كتاب صحيفة الأبرار

 

ميرزا محمد التقي الشريف

 

 

المجلد الأول

 

 

كلمة لجنة التحقيق

 

باسمه العلي الأعلى

الحمد لله الذي لا يحصي نعماؤه العادون ولا يبلغ مدحته القائلون ولا يؤدي حقه المجتهدون ، والصلاة والسلام على من لو كانت البحار السبعة مدادا والأشجار أقلاما والثقلان حسابا ما أحصت فضيلة من فضائلهم التي ملأت الكون وأشرقت بفاضل أنوارها السموات والأرضون، سر الله المكنون وأمره بين الكاف والنون محمد المبعوث على ما كان وما يكون، وآله اسم الله المخزون المكنون، وعلى شيعتهم ومحبيهم الذي طينتهم من طينة أئمتهم وبماء ولايتهم معجون، واللعنة الدائمة على من عاداهم وأنكر فضائلهم الذي هو في كل كتاب ملعون ومغبون.

وبعد فعن أم سلمة رضوان الله عليها أنها قالت:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما قوم اجتمعوا يذكرون فضل علي بن أبي طالب إلا هبطت عليهم ملائكة السماء حتى تحف بهم، فإذا تفرقوا عرجت الملائكة إلى السماء، فيقول لهم الملائكة: إنّا نشم من رائحتكم ما لا نشمه من الملائكة، فلم نر رائحة أطيب منها، فيقولون: كنا عند قوم يذكرون محمدا وأهل بيته فعلق فينا من ريحهم فتعطرنا، فيقولون: اهبطوا بنا إليهم، فيقولون: تفرقوا ومضى كل واحد منهم إلى منزله، فيقولون : اهبطوا بنا نتعطر بذلك المكان).

في هذا الزمن المظلم الذي غاب فيه ذكر فضائل آل بيت محمد صلوات الله وسلامه عليهم ، تلك الفضائل التي لم يجعل الله تعالى شيئا يتقرب إليه به هو أفضل منها وأعظم، حيث أنها الطريق المؤدي إلى معرفتهم الذي هو ذروة الأمر وسنامه كما قال مولانا الصادق عليه السلام (ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾.

هذا الزمن الذي صار فيه ذاكر فضائلهم وناشرها مغاليا وخارجا عن الدين وشاقا لعصا المسلمين.

في هذا الزمن الذي فسدت فيه أخلاق الناس وأديانهم ودنياهم بسبب ابتعادهم عن هذا المنهج القويم والصراط المستقيم.

نقدم بين يدي القارئ الكريم هذا الجهد المتواضع، ليتسجل اسمنا أولا في سجل المدافعين عنهم والناشرين لفضائلهم ومناقبهم والمحامين عن شريعتهم ومنهاجهم، وثانيا وفاء منا لعالم من أعلام التشيع، وبطل من أبطال الولاية وهو العالم الجليل الحبر النبيل مولانا الميرزا محمد تقي التبريزي الممقاني الأصل الملقب بحجة الإسلام والمتخلص بالنير، الذي يعد هذا الكتاب المستطاب واحدا من مصنفاته الكثيرة التي جعلها جميعها دفاعا عن فضائل أهل بيت العصمة والطهارة، وهذا الكتاب مع ما يحويه من الفضائل والمناقب فهو حاو أيضا لكثير من التحقيقات اللطيفة والإشارات العالية التي لم يسمح بها فكر ولم يجر بها قلم، ولا كتبت في كتاب ولا سطرت في جواب، هذا الأمر المنبيء عن طول باع هذا العالم الجليل وتضلعه واطلاعه بل وإحاطته بأخبار أهل العصمة والرسالة، ولعمري فإن هذا العالم من العلماء الذين أشار إليهم أهل العصمة بأنهم هم الفقهاء حيث قال عليه السلام (إنا والله لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له فيعرف اللحن) وقال عليه السلام (حديث تدريه خير من ألف ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا، وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج).

ولا أطيل الكلام في مدح الكتاب ومصنفه حيث أن مدحي لهما منقصة في حقهما، فأترك القارئ الكريم يطالع في صفحات هذا الكتاب من هذه الفضائل والتحقيقات ما يبهر العقول ويفرح النفوس.

وأخيرا لا بد لنا من ذكر أمر مهم، وهو أن عملنا بهذا الكتاب وفي غيره من الكتب كان بالأمر السامي من مرجعنا الراحل المجاهد آية الله المعظم خادم الشريعة الغراء الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي  قدس الله نفسه الزكية وعطر الله تربته العلية، ولكم تمنينا الانتهاء من هذا العمل في حياته الشريفة ولكن أمر الله تعالى فوق كل أمر، فقد خطفت يد المقادير هذا النور من بيننا، ولعمري لئن غاب شخصه الشريف عنا فإن روحه لا زالت ترفرف حولنا وتعيننا في أعمالنا، ولذا فإنّا لا نملك إلا أن نقدم هذا المجهود المتواضع إلى روحه الشريفة مع علمنا أنه لا يفي بحقه، وهو من قبيل ما قدمته النملة لسليمان الحكيم من هدية، فنسأل الله تعالى أن يكون هذا العمل مقبولا مرضيا عنده وأن يحشرنا الله تعالى مع مولانا خادم الشريعة الغراء ، وكما أسعدنا في الدنيا بمرافقته أسأل الله تعالى أن يمن علينا في الآخرة بمجاورته، وقبل ذلك وعند ظهور مولانا بقية الله الأعظم قطب دائرة الإمكان والأكوان صاحب العصر والزمان ناموس الله الأعظم الحجة بن الحسن المهدي المنتظر أرواحنا فداه أن نكون تحت رايته وفي نصرته إنه سميع مجيب الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

لجنة النور الأزهر الميرزا حسن الكوهر

لإحياء تراث الشيخ الأوحد والعلماء العظام

أعلى الله كلمتهم

21 ربيع الأول 1425هـ الموافق 11/5/200

 

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الحمد من غير حاجة منه إلى حامديه طريقا من طرق الاعتراف بلاهوتيته وصمدانيته وربانيته وفردانيته ، وسببا إلى المزيد من رحمته ومحجة للطالب من فضله ، وكمن في إبطان اللفظ حقيقة الاعتراف له بأنه المنعم على كل حامد باللفظ وإن عظم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نزعت عن إخلاص الطوى ونطق اللسان بها عبارة عن صدق خفى ، أنه الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى ليس كمثله شي‏ء ، إذ كان الشي‏ء من مشيته فكان لا يشبهه مكونه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، استخلصه في القدم على سائر الأمم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس، وانتجبه آمرا وناهيا عنه أقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه إذ كان لا تدركه الأبصار ،  ولا تحويه خواطر الأفكار ولا تمثله غوامض الظنون في الأسرار لا إله إلا هو الملك الجبار قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته واختصه من تكرمته بما لا يلحقه فيه أحد من بريته فهو أهل ذلك لخاصته وخلته إذ لا يختص من يشوبه التغيير ،  ولا يخالل من يلحقه التظنين، وأمر بالصلاة عليه مزيدا في تكرمته وطريقا للداعي إلى إجابته فصلى الله عليه وكرم وشرف وعظم مزيدا لا يلحقه التنفيد ولا ينقطع على التأبيد  ، وإن الله تعالى اختص لنفسه بعد نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من بريته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم إلى رتبته وجعلهم الدعاة بالحق إليه والأدلاء بالإرشاد عليه لقرن قرن وزمن زمن أنشأهم في القدم قبل كل مذروء ومبروء أنوارا أنطقها بتحميده وألهمها شكره وتمجيده، وجعلها الحجج على كل معترف له بملكة الربوبية وسلطان العبودية ، واستنطق بها الخرسات بأنواع اللغات بخوعا له بأنه فاطر الأرضين والسماوات ، وأشهدهم خلقه وولاهم ما شاء من أمره جعلهم تراجم مشيته وألسن إرادته عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون يحكمون بأحكامه ويستنون بسنته ويعتمدون حدوده ويؤدون فروضه، ولم يدع الخلق في بهماء صماء ولا في عمياء بكماء بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم وتفرقت في هياكلهم وحققها في نفوسهم واستعبد لها حواسهم فقرر بها على أسماع ونواظر وأفكار وخواطر ألزمهم بها حجته وأراهم بها محجته وأنطقهم عما شهد بألسن ذربة بما قام فيها من قدرته وحكمته وبين عندهم بها من عظمته ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وأن الله لسميع عليم بصير شاهد خبير.

أما بعد فيقول العبد الضعيف محمد بن محمد بن الحسين المدعو بالتقي الشريف آتاه الله كتابه بيمينه وهداه إلى مواقف يقينه هذا كتاب موسوم بـ (صحيفة الأبرار) مشتمل على لطائف الأسرار في مناقب العترة الأطهار من أهل بيت الرسول المختار وحجج الله القائمة في الأكوار والأدوار عليهم صلوات الله الملك الجبار ما اتصل الليل والنهار ، يشتمل على ألف حديث من طرق الأخبار من غير تبويب ولا مراعاة نظم وترتيب ، حداني إلى جمعها وتأليفها نذر نذرته لله في حاجة لي قضاها - ولله الحمد والمنة - وجعلتها على قسمين : قسم في طرائف فضائلهم التي سبيلها الأخبار ، وقسم في غرائب أفعالهم التي طريقها المعاينة والاعتبار ،  وجعلت كل مائة حديث منها جزء لئلا يمل الناظرون فيها ،  فإن النفوس تتروح بالتفنن في فصول الكلام والتنقل إلى الافتتاح بعد الاختتام ، ولنقدم أمام المقصود عناوين مهمة تزيد للطالب بصيرة في دينه ومعرفته عند تبينه وتبيينه ، وتكون حجة على من هجم به الجهل إلى إنكار ما لم يحط بعلمه خبرا والرد لتأويل ما لا تستطيع عليه صبرا فقد استوطن هذا الداء العضال في طباع قوم من إخواننا المؤمنين هداهم الله إلى مواقف الحق واليقين، فهجروا أخبار العترة مليا واتخذوا كتاب الله ظهريا، وقصروا في حق أئمتهم تقصيرا لا يقال ،  وعثروا عثرة ليس للاعتذار عنها مجال  حتى تمادى بهم الحال إلى أن حصروهم في رتبة البشرية وسووهم مع سائر البرية  خلافا لقول المنتجب للوصية في كتابه إلى إمام الفرقة الأموية (لولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا لم يمنعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ولستم هناك)، هذا وهو كتاب قد كتبه إلى معاوية فوقر سمع لم يفقهه الواعية  و، أنا أرجو أن لا يكون هذا منهم إن شاء الله على سبيل اللجاج والعناد، بل من جهة نقص القابلية والاستعداد، فجعلت على نفسي أن أقدم أمام المقصود ما فيه مقنع لطالب الرشاد والهداية وإنقاذ للغريق في تيار شهاب أصحاب الريب والغواية ، عسى أن ينتفع به إخواننا المؤمنون من القاصرين إذا اتضح لديهم دليله فيرتدعوا عما هم عليه من إنكار ما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله  و(الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور).

العنوان الأول

قد تبين بالأدلة الباهرة والبراهين القاهرة أن الله عز وجل قادر عليم حكيم على الإطلاق وقد خلق ما خلق ليعرف بذلك كما قال في الحديث القدسي المشهور (كنت كنزا مخفيا ،  فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف) وقال في كتابه الحميد ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾قال الصادق (عليه السلام) في تفسيره (أي ليعرفون) وقال مولانا الرضا (عليه السلام) في خطبته المروية في العيون والتوحيد المعروفة بخطبة التوحيد (أول عبادة الله معرفته)الخطبة.

ومن الأوليات عند من يدين بدين التوحيد أن الممكن لا يمكنه إدراك الأزل لوجوب كون المدرك والمدرك من أهل صقع واحد (إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها)، وللزوم كون ذات الله محاطة ومحيطها أقوى منها وليس هذا بصفة القديم جل شأنه قال الرضا (عليه السلام) في خطبته المذكورة (كل معروف بنفسه مصنوع) ، وقد دلت وشهدت بذلك عميقات العقول والأفكار وصريحات النقول والآثار، وحيث أنه تعالى لا يعرف من نحو ذاته لتعاليه عن منتهى حدود مشاعر المخلوقين انحصر دليل العباد عليه في آياته التي أظهرها بخلقه الخلق كي يستدل بها العباد على وجوده وصفاته الكمالية التي ظهرت آثارها في صنع المخلوقين من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة والكبرياء والعظمة وأشباهها من الصفات التي وصف بها نفسه فعلا وقولا وندب عباده إلى معرفته ووصفه بها وجعلها آية وعنوانا لهم ليتوجهوا بها إليه ، ولم يكتف بالبيان القولي في ذلك لأن البيان الشهودي أتم وأكمل والجمع بينهما أكمل منه وهو تعالى لا يختار المرجوح على الراجح مع قدرته عليه وقد أخبر عن هذا البيان في كتابه العزيز بقوله ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾ وقال الرضا (عليه السلام) في خطبته المذكورة (بصنع الله يستدل عليه وبالعقول يعتقد معرفته وبالفطرة تثبت حجته)وقد ملأت الآيات والأخبار من التصريح والإشارة بذلك وإنما نطوي عن ذكرها لمكان بداهة المسألة في نفسها فالخلق هم المستدلون والمستدل بهم عليه سبحانه بما أودع في خلقهم من دقائق الحكم الخفية والآيات الباهرة الجلية.

هذا ومن الأوليات أيضا أن الصنع كلما كان أكمل وأتقن وأقوم وأحسن كان أدل على كمال صانعه، كما أن الخط كلما كان أحسن كان أدل على كمال كاتبه ولا ريب أن الله القادر العليم الحكيم لا يخل بهذه الحكمة لكونها أدل في معرفة المؤمنين وأقطع لحجة الجاحد، وهو تعالى لا يعدل إلى المرجوح مع قدرته على الراجح وإمكان قبول الراجح للصنع وما نحن فيه منه فيجب أن يكون ما خلقه الله دليلا على نفسه في الكمال بحيث لا يمكن في الإمكان إيجاد وجود أكمل منه، وبتعبير آخر لا يجوز لأحد أن يقول لو كان صنع الله كذا لكان أكمل من ذلك.

وإذ تقرر هذا فلنرجع ولنبحث عما يقبل الإيجاد من هذا المصنوع الكامل وما لا يقبله .

فنقول إن نفس الإمكان تأبى عن إيجاد مصنوع واجب قائم بذاته مستقل في صفاته ولو آنا ما لأن الممكن من حيث هو ممكن الذات لا يخرج بإيجاده عن صقع الإمكان ويلحق بعالم الوجوب لأن الذاتي لا يتغير فما عليه الممكن ليس إلا الإمكان ولا يمكن له الخروج عن ذلك الصقع لأنه مبدؤه والشيء لا يتجاوز مبدأه.

 وقولهم الواجب بالغير فإن أرادوا به أن الممكن إذا وجد عند وجود علته استغنى في بقائه عن الإيجاد وصار قائما بذاته كالواجب بالذات فغلط وشرك، وإن أرادوا به كونه واجب الانوجاد عند إيجاد موجده له وأقروا مع ذلك بأن آن صدوره آن بقائه، وفي الآن الثاني يستدعي تعلق إيجاد آخر به بحيث لو انقطع عن الإيجاد آنا ما فنى، فهو دائما قائم بإيجاد الله تعالى قيام صدور كالصورة القائمة في المرآة بإشراق المقابل فإنها لا تستغني عن مدد المقابلة ما دامت باقية، فإن أرادوا هذا المعنى فهو ما نقوله نحن من عدم استغناء الممكن عن تأثير المؤثر طرفة عين؛ لأن الوجوب بهذا المعنى لا ينافي كونه فقيرا بالذات وإن كان غنيا بالغير في كل آنات وجوده فافهم فإنه فقر في غناء .

والحاصل أن الممكن لا يكون غنيا بالذات أبدا كما أن الواجب لا يكون فقيرا بالذات أبدا وإلا لانقلب الممكن واجبا والواجب ممكنا وهو من أشنع المحال ، فثبت أن تصور مخلوق مستقل في ذاته محال لا يقبل الوجود ، وللقوم في المقام خرافات وتخمينات لا طائل تحت التعرض لها وجرحها وتعديلها فإن الفطرة تكفي في الشهادة على ما قررناه .

فكذب المفوضة القائلون بأن الله تعالى خلق محمدا وآل محمد صلى الله عليه وعليهم وفوض أمر الوجود إليهم فهم المدبرون في الوجود من غير أن يكون لله تعالى فيه فعل فإنه مضافا إلى أنه شرك باطل مما لا يمكن ولا يعقل في حق الممكن المخلوق؛ كما أشرنا إلى برهانه آنفا فإن الإمكان ينافي الاستقلال بالذات في جميع الأحيان لا في آن دون آن لأن ما اقتضى حاجته إلى الموجد والمؤثر في بدء الأمر باق لم يرتفع وهو كونه ممكن الوجود وبإيجاد الغير له في آن لا ينقلب واجبا بالذات كما أن الشعاع بصدوره عن إشراق الشعلة الذي هو مثل فعل الصانع لا ينقلب شعلة بل هو دائما شعاع محتاج إلى الاستمداد للوجود من الشعلة التي صدر عنها ولا بقاء له بدون ذلك الاستناد والاستمداد طرفة عين أبدا وهذا المقدار هو حفظه من الوجود ﴿وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون﴾.

كما أخطأ بعض أصحابنا الأصوليين في منعهم التفويض في الأمور الكونية وقولهم به في الأحكام الشرعية جمودا على ظاهر بعض الأخبار المتشابهة عند غير أهلها فإن الدليل الذي دل على امتناع التفويض على المعنى الذي قررناه عام شامل بجميع الأمور، والفساد الذي يلزمه من انعزال الحق تعالى عن تدبير ملكه مشترك الورود بين الأمرين فهو تقسيم وصلح في غير محله، وإن كان الداعي لهذا القول الأخبار الواردة في تفويض أمر الدين إلى النبي والأئمة (عليهم السلام)، فقد ورد أضعاف ذلك في الأمور التكوينية فما بالهم يتركون بعضا منها على ظاهره ويؤولون البعض الآخر فإنه تفصيل لم يقم عليه دليل وإنما هو تحكم بحت .

فلما رأينا هذا القسم من الخلق غير ممكن الوجود وجب علينا أن نرجع إلى الفحص عما يمكن أن يقبل الكون من ذلك الوجود الكامل الذي ينبغي أن يخلقه الله تعالى دليلا على ألوهيته، فرجعنا ورأينا أن الله لو شاء أن يخلق وجودا نورانيا لا من شيء من غير أن يسبقه شيء من الممكنات المقدورة له في الرتبة والمكانة ويجعل ذلك الوجود في كمال النورانية بحيث لا يمكن في الإمكان نور أكمل وأتم من نوريته؛ فيصدر عنه لكمال نوريته أشعة غير متناهية كل شعاع وجود شيء من الأشياء فيكون ما نعبر عنه بعالم الإمكان الذي هو مجموع ما سوى الله تعالى بحيث لا يشذ عنه شاذ عبارة عن هذا الوجود النوراني بما له من الصفات والشؤون والإضافات والأشعة التي كل حصة منها مادة لوجود من الموجودات فمنها أرواح ومنها أجسام ومنها أفلاك ومنها كواكب ومنها عناصر ومنها معادن ومنها نبات ومنها حيوان ومنها ملائكة ومنها جن ومنها إنس ومنها أنبياء وأوصياء ومنها علل ومنها معلولات ومنها أسباب ومنها مسببات ومنها قوابل ومنها مقبولات ومنها جواهر ومنها أعراض إلى غير ذلك من أطوار عالم الإمكان من الذوات والصفات، وبالجملة لا يكون العالم مصداق سوى هذا النور الشعشعاني والأشعة الصادرة عن إشراقه، فيملأ بلمعات أنواره وسبحات آثاره العمق الأكبر فيكون جميع ما سواه من الممكنات ناظرا إليه مستمدا منه قابلا عنه كلما يحتاج إليه في وجوده وقوامه وشؤونه وإضافاته وهو مفيضا لكل منها ما يستحقه من الإفاضات الكونية والشرعية بحسب القابلية إن خيرا فخير وإن شرا فشر .

ولا ريب أن مثل هذا الوجود يجب أن يكون عالما على الإطلاق بحيث لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وقادرا على الإطلاق بحيث لا يمتنع عن إرادته شيء من الأشياء، و سميعا على الإطلاق بحيث لا تخفى عليه أصوات الداعين بألسن القابلية، وشاهدا على الإطلاق بحيث لا يغيب عن عينه شيء من الأمور الجلية والخفية، ومالكا على الإطلاق بحيث لا يخرج عن سلطانه شيء، وحاكما على الإطلاق بحيث يجري حكمه في كل نور وفيء، وأمينا على الإطلاق بحيث لا يغير ما أؤتمن عليه، وصادقا على الإطلاق بحيث لا يبدل شيئا مما أوحي إليه، ووليا على الإطلاق بحيث يكون أولى بكل نفس منها في جميع الأمور، وإماما على الإطلاق بحيث لا يتقدمه شيء في الورود والصدور، وحافظا على الإطلاق بحيث لا تعتريه غفلة ولا نسيان، ومعصوما على الإطلاق بحيث لا تعرضه أدناس الرذيلة والعصيان، وأولا على الإطلاق يظهر في أي وقت شاء على حسب الاقتضاء، ومهيمنا على الإطلاق يتقلب في الصور كيف يشاء إلى غير ذلك من الأوصاف النورانية، فيصح أن يقال فيه أنه وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء ويده الباسطة في المنع والعطاء ونفسه القائمة فيه بالسنن وعينه التي من عرفها يطمئن وأذنه الواعية لأصوات السائلين وبابه الذي منه يعطي حوائج العاملين ولسانه المترجم عنه على جميع الأمم وجنبه الذي من فرط فيه ندم، والميزان القويم الذي به يوزن جميع الأعمال والصراط المستقيم الذي يوصل من سلكه دار الوصال لأنه واقف على أس نقطة الاعتدال، فالمتقدم له مارق كالغافلين والمتأخر عنه زاهق كالقالين واللازم له لاحق كالعالين الموالين، فهو المثل الأعلى الذي من عرفه بالنورانية فقد عرف الله وخليفة الله الذي من أطاعه فقد أطاع الله، وأسماؤه الحسنى التي تدل على المسمى باختلاف معانيها وأسرارها وصفاته العظمى التي تعرف بها إلى الخلق بما أظهر فيهم من آثارها، ولكن لا أن يكون ذلك الوجود النوراني مع ما له من الصفات الكمالية المعنوية والصورية قائما بنفسه مستقلا غنيا بذاته حتى يكون إلها من دون الله ولا مفوضا إليه كالوكيل فيكون مشاركا لله؛ ويكون الحق تعالى معزولا عن ملكه ومملكته وينقلب الممكن واجبا غنيا عن المؤثر على حد ما قال الله تعالى في أصحاب الكهف ﴿وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال﴾، بمعنى أن تكون ذاته بالنسبة إلى أمر الله كالصورة في المرآة القائمة بإشراق الشاخص المقابل كما مثلنا به سابقا فلا يكون مستغنيا عن مدد الإيجاد طرفة عين أبدا وتكون تلك الكمالات كلها لله تعالى أولا وبالذات، ولذلك الوجود المحلية والخازنية لها بما له من صفاء الذات والقابلية الموجب لأهلية ذلك دون سائر البرية وإن صحت النسبة إليه أيضا من غير أن تلزم منها مشاركة أو تفويض، فإن أفعالك الصادرة عنك تنسب إلى جوارحك من اليد واللسان والعين وغيرها مع أنها ليست مشاركة معك في تلك الأفعال وإنما هي محال ومصادر لها وليست بمفوضة إليها وإلا لباشرت الأفعال بغير إرادة منك حال كونك صحيحا مختارا وهو خلاف المحسوس، فنظرنا ورأينا أن الله لو شاء أن يخلق وجودا على هذا الوصف الذي وصفناه فهو قادر عليه وليس مع ذلك في العقل والنقل ما يمنع عن إيجاد مثل هذا المخلوق من لزوم شرك أو تفويض أو استحالة عقلية لأنها كلها منتفية بالشروط التي قررناها .

ورأينا أن إيجاد وجوده على هذه الصفة أكمل وأعلى من سائر أنحاء الإيجاد بالبديهة ، ولما ضممنا هذه المقدمة إلى المقدمات السابقة من كون الله سبحانه قادرا حكيما عليما قد خلق الخلق لكي يعرف ومعرفته بالذات محال وإنما الطريق إلى معرفته ما ظهر به للخلق بالخلق وهو كل ما كان أكمل وأقوى وأجمل كان على معرفته أدل وهو تعالى لا يختار المرجوح على الراجح .

أنتج لنا نتيجة شريفة وهي أن الله لم يخلق العالم إلا على الوصف الذي وصفناه بأن خلق وجودا كاملا على الإطلاق وهو في النورية بحيث قد انبسط شعاعه فملأ عرصة الإمكان بجميع مراتبها فصارت حصة من ذلك الشعاع المنبسط الصادر عن إشراقه أرواحا وحصة أجساما وانقسمت تلك الحصص إلى عقول ونفوس وطبائع ومواد ومثل وأفلاك وعناصر ومواليد بمعنى أن النورانيات منها خلقت من أشعة ذلك الوجود، والظلمانيات من ظلال تلك الأشعة وجهة خلافها فسمي المجموع بعالم الإمكان بقول مطلق، وكلفت تلك الأشعة كلها بمعرفة ذلك الوجود النوراني والهيكل الشعشعاني والرجوع إليه في جميع ما يحتاجون إليه من أمور كونهم وشرعهم؛ لأنه وجه الله وآيته ودليله وسبيله ويده ولسانه وعينه وأذنه وقلبه وجنبه واسمه ووصفه وآيته وعلامته وبابه وحجابه وحجته ونوره وبرهانه وعيبة علمه ومعدن حكمته ووعاء مشيئته ومحل معرفته فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله ومن عرفه فقد عرف الله ومن جهله فقد جهل الله ومن اعتصم به فقد اعتصم بالله، وإنما كلفت الأشعة بذلك لأنها كلها فروعه فليس لهم طريق إلى الله إلا من جهة ذلك السراج المنير فمن أراد الله بدأ به ومن وحده قبل عنه ومن قصده توجه به ، به فتح الله الوجود وبه يختم لأن الأول في البدء هو الآخر في العود، وبه أظهر الله صفات ربوبيته لتلك الأشعة على كمال ما ينبغي ليعرفوه بتلك الصفات ويصفوه بما وصف به نفسه ومصداق ما وصف به نفسه هو ذلك الوجود الشريف ، ولكن كل منها يعرفه بقدر ما ظهر له به فإن كان مؤمنا كان نورا له وإن كان كافرا كان حجة عليه ، فالطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، ولكن جميع تلك الطرق ترجع إلى الطريق الأعظم إلا من سار على جهة خلاف المبدأ كالكفار فإنهم لا تزيدهم كثرة السير إلا بعدا، لأن الهداية قد أتتهم فلم يقبلوها فبحسب فطرتهم الأصلية عرفوا الله وبالفطرة الثانية المغيرة جحدوه وخالفوا حكمه.

ولما عرفنا أن الله خلق خلقا موصوفا بالوصف الذي ذكرناه بحثنا عن حقائق الموجودات لنعرف هذا الوجود بعينه وشخصه فرأينا أن كل فرقة من الفرق المختلفة يدعي أن ما اختاره من المذهب هو الحق ولما وقفنا على براهين هؤلاء وأدلتهم رأينا أن الحق في ذلك مع الفرقة الإثني عشرية من أهل الإسلام ولما وقفنا على مذهبهم رأينا أنه قد انعقدت ضرورة مذهبهم على أن محمدا وآله الثلاثة عشر المعصومين المخلوقين من نور واحد وهو النور الذي وصفناه أكمل ما خلق الله وذرأه وبرأه كمالا لا يدانيه ملك مقرب ولا نبي مرسل.

وبالجملة ليس في صقع الإمكان من يساويهم في الرتبة والقرب من الله عز وجل فدلنا هذا الإجماع الضروري على أنه إن كان في الوجود موجود بالوصف المعهود فهو محمد و آله المعصومون ، أعني مولانا أمير المؤمنين ومولاتنا فاطمة الزهراء وأحد عشر معصوما من ولدهما لا غير و إلا لكان ذلك الغير أكمل منهم وهو ينافي الضرورة المذكورة .

وحيث أن كلامنا في هذه المقدمة مع من يشاركنا في أصول مذهب التشيع فلا حاجة لنا إلى إثبات حقية أصل المذهب وحجية إجماعهم الضروري، فثبت عندنا بالقطع البت والبرهان المثبت ولله الحمد أن محمدا وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين هم الآية الكبرى والواسطة العظمى بين الله تعالى وبين سائر خلقه، وأن ما سواهم من الممكنات كلهم أشعة أنوار تجلياتهم، وصدا أصوات خطاباتهم وأنهم هم المدبرون في الوجود بالله والآخذون والمعطون عن أمر الله، والشهداء على خلق الله والموصوفون بصفات الله والآمرون والناهون في خلق الله  ببقائهم بقيت الدنيا وبوجودهم ثبتت الأرض والسماء وبيمنهم رزق الورى، وبالجملة هم كما قال مولانا أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله عليه في خطبته الغديرية المروية في مصباح الشيخ وقد ذكرناها وجعلناها خطبة لكتابنا هذا قال فيها في وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده و رسوله استخلصه في القدم على سائر الأمم ) إلى أن قال (عليه السلام) (وأقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه إذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ولا تمثله غوامض الظنون في الأسرار لا إله إلا هو الملك الجبار) ثم إنه (عليه السلام) أشار إلى مشاركة أهل بيته له في ذلك وقال (وإن الله اختص لنفسه بعد نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من بريته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم إلى رتبته، و جعلهم تراجمة مشيته وألسن إرادته عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون). الخطبة.

وقد روى هذه الخطبة الشريفة شيخنا الطوسي قدس الله سره القدوسي وهو ممن لا يتهم بالغلو والتفويض ، فتأمل في هذه الفقرات الشريفة حتى تعرف أن جميع ما ذكرناه من الأوصاف في حقهم (عليهم السلام) شرح لإجمال قوله (عليه السلام) (أقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه) ، فإن من يقوم مقامه تعالى في الأداء لا يكون إلا هكذا ، فإذا سمعت أيها المنتحل لمذهب التشيع شيئا من أخبارهم فيه نسبة بعض الصفات الربوبية إليهم (عليهم السلام) فلا ترتعدن فرائصك ولا تقابلها بالإنكار زعما منك أنها من صفات الله الخاصة به لا تصلح لغيره ، فإن مدلول تلك الأخبار ليس أنهم (عليهم السلام) أرباب من دون الله أو شركاء لله تعالى أو الأمر مفوض إليهم وإنما المراد بها كونهم (عليهم السلام) مظاهر صفات الله ومصادر أفعاله، فالصفات على الحقيقة صفات الله والأفعال أفعاله لم يزل متفردا بها دون غيره ولكنه يظهرها على يدي من يشاء ولا ينثلم في توحيده شيء ، وليس هذا ببدع من أمر الله تعالى فإن المعاجز الصادرة عنهم وعن غيرهم من الأنبياء والأوصياء كلها من أفعال الله المتفرد بها قد أجراها على أيدي حججه فما يمنعك من أن تكون جميع أفعالهم وأحوالهم معجزة خارقة للعادة على أنك أيها الرجل العلمي لا تنكر أن لا شيء في العالم إلا وهو مؤثر في شيء ومتأثر عن شيء وعلة بشيء ومعلول لشيء، فليت شعري هل هذه الأسباب المؤثرة شركاء لله تعالى أو هي مفوضة إليها، فكل تأويل صححت به ذلك في حق هذه المؤثرات فاجعله جاريا في حق أئمتك إذ لا فرق بينها وبينهم إلا في الأولية والكلية والجزئية فأخبرني أن الشرك والتفويض يقدحان في الكلية خاصة دون الجزئية أو كما أن الله تعالى لا شريك له في الكلية كذلك لا شريك له في الجزئية ﴿فما لكم كيف تحكمون﴾، وأيضا ليت شعري أي تأويل صحح قوله تعالى في حق الملائكة ﴿فالمدبرات أمرا﴾ من غير لزوم شرك ولا تفويض وهو لا يجري في حق آل محمد الذين جعل الله الملائكة خدامهم .

فإن قلت : فما نصنع بالأخبار التي دلت على بعض ما ينافي هذا المقام في حقهم (عليهم السلام) من نفي العلم والقدرة وإظهار العجز و المسكنة وأشباه ذلك.

قلنا : الجواب الجامع لدفع جميع الإشكالات في هذا الباب هو أن هذه الأخبار إنما وردت عنهم إظهارا لذل العبودية وإقرارا لله تعالى بالتفرد في الربوبية وأنهم لا يقدرون على شيء من عند أنفسهم بدون الله فإن قالوا إنا لا نعلم شيئا فقد صدقوا لأن العلم ليس لهم وإنما هو لله تعالى وكذا إن قالوا إنا لا نقدر على شيء كما أن العبد لو أعطاه المولى مالا وافرا وقال مع ذلك إني فقير لا أملك شيئا فقد صدق لأن المال لم يخرج بعد عن ملك المولى والعبد لا يملك شيئا كما قال تعالى ﴿ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم﴾ الآية . فأمثال هذه الأخبار إنما صدرت عنهم (عليهم السلام) ليعلم الناس أنهم لا يملكون لأنفسهم بدون الله ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا سبحانه ﴿بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون﴾، هذا الجواب الإجمالي، وأما الجواب التفصيلي فيحتاج إلى تمهيد مقدمات تقتضي تأليف كتاب مستقل والتكلم في نوع كل خبر خبر بعينه فإن في كل منها دقائق ونكات يحتاج إلى التنبيه بها في محلها، ولعل في هذا الجواب الإجمالي كفاية لمن ترك حمية الجاهلية ولازم الإنصاف وإلا فليسلك في أي واد من الأودية شاء فإن عند الصباح يحمد القوم السرى ولنعم ما قال الشاعر :

أمرتـــهـم أمـري بمنعرج اللـــوى

فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

بقي في المقام سؤال يجب التنبيه عليه وعلى جوابه لما أرى من قصور أفهام الناس عن فهم دقائق الكلام وهو: إنه ربما يسبق إلى الأوهام الضعيفة أن هذا الدليل الذي بني عليه أساس الاستدلال لو تم لوجب أن يكون جميع المصنوعات كاملين على أكمل ما ينبغي ولا يختص ذلك بمحمد وآله صلى الله عليه وعليهم أجمعين لأنه أدل على الكمال المطلق .

والجواب عنه : إن إيجاد الكامل المطلق هو أن يوجد الصانع وجودا نورانيا له أشعة وفروع وإلا لم يكن كاملا مطلقا فإذا خلقه ذا شعاع فلا ريب أن تلك الأشعة تكون أدنى رتبة من ذي الشعاع فخلق الكامل المطلق مستلزم لخلق ما ليس بكامل مطلق وهو أشعته المنبسطة عنه ، ففي الحقيقة لم يخلق الله إلا خلقا واحدا وهو ذلك الوجود المنير بما له من الأشعة ، أما ترى أنك لو أردت أن تصنع جرما منيرا في كمال النورانية فصنعك ذلك لا يتحقق إلا بأن يكون لذلك الجرم ضوء وشعاع وإلا لم يكن كاملا مطلقا ، فإذا حصل له شعاع، فلا ريب أن ذلك الشعاع لا يساوي المنير بل يكون أنقص منه رتبة ، نعم لو كان سائر الوجودات أمورا أجنبية مباينة لذلك الوجود بينونة عزلة لكان لهذا السؤال وجه ولكن إذا كانت من فروعه وآثاره فلا وجه لهذا الاعتراض بوجه، فإن الشجرة الكاملة تقتضي أن تكون لها أوراق وأثمار وإلا لم توصف الشجرة بالكمال بل لم تتم الشجرية ، ولا ريب أن الورقة لا تساوي أصل الشجرة في الكمال فلو فرضنا أن العالم منحصر في شجرة طيبة كاملة فلا بد في كمالها من وجود ورق لها وإلا لم توصف بالكمال ، فالمقصود بالذات أصل حقيقة الشجرة وإنما الأوراق مقصودة بالعرض والتبع فافهم وتبصر، هذا حقيقة الجواب الحكمي .

وأما الجواب الظاهري الذي يعرفه كل فهم ظاهري وهو في الحقيقة راجع إلى الجواب الأول وفي الظاهر مباين له ، هو أن إيجاد وجودات مختلفة الأنواع والأقسام والمراتب أدل على كمال القدرة والحكمة من إيجاد نوع واحد بشرط أن يكون فيها موجود كامل على الإطلاق ، وإلى هذا المعنى أشار مولانا الرضا (عليه السلام) في الحديث المروي في علل الصدوق وقد سئل لم خلق الله الخلق على أنواع شتى ولم يخلقه نوعا واحدا ، فقال (عليه السلام)  : (لئلا يقع في الأوهام أنه عاجز ولا يقع صورة في وهم ملحد إلا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا ، لئلا يقول قائل هل يقدر الله { على أن يخلق صورة كذا وكذا لأنه لا يقول من ذلك شيئا إلا و هو موجود في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر إلى أنواع خلقه أنه على كل شي‏ء قدير). انتهى .

فظهر بحمد الله أنه لا يجب في الحكمة أن يكون جميع ما خلقه الكامل كاملا مطلقا ، بل يجب أن يكون مما خلق كامل ومنه ناقص بالإضافة فارتفع الإشكال بحول الله المتعال.

وفي هذا المقام بعد أبحاث شريفة لا إقبال لي إلى ذكرها فلنقتصر على هذا المقدار، واعلم أنا كشفنا لك في هذه المقدمة بابا ينفتح منه ألف باب ولكن لا يتذكر إلا أولوا الألباب  ، فإن كثيرا من الناس لفي جهل عريض عما أنذروا به ، لا إلى دقائق آيات كتاب الله يرجعون ، ولا في رياض سنن المعصومين يرتعون ولا عن أهل العلم والمعرفة يسمعون، أولئك كالأنعام بل هم أضل والحمد لله رب العالمين . 

العنوان الثاني

في ذكر أخبار يجب تنبيه من سبقت له العناية عليها سدا لطرق الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس والإشارة إلى دفع شبهة عرضت لكثير ممن يقال أنه من الأكياس و هي أم جميع المفاسد في أمر الدين ومن أعظم مكائد إبليس اللعين وإن كان فيها إثارة نهيق بعض المتفلسفين قائلين ﴿ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين﴾ ولكني أجيبهم وأقول ﴿أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون﴾  ولنقدم ذكر الأخبار أولا ثم نردفه بدفع الشبهة مستعينا بالله ومتوكلا عليه .

روينا بأسانيدنا المتصلة إلى الشيخ الجليل ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن جابر قال : قال أبو جعفر (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (إن حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد وإنما الهالك أن يحدث أحدكم بشي‏ء منه لا يحتمله فيقول والله ما كان هذا والله ما كان هذا والإنكار هو الكفر).

وفيه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن زيد الشحام عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له (إن عندنا رجلا يقال له كليب فلا يجي‏ء عنكم شي‏ء إلا قال أنا أسلم فسميناه كليب تسليم قال فترحم عليه ثم قال أتدرون ما التسليم فسكتنا فقال هو والله الإخبات قول الله { ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم﴾ ).

وفيه عن علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن الخشاب عن العباس بن عامر عن ربيع المسلي عن يحيى بن زكريا الأنصاري عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال سمعته يقول (من سره أن يستكمل الإيمان كله فليقل القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم و فيما لم يبلغني).

وفيه عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن سنان عن ابن مسكان عن سدير قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام)  (إني تركت مواليك مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض قال فقال وما أنت وذاك إنما كلف الناس ثلاثة معرفة الأئمة والتسليم لهم فيما ورد عليهم والرد إليهم فيما اختلفوا فيه) هي .

وفي منتخب بصائر سعد بن عبدالله الأشعري للشيخ بن سليمان الحلي عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي عن عبدالله بن جندب عن سفيان بن السمط قال (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك  يأتينا الرجل من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه فقال أبو عبد الله (عليه السلام)  يقول لك إني قلت الليل إنه نهار أو النهار إنه ليل قال لا قال فإن قال لك هذا إني قلته فلا تكذب به فإنك إنما تكذبني).

وفيه حدثني علي بن إسماعيل بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن سعد الزيات عن عبد الله ابن جندب عن سفيان بن السمط قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) (جعلت فداك إن الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام)  أليس عني يحدثكم قال قلت بلى قال فيقول لليل إنه نهار وللنهار إنه ليل قال فقلت له لا قال فقال رده إلينا فإنك إن كذبت فإنما تكذبنا).

وفيه عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن علي بن سويد التهامي عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه كتب إليه في رسالة (ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف خلافه فإنك لا تدري لم قلنا وعلى أي وجه وصفة).

وفيه عنهما عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن جعفر بن بشير البجلي عن أبي حصين عن أبي بصير عن أحدهما (عليهم السلام) قالوا (لا تكذبوا بحديث أتاكم به مرجئ و لا قدري ولا خارجي نسبه إلينا فإنكم لا تدرون لعله شي‏ء من الحق فتكذبوا الله عز وجل فوق عرشه‏) .

وفيه عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب  وغيرهما عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن هشام بن سالم عن سعد بن طريف الخفاف قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) (ما تقول فيمن أخذ عنكم علما فنسيه قال لا حجة عليه إنما الحجة على من سمع منا حديثا فأنكره أو بلغه فلم يؤمن به وكفر فأما النسيان فهو موضوع عنكم).

وفيه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب والحسين بن موسى الخشاب ومحمد بن عيسى بن عبيد عن علي بن أسباط عن سيف ابن عميرة عن أبي بكر محمد الحضرمي عن الحجاج الخيبري قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) (إنا نكون في الموضع فيروى عنكم الحديث العظيم فيقول بعضنا لبعض القول قولهم فيشق ذلك على بعضنا فقال كأنك تريد أن تكون إماما يقتدى بك أو به من رد إلينا فقد سلم).

وفيه عن أحمد وعبدالله ابني محمد بن عيسى عن الحسين بن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة الحذاء قال : (سمعت أبا جعفر (عليه السلام)  يقول :(إن أحب أصحابي إلي أفقههم وأورعهم وأكتمهم لحديثنا وإن أسوأهم عندي حالا و أمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يحتمله قلبه واشمأز منه جحده وأكفر من دان به ولا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجا من ديننا ).

 وفيه عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عثمان بن عيسى بإسناده إلى المفضل قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) (ما جاءكم منا مما يجوز أن يكون في المخلوقين و لم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردوه إلينا). 

أقول وأنا العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب هذا عشر من معشار ما روينا في هذا الباب وإنما اقتصرنا على هذا المقدار لأن فيه كفاية لطالب الهداية ممن سبقت له العناية ثم إن الحديث الأخير قد أعطانا قانونا كليا في جميع ما يروى في بيان مراتبهم (عليهم السلام) ولكن الإشكال كل الإشكال إنما هو في تعيين ما يجوز في المخلوقين وما لا يجوز وقد أشرنا إلى ميزان ذلك في العنوان السابق ببيان لا يجاوزه ولا يتوقف فيه إلا من لا مسكة له في حقائق الحكم الإلهية زعما منه أن هذه الأمور من صفات الله الخاصة به، وهو ناش من كمال القصور وقلة التمييز إذ قد علم المستحفظون من أهل بيت العلم والمعرفة أن كل كمال في العالم من العلم والقدرة والقوة وغيرها إنما هو من آثار صفات الله وإلا فالممكن المحتاج من حيث هو ممكن لا يقدر على تحريك شعرة من جسده فضلا عن الأمور المباينة عنه إذ لا حول لأحد ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

غايته أن تلك الآثار على قسمين قسم معتاد وهو الكمالات المبذولة لجميع الخلق أو أكثرهم وقسم خارق للعادة كالصفات الكمالية التي توجد في أشخاص مخصوصين كالأنبياء والأولياء بتأييد ولطف خاص من الله سبحانه بحقيقة ما هم أهله وكلاهما من آثار صفات الله الخاصة به لأن شأن الممكن المخلوق من حيث هو كذلك العجز لا القدرة، والجهل لا العلم، والضعف لا القوة، والنقص لا الكمال، وبالجملة هو من هذه الحيثية لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا حياة ولا نشورا فكلما يوجد فيه من الكمال الصوري والمعنوي فهو من ظل الربوبية الحقة فإن كان وجود كمال كما في المخلوق ينافي تفرده تعالى بالألوهية ففي هذا وذاك إذ مجرد كون البعض مبذولا والبعض الآخر مخصوصا مما لا أثر له في التخصيص وإلا فقد غلط المنكرون وضلوا ضلالا بعيدا فظهر أن ميزان ما يجوز في المخلوقين وما لا يجوز هو الذي قررناه في العنوان السابق ومن عدل عن ذلك فلا بد له في توجيه هذا الاعتراض الذي ذكرناه من القول بالشرك أو التفويض أو الجبر لا محيص له عن إحدى هذه الأمور بوجه فاختر لنفسك ما يحلو.

ثم إنه قد علم من هذه الأخبار أن ليس المراد بالتسليم والرد إليهم التسليم لما يدركه عقلك فإن ما يدركه العقل يقبله وإن كان حديث كافر أو دهري لأن الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها أخذها وإنما المراد بالتسليم ما تقبله باعتقاد أنه ليس كل ما قالوه تدركه عقولنا الناقصة لأنها لم تحط بجميع العلوم فإن كنت من أهل هذا النوع من التسليم فأنت من النجباء وإلا فاخرج منها فإنك رجيم.

إن قلت: قد ثبت وتقرر أن الاعتقادات أمور عقلية فإذا ورد شيء ينكره العقل كيف يجوز التسليم به؟.

 قلنا : هذا هو الشبهة التي سولها اللعين في قلوب الجهلة المقلدين المتعبدين بآراء المتفلسفة والمتكلمين فصدهم عن سبيل الاتباع لآثار أئمة الدين.

 فنقول: يا أخي ليس حيث تذهب فإن الله زلب في عباده العقول ليدركوا بها ما بينه بألسنة وسائطه وحججه من مراداته ظاهرا وباطنا لأن الله عز وجل هو المكلف -بكسر اللام- فيجب أن يكون عليه البيان ابتداء وفي الحديث ما معناه ( ليس للعباد أن يعلموا حتى يعلمهم الله) وإن أبيت إلا الجمود على التقليد فاستمع لما يتلى عليك من البيان.

فنقول والله المستعان: لا يخلو أن للعالم صانعا أم لا فإن كان الثاني وليس كذلك فالحق والباطل على شرع سواء وهو ظاهر وإن كان الأول فنقول لا يخلو أنه أراد من عباده شيئا أم لا فإن كان الثاني فهو كالأول في عدم الفرق بين الحق والباطل لأن المفروض أنهم مهملوا النواصي، وإن كان الأول فنقول هل بين الصانع مطلوبه ذلك لعباده أم لا فإن كان الثاني ولا كلام أيضا لأن التكليف بغير بيان لا معنى له وإن كان الأول فقد ثبت ما نريد وهو حاجة العباد إلى بيان ما يريد الله منهم وإذ ثبت هذا المقدار فنقول الناس في استقلال العقول على مذاهب ثلاث ظاهرا.

منهم من قال باستقلالها مطلقا وهم المنكرون للنواب رأسا.

ومنهم من قال باستقلالها في الأمور الاعتقادية دون العملية وهم جل المتحكمين والمتكلمين بل بعض المتفقهين.

ومنهم من قال بعدم استقلالها مطلقا عكس الأول وهو الذي يؤيده دليل التحقيق كما ستعرف إن شاء الله تعالى .

فنقول على الأولين إن كان لعقول جميع العباد قوة أن تتلقى مرادات الله تعالى منه من المبدأ بغير واسطة لوجب أن ينسد باب التعلم بالكلية فلا يحتاج أحد إلى أحد أبدا، والالتزام بذلك قريب من السفسطة ومن البديهي أنا لو فرضنا مولودا قد ولد في جزيرة من الجزائر ونشأ بها ولم يلق أحدا من أبناء نوعه يعلمه بعض الأمور وبقى على ذلك ألف سنة فلا يعرف الهر من البر فضلا عن معرفة مسألة الجبر والقدر وتحقيق الجوهر الفرد وتفتيح مسألة الماهية والوجود ومعرفة الوحدة الحقة وإثباتها لصانع العالم إلى غير ذلك من الأمور الاعتقادية والعملية والشاهد على ذلك حال العلوج والبوادي المبعدين عن مدارس العلم وقواعد التعليم والتعلم فإنك تجد أكثرهم كالأنعام بل هم أضل هذا مع انتشار صيت النبوة فيهم وطروق بعض الآداب الشرعية أسماعهم فكيف لو لم يصل إليهم هذا المقدار أيضا وإذ تبين حاجة الناس إلى التعليم و السماع من الغير فننقل الكلام إلى ذلك المعلم فإن كان هو أيضا محتاجا إلى التعلم من الغير نقلنا الكلام إلى ذلك الغير فإما أن يذهب إلى غير النهاية وهو باطل، أو ينتهي إلى معلم لا يحتاج إلى الأخذ عن مثله بل عن المبدأ الأول فقط وهو المطلوب إذ لا يزيد بالنبي إلا من يكون هكذا فقد ثبت وجوب وجود الأنبياء وحاجة غيرهم إليهم بحمد الله تعالى وحديث روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (كل  مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)  ، لا يكون نقضا علينا لأن المراد بالفطرة التهيؤ والاستعداد لقبول الحق إذا سمعه من أهله ونحن قائلون بذلك، وأما أن المولود لو خلي وطبعه وبلغ أشده واستوى يصير  بنفسه مؤمنا كاملا عالما عاملا حكيما ماهرا عارفا بدقائق أمور الدين بصيرا بمواقف اليقين فَكَلّا وحياة الحكيم فإنه لو بلغ أشده هكذا لم يعرف الأرض من السماء فضلا عن براهين إبطال التسلسل وامتناع تعدد القدماء وهو الذي نمنعه نحن.

إن قلت: إنا نجد الحكماء وأهل الكلام حتى بعض الفلاسفة المنكرين للشرائع رأسا يستدلون في كتبهم على مسائل المبدأ والمعاد ببراهين عقلية ويصيبون في كثير منها إن لم يكن الكل من غير أن يستندوا فيها إلى نقل فكيف يقال إن العقول غير مستقلة في ذلك .

