - صلى الله عليه وآله - وبينهم صلوات الله عليهم إلا رتبة النبوة، ليكون الدين كاملا، والحجج بالغة في كل الاحتجاج، قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) (2) الاية.
وكمال الدين يكون بكمال الحجة، وأن تكون بالغة في جميع الاحتجاج.
ثم وجب أن يكون القيم بأمر الدين بعد الرسول صلى الله عليه وآله من اختاره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله، فان من تختاره الامة يكون خارجا عن حد الكمال، داخلا في حد النقصان.
وليس للامة اختيار الامام مع قول الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (3) [و] مع قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (4).
وإذا لزم وثبت أن الائمة الطاهرة من عترة نبينا صلى الله عليه وآله، الذي هو سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله هم الحجج البالغة لله سبحانه في أرضه، ثبت لهم صحة المعجزات التامة، والقدرات الباهرة، والبراهين الواضحة، التي كانوا يحتجون بها
1) استظهرناها، وفى الاصل " انهم ".
2) المائدة: 3.
3) الاحزاب: 36.
4) الاحزاب: 6.
[ 12 ]
على عباد الله، ويظهرونها (1) لهم كما كانت الاوصياء وخلفاء الانبياء الذين تقدموا نبينا - صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين - الذي هو سيدهم لاولهم وآخرهم أظهروها للامم السالفة واحتجوا بها عليهم، على ما قصها الله تعالى إلى خيرته في محكم كتابه [فحكى] (2).
عن وصى سليمان عليه السلام الذي كان عنده علم من الكتاب فأتى بعرش بلقيس من سبأ إلى مقام سليمان عليه السلام بيت المقدس - مسيرة خمسمائة فرسخ - قبل أن يرتد إليه طرفه.
وكان هذا الوصي آصف بن برخيا وهو ابن عمه ووصيه وزوج ابنته(3).
هذا يوجب فضل نبينا صلى الله عليه وآله على جميع الانبياء عليهم السلام، وكان فضل أوصيائه على كافة أوصياء الانبياء الذين كانوا قبل نبينا صلى الله عليه وآله [كفضله عليهم] (4) وعلى جميع المرسلين.
والمشهور من معجزات يوشع بن نون بن إفرائيم (5) بن يوسف الذي كان وصي موسى عليه السلام، أنه كان في بعض غزواته فعن (6) له ما أعجزه عن صلاة العصر في وقتها حتى غربت الشمس، فتكلم عليه السلام بكلمات فرد الله الشمس إلى المكان الذي يصلي فيه العصر، فصلى هو ومن معه من المؤمنين، وهذا مما لا يختلف فيه لشهرته بين أهل العلم(7).
ووصى المسيح عليه السلام هو شمعون الصفا عليه السلام، وكان يبرئ الاكمه والابرص ويأتي بالمعجزات والبراهين التي كان يظهرها المسيخ عليه السلام على ما اتفقت عليه روايات أصحاب الحديث، وكان معه شيعته الصديقون، فمن آمن به فهو مؤمن ومن جحده [كان] كافرا، ومن شك فيه كان ضالا(8).
1) استظهرناها، وفى ط و " وليظهروا بها ".
2) أثبتناها للزمها.
3) أورد نحوه في اثبات الوصية: 70.
4) أضفناها للزوم السياق.
5) في ط " أفايم " تصحيف.
6) عن: ظهر أمامه واعترض.
7) راجع تاريخ الطبري: 1 / 310، الكامل لابن الاثير: 1 / 202، اثبات الوصية: 60.
8) أورد مثله في اثبات الوصية: 82.
ولزيادة الاطلاع راجع البحار: 14 / 345 ب 42.
[ 13 ]
ودانيال عليه السلام كان وصي منذر بن شمعون فأخذه وأصحابه من المؤمنين (1) بختنصر وكان ملكا كافرا عنيدا خبيثا، وأمر أن يتخذ لهم اخدود فيه النار، ثم أمر بدانيال عليه السلام وأصحابه المؤمنين أن يلقوا في النار، فلم تحرقهم النار، فلما رأى أن النار لا تحرقهم أمر أن يطرحوا في جب فيه السباع، فلاذت السباع بهم وتبصبصت حولهم.
فلما رأى تلك الحال عذبهم بأنواع العذاب فخلصهم الله منه، وأدخلهم جنته، وضرب الله تعالى مثلهم في كتابه فقال: (قتل أصحاب الاخدود * النار) (2) الاية.
إلا أن الذين انقلبوا على أعقابهم - على ما قصه الله تعالى في محكم كتابه (3) - واختاروا أئمتهم بعد النبي صلى الله عليه وآله - وعدلوا عمن نصبه الله ورسوله - ومالوا إليهم بمشاكلتهم إياهم في النقص وقلة الفهم لينالوا من دنياهم، ولما رجوهم من الارتقاء إلى درجتهم الدنياوية بعدهم، وأحلوهم عندهم محل الائمة الطاهرين المعصومين الكاملين القادرين الذين جعلت (4) إليهم الامامة بالنصوص.
أنكروا معجزات الائمة في شريعة نبينا صلى الله عليه وآله خصوصا لئلا يطالب أحدهم باقامة معجزات، وإظهار برهان ودليل، وأرادوا إطفاء نور الله بأفواههم وأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.
1) زاد في ط (فهربته من).
واللفظ في اثبات الوصية هكذا: وقام دانيال بالامر بعده ومضى بخت نصر وملك ابنه (فهرا) وكان كافرا خبيثا... والامر لا يخلو من غرابة حيث أن كتب التاريخ تحكى عن بخت نصر بانه هو الذى اتخذ الاخدود لدانيال، وتجدر الاشارة الى أن ابن الاثير في الكامل: 1 / 261، قال: قد اختلف العلماء في الوقت الذى أرسل فيه بخت نصر على بنى اسرائيل، فقيل: في عهد أرميا النبي ودانيال... وقيل.
راجع التفاصيل في البحار: 14 / 351 ب 25، وتاريخ ابن الاثير المذكور ص 267 2) أورده في اثبات الوصية: 85 مثله، والاية: 4 و 5 من سورة البروج.
3) في سورة آل عمران: 144.
4) استظهرناها، وفى ط " فصلت ".
[ 14 ]
فلما وجدت ذلك كذلك، حاولت أن اؤلف مما أظهروه من المعجزات، وأقاموه من الدلائل والبراهين، مما سمعته وقرأته، في كتاب مقصور على ذكر المعجزات والبراهين، ليسهل حفظها وبلوغ ما اوردت فيها من أحاديث عجيبة هائلة مهولة.
فانها من المشكلات التي تتهافت فيها العقول لكونها من المعضلات [مما] لا يتحمله إلا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان.
وجمعت من كتب شتى من مناقبهم وعلومهم واحتجاجاتهم التي لا يستغني عنها الطالب للحق والراغب فيه زلفة إلى الله، وابتغاءا لمرضاته، وتقربا إلى صاحب الحضرة العلية الامامية المرتضوية صلوات الله على مشرفها.
الحمد لله الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، وهدانا إلى الصراط المستقيم وصلى الله على محمد سيد المرسلين، وعلى علي وآله الطاهرين الطيبين المعصومين المنصوصين.