 قلنا: يا أخي إن هذه البراهين التي أصابوا فيها قد أقاموها بعد ما بعث الله عز وجل مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي سوى الأوصياء القائمين مقامهم في الأداء أو ما يقاربهم في العدد بالنسبة إلى السابقين على بعض الأنبياء فملؤوا الأصقاع وطبّقوا الأسماع من بيان الأصول الاعتقادية وتنبيه أممهم على براهين هذه الأمور بعبارات مختلفة وإشارات متنوعة فكمّلوا أحلام متابعيهم من العلماء والحكماء بالقوانين التي جاؤوا بها من عند الله ونبهوا الناس من رقدة الغفلة فأخذ هؤلاء تلك البراهين عنهم بواسطة، إما بعينها وإما على طريق الاستنباط من الأصول الكلية التي قرروها وإن كانت أنفسهم في غفلة من ذلك فإن المنكرين لوجود الصانع يأكلون رزقه ولا يعلمون من أين أتاهم، نعم لو كان هؤلاء الذين ذكرتهم سابقين على بعث الرسل لكان لنقضك هذا وجه ولكن أنّى لك بذلك فإن الحجة قبل الخلق لأن أبا النوع نبي.

إن قلت: إن بيانات الرسل والأنبياء أكثرها دعاوى خالية عن البراهين وإنما قبلت عنهم تعبدا بعد ثبوت نبوتهم بالمعجزات بتمهيد مقدمة وهي هذا ما قاله المعصوم، وكل ما قاله المعصوم فهو حق، نظير دليل المقلد الإجمالي المشهور بين الأصوليين وهو هذا ما أفتى به المفتي وكلما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقي فهذا حكم الله في حقي، فإن كان الحال على ذلك فكيف يقال أنهم إنما أخذوا أعيان تلك البراهين أو أصولها من بيانات الرسل والأوصياء.

قلت: أيها الإنسان الجهول المعرض عن أبواب حكمة آل الرسول العاكف على عبادة عجل الطبيعة في تيه المهالك والواقف على شفا جرف هار في كود المسالك المنهمك في الخطوط البلقيسية في ملك سبأ المؤتفك للأعذار الإبليسية لما استكبر وأبى وما تعني بدليل العقل فإن كنت تعني به ما اقترحتموه بأوهامكم الضعيفة من مفاهم الألفاظ فقد صدقت فإن الله ورسله براء من أمثال تلك الأدلة لأنها أدلة الجهل لا أدلة العقل، منها ما تقولون في إثبات صانعكم بدليل العقل بزعمكم أن كل ماهية إذا تصورها الذهن ولاحظها بالقياس إلى الوجود فإما أن يحكم بضرورة الوجود عليها أو لا وعلى الثاني فإما أن يحكم بضرورة العدم عليها أو لا بل يكون الوجود والعدم بالنسبة إليها متساويين فالأول واجب الوجود، والثاني ممتنع الوجود، والثالث ممكن الوجود ثم تفرعون عليه أنه إن كان في الوجود واجب فهو المطلوب وإلا فيلزمه لاحتياج الممكن إلى مرجح لوجوده على عدمه وامتناع التسلسل فجعلتم ماهية الواجب مما تتصورها أذهانكم المحدودة المكيفة وتكنهها أولا وجعلتم معنى الوجود أمرا وصفيا نسبيا عارضا على تلك الماهية على سبيل الضرورة ثانيا بقرينة قولكم في ماهية الممكن يتساوى نسبتي الوجود والعدم إليها ولو كانت الماهية عين الوجود لما كان للحكم بالتساوي وجه وهو ظاهر والعجب أنهم بعد هذا التفصيل عدّوا من خواص واجب الوجود أن ماهيته عين وجوده وقد استرقوا هذا الجزء من بيانات النواميس الإلهية وحق أن يقال لهم في هذا التناقض «في الصيف ضيعت اللبن» فإن الذهن إذا قدر أن يتصور ماهية الواجب مجردة عن الوجود ثم يحكم عليها بضرورة الوجود لها فكيف يعقل مع هذا اتحاد هذين الأمرين وكيف يحكم على شيئين أنهما شيء واحد، اللهم إلا أن يقولوا إنهما متغايران في الوجود الذهني ومتحدان في الوجود الخارجي كما قالوه في كثير من الأمور.

وحينئذ نقول ليت شعري كيف يعقل انتزاع مفهومين متغايرين من شيء واحد بسيط من جميع الوجوه مع أنّا وأنتم مجمعون على امتناع ذلك وأيضا دليلكم على الخارج إنما هو ما تتصورونه بأذهانكم فإذا كانت ذات الله -تعالى عما تشركون- في أذهانكم ذات جزئين فكيف تحكمون على بساطتها في الخارج وأنتم لم تتصوروها إلا ذات جزئين ومطابقة المفهوم للمصداق في أصالة المفهوم مما قد اتفقت عليه العقول السليمة الحكم لله العلي الكبير، ثم جعلتم معنى الوجوب قسيما للإمكان، والامتناع ثالثا ، هذا حال معبودكم الثابت بدلالة عقولكم المستقلة في إدراك العقائد فاعتبروا يا أولي الأبصار ولو أنا أردنا التعرض لحال جميع أدلتكم المخترعة بمقتضى أفهامكم القاصرة من غير رجوع إلى كتاب أو سنة وسميتموها دليل العقل وهي دليل الجهل وإنما استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله لاقتضى تأليف كتاب مستقل، وإنما أشرنا إلى هذه الجملة لتكون عبرة لأولي الألباب وأنموذجا مما تركناه خوفا من الإطناب فإن البعرة تدل على البعير وجرعة الماء على الغدير ولا ينبئك مثل خبير فإن أردت بدليل العقل أمثال هذه الأدلة فقد عرفت حالها وإن أردت به الأدلة الفطرية التي يقبلها كل عقل سليم ويلائمها بطبعه المستقيم إذا سمعها وتعقلها فقد والله سترت الحق وكفرت بالذي خلقك من تراب فإن الكتاب والسنة مشحونان من تلك الأدلة في جميع أبواب المبدأ والمعاد ولكنكم قوم تجهلون لأنكم نبذتم كتاب الله وراء الظهور ولم تراجعوا سنن المرسلين إلا على المرور فحالكم في ذلك كما قال الله تعالى في كتابه المهجور﴿وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون﴾  ولو كان لي مجال ولقلبي إقبال لصنفت في العقائد كتابا وذكرت فيه من البراهين المستخرجة من الكتاب والسنة من دليل الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ما يبهر العقول ويتحير فيه الفحول وقابلت براهينكم المخترعة في كل باب الواحد بعشر، وإن عدتم عدنا ، هذا كله مع ما أنا فيه من قصور الباع وقلة الاطلاع وكثرة الإضاعة ونزارة الاستطاعة ولكن بتوسلي بأذيال آل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين أرجو أن لا أكون مجازفا في الدعوى .

 نعم إن في الكتاب والسنة ما لم يذكر دليله معه ولا يثبت هذا مطلوبهم لأن ما يجري هذا المجرى مبني على قواعد وأصول استنوها وقرروها بل له موضع آخر وليس يجب على المتكلم أن يجعل جميع ما ينطق به مقرونا ببرهان بغير فصل فإن الحوالة إلى الأصول مما استقر عليه نظام بيانات جميع أهل العقول، نعم منها ما ليس دليله بصريح ظاهر يعرفه كل بر وفاجر وإنما فهمه مخصوص لأشخاص مخصوصين وليس هذا ببدع فإن من الناس من يحتمل ما لا يحتمل الآخر من الحقائق والأسرار وفي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد قال (بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة). 

 وفي الحديث الآخر عنه (عليه السلام) (ليس كل العلم يقدر العالم أن يفسره لأن من العلم ما يحتمل ومنه ما لا يحتمل ومن الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل).

وفي الخبر الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر أهله).

وفي الحديث المشهور المروي في الكافي و البصائرين وغيرهم عن علي بن الحسين (عليه السلام) (والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله(لكفره) إلى أن قال (إن علم العالم صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان)الحديث، ومما روي عن مولانا سيد الساجدين (عليه السلام) :

إني لأكتم مــن علــمـي جواهـره

كي لا يرى العلم ذو جهـل فيفتننـا

وقـــد تقـدمني فيـه أبو حسـن

إلـى الحسين وأوصى قبله الحـسنـا

يــا رب مكنــون علم لو أبــوح به

لـقيل لـــي أنــت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجــال صالحون دمي

يـــرون أقبـح  مـــا يأتونه حسنا

الحاصل ليس كل العلم مبذولا لكل أحد على أنهم دلوا المكلفين إلى طريق الوصول إلى تلك الحصون المنيعة والقصور الرفيعة وهو تهذيب الظاهر بالآداب الشرعية المقننة والنفس بالأخلاق المرضية المستحسنة والنظر في آيات الله المرئية لهم في الأنفس والآفاق بدلالة الكتاب والسنة ومن قصر في شيء من ذلك فقد قصر عن حظه ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾ ومن هذا القبيل علل تشريع كثير من الأحكام الحقيقية وحكمها الخفية فإنك إن سلكت السبيل الذي أوضحوه لوصلت إلى كثير منها واستغنيت عن الظنون والتخمينات في مقام الاستنباط والله ولي التوفيق وهو خير رفيق.

وبالجملة إني لأعجب من هؤلاء القوم مع دعوى إيمانهم وتصديقهم بالكتاب والسنة ينطقون بمثل هذا القول وكتاب الله يناديهم بين ظهرانيهم في كل مساء وصباح ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾ فأدلتهم هذه لا تخلو من أن تكون من الحق فيجب أن يكون في الكتاب منها أثر إما في ظاهره وأما في تأويله أو من الباطن فيجب أن تضرب عرض الحائط .

وفي الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال (إن الله تبارك و تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شي‏ء حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن إلا و قد أنزله الله فيه).

وفيه علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن حسين بن المنذر عن عمر بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (سمعته يقول إن الله تبارك و تعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه و بينه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعل لكل شي‏ء حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا).

وفيه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه عن المعلى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) (ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل و لكن لا تبلغه عقول الرجال). 

وفيه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم و نحن نعلمه).  

وفيه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن أبي المغراء عن سماعة عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)  قال : (قلت له : أكل شي‏ء في كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أو تقولون فيه ، قال : بل كل شي‏ء في كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم))انتهى.  

 وفي مضمونها أخبار أخر عدلنا عن إيرادها روما للاختصار فانظر إلى وقاحة هؤلاء كيف أنكروا نصوص الكتاب وصريحات سنن الأطياب ومع هذا يدعون الإيمان بهم والتصديق بقولهم لا حول ولا قوة إلا بالله.

فظهر بحمد الله أن دعوى استقلال العقول في معرفة الأصول على الإطلاق سقط من القول لا ينبغي أن يلتفت إليه وأن الدور الذي توهموه خبط نشأ من سوالفهم كما يأتي وأن مثال العقل في المكلف مثال متعلم مستعد لأخذ العلم لا يعرف من لدنه من العلم شيئا بل يحتاج إلى معلم يلقي إليه العلم ببراهينه وأصوله فيأخذه ذلك المتعلم ويدين به والمعلم فيما نحن فيه الرسل والأوصياء وليس إلا لأنهم العالمون لمراد الله تعالى من عباده ومن ادعى غير ذلك فقد ألحد. وفي هذا المضمون أخبار لا بأس بإيراد بعضها إتماما للحجة وإيضاحا للمحجة .

في الكافي في باب الاضطرار إلى الحجة علي بن إبراهيم عن أبيه عمن ذكره عن يونس بن يعقوب قال (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك فقال أبو عبدالله (عليه السلام) كلامك من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من عندك فقال من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن عندي فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فأنت إذا شريك رسول الله قال لا قال فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك قال لا قال فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا فالتفت أبو عبد الله (عليه السلام) إلي فقال يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم ثم قال يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته قال يونس فيا لها من حسرة فقلت جعلت فداك إني سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إنما قلت فويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون ) الحديث وهو طويل أخذنا منه موضع الشاهد منه. 

وفيه بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ثم ساق الحديث إلى أن قال (يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النبيين بالبيان ودلهم على ربوبيته بالأدلة فقال ﴿ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم *  إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون﴾ يا هشام قد جعل الله ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبرا) وساق الحديث إلى أن قال (عليه السلام) (يا هشام نصب الحق لطاعة الله ولا نجاة إلا بالطاعة والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقل، ولا علم إلا من عالم رباني ومعرفة العلم بالعقل) .

وفيه بهذا الإسناد عن يونس عن حماد عن عبدالأعلى قال : (قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة قال فقال لا قلت فهل كلفوا المعرفة قال لا على الله البيان ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾ و﴿لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها﴾ قال وسألته عن قوله﴿ وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون﴾ قال حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه).

وفيه محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن أبي شعيب المحاملي عن درست بن أبي منصور عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (ليس لله على خلقه أن يعرفوا وللخلق على الله أن يعرفهم ولله على الخلق إذا عرفهم أن يقبلوا). 

وفيه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الحسين بن صغير عمن حدثه عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب فجعل لكل شي‏ء سببا وجعل لكل سبب شرحا وجعل لكل شرح علما وجعل لكل علم بابا ناطقا عرفه من عرفه وجهله من جهله ذاك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن).  

وفي كتاب كمال الدين للصدوق  عن محمد بن محمد بن عصام الكليني عن القاسم بن العلاء عن إسماعيل بن علي عن عاصم بن الحميد عن محمد بن قيس عن ثابت الثمالي قال : قال علي بن الحسين (عليه السلام) (إن دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقاييس الفاسدة ولا يصاب إلا بالتسليم فمن سلم لنا سلم ومن اهتدى بنا هدي ومن دان بالقياس والرأي هلك ومن وجد في نفسه شيئا مما نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم). 

وفي الصافي عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله ﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين﴾ قال (عليه السلام) (وذلك أنه لما انقرض آدم وصالح ذريته بقي شيث وصيه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريته، و ذلك أن قابيل توعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل، فسار فيهم بالتقية والكتمان، فازدادوا كل يوم ضلالا حتى لحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله، فبدا لله تبارك وتعالى أن يبعث الرسل ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا قد فرغ من الأمر وكذبوا إنما هي‏ شي‏ء يحكم به الله في كل عام، ثم قرأ ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ فيحكم الله تبارك وتعالى ما يكون في تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك قلت أ فضلالا كانوا قبل النبيين أم على هدى قال لم يكونوا على هدى كانوا على فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله أما تسمع يقول إبراهيم ﴿لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين﴾  أي ناسيا للميثاق). انتهى.   

فتأمل أيدك الله في مضامين هذه الأخبار حتى تعلم أني لم أنطق في ما ذكرت عن هوى نفسي بل تبعا لقول الله وقول رسله وأوليائه.

إن قلت : إن إثبات مرجعية الكتاب والسنة إن كان بالعقل فقد ثبت ما نقول وإن كان بنفس الكتاب والسنة فهو زور ظاهر .

قلنا : هذا الاعتراض إنما نشأ من عدم فهم مراد القائل بعدم استقلال العقول مطلقا فلا بد من بيان ذلك حتى يعلم أنه لا موقع لهذا الاعتراض أبدا وهو أن القائل بذلك يريد أن الله تعالى خلق الخلق بواسطة الأنبياء والرسل كما دلت عليه الأخبار المتواترة معنى وركب فيهم عقولا مازجت شواهدهم وتفرقت في هياكلهم ثم بين لهم ما أراد منهم بواسطة أولئك الوسائط في بدو خلقهم بأن أودع في فطرهم علم تلك المرادات ثم أدارهم في الأكوار الكونية إلى أن حصلوا في هذه الدار دار التكليف الظاهري فنسوا كثيرا مما ذكروا به من قبيل العوارض العارضة لهم في مراتب التنزيل على حسب ما اقتضاه بدء شأنهم وبقي ما تحكم به العقول على سبيل الضرورة وما يقرب منها لكي لا تبطل حجج الله وبيناته كدلالة الإعجاز على صدق النبي المبعوث به مثلا المتفرع عليه كون الكتاب والسنة اللذين جاء بهما ذلك النبي المبعوث مرجعين في الأمور النظرية التي نسيها المكلفون في نزولهم إلى هذه الدار دار التكليف والاختبار فإن الأنبياء إنما بعثوا لتذكير هذه العلوم المنسية الصائرة في المكلفين بالقوة بعدما علموهم الضروريات و النظريات في بدو خلقهم كلا على حسب استعداده فلا تناقض بين قولنا بعدم استقلال العقول مطلقا وقولنا بثبوت مرجعية الكتاب والسنة بالمقدمات الضرورية العقلية فافهم.

فظهر وتبين أن العقول الناقصة ليست بحجة في جرح الأمور الدينية النظرية وتعديلها ما لم يصدقها الكتاب والسنة فلا حكومة لها مستقلة في تلك الأمور بل الواجب عليها اتباع ما يصدر عن بيوت النبوة والولاية فإن عرفت معانيه فهو وإلا فيجب لها السكوت والتسليم وسؤال أن يعلمه الله تعالى ما لم يعلم ولكن هيهات أين أبناء الزمان من هذه النصيحة فإن كل بر منهم وفاجر يرى عقله معصوما لا يغفل وعالما لا يجهل كأن كتاب الله عليهم نزل وميراث النبوة إليهم انتقل فهم أمناء الوحي والتنزيل وفي بيوتهم نزل أمين الله جبرئيل.

 وبالجملة جعلوا كتاب الله وسنة نبيه تابعين لآرائهم الفاسدة وأهوائهم الكاسدة فتبا لهم ولأوب الرواية إذ ما رعوها حق الرعاية فقول المعترض أن الاعتقادات أمور عقلية ، فإذا أنكر العقل شيئا كيف يجوز التسليم به إن أراد به أن عقول غير الأنبياء والأوصياء لها قدرة معرفة العقائد الدينية النظرية والتمييز بين الحق والباطل منها من غير أن يحتاج فيه إلى مبين خارجي وأن الله فوض أمر دينه إليها مع ما لها من النقص والقصور والتفاوت في الدرجات والاختلاف في الإدراكات فقد جعل جميع الخلق أنبياء معصومين وفيهم ما فيهم .

وإن أراد به أن الله جعل العقول آلة لمعرفة ما يلقى إليها من ذلك بألسنة حججه الناطقة من الآيات والبيانات فيعرفها العقل ويأمر المكلف بقبولها سواء أطاعه أم عصاه وهو معنى إكمال الحجج على الناس بالعقول ومعنى أنها الرسل الباطنية وأن الله بها يثيب وبها يعاقب فهي قبل سماع البيان محض استعداد وتهيؤ لا تعرف شيئا من تلك الأمور الحقة الدينية بالفعل بمعنى عدم تمييزها بين الحق والباطل فمثلها حينئذ كمثل الزيت القابل للاشتعال ولكنه لا يشتعل بنفسه ما لم تمسسه نار وإن كانت مراتب الزيت متفاوتة في الاستعداد أيضا كالعقول ، فالمرجع والميزان في معرفة الحق والباطل بيانات الرسل الظاهرة ، وإنما حجية العقول بتبعية النواميس الإلهية فإن أراد هذا المعنى فهذا ما كنا نبغي فلا معنى لاعتراضه المذكور إذ على هذا يجب على العقول اتباع ما يرد عليها من النواميس ، فإن عرفته قبلته وآمنت به على التفصيل وإن لم تعرفه لقصور استعدادها من معرفة بعض المعاني العالية فإن عرفت صدورها عن معادن الوحي على سبيل القطع فيجب لها التسليم به على سبيل الإجمال وتركه في سنبله وعدم التعرض لتأويله وتفصيله وإن لم تعرف صدوره على القطع بأن لم يتبين له ذلك فلا يجوز لها أن تنكره وتطرحه بمجرد عدم فهمها لمعناه لأن الله لم يجعل غير المعصوم حجة على الخلق ولا على نفسه إلا بعد البيان من المعصوم بل يجب لها السكوت ورد علمه إلى الله والراسخين في العلم إذ لعل بالحجاز أو باليمامة من يعرفه ويعرف مورده ومصدره بما راض نفسه بالحدود الشرعية و الآداب الإلهية فدخل دار السلام وعرف لحن الكلام فأنس بما استوحش منه المكذبون وأباه المسرفون ولا حجة لمن لا يعلم على من يعلم هذا وإن لم تطعك نفسك على السكوت وأبت إلا الوقوف على مبدئه ومنتهاه فاطلبه من هؤلاء المشار إليهم فإن الله من لطفه لا يخلي الأرض من أمثالهم أو اعمل بما علمت على سبيل القطع من دلالات الكتاب والسنة يعلمك الله ما لم تعلم فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم  يعلم) وفي القدسي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الله عز وجل (مازال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها) الحديث.  

والسر في ذلك أن حقيقتك الوجودية صفة الموجد العليم فكلما جاهدت نفسك ومحضتها بصلابة التأديبات الإلهية نعمت ولطفت فظهر فيها نور جانب الربوبية الوجودية العلمية وضعف فيها جانب ظلمة الإنية و العبودية التي هي الجهل و الفقر والمعصية والعكس بالعكس ولنعم ما قال صاحب الشذور .

لهرمس أرض تنبت العز والغنى

إذا ما انتفى عنها غريب الحشايش

وهذا أيضا أحد طرق المجاهدة الموصلة إلى المشاهدة ولذا قال الحكماء في تدبير الإنسان الوسيط إنك إذا أحكمت ابتداء العمل وأخذت فيه ذلك ما تشاهده من العلامات إلى ما بعده فافهم ولكن لا يخفى عليك أن السلوك على هذا النحو بغير حكيم بالغ ينبهك على بعض ما تغفل عنه ويعينك على بعض حوائجك في الطريق ويقوي فكرك بهداه ويبين لك طريق الرجوع وإصلاح ما تفسده إذا أخطأت بسوء تدبيرك إذا كنت مبتدئا لم تمارس العمل أصلا لكنه ليس في حيز الامتناع فإن الحامل ربما يكون معتدل المزاج قوي الاستعداد فيستغني بصحف المعلمين الأولين عن معونة الآخرين شفاها والله من ورائه حفيظ يجازي كل محسن بقدر إحسانه وإنما تعرضنا لذكر هذه الجملة مع أن المقام ما كان مقتضيا لها ظاهرا لحاجة في نفس يعقوب قضيتها ولنختم هذا العنوان بهذا الختام وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين . 

 

العنوان الثالث

وإذ تبين عندك أن جميع العلوم الحقة لابد وأن يكون مستندا إلى الله سبحانه مأخوذا عنه بواسطة المترجمين من أهل الوحي (عليهم السلام)، سواء كان من الأمور الاعتقادية أم من غيرها، وإنهم بينوا بالبراهين الوجدانية والدلائل العقلانية على حسب ما تقتضيه قوابل المكلفين واستعداداتهم من البيان، وإن تلك البيانات بحيث يأخذ كل منها بقدر نصيبه لا أزيد ولا أنقص ، وإن توهم استقلال العقل في شيء منها من غير أصل يؤخذ عنه من تلك البيانات مثل توهم أن مع الله إلهاً آخر، أو توهم أن سائر الناس شركاء الرسل في تلقي الوحي عن الله وإن توهم لزوم الدور على تقدير عدم الاستقلال توهم باطل وزبد مجتث زائل وإن دعوى خلو بيانات النواميس الإلهية من البراهين العقلية دعوى يبطلها الوجدان وتكذبها شواهد الامتحان، وعدم معرفة القوم بها لا ينفي ما هو موجود عند أهله، والقول بأن شأن النبوة أجل من تأسيس طرق الاستدلال وإنما شأنهم دلالة الخلق إلى طريق الكشف والعيان وهو ما استنوه من الآداب الشرعية التي من عمل بها انكشفت له الحقائق واستغنى عن الاستدلال فضول من القول ووكالة عن قبل الله سبحانه ورسله بغير إذن بل شأن النبوة دلالة الخلق إلى الحق بجميع أنحاء الطرق الموصلة إليه لكن كلا منهم على حسب استعداده وكأن هذا القائل لم يسمع قول الله سبحانه لنبيه ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾  أو سمعه ولم يعقله أو عقله ولم يقبله أو قبله وأوله ركونا منه إلى قواعده القاعدة التي زينها الشيطان في أعينهم ليصدهم عن سبيل الله أعني محمدا وآله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين كي ينال منهم ما يريد﴿ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين﴾ .

وإذا تبينت عندك هذه الأمور كلها وعرفت أن لا مرجع إلا الله وحججه الكرام وإن قول من عداهم هو موضوع تحت الأقدام إلا من أخذ عن بابهم ولاذ إلى جنابهم وأناخ مطيته في مناخ ركابهم ولنعم ما قال الشاعر :

إليكم ، وإلا لا تشـد الركائــب

ومنكم، وإلا لا تنــال الرغائب

وعنكم،وإلا فالحديث مشوش

وفيكم، وإلا فالمحدث كــاذب

عرفت أن الميزان القويم والقسطاس المستقيم في كل ما يحتاج إليه الخلق الكتاب والسنة القطعية لأنهما دليلان قطعيان قد تبين حقيقتهما بالآيات الباهرة والبينات الظاهرة ومن أنكرهما بعد البيان فهو كافر مستحق لعذاب النيران .

ففي الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه).

وفيه محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان ابن عثمان عن عبد الله بن أبي يعفور قال وحدثني حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به قال إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلا فالذي جاءكم به أولى به) .

وفيه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر ابن سويد عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول (كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) .

وفيه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أيوب بن راشد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف)

وفيه محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى فقال (أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله).

وفيه بهذا الإسناد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال: (سمعت أبا عبدلله (عليه السلام) يقول (من خالف كتاب الله وسنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كفر)انتهى.

وفي خطبة الأشباح التي خطبها أمير المؤمنين (عليه السلام) لما أتاه رجل فقال له (صف لنا ربنا مثل ما نراه عيانا لنزداد له حبا وبه معرفة) إلى أن قال (عليه السلام) (فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به واستضئ بنور هدايته وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ولا في سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله سبحانه فإن ذلك منتهى حق الله عليك واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين) الخطبة ، رواها الرضي  في النهج.

فتأمل في مطاوي هذه الكلمات الشريفة حتى تتأدب بأدب الله ولا تتعدى حدود ما أنزل الله ولكن هنا تفصيل ينبغي تنبيه طالبي الحق والسداد عليه مقرونا بأمثلة بينة عسى أن يتمشى الطالب منها إلى حقيقة الأمر فإنه مما قد اضطربت فيه آراء كثير من أصحابنا قدس الله أرواحهم فحاموا حول الحمى ولم يهجموا على ملكوت الوصول إلى مبدأ الحقيقة ونرجوا من الله العظيم أن نفتح لك باب هذا الخطب الجسيم بأيدينا إنه جواد كريم، وهو أنه كلما كانت من هذين الميزانين دلالة قطعية ضرورية بمعنى أن يفهم المكلفون منه معنى بحيث يكون ضروريا بينهم عوامهم وخواصهم أو خواصهم خاصة ويعقدوا سرائرهم عليه فيقرهم عليه حجج الله المبعوثون لهداية المكلفين بأن لا ينصبوا لهم دلالة تصرفهم عن ذلك سواء كان المعنى المدلول عليه اللفظ مفهوما بالنص أم بالظاهر وبالتطابق أم بالتضمن أم بالالتزام أم بالإشارة وأشباه ذلك من أنحاء الدلالات فهذا النحو من الدلالة حجة قطعية لا يسع أحد من المكلفين إنكارها والعدول عنها لأن الله تعالى أرسل الهادين إلى الخلق وأنزل عليهم البيان ليهدوهم إلى الحق والصواب قبلوا أم أنكروا فلو كان ما فهموه من بيانهم خطأ وباطلا وجب في الحكمة أن ينصبوا لهم علما ظاهرا صالحا يصرفهم عن ذلك الاعتقاد وإلا لبطلت حجة الله وكان الله مغريا على الباطل وفي ذلك ارتفاع التكاليف المؤدي إلى لغوية الإيجاد تعالى‏ عن ذلك علوا كبيرا وهذا المقدار واجب على الله في الحكمة سواء اتبع المكلفون ذلك العلم المنصوب وحادوا عما هم عليه من الخطأ أم لا ﴿ إنما أنت منذر﴾   ﴿لست عليهم بمصيطر﴾ نعم لا بد حينئذ من وجود قائل بالحق لئلا يخرج الحق من أهله وإذ لم ينصبوا علما صارفا لهم عن ذلك دل على أن ما فهموه حق مقصود لا ريب فيه ولعل هذا مراد من تمسك بفهم الأصحاب في تعين معنى بعض الأخبار فإن أراد ذلك فحسن وإلا فلا، واحتمال وجود الصارف وعدم وصوله إلى المكلفين سفسطة شيطانية ، لأن المفروض استفراغ الطالب وسعه في طلب الحق ولا تكليف له أزيد من ذلك فإذا بذل الطالب جهده ولم يعثر على الصارف فالتكليف مرتفع عنه إذ ليس لله عليه حينئذ حجة لأن البيان على الله، فما لم يبين مراده له كيف يؤاخذه بالتكليف على أنه تعالى وعد المجاهدين الهداية إلى سبيله بقوله ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾ فكيف يعقل مع ذلك نصب العلامة وعدم عثور المكلف المجاهد عليها واختلاف الفقهاء في الأحكام الفرعية مع كون كل منهم باذلا لجهده لا يكون نقضا علينا لأن الأحكام الفرعية تختلف بتغير الموضوعات من الأزمنة والأمكنة والأشخاص وعروض الموانع الداخلة والخارجة نظير تغير حكم الوضوء بعروض التقية وحكم الصلاة التامة بحدوث المرض وأشباه ذلك والله يلقي إلى كل من المكلفين ما هو مكلف به بالنسبة إلى ذلك الوقت وذلك المكان وذلك الحال سواء كان الحكم أوليا واقعيا أم ثانويا ظاهريا وإن شئت قلت واقعيا أوليا أو واقعيا ثانويا لأن الكل حكم الله الذي جاء به الشارع صلوات الله عليه من عند الله، والاختلاف إنما نشأ من اختلاف الموضوع غايته أن الموضوعات منها ما هو أولي ومنها ما هو ثانوي، فخذها قصيرة من طويلة فإن المقام لا يقتضي بيانا أزيد من ذلك فهذه الدلالة من الكتاب والسنة ميزان توزن به العلوم ويعرف به الصحيح من السقيم وهي محكم الكتاب والسنة الذي إليه ترد المتشابهات من الآيات والأخبار والأقوال فما وافقه فهو المقبول وما خالفه فهو المردود ويدل على هذا التفصيل ما كتب مولانا الكاظم (عليه السلام) لهارون الرشيد المروي في الاختصاص للمفيد عن ابن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن إسماعيل العلوي عن محمد بن الزبرقان الدامغاني عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال (قال لي الرشيد أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا له أصول وفروع يفهم تفسيره ويكون ذلك سماعك من أبي عبد الله (عليه السلام) فكتبت بسم الله الرحمن الرحيم أمور الأديان أمران أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها والأخبار المجمع عليها المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة وأمر يحتمل الشك والإنكار وسبيله استيضاح أهله الحجة عليه فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله ضاق على من استوضح تلك الحجة ردها ووجب عليه قبولها والإقرار والديانة بها وما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الأمة وعامها الشك فيه والإنكار له كذلك هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه إلى أرش الخدش فما دونه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته وما غمض عنك ضوءه نفيته ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل)الحديث.

والمراد بالقياس الدليل العقلي المجمع على صحته عند أهل العقول المستقيمة لا القياس الفقهي الذي ورد النهي عنه فلا تغفل ولنأت على ما قررناه بأمثلة حتى تزيد للطالب بصيرة في أمره مثلا ورد في الكتاب﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام﴾ إلى قوله ﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن﴾  وقد فهم المكلفون من ذلك بأي طريق كان وجوب صوم شهر رمضان الذي هو هذا الشهر المعروف وعملوا بذلك وأقرهم عليه حجج الله المبعوثون لهداية الناس ولم ينصبوا لهم علما معتبرا يصلح لأن يصرفهم عن ذلك. فإذا قال قائل إن هذا الصوم ليس بواجب ، أو قال إن المراد بشهر رمضان غير هذا المعروف، أو أوله بتأويل باطل نافيا لظاهره. مثل أن قال إن المراد بشهر رمضان مقام هيجان حرارة المحبة في الفؤاد، فإن المحب إذا هاجت حرارة المحبة في فؤاده وجب عليه الصوم عن جميع ما عدا المحبوب، لأن الشرك ينافي خلوص المحبة. وإنما سمي شهر رمضان لأنه من الرمضاء وهي الحرارة التي أشرنا إليها، أو لأن رمضان اسم من أسماء الله تعالى كما ورد في الحديث ، ووجه مناسبته لهذا المقام لأنه مقام ظهور المحبوب على المحب فهو خالص لله لا يشاركه فيه أحد، فإذا قال شيئا من ذلك مع نفي ظاهره الذي فهمه المكلفون وأقرهم الله عليه فقد ضل وأضل وكفر بكتاب الله وأنكر سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بخلاف من آمن بظاهره الذي قرره الشارع المقدس وقال إن هذا المذكور باطنه وتأويله وكلاهما مرادان لله تعالى بشرط أن يكون عارفا بطرق التأويل عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) وإلا كان مفسرا للكتاب برأيه فإن مثل هذا التأويل لا ينكر ولا يكون ردا للكتاب المجمع على تأويله ومن هذا القبيل قوله تعالى في حق أهل النار ﴿كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب﴾ وقوله ﴿ خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم﴾  ﴿لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون﴾  ﴿ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون﴾  وأشباه ذلك من الآيات الواردة في هذا المساق فإن المخاطبين الذين لم يغيروا فطرة الله فهموا منها دوام التألم وأقرهم عليه الشارع ولم ينصب لهم قرينة معتبرة صارفة عن ذلك ، فإذا قال قائل بانقطاع التألم عن أهل النار بشهاب شيطانية عرضت له وصرف الآيات عن ظاهرها الذي يعرفه أهل العرف وقال إن المراد بها دوام المكث فيها لا دوام التألم وأنهم بطول المكث فيها ينقلبون إلى طبع النار كالجمرة فلا يتألمون بها وليس في الآيات ما يدل على دوام التألم صريحا وهو المطلوب لا دوام المكث ، فإذا قال قائل بذلك فقد خرج عن حدود الكتاب وكفر برب الأرباب وترك عرف أهل الحق بغير دليل مأخوذ عن الحجج الأطياب مع أنهم (عليهم السلام) قالوا (إنا لا نخاطب الناس إلا بما يعرفون) وقال الرضا (عليه السلام) لسليمان المروزي في المشيئة والإرادة ( أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما يفقهون ويعرفون أو بما لا يفقهون ولا يعرفون قال بل بما يفقهون ويعرفون قال الرضا (عليه السلام) فالذي يعرف الناس أن المريد غير الإرادة)الحديث، فأحال الحجة على ما يعرف الناس ولا يرد على ذلك أن كثيرا من تأويلات القرآن لا يعرفه الناس فيجب أن يكون كل ذلك باطلا لأنا نقول إن للتأويل أيضا أهلا يعرفه إذا انقطع إلى أهل بيت الوحي فإن قلت فليكن تأويلنا هذا أيضا من ذلك قلنا كلا فإن من شرط صحة التأويل أن لا يكون مناقضا لظاهر الآية وتأويلكم يناقض فهمه المخاطبون من ظاهرها وأقرهم عليه حملة الكتاب مع أنه تأويل وصرف عن الظاهر بغير داع يدعو إلى ذلك إلا ما اقترحتموه من شبهات ووساوس وهمية وسميتموها أدلة عقلية حكمية ﴿والله يعلم إنهم لكاذبون﴾ فإن العقل السليم لا يحكم على خلاف ما ثبت وتقرر من الشريعة الغراء وهو دوام تعذيب أهل النار بغير انقطاع وإن هذا التأويل إلا كتأويلات الفرقة المتحدثة في قريب من زماننا هذا المسمين بالبابية فإنهم اتخذوا عجلا وزعموا أنه القائم المنتظر جل شأنه عن ذلك وزعموا أن زماننا هذا زمان الظهور بل الرجعة فإذا طالبتهم بالعلامات والأشراط والآيات العجيبات التي وردت في صحيحات الأخبار وأخبر الهداة (عليهم السلام) أنها تظهر قبل قيامه وبعده وفي الرجعة يقولون كل هذه العلامات قد وقعت وأنتم لا تشعرون فيذكرون لكل منها تأويلا باردا يضحك منه الأطفال في المكاتب والنسوان في المراتب، والحمير لا يعرفون أنهم (عليهم السلام) أرادوا أن يدلوا شيعتهم المتابعين لهم معتقدين بظواهرها الظاهرة منها فلو كانت تلك الظواهر غير مرادة لكان يجب على الهادين (عليهم السلام) أن يردعوهم عن ذلك المعنى الباطل ويرشدوهم إلى المعاني التي أنتم قائلوها فإذ لم يفعلوا ذلك وأقروهم على ما هم عليه من اعتقاد الظواهر تبين أنها حق لا ريب فيه وأن ما أولتم به الأخبار باطلا لا شك يعتريه إذ لو كان حقا لكان يجب عليهم (عليهم السلام) بيانه للمكلفين وإذ لم ينبئوا فلا حجة لهم على الناس في إنكار هذه الأمور إذ لا تكليف إلا بعد البيان ولا حجة إلا بعد البرهان.

ومن هذا القبيل قوله تعالى في فرعون ﴿ فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد   * يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود * وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود﴾وقوله تعالى ﴿فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى﴾ ‏ فإن الأمة مجمعة على أنها نص في كفر فرعون وأنه مات على الكفر وهو مخلد في النار مع أتباعه أبد الآبدين ولم يرد من الكتاب والسنة ما يردع هذا الإجماع ويصرفهم عنه فمن قال بإيمان فرعون وإنه مات مؤمنا متمسكا في الظاهر بقوله تعالى حكاية عنه حين أشرف على الغرق ﴿آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين﴾  مع أن الله تعالى نص على أن التوبة لا تنفع حين نزول البأس وفي الباطن بمذهبه السخيف من القول بوحدة الوجود واعتقاد أن فرعون إنما قال أنا ربكم الأعلى لأنه كان من الكاملين الواصلين إلى حقيقة الوجود الحق بعد كشف حجب الإنية الموهومة وإنما لم يظهره وتمسك بالآية في الظاهر تدليسا على الأنعام وقصده في الباطن نيل ما يريد،بالجملة فمن قال بمثل هذا القول فقد رد على الله ورسوله ﴿ فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير﴾.

ومن هذا القبيل النصوص الواردة في الكتاب في حق السامري فإن الأمة مجمعة على أنها دالة على ضلالته وكفره وكونه من المضلين وأنه جرى في صنعه العجل على خلاف رضا الله سبحانه وأقرهم الشارع على ذلك فمن قال بأن السامري جرى في صنعه العجل على محبة الله ورضاه لأن الله يحب أن يعبد في كل صورة فقد كفر بالله ورد على كتاب الله والله تعالى ﴿سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم﴾ .

ومن هذا القبيل تأويل بعضهم لقوله تعالى ﴿إن الذين كفروا ﴾ عني بغير الله ﴿ سواء عليهم أأنذرتهم ﴾ أن يرجعوا إلى ما سوى الله ويعاملوا الناس بما يعرفون ﴿أم لم تنذرهم لا يؤمنون﴾ بما سوى الله ﴿ ختم الله على قلوبهم﴾   فلا يعرفون إلا الله ﴿ وعلى سمعهم ﴾ فلا يسمعون إلا صوت الله ﴿ وعلى أبصارهم غشاوة﴾  فلا يرون إلا الله ﴿ولهم عذاب﴾ من المحبة ﴿ عظيم﴾  شأنه عند الله فإن هذا التأويل على خلاف ما جرى عليه عرف كتاب الله وإنما هو عرف أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل التمويه وأما المؤمنون بالكتاب فلا يعرفون منها إلا ما ظاهرها عليه من ذم الكفرة بالله وهو عرف حملة كتاب الله سلام الله عليهم أجمعين وقد أقروهم على ذلك .

رد المتشابهات إلى المحكمات

وأما رد المتشابهات من الكتاب والسنة إلى المحكمات فكقوله تعالى لإبليس ﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾ فإن الآية نص في أن عباد الله المخلصين لا سلطان لإبليس عليهم وثبت بالضرورة من الكتاب والسنة إن الأنبياء من عباد الله المخلصين فإذا ورد عليك قوله تعالى ﴿ وعصى آدم ربه فغوى﴾ وأشباه ذلك من الآيات الواردة في حق سائر الأنبياء (عليهم السلام) فلا بد لك من تأويلها بما لا ينافي ضرورة الكتاب والسنة القطعية فمن تركها على ظاهرها ونسب أنبياء الله المعصومين إلى القبائح والمعاصي المنكرة فقد كفر بنص الكتاب وضل ضلالا بعيدا.

ومنه قوله تعالى في حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى﴾‏ فإنه نص صريح اجتمعت على مفاده العقول المستنيرة والكتاب والسنة من أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينطق إلا بما يوحى إليه فإذا ورد قوله تعالى ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم *  ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم﴾   الآيات.

فإذا ورد مثل هذه الآية المتشابهة وجب على الأمة تأويله بما يرجع إلى المحكم ولا يناقضه ولما رأينا طائفة من الأمة رووا في شأن نزول هذه الآية (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في الصلاة فقرأ سورة النجم في مسجد الحرام وقريش يستمعون لقراءته فلما انتهى إلى هذه الآية ﴿ أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى﴾ أجرى إبليس على لسانه (فإنها للغرانيق الأولى وإن شفاعتهن لترتجى) ففرحت قريش وسجدوا وكان في القوم الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ كبير فأخذ كفا من حصى فسجد عليه وهو قاعد وقالت قريش قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزى، قال فنزل جبرئيل فقال له جبرئيل قد قرأت ما لم أنزل عليك وأنزل عليه ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ﴾.

فلما رأينا هذه الرواية من هؤلاء الطغام علمنا أنها مما نفث في روعهم الشيطان لأنها مكذبة لنص القرآن حيث يقول ﴿وما ينطق عن الهوى﴾ ويقول ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾ ووالله لقد جاءوا شيئا إدا ﴿تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا﴾  .

وتالله من أمة قد جعلت من قلب نبيها المبعوث من عند الله مقيلا للشيطان وأخرجته من سلك عباد الله المخلصين في قوله سبحانه عن إبليس ﴿قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين﴾   وأطالت لسان تشنيع الملل الخارجة على نفسها بحجة وبرهان لا جزاها الله عن الإسلام  وأهله خير الجزاء .

ولما رأينا طائفة أخرى رووا عن إمامهم الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصابه خصاصة فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له عندك من طعام قال نعم يا رسول الله وذبح له عناقا وشواه فلما أدناه منه تمنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون معه علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم فجاء رجلان من رؤساء المنافقين ثم جاء علي (عليه السلام) بعدهما فأنزل الله عز وجل في ذلك ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي﴾ ولا محدث ﴿إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان﴾ يعني لما جاء علي (عليه السلام)  بعدهما ﴿ثم يحكم الله آياته﴾ يعني ينصر أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال﴿ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة﴾ يعني فلانا وفلانا) إلى آخر ما رووا.

فحاصل معنى الآية أنه تمنى أن يأتيه من يحبه الله وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) فأحضر الشيطان عند تمني النبي ما يكرهه الله ليجعل ما يلقيه فتنة للذين في قلوبهم مرض بأن يسول لهم الشيطان أن هذا هو ما تمناه النبي فيكون ذلك فتنة واختبارا ‏من الله للناس فأتى بعد ذلك ما تمناه النبي وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) فنسخ الله بذلك ما ألقاه الشيطان ﴿وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق﴾  من ربه أي رب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يعني أن عليا (عليه السلام) هو الحق من عند الله ﴿وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم﴾يعني إلى علي (عليه السلام).

ورووا في رواية أخرى وكلتاهما مقصودتان عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في تفسيرها يعني أنه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الإقامة إلا ألقى الشيطان المعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزله عليه ذمه والقدح فيه والطعن عليه فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاحدين ويحكم الله آياته بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر والطغيان الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال بل هم أضل سبيلا انتهى.

وقالوا في تفسيرها معنى ثالثا وهو أحد وجوه المعاني السبع بل السبعين وهو أن التمني بمعنى القراءة كما في قوله تعالى ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ﴾   أي إلا أن يقرأ عليهم وقال حسان :

 تمنى كـتــاب الله أول ليلــة

تمني داود الزبور على رسل

أي قرأ فالمعنى أنه إذا قرأ احتمل الشيطان لأوليائه في تلك القراءة معنى غير مراد لا تدل عليه المحكمات بل ترده ردا صريحا فيهدي الله الذين آمنوا إلى إبطال ذلك الاحتمال الذي هو من إلقاء الشيطان، انتهى.

ولها معنى رابع وهو مأخوذ من إشارات محكمات الكتاب والسنة وهو أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) تمنى وأحب أولا وبالذات أن يكون القائم بالأمر بعده من نصبه لذلك ويجتمع الخلق على طاعته فخلط الشيطان في أمنيته بأن أغوى أولياءه فوضعوا مكانه غيره وشبه الأمر في ذلك على الناس ولم يمنع الله ذلك منعا قهريا ليكون ما ألقاه فتنة أي امتحانا واختبارا واستنطاقا للذين في قلوبهم مرض من النفاق والحقد والبغض لوليه (عليه السلام) فتكون حجة الله تامة فنسخ الله ما ألقى الشيطان من قلوب أوليائه بإقامة الآيات الباهرة والعلامات الظاهرة ليعلم الذين أوتوا العلم من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه الحق من ربك يعني أن أمير المؤمنين هو المخصوص من عند الله فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وهو هدايته للذين آمنوا إلى صراط مستقيم إلى إمام يوصلهم دار الرضوان.

فلما رأينا هذه الفرقة فسروا الآية بهذه المعاني التي لا يناقض شيء منها محكمات الكتاب والسنة عرفنا وعلمنا أنها الحق وهي التي تليق أن تكون مرادة لله عز وجل في حق أنبيائه المعصومين عن مس الشيطان لا ما اختلقه غيرهم من الرواية التي لا يسكن إليها إلا كل قلب متكبر جبار.        

ومنه قوله تعالى ﴿الرحمن على العرش استوى﴾  وقوله ﴿وجاء ربك والملك صفا صفا﴾ وقوله ﴿هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام﴾  الآية، وأشباه ذلك ، فإن الكتاب والسنة القطعية دلا على أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا زمان ولا يعرضه انتقال ولا زوال وأن أمثال هذه العوارض من خواص الحدوث فيجب عليك أن تطلب للآيات المذكورة محملا صحيحا من الكتاب والسنة لا ينافي الضرورة المذكورة فإن وجدت ذلك، وإلا فيجب عليك الإيمان على سبيل الإجمال بما أراد الله منها وهو أعلم بما قال ﴿والراسخون في العلم﴾ لا الاعتقاد بما يظهر منها مما يخالف ضرورة الكتاب والسنة والعقول المستنيرة بنورهما كما فعلته الحنابلة فوقعوا في كفر التجسيم واختلفوا مفرعين عليه حكايات وخرافات مما هو مشهور وفي الكتب مذكور، تعسا لهم من قوم ما أعماهم عن الحق وأضلهم عن السبيل. 

ومنه قوله تعالى﴿هل من خالق غير الله﴾ وقوله ﴿الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون﴾  ، وقوله ﴿أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار﴾، وقوله ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾  فإنها نصوص صريحة في أنه تعالى متفرد بتلك الأفعال لا مضاد له في ملكه ولا مشارك له في سلطانه وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وقد آمن بهذا المعنى كل من آمن بالله وأقر له بالوحدانية.

فإذا ورد عليك قوله تعالى في حق المسيح ﴿وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير﴾وقوله ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم﴾ وقوله ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾  وقوله ﴿والله خير الرازقين﴾ وأمثالها من الآيات، يجب عليك ردها إلى تلك المحكمات وهو كون هؤلاء حوامل لأفعال الله تعالى ومظاهر لها لا شركاء له ولا مفوضا إليهم فإن الحامل والمظهر قد ينسب إليه قول الأصل كما في الحديدة المحماة بالنار فإنك تقول أحرقتني هذه الحديدة مع أن الإحراق ليس من فعل الحديدة من حيث هي حديدة وإنما هو من فعل النار وقد ألقت أثره في الحديدة فأظهرته منها لفناء الحديدة في جنب ظهور النار واضمحلال برودتها عند حرارة النار فصارت حاكية لمثال النار على حد قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف الملأ الأعلى المنقول عن الدرر والغرر للشيخ الكراكجي رحمه الله تعالى قال (عليه السلام)  (صور عارية من المواد عالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فأشرقت وطالعها فتلألأت وألقى في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله)، انتهى.

فافهم يا أخي ما ألقيناه إليك فإنه والله لباب يفتح منه ألف باب ولا تصغين فيه إلى خرافات أرباب القشور وأصحاب القبور من أهل الجهل والغرور فتكون من الإمعة فإن الله سبحانه يقول ﴿ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة﴾ ، فانزع عن جيدك قلائد التقليد وانظر في أمور دينك بالبصر الحديد فما وافق قول الله وقول رسوله فاقبله ولو صدر عن أعدى عدوك ، وما لم يوافق فاتركه ولو صدر عن أصدق صديقك .

ومنها ما بيناه آنفا فإنك إن أيقنته أوقعك ذلك على مكنون علم لا ينفذ ومخزون سر لا يفنى فلا تستوحش من حديث النورانية ولا خطبة البيان ولا الطتنجية ولا غيرها من الخطب والأخبار التي نسب فيها أمير المؤمنين وسائر الأئمة المعصومين عليه وعليهم السلام بعض أفاعيل الربوبية إلى أنفسهم ولا تنسبها إلى الوضع زعما منك أنها من أحاديث الغلاة والمفوضة وإلا اتهمت كثيرا من أصحاب الحديث الكبار ورميتهم بالغلو والارتفاع كجابر بن يزيد والمفضل بن عمر ومحمد بن سنان وأضرابهم من حملة أسرار آل الله لمجرد رواية أمثال تلك الأخبار كما فعل قوم من ضعفة التحصيل غفلة منهم عن أن الحكم بفساد العقيدة في حق من ظاهره الإيمان ونسبته إلى الكفر والغلو والارتفاع والتخليط والكذب وأضراب ذلك من الأوصاف المنكرة بغير حجة قطعية لا تحتمل محملا صحيحا من أعظم الجرائر عند الله وإن الله سيقيم الحاكم والمحكوم عليه بين يديه وليسائلهما ويقضي بينهما بالحق فليت شعري ما جواب هؤلاء في ذلك الموقف العظيم وأي حجة لهم يعتذرون بها عند العدل الحكيم ولعمري إنه ليس لهم حجة سوى روايات عنهم لم تحتملها عقولهم القاصرة وأفهامهم الكاسرة فطعنوا فيمن سلك طريق الهداية وحكموا بضلال من لا يلحقونه في بداية ولا نهاية وقد عرفت حال حجية العقول وكونها ميزانا في الرد والقبول وستعلمون ما أقول إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ووقف بالإنس والجن وسئلوا عما كانوا يعملون.هذا، ولعلك تزري علي إذا رأيت هذا الكتاب بأني أسأت الأدب بالنسبة إلى علماء الرجال وأنا أقول يا أخي إن الرجل كل الرجل من يعرف الرجال بالمقال، لا المقال بالرجال فإن تشنيعي هذا في جمع معدود ليس بأفظع من تشنيع أولئك في ألف رجل لم تقم دعائم فسطاط النبوة والولاية إلا على كواهل آثارهم ونقولهم ومناكب أسفارهم وأصولهم من غير أن يأتوا فيه بحجة باهرة أو آية ظاهرة على إني لم أقصد بذلك القدح والإزراء فيهم وإنما أردت به بيان الحق وليس كشف المتأخر عما زل فيه قدم المتقدم بأمر بديع لم يسبقنا إليه سابق بل أقل من فتح هذا الباب الذين تلومنا أنت على الطعن عليهم فإن كان الطعن على الغير مما لا يجوز أبدا ففينا وفيهم والبادي أظلم وإلا فالجواب الجواب، وعلى هذا القياس رد الأخبار إلى الكتاب والسنة وعرضها عليها بمعنى إن ما ناقض منها محكمات الكتاب والسنة صريحا لا يحتمل محملا صحيحا فمثل هذا الخبر يجب أن يترك ولا يعمل على مقتضاه مثل أن يرد خبر في نفي الصلاة المكتوبة أو في جواز الظلم مثلا على الله أو أنه تعالى جسم وأشباه ذلك فإن أمثال هذه الأخبار لو وجدت يجب أن تترك وتلغى. وأما ما كان منها من قبيل المتشابهات فيجب تأويلها وردها إلى المحكمات وذلك مثل أخبار التفويض الواردة في حق الأئمة (عليهم السلام) وهي كثيرة بالغة حد التواتر بالمعنى من أرادها فليرجع إلى الكافي والبصائر والاختصاص وغيرها من كتب الأخبار وبالجملة أن تلك الأخبار عند ضعفة الأفهام من المتشابهات لأنهم يزعمون إن التفويض رد شيء إلى الغير وتحكيمه فيه ورفع اليد عنه حاصرين للمعنى في ذلك ولا ريب إن التفويض بهذا المعنى مردود مخالف لمحكمات الكتاب والسنة الدالة على أن الله سبحانه واحد متفرد في ذاته وصفاته وأفعاله وعبادته لا شريك له في شيء من ذلك وأنه لم  ينعزل عن تدبير ملكه طرفة عين وأن الخلق كلهم عبيده وصنائعه لا يمكن لأحد منهم الاستغناء عنه في حال وإلا لانقلب في ذلك الحال واجبا مشاركا له تعالى،  والحاصل قد قدمنا فيما سبق أن الفقر من لوازم ذات الممكن لا يمكن أن ينفك عنه أبدا. وهذا الاعتقاد هو الذي بني عليه أساس التوحيد ولا فرق في هذا الفقر بين الخلق الأول صلوات الله عليهم وبين سائر الخلق ووجه الرد ما أشرنا إليه مرارا ونعيد هنا تكرارا بتعبير آخر ونقول إن كل إنسان إذا فكر في أحوال نفسه رأى أن له نفسا هي المشار إليها بـ(أنا) في جميع صفاته وحركاته وسكناته وشؤونه وإضافاته وله فيما دونها أعضاء وأجزاء وقوى ومشاعر ولكل منها شأن من الشؤون فالعقل مثلا يدرك المعاني المجردة والنفس التي هي نبت العقل وهي غير النفس المذكورة تدرك الصور المجردة وسائر الحواس الباطنة يدرك كل منها ما اختص به الصور الجزئية والمعاني من الجزئية والترتيب بينها والأمور البرزخية المتوسطة بين الظاهر والباطن وكذا الحواس الظاهرة فإن العين مثلا تدرك الألوان والأشكال والأذن الأصوات وكمياتها وكيفياتها والشامة الروائح والذائقة الطعوم واللامسة الملموسات كذلك وإذا تأمل في أفعال هذه الجوارح رأى أنها كلها راجعة إلى النفس وليس شيء منها بمستقل فيما وكل به وآية ذلك ودليله ما ينسبه إلى نفسه من ذلك حقيقة لا مجازا فيقول أنا الرائي وأنا السامع وأنا الذائق وأنا الشام وأنا اللامس وأنا العالم وأنا العاقل وهكذا جميع ما يصدر عن قواه ومشاعره من الأفاعيل مع أن المدرك لهذه الأمور في الظاهر هو الحواس الظاهرة والباطنة المخصوصة فصحة هذه النسبة إلى النفس إنما هي لأجل أن أفعال تلك الجوارح كلها مستندة إليها مفاضة عنها  وقائمة بها دائما قيام صدور ولذا إذا عرض لواحد منها عارض بحيث حال بينها وبينه بطل ذلك المشعر واختل ولم يصدر عنه ذلك الفعل المخصوص به، فهذه المشاعر في الحقيقة كالمرآة ومالها من الأفعال كالصورة المشرقة عليها والنفس لها كالشاخص المقابل وقد ألقى مثالا منه إلى تلك المرآة على حسب ما تقتضيه قابليتها كما وكيفا فما دام الإشراق من الشاخص موجودا فالصورة في المرآة موجودة وليست بمستغنية عن مدد المقابلة طرفة عين وإذا حال بينه وبين المرآة حائل لم يبق في المرآة شيء لانقطاع المدد بينهما وكما أن الشاخص أولى بالصورة من المرآة كذلك النفس أولى بتلك الأفعال من المحال والجوارح المخصوصة من غير أن تكون تلك الجوارح مشاركة للنفس في صدور تلك الأفعال عنها أو مفوضا إليها بل النفس هي الفاعلة لتلك الأفعال على الاستقلال وإنما جعلت تلك الجوارح أبوابها وحجبها وسبلها لا لحاجة من النفس إليها بل لحاجة المدركات (بفتح الراء) إليها.

فإن قلت إن الأمر كله للنفس على الاستقلال وهذه الأدوات كلها عبيد ولا يملكون لأنفسهم من دونها حركة ولا سكونا ولا غير ذلك كما قال الله سبحانه في حق الملائكة ﴿ بل عباد مكرمون  * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون﴾ إلخ ،صدقت.

وإن قلت إن النفس فوضت إبصار المبصرات إلى العين وسماع المسموعات إلى الأذن وإدراك المشمومات إلى الدماغ وهكذا لكن لا بمعنى التوكيل والتخلية ورفع اليد عنها بل بمعنى كونها مظاهر لأفعالها ومحالا لإرادتها صدقت من غير تناقض وتعارض بين النسبتين. وإذا عرفت المثال فلنرجع إلى ما نحن فيه ونقول إن النفس في المثال المذكور مثال الحق سبحانه، وفي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) (من عرف نفسه فقد عرف ربه)وفي القدسي أو هو من كلمات الإنجيل (يا ابن آدم اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك أنا) والمراد بـ(أنا) المثال العنواني لا الذات المقدسة عن الحلول والاتحاد فافهم وسائر المشاعر والجوارح مثال المعصومين الأربعة عشر سلام الله عليهم فكل أفعال الربوبية التي هم حاملوها مخصوص لله تعالى لا يشاركه فيه أحد من خلقه لا هم (عليهم السلام) ولا غيرهم ولكن الله سبحانه اختصهم واختارهم من بريته فألقى في هويتهم مثاله فأظهر عنهم أفعاله لا على طريق التوكيل ورفع اليد بل على الشبح المرآتي كما مثلنا به آنفا.

ولتفهيم هذا المعنى المتوسط بين الإفراط والتفريط وصفوا (عليهم السلام) أنفسهم بالنسبة إلى الله عز وجل بالوجه والعين والأذن واليد والنفس والقلب واللسان والجنب وأشباه ذلك من الأوصاف من باب تمثيل الأمور المعقولة بالصور المحسوسة، قال الله تبارك وتعالى ﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾ ، وقال الصادق (عليه السلام) في مصباح الشريعة (العبودية جوهر كنهها الربوبية فما فقد من العبودية وجد في الربوبية  وما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية)  وقال الرضا (عليه السلام) في حديث عمران الصابي المروي في العيون والتوحيد (وقد علم ذوو الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما هاهنا).

وبالجملة دلوا المكلفين بهذه التمثيلات على أنهم في كونهم مصادر أفعال الربوبية ليسوا بأرباب من دون الله ولا مشاركين له ولا مفوضا إليهم بالمعنى الذي أبطلناه بل الطريق الحق الذي بينه أبو جعفر الجواد (عليه السلام) في الحديث الذي رويناه بأسانيدنا المتصلة إلى الشيخ المفيد  عن كتابه الاختصاص بسنده عن محمد بن سنان قال : (كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فذكرت اختلاف الشيعة فقال إن الله لم يزل فردا متفردا في الوحدانية ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة (عليهم السلام) فمكثوا ألف دهر ثم خلق الأشياء وأشهدهم خلقها وأجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم ما شاء وفوض أمر الأشياء إليهم في الحكم والتصرف والإرشاد والأمر والنهي في الخلق لأنهم الولاة فلهم الأمر والولاية والهداية فهم أبوابه ونوابه وحجابه يحللون ما شاء ويحرمون ما شاء ولا يفعلون إلا ما شاء ﴿ بل عباد مكرمون  * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون﴾ فهذه الديانة التي من تقدمها غرق في بحر الإفراط ومن نقصهم عن هذه المراتب التي رتبهم الله فيها زهق في بر التفريط ولم يوف آل محمد حقهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم ثم قال خذها يا محمد فإنها من مخزون العلم ومكنونه)،هي.

ومثله حديث كامل بن إبراهيم المروي في غيبة الطوسي عن الحجة (عج) في حديث طويل إلى أن قال (عليه السلام) جئت تسأله عن مقاله المفوضة (كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله فإذا شاء شئنا والله يقول ﴿وما تشاؤون إلا أن يشاء الله﴾) انتهى.

ويأتي تمام الخبر بسنده إنشاء الله تعالى في ضمن أخبار الكتاب.

وأصرح من ذلك كله حديث أبي طاهر المروي في الكتاب المذكور وسنذكره إن شاء الله في أوائل الكتاب فإنه قد قطع مواد جميع الأقوال وكشف كشفا صريحا عن حقيقة الحال فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين فتحصل من جميع ما ذكر أن الذي ينبغي أن يعتقده في حق الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) ويحمل عليه أخبار التفويض وغيرها هو أنهم (عليهم السلام) عباد مخلوقون مرزوقون فقراء إلى الله خالقهم عز وجل في جميع ما لهم لم يستغنوا عنه سبحانه في شيء من ذواتهم وصفاتهم وشؤونهم وأطوارهم وحركاتهم وسكناتهم وأحوالهم وأفعالهم وأقوالهم وسرهم وعلانيتهم طرفة عين أبدا وليس لهم حال دون ذلك ومن قال بخلاف هذا القول فهو مفرط كذاب،هذا حال عبوديتهم وأما ما أفاض الله تعالى عليهم من شأن ربوبيته فهو أنه تعالى خلق أنوارهم قبل الخلق بثمانين ألف دهرا وما شاكله على اختلاف الروايات باختلاف الاعتبارات وخلق ما عداهم من أشعة أنوارهم فجعلهم الوسائط بينه في الأداء وأياديه الباسطة في المنع والعطاء في جميع الأمور التكوينية والتشريعية فلا يصدر أمر من الله إلا على أيديهم ولا يصل عبد إلى الله إلا بسبيل معرفتهم والإقبال إليهم لأنهم آياته وعلاماته ومقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينه وبينها إلا أنهم عباده وخلقه فتقها ورتقها بيده بدئها منه وعودها إليه أعضاد وأشهاد ومناة وأذواد وحفظة ورواد فبهم ملأ سماءه وأرضه حتى ظهر أن لا إله إلا هو. هذا مجمل ما خصهم الله تعالى به دون من دخل في حيطة أمر كن ومن نقصهم عن هذه المرتبة بعد البيان والاستيقان ظلما وعلوا فهو معرض عن محكمات السنة والكتاب منكر لقدرة رب الأرباب.

اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وحملة عرشك وسكان سماواتك وأرضك ومن في الأصلاب والأرحام من ودائعك أن هذا ديني وشرعتي ومنهاجي وطريقتي في سري وعلانيتي يشهد به شعري وبشري ولحمي ودمي وعروقي وعظامي، وقلبي عليه أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إنشاء الله يوم القيامة، وإني أبرأ إليك من أعدائهم ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم الظالمين لهم والجاحدين لحقهم والمارقين من ولايتهم والغاصبين لإرثهم والشاكين فيهم المنحرفين عنهم ومن كل وليجة دونهم وكل مطاع سواهم ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار، اللهم إني أودعتك يقيني هذا وثبات ديني وأنت خير مستودع وقد أمرتنا بحفظ الودائع فرده علي عند حضور موتي ومساءلة منكر ونكير بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين .

تذييل فيه تفصيل

واعلم وفقك الله عز وجل لسعادة الدارين أن عرض الأخبار والعقائد على الكتاب والسنة منه ما هو ظاهر يسع كل أحد ممن له أدنى معرفة بلحن كلام الله وكلام حججه سلوكه ومعرفته ومنه ما هو خفي لا يكاد يعثر عليه وعلى دلالته إلا من لطف حسه وصفى ذهنه وبيان ذلك أن من الكتاب والسنة حروفا جامعة لبست صورة الآحاد وانطوت على ما لا يكاد يتناهى من الأفراد وقد عرفت من حيث جزئيتها وإجمالها بحيث لا يجهلها أحد وصدق بمعناها ذلك الإجمالي المعلوم كل من آمن بالله وكتبه ورسله ولم تعرف من حيث كليتها في بادي الرأي بحيث تكون مشرعة لكل خائض وإنما فهمها مخصوص لأهل الخصوص وذلك مثل قوله تعالى﴿ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾  فإن ظاهر هذه الآية الكريمة وإجمالها مما لا يختلف فيه اثنان ولكن لها أفراد كثيرة خالف فيها كثير من الناس مفادها بالنسبة إلى تلك الأفراد، منها اختلاف الأمة في وجوب النص على الخليفة من الله فمخالفونا أنكروا النص ووجوبه ووكلوا نصبه إلى اختيار الناس والخاصة منعوا قولهم وقالوا بوجوب النص عليه من الله وبطلان أن يكون للأمة فيه اختيار فإذا عرض أهل الذكاء القولين على كتاب الله رأوا أن الله حكم بضلالة من حكم بأمر ديني من عند نفسه بغير هدى يأتيه من عند الله فيعلمون أن الحق فيه مع الخاصة دون مخالفيهم وهذا النحو من الاستخراج مما لا يكاد ينبه عليه إلا من وفقه الله بتوفيق خاص من لدنه وقد استدل مولانا الرضا (عليه السلام) بهذه الآية على وجوب النص في تعيين الإمام في الخبر الطويل المروي في الكافي والعيون وغيرهما في وصف الإمام.

ومثل ما ثبت من السنة القطعية أن أسماء الله سبحانه توقيفية فإن ظاهر هذا الحرف مما لا ينبغي أن يتوقف فيه أحد وله أفراد كثيرة لا يلتفت إليها إلا الخواص، منها وجوب النص على الخليفة كما أسلفناه لما ثبت عند أصحاب المعرفة من أن خلفاء الله سبحانه أسماؤه الكونية العينية كما أن الألفاظ أسماؤه اللفظية وهذا أخفى من صاحبه وأدق ولا يكون حجة على الخصم وإنما فائدته زيادة يقين من ظهر له صحة صغرى القياس اللهم إلا أن يكون الخصم مذعنا بالصغرى فإنه حينئذ حجة عليه أيضا ، ومثل القاعدة الكلية المتفق عليها بين الفرقة المحقة أنه لا ينقض اليقين إلا بيقين مثله ولا ينقض اليقين بالشك أبدا فإنها قاعدة معمول بها بينهم في جميع الموارد إلا ما خرج بالدليل القطعي كغيبة الحيوان ولها أفراد خفية لم يتفطن بها كثير من الأصحاب، منها تيقن وقوع طهارة وحدث، والشك في المتأخر منهما، فإن المشهور حكموا بأنه محدث مطلقا لتكافؤ الاحتمالين وبقاء الذمة مشغولة بتكليف الطهارة لعدم تيقن البراءة منه وقيل أنه يأخذ مع علمه بالحالة السابقة ضد ما علمه لأنه إن كان متطهرا فقد علم نقض تلك الحالة وشك في ارتفاع الناقض لجواز تعاقب الطهارتين وإن كان محدثا فقد علم انتقاله عنه بالطهارة وشك في انتقاضها بالحدث بجواز تعاقب الأحداث ، وأورد عليه بأن المتيقن حين ارتفاع الحدث السابق أما اللاحق المتيقن وقوعه فلا، وجواز تعاقبه لمثله مكافئ لتأخره عن الطهارة ولا مرجح، هذا قصارى ما قالوا في المسألة.

وأما الفقيه النبيه فإنه إذا تأمل في المسألة وردها إلى القاعدة المذكورة رأى أن التحقيق خلاف ذلك كله أما ما أورد على القول الأخير فلأن لقائل أن يقول أن وقوع الحدث اللاحق مطلقا غير مضر ليقين الطهارة اللاحقة بجواز وقوعه قبل الطهارة وإنما المضر وقوع الحدث الناقض لها ولا ريب أنه بعد مشكوك فيه للجواز المذكور والناقض المشكوك وقوعه من حيث هو ناقض لا يرفع حكم الطهارة المتيقن الوقوع بالضرورة، والحاصل أن المعترض إن أراد بالحدث المتيقن الحدث الناقض فهو مما لا وجه له لأن المفروض أنه معلوم وإن أراد مطلق الحدث فهو لا يضر يقين الطهارة للشك في انتقاضها به بجواز وقوعه قبلها ولا ينقض اليقين بالشك أبدا، فظهر أن الاعتراض على التفصيل المذكور غير سديد.

وأما أصل المسألة فالتحقيق فيها بعد ملاحظة القاعدة المسلمة المذكورة إن مثل هذا الشاك متطهر مطلقا وذلك لأن المكلف حال إيقاع الطهارة كان على يقين من براءة ذمته من المكلف به وهو مستصحب حتى يثبت زواله بيقين مثله والحدث المتيقن لا يصلح مزيلا له للشك في تأخره عن الطهارة ولا ينقض اليقين بالشك أبدا .

لا يقال إن هذا معارض بمثله وهو أن الحدث متيقن الوقوع والطهارة المتيقنة لا تصلح مزيلة له للشك في تأخرها عنه الموجب للشك في ارتفاعه بها.

لأنا نقول أخطأت فإن الحدث المذكور إنما يجب رفعه على المكلف ثانيا إذا كان معلوم الوقوع بعد الطهارة لا مطلقا وهو بعد مشكوك فيه لا يجب رفعه لأنه مثل صورة يقين الطهارة والشك في وقوع حدث رأسا فكما أنه لا يوجب الرفع ولا ينقض يقين الطهارة الواقعة كذلك هذا لأنه لا يخلو في الواقع من أن يكون واقعا قبل الطهارة أو بعدها وكلاهما لا يوجبان انتقاض حكم الطهارة أما الأول فلأن الحدث السابق لا ينقض الطهارة اللاحقة وهو ظاهر وأما الثاني فلأنه بالنسبة إلى حال المكلف غير معلوم وهو غير مكلف بالواقع ما دام الجهل باقيا بل يجب عليه في مثل هذا الحال استصحاب حكم الطهارة وهو المطلوب، والحاصل أن الحدث ليس بمكلف به وإنما المكلف به الطهارة وقد أتى بها المكلف قطعا والحدث الواقع على النحو المفروض لا أثر له سوى إحداث شك في انتقاضها وقد عرفت أن اليقين لا ينقض بالشك فظهر أن القول المشهور كالقول بالتفصيل بين العلم بالحالة السابقة وعدمه مما لا وجه له فافهم وتبصر فإن التحقيق لهذا المسألة على هذا الوجه مما لا يسبقنا إليه سابق في ما أعلم.

ومثل قوله تعالى ﴿إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر﴾ الآية، فإن مضمون هذه الآية على سبيل الأجمال ظاهر محكم لا تناله أيدي الشكوك والشبهات ولها أفراد خفية لا يلتفت إليها إلا من له قلب سليم.

منها عدم خلو الأرض من حجة لله معصوم حتى يهدي الناس إلى الصراط المستقيم إما ظاهر مشهور وإما غائب مستور، فإن الناس إن كانوا لا يرونه فهو يراهم ويلقي إليهم ما فيه نجاتهم ويسقيهم ما به حياتهم كلا بحسبه فمن صدق وآمن كان له شفاء ورحمة ومن أنكر وكفر كان له هلاكا ونقمة وهو تأويل قوله تعالى﴿ وننزل من القرآن﴾  أي الكتاب الناطق ﴿ ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين﴾  وهو ماء علمه الذي يجريه على أرض القوابل ﴿ولا يزيد الظالمين إلا خسارا﴾  لأنهم يغيرونه بملوحة إنكارهم فيقلب فيهم ماء أجاجا يهلك الحرث والنسل، بخلاف المؤمنين فإنهم يقبلونه على ما هو عليه بفطرتهم الأصلية فينبت في قلوبهم جنات من نخيل وأعناب وفواكه كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة. وقد أشار حجة الله (عج) إلى تصرفه في زمن الغيبة في التوقيع الذي ورد على إسحاق بن يعقوب ورواه الصدوق  في كمال الدين قال (عليه السلام) فيه (وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحاب وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء)،الحديث. فمن أنكر وجوب وجود حجة الله في الأرض فقد قال بأن الله يرضى لعباده الكفر لأنه تركهم سدى مهملين كالغنم المتروكة بغير راع يرعاها ويحفظها من الذئاب، فإن من ترك غنمه كذلك فقد رضي بأن يأكلها الذئب.

فإذا ورد خبر يدل على أن الأرض تبقى بغير حجة معصوم من الله عرفنا أنه موضوع باطل أو مأول إن كان قابلا له وذلك مثل خبر زيد النرسي في كتابه عن محمد بن علي الحلبي عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال : (قلت له : كانت الدنيا قط منذ كانت وليس في الأرض حجة ، قال : قد كانت الأرض وليس فيها رسول ولا نبي ولا حجة وذلك بين آدم ونوح في الفترة ولو سألت هؤلاء عن هذا لقالوا لن تخلو الأرض من الحجة وكذبوا إنما ذلك شيء بدا لله عز وجل فيه فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وقد كان بين عيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فترة من الزمان لم يكن في الأرض نبي ولا رسول ولا عالم فبعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بشيرا ونذيرا وداعيا إليه)  انتهى.

فإن هذا الخبر لا يجوز أن يترك وظاهره لأنه مخالف لنصوص الكتاب وسنن المرسلين إذا عرض عليها بل يجب تأويله بأنه ما كان فيها حجة ظاهرة لا مطلقا ووجه تخطئة من أشار إليهم إنما هو لاعتقادهم أن الحجة يجب أن يكون ظاهرا دائما وإنما لم يصرح بما حملناه عليه مراعاة بحق التقية فإن اعتقاد المخالفين جواز الخلو مطلقا ، وليكون فتنة للذين في قلوبهم زيغ بعد هداية أهل التسليم بنصب بيانات أخر محكمة إلى حقيقة الحق، فافهم. وعلى هذا السياق فابن أمرك في جميع الآيات والأخبار وردها وقبولها.

إن قلت : إن الآية لا تدل على هذا المطلوب لأن في الله تعالى كفاية لهداية الناس فلا يلزم الرضا بكفرهم.

قلنا : هذا مضافا إلى ما قدمنا من عدم أهلية ساير الخلق للتلقي عن الله بغير واسطة إبطال لوجوب بعث الأنبياء رأسا لأنا نقول أما كان في زمن سائر الأنبياء والأوصياء في الله كفاية فلماذا كان يبعث الرسل تترى على الأمم كل حين حتى بلغت زهاء مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا سوى الأوصياء ولم يهدهم الله بنفسه بغير واسطة إن هذا إلا اختلاق.

إن قلت: سلمنا حاجة الناس إلى الرسل ولكنا نقول إن في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفاية لمن يأتي إلى يوم القيامة فلا حاجة إلى إمام حي ناطق إلى قيام الساعة.

قلنا: لو كان في النبي الماضي كفاية ولا يحتاج إلى قيام حجة أخرى مقامه فقد كان يكفي نبي واحد من أول الزمان إلى آخره والباقي فضل وعبث مع أن الله خالفك في ذلك رغما لأنفك وإدحاضا لحجتك ولم يكتف بمائة ولا بألف ولا بعشرة آلاف ولا بمائة ألف حتى عززها بأربعة وعشرين ألفا والحاصل كلما مات نبي أقام مقامه وصيا بعد وصي إلى أن انتهى إلى نبي آخر، هذه سنة الله الجارية في جميع الأزمان ولن تجد لسنة الله تبديلا.

إن قلت : سلمنا ذلك كله ولكنا نقول حسبنا كتاب الله بعده فإنه حجة قائمة ومعجزة دائمة إلى يوم القيامة وفيه تبيان كل شيء.

قلنا  : لو كان في الكتاب الصامت كفاية من دون حافظ له ومبين لما فيه فقد كان يكفي أن ينزله الله إلى الناس بغير نبي مرسل يأتي به ويجعل له علامة يعرفون بها أنه من عند الله فيعلمون به معالم دينهم وإذ لم يفعل الله ذلك بل أنزله على يدي حجة ناطقة تحفظ مبانيه وتبين معانيه علمنا أن الكتاب الصامت بمجرده لا يكفي في هداية الناس بل يحتاج في كل عهد إلى حافظ معصوم منصوص من عند الله لا يغير ما فيه .

إن قلت : إذا كان الكتاب لا يفيد إلا بوجود مبين له فما وجه الحاجة إلى الكتاب فإن في المبين القائم مقام النبي كفاية.

قلنا : أخطأت فإن الكتاب قانون وعلامة أنزله الله على نبيه ليكون آية لنبوته ولكن لما كان الناس ناقصين لا يقدرون على معرفة معانيه وبطونه جعل الله علم ذلك بعد النبي عند مترجم ناطق معصوم ﴿يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾.

هذا ما يقال في الظاهر وأما السر الحكمي فشرحه في الكتاب مما يطول، هذا مع أن نفس الكتاب يداحض قول من يقول حسبنا كتاب الله لأنه ينادي بأعلى صوته إنه ﴿وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم﴾ على تفسير أهل بيت النبوة الذين في بيوتهم نزل الكتاب من عطف﴿الراسخون﴾ على ﴿الله﴾ أن يكون حجج الله ظاهرين مشهورين لأنهم خلفاء الله في أرضه فلهم السلطنة الكبرى والولاية العظمى وإجراء أحكام الله وحدوده في البلاد وإقامة عمود عدله بين العباد، وهو لا يمكن بمقتضى الأسباب الظاهرية التي أمروا أن يجروا عليها لحكم يطول بذكرها الكلام على ما ينبغي إلا إذا كانوا ظاهرين مشهورين يراهم الناس ويلاقونهم ويعاشرون معهم، ووجه ذلك ظاهر لا يحتاج إلى بيان هذا ما تقتضيه الحكمة الإلهية الأولية، ولكن لما كان الله عز وجل خلق الخلق لإيصالهم إلى السعادة الأبدية ولا يكون ذلك إلا بالاستيهال وهو لا يحصل إلا بتكليفهم بما فيه فوزهم بتلك السعادة ولا يجوز التكليف إلا بالاختيار لأن عمل غير المختار كلا عمل، خلق العباد وجعل فيهم آلة الاختيار الصالحة لكل من القبول والإنكار ثم حصرهم بالأمر والنهي بأن وضع لهم قانونا ينتظم به أمر معاشهم ومعادهم ونصب لإجراء ذلك القانون فيهم رؤساء معصومين وأيدهم بآيات باهرة وعلامات ظاهره قطعا لحجج المخالفين وهم الأنبياء والأوصياء القائمون مقامه في الأداء المعدون لإجراء أحكام سلطانه بين عباده ولكن لما كان ظهور هذه السلطنة على ما ينبغي يوجب الإلجاء في التكليف لعدم تمكن النفوس الشريرة حينئذ من إبداء ما في كمونهم من المخالفة والعصيان وفي ذلك بطلان التكليف الموجب للغاية من الإيجاد لفوات الغرض المطلوب منه لما قررنا من توقف حصول ذلك الغرض على الاختيار اقتضت مشية الله العرضية وحكمته الثانوية بالعرض أن يجعل للباطل دولة مقدمة على دولة الحق كما جعل ظهور النفس الحيوانية المنهمكة في الشهوات الحسيه في المولود مقدما على ظهور العقل في قوس الصعود فافهم، فبعث حججه في الناس لا بالسلطنة الإلهية الكلية بل على أن يبينوا لهم ما يتقون ببيان أوامره ونواهيه، أطاعوهم أم عصوهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل بأن يقولوا لو أنك أرسلت إلينا رسولا لاتبعناك واتبعنا رسولك ولا ريب أن هذا الوضع يقتضي أن يكون ظهور الحجج المبعوثين في الناس على حسب ما تقتضيه أحوال المكلفين وأوضاع الأزمنة والأمكنة من النضج والاستعداد وعدمهما وكثرة التابعين وقلتهم إلى غير ذلك من الأسباب الظاهرية فقد يظهرون بالسيف والقهر لكن بحيث لا يبلغ حد الإلجاء والإكراه في الدين وقد يظهرون بعكسه لكن بحيث لا يؤدي إلى كون الحق مغمورا ومستورا بالكلية بأن لا يتبين الرشد من الغي فيكون المكلفون معذورين في ترك أوامره ونواهيه ومن تفكر في أحوال مدينة الكون ومعاملة الله سبحانه مع الناس في بسط الرخاء وإنزال البلاء رأى ما ذكرناه بعين العيان، وأما ظهور السلطنة الكلية فلا مطلقا لأنه موجب للإلجاء إلى أجل معلوم فهي مستورة إلى أن يظهر جميع ما في السرائر من الكامنات ويبلغ الكتاب أجله وعلى هذا جرت سنة الله في بعث الحجج من لدن آدم إلى يومنا هذا كما لا يخفى على من تتبع أحوالهم وسيرتهم بين الناس فمنهم من ظهر مظلوما مقهورا مقتولا ومنهم من غاب عن قومه مدة ثم ظهر كموسى وإبراهيم ويونس وغيرهم (عليهم السلام) ومنهم من ظهر ببعض آثار القهر والسلطنة كسليمان (عليه السلام) وأما السلطان الحق الكلي فلم يقم أحد منهم به إلى الآن ولن تقوم حتى تنقضي مدة الباطل ويخرج ما في الأصلاب والأرحام من الودائع بالكلية،فافهم. ويدل على عدم ظهور سلطنتهم الحقة الأولية في هذه الدورة وأنها موقوفة لميقات يوم معلوم أخبار متواترة غير أنا نكتفي بذكر خبرين منها، تذكرة لمن شاء أن يتذكر.

ففي كمال الدين عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ فقال (والله ما نزل تأويلها بعد ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام) فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى أن لو كان كافرا أو مشركا في بطن صخرة لقالت يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله).  هي.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها ويظهر دين نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على يديه على الدين كله ولوكره المشركون‏) هي.

ولما كان نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم النبيين لا نبي بعده وأوصياؤه (عليهم السلام) خاتمي الأوصياء واقتضت حكمة الخلقة أن تكون أوصياؤه القائمون مقامه محصورين في عدد معلوم لا ينقص ولا يزيد ظهر سائر أوصيائه بين الناس على سنة الأولين إتماما للحجة وإيضاحا للمحجة لئلا يقول الناس لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك إلى أن انتهى الأمر إلى خاتمهم وهو مهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فدار الأمر فيه بين أن يقوم بالسلطنة الإلهية الكلية في غير أوانها فيكره كل من يخالفه على دين الحق فيبطل الاختيار ويقتلهم فيضيع ما في الأصلاب والأرحام من الودائع إلى يوم الوقت المعلوم فتكون حجة الله غير تامة والتكاليف ناقصة وكل ذلك خلاف حكمة الخلقة التي قررناها وبين أن يظهر فيهم بالمظلومية والمقهورية على سبيل آبائه الطاهرين ولا ريب أن النفوس الشريرة حينئذ ما كانت لتتركه على ما هو عليه خوفا على سلطنتها الباطلة فكانت تهم بقتله ودفعه كما همت بقتل آبائه الطاهرين (عليهم السلام) فإن كان هو لا يمكنهم من ذلك كان يعود المحذور الأول وإن كان يمكنهم منه كانت تبقى الأرض بغير حجة لأنه خاتم الحجج وليس بعده من يقوم مقامه وكان في ذلك خراب العالم لعدم تمام حجة الله بالإمام الميت وإلا لكان في أبي البشر كفاية إلى يوم القيمة فاقتضت الحكمة الثانوية بحكم الوضع أن يغيب شخصه النوراني مدة عن أبصار الناس فلا يروه  رؤية معرفة ولا تصل إليه أيدي الأعداء وإلى هذا المعنى أشير بما في الأخبار من أنه (عليه السلام) إنما غاب لأنه خاف على نفسه.

ففي الكافي محمد بن يحيي عن جعفر بن محمد عن  الحسن بن معاوية عن عبد الله بن جبلة عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال سمعت أبا عبد الله  (عليه السلام) يقول (إن للقائم غيبة قبل أن يقوم إنه يخاف وأومأ بيده إلى بطنه يعني القتل).

وفيه عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن أبيه عن محمد بن عيسى عن ابن بكير عن زرارة مثله بأدنى تفاوت.

ويأتي أخبار أخر في هذا المعنى آنفا إن شاء الله تعالى هذا مضافا إلى ما في غيبته من المصالح والحكم الخفية والجلية منها التمحيص والابتلاء وتمايز الخبيث من الطيب كما ورد به التصريح في أخبار متواترة معنى . 

 منها ما في الكافي عن علي بن محمد عن الحسن بن عيسي بن محمد ابن علي بن جعفر عن أبيه عن جده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر (عليه السلام) قال (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم عنها أحد يا بني إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به إنما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه لو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه قال فقلت يا سيدي من الخامس من ولد السابع فقال يا بني عقولكم تصغر عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه).

وفيه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نجران عن محمد ابن المساور عن المفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : (إياكم والتنويه أما والله ليغيبن إمامكم سنينا من دهركم ولتمحصن حتى يقال مات قتل هلك بأي واد سلك ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ولتكفؤن كما تكفأ السفن في أمواج البحر فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أي من أي قال فبكيت ثم قلت فكيف نصنع قال فنظر إلى شمس داخلة في الصفة فقال يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس  ؟قلت نعم فقال والله لأمرنا أبين من هذه الشمس).

وفيه علي بن إبراهيم عن الحسن بن موسى الخشاب عن عبد الله بن موسى عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)  يقول:(إن للغلام غيبة قبل أن يقوم ، قال : قلت ولم ؟ قال : يخاف وأومي بيده إلى بطنه ثم قال يا زرارة وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته منهم من يقول مات أبوه بلا خلف ومنهم من يقول حمل ومنهم  يقول إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون حينئذ يا زرارة ، قال : قلت جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شي‏ء أعمل ؟ قال : يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني. ثم قال يا زراره لا بد من قتل غلام بالمدينة قلت جعلت فداك أ ليس يقتله جيش السفياني ؟ قال لا  ولكن يقتله جيش آل بني فلان يجيء حتى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لا يمهلون فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله).

وفيه علي بن محمد عن عبد الله بن محمد بن خالد قال حدثني منذر بن محمد بن قابوس عن منصور بن السندي عن أبي داود المسترق عن ثعلبة بن ميمون عن مالك الجهني عن الحارث بن المغيرة عن الأصبغ بن نباتة قال أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام)  فوجدته متفكرا ينكت في الأرض فقلت يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكرا تنكت في الأرض أ رغبة منك فيها ؟ فقال لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قط ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون فقلت يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين فقلت وإن هذا لكائن  ؟ فقال نعم كما أنه مخلوق وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة فقلت ثم ما يكون بعد ذلك ؟ فقال ثم يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات).

انتهى ما أردنا نقله من الأخبار، وهذا كله بعد أن أخبر عن غيبة الحجج السابقين (عليهم السلام) قطعا للجاج المنكرين لمولده وبقائه مدة طويلة وبعد أن أظهر أبوه الحسين سيد الشهداء (عليه السلام) وروحي له الفداء بإظهار الدعوة وعدم إجابة الناس له وأدائه إلى القتل ونهب الأموال وسبي الذراري عذر جميع من أتى بعده من الأئمة (عليهم السلام) في قعودهم في البيت أو غيبتهم عن أعين الناس فلا حجة للناس على الله في غيبته بوجه من الوجوه وإنما الحجة لله على الناس في ذلك لأنه إذا أتم نعمته عليهم وهم كفروا بها فسلبها عنهم فأي حجة تكون لهم على الله. إن قلت إذا كان سبب غيبته المخالفون فما ذنب المؤمنين حيث حرموا عن مشاهدته وفاتتهم منافع كثيرة بسبب غيبته والله تعالى يقول ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾‏‏ .

قلنا: إذا كانت الدولة للباطل لاقتضاء الحكمة الإلهية ذلك فيجب على المؤمن الممتحن الرضاء بقضاء الله والإقتداء بساداته في تحمل المشاق والمصائب والصبر على البلايا والنوائب وأما ما يفوتهم من المنافع فسيعوضهم الله عليها في دولة الحق ويوم الجزاء أضعافا مضاعفة وناهيك بشارة في المقام في الدلالة على هذا المرام ، حديث طويل عن أبي عبد الله (عليه السلام) يعجبني إيراده بطوله لما فيه من ربط القلوب وانشراح الصدور ودفع بعض الوساوس والشبهات السابقة إلى أذهان أهل القصور .

ففي الكافي الحسين بن محمد الأشعري عن معلى بن محمد عن علي بن مرداس عن صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار الساباطي قال : (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أيما أفضل العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر ، فقال : يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية و كذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم‏المستتر في دولة الباطل وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممن يعبد الله عز وجل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق و اعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستتر بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة ومن صلى منكم صلاة فريضة وحده مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله عز وجل بها له خمسا وعشرين صلاة فريضة وحدانية ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها كتب الله له بها عشر صلوات نوافل ومن عمل منكم حسنة كتب الله عز وجل له بها عشرين حسنة ويضاعف الله عز وجل حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه وأمسك من لسانه أضعافا مضاعفة إن الله عز وجل كريم قلت جعلت فداك قد والله رغبتني في العمل وحثثتني عليه ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن على دين واحد فقال إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عز وجل وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كل خير وفقه وإلى عبادة الله عز ذكره سرا من عدوكم مع إمامكم المستتر مطيعين له صابرين معه منتظرين لدولة الحق خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة تنتظرون إلى حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف مع عدوكم فبذلك ضاعف الله عز وجل لكم الأعمال فهنيئا لكم قلت جعلت فداك فما ترى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أصحاب دولة الحق والعدل فقال سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصون الله عز وجل في أرضه وتقام حدوده في خلقه ويرد الله الحق إلى أهله فيظهر حتى لا يستخفى بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق أما والله يا عمار لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد فأبشروا). 

هذا حال المؤمنين الكاملين وأما الناقصون فهم أيضا من المقصرين في أداء حقهم (عليهم السلام) الموجب لاستتار الحق والخيبة عن لقاء إمامهم وفوات كثير من المنافع والبركات عنهم كما أشاروا (عليهم السلام) إلى ذلك في عدة أخبار.

 منها ما في الكافي محمد بن الحسن وعلي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن سدير الصيرفي قال : (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)  فقلت له والله ما يسعك القعود فقال ولم يا سدير؟ قلت لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك والله لو كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما لك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي فقال يا سدير وكم عسى أن يكونوا قلت مائة ألف قال مائة ألف قلت نعم ومائتي ألف قال مائتي ألف قلت نعم ونصف الدنيا قال فسكت عني ثم قال يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع قلت نعم فأمر بحمار وبغل أن يسرجا فبادرت فركبت الحمار فقال يا سدير أ ترى أن تؤثرني بالحمار قلت البغل أزين وأنبل قال الحمار أرفق بي فنزلت فركب الحمار وركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة فقال يا سدير انزل بنا نصل ثم قال هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء ونظر إلى غلام يرعى جداء فقال والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود ونزلنا وصلينا فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر)هي.

وفيه علي بن محمد ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعا عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي قال : (سمعت أبا جعفر (عليه السلام)  يقول : يا ثابت إن الله تبارك وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين فلما أن قتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة فحدثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال أبو حمزة اجف حدثت بذلك أبا عبد الله (عليه السلام)  فقال قد كان كذلك) هي.

وفي الاحتجاج للطبرسي رحمه الله في توقيع ورد عن حجة العصر (عج) على الشيخ  السديد محمد بن محمد بن نعمان المفيد قدس الله سره العزيز يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة الحرام  سنة اثنتي عشرة  وأربعمائة ما هذا لفظة المبارك (ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولانؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلواته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة) انتهى التوقيع الشريف.

فانظر أعزك الله في هذه الأخبار وتأمل في مضامينها حتى تعلم أن الله تعالى لم يترك حجته بمحتج وأن الناس إنما أتوا بما أتوا بتقصير من قبلهم وكيف لا والله سبحانه يقول وقوله الحق ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾‏ الآية.

نعم لما كانت الضرورات إنما تقدر بقدرها وليس له (عليه السلام) مانع من التصرف الباطني فيجب في الحكمة أن لا يقطع ذلك النوع من التصرف عنهم على حسب ما تقتضيه قوابلهم وهو تسديد المؤمنين المقبلين في أمور دينهم ودنياهم على قدر إقبالهم وتخلية المنكرين المدبرين كذلك على قدر إدبارهم كما ورد التصريح والإشارة على هذا المعنى في عدة أخبار بلغت حد التواتر.

منها في التوقيع الوارد على المفيد قدس سره في سنة عشر وأربعمائة المروي في الاحتجاج بما هذا لفظة المبارك (نحن وإن كنا ناءين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فأنا نحيط علما بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم) إلى أن قال (عليه السلام) (إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء) الخبر.

ومنها في الحديث المروي في الكافي بسنده عن أبي إسحاق السبيعي عن بعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ممن يوثق به أن أمير المؤمنين‏ (عليه السلام) تكلم بهذا الكلام وحفظ عنه وخطب به على منبر الكوفة (اللهم إنه لا بد لك من حجج في أرضك حجة بعد حجة على خلقك يهدونهم إلى دينك ويعلمونهم علمك كيلا يتفرق أتباع أوليائك ظاهر غير مطاع أو مكتتم يترقب إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون) الخطبة.

ومنها في الحديث المروي في كمال الدين عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن قال جابر : (يا رسول الله فهل ينتفع الشيعة به في غيبته فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب يا جابر هذا مكنون سر الله ومخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله) الحديث .

ومنها في الكتاب المذكور في حديث الأعمش عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) إلى أن قال (عليه السلام) (ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ولو لا ذلك لم يعبد الله قال سليمان فقلت للصادق (عليه السلام) فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور قال كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب) .

واعلم إنا لو أردنا استيفاء الأخبار في هذا الباب لخرجنا عن وضع الكتاب ولعل في الإشارة بهذا المقدار كفاية لطالب الهداية فظهر بحمد الله وتبين أن القول بعدم كفاية الإمام الغائب في تمام الحجة من الله على الخلق كما زعمته طائفة من أقشاب العامة غلط بحت نشأ من عمى أبصارهم في معرفة الحكم الإلهية وإلا فقد أودع الله نظير ذلك وآيته في أنفسهم ولكنهم لا يبصرون وهو أنه تعالى ركز في كل من المكلفين عقلا جعله حاكما على جميع قواه وأعضائه وحجة ورسولا إليه من قبل حجج العالم الكبير يأمر رعيته قواه ومشاعره بالعدل والإحسان فإذا لم يطع المكلف أحكامه وستره بأغشية دواعي الجهل باختياره ورضا بسلطنة الإمارة في مدينة بدنه واستعمال مشاعره وقواه في حوائجها الباطلة فاعتزل العقل عنه بعد إتمام الحجة مع وجوده فيه فأي حجة له على الله في ذلك وهذا هو بعينه نظير غيبة إمام العصر في العالم الكبير حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، وشبهة لزوم تعطيل الحدود والقضاء بين الناس في المنازعات شبهة تشبه الهذيان لأنهم إن أرادوا به تعطيلها بين الملل الخارجة عن الحق فهي معطلة بينهم من بدء النسل إلى يومنا هذا مع كون حجج الله سبحانه ظاهرين مشهورين في عالم الحس والسر فيه ما أشرنا إليه من عدم ظهور السلطنة الكلية الإلهية مادام للباطل مهلة وإبليس اللعين من المنظرين وعدم المصلحة في ظهورها لاستلزامه الإلجاء في التكليف فكيف بحال غيبتهم كزمن فرعون قبل ظهور موسى على نبينا وآله وعليه السلام وغرقه في بحر نيل وزمن نمرود قبل ظهور إبراهيم عليه وعلى محمد وآله والصلاة والسلام وهلاك نمرود وزمن الفترة بين عيسى وبين نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسائر أزمنة الفترة التي كانت الأوصياء فيها غائبين مغمورين غير متمكنين من إظهار الحق وإجراء الحدود الإلهية كما هو ظاهر لمن تتبع السير والآثار مع تمام حجة الله عليهم إما بالدعوة السابقة وإما بالحاضرة .

وبالجملة تعطيل الحدود إنما يقبح إذا كان بإهمال من قبل الله سبحانه لا بتقصير من قبل الناس من عدم إطاعتهم للأنبياء وأسباط الأنبياء فليس تعطل الحدود بين المخالفين للحق بشيء بدع منحصر في زمن غيبة مهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى آبائه الطاهرين حتى يكون هذا موجبا لإنكار وجوده وعدم جواز غيبته ، اعتبر بأحوال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في زمن بعثته وأخبرنا متى أجرى الحدود الشرعية في الملل المخالفة الساكنة في أقطار الأرض وكذا القائمون مقامه من الخلفاء بزعمكم فإن كان تعطل الحدود على هذا النحو دليلا على بطلان الإمامة فعلى بطلان النبوة بطريق أولى وإلا ففي هذا وذاك والوصي أعذر وإن أرادوا به تعطلها بين المؤمنين بالإمام الغائب والتابعين له في الأحكام فكلا لأن علومه مبثوثة بينهم كما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة التي ذكرناها قبل هذا وقد نصب فيهم نوابا جزئية يجرون فيهم أحكامه وحدوده وهو من ورائهم حفيظ يسددهم ويؤيدهم وأمر سائر رعيته بالرضا بهم حكما فهم يقومون بأمره إذا تمكنوا من ذلك ولا ضير فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قاعدا في المدينة وماكان يجري الحدود في الأمصار التي كانت تحت سلطنته بنفسه وإنما كان يجريها حكامه وعماله المنصوبون من قبله فهب أن إمام العصر قاعد في بلد من البلاد ونصب في سائر البلاد حكاما لإجراء أوامره ما أمكن فلا فرق بينه وبين كون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة ونصبه عمالا وحكاما في الأطراف بوجه وإن لم يتمكنوا منه أيضا من قبل التابعين وإما بمانع قهري من قبل المخالفين والكفار الظالمين فليكن هذا أيضا معطوفا على سائر المظالم والاختلالات الواقعة في العالم وانعدام سلك النظام الحق الأتم بسبب غلبة الباطل وانغمار الحق فإنه ليس بأول قارورة كسرت في الإسلام ولا بأفظع وأعظم من قتل الحسين سيد الشهداء (عليه السلام) وقيام مثل يزيد العتل الزنيم الشارب للخمور الفاعل للفجور على رؤوس الأشهاد مقام النبي الهاشمي المبعوث من قبل رب السماوات والأرض لهداية الناس وخطاب هذا الخلق المنكوس له بإمرة المؤمنين من غير نكير وائتمامهم به في الجمعة والجماعة في قبال رب العالمين وجلوسه مجلس الحكم وإجراء الحدود بين أمة خاتم النبيين وهو بعد لم يغسل فرجه من جنابة وقاع عمته المتعوسة المنكوسة ولا فاق من نجاسة الخمور المنتنة المنحوسة وقعود مثل الإمام الهمام علي بن الحسين مفخر العابدين وسيد الساجدين عليه أفضل صلوات المصلين في بيته وعدم تمكنه من إظهار الحق إلا بالكتمان والتقية ، الحكم لله العلي الكبير فأخبرني أيها الرجل المتسنن بالسنة النبوية المتشرع بالشريعة الأحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) المدعي لعدم كفاية الإمام الغائب في نظام العالم وصلاح حال الرعية تشبثا بلزوم تعطل الحدود والأحكام الموجب لاختلال النظام أي حدودكم  عطل الآن وهو قد كان  قائما بخلافة نجل الهاوية يزيد بن معاوية ومن بعده من أمراء الأموية والعباسية ولعلك تريد بقيام الحدود وجريان الأحكام في زمانهم جلوس خلفائهم في مجالس اللهو والفسوق والفجور وصرفهم لأقداح الخمور وضربهم للعيدان والطنبور ورقص الفواحش بين أيديهم بألحان الغناء وركوبهم ظهور الغلمان في الخلاء والملاء وتقسيمهم لفيء آل الرسول وسائر المسلمين بين العمال والوزراء الفسقة الفجرة على حسب أهوائهم الفاسدة وإبطالهم لحقوق المظلومين باقتضاء آرائهم الكاسدة وفتوى فقهاء زمانهم على وفق ما يميل إليه أمراؤهم وأركانهم ويشتهيه خليفتهم وسلطانهم فاعتبروا يا أولي الأبصار فإن فيه تذكرة وذكرى لأولي الألباب ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .

فتحصّل من جميع ما ذكر أن تمام حجة الله على الخلق ليس مما لابد فيه من كون الحجة ظاهرا مشهورا يراه الناس ويعاشرونه بل قد يكون بذلك وقد يكون بالغيبة والاستتار إذا اقتضى وضع العالم ذلك وشبهة لزوم اختلال نظام العالم بغيبة بعض باطل وترهيب مجتث زائل.

لأنا نقول إنما يقبح اختلال نظام العالم إذا كان من قبل الله تعالى ابتداء من غير سبب موجب له من قبل المكلفين وأما إذا كان لسبب من قبلهم والله سبحانه لم يجبرهم على الطاعة والمعصية تحقيقا للاختيار والاختيار إلى أجل معلوم فأي قبح يلزم من ذلك بالنسبة إلى الله تعالى إن هذا إلا اختلاق ،نعم إنما يلزم القبح لو كان الله سبحانه لم ينصب لهم حجة أو نصب ولم يهدهم إليه بآيات وعلامات باهرة لا ينكرها إلا كافر مباهت وأما إذا فعل ذلك كله ودلهم على سبب سلب نعمة لقائه (عليه السلام) عنهم وبين لهم ما يستأهلون به السعادة والتشرف بلقائه والأخذ من فواضل نعمائه وهم لم يقبلوا ذلك منه بل عكفوا على ما هم عليه من التمادي في الغي والعدوان والكفر والعصيان فبماذا يحتجون على الله في تركهم وتخليتهم واختلال نظام أمور معادهم ومعاشهم بذلك ولنعم ما قال محمد الحافظ الشيرازي بالفارسية:

توبة تقصير خـود افتـادى ازين در محـروم         

از كـه مـيـنـا لــي وفريـاد جــرا مـيـدارى    

فتم الاستدلال بالآية بحمد الله على وجوب وجود الحجة وعدم جواز خلو الأرض منه قط على أتم وجه ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وإنما أطلنا الكلام في بيان هذا المرام مع أن المقام لا يقتضي ذلك لداع دعاني إليه وهو أني رأيت أن هذه الشبهة قد سرت من العامة في طائفة من القاصرين من الإمامية من أهل زماننا هذا غير أنهم لما كان لامناص لهم من الاعتقاد بوجود حجة الله (عج) وغيبته زادوا في الطنبور نغمة أخرى بأن سلموا على العامة عدم كفاية الإمام الغائب عن الأبصار في قوام العالم واستدركوه بوجوب وجود حجة حي ظاهر في الأرض قائم مقام الغائب وبدل عنه بدل كل من الكل حتى يمكن أن يفيد فائدته ويؤدي وظيفته من جميع الوجوه فبعثهم هذا الوهم الفاسد والزعم الكاسد إلى أن تركوا الأوطان والعيال وخرجوا يجوبون البيد والجبال رجاء أن يفوزوا بلقاء شخص هذا الإمام المختلق الموهوم فأحس منهم أثر الحماقة بالكياسة سامري قد كان عجنت طينته قديما بحب الرئاسة فأخرج لهم من غلمان فارس عجلا جسدا له خوار فظل هؤلاء الأنعام بين يديه ساجدين وعلى عبادته عاكفين حتى أشهر أمره في أقطار البلاد ولباه كل من كان في قلبه زيغ من الزندقة والإلحاد ولما رأى العجل هؤلاء الحمير يهرعون إليه من كل جانب أخرج لهم كتابا موضوعا زعم أنه الكتاب المخزون عند الحجة الغائب ولكنه لعدم ربطه في القواعد العربية وعيبه في معرفة العلوم الدينية الإلهية قد كان خرج من البدو إلى الختم ملحونة الألفاظ والمعاني منخرمة القواعد والمباني ومع ذلك كله تلقاه الحمير بالقبول من غير نكير واعتذروا عن لحن الألفاظ باتساخ قواعد العربية وعن لحن المعاني بقصور أفهام البرية عن معرفة حقائقها الخفية وبين هذا وذا كلفوا الناس بالتصديق بما فيه والإيمان بظاهره وخافيه فيا لها قصة في شرحها طول وبقي على تلك الحال مدة إلى أن أخذ وحبس وأدخل بلد تبرير ففضحه الله بيد الوالد العلام حجة الإسلام أعلى الله مقامه ورفع في الخلد أعلامه بالمحاورة العلمية ثم بالحكم بصلبه وقتله بعد إتمام الحجة وإصراره على غيه وجهله ودعواه صريحا أنه القائم المنتظر ، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ، فرأيت أن أبسط القول في الجملة في بيان سر الغيبة حيث وجدت إليه طريقا من المثال لكيلا يغتر من يقف عليه بأمثال هذه الشبهات السفسطية والأضغاث المغلطية فيخر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ولنرجع إلى ما كنا بصدده.

فنقول واعلم أنه قد يكون بعض الأمور من لوازم محكمات الكتاب والسنة الخفية بحيث لا يتنبه على ملازمته كل أحد وذلك كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المجمع عليه بين الفريقين (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا)  فإن من لوازم مضمون هذا الخبر وجوب عصمة العترة ولكن أكثر الناس لا يعلمون ووجه اللزوم أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حكم بنفي وقوع من تمسك بهم في الضلالة نفيا مؤبدا ولا ريب أن  هذا لا يكون إلا بأن يكون المتمسك به معصوما لأن غير المعصوم يمكن أن يخطئ أو يتعمد فيوقع من تمسك به في الضلال فثبت عصمة أهل البيت (عليهم السلام) بالخبر المجمع عليه فإذا قال قائل بعدم عصمتهم أو ورد خبر يوهم ذلك وعرضناه على سنة الرسول القطعية عرفنا أنه مردود مطروح ومن هذا القبيل احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على الأول في أمر فاطمة (عليه السلام) حيث قال له (أخبرني عن قول الله عز وجل﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ فيمن نزلت فينا أم في غيرنا قال بل فيكم قال فلو أن شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بفاحشة ما كنت صانعا بها قال كنت أقيم عليها الحد كما أقيمه على نساء المسلمين قال إذن كنت عند الله من الكافرين قال ولم قال لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها)  الحديث رواه في الاحتجاج عن الصادق (عليه السلام) ‏وعلى مثل هذه الدلالات فابن أمرك في كل ما يرد عليك من الآيات والأخبار والأقوال والمذاهب هذا هو معنى كون الكتاب والسنة ميزانين توزن بهما متشابهات الأمور وبالتأمل فيما قررناه تعرف وجه اندفاع إشكالات أوردت في هذا المقام .

منها أنه إذا كان في الكتاب والسنة القطعية نص على أمر من الأمور فأي حاجة لنا إلى خبر يعرض عليهما ووجه الاندفاع بوجهين.

أحدهما: إنه إذا أورد عليك خصمك خبرا أو قولا في أمر من الأمور وعرضته عليهما فرأيته يخالف ما تضمناه بعينه رددته وأبطلت قوله بذلك فانقطع حجته وذلك كالخبر المكذوب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)  ورد فاطمة (عليه السلام) له بقوله تعالى عن زكريا ﴿فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب﴾الآية، وقوله سبحانه ﴿وورث سليمان داوود﴾  فإن قوله سبحانه سيف قاطع في رد ذلك الحديث المفترى كما تبصر وترى .

وثانيهما: إن من الأخبار والأقاويل ما ليس في ظاهر الكتاب والسنة ما هو نص في مضمونه بعينه بل هو إما من أفراد وفروع ما فيهما وإما من لوازمها وربما يكون الفرع أو اللازم مما يخفى فرعيته أو لزومه على أكثر الأنظار فيحتاج إلى التأمل والاستيضاح والتنبيه ففائدة الخبر التنبيه على تفاصيل وفروع ما تضمنه الكتاب والسنة على الإجمال .

وبالجملة الأخبار الصادقة بيانات لفروع الأصول الثابتة في الكتاب والسنة وإنما يتنبه عليها المستوضح إذا عثر على خبر عن المعصومين (عليهم السلام) أو على قول من نفثوا في روعه شيئا من علومهم نعرف به بعض حقائق الكتاب والسنة ومن هذا الباب ما مثلنا به من استلزام قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا) وجوب عصمة العترة فإنه أمر ربما لا يلتفت إليه المستوضح فإذا نبهه من استوضح ذلك عرفه وعلم بتفرعه على ذلك الأصل القطعي فيقبله أو انقطعت حجته إن كان ممن يعاند الحق فالرجل المؤمن بالله إن كان من أهل  الاستيضاح عرض الخبر إذا سمعه على الأصول القطعية من الكتاب والسنة فيعتقد مضمونه إن وجده موافقا لشيء منها ويرده إن وجده مخالفا  وإن لم يكن من أهل ذلك فما رآه في الأخبار المعصومية أو في كلمات أهل الاستيضاح من بيان ذلك وتنبه منه على تفرعه على تلك الأصول قلبه وعقد ضميره عليه وكلما لم يجد في شيء من ذلك بيانه ولم يتنبه هو بنفسه عليه فيذره في سنبله ويرد علمه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر ولا يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ولا ينكر بما لم يحط بعلمه خبرا ولا يجعل عقله الناقص وفهمه القاصر إماما يقتدى به في تميز الأمور المتشابهة ولا يدري لعل الحديث من عندهم خرج وإليهم أسند فيكون بذلك خارجا عن ولايتهم ودينهم وداخلا تحت قوله تعالى ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله﴾ .

ومنها أن المستفاد من هذا التفصيل أن صحة الخبر وفساده إنما يعرف بالعرض على الكتاب فإذا شهد الكتاب بتصديقه وجب قبوله وإلا رد ويرد عليه شيئان .

أحدهما: إن احتجاجات أئمتكم (عليهم السلام) في الرد على مخالفيهم في ترك القول بالحجة من الله وقولهم كفانا كتاب الله لأن فيه جميع ما يحتاج إليه الخلق من أمور دينهم ودنياهم وإلزاماتهم (عليهم السلام) لهم لوجوب القول بالحجة هو أن الكتاب صامت يحتاج إلى ناطق به عن الله تعالى لأنه يحتمل وجوها كثيرة لا تكاد تنضبط حتى أن السنوي والدهري والمجسم وغير ذلك يستدلون به وما كان هذا حاله لا يجوز أن يكون حجة الله على خلقه لأنه بنفسه من دون ناطق به لا يقيم حجة ولا يدفع شبهة فلا بد من إمام ناطق به يبين محكمه من متشابهه ومجمله من مبينه وناسخه من منسوخه وينقطع الخصم بهذا لأن الكتاب الناطق هو مبين للكتاب الصامت حتى أن الناطق ليأول الكتاب ويصرفه في مواضع عن ظاهره إلى ما يخالف الظاهر بل إلى ما لا يجوز في اللغة ولا العقول ويخبر بنسخ آية وثبوت حكم آية نسخت تلاوتها ويجب منه قبول ذلك كله لأنه معصوم عن الخطأ والجهل بأحكام الله وقد قامت الأدلة القاطعة على ذلك وشهدت له المعجزات الخارقة فتكون على هذا تتوقف معرفة صحة دلالة الكتاب الصامت على قوله فلو توقفت معرفة صحة دلالة الخبر على الكتاب دورا ظاهرا.

وثانيهما: إن الأخبار عن النبي والأئمة (عليهم السلام) متواترة معنى على أن (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار).

فإذا كان المعنى المستفاد من القرآن لابد من أن يكون مسموعا من الأخبار فكيف تكون صحة الأخبار إنما تحصل بشهادة الكتاب لها وإن هو إلا كالأول في الدور وأنت إن تأملت فيما قررناه من طريق عرض الأخبار على الكتاب سهل عندك حل هذين الإشكالين ولنزد هنا بيانا ينكشف به عندك ما لعله يخفى عليك هناك .

فنقول : إن الكتاب آية من آيات الله عز وجل وقد جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من عند الله وهو مشتمل على معاني جميع ما في الوجود إلا أن اشتماله على أنحاء منها بالتنزيل ومنها بالتأويل ومنها بالظاهر وظاهر الظاهر إلى سبع أو سبعين ومنها بالباطن وباطن الباطن كذلك ومنها بالمطابقة ومنها بالتضمن ومنها بالالتزام ومنها بالتصريح ومنها بالإشارة ومنها بالرمز ومنها بالمنطوق ومنها بالمفهوم ومنها بالعموم ومنها بالخصوص ومنها بالكلمات ومنها بالحروف ومنها بالعدد ومنها بالحقيقة ومنها بالحقيقة بعد الحقيقة إلى غير ذلك من أنحاء الدلالات التي لا تكاد تحصى.

وبالجملة هو على طبق الكتاب التكويني ولذا كان فيه تبيان كل شيء فانظر إلى العالم التكويني وإلى ما بين أجزائه من النسب في النظم والترتيب تعرف في الجملة ما اشتمل عليه الكتاب التدويني من المعاني وكيفية اندراجها فيه ونسبة بياناتها بعضها إلى بعض ولذا كان القرآن أبعد غورا من أن تناله العقول على الكمال إلا عقول الراسخين في العلم الذين أشهدهم الله خلق السماوات والأرض وخلق أنفسهم صلى الله على محمد وآله ولما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجب عليه أن يبينه للمكلفين كل على حسب أهليته واستعداده وكذا من بعده الحجج القائمون مقامه الحاملون لكتابه العاملون بخطابه ولكن لما كان معاني الكتاب على قسمين قسم منها ظاهر لا يجهله أحد من أهل اللسان إذا سمعه إما من مجرد اللفظ وإما باحتفافه لقرائن قطعية وكان ذلك الظاهر مراد الله تعالى فاكتفى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصياؤه (عليهم السلام) من بيان تلك الظواهر على فهم أهل اللسان فأقروهم عليه ولم ينصبوا لهم دلالة معتبرة تصرفهم عن ذلك فكان ما هذا سبيله من المعاني حجة معتبرة تعرض عليها الأخبار ويعرف بها الصحيح منها من السقيم وقسم منها خفي لا يعثر عليه من عداهم إلا بتنبيه وبيان منهم (عليهم السلام) فهذا القسم منه ما بينوه بالبيان المتواتر لفظا أو معنى ومنه ما بينوه بالإجماع القطعي ومنه ما بينوه بالآحاد المحفوفة بالقرائن العلمية ومنه ما بينوه بإلهام خاص لمن أخلص لله العبودية من قوله تعالى ﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾  وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ليس العلم بكثرة التعلم بل هو نور يقذفه الله في قلب من يحب فينشرح فيشاهد الغيب وينفسح فيحتمل البلاء قيل وهل لذلك من علامة يا رسول الله؟ قال التجافي عن دار الغروروالإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حلوله) بيد أن هذا الأخير مخصوص لمن ألهم به ونظائر ذلك من طرق اليقين فهذا القسم من الكتاب أيضا بجميع أصنافه محكم تعرض عليه المتشابهات من الأخبار والأقوال لأنه مما ظهر معناه وأحكم مبناه ومنه ما بينوه بيانا لا يفيد القطع لكل أحد فهو موكول على فهم المستوضح فإن حصل له منه القطع بأسباب لم تحصل تلك الأسباب لغير ذلك المستوضح فهو أيضا بالنسبة إليه لاحق بالأقسام المذكورة فإن كان مما يمكن تنبيه الغير أيضا عليه وإثباته له فهو دليل الإذن في الإظهار وإلا فهو مما أمر بكتمانه، ومنه ما هو مخزون عندهم لم يوموا إليه بعبارة ولا بإشارة لعدم احتمال غيرهم ذلك وإلى ذلك القسم أشاروا بقولهم ( إن من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد مؤمن قلت فمن يحتمله قال نحن نحتمله) وقال الصادق (عليه السلام) لما فسر الصمد من سورة الإخلاص(لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدين والشرائع من الصمد وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح مني علما جما هاه هاه ألا لا أجد من يحمله ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة (لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) الحديث فالكتاب والسنة صاحبان مصطحبان وإلفان مؤتلفان جمعا فاجتمعا لا يصلحان إلا معا ولذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) في الكتاب والعترة (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) فمتشابهات الأخبار ومردودها ومقبولها تعرف بمحكماتها ومحكمات الكتاب وهي التي عرفت معانيها بأحد طرق اليقين التي أشرنا إلى بعض منها بالإجمال ومتشابهات الكتاب تعرف بمحكماتها المشار إليها ومحكمات السنة فهذا المراد باحتياج الكتاب الصامت إلى الناطق وبيانه وبعرض الأخبار على الكتاب من غير لزوم دور في البين لاختلاف الجهتين فليس كل الكتاب مما تعرض عليه الأخبار لأن منه آيات محكمات بالنسبة إلى سائر المكلفين وأخر متشابهات كذلك والمتشابه في نفسه يحتاج إلى البيان والرد إلى المحكمات فكيف يكون ميزانا لغيره وكذا ليس كل السنة مما تعرف به معاني الكتاب عندهم لأن منها أيضا متشابهات تحتاج إلى الرد إلى المحكمات ومشكوكات تحتاج إلى عرضها على الكتاب والسنن القطعية ليعرف به الصدوق من الكذوب فاندفع الإشكال بحمد الله بما لا يعتريه ريب وظهر أنه قد أفرط الإخباري في ذلك حيث نفى حجية الكتاب بالكلية إلا بورود نص صريح في بيان كل آيه لما قررنا من أن جملة طرق البيان تقريرهم (عليهم السلام) للمكلفين على ما يظهر من اللفظ وعدم نصبهم لعلامة صارفة لهم عن ذلك وشبهة  احتمال نصب العلامة وعدم عثورنا عليها شبهة شيطانية لأنا نقول إذا استفرغ الطالب وسعه في فهم مراد الله سبحانه وطلب العلامة فلا بد من أن يقف عليها وإلا لارتفع التكليف أو كان الله مغريا بالباطل وكيف وحجة الله حي موجود لم يتركنا سدى مهملين إذا تمسكنا وهو وجه قولهم (عليهم السلام) في عدة أخبارإن الأرض لا تخلوا إلا وفيها إمام كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا شيئا أتمه لهم.

ولو أن الإخباري عمم وأوسع دائرة البيان حتى يشهر التقرير للغاية لكان مستظهرا على الأصولي بما لا محيص لهم عنه مع إبقائه الأخبار الواردة في عدم جواز القول في القرآن إلا ببيان من العترة (عليهم السلام) على عمومها وإطلاقها كما فرط الأصولي حيث نفى حاجة نصوص الكتاب وظواهرها إلى بيان أهل بيت الوحي من آل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين حتى أن بعض أصحابنا من أهل الأصول تجاوز الحد في ذلك وقال في كلام له ولو فرض ورود حديث صحيح صريح بل أخبار صحاح أيضا في أن العلم منحصر فيهم (عليهم السلام) رأسا وقطعا ولا يفهمه أحد سواهم ولا يجوز العمل إلا ببيانهم لنأوله أو نذره في سنبله كيف ولا خبر يدل على ذلك صريحا ولا ظاهرا إلى آخر كلامه وأقول وفي هذا الكلام ما لا تسعه الدفاتر فالأولى عدم الاعتداد بترنيقه لعدم خفاء سخافته على أحد من أهل العلم وبالجملة القول بغناء شيء من الكتاب عن بيان العترة سقط من الكلام لا يلتفت إليه بعد ورود نصوص متواترة معنى في ذلك مع أنه لو لم يكن إلا خبر المنع عن تفسير القرآن بالرأي لكفى لأن من البديهي أن مقابل التفسير بالرأي التفسير بالسماع فإن كان السماع عن غير معصوم ينقل الكلام إليه وإن كان عن معصوم فقد ثبت المطلوب وتأويل الخبر ببعض التوجيهات السخيفة تأويل بغير دليل والإشكالات التي دعتهم إلى هذا القول تعرف حلها بملاحظة ما فصلناه من البيان فلا حاجة إلى إيرادها وتكرار الجواب عنها.

هذا واعلم أن الكلام على حجية الكتاب والسنة وعرض المتشابهات من الأخبار والأقوال عليهما ودفع الإشكالات الواردة عليه على هذا النحو من البيان من خواص هذا الكتاب والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأنت إن وفقك الله بمعرفة ما فيه من الفروع والدقائق والتفاصيل فاحمد الله تعالى على ما فتح لك من باب العلم على أيدينا ولا تنسانا من صالح دعائك وإلا فاسأل الله بالتوسل بأذيال العترة الطاهرة أن يوفقك بفهمه إنه جواد كريم .

ثم اعلم أن رد الفروع إلى الأصول والمتشابهات إلى المحكمات أمر صعب جدا وليس مشرعة لكل خائض فإياك إياك أن تعرض نفسك للسباحة في هذا البحر القمقام واليم الطمطام قبل أن ترفع لعلمك عند نفسك أعلام البرهان وتصدقك شواهد الامتحان فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات .

 وفي الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن الحسن بن علي الوشاء عن أبان الأحمر عن زياد بن أبي رجاء عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم إن الرجل لينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض).

وفيه الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن علي بن أسباط عن جعفر بن سماعة عن غير واحد عن أبان عن زرارة بن أعين قال : (سألت أبا جعفر (عليه السلام) : ما حق الله على العباد ، قال : أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون).

وفيه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن يونس بن عبدالرحمن عن أبي يعقوب إسحاق بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله خص عباده بآيتين من كتابه أن لا يقولوا حتى يعلموا ولا يردوا ما لم يعلموا وقال عز وجل﴿ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق﴾ وقال ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله﴾) انتهى.

فاعرف يا أخي قدرك ولا تتعد طورك فتكون من الهالكين وإذا عرفت من هذا البيان الوافي والتبيان الشافي أن الكتاب والسنة هما الميزانان القويمان في تمييز كل حق وباطل .

فاعلم أن ما ينبغي أن يوزن بهما الأخبار الواردة في مناقب العترة الطاهرة لأني أرى قوما من ضعفاء الشيعة قد ائتمروا أن لا يدعوا خبرا يروى في بيان مراتبهم (عليهم السلام) إلا وينكروه وينسبوا روايتها إلى الارتفاع من غير أن يأتوا فيه بشيء مبين أو يلجأوا إلى ركن وثيق حتى صدق في حق بعض منهم قول الله تعالى ﴿ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام﴾ ولا عجب في ذلك بعد قول مولانا الكاظم  (عليه السلام) المروي في الكافي في باب قلة المؤمن قال (ليس كل من قال بولايتنا مؤمنا ولكن جعلوا أنسا للمؤمنين) هي.

وحيث كان الأمر على ذلك وجب علينا قبل الخوض في المقصود الإشارة إلى قانون إليه يرجع الغالي وبه يلحق التالي وقد أشرنا إليه في صدر الكتاب وهنا نزيده بيانا ونقول لاريب في صدور أخبار عن معادن الوحي تدل على نسبة بعض صفات الربوبية وما يتبعها لهم (عليهم السلام) والمنكر لذلك داخل في سلك ذوي العاهات وأصحاب الوسواس ويتصور ذلك على وجوه منها أن يكونوا (عليهم السلام) آلهة من دون الله والعياذ بالله من ذلك فإن الأدلة دلت على أنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ومنها أن يكونوا (عليهم السلام) شركاء لله في صفاته وأفعاله وهذا أيضا كسابقه في البطلان فإن البراهين قامت على توحده تعالى في الصفات والأفعال لا شريك له في ملكه ولا منازع له في سلطانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ومنها أن يكونوا (عليهم السلام) مفوضا إليهم من الله تعالى وهذا أيضا كسابقيه لأنه مستلزم لانعزال الحق تعالى عن ملكه ولأن الممكن لا يمكنه الاستغناء عن الواجب طرفة عين أبدا لأنه قائم بالغير دائما وإلا لانقلب بعد إيجاده واجبا فافهم.

بقيت صورة رابعة فيها الحق والهدى وهي كونهم (عليهم السلام) بالنسبة إلى الله تعالى بمنزلة الصفة من الموصوف فكما أن الصفة لا قوام لها بدون الموصوف طرفة عين أبدا بل هي قائمة دائما بالموصوف قيام صدور كذلك هم (عليهم السلام) مع جميع مالهم بالنسبة إلى الحق سبحانه في الفقر والاحتياج فليسوا بمستقلين في ذواتهم من دون الله ولا شركاء له في شيء ولا مفوضا إليهم كما أن الصفة بالنسبه إلى الموصوف كذلك ومع ذلك فالصفات مبادئ جميع الأفعال الصادرة عن الموصوف ومنتهى النعوت المنسوبة إليه والموصوف هو المتفرد بتلك الصفات وما يترتب عليها من الأفعال والنعوت والأسماء والإضافات وهو معنى ما تجد في الآثار أنهم الأمثال العليا والأسماء الحسنى وهذا القانون هو الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف من صد عنه وقع في قعر الجحيم وهو الذي يوافق محكمات الكتاب والسنة لأن فيه جمعا بين توحده سبحانه في ذاته وصفاته وأفعاله وعبادته وبين الآيات والأخبار المتواترة الدالة على نسبة بعض كمالات الربوبية إلى الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ومن ابتغى طريق جميع غير ما حررناه فقد هوى فخذ يا أخي ما أتحفناك وكن به ضنينا. 

 

العنوان الخامس

إن أوهن الطرق طريق من حصر وجه رد الأخبار وقبولها على ضعف رجال السند ووثاقتهم لأنه يؤدي بالبديهة إلى طرح طائفة من الأخبار التي نقطع بأن فيها ما ورد عن المعصومين (عليهم السلام) قطعا وجزما إن لم يكن الكل، ولأنه شأن من لا يرى الطريق فيحتاج إلى عصا في المسير وأما من فتح الله مسامع قلبه فعرف لحن كلام ساداته وحفظ الميزان الذي قررنا فيما سبق من العرض على محكمات الكتاب  والسنة فمثله لا يحتاج إلى هذا التكلف الموقع صاحبه في المحذورات والهلكات بل يقبل كلما وجده موافقا للقسطاس المستقيم وإن جاء به كافر ودهري ويرده أو يؤوله إذا لم يجده كذلك وإن جاء به أفضل من يوثق به ، على أنك لو تتبعت زبر أصحابنا الأكابر وجدتهم لا يسلكون في العمل بالأخبار إلا هذا المسلك الذي قررناه ، فكم من خبر ضعيف يقبلونه ويعملون به إذا وجدوه موافقا لميزان الكتاب والسنة، وكم من صحيح يطرحونه إذا وجدوه مخالفا لذلك، فليت شعري إذا كان المرجع في العمل بالأخبار وتركه ذلك فما الحاجة إلى التكلفات التي ارتكبوها في تشخيص أحوال الرجال ؟

إن قلت: الداعي لنا إلى ذلك قول الله سبحانه﴿إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا﴾  الآية .

قلنا : نعم قول الله تعالى صادق مصدق ولكنك حرفت معناه فإنه تعالى لم يقل إن جاءكم فاسق بنبإ فاطرحوه وإنما قال ﴿ فتبينوا ﴾ ، وأي تبين أعظم من عرض النبأ على الكتاب والسنة القطعية .

إن قلت : إن أهل البيت (عليهم السلام) أمرونا في عدة أخبار بالأخذ بقول الأوثق والأعدل والأورع ، وناهيك هذا في اعتبار علم الرجال.

 قلنا : حفظت شيئا وغابت عنك أشياء إن الأئمة (عليهم السلام) إنما أمرونا بذلك إذا كان في قضية روايتان وأعوزنا سائر الوجوه الترجيح وأمكننا تشخيص وثاقة الراويتين وعدالتهما ، وهذا  إنما يتفق في نادر من الفروض جدا  ولا يوجب سلوك هذا المسلك في الكلية لا سيما في أصول  العقائد التي هي المقصودة من تمهيد هذا العنوان فإنا نجد كثيرا من معاصرينا الذين ينتحلون العلم إذا ورد عليهم حديث بما لا تهوى أنفسهم ينكرونه استنادا إلى مجرد كون راويه ضعيفا على زعمهم من غير أن يتدبروا معناه ويعرضوه على الموازين التي وضعها لنا حملة الكتاب (عليهم السلام) وتلقاها بالقبول جميع الأصحاب، هذا كله على تقدير تسليم صحة ما دوّنه علماء الرجال في كتبهم من التوثيقات والتضعيفات حتى يمكن لنا العلم بوثاقة الراوي وضعفه ، وأما إن رجعنا إلى التحقيق فالكلام فيه طويل يحتاج إلى بسط وتفصيل ولا بد من الإشارة إلى جملة من ذلك ليدل على ما لم نذكر حذرا من الإطالة .

فنقول وبالله التوفيق : إن من تتبع زبر أصحاب الرجال وتدبر وجوه القدح والمدح فيها وجد أساسها مبنيا على فساد العقائد واستقامتها ، وإذا حققت ذلك ورجعت مأخذ تشخيصهم لعقائد الرجال وجدتهم يستندون في ذلك إلى أدنى شبهة في حقه أو في حق كتاب لا يسمن ولا يغني من جوع بعد بناء أساس القدح على مخالفة ما ارتضوه عندهم من الاعتقاد في أصول المذهب  وأنت تعلم أن درجات الناس في معرفة العقائد الدينية والوقوف على فروعها وتفاصيلها متفاوتة لا تكاد تنضبط لكثرة انبساط شعبها بحيث لا تجد اثنين في درجة واحدة في ذلك ، ولا ريب أن كلا من المخالفين يرى من يخالفه ليس على شيء ، وناهيك في تصديق ذلك قول الإمام (عليه السلام) (لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهما فما ظنكم بسائر الخلق) الخبر ، وقد مر في عنوان سابق  فمع ذلك كيف يجوز بناء أساس القدح على مخالفة ما عند القادح من الاعتقادات النظرية على فرض نص المقدوح بالمخالفة فكيف بشبهة الخلاف فإنه غلط على غلط، وبالجملة إن من تتبع مطاوي الأخبار وجاس خلال السير والآثار وجد وجوه القدح في كثير من أكابر الرواة تدور على أحد وجوه .

منها أن أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كانوا متفاوتي الدرجات في العلم والمعرفة والورع والتقوى والانقطاع إلى أهل بيت الطهارة وما أشبه ذلك من وجوه التفاضل ولا ريب أنهم (عليهم السلام) ما كانوا يسوون بين الفاضل والمفضول بل كان تقريبهم لهم وإظهار التلطف بهم على حسب تفاضلهم في الأمور المذكورة ، فكانوا (عليهم السلام) يعتنون بشأن بعضهم بما لا يعتنون بشأن الآخرين وربما كانوا يحيلون بعض الأمور إليهم من الوكالة في أخذ الحقوق والإذن في الإفتاء والمحاورة مع الخصوم وأشباهها، وأنت تعلم أن هذا يورث حسدا عظيما من أكثر أقرانه عليه إلا قليل ممن قتل إبليس نفسه ودخل صرح التسليم وعرف مقام إمامه ، وأنه لا يختار إلا من هو أهل لذلك  وهذا ديدن جار في حواشي كل رئيس ، فإنهم إذا رأوا اختصاص واحد منهم من رئيس وميل ذلك الرئيس إليه هاج في كثير منهم عرق الحسد لا محالة فيأخذون في قدحه وذمه وذكر مساوئ له مفتريات عند ذلك الرئيس ليسقطوه عن مكانته عنده وهكذا كان حال جملة من أصحاب النبي والأئمة وديدنهم ألا ترى كيف بعث تقريب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  لأمير المؤمنين (عليه السلام) وإظهار فضائله بين الناس أصحابه المنافقين على الحسد عليه إلى أن آل بهم الحال إلى أن نسبوا إليه من الأمور الفظيعة ما لا يساعد اللسان بذكره من رميه بتزويج بنت أبي جهل على فاطمة (عليه السلام) وغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك ، ونسبته إلى ترك الصلاة وغير ذلك من الشنائع والفضائح ، فإذا كان هذا حال مثل أمير المؤمنين (عليه السلام) بين أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  ومكانه من الله ومن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فما ظنك بسائر الخلق  هذا أحد أسباب شيوع القدح في حق من ليس له بمستحق .

ومنها أن قوما منهم إذا وجدوا بعض الخواص من الأصحاب عنده ما ليس عندهم من العلوم وشاهدوا رجوع الناس إليه في معالم دينهم وأخذهم عنه مراشد يقينهم واشتهاره بذلك بين الناس أورث ذلك لا محالة حسدا وحنقا وغيظا آخر منهم عليه كما هو عادة كثير من المعاصرين بعضهم مع بعض فيبعثهم الحسد على الوقيعة فيه وإطفاء نوره ، وما كان كل من صحب الإمام (عليه السلام) أو دان بدين التشيع قد هتك هذا الحجاب ، وقد نقل عن السيد الجليل صاحب الكرامات والمقامات علي بن طاووس قدس سره المأنوس أنه قال في ذكر محمد بن سنان الزاهري : إني أتعجب ممن ذموه أليسوا رووا أخبار مدحه عن الأئمة الثلاثة صلوات الله عليهم، ثم قال: إنه يكون بعض الأشياء من بعض المعاصرين مع بعضهم فإن الفضل بن شاذان ذكر أن لا توردوا أحاديث محمد بن سنان عني ما دمت حيا وارووها بعد موتي ، ثم قال السيد  : فلا تعجل في ذم من ذموا إلى آخر كلامه  .

ومنها أن منهم من كان من أهل المعرفة وحملة الأسرار المكنونة المحفوظة عن الأغيار والضعفاء في كثير من أبواب الأصول الدينية فكان الأئمة (عليهم السلام) يلقون إليه من العلوم والحقائق ما لا يلقونه إلى من هو دونه رتبة لعدم تحمل أمثاله لذلك لكونه من الصعب المستصعب الذي لا يحتمله إلا مؤمن ممتحن  فإذا باح من هذا حاله بشيء من تلك الأسرار واتصل ذلك إلى من ليس له بأهل قابله بالإنكار وأخذ في الطعن على من روى ذلك واعتقده، فصار هذا من أكبر دواعي القدح والتضعيف لجم غفير من حملة الأخبار ومن أخذ عنهم ودان بما أخذ، فوصفوهم تارة بأنه يروي المنكرات وأخرى بأنه من الغلاة وطورا بأنه زنديق وأشباه ذلك من الأوصاف المنكرة ، وكان أكثر ذلك في مراتب الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) أما إني لا أقول إن كل من وصفوه بتلك الأوصاف فهو بريء منها وإنما أقول أنهم خلطوا الغث بالسمين فرموا بها بعض من لا يستحقها من أصحاب أئمتنا (عليهم السلام) ومن تأخر عنهم كجابر بن يزيد والمفضل بن عمر ومحمد بن سنان وأمثالهم من الأصحاب ومن تأخر عنهم ، فإذا ادكر مدكر واعتبر معتبر وجد أن كثيرا من القول في كثير من الأصحاب إنما نشأ من اجتهاد القادحين في روايات المقدوحين وأقوالهم ولم تعلموا أنه يمكن أن يكون الضعف في عقول القادحين لا في نقول المقدوحين.

ومنها أن جمعا من عظماء الأصحاب كانوا قد اشتهروا بين الناس بالاختصاص والانقطاع إلى الأئمة (عليهم السلام) وكان هذا موجبا لدخول الضرر والأذى عليهم من المخالفين لا محالة ، فكانوا (عليهم السلام) ربما يظهرون البراءة ممن علموا منه وقوع ذلك في حقه دفاعا عنه ووقاية له من شر الأعداء وهذا هو وجه ما ورد من القدح في شأن ثلة من الأصحاب المتفق على جلالة شأنهم كمحمد بن مسلم وزرارة بن أعين وأبي جعفر الأحول وبريد بن معاوية وأضرابهم ، فمن ليس له مسكة في معرفة لحن الكلام وتصرف في موارد الشبهات إذا وقف على أخبار القدح في شأن بعض هؤلاء حمل على ظاهرها وطعن في جملة من الأكابر .

و منها أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا في زمن الاستتار والتقية وغلبة الباطل على الحق، وكان جهد سلاطين زمانهم والأمراء الخونة من حواشيهم في إطفاء نورهم بأي وجه قدروا عليه ، وكان الأئمة (عليهم السلام) ربما يلقون إلى بعض الأصحاب ما لا يجوز إظهاره عند الأعداء بل وعند الضعفاء من الشيعة حتى أنهم ما كانوا يظهرون دعواهم الإمامة وأنهم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  إلا لمن يختص بهم ، وربما كان بعض هؤلاء يظهرون شيئا من ذلك من فرط حبهم أو ثقة منهم على بعض الناس عند غيرهم ، ولما كان السامعون ليسوا له بأهل وكان في شيوع ذلك الأمر مفاسد كثيرة فكانوا يجيئون ويسألونهم عن ذلك ويقولون أخبرنا فلان عنك بكيت وكيت فكان الأئمة (عليهم السلام) يتبرأون من ذلك ويكذبون ذلك الشخص بل ربما كانوا يلعنونه حفظا لأصل الدين لكن على طور لا يلزم منه الكذب كما قال إبراهيم﴿بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون﴾ ، فإنه علق وقوع الفعل من كبيرهم على النطق الذي لا يأتي منه تورية فمن لا يعرف معاريض الكلام إذا وقف على مثل تلك الأخبار اتخذ من أسباب القدح في حق من هو أجل شأنا من ذلك .

و منها أن بعض الغلاة  والمفوضة وأمثالهم كانوا يضعون بعض الأكاذيب في ترويج مذهبهم وكانوا ربما ينسبون نقلها إلى بعض ثقاة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ترويجا لمتاعهم الكاسد ومذهبهم الفاسد، فإذا وقف على هذا النقل بعض القاصرين أخذ في قدح ذلك الثقة الجليل من غير تبين أو تثبت كما وقع مثل ذلك في حق المعلى بن خنيس ، فإن بعضهم استند في قدحه وعدم الاعتماد على حديثه بأن الغلاة يضيفون إليه كثيرا ولم يعرف أن نسبة الكذب إلى الغلاة في إسناد ذلك النقل إليه أولى من القدح في رجل هو من أعاظم أصحاب الصادق (عليه السلام) وطرح أخبار مدحه الواردة في حقه من مولاه لأن أخذ فساد الحديث دليلا على قدح الراوي فرع ثبوت الرواية عنه، وليت شعري لم لم يعملوا في أمثال هذه الموارد بقول الله﴿إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة﴾     الآية .

وسيأتي وقوع مثل ذلك في حق المفضل أيضا في ضمن الأخبار التي سنذكرها شاهدا لما قررناه من الوجوه إن شاء الله تعالى .

ومنها أن بعض من يظهر منه فساد العقيدة ربما يكون ذلك الاعتقاد منه لقصور فهمه عن إدراك الحق في المسألة بحيث لو أن أحدا بين له الحق وأوقفه على فساد ما ذهب إليه لترك ما مال إليه من المذهب المخالف لقول الأئمة الهادين (عليهم السلام) ، ورجع إلى ما هو الحق في تلك المسألة ، ولا ريب أن من هذا حاله لا يقدح فيما يرويه بوجه إذا كان عدلا صدوقا فيما يروي وقد أهمل أصحاب الرجال تشخيص ذلك في حق الرواة وسقوا جميع من يخالف الحق في مسألة بماء واحد ، هو كما ترى خارج عن قانون التثبت والتحقيق ، وقد تفطن ببعض ما قررناه ثلة نقاد المتأخرين فأسقطوا كثيرا من التضعيفات القديمة عن نظر الاعتبار ، ولنذكر شيئا من كلمات بعضهم في المقام ليعلم أنا لسنا بأول من سبق إلى هذا الطعن والإنكار .

قال أبو علي صاحب منتهى المقال في أحوال الرجال في ترجمة محمد بن سنان بعد نقل الأقوال المختلفة في حقه ما هذا لفظه : (وللسيد السعيد رضي الدين بن طاووس  كلام في محل هذا وأشباهه محصله أن جلالة قدرهم وشدة اختصاصهم بأهل العصمة سلام الله عليهم هو الذي أوجب انحطاط منزلتهم عند الشيعة لأنهم (عليهم السلام) لشدة اختصاصهم بهم أطلعوهم على الأسرار المصونة عن الأغيار وخاطبوهم بما لا تحتمله أكثر الشيعة فنسبوا إلى الغلو وارتفاع القول وما شاكلهما)انتهى ما نقله عن السيد .

وقال المولى الأجل محمد باقر بن أكمل البهبهاني  في تعليقه على رجال الأميرزا محمد الاسترآبادي (اعلم أن الظاهر أن كثيرا من القدماء سيما القميين منهم وابن الغضائري كانوا يعتقدون في الأئمة (عليهم السلام) منزلة خاصة من الرفعة والجلالة ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم وما كانوا يجوزون التعدي عنها وكانوا يعدون التعدي عنها ارتفاعا وغلوا على حسب معتقدهم حتى أنهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم بل ربما جعلوا مطلق التفويض إليهم أو التفويض الذي اختلف فيه - كما سنذكر - أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم أو الإغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزههم عن النقائص وإظهار كثير قدرة لهم وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعا أو مورثا للتهمة به سيما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين، وبالجملة الظاهر أن القدماء أيضا كانوا مختلفين في المسائل الأصولية فربما كان شيء عند بعضهم فاسدا أو كفرا أو غلوا أو تفويضا أو تشبيها أو غير ذلك ، وكان عند الآخر مما يجب اعتقاده، أو لا هذا ولا ذاك وربما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيما منهم كما أشرنا آنفا أو ادعاء أرباب المذاهب كونه منهم أو روايتهم عنه، وربما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه إلى غير ذلك ، فعلى هذا ربما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة ، ومما ينبه على ما ذكرنا ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة) إلى أن قال ( وسيجيء في إبراهيم بن عمر وغيره ضعف تضعيفات الغضائري ، وفي إبراهيم بن إسحاق وسهل بن زياد ضعف تضعيف أحمد بن محمد بن عيسى مضافا إلى غيرهما من التراجم فتأمل)انتهى كلامه زيد مقامه .

و قال في ترجمة سهل بن زياد الآدمي على ما نقله عنه تلميذه أبو علي في منتهى المقال بعد ذكر تضعيف بعض  أهل الرجال له وقول ابن الغضائري أن أحمد بن عيسى أخرجه من قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه ، قال   (ظني أن منشأ التضعيف حكاية أحمد بن محمد بن عيسى وإخراجه له من قم وشهادته عليه بالغلو والكذب وهذا مما يضعف التضعيف ويقوي التوثيق عند المنصف المتأمل سيما المطلع على حالة أحمد وما فعله بالبرقي وقاله في علي بن محمد بن سيرة ورد النجاشي عليه .

و قال ابن داود إن أهل قم كانوا يخرجون الراوي بمجرد توهم الريب وفي ترجمة محمد بن أورمة ما يقويه سيما أنه صنف كتابا في الرد على الغلاة وورد عن الهادي (عليه السلام) أنه بريء مما قذف به ومع ذلك كانوا يرمونه بالغلو) ثم أنه  ساق الكلام في تأييد ما ذكره إلى أن قال (وقال جدي  - يعني مولانا محمد تقي المجلسي - اعلم أن أحمد بن محمد بن عيسى أخرج جماعة من قم لروايتهم عن الضعفاء وإيرادهم المراسيل في كتبهم وكان اجتهادا منه والظاهر خطأه ولكن كان رئيس قم والناس مع المشهورين إلا من عصمه الله ولو كنت تلاحظ ما رواه في الكافي في باب النص على الهادي (عليه السلام) وإنكاره النص لتعصب الجاهلية لما كنت تروي عنه شيئا ولكنه تاب ونرجو أن يكون تاب الله عليه) انتهى ما أردنا نقله من كلامه  .

و قال في ترجمة إبراهيم بن إسحاق الأحمر النهاوندي يروي عنه أحمد ابن محمد بن عيسى مع كثرة غمزه في الرواة بل والأجلة وطعنه فيمن يروي عن الضعفاء وأخرج من قم جمعا لذلك ، انتهى .

وقال الشيخ الجليل أبو الحسن الشريف النباطي وهو من أجل تلامذة مولانا محمد باقر المجلسي  ، وحاله مذكور في لؤلؤة البحرين لشيخنا الشيخ يوسف البحراني ، قال  في مقدمات تفسيره المسمى بمشكاة الأسرار ما هذا لفظه ( اعلم أن الناس في تعريف أحوال الأئمة (عليهم السلام) على طرفي نقيض ، فإن جماعة منهم سلكوا في ذلك مسلك الإفراط حتى ارتفعوا إلى حد الغلو والتفويض ، وجمع منهم أخذوا في طريق التفريط بحيث أنكروا كثيرا مما ورد في فضائلهم صلوات الله عليهم  والعلة في الجميع -كما سيظهر - شيء واحد وهو توهم استقلال العقل في إدراك أمثال هذه الأمور التي لا يمكن الوصول إلى ما هو الحق منها إلا من طريق الأخذ عن الأئمة العالمين والرجوع إلى ما ورد ثابتا عنهم في إثباته ونفيه مع الفهم السليم والإدراك المستقيم والتمسك بالعلم المبين دون الاعتماد على الرأي والظن والتخمين ، ولهذا تراهم مختلفي الأحوال باختلاف عقولهم وأحلامهم ، متبايني الآراء والأقوال بتباين أذهانهم وأفهامهم ، فكم من قائل قول في ذلك كفر غيره وكفره غيره  وتفصيل ذلك أن كثيرا من قدماء الشيعة وأهل أعصار الأئمة (عليهم السلام) من جهة كثرة معاشرتهم مع المخالفين المتسامحين في أمر الإمامة والرئاسة العامة بحيث جازت عندهم إمارة كل من بويع له ولو كان عاريا عن كمال العلم والعمل وشرافة الحسب والنسب، كانوا لا يعرفون من خصائص الإمام غير أنه من الأوصياء المعصومين من الذنوب والخطأ وأنه ذو علم غزير تفوق به، وبقرابة النبي على غيره، ولهذا كانوا يكتفون بذلك عن تفتيش غيرها من لوازم الإمامة التي هي تالي النبوة ، ومن سائر ما في الأئمة من غرائب الأحوال وعجائب الفضائل التي أودعها الله فيهم حيث فضلهم كجدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع المخلوقين كافة حتى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين ، فكان هؤلاء إذا وقفوا على شيء من تلك الغرائب الغير الملائمة لما كان راسخا في أذهانهم وما استقرت عليه آراؤهم على وفق مقتضى عقولهم فمنهم من كان ينكره بتكذيب الراوي أو بتأويله ولو ببعيد، ومنهم من كان يضطرب ويتزلزل حتى إذا تكررت عليه وثبتت عنده تجاوز إلى حد الغلو فيهم والإبعاد في الدين حيث لم يدر أن لا استبعاد بالنسبة إلى كرم الله ولطفه أن يتفضل على بعض عبيده المخلصين له بكمالات نبيلة وفضائل جليلة يعجز عن استجماعها سائر الخلق ، وأيضا كان في أصحاب الأئمة (عليهم السلام) والمنسوبين إلى التشيع من كان غالبا عليه حب الدنيا والرئاسة منتهزا للفرصة في تحصيل ذلك  فلما رأى ضعف معرفة هؤلاء الجهال شرع في إغوائهم بما كان مائلا إليه طباعهم بإيداع الشبهة وإظهار الشعابذ كما سيأتي.

نعم قليل منهم الذين اطلعوا على دقائق علائق الإمامة وعرفوا حقائق أحوال الأئمة (عليهم السلام) على ما هو الحق الصحيح المأخوذ منهم (عليهم السلام) فأقاموا واستقاموا على النمرقة الوسطى والطريقة التي لا عوج فيها ولم يزلوا فيما زلت فيه أقدام غيرهم ولهذا كان الأئمة (عليهم السلام) لا يظهرون سرائر حالاتهم وخفايا كمالاتهم على كل أحد بل كانوا ينتجعون بعض كمال الخواص لذكر نبذ من خصائصهم مشترطين عليهم سر ذلك عن النقلة والجهال كما ورد عنهم (عليهم السلام) ( إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان)وقد مر حديث ذريح المحاربي في الفصل الثاني من المقالة الأولى من المقدمة الأولى وحديث جميل في الفصل السادس من هذه المقالة التي نحن فيها وقد قال جابر بن يزيد الجعفي ( حدثني أبو جعفر (عليه السلام) خمسين ألف حديث ما حدثت بها أحدا قال ودفع إلي كتابا وقال لي : إن أنت حدثت به حتى تهلك بنو أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي ، ثم دفع إلي كتابا آخر ثم قال : وهاك هذا ، فإن حدثت بشئ منه أبدا فعليك لعنتي ولعنة آبائي ) .

وفي الخرائج بإسناده عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال (أتى رجل الحسين (عليه السلام) فقال حدثني بفضلكم الذي جعل الله لكم فقال إنك لن تطيق حمله قال بلى حدثني يا ابن رسول الله إني أحتمله فحدثه بحديث فما فرغ الحسين (عليه السلام) من حديثه حتى ابيض رأس الرجل ولحيته وأنسي الحديث فقال الحسين (عليه السلام) أدركته رحمة الله حيث أنسي الحديث).

وفي رواية أخرى أن ثلاثة رجال جاؤوا إليه وسألوه ذلك فلما حدث واحدا منهم قام طائر العقل ومر على وجهه وذهب وكلمه صاحباه فلم يرد عليهما شيئا.

وفي كتاب منهج التحقيق (عن ابن أبي عمير عن المفضل قال الصادق (عليه السلام) قال لو أذن لنا أن نعلم الناس حالنا عند الله ومنزلتنا منه لما احتملوا)الخبر.

و الأخبار الدالة على أن مدار الأئمة (عليهم السلام) كان على التكلم مع الناس على وفق المصلحة ومراعاة أحوال السائلين وعلى قدر مقتضى عقولهم ووصول أفهامهم كثيرة ونحن نذكر في هذا المقام بعض خصوصيات كل واحد من أهل تلك العقائد السخيفة وعقيدة علمائنا الأعلام حتى يميز الخبيث من الطيب ويظهر الذي ليس له انعصام .

فمن أهل التفريط كثير من المتكلمين وغيرهم ممن نشأ على ممارسة كتب أهل الآراء وحرم عن تتبع آثار أئمة الهدى وعن تسليم ما في شأنهم مما يخالف مذهب أصحاب الآراء ، فمن هؤلاء من زعم أنهم (عليهم السلام) كانوا لا يعرفون كثيرا من الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم  ومنهم من يقول أنهم كانوا يلجأون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ، ومنهم من أنكر جواز صدور المعجزة عنهم (عليهم السلام) ونفى سماعهم كلام الملائكة ولو بدون رؤيتهم، ومنهم من أنكر تفضيلهم على غير النبي من سائر الأنبياء وكذا الملائكة حتى أنه قال بعضهم بتفضيل جبرائيل وميكائيل وأولي العزم من النبيين عليهم ، بل قال بعضهم بتفضيل سائر الأنبياء عليهم ، وقد قال بعضهم من الغلو نفي السهو عنهم أو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون إلى غير ذلك من الآراء الفاسدة والخيالات الكاسدة الناشئة من قصور علمهم عن معرفة الأئمة (عليهم السلام) وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شؤونهم ، وقد نسب المفيد  بعض هذه المذاهب إلى بني نوبخت من علماء الإمامية وهؤلاء الجماعة قد ابتلوا بإنكار أكثر ما اشتمل عليه خصائص الأئمة من الروايات وقدحوا في كثير من الرواة الثقاة لنقلهم بعض غرائب الصفات وعجائب المعجزات ورموهم بالغلو والكذب والزندقة وأشباهها كمحمد بن سنان والمفضل بن عمر ويونس بن عبد الرحمن ونظرائهم بل مهما يتفحص الإنسان يجد أكثر من رمي بالغلو أنه ممن روى في شأن الأئمة (عليهم السلام) بعض المناقب الجليلة التي نقلها ثقاة علمائنا في كتبهم معتقدين بها ولا تستلزم الغلو أصلا عند التأمل الصادق ، ونعم ما قال شيخنا العلامة باقر علوم أهل البيت وخادم أحاديث آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال  إن رد الأخبار تشتبه متونها بصحتها بمحض الظن والوهم ليس إلا للإزدراء بالأخبار وعدم الوثوق بالأخبار والتقصير في معرفة شأن الأئمة الأطهار إذ وجدنا أن الأخبار المشتملة على المعجزات الغريبة إذا وصلت إليهم فهم إما يقدحون فيها أو في رواتها، بل ليس جرم أكثر المقدوحين من أصحاب الرجال إلا مثل نقل تلك الأخبار ، هذا كلامه أعلى الله مقامه.

وقد نقل الكشي  أن إبراهيم بن محمد بن سعيد بن إسحاق الثقفي الكوفي من أكابر أصحابنا ومؤلف الكتب الكثيرة (عمل كتاب المعرفة وفيه المناقب المشهورة والمثالب فاستعظمه الكوفيون وأشاروا عليه بتركه وأن لا يخرجه فقال : أي البلاد أبعد من الشيعة ؟ فقالوا أصفهان  فحلف أن لا يروي الكتاب إلا بها فانتقل إليها ورواه بها ثقة منه بصحة ما رواه فيه).

ألا ترى إلى جمع من أصحاب الأئمة كيف نقلوا متعجبين أن الإمام تكلم بغير العربية أو أخبر أحدا منهم باسمه أو بشيء صدر منه إلى غير ذلك من الأشياء التي نعلم قطعا اتصافهم (عليهم السلام) بأعظم منها ، وجميع هذه من قصور معرفتهم بما في الأئمة من مزايا الفضائل التي خصهم الله تعالى بها، ولهذا ورد عنهم (عليهم السلام) المنع بالإنكار ما نسب إليهم من الأخبار لاشتمالها على بعض ما لا تحتمله العقول الناقصة ، بل لابد من تسليم ما ورد عنهم (عليهم السلام)  ولو رد علمه إليهم (عليهم السلام) فقد روى الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن زرارة قال (دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فسألني ما عندك من أحاديث الشيعة قلت إن عندي منها شيئا كثيرا قد هممت أن أوقد لها نارا ثم أحرقها قال ولم هات ما أنكرت منها فخطر على بالي الأمور فقال لي ما كان على (علم) الملائكة حيث قالت﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ .

قال شيخنا العلامة في البحار (لعل (الظاهر أن)  زرارة كان ينكر أحاديث من فضائلهم لا يحتملها عقله فنبهه (عليه السلام) بذكر قصة الملائكة وإنكارهم فضل آدم وعدم بلوغهم إلى معرفة فضله على أن نفي هذه الأمور من قلة المعرفة ، ولا ينبغي أن يكذب المرء بما لم يحط به علمه بل لا بد من أن يكون في مقام التسليم فمع قصور الملائكة مع علو شأنهم عن معرفة آدم لا يبعد عجزك عن معرفة الأئمة (عليهم السلام) )  .

أقول وقد رأيت في بعض نسخ البصائر الآدمون بدل الأمور ولعل المعنى حينئذ أن زرارة قال خطر ببالي ذلك الوقت من تلك الأحاديث ما ورد في خلق أربعين ألف آدم قبل آدم أنبياء فرده الإمام (عليه السلام) بأن ذلك لو لم يكن حقا فمن أين علمت الملائكة بإفساد بني آدم في الأرض ، لكن على التقديرين دلالة الخبر على المنع من رد أخبارهم (عليهم السلام) وعلى قصور مثل زرارة عن البلوغ إلى ما هو حق شأنهم وعن إدراك معاني جميع أخبارهم واضحة فافهم . 

وفي منتخب البصائر وغيره بأسانيد عن جابر قال (قال أبو جعفر (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  : إن حديث آل محمد عظيم صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزت له قلوبكم فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم  من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)  وإنما الهالك أن يحدث أحدكم بالحديث أو بشيء لا يحتمله فيقول والله ما كان هذا والله ما كان هذا والإنكار لفضائلهم هو الكفر).

وفيه أيضا بإسناد صحيح عن الحذاء قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في حديث له ( إن أسوأ أصحابي عندي حالا الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يحتمله قلبه واشمئز منه جحده وكفّر من دان به ولا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجا من ديننا).

وعن المفضل قال (قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما جاءكم منا (عنا) مما يجوز أن تكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردوه إلينا وما جاءكم عنا مما لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردوه إلينا).

وعن يحيى بن زكريا قال: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول :(من سره أن يستكمل الإيمان فليقل القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد فيما أسروا وفيما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني).

والأخبار من هذا القبيل كثيرة وسيأتي بعضها في ثاني فصل خاتمة هذه المقدمات، انتهى ما أردنا نقله من كلام المحدث الفاضل النحرير الشيخ أبي الحسن الشريف في تفسيره .

 فانظر هداك الله إلى سواء الطريق في كلمات هؤلاء الأعاظم وتأملها حق التأمل حتى لا تتجاسر إلى القدح في كبار الأصحاب وطرح مروياتهم بمجرد الوقوف على قدح فيه بحسب اجتهاد القادح في أحواله وأقواله وعدم تحمله لبعض المقامات .

وقد روى شيخنا ثقة الإسلام في الكافي عن محمد بن يحيى عن علي بن الحكم عن محمد بن سنان عن الصباح بن سيابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما أنتم والبراءة تبرأ بعضكم من بعض إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض وبعضهم أكثر صلاة من بعض وبعضهم أنفذ بصرا من بعض وهي الدرجات) هي.

وإذ تبين عندك ما فصلناه فلنورد أخبارا تشهد بكثير مما فسرناه وإنا لم ننطق بمجرد التخمين بل عن علم وبصيرة في أحوال الماضين.

روى شيخنا الكشي  في رجاله قال ( ذكرت الطيارة الغالية في بعض كتبها عن المفضل أنه قال لقد قتل مع أبي إسماعيل يعني أبا الخطاب سبعون نبيا كلهم رأى وهلك نبينا فيه(وهلل بنباوته وشافهه)، وأن المفضل قال دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن اثنا عشر رجلا، قال، فجعل أبو عبد الله (عليه السلام)  يسلم على رجل(كل) رجل منا ويسمي كل رجل منا باسم نبي، وقال لبعضنا السلام عليك يا نوح، وقال لبعضنا السلام عليك يا إبراهيم، وكان آخر من سلم عليه أنا فقال السلام عليك يا يونس، ثم قال لا تخاير بين الأنبياء) هي .

أقول : هذه الرواية هي أحد أسباب القدح في المفضل بن عمر وقول بعضهم فيه أنه فاسد المذهب مضطرب الرواية لا يعبأ به ، وقول آخر منهم إنه ضعيف متهافت مرتفع القول خطابي ، وقد زيد عليه شيء كثير ، وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيما ، انتهى، والمساكين لم يعرفوا أن الطيارة لو كانت من الصادقين فلم لا يصدقون في نقلهم عن الأئمة (عليهم السلام) ما يؤيد مذهبهم الفاسد ؟ وكيف يكون نقل الكلاب الممطورة عنه ما يؤيد مذهبهم حجة في القدح على رجل عظيم من حملة آثار النبوة والولاية وأفظع من ذلك وأشنع قولهم أن الغلاة حملوا في حديثه حملا عظيما ، فإن حمل الغلاة في حديثه لو كان دليلا على تهافت حديثه فليكن حمل المجسمة والمجبرة وسائر الملل الضالة في آيات القرآن العزيز دليلا على بطلان الكتاب ونعوذ بالله من ذلك، فانظر يا أخي بمثل ماذا يتمسكون في قدح رواة الحديث واختر لنفسك ما يحلو ، ولأجل ذا ترى أكابر أصحابنا لم يجعلوا منطقهم تابعا لكل ما يخرج من الأفواه ووصفوا هذا الرجل بما هو أهله.

قال شيخنا السديد محمد بن نعمان المفيد في الإرشاد فممن روى صريح النص بالإمامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (عليه السلام) من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصته وبطانته وظهارته وثقاته الفقهاء الصالحين رحمة الله عليهم المفضل بن عمر الجعفي ، ثم أردفه بعدة من الأصحاب وروى عنهم النصوص ، وكذا شيخ الطائفة فإنه عد في كتابه الغيبة من الوكلاء الممدوحين المفضل هذا وروى أخبارا في مدحه عن الأئمة (عليهم السلام).

وعن الكشي في ترجمة حجر بن زائدة بسنده عن عبد الله بن الوليد بن سعيد  قال: قال لي أبو عبد الله  (عليه السلام) : (ما تقول في المفضل ، قلت: وما عسيت أن أقول فيه بعد ما سمعت منك ، فقال  : لكن عامر بن جذاعة وحجر بن زائدة أتياني فعاباه عندي فسألتهما الكف عنه فلم يفعلا ثم سألتهما أن يكفا عنه وأخبرتهما بسروري بذلك فلم يفعلا فلا غفر الله لهما)هي .

وفي الكافي بسنده عن يونس بن ظبيان قال : (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ألا تنهى هذين الرجلين عن هذا الرجل ، فقال : من هذا الرجل ومن هذين الرجلين ، قلت : ألا تنهى حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة عن المفضل بن عمر ، فقال : يا يونس قد سألتهما أن يكفا عنه فلم يفعلا فدعوتهما وسألتهما وكتبت إليهما وجعلته حاجتي إليهما فلم يكفا عنه فلا غفر الله لهما فوالله لكثير عزة أصدق في مودته منهما فيما ينتحلان من مودتي حيث يقول :

ألا زعمت بالغيب ألا أحبها     

إذا أنا لم يكرم علي كريمها

أما والله لو أحباني لأحبا من أحب). هي .

وفي الكشي في ترجمة المفضل بسنده عن يونس ما يقرب من هذا معنى.

وفيه في ترجمة المفضل أيضا بسنده عن بشير الدهان، قال، قال أبو عبد الله (عليه السلام) لمحمد بن كثير الثقفي:(ما تقول في المفضل بن عمر قال ما عسيت أن أقول فيه، لو رأيت في عنقه صليبا وفي وسطه صليبا لعلمت على أنه على الحق، بعد ما سمعتك تقول فيه ما تقول قال،  لكن حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة أتياني فشتماه عندي، فقلت لهما لا تفعلا فإني أهواه، فلم يقبلا فسألتهما وأخبرتهما أن الكف عنه حاجتي فلم يفعلا (يقبلا)، فلا غفر الله لهما، أما إني لو كرمت عليهما لكرم عليهما من يكرم علي، ولقد كان كثير غرة في مودته لها أصدق منهما في مودتهما لي، حيث يقول

لقد علمت بالغيب أني أخونها

إذا هو  لــم يكـرم على كريمها

أما إني لو كرمت عليهما لكرم عليهما من يكرم علي).

وفيه في ترجمة زرارة بسنده عن جميل بن دراج قال : (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فاستقبلني رجل خارج من عند أبي عبد الله  (عليه السلام) من أهل الكوفة من أصحابنا، فلما دخلت على أبي عبد الله  (عليه السلام)  قال لي لقيت الرجل الخارج من عندي فقلت بلى هو رجل من أصحابنا من أهل الكوفة، فقال لا قدس الله روحه ولا قدس مثله، إنه ذكر أقواما كان أبي (عليه السلام)  ائتمنهم على حلال الله وحرامه وكانوا عيبة علمه وكذلك اليوم هم عندي، هم مستودع سري أصحاب أبي (عليه السلام)  حقا إذا أراد الله بأهل الأرض سوء صرف بهم عنهم السوء، هم نجوم شيعتي أحياء وأمواتا يحيون ذكر أبي (عليه السلام)  بهم يكشف الله كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأول الغالين ثم بكى فقلت من هم فقال من عليهم صلوات الله ورحمته أحياء وأمواتا، بريد العجلي وزرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم أما إنه يا جميل سيبين (سيتبين) لك أمر هذا الرجل إلى قريب، قال جميل فو الله ما كان إلا قليلا حتى رأيت ذلك الرجل ينسب إلى آل (أصحاب) أبي الخطاب، قلت الله يعلم حيث يجعل رسالته، قال جميل وكنا نعرف أصحاب أبي الخطاب ببغض هؤلاء رحمة الله عليهم).

وفي ترجمة بريد بن معاوية بسنده عن أبي العباس البقباق قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) :(زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي والأحول أحب الناس إلي أحياء وأمواتا ولكن الناس يكثرون علي فلا أجد بدا من متابعتهم).

وفيه في ترجمة عبد الله بن أبي يعفور بسنده عن علي بن أسباط، عن شيخ من أصحابنا لم يسمه، قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكر عبد الله بن أبي يعفور رجل من أصحابنا فنال منه، فقال مه، قال فتركه وأقبل علينا، فقال هذا الذي يزعم أن له ورعا وهو يذكر أخاه بما يذكر، قال ثم تناول بيده اليسرى عارضة فنتف من لحيته حتى رأينا الشعر في يده، وقال إنها لشيبة سوء إن كنت إنما أتولى بقولكم وأبرأ منهم بقولكم).

وفيه في ترجمة مؤمن الطاق بسنده عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :(زرارة وبريد بن معاوية ومحمد بن مسلم والأحول أحب الناس إلي أحياء وأمواتا، ولكنهم يجيئوني فيقولون لي فلا أجد بدا من أن أقول).

وفيه في ترجمة زرارة أيضا بسنده عن عبد الله بن زرارة قال قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) اقرأ مني على والدك السلام وقل له إني (إنما) أعيبك دفاعا مني عنك فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه ويذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ويحمدون كل من عيبناه (عبناه) نحن وإن يحمد أمره فإنما (فأنا إنما) أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا ولميلك إلينا فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منا دفع شرهم عنك يقول الله جل وعز ﴿أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا﴾ هذا التنزيل من عند الله صالحة لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ولا تعطب على يديه ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ والحمد لله فافهم المثل يرحمك الله فإنك والله أحب الناس إلي وأحب أصحاب أبي (عليه السلام) (إلي)حيا وميتا فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر وإن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ثم يغصبها وأهلها ورحمة الله عليك حيا ورحمته ورضوانه عليك ميتا)، الحديث وهو طويل أخذنا منه موضع الحاجة .

وفيه في ترجمة زرارة أيضا عن حمزة بن حمران قال : (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بلغني أنك برئت من عمي يعني زرارة ، قال : فقال أنا لم أبرأ من زرارة لكنهم يجيئون ويذكرون ويروون عنه، فلو سكت عنه ألزمونيه  فأقول من قال هذا فأنا إلى الله منه بري‏ء).

وفيه بسنده عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : (سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن هشام بن الحكم قال فقال لي  كان عبدا ناصحا أوذي من قبل أصحابه حسدا منهم له).

وفيه في ترجمة يونس بن عبد الرحمن بسنده عن أخيه جعفر بن عيسى قال: (كنا عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وعنده يونس بن عبد الرحمن إذ استأذن عليه قوم من أهل البصرة فأومأ أبو الحسن (عليه السلام)  إلى يونس ادخل البيت فإذا بيت سبل عليه ستر وإياك أن تتحرك حتى يؤذن لك فدخل البصريون فأكثروا من الوقيعة والقول في يونس وأبو الحسن (عليه السلام) مطرق حتى لما أكثروا فقاموا وودعوا وخرجوا فأذن يونس بالخروج فخرج باكيا فقال جعلني الله فداك إني أنا  أحامي عن هذه المقالة وهذه حالي عند أصحابي فقال له أبو الحسن (عليه السلام) يا يونس فما عليك مما يقولون إذا (إن) كان إمامك عنك راضيا يا يونس حدث الناس بما يعرفون واتركهم مما لا يعرفون كأنك تريد أن تكذب على الله في عرشه يا يونس وما عليك أن لو كان في يدك اليمنى درة ثم قال الناس بعرة أو في يدك اليسرى  بعرة وقال الناس درة هل ينفعك شيئا فقلت لا فقال هكذا أنت يا يونس إذا كنت على الصواب وكان إمامك عنك راضيا لم يضرك ما قال الناس).

وفيه عن يونس بن عبد الرحمن قال قال العبد الصالح (عليه السلام) : (يا يونس ارفق بهم فإن كلامك يدق عليهم، قال قلت إنهم يقولون لي زنديق، قال لي وما يضرك أن تكون في يديك لؤلؤة فيقول لك الناس هي حصاة وما كان ينفعك إذا كان في يدك حصاة فيقول الناس هي لؤلؤة ) .

وفيه بسنده عن أبي جعفر البصري ، وكان ثقة فاضلا صالحا( قال: دخلت مع يونس بن عبد الرحمن على الرضا (عليه السلام) فشكا إليه ما يلقى من أصحابه من الوقيعة فقال الرضا (عليه السلام) دارهم فإن عقولهم لا تبلغ).

و فيه بسنده عن الفضل قال : (حدثني عدة من أصحابنا أن يونس بن عبد الرحمن قيل له إن كثيرا من هذه العصابة يقعون فيك ويذكرونك بغير الجميل فقال أشهدكم أن كل من له في أمير المؤمنين (عليه السلام) نصيب فهو في حل مما قال).

وفيه بسنده عن عبد العزيز بن المهتدي قال: (كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) ما تقول في يونس بن عبد الرحمن فكتب إلي بخطه أحبه وترحم عليه وإن كان يخالفك أهل بلدك)هي .

هذا ثم إن الكشي روى أخبارا وأقوالا عن بعض الأصحاب كأحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن حديد ويونس بن بهمن وغيرهم في ذم يونس هذا وقال في آخرها ما هذا لفظه : قال أبو عمر - ويعني نفسه - فلينظر الناظر فيعجب من هذه الأخبار التي رواها القميون في يونس وليعلم أنها لا تصح في العقل وذلك أن  أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن حديد قد ذكرا الفضل من رجوعهما عن الوقيعة في يونس ، ولعل هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه ومن علي مداراة لأصحابه ثم إنه تكلمت الروايات بما يطول بذكره الكلام .

أقول : وأشار برجوع أحمد عن ذلك إلى رواية رواها فيما قبل عن علي بن محمد القتيبي عن الفضل بن شاذان أنه قال : إن أحمد بن محمد بن عيسى تاب واستغفر الله من وقيعته في يونس لرؤيا رآها ، وقد كان علي بن حديد يظهر في الباطن الميل إلى يونس وهشام رحمهما الله .

وفيه في ترجمة ذريح بسنده عن محمد بن سنان عن عبد الله بن جبلة عن ذريح المحاربي قال : (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بالمدينة ما تقول في أحاديث جابر فقال تلقاني بمكة قال فلقيته بمنى فقال لي ما تصنع بأحاديث جابر أُله عن أحاديث جابر فإنها إذا وقعت إلى السفلة أذاعوها).

وفيه في ترجمة جابر بسند آخر عن ابن جبلة عن ذريح  المحاربي قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جابر الجعفي وما روى فلم يجبني وأظنه قال سألته بجمع فلم يجبني فسألته الثالثة فقال يا ذريح فإن السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنعوا أو قال أذاعوا) .

وفيه بسنده عن عبد الحميد بن أبي العلا قال : (دخلت المسجد حين قتل الوليد، فإذا الناس مجتمعون، قال فأتيتهم فإذا جابر الجعفي عليه عمامة خز حمراء وإذا هو يقول حدثني وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمد بن علي (عليه السلام) قال، فقال الناس جن جابر جن جابر).

أقول فانظر هداك الله بعين الإنصاف إذا كان الناس لا يحتملون هذا المقدار من صفة الأئمة (عليهم السلام) ويذكرون رواية ويقولون أنه المجنون فكيف يحتملون ما خصهم الله تعالى به مما لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ثم كيف يكون قول أمثال هؤلاء حجة في تصحيح عقائد الرجال وتزييفها، الحكم لله العلي الكبير.

وفيه في ترجمة سعيد الأعرج بسنده عن فضالة بن أيوب وغير واحد، عن معاوية بن عمار، عن سعيد الأعرج قال: (كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فاستأذن له رجلان، فأذن لهما، فقال أحدهما أ فيكم إمام مفترض الطاعة قال ما أعرف ذلك فينا، قال بالكوفة قوم يزعمون أن فيكم إماما مفترض الطاعة، وهم لا يكذبون أصحاب ورع واجتهاد وتشمير، فهم عبد الله بن أبي يعفور وفلان وفلان، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ما أمرتهم بذلك ولا قلت لهم أن يقولوه، قال فما ذنبي واحمر وجهه وغضب غضبا شديدا، قال، فلما رأيا الغضب في وجهه قاما فخرجا، قال أتعرفون الرجلين قلنا نعم هما رجلان من الزيدية، وهما يزعمان أن سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  عند عبد الله بن الحسن ، فقال كذبوا عليهم لعنة الله ثلاث مرات، لا والله ما رآه عبد الله ولا أبوه الذي ولده بواحدة من عينيه قط، ثم قال اللهم إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين وهو متقلده) .الحديث وهو طويل مروي في الكشي والكافي فانظر أيدك الله كيف كذب الإمام (عليه السلام) أصحابه مراعاة للتقية على سبيل التورية فإنه قال ما أعرف ذلك فينا وعنى غير نفسه لأنه العارف والمعروفون به غيره ثم قال ما أمرتهم بذلك ولا إني قلت لهم أن يقولوه يعنى أني ما أمرتهم بالإظهار ففهم الرجلان البليدان منه إنه ما ادعى هذه المنزلة لنفسه .

وفي منتخب البصائر للحسن بن سليمان الحلي عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن منصور بن حازم قال : عن أبي عبد الله (عليه السلام)  (قال ما أجد أحدا أحدثه وإني لأحدث الرجل بالحديث فيتحدث به فأوتى فأقول إني لم أقله).

وفي البصائر حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن بعض أصحابنا قال :(دخلت على أبي الحسن الماضي (عليه السلام)  وهو محموم ووجهه إلى الحائط فتناول بعض أهل بيته يذكر فقلت في نفسي هذا خير خلق الله في زمانه يوصينا بالبر ويقول في رجل من أهل بيته هذا القول قال فحول وجهه فقال إن الذي سمعت من البر إني إذا قلت هذا لم يصدقوا قوله وإن لم أقل هذا صدقوا قوله علي).

وفي رجال‏الكشي حدثني حمدويه وإبراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن ابن بكير، عن زرارة، قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أحاديث جابر فقال ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة وما دخل علي قط).هي.

فأنصف بالله يا أخي أتراك أن جابرا كان كذلك فإن قلت نعم فأنت لست بأهل للخطاب وإن قلت لا فما وجه هذا القول سوى أنه (عليه السلام) أراد بذلك ستر الأسرار عن  الأغيار ولقوله عنده معان صحيحة هو أعلم بها ولا تتوهم أن مثل زرارة لا تكتم نفسه الأسرار فإنا نقول إن زرارة وإن كان من أجلة الأصحاب غير أنه كان من فقهائهم ولا يحتمل ما يحتمله أشباه جابر ولقد مر في طي كلام الشيخ أبي الحسن حديث يشهد بذلك على أنه يمكن أن يقال أنه (عليه السلام) إنما قال ذلك لينقله زرارة لسائر الناس .

أقول: هذه الأخبار قليل من كثير ما ورد في هذا الشأن أخرجناها في هذا المقام ليعلم الناظر المنصف حقيقة ما ذكرناه من وجوه نشوء القدح في كثير من أعاظم الأصحاب والتابعين لهم بإحسان ومما يوضح بعض تلك الوجوه أن كثيرا من المسائل التي صارت سبب القدح في حق بعضهم قد صار بعد ذلك بين الشيعة من الأمور الضرورية فمن ذلك ما رواه الكشي  في ترجمة يونس فإنه روى حديثا عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يدل على أن أهل البصرة كانوا ينكرون على يونس بن عبد الرحمن قوله أن من السنة أن يصلي الإنسان ركعتين وهو جالس بعد العتمة وأنت تعلم أن هذه الصلاة من النوافل الراتبة فإذا كان الناس يجعلون مثل هذا سببا للقدح في مثل يونس فما ظنك بسائر الأمور الخفية.

ومنها ما رواه أيضا في ترجمة زرارة بسنده عن حمزة بن حمران، يقول حين قدم من اليمن :(لقيت أبا عبد الله (عليه السلام)  فقلت له بلغني أنك لعنت عمي زرارة قال فرفع يده حتى صك بها صدره ، ثم قال لا والله ما قلت ولكنهم يأتون عنه بأشياء فأقول من قال هذا فأنا منه بري‏ء، قال قلت فأحكي لك ما يقول قال نعم، قال قلت : يقول إن الله عز وجل لم يكلف العباد إلا ما يطيقون وأنهم لن يعملوا إلا أن يشاء الله ويريد ويقضي، قال : هو والله الحق، ودخل علينا صاحب الزطي فقال له: يا ميسر ألست على هذا قال على أي شي‏ء أصلحك الله أو جعلت فداك قال فأعاد هذا القول عليه كما قلت له، ثم قال هذا والله ديني ودين آبائي)هي .

فإن هذه المسألة التي قد صارت بين الشيعة من المسلمات أحد أسباب القدح من ضعفاء الشيعة في يونس بن عبد الرحمن وزرارة بن أعين وبريد بن معاوية ومن تابعهم كما يظهر من الآثار المنقولة حتى أن مذهبهم هذا عرض على الأئمة في بعض الأخبار فتبرؤوا منه تقية من الشيعة الضعفاء فضلا عن المخالفين .

منها مسألة الرجعة فإن جماعة من الشيعة كانوا يعدونها من التناسخ المجمع على بطلانه وكانوا يرمون من يقول بها بالكفر وينسبونه إلى القول بالتناسخ ولذا كانت الأئمة (عليهم السلام) لا يظهرون تلك المسألة إلا لخواص أصحابهم ، يظهر ذلك لمن تتبع الآثار وتردد في مجامع الأخبار مع أنها الآن من ضروريات مذهب الشيعة ومنكرها خارج عن حوزة الإيمان .

ومنها مسألة نفي السهو عن النبي والأئمة (عليهم السلام) فإن محمد بن الحسن بن الوليد جوز ذلك وتمسك فيه بخبر ذي اليدين المعروف وتبعه شيخنا أبو جعفر محمد بن بابويه  في ذلك فقال في الفقيه بعد إيراد الخبر في سهو النبي في الصلاة ما هذا لفظه : قال مصنف هذا الكتاب إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهوالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إن قال وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول أقل درجة الغلو نفى السهو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعني لجاز أن ترد جميع الأخبار وفي ردها إبطال الدين والشريعة وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي والرد على منكريه إن شاء الله تعالى.انتهى. فتدبر أيها الناظر إذا كان مثل ابن الوليد وتلميذه قد جعلا من علامة الغلو والتفويض إنكار سهو النبي الذي أجمع جميع من بعدهما من أساطين الشريعة على تنزيهه (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه ، فلا ريب أنهما كلما وجدا رجلا ينكر ذلك حكما عليه بالغلو والارتفاع فبعد هذا كيف يبقى الوثوق على جرحهما للرجال لمقتضى اجتهادهما في عقائدهم وليس قصدي من ذلك الطعن على هذين الشيخين فإن خطأهما في ذلك معفو إن شاء الله تعالى وإنما حكيت ما حكيت تنبيها للغافلين وإرشادا للجاهلين على أن الشيخ السديد شيخنا المفيد قدس الله روحه لم يبق لنا باقية في التعرض على هذا القول الضعيف فإنه كتب رسالة في ذلك ونسب قائل هذا القول إلى أمور لا يساعدني القلم بذكرها تصريحا والرسالة مشهورة أوردها بتمامها الشيخ المحدث الشيخ عبد الله البحراني في العوالم في مجلد أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآدابه وشيخنا المجلسي في السادس من البحار من أراد الوقوف على التفصيل فليراجع الرسالة المذكورة ليشاهد عجبا.

ثم إن مما يوهن التمسك بكل ما يقال في حق الرجال مضافا إلى ما ذكرناه أن الأئمة (عليهم السلام) إذا تبرءوا من واحد حقيقة كانوا يطردونه عن بابهم وينحونه عن جنابهم وينهون أصحابهم عن المجالسة معهم والأخذ عنهم كالمغيرة بن سعيد ومحمد بن بشير وكثير النوا وبنان وحمزة بن عمارة البربري والحارث الشامي وعبد الله بن الحارث وأبي الخطاب وبشار الشعيرى ومحمد بن علي الشلمغانى والحسن الشعيري وأبي الجارود وزياد بن المنذر وسالم بن أبي حفصة وسفيان الثوري والحكم بن عتيبة ومحمد بن نصيرالنميرى وصاحبه محمد بن موسى بن الحسن بن فرات الجعفى وأبي طاهر محمد بن علي بن بلال والحسين بن المنصور الحلاج ومحمد بن أحمد بن عثمان البغدادي وأبى دلف الكاتب ونظرائهم من الذين ارتدوا عن الدين وأظهروا البدع والأكاذيب فصرح الأئمة (عليهم السلام) بطردهم ولعنهم والبراءة منهم ولم يرد عنهم ما يكون قرينة على خلافه وقد رمى علماء الرجال جماعة بالكفر والغلو والارتفاع والتخليط مع أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يدنونهم ويلطفون بهم وينزلونهم منازل المقربين كالمفضل بن عمر ويونس بن عبد الرحمن وهشام بن الحكم ومحمد بن سنان وسهيل بن زياد الآدمي ونظرائهم وغفلوا عن الدقيقة التي نبهنا عليها ولم يعلموا أنهم لو كانوا كما زعموه فما بالهم (عليهم السلام) لا يفعلون في حقهم ما فعلوه في حق غيرهم من الطرد والتبعيد فإن هذا أبهى دليل على براءتهم مما زعمته المقصرة من علماء الرجال في حقهم وإن ما ورد عن الأئمة (عليه السلام) في حقهم من الذموم إنما هو لمصلحة وليس على سبيل الحقيقة وممن تفطن بهذه الدقيقة المولى البهبهاني قال  في ترجمة فارس بن حاتم بن ماهويه الغالي الملعون بعد ما ذكر في أصل الكتاب.

لعن علي بن محمد (عليهم السلام) له وأمر أصحابه بالتبري منه قال  في تعليقه عليه ويظهر مما في أمثال هذه الترجمة فساد نسبه الغلو إلى مثل المفضل بن عمر ومحمد بن سنان والمعلى بن خنيس وغيرهم من الجماعة الذين كانوا يترددون إليهم (عليهم السلام) ومكنوهم من الدخول عليهم ومجالستهم وألقوا إليهم الحلال والحرام وعلموهم الأحكام وأبسطوا إليهم وتلطفوا بهم ولم يزجروهم ولا نهوهم عن سوء العقيدة ولا أمروا بقتلهم وما حذروا الناس عن معاشرتهم ومصاحبتهم ولم يعاملوا معهم مراتب النهي عن المنكر حتى أن بعض أصحاب الإمام (عليه السلام) بل وخواصه قال بعده يوما بمحضر منه يا بن الفاعلة هجره حتى الممات مع أنه قال بذلك الاعتقاد أن أمه كافرة ونكاحها باطل فكيف يكون حالهم بالنسبة إلى الكافر سيما مثل هذا الكافر وقد ورد عنهم (عليهم السلام) أن عيسى لو سكت عما قالته النصارى فيه لكان حقا على الله أن يصم سمعه ويعمي بصره وربما كان يخطر بخاطر شخص حكاية الغلو بمحضر منهم فيضطربون ويبادرون إلى منعه وزجره وما رأينا شيئا من ذلك بالنسبة إلى تلك الجماعة بل جعلوا كثيرا منهم أمناءهم في أمورهم ووكلاءهم المستبدين المختارين المستقلين واحتمال اطلاع الخارج على مالم يطلعوا عليه كما ترى وورد عنهم (عليهم السلام) إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق ونعرف حب المحب وإن أظهر خلافه وبغض المبغض وإن أظهر خلافه ، وإنهم يعرفون خيار الشيعة من شرارهم وعندهم الصحيفة التي فيها أسماء أهل الجنة وأهل النار لا يزداد واحد منهم ولا ينقص وعندهم ديوان شيعتهم فيه أسماؤهم وأسماء إبائهم ومما يدل على فساد نسبة الغلو إلى هؤلاء روايتهم الأخبار الصريحة في فساده وتأليفهم الكتب في ذلك ورواية مشايخنا عنهم تلك الأخبار معتقدين صحتها محتجين بها . انتهى كلامة زيد مقامه.

وإذا تأملت هذه الدقيقة تفتحت لك أبواب في مقام الجرح والتعديل وميزان تزن به أكثر ما يقال أو قيل ومن أسباب التواهين أيضا أن  شيخنا الكشي مثلا قال في نصر بن الصباح وفي ترجمة المفضل بن عمر حدثني نصر بن الصباح وكان غاليا وقال في ترجمة جابر في حديث مصدر السند بنصر بن الصباح هذا حديث موضوع لا شك في كذبه ورواته كلهم متهمون بالغلو والتفويض هذا قوله  في نصر وقد ذكر في غير موضوع من كتابه ما يناقض هذه النسبة إلى نصر، منها في ترجمة الحسين بن علي الخواتيمي فإنه نقل فيها عن نصر بن الصباح أنه قال : إن الحسين بن علي الخواتيمي كان غالبا ملعونا ومنها في ترجمة على بن حسكة فإنه نقل فيها عن نصر أنه قال: علي بن حسكة الحوار كان أستاذ القسم الشعراني اليقطينى من الغلاة الكبار ملعون ومنها في ترجمة العباس بن صدقة فإنه نقل فيها عن نصر أنه قال : العباس بن صدقة وأبو العباس الطبراني وأبو عبد الرحمن الكندي المعروف بشاه رئيس من الغلاة الكبار الملعونين وذكر ما يقرب مما ذكر في ترجمة موسى السواق .

فانظر أعزك الله في هذا التناقض والتهافت في الكلام حتى تعلم أنا معذورون في عدم الاعتداد في تصحيح الأخبار بأقوال أهل الرجال على سبيل الإطلاق كما استقر عليه ديدن كثير من السابقين واللاحقين حتى أدى بهم التقليد إلى أمور غريبة تضحك منها الثكلى منها أنهم عدوا طريق الرواية من جهة أبي القاسم عبد العظيم بن عبد الله الحسنى المدفون بمشهد الشجرة بالري n وأرضاه من الحسن معللين بأنه ممدوح غير منصوص على توثيقه وقد قال السيد الداماد في الرواشح بعد ذكر هذا الحرف ونعم ما قال وعندي أن الناقد البصير والمستبصر الخبير يستهجنان ذلك ويستقبحانه جدا ولو لم يكن إلا حديث عرض الدين وما فيه من حقيقة المعرفة وقول سيدنا الهادي يا أبا القاسم أنت ولينا حقا مع ما له من النسب الطاهر والشرف الباهر لكفاه إذ ليس سلالة النبوة والطهارة كالأحد من الناس إذا ما آمن واتقى وكان عند آبائه الطاهرين مرضيا مشكورا فكيف وهو صاحب الحكاية المعروفة التي قد أوردها النجاشي في ترجمته وهي ناطقة بجلالة قدره وعلو درجته وفي فضل زيارته روايات متضافرة فقد ورد من زار قبره وجبت له الجنة . 

وروى الصدوق أبو جعفر بن بابويه في ثواب الأعمال مسندا حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا حمزة بن القاسم العلوي  قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عمن دخل على أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) من أهل الري قال : (دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) فقال : أين كنت ؟ قلت: زرت الحسين (عليه السلام) ، قال : أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن علي (عليه السلام)) ثم ساق الكلام إلى أن قال : فإذن الأصح الأرجح والأصوب الأقوم أن يعد الطريق من جهته صحيحا وفي الدرجة العليا من الصحة انتهى كلامه.

فانظر رحمك الله إلى أين تمادى بهم التقليد والجمود على ما قاله رجل أو رجلان في تحقيق حال الناس حتى جعلوا حديث مثل عبد العظيم الذي سمعت فيه ما سمعت في عداد الحسان وأعجب من ذلك وأعجب قول صاحب نقد الرجال في ترجمة خالد بن الوليد الملعون المخذول حيث قال خالد بن الوليد لخج ثم قال وروى الكشي بطريق ضعيف ما يدل على ذمه، هي .

وكتب بعض الفضلاء عليه خالد بن الوليد لعنه الله تعالى هو شر خلق الله تعالى وكفره أشهر من كفر إبليس وكأن المصنف لم يكن بين العلماء ، قد صدق المحشي فيما قال واعتذار بعض الأفاضيل عنه بأن مراد المصنف أن ما ذكره الكشي فقط ضعيف وإن كان ضعفه من ضروريات مذهبنا اعتذار غير مقبول فإن مثل هذا القول إنما يقال فيمن يكون الأمر فيه مشكوكا فيه وجهة عدم المذمومية أرجح ، ثم ما الداعي له على الاقتصار على مجرد ما رواه الكشى حتى يقع في هذه المغلطة سوى الجمود على التقليد وعدم الاعتداد بسائر كتب السير والأخبار في استعلام أحوال الرواة والرجال مع أنها في هذا الباب مفيدة فوائد غير محصورة ولم تنزل آية أو وحي من الله تعالى بأن الحجة في هذا الباب مقصورة على كتابي الشيخ وكتاب الكشي والنجاشى وابن الغضائري مثلا لا غير. وإن من استعلم حال الرجال من سائر الكتب غير الموضوعة لهذا الشأن واستخرج منها قرائن قطعية على حسن حال الرجال أو سوئه فقد خرج عن ربقة الدين وترك سنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يشهد بذلك حال كثير من المصنفين فإن من تتبع مسطوراتهم وجدهم قد سدوا باب التحقيق بالكلية وحصروا طريق العلم بأحوال الرجال فيما ضبط هؤلاء السابقون في كتبهم مع أنه كان عذرهم في ذلك لقاء هؤلاء للمعدلين والمجروحين دون من تأخر عنهم فهو كذب بحت فإنهم لم يلاقوا إلا من عاصرهم وعرفوا حاله وإنما استعلموا حال كثير منهم باجتهادهم في رواياتهم وفي الأخبار الواردة في شأنهم والأقوال المقولة في حقهم ومثل هذا الاجتهاد مشترك بين المتقدم والمتأخر فما بال المتأخرين لا يقبل اجتهادهم في ذلك ويقبل اجتهاد المتقدمين سيما مثل اجتهاد شيخنا الصدوق حيث قال في عقائده : إن علامة المفوضة والغلاة نسبتهم مشايخ قم وعلمائهم إلى القول بالتقصير .

وقد عرفت فيما مر أن القمييين كانوا يتهمون الرجل بأدنى شبهة وأن كثيرا منهم كانوا من ضعفاء الشيعة ولذا سقطت تصنيفاتهم عن أنظار المتأخرين قال شيخنا المفيد  في شرح العقائد ونعم ما قال فأما نص أبى جعفر  بالغلو على ما نسب مشايخ قم وعلمائهم إلى التقصير فليس نسبة هؤلاء القوم إلي التقصير علامة على غلو الناس إذا وفى جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصرا وإنما  يجب الحكم بالغلو على من نسب المحققين إلى التقصير سواء كانوا من أهل قم أو غيرها من البلاد وسائر الناس.

وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبى جعفر محمد بن الحسن بن الوليد لم نجد لها دافعا في التقصير وهي ما حكي عنه ، أنه قال : أقل درجة في الغلو نفي السهو عن النبي والإمام (عليه السلام) وعليهم الصلوات .

فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر مع أنه من علماء قم ومشايخهم، وقد وجدنا جماعة وردت إلينا من قم يقصرون تقصيرا ظاهرا في الدين ينزلون الأئمة عن مراتبهم ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم ورأينا من يقول أنهم كانوا يلجأوون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ويدعون مع ذلك أنهم من العلماء وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه ، انتهى كلامه زيد مقامه .             

 وبالجملة من تدبر في كلمات القوم وجد أكثر ما تمحلوه في هذا الباب خارجا عن طريق السداد والصواب وممن بالغ في هذا الشأن في الاجتهاد وقصر في تحصيل سبيل السداد الفضل بن شاذان النيشابورى فإنه مع تشيعه ووثاقته في الحديث كان ضعيف البصيرة يتهم كثيرا من الأصحاب بفساد العقيدة حتى ورد في شأنه في التوقيع عن مولانا أبي محمد العسكري (عليه السلام) هذا الفضل بن شاذان ما له والموالي يؤذيهم ويكذبهم وإني أحلف بحق آبائي إن لم ينته الفضل عن مثل ذلك لأرمينه بمرماة لا يندمل جرحه منها في الدنيا ولا في الآخرة ، هي. وكان سبب هذا التوقيع على ما رواه الكشي عن أبي علي البيهقي أن مولانا (عليه السلام) أنفذ إلى نيشابور وكيلا من العراق يقبض حقوقه فنزل بنيشابور عند قوم من الشيعة ممن يذهب مذهب الارتفاع والغلو والتفويض فكتب هذا الوكيل يشكو الفضل بن الشاذان بأنه يزعم أني لست من الأصل ومنع الناس من إخراج حقوقه وكتب هؤلاء النفر أيضا إلى الأصل الشكاية للفضل فخرج التوقيع على ما ذكر. هذا رواية الكشي في ترجمة الفضل، وذكر في ترجمة أبي يحيى الموصلي الملقب بكوكب الدم مايخالف هذا ظاهرا وإن التوقيع خرج في اختلاف أهل نيشابور في حق النبي والأئمة عليه و(عليه السلام) وتكفير بعضهم بعضا ومنهم الفضل بن شاذان والتوقيع طويل فيه ما يشابه هذه العبارة في الفضل ولا يبعد أن يكون التوقيع اثنين لاختلاف عبارتيهما والله أعلم .

 وعلى أي حال فرواية أبي علي تعطي إن هؤلاء النفر كانوا براء مما قذفهم به الفضل من الارتفاع والغلو وإنما أنكر عليهم الفضل من قلة معرفته بحق أئمته ومن هذا الباب قوله في محمد بن سنان ما اشتهر في كتب الرجال ومنهم أحمد بن محمد بن عيسى القمي فإنه مع جلالته كان قليل المعرفة مبرما في الطعن على أصحاب العلم والمعرفة وقد أخرج من قم جماعة بتهمة الغلو وغيره كسهيل بن زياد الآدمي وأحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن وأمثالهما ثم أعاد البرقي إلى قم واعتذر إليه ولما مات البرقي مشى في جنازته حافيا حاسرا ليبرء نفسه مما قذفه به وحق له أن يفعل ذلك فإن التسرع في أمثال تلك المقامات يورث أمثال تلك الندامات وقد مر أيضا أنه تاب عن الوقيعة في يونس بن عبد الرحمن لرؤيا رآها ومر أيضا عن مولانا محمد تقي المجلسي وسليله المولى البهبهاني الطعن في تضعيفاته، وقال السيد الداماد في الرواشح في ذكر علي بن محمد بن سيرة القاساني بعد ما نقل عن النجاشي أن أحمد بن محمد بن عيسى غمز عليه قال والحق أن مجرد  غمز أحمد بن محمد بن عيسي عليه مع شهادة النجاشي وغيره من عظماء المشيخة له بالفقه والفضل وعدم استناد ذلك الغمز إلى دليل يدل عليه في كتبه وأقواله مما لا يوجب القدح فيه والحديث من جهته يكون في عداد الحسان انتهى . 

ومنهم محمد بن الحسن بن وليد شيخ شيخنا الصدوق فإنه أيضا بالغ في التسارع إلى الإنكار بمقتضى اجتهاداته غير المقبولة وناهيك في معرفة ضعف بصيرته ونزارة معرفته ما سمعت فيما مر من قوله غير السديد .

ومنهم أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري صاحب كتاب الرجال المقصور على ذكر الضعفاء فإنه ممن أفرط في هذا الشأن في المقال وتجاوز حد الاعتدال حتى أن من تأمل في مبالغة ذلك يوهمه أنه ما كان همه إلا تكبير حجم كتابه .

وبالجملة أنه لم يقصر في التجاسر على حفظة آثار أهل العصمة وسدنة شرائع نبي الرحمة بل بذل فيه ما يبلغ إليه جهده ولذا جل من أتى بعده من المحققين أخذ في الرد عليه .

قال صاحب الرواشح  وما عليه الاعتماد في هذا الباب يعني في الجرح والتعديل مما بين أيدينا من كتب الرجال كتاب أبي عمر والكشي إلى أن قال فأما ابن الغضائري فمتسارع إلى الجرح حرد أو مبادر إلى التضعيف شططا وقال في موضع آخر منه ثم إن أحمد بن الحسين بن الغضائرى صاحب كتاب الرجال هذا مع أنه سارع إلى التضعيف بأدنى سبب قال في محمد بن أورمة اتهمه القميون بالغلو وحديثه نقي لا فساد فيه ولم أر شيئا ينسب إليه تضطرب فيه النفس إلا أوراق في تفسير الباطن وأظنها موضوعة عليه ..إلخ ، وسبق عن المولى البهبهاني أن كثيرا من القدماء سيما القمييين منهم كانوا يعتقدون في الأئمة منزلة خاصة إلى أن قال فعلى هذا ربما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة إلى آخر كلامه وقال في ترجمة إبراهيم بن عمر اليماني بعد نقل حيش عن ابن عقدة توثيقه ونقل عن الغضائري تضعيفه وترجيح العلامة في الخلاصة قبول روايته واعتراض الشهيد عليه بتقديم الجرح على التعديل .

قال  في جواب الشهيد في كلام له على أن الجارح ليس بمقبول القول إلى أن قال : فإنه مع عدم توثيقه كثر منه القدح في جماعة لا يناسب ذلك حالهم وقال في ترجمة صالح بن عقبة بن قيس بعد ما نقل عن الخلاصة أنه كذاب غال لا يلتفت إليه ، قال : الظاهر أن ما في الخلاصة من الغضائري ومر ما فيه مرارا ، إلى أن قال وروايته في كتب الأخبار صريحة في خلاف الغلو ، ثم قال : وقال جدي الظاهر أن الغلو الذي نسبه إليه الغضائري الأخبار الدالة على جلالة قدر الأئمة (عليهم السلام) كما رأيناها وليس فيها غلو ، وقال في ترجمة علي بن أحمد العقيقي: ويظهر الغضائري الذي لم يسلم من طعنه جليل عدم تطرق الطعن إليه انتهى. 

وأمثال هذه الأقوال فيه كثيرة يقف عليها من تتبع زبر المتأخرين من أصحابنا والذي ظهر لي من حال هذا الرجل أنه ممن لم يكن له حظ في مواريث العلم والاستعداد لتحقيق موارد الشبهات وإنما أخذ شيئا من الأفواه ولم يتقنه على الكمال فنبذ عقله وراء ظهره وقدم هواه أمامه ووقع بين العلماء وسلك نفسه في سلكهم فجعل كل من يمر عليه يرميه بلسانه ولا يبالي أأخطأ أم أصاب ، هذا ولقد وقفت على كلام لبعض الناس في الاعتذار عن مبالغة هذا الرجل في القدح يعجبني ذكره وهو أنه قال إن هذا الصنع منه لو لم يكن موجبا للمدح لم يكن مورثا للقدح لأنه يكشف عن كمال تثبت الرجل وشدة احتياطه في الدين وغاية تتبعه لموارد اليقين وأنا أقول أيها الرجل حفظت شيئا وغابت عنك أشياء فإن الاحتياط له مورد مخصوص وليس هذا منه فإن القدح في البريء بالكفر والزندقة والغلو والإلحاد بمجرد الظن بل الوهم من أعظم الكبائر عند الله وكيف ولم يرض الله تعالى بقذف من ظاهره الإيمان ببعض المعاصي كالزنا وشبهه إلا  بما رأته عينك على نحو العيان الذي لا يعتريه شبهة فكيف يقذفه بأسباب الكفر وإن هذا الاعتذار إلا نظير ما أخبرني والدي العلامة  عن بعض الموثقين أنه قال سألت المولى جعفر الاسترابادي المعاصر عن سبب تكفيره للشيخ الأجل العلام الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي أنار الله برهانه وقلت له هل سمعت منه أو رأيت شيئا في كتبه يدل على كفره صريحا قال لا ، قلت يا سبحان الله فما هذه الجرأة منك في قدحه وتكفيره قال إنما أكفره احتياطا ، هي .

وأنا أقول ولمثل هذا فليعمل العاملون والحكم لله العلي الكبير وأيضا كيف يجوز الاحتياط في قدح الرواة وهو يؤدي إلى تضعيف جملة وافية من أخبار الأصول والفروع وتعطيل كثير من الأحكام الدينية في البين إن هذا إلا اختلاق فهذا المعتذر لو اعتذر عن اعتذاره هذا كان أولى له وأحسن لأنه قال قولا أول من خالفه فيه هو الله عز وجل في قوله لنبيه﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـئك كان عنه مسؤولا﴾   وفي قوله﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم﴾  الآية هذا ولعلك تلومني في إساءة الأدب على مثل ابن الغضائرى وتقول أنه طعن في أهل العلم فأقول يا أخي إن كان الطعن في أرباب العلم قبيحا فهذا الرجل قد طعن في ألف رجل كلهم من أساطين الشريعة وحملة آثار الوحي والتنزيل فالرجل هو الذي فتح هذا الباب على نفسه ولا ذنب لأحد في ذلك أبدا فإن من حفر لأخيه بئرا وقع فيها وفي المثل أو هو من الحديث كما تدين تدان فحاصل الكلام وملخص المرام في المقام أن بناء قبول الأخبار وردها على تنقيح الأسانيد بما قاله أهل الرجال بناء على غير أساس لما عرفت من ابتناء جل ما وضعوه في كتبهم من وجوه الجرح والتعديل على اجتهاداتهم وتحريراتهم مع ما فيها من الاختلال والتخليط مع أنها على تقدير صحة مبانيها لا تكون حجة على الغير فكيف وفيها ما فيها وقد كان الواجب عليهم ذكر أسباب الجرح والتعديل تفصيلا حتى ينظر فيها فيقبل منها ما هو مقبول ويترك ما هو مردود  وأما الإرسال فهو مؤد إلى تقليد الغير لمن له أهلية الاستيضاح وقد اعترف بذلك جمع من محققي أصحابنا .

قال صاحب الرواشح : قول الجارح والمعدل من الأصحاب بالجرح أو التعديل إذا كان من باب النقل والشهادة كان حجة شرعية عند المجتهد وإذا كان من سبيل الاجتهاد فلا يجوز للمجتهد التعويل عليه وإلا رجع الأمر إلى التقليد بل يجب عليه أيضا أن يجتهد في ذلك ويستحصله من طرقه ويأخذه من مآخذه إلى أن قال: وأما كتاب الخلاصة للعلامة فيما فيه على سبيل الاستنباط والترجيح مما رجحه برأيه وانساق إليه اجتهاده فليس لمجتهد آخر أن يحتج به ويتكل عليه ويتخذه مأخذا ومدركا وما فيه على سنة الشهادة فلا ريب أنه يتحقق السبيل وعليه التأويل وكذلك يعتمد في الرد والقبول على ما في كتاب الحسن بن داود من النقل والشهادة ما لم يستبن خلافه أو التباس الأمر عليه وما لم يعارضه فيما شهد به بمعارض انتهى.

وأقول  إنما أخرجنا هذا الكلام استشهادا ببعض ما فيه وبعض كلامه فيه نظر يأتي إن شاء الله آنفا . 

وقال شيخنا الشهيد الثاني  في شرح الدراية بعد ذكر جواز القدح في المجروحين وأنه ليس من باب الغيبة قال ما هذا لفظه : نعم يجب على المتكلم في ذلك التثبت في نظره وجرحه لئلا يقدح في بريء غير مجروح بما ظنه جرحا فيخرج سليما ويسم بريئا بسمة سوء يبقي عليه الدهر عارها فقد أخطأ في ذلك غير واحد فطعنوا في أكابر من الرواة استنادا إلى طعن ورد فيهم له محمل صحيح أو لا يثبت عنهم بطريق صحيح ومن أراد الوقوف على حقيقة الحال فليطالع كتاب الكشي  في الرجال ثم قال : وقد كفانا السلف الصالح من العلماء بهذا الشأن مؤونة الجرح والتعديل غالبا في كتبهم التي صنفوها في الضعفاء كابن الغضائرى أو فيهما معا كالنجاشى والشيخ أبى جعفر الطوسى والسيد جمال الدين أحمد بن طاووس والعلامة جمال الدين بن المطهر والشيخ تقي الدين بن داود وغيرهم ولكن ينبغي للماهر في هذه الصناعة ومن وهبه الله أحسن بضاعة تدبر ما ذكروه ومراعاة ما قرروه فلعله يظفر بكثير مما أهملوه ويطلع على توجيه في المدح والقدح قد أغفلوه كما اطلعنا عليه كثيرا ونبهنا عليه في مواضع كثيرة وضعناها على كتب القوم خصوصا مع تعارض الأخبار في الجرح والتعديل فإنه وقع لكثير من أكابر الرواة وقد أودعه الكشي في كتابه من غير ترجيح وتكلم من بعده في ذلك واختلفوا في ترجيح أيهما على الآخر اختلافا كثيرا فلا ينبغي لمن قدر على البحث تقليدهم في ذلك بل ينفق مما أتاه الله فلكل مجتهد نصيب فإن طريق الجمع بينهما يلتبس على كثير حسب اختلاف طرقه وأصوله في العمل بالأخبار الصحيحة والحسنة والموثقة وطرحها أو بعضها فربما لم يكن في أحد الجانبين حديث صحيح فلا يحتاج إلى البحث عن الجمع بينهما بل يعمل بالصحيح خاصة حيث يكون ذلك من أصول الباحث وربما يكون بعضها صحيحا وبعضها حسنا أو موثقا ويكون من أصله العمل بالجميع فيجمع بينها بما لا يوافق أصل الباحث الآخر ونحو ذلك وكثيرا ما يتفق لهم التعديل بما لا يصلح تعديلا كما يعرفه من يطالع كتبهم سيما خلاصة الأقوال التي هي  الخلاصة في علم الرجال .

وقال في موضع آخر منه التعديل مقبول من غير ذكر سبب على المذهب المشهور لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها فإن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول لم يفعل كذا لم يرتكب كذا فعل كذا وذلك شاق جدا، وأما الجرح فلا يقبل إلا مفسرا سببه مبينا الموجب لاختلاف الناس فيما يوجبه فإن بعضهم يعمم يجعل الكبيرة القادحة ما توعد عليها في القرآن بالنار وبعضهم التوعد وآخرون يعممون المتوعد فيه بالكتاب والسنة وبعضهم يجعلون جميع الذنوب كبائر وصغر الذنب وكبره عندهم إضافي إلى غير ذلك من الاختلاف فلربما أطلق بعضهم القدح لشيء بناء على أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر أو في اعتقاد الآخر فلا بد من بيان سببه لينظر فيه أهو جرح أم لا وقد اتفق لكثير من العلماء جرح بعض فلما استفسر ذكر ما يصلح جارحا قيل لبعضهم لم تركت حديث فلان ؟

 فقال رأيته يركض على برذون ، وسئل آخر عن رجل من الرواة فقال ما أصنع بحديثه ذكر يوما عند حماد فامتعظ حماد ويشكل بأن ذلك آت في باب التعديل أيضا لأن الجرح كما تختلف أسبابه كذلك فالتعديل يتبعه في ذلك لأن العدالة تتوقف على اجتناب الكبائر مثلا فربما لم يعد المعدل بعض الذنوب كبائر ولم يقدح عنده فعلها في العدالة فزكى مرتكبه بالعدالة وهو فاسق عند الآخر بناء على كونه مرتكبا للكبيرة عنده ومن ثم ذهب بعضهم إلى اعتبار التفصيل فيهما ومن ذهب إلى صعوبة التفصيل ونحوه اكتفى بالإطلاق فيهما ، أما التفصيل باختلاف الجرح والتعديل في ذلك فليس بذلك الوجه نعم لو علم اتفاق مذهب الجارح والمعتبر ( بكسر الباء ) وهو طالب الجرح والتعديل ليعلم بالحديث أو يتركه في الأسباب الموجبة للجرح بأن يكون اجتهادهما فيما به تحصيل الجرح والتعديل واحدا أو أحدهما مقلدا للآخر أو كلاهما مقلدين لمجتهد واحد اتجه الاكتفاء بالإطلاق في الجرح كالعدالة وهذا التفصيل هو الأقوى فيهما .

واعلم أنه يرد على المذاهب المشهور من اعتبار التفصيل في الجرح إشكال مشهور من حيث أن اعتماد الناس اليوم في الجرح والتعديل على الكتب المصنفة فيهما وقلما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على قولهم فلان ضعيف ونحوه فاشتراط بيان السبب يقتضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب وأجيب بأن ما أطلقه الجارحون في كتبهم من غير بيان سببه وإن لم يقتض الجرح على مذهب من يعتبر التفسير لكن يوجب الريبة القوية في المجروح كذلك المفضية إلى ترك الحديث الذي يرويه فيتوقف عن قبول حديثه إلى أن تثبت العدالة أو يثبت زوال موجب الجرح ومن انزاحت عنه تلك الريبة بحثنا عن حاله بحثا أوجب الثقة بعدالته فقبلنا روايته ولم نتوقف أو عدمها انتهى كلامه  زيد مقامه .

أقول أما قول صاحب الرواشح إن قول الجارح والمعدل إلى قوله كان حجة شرعية ففيه أن هذا مجرد قول لا يفيد لأن من نظر في كتب الرجال وجد كثيرا من أقوالهم على صورة النقل والشهادة مع قطعنا بكون أكثر ذلك ناشئا من اجتهادهم وقطعنا بخطئهم في كثير من تلك الاجتهادات من القرائن الخارجية فمع ذلك كيف يجوز الوثوق بشهاداتهم مع أنه يرده ما ذكره الشيخ من اختلاف أسباب الجرح والتعديل بحسب العقائد وهو كلام متين لا يجوز رده والقول بأن عدالتهم تمنع من الإرسال في أسباب العدالة والجرح المختلف فيها فشهادتهم على الإطلاق تكشف عن وجود سبب في المجروح أو المعدل لا اختلاف في سببيته كلام شعري فإن الإفتاء والشهادة من ذكر سبب أو دليل لا ينافي العدالة عند أحد حتى يلجئهم إلى التزام أخذ السبب  المتفق عليه فإن لكل مستوضح التقيد بما يعتقده وليس له التفتيش عن عقائد الناس في ذلك وإن كان ملاحظا في تلك الشهادة أو الإفتاء عمل الناس بذلك فإنه يرى أنه يجب لكل من عداه موافقته في تلك الأسباب لأنها الحق باعتقاده وزعمه فكيف يحترز عن الإرسال والإطلاق إن هذا إلا اختلاق  وقوله وإذا كان من سبيل للاجتهاد إلى آخر كلامه، فهو مؤيد لما نحن بصدده .

وأما قول شيخنا الشهيد  وقد كفانا السلف الصالح إلى قوله والشيخ تقي الدين بن داود وغيرهم فهو مناقض لقوله السابق من إيجابه التثبت في ذلك وحكمه بخطأ غير واحد في الجرح والتعديل وكذا قوله اللاحق وهو قوله ولكن ينبغي للماهر إلى قوله وكثيرا ما يتفق لهم التعديل بما لا تصلح تعديلا ..إلخ ، فإنا إذا احتجنا إلى الاجتهاد في تشخيص أحوال الرجال وعدم التعبد بما قاله غيرنا فليت شعرى أي مؤونة كفاناها السلف .

  وأما قوله نقلا عن المشهور من وجوب ذكر سبب الجرح فهو كما قالوه وكذا العدالة ودليلهما واضح ولزوم انسداد باب الجرح والتعديل لا يجعل الكلام الحق باطلا فإن هذا دليلنا على عدم الاعتماد بالكتب الموضوعة في هذا الشأن فإلزام من لا يرى الاعتماد بهذه القضية مصادرة واضحة نعم هو ملزم لمن يعتمد تلك الكتب ولا يجد به التخلص عنه بأنه يوجب الريبة القوية.. إلخ ، لأن المفروض أن الجارح لم يصرح بسبب الجرح فكيف يمكن له العلم بأنه اعتمد في ذلك على سبب متفق عليه أو مختلف فيه فهب  أنا  استوضحنا من الخارج ما يدل على عدالة ذلك المجروح فكيف يرفع ذلك تلك الريبة العارضة مع تقدم الجرح على التعديل كما هو الحق فيجب حينئذ التوقف في جم غفير من الأخبار المحتاج العمل بها في طائفة من أحكام الشريعة وغيرها إلى أن يرزق الله تعالى ذلك المستوقف الحيران موتا سريعا يخلصه عن هذا الالتزام والامتناع الاختياري من دون مسيس الحاجة إليه مع وجود الطريق الواسع الذي قررناه وفي المقام بعد تحقيقات لا يسعنا إيرادها وإشباع الكلام فيها كما يزيد.

هذا واعلم أنا لا نقول أن كتب الرجال والاشتغال بتحقيق حال الرواة خالية عن الفائدة بالكلية ، كلا فإن في الاشتغال بهذا العلم فوائد كثيرة من معرفة طبقات الرواة ومعرفة الاختلالات الواقعة في الأسانيد ومعرفة أعيان أصحاب الكتب والأصول ومعرفة الطرق إليها والعلم بسنن السابقين ومعرفة الرواة القطعي الوثاقة أو الضعف وصحة العقيدة وفسادها فإنه من أسباب الترجيح إذا أمكن تحصيل العلم به إلى غير ذلك من الفوائد التي تظهر للممارس وكل ذلك له مدخلية في علم الحديث وحفظه وروايته وإنما قدمنا هذه الجملة أمام المقصود لئلا تقصر نظرك في أخبار هذا الكتاب في ضعف الرواة ووثاقتهم فتقبل ما تراه في الظاهر صحيحا وترد ما تراه ضعيفا فتحرم عن شراب التحقيق وتهوي بك الريح في مكان سحيق.

هذا ثم اعلم أن بعض المصنفين في الأخبار حذفوا أسانيد كثير من الأخبار واقتصروا على ذكر المتن من غير أن يشيروا إلى كتاب أخذوا الحديث عنه أيضا فإنهم لو فعلوا كذلك لكانوا معذورين في الجملة في ترك السند لأن الإرشاد إلى المخبر يعني عن الخبر وهذا منهم خروج عن قانون أدب الرواية فإن أدب الرواية أن تروي ما سمعت عمن سمعت عنه وهو عمن سمع إلى أن ينتهي إلى الأصل .

وفي الكافي  علي بن إبراهيم عن أبيه وعن أحمد بن محمد بن خالد عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ) إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم فإن كان حقا فلكم وإن كان كذبا فعليه). هذا مع ما في ترك الإسناد من إيراث اتهام الوضع عند كثير من الناس لأن طباعهم مجبولة على أن الرواية إذا أسندت إلى كتاب أو أصل معتبر سكنت إليها نفوسهم وإذا أهمل ذلك أوجب الوهن في الاعتماد لعجزهم عن تحقيق صحة الخبر من متنه وهذا أحد أسباب حصول الريبة في الشيخ الحافظ البرسي فإنه مع اتهامه بالغلو والارتفاع حذف في كتبه إسناد أكثر الأخبار ولم يسنده إلى كتاب وقد أساء في ذلك جدا وأما اصطلاحنا نحن في هذا الكتاب ، فاعلم أنا تركنا ذكر السند إلى أصحاب الكتب التي ننقل الأخبار عنها فبدأنا أولا بذكر الكتاب الذي نروي الخبر عنه ثم نردفه بذكر السند الذي في ذلك الكتاب إلى المعصوم ثم نسوق الخبر ، هذا دأبنا في صدر الكتاب ونورد إن شاء الله أسانيدنا إلى تلك الكتب في آخر الكتاب على سبيل الجملة لتخرج الأخبار عن حد الإرسال اقتفاء بسنن السابقين ثم إن ظفرنا بالخبر في عدة كتب من الكتب الحاضرة عندنا فنكتفي بالنقل عن واحد منها أو اثنين لأن الغرض من وضع هذا الكتاب ذكر المناقب لأهل التسليم وهو يؤدى بذلك والمنكر لا يكفيه ذكر ألف سند غير أنا نقدم من الكتب ما هو أقدم عند أهل الاعتبار إلا أن يكون عثورنا على الأقدم بعد نقل الخبر عن غيره فإنا غير ملتزمين في تأليفنا هذا على استفراغ الوسع في التصفح وإنما ننقل ما وقفنا عليه ابتداء والعثور عليه في كتابين أو أكثر اتفاقي هذا إذا كان كل من الطريق والمتن متحدا بالكلية والاعتماد على ما هو أضبط سندا وإن خالف شرطنا الأول كتقديم المسند على المرسل وشبهه مع اتحاد المتن والاعتماد على ما هو من حيث المتن أجمع وأقسط وإن كان طريق الآخر أضبط لأن المتن هو المقصود بالأصالة، وإذا نقلنا الخبر عن كتابين فنفصل بين سنديهما إذا اختلفا  بلفظه حينئذ ثم نشير إلى أن اللفظ لدى كل منهما إذا كان في المتن اختلاف يسير ومع الاختلاف الكثير لا نجمع بينهما رأسا ثم أنا لا نردف الأخبار ببيان اللغات وإبداء بعض النكات وإيضاح بعض المشكلات كما صنعه أصحاب الجوامع الثلاثة الوافي والبحار والعوالم فإنه وظيفة كتب الاستدلال لا الموضوعة لجمع الأخبار ، هذا مع ما في كثير منها ما فيه فلا يحملنه الناظرون على الغي والعجز عن الكلام فإن الله وله الحمد قد وهبنا من فهم دقائق آثار الوحي ما يحق لي أن أباهي به الأوائل وأتمثل بقول القائل كم ترك الأول للآخر كل ذلك من التمسك بأذيال آل محمد الطاهرين صلى الله عليه وعليهم أجمعين ولكن ليس كل العلم ينبغي أن يوضع في كل مقام وقد جعل الله لكل شيء قدرا وإن التجأنا إلى الكلام في بعض المواضع نادرا فنقتصر فيه على أدنى ما تؤدى به الضرورة ، ثم إنا لم نقتصر في أسماء الكتب بالرموز لأنه قناعة وإقتار غير مرضي سيما في هذا الكتاب الذي ليست أخباره بهذه المثابة من الكثرة هذا والمأمول من إخوان الصفاء وخلان الوفاء إذا ظفروا بهذا الكتاب المستطاب أن لا يسلوا عليه سيف البغي والعدوان فيعمدوا إلى قتل رجال أسانيده بسيوف أقلام الاختصار أو قطع رؤوس كتبه  المصدرة بها الأخبار بحسام القناعة والإقتار أو يفرقوا بين أزواج أحاديثه المؤتلفة بسحر التلخيص والانتخاب أو يغيروا على إفضاء أبكاره المقصورات في الخيام بأنملة الشرح وكشف النقاب فإني وجدت كثيرا من الشراح وجمهورا من المخلصين أعداء كتب الناس يوسوسون فيها كالوسواس الخناس فهذا يهدم الأساس وذاك يلبسه ثوب الالتباس على أني لو كنت لامحا لكونه أخصر فلقد كنت به أجدر وعليه أقدر بطرفة البصر أو كانت المصلحة في شرح رموز الأخبار وكشف معانيها فلقد كان الأولى بأمر الدار بانيها ، نعم لا أمنع عن الترجمة إذا كان المترجم حذيقا مفلقا في الأداء غير مشغوف بمرض التصرف والاعتداء وإلا فلا ، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه والله سميع عليم .

 

الجزء الأول

وهذا أوان الشروع في عرض الأنوار الطالعة من سماء الوحي على بسيطات الأوراق، والله الموفق للحق والصواب وإليه المساق.

فضائل علي لا يحصيها إلا الله

الحديث الأول أمالي الصدوق قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق  قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى البصري ، عن يحيى البصري قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري ، عن محمد بن عمارة عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن آبائه الصادقين (عليهم السلام)  قال: ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)إن الله تبارك وتعالى جعل لأخي علي بن أبي طالب فضائل لا يحصي عددها غيره ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين ، ومن كتب فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتابة في فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر ، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)  عبادة وذكره عبادة ، ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه).

ما خرج من علمهم إلا ألف غير معطوفة

الحديث الثاني بصائر الدرجات للشيخ الثقة محمد بن حسن الصفار حدثنا الحسن بن موسى الخشاب ، عن إسماعيل بن مهران ، عن عثمان بن جبلة ، عن كامل التمار قال : (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ذات يوم فقال لي :يا كامل اجعلوا لنا ربا نؤب إليه وقولوا فينا ما شئتم ، قال : قلت نجعل لكم ربا تؤبون إليه و نقول فيكم ما شئنا ، قال : فاستوى جالسا، ثم قال : وما عسى أن تقولوا والله ما خرج إليكم من علمنا إلا ألفا غير معطوفة).

تحقيق لطيف في الألف غير المعطوفة

 يقول مصنف هذا الكتاب عفا الله عنه المراد بالألف غير المعطوفة الأمر المجمل غير المفصل لأن الألف غير المعطوفة هي الألف نفسها في مقابل الألف المعطوفة التي هي الباء ويقال لها الألف المبسوطة أيضا لأن الباء حدثت من ميل الألف المستقبلة هكذا ( ) إلى الانبساط والانعطاف هكذا  (—) كما قررنا في علم الخط والإطلاق المذكور شايع بين أهل الحروف فالألف شكلها شكل الإجمال والباء التي هي الألف المعطوفة شكلها شكل التفصيل لميلها إلى الانبساط والتكثر فافهم.

وله معنى آخر، وهو أنه ما خرج إليكم إلا حرف واحد ابتدائي لم ينضم إليه سائر الحروف بعد لتتم الكلمة والمآل واحد عند التدقيق وإن كان بينهما في الابتداء فرق دقيق .

طاعة الإمام مفترضة كطاعة الله

الثالث وفيه  أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين ، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب ، عن ضريس ، قال : (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول وأناس من أصحابه حوله : إني أعجب من قوم يتولوننا ويجعلوننا أئمة ويصفون بأن طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة الله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم فينقصون حقنا  ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم ، فقال له حمران : جعلت فداك يا أبا جعفر أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والحسن والحسين (عليه السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله وما أصيبوا به من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه فبتقدم علم إليهم من رسول الله في ذلك قام علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم وبعلم صمت من صمت منا ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله رفع ذلك عنهم وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد وما كان الذي أصابهم من ذلك يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها فلا تذهبن بك المذاهب)

عرض الأعمال على النبي والأئمة عليهم السلام

الرابع كتاب الغيبة للشيخ الجليل محمد بن الحسن الطوسي  أخبرني به الحسين بن عبيد الله عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري  قال حدثني الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح  قال (اختلف أصحابنا في التفويض وغيره فمضيت إلى أبي طاهر بن بلال في أيام استقامته فعرفته الخلاف فقال أخرني فأخرته أياما فعدت إليه فأخرج إلي حديثا بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أراد الله أن يحدث أمرا عرضه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر الأئمة واحدا بعد واحد إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمان (عليه السلام)  ثم يخرج إلى الدنيا وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى الله عز وجل عملا عرض على صاحب الزمان (عليه السلام)  ثم يخرج على واحد بعد واحد إلى أن يعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يعرض على الله عز وجل فما نزل من الله فعلى أيديهم وما عرج إلى الله فعلى أيديهم وما استغنوا عن الله عز وجل طرفة عين).

 يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب هذا الحديث هو الذي وعدناكه في المقدمات وهو الطريق الوسط الذي من تقدمه غرق في بحر الإفراط ومن تأخر عنه تاه في بحر التفريط فزن بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا .

نور محمد وآله من نور عظمة الله

الخامس كتاب تأويل الآيات الظاهرة في العترة الطاهرة للسيد شرف الدين النجفي عن الشيخ أبي جعفر الطوسي  عن الشيخ أبي محمد الفضل بن شاذان بإسناده عن رجاله عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام العالم موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) قال (إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من نور اخترعه من نور عظمته وجلاله، وهو نور لاهوتيته الذي تبدى (من لاه أي من إلهيته من إنيته الذي تبدئ منه وتجلى لموسى ابن عمران (عليه السلام) به في طور سيناء فما استقر له ولا طاق موسى لرؤيته ولا ثبت له حتى خر صعقا مغشيا عليه وكان ذلك النور نور محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أراد الله أن يخلق محمدا منه قسم ذلك النور شطرين فخلق من الشطر الأول محمدا ومن الشطر الآخر علي بن أبي طالب (عليه السلام)  ولم يخلق من ذلك النور غيرهما خلقهما الله بيده ونفخ فيهما بنفسه من نفسه لنفسه، وصورهما على صورتهما وجعلهما أمثالهوشهداء  على خلقه وخلفاء على خليقته وعينا له عليهم ولسانا له إليهم،  قد استودع فيهما علمه وعلمهما البيان واستطلعهما على غيبه، وجعل أحدهما نفسه والآخر روحه لا يقوم أحدهما  بغير صاحبه ظاهرهما بشرية وباطنهما لاهوتية ظهرا للخلق على هياكل الناسوتية حتى يطيقوا رؤيتهما وهو قوله تعالى ﴿وللبسنا عليهم ما يلبسون﴾ فهما مقاما رب العالمين وحجابا خالق الخلائق أجمعين بهما فتح الله بدء الخلق وبهما يختم الملك والمقادير. ثم اقتبس من نور محمد فاطمة ابنته كما اقتبس نوره من نوره واقتبس من نور فاطمة وعلي الحسن والحسين كاقتباس المصابيح هم خلقوا من الأنوار وانتقلوا من ظهر إلى ظهر [ومن صلب إلى صلب ومن رحم إلى رحم في الطبقة العليا من غير نجاسة بل نقلا بعد نقل، لا من ماء مهين ولا من نطفة خثرة كسائر خلقه بل أنوار انتقلوا من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، لأنهم صفوة الصفوة اصطفاهم لنفسه وجعلهم خزان علمه وبلغاء عنه إلى خلقه،أقامهم مقام نفسه لأنه لا يرى ولا يدرك ولا تعرف كيفيته ولا إنيته، فهؤلاء الناطقون المبلغون عنه المتصرفون في أمره ونهيه فيهم يظهر قدرته، ومنهم ترى آياته ومعجزاته،  وبهم ومنهم عرف عباده نفسه وبهم يطاع أمره ولولاهم ما عرف الله ولا يدرى كيف يعبد الرحمن فالله يجري أمره كيف شاء فيما يشاء ﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾).

كنه معرفة آل محمد عليهم السلام

السادس وفيه عن كتاب مصباح الأنوار للشيخ الطوسي قدس سره القدوسي بإسناده عن رجاله مرفوعا إلى المفضل بن عمر قال (دخلت على الصادق (عليه السلام) ذات يوم فقال لي يا مفضل هل عرفت محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) كنه معرفتهم قلت يا سيدي وما كنه معرفتهم قال يا مفضل تعرف أنهم في طرف عن الخلائق بجنب الروضة الخضراء فمن عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى قال قلت عرفني ذلك يا سيدي قال يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق الله عز وجل وذرأه وبرأه وأنهم كلمة التقوى وخزناء السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار وعرفوا كم في السماء نجم وملك وعلموا وزن الجبال وكيل ماء البحار وأنهارها وعيونها وما تسقط من ورقة إلا علموها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وهو في علمهم وقد علموا ذلك فقلت يا سيدي قد علمت ذلك و أقررت به وآمنت قال نعم يا مفضل نعم يا مكرم نعم يا محبور نعم يا طيب طبت وطابت لك الجنة ولكل مؤمن بها).

مخاطبة النبي بلغة علي عليه السلام ليلة المعراج

السابع الجواهر السنية في الأحاديث القدسية للشيخ المحدث محمد بن الحسن الحر العاملي عن مناقب الخوارزمي بسند هذا صورته : أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني، أخبرني أبو القاسم نصر بن محمد بن ديرك] المقرئ ، أخبرني والدي أبو عبد الله محمد حدثني أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد النيسابوري، حدثني أحمد بن محمد بن عبد الله النارنجي البغدادي من حفظه بدينور ، حدثني محمد بن جرير الطبري ، حدثني محمد بن حميد الرازي، حدثني العلاء بن الحسين الهمداني ، حدثني أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي ، عن عبد الله بن عمر قال (سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج فقال خاطبني بلغة علي بن أبي طالب فألهمني أن قلت يا رب خاطبتني أم علي فقال يا أحمد أنا شيء لا كالأشياء لا أقاس بالناس ولا أوصف بالأشباه خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قلبك فلم أجد أحدا إلى قلبك أحب إليك من علي بن أبي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك). 

حلقة باب الجنة تقول في طنينها يا علي

الثامن أمالي الصدوق  حدثنا أبي  ، قال : حدثنا عبد الله بن الحسن المؤدب ، عن أحمد بن علي الأصبهاني ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا محمد بن داود الدينوري ، قال : حدثنا منذر الشعراني ، قال : حدثنا سعيد بن زيد ، عن أبي قنبل ، عن أبي الجارود، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (إن حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب فإذا دقت الحلقة على الصفحة طنت وقالت يا علي).

كل شيء ناطق بذكر محمد وأوصيائه

التاسع كتاب مقتضب الأثر في النصوص على الأئمة الاثنى عشر للشيخ الجليل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عياش (بالياء المثناة التحتانية والشين المعجمة) الدوريستي، قال : حدثني محمد بن جعفر الأدمي من أصل كتابه وأثنى ابن غالب الحافظ عليه، قال: حدثني أحمد بن عبيد بن ناصح ، قال : حدثني الحسين بن علوان الكلبي ، عن همام بن الحارث ، عن وهب بن منبه (ح) كتاب المحتضر (بالحاء المهملة والضاد المعجمة) للحسن بن سليمان الحلي ، ما رواه من كتاب السيد حسن بن كيش عن وهب بن منبه واللفظ للأول قال : (إن موسى (عليه السلام) نظر ليلة الخطاب إلى كل شجرة في الطور وكل حجر ونبات تنطق بذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واثني عشر وصيا له من بعده، فقال موسى إلهي لا أرى شيئا خلقته إلا وهو ناطق بذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه الاثني عشر فما منزلة هؤلاء عندك، قال يا ابن عمران إني خلقتهم قبل خلق الأنوار وجعلتهم في خزانة قدسي يرتعون في رياض مشيتي ويتنسمون من روح جبروتي ويشاهدون أقطار ملكوتي حتى إذا شئت مشيتي أنفذت قضائي وقدري،  يا ابن عمران إني سبقت بهم السباق حتى أزخرف بهم جناني، يا ابن عمران تمسك بذكرهم فإنهم خزنة علمي وعيبة حكمتي ومعدن نوري،  قال حسين بن علوان فذكرت ذلك لجعفر بن محمد (عليه السلام)  فقال حق ذلك هم اثنا عشر من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي ومن شاء الله قلت جعلت فداك إنما سألتك لتفتيني بالحق قال أنا وابني هذا وأومأ إلى ابنه موسى (عليه السلام) والخامس من ولده يغيب شخصه ولا يحل ذكره باسمه).

تحقيق لطيف في النهي عن تسمية القائم (عليه السلام) باسمه

يقول مصنف هذا  الكتاب قد ورد في عدة أخبار النهي عن تسمية القائم (عليه السلام) زمان غيبته، منها هذا الحديث وورد في عدة من الأخبار المعتبرة ذكره باسم محمد بن الحسن (عليه السلام) وقد اعترض بعض النواصب في ذلك على الشيعة بأن في قولهم تناقضا في ذلك، والمسكين لم يعرف أن لأئمتنا (عليهم السلام) ألقابا وأسماء متعددة كما للنبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن من أسمائه محمد ومنها  أحمد إلى غير ذلك من الأسماء والألقاب فإذا تحقق ذلك نقول يا مسكين من أين علمت أن اسم مولانا المخزون المكنون هو الذي ورد به التصريح حتى ألزمتنا بالتناقض وقول النبي   (صلى الله عليه وآله وسلم)إنه سميي لا يستلزم ذلك لأن أسماءه أيضا متعددة فلعله سمي باثنين أو أكثر من أسمائه فأظهروا واحدا وكتموا الآخر كما هو كذلك في الواقع فإن اسمه المكنون غير هذا الاسم المصرح به في الأخبار وقد غفل عن هذه الدقيقة كثير من أصحابنا أيضا فحسبوا بين الأخبار تعارضا من تلك الجهة ودفعه ما ذكرناه فتدبر.

علي الأول والآخر والظاهر والباطن

العاشر بصائر الدرجات للصفار  إبراهيم بن هاشم عن البرقي عن ابن سنان قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لقد أسرى بي ربي  فأوحى إلي من وراء الحجاب ما أوحى وكلمني فكان مما كلمني أن قال يا محمد علي الأول وعلي الآخر و الظاهر و الباطن وهو بكل شيء عليم فقلت يا رب أليس ذلك أنت؟ قال فقال يا محمد إني أنا الله لا إله إلا أنا الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون إني أنا الله لا إله إلا أنا الخالق البارئ المصور لي الأسماء الحسنى يسبح لي من في السماوات والأرضين وأنا العزيز الحكيم يا محمد إني أنا الله لا إله إلا أنا الأول فلا شي‏ء قبلي وأنا الآخر فلا شي‏ء بعدي وأنا الظاهر فلا شي‏ء فوقي وأنا الباطن فلا شي‏ء تحتي وأنا الله لا إله إلا أنا بكل شي‏ء عليم يا محمد علي الأول أول من أخذ ميثاقي من الأئمة يا محمد علي الآخر آخر من أقبض روحه من الأئمة وهو الدابة التي تكلمهم يا محمد علي الظاهر أظهر عليه جميع ما أوحيه إليك ليس لك أن تكتم منه شيئا يا محمد علي الباطن أبطنته سري الذي أسررته إليك فليس فيما بيني وبينك سر دونه يا محمد علي عليم كلما خلقت من حلال أو حرام علي عليم به).

تحقيق لطيف في تسمية علي (عليه السلام) بدابة الأرض

يقول المصنف هذا في تسمية علي (عليه السلام) بدابة الأرض إشارة إلى أنه لا متحرك في أرض إلامكان إلا هو وأن كل متحرك فحركته بفاضل حركته وهو معنى الولاية المطلقة فافهم.

مناجاة الله لعلي عليه السلام يوم خيبر

الحادي عشر وفيه علي بن محمد قال حدثني حمران بن سليمان النيشابوري قال حدثنا عبد الله بن محمد اليماني عن منيع عن يونس عن علي بن أعين عن أبي رافع قال : (لما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) يوم خيبر فتفل في عينيه قال له إذا أنت فتحتها فقف بين الناس فإن الله أمرني بذلك، قال أبو رافع : فمضى علي (عليه السلام) وأنا معه فلما أصبح افتتح خيبر ووقف بين الناس وأطال الوقوف فقال الناس إن عليا (عليه السلام) يناجي ربه فلما مكث ساعة أمر بانتهاب المدينة التي فتحها ، قال أبو رافع : فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت إن عليا (عليه السلام) وقف بين الناس كما أمرته قال قوم منهم يقول إن الله ناجاه ، فقال : نعم يا أبا رافع إن الله ناجاه يوم الطائف ويوم عقبة تبوك ويوم حنين).

مناجاة الله لعلي عليه السلام في الطائف

 الثاني عشر وفيه وعنه بهذا الإسناد عن منيع عن يونس عن علي بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  لأهل الطائف لأبعثن إليكم رجلا كنفسي يفتح الله به الخيبر سيفه سوطه فيشرف الناس له فلما أصبح دعا عليا (عليه السلام) فقال اذهب بالطائف ثم أمر الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  أن يرحل إليها بعد أن رحله علي (عليه السلام) فلما صار إليها كان على رأس الجبل فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اثبت فثبت فسمعنا مثل صرير الرحى فقيل يا رسول الله ما هذا قال إن الله عزوجل يناجي عليا (عليه السلام) 

علي عليه السلام الصراط المستقيم

الثالث عشر وفيه محمد بن الحسين ، عن النضر بن سويد، عن خالد بن حماد ومحمد بن الفضيل ، عن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال (أوحى الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)﴿فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم﴾  قال إنك على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم).

النذر الأولى

 الرابع عشر وفيه حدثنا بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن معمر عن أبيه قال : (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى ﴿هذا نذير من النذر الأولى﴾ قال يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث دعاهم بالإقرار بالله في الذر الأول) .

فاطمة الزهراء عليها السلام يوم القيامة

  الخامس عشر أمالي الصدوق  حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن عبد الواحد الخزاز ، قال : حدثني إسماعيل بن علي السندي ، عن منيع بن الحجاج ، عن عيسى بن موسى ، عن جعفر الأحمر ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال : (سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها داخلها عفو الله وخارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركنا كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء وعن يمينها سبعون ألف ملك وعن شمالها سبعون ألف ملك وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يبقى يومئذ نبي ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتزج بنفسها عن ناقتها وتقول إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله جل جلاله يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطي واشفعي تشفعي فوعزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم فتقول إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبي ومحبي ذريتي فإذا النداء من قبل الله جل جلاله أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبو ذريتها فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة (عليه السلام) حتى تدخلهم الجنة).

عمرو بن العاص ومعاوية في صفين

  السادس عشر وفيه حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال حدثنا علي ابن زياد قال حدثنا الهيثم بن عدي عن الأعمش عن يونس بن أبي إسحاق قال حدثنا أبو الصقر عن عدي بن أرطاة قال : (قال : معاوية يوما لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله أينا أدهى، قال عمرو : أنا للبديهة وأنت للروية ، قال معاوية : قضيت لي على نفسك وأنا أدهى منك في البديهة ، قال عمرو: فأين كان دهاؤك يوم رفعت المصاحف ، قال : بها غلبتني يا أبا عبد الله أفلا أسألك عن شيء تصدقني فيه ، قال : والله إن الكذب لقبيح فاسأل عما بدا لك أصدقك ، فقال : هل غششتني منذ نصحتني ، قال : لا ، قال : بلى والله لقد غششتني أما إني لا أقول في كل المواطن ولكن في موطن واحد، قال : وأي موطن هذا ، قال : يوم دعاني علي بن أبي طالب (عليه السلام)  للمبارزة فاستشرتك فقلت ما ترى يا أبا عبد الله فقلت كفؤ كريم فأشرت علي بمبارزته وأنت تعلم من هو فعلمت أنك غششتني، قال: يا أمير المؤمنين دعاك رجل إلى مبارزته عظيم الشرف جليل الخطر فكنت من مبارزته على إحدى الحسنيين إما أن تقتله فتكون قد قتلت قتال الأقران وتزداد به شرفا إلى شرفك وتخلو بملكك وإما أن تعجل إلى مرافقة الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، قال  معاوية : هذه شر من الأولى والله إني لأعلم أني لو قتلته دخلت النار ولو قتلني دخلت النار قال له عمرو فما حملك على قتاله قال الملك عقيم ولن يسمعها مني أحد بعدك).

الكفر بعلي كفر بالله والإيمان به إيمان بالله

 السابع عشر وفيه حدثنا أحمد بن محمد الصائغ العدل ، قال: حدثنا عيسى بن محمد العلوي ، قال : حدثنا أبو عوانة ، قال : حدثنا محمد بن سليمان بن بزيع الخزاز ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبان، عن سلام بن أبي عمرة الخراساني ، عن معروف بن خربوذ المكي ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (يا حذيفة إن حجة الله عليكم بعدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) الكفر به كفر بالله والشرك به شرك بالله والشك فيه شك في الله والإلحاد فيه إلحاد في الله والإنكار له إنكار لله والإيمان به إيمان بالله ، لأنه أخو رسول الله ووصيه وإمام أمته ومولاهم وهو حبل الله المتين وعروته الوثقى التي لا انفصام ، لها وسيهلك فيه اثنان ولا ذنب له محب غال ومقصر ، يا حذيفة لا تفارقن عليا فتفارقني ولا تخالفن عليا فتخالفني ، إن عليا مني وأنا منه من أسخطه فقد أسخطني ومن أرضاه فقد أرضاني) .

تحقيق لطيف في معنى أن الكفر بعلي (عليه السلام) كفر بالله

 يقول مصنف هذا الكتاب قوله (عليه السلام) (الكفر به كفر بالله...إلخ) كأني بالمتكلفين يرتكبون المجاز في توجيهه لأنهم يثبتون هنا كفرين أحدهما غير الآخر وليس كذلك بل الكفر كفر واحد وتوضيحه أن الله لا يعرف من نحو ذاته لأحد وإلا لكان مدركا ومحاطا وهو علامة الحدوث وإنما تعرف إلى عباده بما وصف به نفسه فمن عرف ذلك الوصف عرف الموصوف ومعنى ذلك الوصف في عالم الأعيان الهيكل العلوي النوراني ولذا قال (معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي بالنورانية) فحصر معرفة الله في معرفته لأنه صيغ على وفق حروف كلمة التوحيد في الألفاظ فكما أن لفظ كلمة التوحيد يدل عليه تعالى باللفظ كذلك ذلك الهيكل يدل عليه تعالى بالعين فالكفر بالله في الحقيقة كفر بذلك الوصف العنواني الأنموذج الفهواني والكفر به كفر بالله بمعنى أن لا معنى للكفر بالله سوى الكفر به وبهذا القياس باقي الفقرات لأن العنوان غير ملحوظ في جنب ظهور ذي العنوان فلا ذكر لعلي (عليه السلام) من حيث هو هو في جنب ظهوره سبحانه به له ولسائر الخلق ولو بأثر ما له منه فافهم وتبصر ، وأما التفريق بين الكفرين فهو درجة أهل الصور ولا بأس به غير أنه أخس المعاني ولا ينفتح به الباب الذي يفتح منه ألف باب والله ولي الحساب.

قول إبليس للناكثين والقاسطين والمارقين

  الثامن عشر وفيه حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد العلوي من ولد محمد بن علي بن أبي طالب ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن موسى، قال : حدثنا أحمد بن علي ، قال : حدثني أبو علي الحسن بن إبراهيم بن علي العباسي ، قال : حدثني أبو سعيد -وفي العلل محمد بن مرداس بدل عمير- عمير بن مرداس الدولقي ، قال : حدثني جعفر بن بشير المكي ، قال : حدثنا وكيع عن المسعودي ، رفعه عن سلمان الفارسي قال : (مر إبليس لعنه الله بنفر يتناولون أمير المؤمنين (عليه السلام) فوقف أمامهم فقال القوم من الذي وقف أمامنا فقال أنا أبو مرة فقالوا يا أبا مرة أما تسمع كلامنا فقال سوءة لكم تسبون مولاكم علي بن أبي طالب (عليه السلام)  فقالوا له من أين علمت أنه مولانا فقال من قول نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقالوا له فأنت من مواليه وشيعته فقال ما أنا من مواليه ولا من شيعته ولكني أحبه وما يبغضه أحد إلا شاركته في المال والولد فقالوا له يا أبا مرة فتقول في علي شيئا فقال لهم اسمعوا مني معاشر الناكثين والقاسطين والمارقين عبدت الله { في الجان اثنتي عشرة ألف سنة فلما أهلك الله الجان شكوت إلى الله { الوحدة فعرج بي إلى السماء الدنيا فعبدت الله في السماء الدنيا اثنتي عشرة ألف سنة أخرى في جملة الملائكة فبينا نحن كذلك نسبح الله عز وجل ونقدسه إذ مر بنا نور شعشعاني فخرت الملائكة لذلك النور سجدا فقالوا سبوح قدوس نور ملك مقرب أو نبي مرسل فإذا النداء من قبل الله جل جلاله لا نور ملك مقرب ولا نبي مرسل هذا نور طينة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ) .

الأنبياء والرسل والحجج وجه الله

  التاسع عشر وفيه وفي العيون حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني  ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال :( قلت لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) : يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة، فقال (عليه السلام) : يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع خلقه من النبيين والملائكة وجعل طاعته طاعته ومتابعته متابعته وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته فقال { ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ وقال ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم﴾ قال النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله جل جلاله ودرجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجنة أرفع الدرجات فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى قال فقلت له يا ابن رسول الله  فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله فقال (عليه السلام) يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ولكن وجه الله تعالى أنبياءه ورسله وحججه صلوات الله عليهم هم الذين بهم يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفته وقال الله تعالى ﴿كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك﴾ وقال عز وجل ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه (عليهم السلام) في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة وقال (عليه السلام) إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولا يدرك بالأبصار والأوهام قال فقلت له يا ابن رسول الله فأخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقتان فقال نعم وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء قال فقلت له فإن قوما يقولون إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين فقال (عليه السلام)  ما أولئك منا ولا نحن منهم من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذبنا وليس من ولايتنا على شي‏ء وخلد في نار جهنم قال الله عز وجل ﴿هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن﴾

 وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ففاطمة حوراء إنسية فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة).

أسماء فاطمة عليها السلام

  العشرين وفيه حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل  ، قال : حدثني علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، قال : حدثني عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، قال : حدثني الحسن بن عبد الله بن يونس ، عن يونس بن ظبيان ، قال : قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) : (لفاطمة (عليه السلام) تسعة أسماء عند الله عز وجل فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والرضية والمرضية والمحدثة والزهراء ثم قال تدري لأي شي‏ء سميت فاطمة (عليه السلام)  قلت أخبرني يا سيدي قال فطمت من الشر قال ثم قال لولا أن أمير المؤمنين(عليه السلام)  تزوجها لما كان لها كفو على وجه الأرض إلى يوم القيامة آدم فمن دونه) .

ضرار يصف أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية

 الحادي والعشرون وفيه حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل  ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال : حدثنا محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر، عن يونس بن ظبيان ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : (دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان قال له صف لي عليا (عليه السلام)  قال أو تعفيني فقال لا بل صفه لي فقال له ضرار رحم الله عليا كان والله فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه ويقربنا إذا زرناه لا يغلق له دوننا باب ولا يحجبنا عنه حاجب ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته ولا نبتديه لعظمته فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم فقال معاوية زدني من صفته فقال ضرار رحم الله عليا كان والله طويل السهاد قليل الرقاد يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار ويجود لله بمهجته ويبوء إليه بعبرته لا تغلق له الستور ولا يدخر عنا البدور ولا يستلين الاتكاء ولا يستخشن الجفاء ولو رأيته إذ مثل في محرابه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وهو يقول يا دنيا إلي تعرضت  أم إلي تشوقت هيهات هيهات لا حاجة لي فيك أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك ثم يقول واه واه لبعد السفر وقلة الزاد وخشونة الطريق قال فبكى معاوية وقال حسبك يا ضرار كذلك كان والله علي رحم الله أبا الحسن).

  يقول مصنف هذا الكتاب عفا الله عنه هكذا رواية الصدوق  لهذا الخبر ولقد وقفت عليه في عدة كتب بتفاوت كثير لما هاهنا وزيادات عليه منها في كتاب إرشاد القلوب للديلمي  وكتاب عدة الداعي لأحمد بن فهد  فإنهما مشتملان على زيادات كثيرة جدا فأحب أن أعيده بروايتهما من باب قول الشاعر:

أعد ذكر نعمـان لنا إن ذكــــره

هو المسـك ما كررتـه يتضوع

ونختار منهما عبارة عدة الداعي لما فيه من الزيادة أيضا وإن كانت يسيرة جدا وفاء لشرطنا المعهود في المقدمة من اختيار ما هو أجمع قال الشيخ أحمد المذكور في كتابه ذلك ( أولا تنظر إلى ما وصفه ضرار بن ضمرة الليثي من مقامات سيد الأوصياء (عليه السلام) حين دخل على معاوية فقال صف لي عليا فقال أو تعفيني من ذلك فقال لا أعفيك فقال كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته وكان والله غزير العبرة طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه ويناجي ربه يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب كان والله فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه وكنا مع دنوه منا وقربنا منه لا نكلمه لهيبته ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين فكأني الآن أسمعه وهو يقول يا دنيا يا دنيا أ بي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات لا حان حينك‏ غري غيري لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك‏ فيها فعمرك قصير وخطرك يسير وأملك حقير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق وعظيم المورد فوكفت دموع معاوية على لحيته فنشفها بكمه واختنق القوم بالبكاء ثم قال كان والله أبو الحسن كذلك فكيف كان حبك إياه قال كحب أم موسى لموسى وأعتذر إلى الله من التقصير قال فكيف صبرك عنه يا ضرار قال صبر من ذبح ولدها على صدرها فهي لا ترقئ عبرتها ولا تكن حرارتها ثم قام وخرج وهو بال فقال معاوية أما إنكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يثني علي من هذا الثناء فقال له بعض من كان حاضرا الصاحب على قدر صاحبه).

موسى وإبراهيم وأنوار أهل البيت عليهم السلام

 الثاني والعشرون وفيه حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل  ، قال: حدثنا محمد بن جعفر الأسدي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد الشامي ، قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال : (سألت أبا عبدالله الصادق (عليه السلام) عن موسى بن عمران (عليه السلام) لما رأى حبالهم وعصيهم كيف أوجس في نفسه خيفة ولم يوجسها إبراهيم (عليه السلام) حين وضع في المنجنيق وقذف به في النار ، فقال (عليه السلام): إن إبراهيم (عليه السلام) حين وضع في المنجنيق كان مستندا إلى ما في صلبه من أنوار حجج الله عز وجل ولم يكن موسى كذلك فلهذا أوجس في نفسه خيفة ولم يوجسها إبراهيم(عليه السلام)).

إنكار النبوة والإمامة إنكار للربوبية

الثالث والعشرون وفيه حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم ، قال: أخبرنا المنذر بن محمد ، قال: حدثني جعفر بن إسماعيل البزاز الكوفي، قال: حدثني عبد الله بن فضل عن ثابت بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (من أنكر إمامة علي (عليه السلام) بعدي كان كمن أنكر نبوتي في حياتي ومن أنكر نبوتي كان كمن أنكر ربوبية ربه عز وجل).

يقول مصنف الكتاب عفا الله عنه إنما كان هذه بمنزلة هذه لأن الله سبحانه أودع ولايته في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو (عليه السلام) أودعها في الخليفة القائم مقامه فصح أن إنكار الإمامة والنبوة إنكار للربوبية حقيقة وقد أشرنا إلى نظير ذلك في الحديث التاسع عشر فراجع ولولا أنا التزمنا بعدم تعقيب الأخبار ببعض البيانات إلا نادرا لقلنا والله المستعان مع أنا موضحون في طي الإيجاز في خبر واحد ما هو شرح لسبعين ألف حديث فلا حاجة إلى البيان في تلو كل خبرخبر فافتح مغالق الرمز واستخرج الكنز وأحسن كما أحسن الله إليك إذا وجدت أهله والسلام.

الولاية تطهر القلوب

الرابع والعشرون عن كتاب الاختصاص للمفيد  عن ابن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) (إن الله تبارك وتعالى توحد بملكه فعرف عباده نفسه ثم فوض إليهم أمره وأباح لهم جنته فمن أراد الله أن يطهر قلبه من الجن والإنس عرفه ولايتنا ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفتنا ثم قال يا مفضل والله ما استوجب آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي (عليه السلام)  وما كلم الله موسى تكليما إلا بولاية علي (عليه السلام) ولا أقام الله عيسى ابن مريم آية للعالمين إلا بالخضوع لعلي (عليه السلام)  ثم قال أجمل الأمر ما استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية لنا) .

منزلة محبي أمير المؤمنين من أهل الذمة

  الخامس والعشرون كتاب محمد بن جعفر القرشي رواية الشيخ الثقة الجليل هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ، عن محمد بن همام، عن حميد بن زياد ، ومحمد بن جعفر الزرادالقرشي ، عن يحيى ابن زكريا الؤلؤي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن هارون الخزاز ، عن محمد بن علي الصيرفي ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن جابر الجعفي، عن رجل عن جابر بن عبد الله قال: (كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب يهودي وكان كثيرا ما يألفه وإن كانت له حاجة أسعفه فيها فمات اليهودي فحزن عليه واستبدت وحشته له فالتفت إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ضاحك فقال له : يا أبا الحسن ما فعل صاحبك ؟ قال : قلت مات ، قال : اغتممت به واستبدت وحشتك، قال : نعم يا رسول الله ، قال : فتحب أن تراه محبورا ، قال : نعم بأبي أنت وأمي ، قال : ارفع رأسك وكشط له عن السماء الرابعة فإذا هو بقبة من زبرجدة خضراء معلقة بالقدرة ، فقال له : يا أبا الحسن هذا لمن يحبك من أهل الذمة واليهود والنصارى والمجوس، وشيعتك المؤمنون معي ومعك غدا في الجنة).

لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية

السادس والعشرون كتاب سلام بن أبي عمرة وهو من الأصول برواية التلعكبري ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ابن الحسين بن حازم ، عن عبد الله بن جبلة ، عن سلام بن أبي عمرة، عن سلام بن سعيد المخزومي ، عن يونس بن حباب عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال : (قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم وآل عمران فرحوا واستبشروا وإذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم والذي نفس محمد بيده لو أن عبدا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا ما قبل الله ذلك منه حتى يلقى الله بولايتي وولاية أهل بيتي). 

من أحبهم فهو معهم

السابع والعشرون نوادر علي بن أسباط برواية هارون بن موسى التلعكبري عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن علي بن أسباط ، قال : أخبرني عبد الله بن راشد ، عن عبيد ابن زرارة ، (ح) أبو عمرو الكشي في كتابه في ترجمة الفضل بن عبد الملك وهو البقباق ، عن محمد بن مسعود، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثني أبو داود المسترق ، عن عبد الله بن راشد ، عن عبيد بن زرارة بأدنى مغايرة في بعض الحروف واللفظ للنوادر قال (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده البقباق -يعني أبا العباس- فقلت له رجل أحب بني أمية أهو معهم فقال لي نعم، قلت رجل أحبكم أهو معكم فقال لي نعم قال قلت وإن زنى وإن سرق قال فالتفت إلى البقباق فوجد منه غفلة فقال برأسه نعم).

يقول مصنف هذا الكتاب سيأتي في خلال سائر الأخبار أن الموالين المذنبين يبتليهم الله في الدنيا بالآلام والأسقام والمصائب في نفسه وماله وولده فلا يخرج من الدنيا إلا مطهرا من الأخباث لأنها تكون كفارة لذنوبه فلا وحشة فيما سمعت من الخبر فإن الله لم يعط عهدا أن لا يعذب المذنبين إلا في نار الآخرة فإن الدنيا والبرزخ والآخرة كلها ملكه فيطهر من عرضه من الخبث فيه عرض حيث يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

روح القدس مع النبي والأئمة من بعده

 الثامن والعشرون منتخب بصائر سعد بن عبد الله للحسن بن سليمان عن إسماعيل بن محمد البصري ، قال: حدثنا أبو الفضل عبد الله بن إدريس، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره ، فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة أرواح روح الحياة وبها دب ودرج وروح القوة فبها نهض وجاهد عدوه وروح الشهوة فبها أكل وشرب وأتى النساء من الحلال وروح الإيمان فبها أمر وعدل وروح القدس فبها حمل النبوة ولما قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انتقل روح القدس فصار في الإمام (عليه السلام) وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو  والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو وبروح القدس كان يرى ما في شرق الأرض وغربها وبرها وبحرها قلت جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده قال نعم وما دون العرش).

يجري الأرزاق على أيدينا

 التاسع والعشرون بصائر الصفار حدثنا محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن ابن الحسين اللؤلؤي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن صالح، عن أبي حمزة قال : (كنت عند علي بن الحسين (عليهم السلام) وعصافير على الحائط قبالته يصحن ، فقال : يا أبا حمزة أتدري ما يقلن ، قال : يتحدثن إنهن وقت يسألن فيه قوتهن ، يا أبا حمزة لا تنامن قبل طلوع الشمس فإني أكرهها لك إن الله يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد وعلى أيدينا يجريها).

المصنف يتعجب من حال بعض المقصرين

يقول العبد الضعيف محمد التقي الشريف مصنف هذا الكتاب كأني بالضعفاء إذا سمعوا هذا الحديث يضيقون به ذرعا فينكرونه أو يأولونه بما لا يرضي صاحب الحديث (عليه السلام) مع أنهم آمنوا بمثله في ميكائيل ملك الرزق من غير تردد أو تشويش فيا لله وبعيد ضعفاء قد ائتمروا على أن يغلوا يد الله تعالى عن خلقه ويعزلوه عن ملكه ولا يتركوه يفعل في ملكه ما يشاء ويجري أموره على يدي من يريد فوضعوا لربهم حدا حرموا عليه أن يتعداه فينقص منه أو يزيد ربقه طاعة آل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ولاية علي من السماء مشافهة

  الثلاثون الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد ، عن الحسين ابن سعيد ، عن القاسم بن محمد الجوهري ، عن علي بن أبي حمزة قال: (سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال : جعلت فداك كم عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : مرتين فأوقفه جبرئيل موقفا فقال له مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قط ولا نبي إن ربك يصلي فقال يا جبرئيل وكيف يصلي قال يقول سبوح قدوس أنا رب الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبي فقال اللهم عفوك عفوك قال وكان كما قال الله قاب قوسين أو أدنى فقال له أبو بصير جعلت فداك ما قاب قوسين أو أدنى قال ما بين سيتها إلى رأسها فقال كان بينهما حجاب يتلألأ بخفق ولا أعلمه إلا وقد قال زبرجد فنظر في مثل سم الإبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة فقال الله تبارك وتعالى يا محمد قال لبيك ربي قال من لأمتك من بعدك قال الله أعلم قال علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين قال ثم قال أبو عبد الله  (عليه السلام)  لأبي بصير يا أبا محمد والله ما جاءت ولاية علي  (عليه السلام) من الأرض ولكن جاءت من السماء مشافهة) .

شبه أمير المؤمنين بعيسى بن مريم عليهما السلام

الحادي والثلاثون كتاب تأويل الآيات نقلا عن تفسير محمد بن العباس بن مروان  قال : حدثنا محمد بن مخلد الدهان ، عن علي بن أحمد العريضي بالرقة ، عن إبراهيم بن علي بن جناح ، عن الحسن بن علي بن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (أن رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى علي (عليه السلام) وأصحابه حوله وهو مقبل فقال : أما إن فيك لشبها من عيسى ابن مريم ولو لا مخافة أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا من تحت قدميك التراب يبتغون به البركة فغضب من كان حوله وتشاوروا فيما بينهم وقالوا لم يرض إلا أن جعل ابن عمه مثلا لبني إسرائيل فأنزل الله جل اسمه ﴿ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل﴾  ولو نشاء لجعلنا من بني هاشم ملائكة في الأرض يخلفون قال فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ليس في القرآن بني هاشم قال محيت والله فيما محي ولقد قال عمرو ابن عاص على منبر مصر محي من كتاب الله ألف حرف وحرف منه بألف حرف وأعطيت مائتي ألف درهم على أن أمحي ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾ فقالوا لا يجوز ذلك قلت فكيف جاز ذلك لهم ولم يجز لي فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه قد بلغني ما قلت على منبر مصر ولست هناك) .

حديث ابن مسعود في خلق أنوارهم عليهم السلام

الثاني والثلاثون مدينة المعاجز للسيد العلامة التوبلي  نقلا عن السيد الرضي  في كتاب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال : قال القاضي الأمين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الحلابي المغازلي، قال: حدثنا أبي  ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن [الدباس ، عن علي بن محمد بن مخلد ، عن جعفر بن حفص ، عن سواد بن محمد، عن عبد الله بن نجيح ، عن محمد بن مسلم البطائحي، عن محمد بن يحيى الأنصاري ، عن عمه حارثة، عن يزيد بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه قال : (دخلت يوما على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله أرني الحق حتى أتبعه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) يا ابن مسعود لج إلى] المخدع فولجت فرأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) راكعا وساجدا وهو يقول عقيب صلاته اللهم بحرمة محمد عبدك ورسولك اغفر للخاطئين من شيعتي قال ابن مسعود فخرجت لأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فوجدته راكعا وساجدا وهو يقول اللهم بحرمة عبدك علي اغفر [للخاطئين من أمتي قال ابن مسعود فأخذني الهلع حتى غشي علي فرفع النبي رأسه وقال يا ابن مسعود أكفرا بعد إيمان؟ فقلت معاذ الله ولكني رأيت عليا يسأل الله تعالى بك ورأيتك تسأل  الله تعالى به ولم أدر أيكما أكرم على الله فقال يا ابن مسعود إن الله تعالى خلقني وعليا والحسن والحسين من نور عظمته قبل الخلق بألفي عام حين لا تسبيح ولا تقديس وفتق نوري فخلق منه السماوات والأرض وأنا أفضل من السماوات والأرض وفتق نور علي فخلق منه العرش والكرسي وعلي أجل] من العرش والكرسي وفتق نور الحسن فخلق منه اللوح والقلم والحسن أجل من اللوح والقلم وفتق نور الحسين فخلق منه الجنان والحور العين والحسين أفضل منهما فأظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلى الله عز وجل الظلمة وقالت اللهم بحق هؤلاء الأشباح الذين خلقت إلا ما فرجت عنا من هذه الظلمة فخلق الله عز وجل روحا وقرنها بأخرى فخلق منهما نورا ثم أضاف النور إلى الروح فخلق منهما الزهراء (عليه السلام) فمن ذلك سميت الزهراء فأضاء منها المشرق والمغرب يا ابن مسعود إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل لي ولعلي أدخلا  الجنة من شئتما وأدخلا النار من شئتما وذلك لقوله تعالى ﴿ألقيا في جهنم كل كفار عنيد﴾ الآية فالكفار من جحد نبوتي والعنيد من عاند عليا وأهل بيته وشيعته).

يقول مصنف هذا الكتاب وروي هذا الحديث شرف الدين النجفي في كتاب تأويل الآيات في تأويل قوله تعالى ﴿ألقيا في جهنم﴾  الآية بحذف الإسناد ومغايرة في جملة من العبارات غير أن المعنى متوافق لا اختلاف فيه واخترنا عبارة المناقب لكونه أضبط سندا ومتنا.

نجاة المذنبين بمحبة أمير المؤمنين عليه السلام

الثالث والثلاثون تفسير الإمام الهمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليهم السلام) قال(عليه السلام) : (أما إن من شيعة علي لمن يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفة ميزان سيئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار التيارة تقول الخلائق قد هلك هذا العبد، فلا يشكون أنه من الهالكين، وفي عذاب الله من الخالدين. فيأتيه النداء من قبل الله عز وجل يا أيها العبد الخاطئ [العبد الجاني هذه الذنوب الموبقات، فهل بإزائها حسنات تكافئها، فتدخل جنة الله برحمة الله أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله فيقول العبد لا أدري، فيقول منادي ربنا عز وجل فإن ربي يقول ناد في عرصات القيامة ألا وإني فلان بن فلان من أهل بلد كذا وكذا من قرية كذا وكذا ، قد رهنت بسيئات كأمثال الجبال والبحار ولا حسنات لي بإزائها، فأي أهل هذا المحشر كان لي عنده يد أو عارفة فليغثني بمجازاتي عنها، فهذا أوان شدة حاجتي إليها. فينادي الرجل بذلك، فأول من يجيبه علي بن أبي طالب (عليه السلام) لبيك لبيك لبيك أيها الممتحن في محبتي، المظلوم بعداوتي، ثم يأتي هو ومعه عدد كثير وجم غفير، وإن كانوا أقل عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات فيقول ذلك العدد يا أمير المؤمنين نحن إخوانه المؤمنون كان بنا بارا ولنا مكرما وفي معاشرته إيانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا وقد نزلنا له عن جميع طاعاتنا وبذلناها له، فيقول علي (عليه السلام) فبماذا تدخلون جنة ربكم فيقولون برحمته الواسعة التي لا يعدمها من والاك ووالا وليك]، يا أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  فيأتي النداء من قبل الله عز وجل يا أخا رسول الله هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له فأنت ماذا تبذل له فإني أنا الحاكم ما بيني وبينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إياك، وما بينه وبين عبادي من الظلامات فلا بد من فصل الحكم بينه وبينهم. فيقول علي  (عليه السلام) يا رب أفعل ما تأمرني. فيقول الله عز وجل يا علي أضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله فيضمن لهم علي (عليه السلام) ذلك ويقول لهم اقترحوا علي ما شئتم أعطيكم عوضا عن ظلاماتكم قبله، فيقولون يا أخا رسول الله تجعل لنا بإزاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول علي (عليه السلام)  قد وهبت ذلك لكم. فيقول الله عز وجل فانظروا يا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي بن أبي طالب (عليه السلام)  فداء لصاحبه من ظلاماتكم، ويظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها، فيكون من ذلك ما يرضي الله عز وجل به خصماء أولئك المؤمنين. ثم يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشرفيقولون يا ربنا هل بقي من جناتك شي‏ء إذا كان هذا كله لنا، فأين يحل سائر عبادك المؤمنين والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ويخيل إليهم عند ذلك أن الجنة بأسرها قد جعلت لهم. فيأتي النداء من قبل الله عز وجل يا عبادي هذا ثواب نفس من أنفاس علي بن أبي طالب الذي قد اقترحتموه عليه قد جعله لكم فخذوه وانظروا فيصيرون هم وهذا المؤمن الذي عوضهم علي (عليه السلام) عنه إلى تلك الجنان، ثم يرون ما يضيفه الله { إلى ممالك علي (عليه السلام)  في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليه الموالي له، مما شاء الله عز وجل من الأضعاف التي لا يعرفها غيره. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم﴾ الآية ، المعدة لمخالفي أخي ووصيي علي بن أبي طالب(عليه السلام))  .

بعض فضائل أمير المؤمنين عليه السلام

الرابع والثلاثون تأويل الآيات وكنز الكراجكي والمختصر عن كشف الغمة كلهم عن الأصبغ بن نباتة ، قال الحارث الهمداني : (دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفر من الشيعة وكنت معه فيمن دخل فجعل الحارث يتأود في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه  وكان مريضا فأقبل عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت له منه منزلة فقال : كيف تجدك يا حار ، قال : نال الدهر مني يا أمير المؤمنين وزادني أدواء وعللا اختصام أصحابك ببابك ، قال : فيم؟ قال : في شأنك والبلية من قبلك فمن مفرط غال ومبغض قال ومن متردد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم قال فحسبك يا أخا همدان ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي ، قال : لو كشفت فداك أبي وأمي الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا ، قال: فذكر فإنك امرؤ ملبوس عليك إن دين الله لا يعرف بالرجال بل آية الحق والآية العلامة فاعرف الحق تعرف أهله يا حار إن الحق أحسن الحديث والصادع به مجاهد وبالحق أخبرك فارعني سمعك ثم أخبر به من كانت له خصاصة من أصحابك ألا إني عبد الله وأخو رسوله وصديقه الأول صدقته وآدم بين الروح والجسد ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا فنحن الأولون ونحن الآخرون ألا وإنا خاصته يا حار وخالصته وصفوته ووصيه ووليه وصاحب نجواه وسره أوتيت فهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرون والأسباب واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف ألف باب يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد وأيدت أو قال أمددت بليلة القدر نفلا وإن ذلك ليجري لي ولمن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها وأبشرك يا حار ليعرفني والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وليي وعدوي في مواطن شتى عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة ، قال وما المقاسمة؟ قال : مقاسمة النار أقاسمها قسمة صحاحا أقول هذا وليي وهذا عدوي ، ثم أخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) بيد الحارث وقال: يا حارث أخذت بيدك كما أخذ بيدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لي وقد اشتكيت إليه حسدة قريش والمنافقين لي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة من ذي العرش تعالى وأخذت أنت يا علي بحجزتي وأخذ ذريتك بحجزتك وأخذ شيعتكم بحجزكم فماذا يصنع الله بنبيه وماذا يصنع نبيه بوصيه وماذا يصنع وصيه بأهل بيته وشيعتهم؟ خذها إليك حار قصيرة من طويلة أنت مع من أحببت ولك ما كسبت قالها ثلاثا ، فقال الحارث وقام يجر رداءه جذلا  : ما أبالي وربي بعد هذا أ لقيت الموت أو لقيني)

إبليس ومبغضي أمير المؤمنين عليه السلام

الخامس والثلاثون كتاب العيون للصدوق  حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي ، قال : حدثنا علي بن محمد بن عنبسة ، قال : حدثنا دارم بن قبيصة ، قال : حدثنا علي بن موسى (عليه السلام) ، قال : حدثنا موسى بن جعفر بن أبيه بن آبائه عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وذكر أخبارا منها أنه (عليه السلام) قال : (كنت جالسا عند الكعبة وإذا شيخ محدودب قد سقط حاجباه على عينيه من شدة الكبر وفي يده عكازة وعلى رأسه برنس أحمر وعليه مدرعة من الشعر فدنا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مسند ظهره إلى الكعبة فقال يا رسول الله ادع لي بالمغفرة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاب سعيك يا شيخ وضل عملك فلما تولى الشيخ قال يا أبا الحسن أتعرفه قلت اللهم لا قال ذلك اللعين إبليس قال علي (عليه السلام) فعدوت خلفه حتى لحقته وصرعته إلى الأرض وجلست على صدره ووضعت يدي في حلقه لأخنقه فقال لي لا تفعل يا أبا الحسن فإني من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ووالله يا علي إني لأحبك جدا وما أبغضك أحد إلا شركت أباه وأمه فصار ولد زناء فضحكت وخليت سبيله).

أمير المؤمنين النبأ العظيم والصراط المستقيم

السادس والثلاثون وفيه حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) بقم في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة قال أخبرني علي بن إبراهيم بن هاشم فيما كتب إلى سنة تسع وثلاثمائة قال حدثني أبي عن ياسر الخادم عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) يا علي أنت حجة الله وأنت باب الله وأنت طريق إلى الله وأنت النبأ العظيم وأنت الصراط المستقيم وأنت المثل الأعلى يا علي أنت إمام المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وسيد الصديقين يا علي أنت الفاروق الأعظم وأنت الصديق الأكبر يا علي أنت خليفتي على أمتي وأنت قاضي ديني وأنت منجز عداتي يا علي أنت المظلوم بعدي يا علي أنت المفارق بعدي يا علي أنت المهجور بعدي أشهد الله تعالى ومن حضر من أمتي إن حزبك حزبي وحزبي حزب الله وإن حزب أعدائك حزب الشيطان).

الله يناجي عليا في الطائف

السابع والثلاثون بصائر الصفارأحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن عمر بن أبان ، عن أديم أخي أيوب، عن حمران ابن أعين ، (ح) عن اختصاص المفيد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسين بن سعيد بالإسناد المذكور ، عن حمران بن أعين (قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك بلغني أن الله تبارك وتعالى قد ناجى عليا (عليه السلام)  قال أجل قد كان بينهما مناجات بالطائف نزل بينهما جبرئيل) .

وزاد المفيد وقال (إن الله أعلم رسوله الحرام والحلال والتأويل فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) ذلك كله) .

لا يغيب عنا مؤمن في الشرق ولا في الغرب

الثامن والثلاثون وفيه حدثنا الحسن بن علي بن النعمان عن أبيه ، قال: حدثني الشامي عن أبي داود السبيعي ، عن أبي سعيد الخدري، عن رميلة (ح) أبو عمرو الكشي في كتابه ، عن جعفر بن معروف، عن الحسن بن علي بن النعمان بالاسناد المذكور عن رميلة بأدنى اختلاف في بعض الحروف واللفظ للبصائر قال : (وعكت وعكا شديدا في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدت من نفسي خفة في يوم الجمعة وقلت : لا أعرف شيئا أفضل من أن أفيض على نفسي من  الماء وأصلي خلف أمير المؤمنين (عليه السلام) ففعلت ثم جئت إلى المسجد فلما صعد أمير المؤمنين (عليه السلام) المنبر عاد علي ذلك الوعك فلما انصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) ودخل المصر دخلت معه فقال يا رميلة رأيتك وأنت متشبك بعضك في بعض فقلت نعم وقصصت عليه القصة التي كنت فيها والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه فقال يا رميلة ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا بمرضه ولا يحزن إلا حزنا بحزنه ولا يدعو إلا أمّنا لدعائه ولا يسكت إلا دعونا له فقلت يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك هذا لمن معك في المصر أرأيت من كان في أطراف الأرض قال يا رميلة ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها).

جعفر وحمزة يشهدان لنوح عليه السلام

التاسع والثلاثون الكافي محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد ابن خالد ، عن القاسم بن محمد ، عن جميل بن صالح ، عن يوسف بن أبي سعيد قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ذات يوم فقال لي: (إذا كان يوم القيامة وجمع الله تبارك وتعالى الخلائق كان نوح صلى الله عليه أول من يدعى به فيقال له هل بلغت فيقول نعم فيقال له من يشهد لك فيقول محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فيخرج نوح (عليه السلام) فيتخطى الناس حتى يجيء إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو على كثيب المسك ومعه علي (عليه السلام) وهو قول الله عز وجل ﴿فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا﴾ الآية فيقول نوح لمحمد (عليهم السلام) يا محمد إن الله تبارك وتعالى سألني هل بلغت فقلت نعم فقال من يشهد لك فقلت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول يا جعفر يا حمزة اذهبا واشهدا له أنه قد بلغ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فجعفر وحمزة هما الشاهدان للأنبياء (عليهم السلام) بما بلغوا فقلت جعلت فداك فعلي (عليه السلام)  أين هو فقال هو أعظم منزلة من ذلك) .

يقول مصنف هذا الكتاب لا ينافي هذا الخبر ما ورد في الأخبار الكثيرة من كون الأئمة (عليهم السلام) شهداء على الأنبياء لأن شهادة جعفر وحمزة وأمثالهما مشتقة من شهادتهم فافهم وتدبر.

حديث معرفتهم بالنورانية

الأربعون كتاب العوالم للشيخ المحدث الجليل الشيخ عبد الله بن نور الله البحراني من تلاميذ مولانا محمد الباقر المجلسي ذكر أستاذي العلامة رفع الله مقامه ذكر والدي  أنه رأي في كتاب عتيق جمعه بعض محدثي أصحابنا في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الخبر ووجدته أيضا في كتاب عتيق مشتمل على أخبار كثيرة .

 أقول: هذا قول المجلسي  ونقل تلميذه عنه في كتاب الإمامة من كتابه عوالم العلوم ووجدت على حاشية النسخة التي عندي من كتاب العوالم بخط الشيخ الأجل العلامة الكبريائي مولانا الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي أنار الله برهانه عند نقل صاحب الكتاب هذا الكلام عن المجلسي  ما هذا عبارته :الظاهر أن هذا الكتاب هو كتاب أنيس السمراء وسمير الجلساء لأن هذا الحديث وحديث الخيط الأصفر مذكوران فيه انتهى كلامه زيد مقامه.

وأقول : وتحقيق هذا الظهور أن صاحب العوالم روى بعد هذا الحديث الآتي حديث الخيط الأصفر عن شيخه المجلسي  عن الكتاب العتيق المذكور بسند هو بعينه السند الذي ذكره شيخنا العلام المذكور في كتاب شرح الجامعة في شرح فقرة (وموضع الرسالة) بحديث الخيط عن كتاب أنيس السمراء كما يأتي إن شاء الله ذكره في القسم الثاني في معجزات السجاد (عليه السلام). هذا وقال شيخنا العلام المذكور في كتابه شرح الجامعة في شرح فقرة (أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم..إلخ) ما هذا لفظه: والمراد بالعارف بهم العارف بهم بالمعرفة النورانية كما في حديث علي (عليه السلام) لسلمان أبي ذر على ما في أنيس السمراء) هي.

مع أن الخبر عند أهل العلم أشهر من أن يحتاج إلى الخوض في تحقيق سنده ومتنه مع ذلك شاهد لصحة صدوره عن مصدر الولاية عند صاحب الذوق السليم والطبع المستقيم ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إن الله غني عن العالمين وصورة الحديث هذا :

قال روى محمد بن صدقة أنه سأل أبو ذر الغفاري سلمان الفارسي c فقال : يا أبا عبد الله ما معرفة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنورانية ؟

قال : يا جندب فامض بنا حتى نسأله عن ذلك .

قال : فأتيناه فلم نجده قال فانتظرناه حتى جاء ، قال صلوات الله عليه : ما جاء بكما ؟

قالا : جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية .

قال (عليه السلام) : مرحبا بكما من وليين متعاهدين لدينه لستما بمقصرين لعمري إن ذلك الواجب على كل مؤمن ومؤمنة ، ثم قال (عليه السلام) : يا سلمان ويا جندب.

 قالا : لبيك يا أمير المؤمنين .

قال (عليه السلام) : إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفا مستبصرا ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك ومرتاب ، يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبيك يا أمير المؤمنين.

قال (عليه السلام) : معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجل ومعرفة الله { معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة﴾ الآية ، يقول ما أمروا إلا بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الدين الحنفية المحمدية السمحة ، وقوله ﴿ويقيموا الصلاة﴾  فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو  مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، فالملك إذا لم يكن مقربا لم يحتمله ، والنبي إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله ، والمؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله.

قلت : يا أمير المؤمنين من المؤمن وما نهايته وما حده حتى أعرفه؟

قال (عليه السلام) : يا أبا عبد الله قلت لبيك يا أخا رسول الله قال المؤمن الممتحن هو الذي لا يرد من أمرنا إليه شيء إلا شرح الله صدره لقبوله ولم يشك ولم يرتد (يرتب) ، اعلم يا أبا ذر أنا عبد الله وخليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته فإن الله { قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون.

قال سلمان : قلت يا أخا رسول الله، ومن أقام ولايتك أقام الصلاة؟ 

قال : نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في كتابه العزيز ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين﴾ فالصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والصلاة إقامة ولايتي ، فمنها قال الله تعالى ﴿وإنها لكبيرة﴾  ولم يقل وإنهما لكبيرة لأن الولاية كبيرة حملها إلا على الخاشعين ، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون وذلك لأن أهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبة يقولون لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة ليس بينهم خلاف وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلا القليل وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال ﴿وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين﴾ ، وقال الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ولايتي ﴿وبئر معطلة وقصر مشيد﴾ فالقصر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والبئر المعطلة ولايتي عطلوها وجحدوها ومن لم يقر بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنهما مقرونان وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي مرسل وهو إمام الخلق وعلي من بعده وصيه وإمام الخلق كما قال له النبي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيم كما قال الله تعالى ﴿وذلك دين القيمة﴾ وسأبين ذلك بعون الله وتوفيقه. يا سلمان ويا جندب .

قالا : لبيك يا أمير المؤمنين . 

قال : كنت أنا ومحمد نورا واحدا من نور الله عز وجل فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن ينشق فقال للنصف كن محمدا وللنصف كن عليا لذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي وقد وجه أبا بكر ببراءة إلى مكة فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد ، قال : لبيك ، قال : إن الله يأمرك أن تؤدي أنت أو رجل منك، فوجهني في استرداد أبي بكر فرددته فوجد في نفسه وقال يا رسول الله أنزل في قرآن قال لا ولكن لا يؤدي عني إلا علي، يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبيك يا أخا رسول الله.

قال :  يا سلمان ويا جندب، فأنا ورسول الله  كنا نورا واحدا صار رسول الله المصطفى وصرت أنا وصيه المرتضى وصار محمد الناطق وصرت أنا الصامت وإنه لا بد في كل عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت، يا سلمان،صار محمد المنذر وصرت أنا الهادي وذلك قوله عز وجل ﴿إنما أنت منذر ولكل قوم هاد﴾  فرسول الله  المنذر وأنا الهادي ﴿الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار * عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال * سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار * له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله﴾.

قال : فضرب  بيده على أخرى وقال صار محمد صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر وصار محمد صاحب الجنة وصرت أنا صاحب النار أقول لها خذي هذا وذري هذا وصار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدة وأنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله { علم ما فيه.

يا سلمان ويا جندب ، وصار محمد ﴿يس * والقرآن الحكيم﴾ وصار محمد ﴿ن والقلم وما يسطرون﴾ وصار محمد ﴿طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ وصار محمد صاحب الدلالات وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات وصار محمد خاتم النبيين وصرت أنا خاتم الوصيين وأنا الصراط المستقيم وأنا النبأ العظيم ﴿الذي هم فيه مختلفون﴾ ولا أحد اختلف إلا في ولايتي وصار محمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف وصار محمد نبيا مرسلا وصرت أنا صاحب أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الله { ﴿يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده﴾ وهو روح الله لا يعطيه ولا يلقي هذا الروح إلا على ملك مقرب أو نبي مرسل أو وصي منتجب فمن أعطاه الله هذا الروح فقد أبانه من الناس وفوض إليه القدرة وأحيى الموتى وعلم بها ما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السماوات والأرض.

يا سلمان ويا جندب ، وصار محمد الذكر الذي قال الله { ﴿قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلو عليكم آيات الله﴾ إني أعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام الحجة وصرت أنا حجة الله عز وجل جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأولين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبيك يا أمير المؤمنين.

قال : أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربي وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربي وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربي وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربي وأنا عذاب يوم الظلة وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان الجن والإنس وفهمه قوم وإني لأسمع كل قوم الجبارين والمنافقين بلغاتهم وأنا الخضر عالم موسى وأنا معلم سليمان وأنا ذو القرنين وأنا قدرة الله {، يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبيك يا أمير المؤمنين.

قال :  أنا محمد ومحمد أنا وأنا من محمد ومحمد مني قال الله تعالى﴿مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان﴾ يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبيك يا أمير المؤمنين قال إن ميتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وإن قتلانا لم يقتلوا ،يا سلمان ويا جندب .

قالا : لبيك يا أمير المؤمنين.

قال : أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى وممن بقي وأيدت بروح العظمة وأنا تكلمت على لسان عيسى في المهد وأنا آدم وأنا نوح وأنا إبراهيم وأنا موسى وأنا عيسى وأنا محمد أتقلب في الصور كيف أشاء من رآني فقد رآهم ومن رآهم فقد رآني ولو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلك في الناس وقالوا هو لا يزول ولا يتغير وإنما أنا عبد من عبيد الله عز وجل لا تسمونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر لأنا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وأمناء الله وأئمته ووجه الله وعين الله ولسان الله بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا ولو قال قائل لم وكيف وفيم لكفر وأشرك لأنه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون، يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبيك يا أمير المؤمنين، قال من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت وأوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل ومن شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب، يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبيك يا أمير المؤمنين .

قال : أنا أحيي وأميت بإذن ربي وأنا أنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم بإذن ربي وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي  يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا لأنا كلنا واحد، أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تفرقوا بيننا فإنا نظهر في كل زمان ووقت وأوان في أي صورة شئنا بإذن الله عز وجل ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربنا لأن من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عز وجل ومشيته فينا ، يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك.

قال : لقد أعطانا الله ربنا ما هو أجل وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كله، قلنا يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أعظم وأجل من هذا كله؟ قال قد أعطانا ربنا عز وجل وعلمنا الاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقنا السماوات والأرض والجنة والنار ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ونغرب ونشرق وننتهي به إلى العرش فنجلس عليه بين يدي الله عز وجل ويطيعنا كل شيء حتى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنة والنار أعطانا الله ذلك كله بالاسم الأعظم الذي علمنا وخصنا به ومع هذا كله نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ونعمل هذه الأشياء بأمر ربنا ونحن عباد الله المكرمون الذين ﴿لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون﴾ وجعلنا معصومين مطهرين وفضلنا على كثير من عباده المؤمنين فنحن نقول﴿الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله﴾ و﴿حقت كلمة العذاب على الكافرين﴾  أعني الجاحدين بكل ما أعطانا الله من الفضل والإحسان ، يا سلمان ويا جندب ، فهذا معرفتي بالنورانية فتمسك بها راشدا فإنه لا يبلغ أحد من شيعتنا حد الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فإذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم وارتقى درجة من الفضل واطلع على سر من سر الله ومكنون خزائنه) ،هي.

تحقيق لطيف في بيان بعض فقرات حديث النورانية

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب، قد ذهب هذا الحديث بعقول قوم فمنهم من استوحش منه وأنكر ومنهم من وقف وتحير وسلم قليل من بينهم وتبصر ومن خاض في بحار الأخبار وجاس خلال تلك الديار وجد فقرات هذا الحديث متواترة إما لفظا وإما معنى فليس فيه ما يوجب حيرة الضعفاء في بادئ الرأي سوى فقرات عديدة فلنشر إلى شيء من معانيها حتى يخسأ المعاند ويذهب المتوقف بتأويله الأبرد.

فمنها قوله (عليه السلام) (أنا الذي حملت نوحا في السفينة) وما يتلوه ويضاهيه من الفقرات وإنما نشأ الحيرة فيه من عدم التأمل في الأخبار التي نقلوها وتلقوها بالقبول في غير هذا الموضع من غير نكير وهي أن الله تعالى خلق أنوارهم قبل خلق الخلق حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا نبي ولا ملك ولا إنس ولا جن ولا غير ذلك من المخلوقات فإن الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى ولم يعهد من أحد إلى الآن إنكارها وتأخر ظهورهم البشري لا ينافي ذلك فإن المدار على الظهور الوجودي لا البشري الظاهري فافهم .

وتواترت الأخبار أيضا أنهم (عليهم السلام) يد الله الباسطة ولسانه الناطق في خلقه فإذا كان الأمر على ذلك فما يمنعك أيها المنكر من أن يبعث الله تعالى يده الباسطة في عالم الأنوار فيحمل نوحا في السفينة ويخرج يونس من بطن الحوت ويجاوز موسى بن عمران البحر ويخرج إبراهيم من النار ويبعث لسانه الناطق فيتكلم على لسان عيسى في المهد وعلى لسان الخضر في تعليم موسى وعلى لسان نملة في تعليم سليمان كما تكلم الله تعالى مع موسى من الشجرة ويبعث يده كذلك فيجري أنهار الدنيا ويفجر عيونها ويغرس أشجارها إلى غير ذلك مع أنه لو قيل إن الله تعالى بعث ملكا فحمل نوحا في السفينة وأخرج يونس من بطن وجاوز بموسى البحر وأخرج إبراهيم من النار وتكلم على لسان عيسى وعلم موسى وسليمان ونادى بنداء سمعه الثقلان ممن مضى ويأتي وأجرى أنهارها وفجر عيونها وغرس أشجارها وأشباه ذلك لم تقابل شيئا من ذلك بالإنكار فما بالك تقبله في الملك وتنكره فيمن لولاه لم يوجد ملك ولا فلك .

ومنها قوله (عليه السلام) (إن ميتنا لم يمت) وقد قال الله تعالى﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ .

ومنها قوله (عليه السلام) (أنا آدم أنا نوح...إلخ) وقد رووا مثله في القائم (عليه السلام) حين يظهر ويسند ظهره إلى الكعبة ويقول من أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنا آدم وشيث ثم يعد جمعا من الأنبياء ولم أجد أحدا توقف في هذا الحديث إلى الآن فضلا عن إنكاره فكل تأويل يجري فيه يجري مثله في ذلك.

 وأما قوله (عليه السلام) (أتقلب في الصور كيف أشاء) فبيانه يحتاج إلى كشف بعض الأستار ولا إقبال لي الآن عليه والإشارة إليه على سبيل الإجمال أن الأخبار تواترت في أن الله تعالى خلق محمدا وآل محمد وخلق من أشعة أنوارهم وفاضل طينتهم الأنبياء وسائر الخلق وهذا أيضا مما لا ينكر فإذا أردنا تصوير ذلك بالتمثيل الشهودي كان نورهم (عليهم السلام) كقرص الشمس وسائر الخلق من الأنبياء وغيرهم كالأشعة الواقعة منها في المرايا المقابلة لذلك القرص فإنها كلها أثر الشمس لا ذاتها فإن ذاتها في الفلك الرابع ولم تنزل إلى الأرض ولا ريب في أن الأشعة المرآتية تختلف بحسب اختلاف المرايا في الصفاء والكدورة والاعوجاج والاستقامة وهي مثال اختلاف قابليات الخلق في قبول الوجود من منيرهم فكلما كان من المرايا قابليته أصفى وأقوم كان الشعاع الواقع فيه بالشمس أشبه وكلما كان أعوج كان بعيدا عن الشبه ولا يحكم عليه أنه صورة الشمس لبطلان المشابهة بسبب شدة الاعوجاج فيرمى خارج العالم وهو مثال المدبرين عن مبدأ الحق والأول مثال المقبلين كل على حسب قابليته ولما كان الأنبياء (عليهم السلام) أقرب الخلق إلى مبدأ النور لصفاء قابلياتهم الذاتية نوعا وإن اختلف أفرادهم أيضا في الشدة والضعف كانوا أشبه الخلق بأنوار محمد وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشد تعلقا بهم من سائر الخلق نوعا .

وإذ تقرر هذا فارجع إلى مثالنا المفروض وسم كلا من الأشباح الشعاعية الواقعة في المرايا المستقيمة الصافية الشبيهة بقرص الشمس باسم وليكن أحدها (أ) والآخر (ب) وآخر (ج) وآخر (د) وهكذا ومن البيّن أنه يصح للشمس أن تقول أنا (أ) أنا (ب) أنا (ج) أنا (د) وتريد بها الصور الشبيهة بها وكذا تقول من رآهم فقد رآني ومن رآني فقد رآهم وأنا الذي أتقلب في تلك الصور كيف أشاء وذلك لأنها كلها صادرة عن إشراقها وقائمة بها قيام صدور فالصور صورها وهي أولى بها منها بنفسها لأن المنير أولى بالشعاع من نفس الشعاع لأن له الولاية عليها هذا مع أن الشمس في ذاتها منزهة عن الشوب بالصور بمعنى أنها لم تحلل فيها فيقال هي فيها كائنة ولم تنأ عنها فيقال هي منها بائنة فكما تصح هذه الأمور في الشمس كذلك تصح في ولي الله المطلق الذي خلق الأنبياء من رشحات وجوده وأشعة نوره أن يقول (أنا آدم أنا نوح أنا إبراهيم أنا موسى أنا عيسى أنا ذو القرنين وهكذا أتقلب في الصور كيف أشاء من رآني فقد رآهم ومن رآهم فقد رآني).

 وأما قوله (عليه السلام) (ولو ظهرت للناس في صورة واحدة ..إلخ) فيريد (عليه السلام) أني لو ظهرت في عالم الشهادة بنفس الصورة من أول الأمر إلى آخر الدهر ودعوت الخلق إلى الله بنفس الصورة لقيل هو لا يزول ولا يتغير لقصور عقولهم وضعف أفهامهم فاقتضت الحكمة أن أقف بنفس في عالم الغيب في أول الأمر وأودع دعوة الله عز وجل في كل عهد في هيكل من هياكل النبوة وأظهرها منها فتارة في آدم وأخرى في نوح وهكذا ومع ذلك فأنا المهيمن على الكل وهم حجبي وأمثالي وأبدالي وإنما صاروا أنبياء مبعوثين لمشابهتهم لي في الصورة الوجودية التي هي هيكل التوحيد المخطط بخطوط الإنسانية التي هي أعدل الهياكل وأحسنها تقويما فصار أمرهم أمري وحكمهم حكمي ورؤيتهم رؤيتي، افهم يا أخي ما ألقيه إليك ولا ينبئك مثل خبير .

 ومنها قوله (عليه السلام) (أنا أحيي وأميت) فهو يحتمل معنيين كلاهما صحيحان، أحدهما أن يراد به أني قادر على الإحياء والإماتة إذا شئت وهذا المعنى مما لا يرتاب فيه مسلم لأنه من لوازم مقام النبوة والولاية لكونه من جملة المعجزات وصدوره عنهم غير عزيز وكتاب الله العزيز ناطق به.

وثانيهما أن يراد به أن أمر الإحياء والإماتة إلي بالكلية وهذا أيضا مما لا ينبغي أن يتوقف فيه شيعي لأنه مركب من قول ملكين إسرافيل وعزرائيل فكما يصح لإسرافيل أن يقول أنا أحيي النفوس ولعزرائيل أن يقول أنا أميتها ولا يلزم منه أن يكونا إلهين من دون الله لأنهما حاملان أمر الله وليس لهما استقلال في ذلك كذلك يصح لمن جعل الله الملائكة خدامهم وعبيده لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون أن يقول مثل ذلك وينسب هذه الأفعال إلى نفسه بالطريق الأولى لأنه الواسطة الكبرى في ذلك جعل الله قلبه وعاء لمشيته ومهبطا لإرادته به يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وراجع في تحقيق ذلك إلى ما قدمناه في العناوين ولا تلجئنا إلى التكرار فليت شعري ما وجه التحير في أمثاله في هذه الأخبار وتأويلها بما تضحك منه الثكلى كقول بعض المحدثين بعد ذكر الخبر ما هذا لفظه . وقوله (عليه السلام) (أنا الذي حملت نوحا) أقول لو صح صدور الخبر عنه (عليه السلام) لاحتمل أن يكون المراد به وبأمثاله أن الأنبياء (عليهم السلام) بالاستشفاع بنا والتوسل بأنوارنا رفعت عنهم المكاره والفتن كما دلت عليه الأخبار الصحيحة الصريحة) انتهى .

فانظر إلى هذا المحدث الفاضل وإخراجه الكلام عن ظاهره بالكلية بعد التردد في أصل الخبر من غير داع يدعوه إليه ولعمري إنه ممن يروي في كتابه أخبارا صحيحة متواترة في أنهم (عليهم السلام) خلقوا قبل الخلق دهورا لا يعلم إحصاءها إلا الله وإنهم كانوا في عالم الأنوار موجودين حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا آدم ولا حواء لقبيح غاية القباحة عصمنا الله وإخواننا من الخطأ والخطل وإنما نشأت هذه الأمور من الغفلة عن ميزان تصحيح الأخبار الذي قدمناه في صدر الكتاب يا سبحان الله أن الذي يعلم الملائكة التسبيح والتقديس في ابتداء خلقهم كما نقل هو نفسه بذلك أخبارا مسلمة متواترة معنى لم لا يجوز أن يحمل نوحا في السفينة ويخرج يونس من بطن الحوت وما الذي أقدره عليه ثم أعجزه عن ذلك مات أو هلك في أي واد سلك صدق ولي الله (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) ،هي.

سر استقرار العرش والكرسي وقيام السموات والأرض

الحادي والأربعون كتاب اليقين عن مناقب ابن شاذان قال : حدثنا محمد ابن عبد الله بن عبيد الله ، عن محمد بن القاسم ، عن عباد بن يعقوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (والذي بعثني بالحق بشيرا ما استقر الكرسي والعرش ولا دار الفلك ولا قامت السماوات والأرض إلا بأن كتب الله عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين وإن الله تعالى لما عرج بي إلى السماء واختصني بلطيف ندائه قال يا محمد قلت لبيك ربي وسعديك قال أنا المحمود وأنت محمد شققت اسمك من اسمي وفضلتك على جميع بريتي فانصب أخاك عليا علما لعبادي يهديهم إلى ديني يا محمد إني قد جعلت عليا أمير المؤمنين فمن تأمر عليه لعنته ومن خالفه عذبته ومن أطاعه قربته يا محمد إني جعلت عليا إمام المسلمين فمن تقدم عليه أخزيته ومن عصاه سجنته إن عليا سيد الوصيين وقائد الغر المحجلين وحجتي على الخلق أجمعين).

علي بن الحسين عليهما السلام والمنجم

الثاني والأربعون بصائر الدرجات حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد الرازي ، عن إسماعيل بن موسى ، عن أبيه عن جده عن عمه عبد الصمد بن علي ، قال : (دخل رجل على علي بن الحسين (عليه السلام)  فقال له علي بن الحسين  (عليه السلام) : من أنت ، قال : أنا منجم ، قال : فأنت عراف ، قال : فنظر إليه ثم قال : هل أدلك على رجل قد مر مذ دخلت علينا في أربعة عشر عالما كل عالم أكبر من الدنيا ثلاث مرات لم يتحرك من مكانه ، قال : من هو ، قال : أنا وإن شئت أنبأتك بما أكلت وما ادخرت في بيتك) .

تحفة الحق لأمير المؤمنين عليه السلام

الثالث والأربعون كتاب الفضائل للشيخ الثقة الجليل أبي الفضل سديد الدين شاذان بن جبرئيل القمي قال :(حضرت الجامع بواسط يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة سنة احدى وخمسين وستمائة وتاج الدين نقيب الهاشميين يخطب بالناس على أعواده فقال بعد حمد الله تعالى والشكر عليه وذكر الخلفاء بعد الرسولقال في حق علي (عليه السلام) إن جبرئيل (عليه السلام) نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيده أترجة فقال له يا رسول الله الحق يقرئك السلام ويقول لك قد أتحفت ابن عمك علي بن أبي طالب بهذه التحفة فسلمها إليه فسلمها إلى علي (عليه السلام) فأخذها بيده وشقها نصفين فظهر في نصف منها حريرة من سندس الجنة عليها مكتوب تحفة من الطالب الغالب لعلي بن أبي طالب).

قصة أمير المؤمنين عليه السلام مع إبليس

الرابع والأربعون علل الصدوق  حدثنا الحسين بن محمد بن سعيد الهاشمي قال حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال حدثنا محمد بن علي بن معتمر قال حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن محمد بن الرملي قال حدثنا أحمد بن موسى قال حدثنا يعقوب بن إسحاق المروزي قال حدثنا عمرو بن منصور قال حدثنا إسماعيل بن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن أبي هارون العبدي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : (كنا بمنى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ بصرنا برجل ساجد وراكع ومتضرع فقلنا يا رسول الله ما أحسن صلاته فقال (عليه السلام) هو الذي أخرج أباكم من الجنة فمضى إليه علي (عليه السلام) غير مكترث فهزه هزة أدخل أضلاعه اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى ثم قال لأقتلنك إن شاء الله فقال لن تقدر على ذلك إلى أجل معلوم من عند ربي ما لك تريد قتلي فو الله ما أبغضك أحد إلا سبقت نطفتي إلى رحم أمه قبل نطفة أبيه ولقد شاركت مبغضيك في الأموال والأولاد وهو قول الله عز وجل في محكم كتابه وشاركهم في الأموال والأولاد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صدق يا علي لا يبغضك من قريش إلا سفاحي ولا من الأنصار إلا يهودي ولا من العرب إلا دعي ولا من سائر الناس إلا شقي ولا من النساء إلا سلقلقية وهي التي تحيض من دبرها ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه فقال معاشر الأنصار اعرضوا أولادكم على محبة علي فإن أجابوا فهم منكم وإن أبوا فليسوا منكم قال جابر بن عبد الله فكنا نعرض حب علي  (عليه السلام)  على أولادنا فمن أحب عليا علمنا أنه من أولادنا ومن أبغض عليا انتفينا منه ).

الإمام بمنزلة القلب

  الخامس والأربعون وفيه حدثنا محمد بن موسى البرقي ، قال حدثنا علي ابن محمد ماجيلويه عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه ، عن محمد بن سنان بإسناده يرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وساق حديثا في القلب ثم قال : (وبهذا الإسناد عن محمد بن سنان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال سمعته يقول لرجل اعلم يا فلان أن منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس الواجب الطاعة عليهم ألا ترى أن جميع جوارح الجسد شرط للقلب وتراجمة له مؤدية عنه الأذنان والعينان والأنف والفم واليدان والرجلان والفرج فإن القلب إذا هم بالنظر فتح الرجل عينيه وإذا هم بالاستماع حرك أذنيه وفتح مسامعه فسمع وإذا هم القلب بالشم استنشق بأنفه فأدى تلك الرائحة إلى القلب وإذا هم بالنطق تكلم باللسان وإذا هم بالبطش عملت اليدان وإذا هم بالحركة سعت الرجلان وإذا هم بالشهوة تحرك الذكر فهذه كلها مؤدية عن القلب بالتحريك وكذا ينبغي للإمام أن يطاع للأمر منه).

قليل البضاعة وعظيم الغنيمة

السادس والأربعون أمالي الصدوق حدثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي، عن عبد الملك بن أحمد بن هارون ، قال حدثنا عمار بن رجاء ، عن يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءه رجل فقال : (يا رسول الله أما رأيت فلانا ركب البحر ببضاعة يسيرة وخرج إلى الصين فأسرع الكرة وأعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل وده وأوسع قراباته وجيرانه فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إن مال الدنيا كلما ازداد كثرة وعظما ازداد صاحبه بلاء فلا تغتبطوا أصحاب الأموال إلا بمن جاد بماله في سبيل الله ولكن ألا أخبركم بمن هو أقل من صاحبكم بضاعة وأسرع منه كرة وأعظم منه غنيمة وما أعد له من الخيرات محفوظ له في خزائن عرش الرحمن قالوا بلى يا رسول الله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انظروا إلى هذا المقبل إليكم فنظرنا فإذا رجل من الأنصار رث الهيئة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلو من الخيرات والطاعات ما لو قسم على جميع أهل السماوات والأرض لكان نصيب أقلهم منه غفران ذنوبه ووجوب الجنة له قالوا بماذا يا رسول الله فقال سلوه يخبركم عما صنع في هذا اليوم فأقبل عليه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا له هنيئا لك ما بشرك به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فماذا صنعت في يومك هذا حتى كتب لك ما كتب فقال الرجل ما أعلم أني صنعت شيئا غير أني خرجت من بيتي وأردت حاجة كنت أبطأت عنها فخشيت أن تكون فاتتني فقلت في نفسي لأعتاضن منها النظر إلى وجه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول النظر إلى وجه علي عبادة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إي والله عبادة وأي عبادة إنك يا عبد الله ذهبت تبتغي أن تكتسب دينارا لقوت عيالك ففاتك ذلك فاعتضت منه النظر إلى وجه علي وأنت له محب ولفضله معتقد وذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله ولتشفعن بعدد كل نفس تنفسته في مصيرك إليه في ألف رقبة يعتقهم الله من النار بشفاعتك).

علي عليه السلام نصر الأنبياء وسينصرونه

السابع والأربعون منتخب البصائر عن كتاب الواحدة لمحمد بن الحسن ابن جمهور العمي البصري ، روى عن محمد بن الحسن بن عبد الله الأطروش الكوفي عن جعفر بن محمد البجلي قال حدثني أحمد بن محمد بن خالد البرقي قال حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته ثم تكلم بكلمة فصارت نورا ثم خلق من ذلك النور محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلقني وذريتي ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلماته فبنا احتج على خلقه فما زلنا في ظلة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف نعبده ونقدسه ونسبحه وذلك قبل أن يخلق الله الخلق وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا وذلك قوله عز وجل ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه﴾ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولتنصرن وصيه فقد آمنوا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينصروا وصيه وسينصرونه جميعا وإن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنصرة بعضنا لبعض فقد نصرت محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت لله بما أخذ علي من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها وليبعثنهم الله أحياء من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء من الثقلين جميعا فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبون زمرة زمرة لبيك لبيك بالتلبية يا داعي الله قد تخللوا بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله عز وجل ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾ أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادي ليس عندهم تقية وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات وأنا قرن من حديد وأنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أمين الله وخازنه وعيبة سره وحجابه ووجهه وصراطه وميزانه وأنا الحاشر إلى الله وأنا كلمة الله التي يجمع بها المتفرق ويفرق بها المجتمع وأنا أسماء الله الحسنى وأمثاله العليا وآياته الكبرى وأنا صاحب الجنة والنار أسكن أهل الجنة الجنة وأسكن أهل النار النار وإلي تزويج أهل الجنة وإلي عذاب أهل النار وإلي إياب الخلق جميعا وأنا المآب الذي يئوب إليه كل شيء بعد القضاء وإلي حساب الخلق جميعا وأنا صاحب الهنات وأنا المؤذن على الأعراف وأنا بارز الشمس وأنا دابة الأرض وأنا قسيم النار وأنا خازن الجنان وأنا صاحب الأعراف وأنا أمير المؤمنين ويعسوب المتقين وآية السابقين ولسان الناطقين وخاتم الوصيين ووارث النبيين وخليفة رب العالمين وصراط ربي المستقيم وقسطاطه والحجة على أهل السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما وأنا الذي احتج الله به عليكم في ابتداء خلقكم وأنا الشاهد يوم الدين وأنا الذي علمت علم المنايا والبلايا والقضايا وفصل الخطاب والأنساب واستحفظت آيات النبيين المستحقين المستحفظين وأنا صاحب العصا والميسم وأنا الذي سخرت لي السحاب والرعد والبرق والظلم والأنوار والرياح والجبال والبحار والنجوم والشمس والقمر وأنا الذي أهلكت عادا الأولى وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وأنا الذي ذللت الجبابرة وأنا صاحب مدين ومهلك فرعون ومنجي موسى (عليه السلام) وأنا القرن الحديد وأنا فاروق الأمة وأنا الهادي وأنا الذي أحصيت كل شيء عددا بعلم الله الذي أودعنيه وبسره الذي أسره إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلي وأنا الذي أنحلني ربي اسمه وكلمته [وحكمه] وعلمه وفهمه يا معشر الناس اسألوني قبل أن تفقدوني اللهم إني أشهدك وأستعد بك عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله متبعين أمره) .

سبب ابتلاء أيوب عليه السلام

الثامن والأربعون كتاب تأويل الآيات في تأويل قوله تعالى ﴿واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب﴾ قال (وجاء في بعض الأخبار شيء من قصة أيوب (عليه السلام) أحببنا ذكرها هاهنا وهو ما نقلته من خط الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس الله روحه من كتاب مسائل البلدان رواه بإسناده عن أبي محمد الفضل بن شاذان يرفعه إلى جابر بن يزيد الجعفي عن رجل من أصحاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : (دخل سلمان  على أمير المؤمنين (عليه السلام) فسأله عن نفسه فقال يا سلمان أنا الذي دعيت الأمم كلها إلى طاعتي فكفرت فعذبت في النار وأنا خازنها عليهم حقا أقول يا سلمان إنه لا يعرفني أحد حق معرفتي إلا كان معي في الملإ الأعلى قال ثم دخل الحسن والحسين (عليهم السلام) فقال يا سلمان هذان شنفا عرش رب العالمين بهما تشرق الجنان وأمهما خيرة النسوان أخذ الله على الناس الميثاق بي فصدق من صدق وكذب من كذب أما من صدق فهو في الجنة وآما من كذب فهو في النار وأنا الحجة البالغة والكلمة الباقية وأنا سفير السفراء.

قال : سلمان يا أمير المؤمنين قد وجدتك في التوراة كذلك وفي الإنجيل كذلك بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفان والله لولا أن يقول الناس واشوقاه رحم الله قاتل سلمان لقلت فيك مقالا تشمئز منه النفوس لأنك حجة الله الذي به تاب على آدم وبك أنجى يوسف من الجب وأنت قصة أيوب وسبب تغير نعمة الله عليه.

فقال : أمير المؤمنين (عليه السلام) أتدري ما قصة أيوب وسبب تغير نعمة الله عليه.

قال : الله أعلم وأنت يا أمير المؤمنين ،قال: لما كان عند الانبعاث للمنطق شك أيوب في ملكي فقال هذا خطب جليل وأمر جسيم قال الله عز وجل يا أيوب أتشك في صورة أقمته أنا إني ابتليت آدم بالبلاء فوهبته له وصفحت عنه بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين وأنت تقول خطب جليل وأمر جسيم فوعزتي لأذيقنك من عذابي أو تتوب إلي بالطاعة لأمير المؤمنين ثم أدركته السعادة بي يعني إنه تاب إلى الله وأذعن بالطاعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وعلى ذريته الطيبين (عليهم السلام) ) .

في تفسير قوله تعالى ثم دنى فتدلى

التاسع والأربعون وفيه في تفسير قوله تعالى ﴿ثم دنا فتدلى﴾  الآية قال:  قال محمد بن العباس  يعني ابن مروان ، حدثنا أحمد بن محمد النوفلي، عن أحمد بن هلال ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالله بن بكير، عن حمران بن أعين قال : (سألت أبا جعفر (عليه السلام)  عن قول الله عز وجل في كتابه ﴿ ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى﴾ قال : أدنى الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) منه فلم يكن بينه وبينه إلا قفص لؤلؤة فيه فراش من ذهب يتلألأ فأورى صورة فقيل له يا محمد أتعرف هذه الصورة فقال نعم هذه صورة علي بن أبي طالب فأوحى الله إليه أن زوجه فاطمة واتخذه  وصيا) )).

وصف جارية من جواري أمير المؤمنين عليه السلام في الجنة

الخمسون كتاب اليقين للسيد الجليل والحبر النبيل علي بن طاوس العلوي الفاطمي  نقلا عن كتاب كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للحافظ محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي بإسناد هذا صورته أخبرنا العدل محمد بن طرخان الدمشقي بها ، عن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد العطار ، حدثنا نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد بن علي الوشاء ، عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان ، حدثنا طلحة بن أحمد بن محمد ، حدثنا أبو زكريا النيشابوري ، عن شابور بن عبد الرحمن ، عن علي بن عبد الله بن عبد الحميد ، عن هيثم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ليلة أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت نورا ضرب به وجهي فقلت لجبرئيل ما هذا النور الذي رأيته قال يا محمد ليس هذا نور الشمس ولا نور القمر ولكن جارية من جواري علي بن أبي طالب (عليه السلام) طلعت من قصرها فنظرت إليك وضحكت وهذا النور خرج من فيها وهي تدور في الجنة إلى أن يدخلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ).

هبة آل محمد صلى الله عليه وآله للمؤمن

الحادي والخمسون معاني الأخبار لشيخنا محمد بن بابويه الصدوق  حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي ، عن الحكم بن مسكين ، عن ثعلبة بن ميمون، عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال : (إن الرجل ليخرج من منزله إلى حاجة فيرجع وما ذكر الله عز وجل فتملأ صحيفته حسنات قال فقلت وكيف ذلك جعلت فداك قال يمر بالقوم ويذكروننا أهل البيت فيقولون كفوا فإن هذا يحبهم فيقول الملك لصاحبه اكتب هبة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في فلان اليوم).

الأب والولي والراعي

الثاني والخمسون وفيه حدثنا أبو محمد عمار بن الحسين  قال: حدثنا علي بن محمد بن عصمة ، قال: حدثنا أحمد بن محمد الطبري بمكة، قال: حدثنا محمد بن الفضل، عن محمد بن عبد الله بن أبي الشوارب القرشي، عن أبي سليمان ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : (كنت عند علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الشهر الذي أصيب فيه وهو شهر رمضان فدعا ابنه الحسن (عليه السلام)  ثم قال: يا أبا محمد اعل المنبر فاحمد الله كثيرا، وأثن عليه، واذكر جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأحسن الذكر، وقل : لعن الله ولدا عق أبويه، ]لعن الله ولدا عق أبويه، لعن الله ولدا عق أبويه، لعن الله عبدا أبق من مواليه، لعن الله غنما ضلت عن الراعي وانزل .

فلما فرغ من خطبته ونزل اجتمع الناس إليه فقالوا: يا ابن أمير المؤمنين ويا بن بنت رسول الله نبئنا الجواب.

فقال: الجواب على أمير المؤمنين (عليه السلام)  .

فقال أمير المؤمنين: إني كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلاة صلاها فضرب بيده اليمنى إلى يدي اليمنى فاجتذبها فضمها إلى صدره ضما شديدا فقال لي: يا علي، قلت: لبيك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فلعن الله من عقنا، قل: آمين، قلت: آمين.

ثم قال: أنا وأنت موليا هذه الأمة فلعن الله من أبق عنا، قل: آمين، قلت: آمين.

ثم قال: أنا وأنت راعيا هذه الأمة فلعن الله من ضل عنا، قل: آمين، قلت آمين ، قال أمير المؤمنين  (عليه السلام): وسمعت قائلين يقولان معي: آمين  فقلت: يا رسول الله ومن القائلان معي آمين؟ قال: جبرئيل وميكائيل (عليهم السلام)) .

بعض فضائل أمير المؤمنين عليه السلام

الثالث والخمسون تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي قال حدثني جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي ، معنعنا عن أبي ذر الغفاري  قال : (كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم في منزل أم سلمة N ورسول الله يحدثني وأنا له مستمع إذ دخل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلما أن بصر  به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أشرق وجهه نورا وفرحا وسرورا بأخيه وابن عمه ثم ضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه ثم التفت إلي فقال يا أبا ذر تعرف هذا الداخل [علينا حق معرفته .

قال أبو ذر : يا رسول الله هو أخوك وابن عمك وزوج فاطمة وأبو الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة .

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أبا ذر هذا الإمام الأزهر ورمح الله الأطول وباب الله الأكبر فمن أراد الله فليدخل من الباب.

يا أبا ذر هذا القائم بقسط الله والذاب عن حريم الله والناصر لدين الله وحجة الله على خلقه إن الله لم يزل يحتج به على جميع خلقه في الأمم كلها أخذ عليهم العهود بولاية هذا في المحضر كل أمة فيها نبي.

يا أبا ذر إن لله عز وجل على كل ركن من أركان عرشه سبعون ألف ملك ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلا الدعاء لعلي والدعاء على أعدائه.

يا أبا ذر لولا علي ما  أبان الحق من الباطل  ولا مؤمن من كافر وما عبد الله لأنه ضرب على رءوس المشركين حتى أسلموا وعبدوا الله ولولا ذلك ما كان ثواب ولا عقاب لا يستره من الله ستر ولا يحجبه عن الله حجاب بل هو الحجاب والستر ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب﴾.

يا أبا ذر إن الله تعالى تفرد بملكه ووحدانيته في فردانيته وفردانيته في وحدانيته فعرف عباده المخلصين من نفسه فأباح له جنته فمن أراد أن يهديه عرفه ولايته ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عليه معرفته.

يا أبا ذر هذا راية الهدى وكلمة التقوى والعروة الوثقى وإمام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين فمن أحبه كان مؤمنا ومن أبغضه كان كافرا ومن ترك ولايته كان ضالا مضلا ومن جحد حقه كان مشركا.

يا أبا ذر يؤتى بجاحد حق علي وولايته يوم القيامة أصم وأبكم وأعمى يتكبكب في ظلمات يوم القيامة ينادي مناد ﴿يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله﴾ ويلقى في عنقه طوق من نار  ولذلك الطوق ثلاثمائة شعبة على كل شعبة شيطان يتفل في وجهه الكلح العبوس  من جوف قبره إلى النار.

فقال أبو ذر قلت فداك أبي وأمي يا رسول الله ملأت قلبي فرحا وسرورا فزدني.

فقال : يا أبا ذر لما أن عرج بي إلى السماء فصرت في السماء الدنيا أذن ملك من الملائكة وأقام الصلاة فأخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فقدمني وقال لي يا محمد صل بالملائكة فقد طال شوقهم إليك فصليت بسبعين صفا الصف ما بين المشرق والمغرب لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم فلما انفتلت من صلاتي وأخذت في التسبيح والتقديس أقبلت إلي شرذمة بعد شرذمة من الملائكة فسلموا علي وقالوا يا محمد لنا إليك حاجة هل تقضيها يا رسول الله فظننت أن الملائكة يسألون الشفاعة عند رب العالمين لأن الله فضلني بالحوض والشفاعة على جميع الأنبياء قلت ما حاجتكم يا ملائكة ربي قالوا يا نبي الله إذا رجعت إلى الأرض فأقرئ علي بن أبي طالب منا السلام وأعلمه بأن قد طال شوقنا إليه قلت يا ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا فقالوا يا نبي الله وكيف لا نعرفكم وأنتم أول ما خلق الله خلقكم أشباح نور من نور في نور من سناء عزه ومن سناء ملكه ومن نور وجهه الكريم وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه وعرشه على الماء قبل أن تكون السماء مبنية والأرض مدحية وهو في الموضع الذي يتوفاه فيه ثم خلق السماوات والأرضين في ستة أيام ثم رفع العرش إلى السماء السابعة فاستوى على عرشه وأنتم أمام عرشه تسبحون وتقدسون وتكبرون ثم خلق الملائكة من بدو ما أراد من أنوار شتى وكنا نمر بكم وأنتم تسبحون وتحمدون وتهللون وتكبرون وتمجدون وتقدسون فنسبح ونقدس ونمجد ونكبر ونهلل بتسبيحكم وتحميدكم وتهليلكم وتكبيركم وتقديسكم وتمجيدكم فما نزل من الله فإليكم وما صعد إلى الله فمن عندكم فلم لا نعرفكم أقرئ عليا منا السلام وأعلمه بأنه قد طال شوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء الثانية فتلقتني الملائكة فسلموا علي وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم فقلت يا ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا فقالوا يا نبي الله كيف لا نعرفكم وأنتم صفوة الله من خلقه وخزان علمه وأنتم العروة الوثقى وأنتم الحجة وأنتم الجانب والجنب وأنتم الكرسي  وأنتمأصول العلم قائمكم خير قائم بكم وناطقكم خير ناطق بكم فتح الله دينه وبكم يختمه فأقرئ عليا منا السلام وأخبره بشوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فتلقتني الملائكة فسلموا  علي وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم فقلت يا ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا فقالوا يا نبي الله لم لا نعرفكم وأنتم باب المقام وحجة الخصام وعلي دابة الأرض وفاصل القضاء وصاحب العصا وقسيم الجنة النار غدا وسفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها في النار يتردى ، لم تقم الدعائم من أقطار الأكناف ولا أعمدة فساطيط السجاف إلا على كواهل أنواركم فلم لا نعرفكم فأقرئ عليا منا السلام وأعلمه بشوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فتلقتني الملائكة فسلموا علي وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم فقلت  ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا فقالوا لم لا نعرفكم وأنتم شجرة النبوة وبيت الرحمة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وعليكم جبرئيل ينزل بالوحي من السماء من عند رب العالمين فأقرئ عليا منا السلام وأعلمه بطول شوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فتلقتني الملائكة فسلموا علي فقالوا لي مثل مقالة أصحابهم فقلت لهم  ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا فقالوا يا نبي الله لم لا نعرفكم ونحن نغدو ونروح على العرش بالغداة والعشي فننظر إلى  ساق العرش مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيده الله بعلي بن أبي طالب فعلي بن أبي طالب ولي الله والعلم بينه وبين خلقه وهو دافع المشركين ومبير الكافرين فعلمنا عند ذلك أن عليا ولي من أولياء الله فأقرئ عليا منا السلام وأعلمه بشوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء السادسة فتلقتني الملائكة فسلموا علي وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم فقلت  ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا فقالوا بلى يا نبي الله لم لا نعرفكم وقد خلق الله جنة الفردوس وعلى بابها شجرة ليس منها ورقة إلا عليها مكتوبة حرفين بالنور لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب عروة الله الوثيقة وحبل الله المتين وعينه على الخلائق أجمعين وسيف نقمته على المشركين فأقرئه منا السلام وقد طال شوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء السابعة فسمعت الملائكة يقولون لما أن رأوني ﴿الحمد لله الذي صدقنا وعده﴾  ثم تلقوني فسلموا علي وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم فقلت  ملائكة ربي سمعت وأنتم تقولون ﴿الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء﴾ فما الذي صدقتم قالوا يا نبي الله إن الله تبارك وتعالى لما أن خلقكم أشباح نور من سناء نوره ومن سناء عزه وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه وأشهدكم على عباده عرض ولايتكم علينا ورسخت في قلوبنا فشكونا محبتك إلى الله فوعدنا ربنا أن يريناك في السماء معنا وقد صدقنا وعده وهو ذا أنت معنا في السماء فجزاك الله من نبي خيرا ثم شكونا علي بن أبي طالب إلى الله فخلق لنا في صورته ملكا وأقعده عن يمين عرشه على سرير من ذهب مرصع بالدر والجواهر قوائمه من الزبرجد الأخضر عليه قبة من لؤلؤه بيضاء يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها بلا دعامة من تحتها ولا علاقة من فوقها قال لها صاحب العرش قومي بقدرتي فقامت بأمر الله فكلما اشتقنا إلى رؤية علي بن أبي طالب في الأرض نظرنا إلى مثاله في السماء).

إشارة لطيفة في ظهور ولي الله لأهل كل عالم بصورتهم

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب ونقل في تأويل الآيات هذا الخبر عن كتاب الواحدة ببعض المغايرات في العبارات بسند هذا صورته: أبو الحسن علي بن محمد بن جمهور عن الحسن بن عبد الله الأطروش قال حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي السراج قال حدثنا وكيع بن الجراح قال حدثنا الأعمش عن مورق العجلي عن أبي ذر الغفاري ثم ساق الحديث وكذا السيد التوبلي في الباب الثامن والسبعين من المقصد الثاني من كتابه غاية المرام عن الواحدة بالسند المذكور وحيث كانت رواية فرات أجمع وأقسط اخترناها عليه ثم أعلم أن الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) لم يكلموا الناس إلا بمقدار ما تحتمله عقولهم كما دلت عليه صريحات النقول وشهدت بتصديقها طامحات العقول وحيث كانت درجات عقول الناس متفاوتة جدا تكلموا بكلمات جامعة محفوفة اللباب بالقشور ومستورة الأجساد بالقبور ليأخذ كل نصيبه من الكتاب ومن هذا الباب قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الملائكة في هذا الخبر فخلق لنا في صورته ملكا الخ، فدفع بذلك وحشة أصحاب الظاهر ودل من يعرف دقائق كلامهم (عليهم السلام) إلى أن ولي الله يظهر بين كل نوع بما يماثلهم من الصورة بحكم قوله تعالى ﴿ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون﴾ فإذا أراد الله أن يظهره بين الملائكة في عالمهم أظهره بالصورة الملكية وهكذا فالملائكة يرونه في عالمهم ملكا والإنس يرونه إنسانا من غير مزاحمة بين الظهورين لأن الله ملأ به سماواته وأرضه حتى ظهر أن لا إله إلا هو كما قال الحجة (عليه السلام) في دعاء رجب المروى في مصباح الشيخ  فافهم إشارات كلام أئمتك تقف على كنز لا يفنى .

ليس بين الله وبين حجته حجاب

  الرابع والخمسون معاني الأخبار حدثنا  أبي قال: حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر، قال: حدثني ثابت الثمالي، عن سيد العابدين علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: (ليس بين الله وبين حجته حجاب، فلا لله دون حجته ستر، نحن أبواب الله، ونحن الصراط المستقيم، ونحن عيبة علمه، ونحن تراجمة وحيه، ونحن أركان توحيده، ونحن موضع سره).

 الإمام المبين

الخامس والخمسون وفيه حدثنا أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ، قال: حدثنا عيسى بن محمد العلوي ، قال : حدثنا أحمد بن سلام الكوفي ، قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد ، قال : حدثنا الحارث بن الحسن ، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل بن صدقة ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال : (لما أنزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾ قام أبو بكر وعمر من مجلسهما فقالا يا رسول الله هو التوراة قال لا قالا فهو الإنجيل قال لا قالا فهو القرآن قال لا قال فأقبل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو هذا إنه الإمام الذي أحصى الله تبارك وتعالى فيه علم كل شيء).

ما بعث الله نبيا إلا وعلي يقضي دينه وينجز عداته

  السادس والخمسون تفسير فرات قال : حدثني جعفر بن محمد الفزاري، قال : حدثنا أحمد بن ميثم الميثمي ، قال : حدثنا أحمد بن محرز الخراساني ، عن عبد الواحد بن علي ، قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) (أنا أؤدي من النبيين إلى الوصيين ومن الوصيين إلى النبيين، وما بعث الله نبيا إلا وأنا أقضي دينه وأنجز عداته، ولقد اصطفاني ربي بالعلم والظفر، ولقد وفدت إلى ربي اثنى عشر وفادة فعرفني نفسه وأعطاني مفاتيح الغيب ثم قال يا قنبر من بالباب؟ قال ميثم التمار ]قال أدخله فلما أدخله قال ما تقول أن أحدثك فإن أخذته كنت مؤمنا وإن تركته كنت كافرا؟ قال: أنا الفاروق الذي أفرق بين الحق والباطل، أنا أدخل أوليائي الجنة وأعدائي النار، أنا قال الله ﴿هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملآئكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور﴾.

علي خازن ما في السموات والأرض

السابع والخمسون بصائر الدرجات حدثنا عبد الله بن عامر، عن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسين بن عثمان ، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى ﴿صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض﴾ (يعني عليا إنه جعل عليا خازنه على ما في السماوات وما في الأرض من شيء وائتمنه عليه ألا إلى الله تصير الأمور).

علي يشهد مع رسول الله سبع مواطن

  الثامن والخمسون في تفسير قوله تعالى ﴿واشركه في أمري﴾ ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي عن رجاله مسندا عن الفضل بن شاذان يرفعه إلى بريدة الأسلمي ، (ح) منتخب بصائر سعد للحسن بن سليمان الحلي تلميذه الشهيد الأول محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي عبد الله زكريا بن محمد المؤمن قال حدثني أبو علي حسان بن مهران الجمال عن أبي داود السبيعي عن بريدة الأسلمي - واللفظ للأول - قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي(عليه السلام) يا علي إن الله تبارك وتعالى أشهدك معي سبعة مواطن أما أولهن فليلة أسري بي إلى السماء فقال لي جبرائيل أين أخوك قلت ودعته خلفي قال فادع الله فليأتك به فدعوت الله فإذا أنت معي وإذا الملائكة صفوف وقوف فقلت من هؤلاء يا جبرائيل فقال هؤلاء الملائكة يباهيهم الله بك فأذن لي فنطقت بمنطق لم ينطق الخلائق بمثله نطقت بما خلق الله وبما هو خالق إلى يوم القيامة ، والموطن الثاني أتاني جبرائيل فأسرى بي إلى السماء فقال لي أين أخوك قلت ودعته خلفي قال فادع الله فليأتك به فدعوت الله عز وجل فإذا أنت معي فكشط الله لي عن السماوات السبع والأرضين السبع حتى رأيت سكانها وعمارها وموضع كل ملك منها فلم أر من ذلك شيئا إلا وقد رأيته، والموطن الثالث ذهبت إلى الجن ولست معي فقال لي جبرائيل أين أخوك قلت ودعته خلفي فقال فادع الله فليأتك به فدعوت الله عزوجل فإذا أنت معي فلم أقل لهم شيئا ولم يردوا علي شيئا إلا وقد سمعته وعلمته كما سمعته وعلمته ، والموطن الرابع إني لم أسأل الله شيئا إلا أعطانيه فيك إلا النبوة فإنه قال يا محمد خصصتك بها ، والموطن الخامس خصصنا بليلة القدر وليست لغيرنا ، والموطن السادس أتاني جبرائيل فأسرى بي إلى السماء فقال لي أين أخوك فقلت ودعته خلفي قال فادع الله عزوجل فليأتك به فدعوت الله عزوجل فإذا أنت معي فأذن جبرائيل فصليت بأهل السماوات جميعا وأنت معي ، والموطن السابع إنا نبقى حين لا يبقى أحد وهلاك الأحزاب بأيدينا ).

فضل أمير المؤمنين من فضل رسول الله

 التاسع والخمسون تفسير فرات قال : حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام) قال : (خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وهو راكب وخرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يمشي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أبا الحسن إما أن تركب وإما أن تنصرف فإن الله أمرني أن تركب إذا ركبت وتمشي إذا مشيت وتجلس إذا جلست إلا أن يكون حدا من حدود الله لا بد لك من القيام والقعود فيه وما أكرمني الله بكرامة إلا وقد أكرمك بمثلها خصني بالنبوة والرسالة وجعلك ولي ذلك تقوم في حدوده وفي صعب أموره والذي بعثني بالحق نبيا ما آمن بي من كفر بك إنكرك كفر بك ولا أقر بي من جحدك ولا آمن بالله من أنكرك وإن فضلك لمن فضلي وإن فضلي لفضل الله وهو قول ربي﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون﴾  والله يا علي ما خلقت إلا ليعرف بك معالم الدين ويصلح بك لي دارس السبيل ولقد ضل من ضل عنك ولم يهتد إلى الله من لم يهتد إليك وإلى ولايتك وهو قول ربي﴿وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى﴾  يعني إلى ولايتك ولقد أمرني ربي أن أفترض من حقك ما أمرني أن أفترضه من حقي فحقك مفروض على من آمن بي كافتراض حقي عليه ولولاك لم يعرف حزب الله وبك يعرف عدو الله ولو لم يلقوه بولايتك [لم لقوه بشيء وإن مكاني لأعظم من مكان من تبعني ولقد أنزل الله فيك ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾  يعني من ولايتك يا علي﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ فلو لم أبلغ ما أمرت به لحبط عملي ومن لقي الله بغير ولايتك فقد حبط عمله موعود ما أقول لك إلا ما يقول ربي وإن الذي أقول لك لمن الله نزل فيك فإلى الله أشكو تظاهر أمتي عليك وإلى الله أشكو ما يركبونك  به بعدي أما إنه يا علي ما ترك قتالي من قاتلك ولا سلم لي من نصب لك وإنك لصاحب الأكواب وصاحب المواقف المحمودة في ظل العرش أينما أوقف فتدعى إذا دعيت وتحيا إذا حييت وتكسى إذا كسيت وحقت كلمة العذاب على من لم يصدق قولي فيك وحقت كلمة الرحمة لمن صدقني وما ركبت بأمر إلا وقد ركبت به وما اغتابك مغتاب أو أعان عليك  إلا وهو في حيز إبليس ومن والاك ووالى  من هو منك من بعدك كان من حزب الله وحزب الله هم المفلحون).

طوبى لشيعة علي وحسن مآب

  الستون كتاب الإيمان والكفر من بحار الأنوار تأليف مولانا محمد باقر المجلسي نقلا عن كتاب سعد السعود للسيد الجليل علي بن طاووس  نقلا ، عن تفسير الثقة الجليل محمد بن العباس بن مروان  بما هذا سنده: حدثنا أحمد بن محمد بن موسى النوفلي وجعفر بن محمد الحسيني ومحمد بن أحمد الكاتب ومحمد بن الحسين البزاز ، قالوا : حدثنا عيسى بن مهران ، قال : أخبرنا محمد بن بكار الهمداني، عن يوسف السراج ، قال : حدثني أبو هبيرة العماري من ولد عمار بن ياسر ، عن جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه وعليهم السلام، (ح) تفسـير فرات بن إبراهيم  الحسين بن القاسم والحسين بن محمد بن مصعب وعلي بن حمدون زاد بعضهم على بعض الحرف والحرفين ونقص بعضهم الحرف والحرفين والمعنى واحد إن شاء الله قالوا : حدثنا عيسى بن مهران معنعنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) واللفظ لكتاب البحار- قال : )لما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿طوبى لهم وحسن مآب﴾ أتى المقداد بن الأسود الكندي إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول الله وما طوبى.

قال : يا مقداد شجرة في الجنة لو سار الراكب الجواد لسار في ظلها مائة عام قبل أن يقطعها ورقها برود خضر وزهرها رياض صفر وأفنانها سندس وإستبرق وثمرها حلل خضر وصمغها زنجبيل وعسل وبطحاؤها ياقوت أحمر وزمرد أخضر وترابها مسك و عنبر وحشيشها زعفران ينيع وألنجوج يتأجج من غير وقود ويتفجر من أصلها السلسبيل والرحيق والمعين فظلها مجلس من مجالس شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يجمعهم  فبينما هم في ظلها يتحدثون إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجبا قدجبلت من الياقوت نفخ فيها الروح مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا وبرها خز أحمر ومرعزي أبيض مختلطان لم ينظر الناظرون إلى مثلها حسنا وبهاء ذلل من غير مهانة نجب من غير رياضة عليها رحال ألواحها من الدر والياقوت مفضضة باللؤلؤ والمرجان صفائحها من الذهب الأحمر ملبسة بالعبقري والأرجوان فأناخوا تلك النجائب إليهم ثم قالوا لهم ربكم يقرئكم السلام فتردونه ويراكم وينظر إليكم ويجيئكم ويزيدكم من فضله وسعته فإنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم قال فيتحول كل رجل منهم على راحلته فينطلقون صفا واحدا معتدلا لا يفوت منهم شيئا شيـئا ولا يفوت اذن ناقة ناقتها ولا بركة ناقة بركتها ولا يمرون بشجر من أشجار الجنة إلا أتحفتهم بثمارها ورحلت لهم من طريقه كراهية أن تنثلم طريقتهم وأن يفرق بين الرجل ورفيقه فلما رفعوا إلى الجبار تبارك وتعالى قالوا ربنا أنت السلام ومنك السلام ولك يحق الجلال والإكرام قال فقال أنا السلام ومني السلام ولي يحق الجلال والإكرام فمرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي في أهل بيت نبيي وراعوا حقي وخافوني بالغيب وكانوا مني على كل حال مشفقين قالوا أما وعزتك وجلالك ما قدرناك حق قدرك وما أدينا إليك كل حقك فأذن لنا بالسجود قال لهم ربهم إني قد وضعت عنكم مؤونة العبادة وأرحت لكم أبدانكم فطال ما أنصبتم لي الأبدان وعنتم لي الوجوه فالآن أفضتم إلى روحي ورحمتي فاسألوني ما شئتم وتمنوا علي أعطكم أمانيكم وإني لا أجزيكم اليوم بأعمالكم ولكن برحمتي وكرامتي وطولي وارتفاع مكاني وعظم شأني وبحبكم أهل بيت نبيي (صلى الله عليه وآله وسلم)  فلا يزالون يا مقداد محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) في العطايا والمواهب حتى أن المقصر من شيعته ليتمنى في أمنيته مثل جميع الدنيا منذ يوم خلقها الله إلى يوم أفنائها قال لهم ربهم تبارك وتعالى لقد قصرتم في أمانيكم ورضيتم بدون ما يحق لكم فانظروا إلى مواهب ربكم فإذا بقباب وقصور في أعلى عليين من الياقوت الأحمر والأخضر والأصفر والأبيض يزهر نورها فلولا أنه مسخر إذا للمعت منه الأبصار فما كان من تلك القصور من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر وما كان منها من الياقوت الأخضر فهو مفروش بالسندس الأخضر وما كان منها من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض وما كان منها من الياقوت الأصفر فهو مفروش بالرياط الأصفر مبثوثة بالزبرجد الأخضر والفضة البيضاء والذهب الأحمر قواعدها وأركانها من الجوهر ينور من أبوابها وأعراضها نور شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضي‏ء وإذا على باب كل قصر من تلك القصور جنتان ﴿مدهامتان﴾ ﴿ فيهما عينان نضاختان﴾ ﴿فيهما من كل فاكهة زوجان﴾ فلما أرادوا أن ينصرفوا إلى منازلهم حولوا على براذين من نور بأيدي ولدان مخلدين بيد كل واحد منهم حكمة برذون من تلك البراذين لجمها و أعنتها من الفضة البيضاء وأثفارها من الجواهر فلما دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنئونهم بكرامة ربهم حتى إذا استقروا قرارهم قيل لهم هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم ربنا رضينا فارض عنا قال برضاي عنكم وبحبكم أهل بيت نبيي حللتم داري وصافحتم الملائكة فهنيئا هنيئا عطاء غير مجذوذ  ليس فيه تنغيص فعندها ﴿وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب﴾  قال لنا أبو محمد النوفلي أحمد بن محمد بن موسى قال لنا عيسى بن مهران قرأت هذا الحديث يوما على قوم من أصحاب الحديث  فقلت أبرأ إليكم من عهدة الحديث فإن يوسف السراج لا أعرفه فلما كان من الليل رأيت في منامي كأن انسان جائني ومعه كتاب وفيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمود بن إبراهيم والحسن بن الحسين ويحيى بن الحسن القزاز وعلي بن القاسم الكندي من تحت شجرة طوبى وقد أنجز  لنا ربنا ما وعدنا فاحتفظ بما في يديك من هذه الآية فإنك لن تقرأ منها كتابا إلا أشرقت له الجنة)

يقول مصنف هذا الكتاب وقد ذكر في تفسير فرات مثل هذه الحكاية بما يوافقه معنى ويغايره لفظا وفيه مكان محمود بن إبراهيم محمد بن إبراهيم ومكان يحيى بن الحسن الفرار يحيى بن الحسن بن الفرات والله أعلم.

بدو خلق نور النبي صلى الله عليه وآله

 الحادي والستون الخصال للصدوق  حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن إبراهيم بن يحيى بن عجلان المروزي المقرئ ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الجرجاني ، قال: حدثنا أبو بكر عبد الصمد بن يحيى الواسطي ، قال : حدثنا الحسن بن علي المدني ، عن عبد الله بن المبارك ، عن سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال (إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يخلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار وقبل أن يخلق آدم ونوحا وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان وكل من قال الله عز وجل في قوله ﴿ووهبنا له إسحق ويعقوب﴾ إلى قوله  ﴿وهديناهم إلى صراط مستقيم﴾ وقبل أن خلق الأنبياء كلهم بأربعمائة ألف وأربع وعشرين ألف سنة وخلق الله عز وجل معه اثني عشر حجابا حجاب القدرة وحجاب العظمة وحجاب المنة وحجاب الرحمة وحجاب السعادة وحجاب الكرامة وحجاب المنزلة وحجاب الهداية وحجاب النبوة وحجاب الرفعة وحجاب الهيبة وحجاب الشفاعة ثم حبس نور محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) في حجاب القدرة اثني عشر ألف سنة وهو يقول سبحان ربي الأعلى وفي حجاب العظمة إحدى عشر ألف سنة وهو يقول سبحان عالم السر وفي حجاب المنة عشرة آلاف سنة وهو يقول سبحان من هو قائم لا يلهو وفي حجاب الرحمة تسعة آلاف سنة وهو يقول سبحان الرفيع الأعلى وفي حجاب السعادة ثمانية آلاف سنة وهو يقول سبحان من هو دائم لا يسهو وفي حجاب الكرامة سبعة آلاف سنة وهو يقول سبحان من هو غني لا يفتقر وفي حجاب المنزلة ستة آلاف سنة وهو يقول سبحان ربي العلي الكريم وفي حجاب الهداية خمسة آلاف سنة وهو يقول سبحان ذي العرش العظيم وفي حجاب النبوة أربعة آلاف سنة وهو يقول سبحان رب العزة عما يصفون وفي حجاب الرفعة ثلاثة آلاف سنة وهو يقول سبحان ذي الملك والملكوت وفي حجاب الهيبة ألفي سنة وهو يقول سبحان الله وبحمده وفي حجاب الشفاعة ألف سنة وهو يقول سبحان ربي العظيم وبحمده ثم أظهر عز وجل اسمه على اللوح وكان على اللوح منورا أربعة آلاف سنة ثم أظهره على العرش فكان على ساق العرش مثبتا سبعة آلاف سنة إلى أن وضعه الله عز وجل في صلب آدم ثم نقله من صلب آدم إلى صلب نوح ثم يخرجه من صلب إلى صلب حتى أخرجه من صلب عبد الله بن عبد المطلب فأكرمه بست كرامات ألبسه قميص الرضا ورداه رداء الهيبة وتوجه تاج الهداية وألبسه سراويل المعرفة وجعل تكته تكة المحبة يشد بها سراويله وجعل نعله نعل الخوف وناوله عصا المنزلة ثم قال عز وجل له يا محمد اذهب إلى الناس فقل لهم قولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وكان أصل ذلك القميص من ستة أشياء قامته من الياقوت وكماه من اللؤلؤ ودخريصه من البلور الأصفر وإبطاه من الزبرجد وجربانه من المرجان الأحمر وجيبه من نور الرب جل جلاله فقبل الله توبة آدم (عليه السلام) بذلك القميص ورد خاتم سليمان به ورد يوسف إلى يعقوب به ونجا يونس من بطن الحوت به وكذلك سائر الأنبياء (عليهم السلام) نجاهم من المحن به ولم يكن ذلك القميص إلا قميص محمد صلى الله عليه وآله وسلم).

  الغاية من خلق العباد

الثاني والستون علل الصدوق  حدثنا أبي  قال : حدثنا أحمد بن إدريس عن الحسين بن عبيد الله ، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن عبد الكريم بن عبيد الله ، عن سلمة بن عطا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (خرج الحسين بن علي (عليهم السلام) على أصحابه فقال أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه فقال له رجل يا ابن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله قال معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته) .

تحقيق لطيف في أن معرفة الإمام هي معرفة الله

  يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب لا وحشة في عبارة هذا الحديث فإن ذات الله لا تعرف ولا يحاط بها وإنما يعرف الله تعالى بآياته التي ظهر بها للخلق ولا آية لله تعالى أعظم من وجود الإمام كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (أي آية لله أكبر مني وأي نبأ أعظم مني) فمن عرف الإمام فقد عرف الله لأنه عرفه بما ظهر به في الإمكان ظهورا وصفيا لا ظهورا ذاتيا كما زعمه بعض القاصرين المنتحلين للمعرفة فافهم.

علة ضحك الطفل وبكائه

الثالث والستون وفيه أخبرني علي بن حاتم  ، قال : حدثنا إسماعيل بن علي بن قدامة أبو السري ، قال : حدثنا أحمد بن علي بن ناصح ، قال: حدثنا جعفر بن محمد الأرمني ، قال : حدثنا الحسن بن عبد الوهاب، قال : حدثنا علي بن حديد المدائني ، عمن حدثه عن المفضل بن عمر قال : (سألت جعفر بن محمد(عليهم السلام) عن الطفل يضحك من غير عجب ويبكي من غير ألم فقال يا مفضل ما من طفل إلا وهو يرى الإمام ويناجيه فبكاؤه لغيبة الإمام عنه وضحكه إذا أقبل عليه حتى إذا أطلق لسانه أغلق ذلك الباب عنه وضرب على قلبه بالنسيان).

الجبل الأسود

  الرابع والستون عن كامل الزيارات للشيخ الثقة جعفر بن محمد بن قولويه ، عن محمد بن الحميري عن أبيه ، عن علي بن محمد بن سليمان، عن محمد بن خالد ، عن عبد الله الأصم ، عن عبد الله بن بكر الأرجاني قال : (صحبت أبا عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة من المدينة فنزلنا منزلا يقال له عسفان ثم مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق موحش فقلت له يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق مثل هذا فقال لي يا ابن بكير أتدري أي جبل هذا قلت لا قال هذا جبل يقال له الكمد وهو على واد من أودية جهنم وفيه قتلة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) استودعهم فيه تجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم وما يخرج من جب الجوي وما يخرج من الفلق من أثام وما يخرج من طينة الخبال وما يخرج من جهنم وما يخرج من لظى وما يخرج من الحطمة وما يخرج من سقر وما يخرج من الحميم وما يخرج من الهاوية وما يخرج من السعير .

 قال قلت له جعلت فداك ومن معهم قال كل فرعون عتا على الله وحكى الله عنه فعاله وكل من علم العباد الكفر فقلت من هم قال نحو بولس الذي علم اليهود أن يد الله مغلولة ونحو نسطور الذي علم النصارى أن المسيح ابن الله وقال لهم هم ثلاثة ونحو فرعون موسى الذي قال أنا ربكم الأعلى ونحو نمرود الذي قال قهرت أهل الأرض وقتلت من في السماء وقاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وقاتل فاطمة ومحسن وقاتل الحسن والحسين (عليهم السلام) فأما معاوية وعمرو بن العاص فما يطمعان في الخلاص ومعهم كل من نصب لنا العداوة وأعان علينا بلسانه ويده وماله .

قلت له جعلت فداك فأنت تسمع ذا كله ولا تفزع .

قال يا ابن بكر إن قلوبنا غير قلوب الناس إنا مطيعون مصفون مصطفون نرى ما لا يرى الناس ونسمع ما لا يسمعون وإن الملائكة تتنزل علينا في رحالنا وتتقلب على فرشنا وتشهد طعامنا وتحضر موتانا وتأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون وتصلي معنا وتدعو لنا وتلقي علينا أجنحتها وتتقلب على أجنحتها صبياننا وتمنع الدواب أن تصل إلينا وتأتينا مما في الأرض من كل نبات في زمانه وتسقينا من ماء كل أرض نجد ذلك في آنيتنا وما من يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة إلا وهي تنبهنا  لها وما من ليلة تأتي علينا إلا وأخبار كل أرض عندنا وما يحدث فيها وأخبار الجن وأخبار أهل الهوى من الملائكة وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره مقامه إلا أتتنا بخبره وكيف سيرته في الذين قبله وما من أرض من ستة أرضين إلى السابعة إلا ونحن نؤتى بخبرهم.

فقلت له : جعلت فداك فأين منتهى هذا الجبل .

قال : إلى الأرض السادسة وفيها جهنم على واد من أوديتها عليه حفظة أكثر من نجوم السماء وقطر المطر وعدد ما في البحار وعدد الثرى قد وكل كل ملك منهم بشيء وهو مقيم عليه لا يفارقه .

قلت : جعلت فداك إليكم جميعا يلقون الأخبار .

قال : لا إنما يلقى ذلك إلى صاحب الأمر وإنا لنحمل ما لا يقدر العباد على حمله ولا على الحكومة فيه فنحكم فيه فمن لم يقبل حكومتنا جبرته الملائكة على قولنا وأمرت الذين يحفظون ناحيته أن يقسروه على قولنا وإن كان من الجن من أهل الخلاف والكفر أوثقته وعذبته حتى يصير إلى ما حكمنا به .

قلت : جعلت فداك فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب .

فقال : يا ابن بكير فكيف يكون حجة الله على ما بين قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم وكيف يكون حجة على قوم غيب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه وكيف يكون مؤديا عن الله وشاهدا على الخلق وهو لا يراهم وكيف يكون حجة عليهم وهو محجوب عنهم وقد حيل بينهم وبينه أن يقوم بأمر ربه فيهم والله يقول ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس﴾  يعني به من على الأرض والحجة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  من بعده وهو الدليل على ما تشاجرت فيه الأمة والأخذ بحقوق الناس والقائم بأمر الله والمنصف لبعضهم من بعض فإذا لم يكن معهم من ينفذ قوله وهو يقول ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم﴾ فأي آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق وقال ﴿وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها﴾ فأي آية أكبر منا والله إن بني هاشم وقريشا لتعرف ما أعطانا الله ولكن الحسد أهلكهم كما أهلك إبليس وإنهم ليأتوننا إذا اضطروا وخافوا على أنفسهم فيسألونا فنوضح لهم فيقولون نشهد أنكم أهل العلم ثم يخرجون فيقولون ما رأينا أضل ممن اتبع هؤلاء ويقبل مقالتهم .

قلت : جعلت فداك أخبرني عن الحسين (عليه السلام) لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئا .

قال : يا ابن بكر ما أعظم مسائلك الحسين (عليه السلام) مع أبيه وأمه وأخيه الحسن في منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبون كما يحبى ويرزقون كما يرزق فلو نبش في أيامه لوجد وأما اليوم فهو حي عند ربه يرزق وينظر إلى معسكره وينظر إلى العرش متى يؤمر أن يحمله وإنه لعلى يمين العرش متعلق يقول يا رب أنجز لي ما وعدتني وإنه لينظر إلى زواره وهو أعرف بهم وبأسمائهم وبأسماء آبائهم وبدرجاتهم وبمنزلتهم عند الله من أحدكم بولده وما في رحله وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له رحمة له ويسأل أباه الاستغفار له ويقول لو تعلم أيها الباكي ما أعد لك لفرحت أكثر مما جزعت فليستغفر له رحمة له كل من سمع بكاءه من الملائكة في السماء وفي الحائر وينقلب وما عليه من ذنب). 

سعة علم الأئمة عليهم السلام

الخامس والستون عن مناقب ابن شهر آشوب عن صفوان بن يحيى عن بعض رجاله عن الصادق(عليه السلام) قال : (والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين فقال له رجل من أصحابه جعلت فداك أ عندكم علم الغيب فقال له ويحك إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ويحكم وسعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبال تهامة إلا بإذن الله والله لو أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم وما من يوم ولا ليلة إلا والحصى يلد إيلادا كما يلد هذا الخلق والله لتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضا).

تحقيق لطيف في علم الأئمة عليهم السلام

 يقول مصنف هذا الكتاب لا ينافي هذا الخبر الأخبار الدالة على أن علم الأشياء الخمسة التي في قوله تعالى ﴿إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت﴾  الآية، علم مخصوص لله تعالى لا يعلمه أحد من الأنبياء والرسل حتى نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الأخبار بهذا المضمون كثيرة وقد وضعنا لبيان هذه المسألة رسالة مبسوطة سميناها (مفاتح الغيب) ومختصرة سميناها (علم الساعة) جوابا لسؤال بعض السائلين وهنا نشير إلى وجه الجمع إشارة إجمالية ونقول إن الله تعالى حين خلق ما سواه لم يكن فاعلا موجبا مضطرا لا يقدر على تغيير ما خلق عما هو عليه سواء كان ذلك المخلوق من قسم ما كان أو من قسم ما يكون إلى يوم القيامة وما بعده لأن هذه النسب إنما يفرق بينهما بالنسبة إلى المخلوق المحدود وأما هو تعالى فنسبة جميع الأشياء إليه على حد سواء فهو تعالى قادر في كل حين على أن يغير جميع ما في ملكه عما هو عليه إذا شاء ذلك وحتم عدم تغيير بعض الأشياء أو حتم تغييره لا ينافي ذلك لأن ذلك الحتم إنما هو بالنظر إلى اقتضاء الحكمة وهذا بالنظر إلى اقتضاء القدرة وإطلاقها فاللحاظان مختلفان فالأشياء لا تكون بحتم عدم التغيير واجبة الوجود بل هي في كل آن وحين محتاجة إلى خلق جديد منه تعالى سواء ألقاها على ما هي عليه أم غيرها كابتداء صدورها بعينه ولذا رد الله سبحانه على اليهود في قولهم : قد فرغ من الأمر وأن يده مغلولة ، فقال ﴿بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء﴾ وقال ﴿كل يوم هو في شأن﴾ وقال ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت﴾ فإذا علم الله تعالى بعض من اصطفاه علم الأشياء مما كان وما هو كائن فهو يعلمها بذلك التعليم غير أنه يحتاج في كل حين إلى تعليم منه تعالى جديد لعين ما علم فيما قبل لأن العالم والعلم والمعلوم كلها ممكنة محتاجة قائمة بالغير فإن بقائها محض آن صدورها من المبدأ لا أزيد ومعلوماته بالنسبة إلى قدرة الله المطلقة في معرض التغير عما هي عليه وعدمه فيما بعد حصول العلم بها فهو لا يعلم منها إلا ما هو موجود في الكون حال العلم سواء كان ذلك الموجود من قسم ما كان أم من قسم ما يكون لأنا قد قدمنا أن ما يكون أيضا موجود في زمانه ومكانه من الوجود.

إن قلت إن الله إذا علم نبيه مثلا أني سأقيم القيامة في وقت كذا فكيف يمكن أن يبدو له فيؤخره أو يقدمه والحال أنه يلزم منه كذب الوعد وهو محال على الله تعالى.

قلنا فرق بين عدم التغيير وبين عدم القدرة عليه، والكلام إنما هو في الثاني دون الأول. فالمراد أن الله بمحض الوعد لا ينقلب فاعلا موجبا بعدما كان مختارا على أن استثناء ﴿إلا أن يشاء الله﴾ جار ثابت في جميع المواعيد المحتومة والمشروطة فإن غير ما حتم عدم تغييره لم يلزم منه كذب أصلا هذا، وإن أردت معرفة الفرق بين مقتضى القدرة ومقتضى الحكمة فاستمع لما نقول وهو أن عدم سلب النبوة من نبينا لا ريب أنه من المحتوم بالنظر إلى اقتضاء الحكمة ومع ذلك فهو تعالى يقول ﴿ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك﴾ أفترى أن الله تعالى يدعي ما لا يقدر عليه -تعالى عن ذلك علوا كبيرا- وكذا عدم هداية جميع الناس طوعا أو كرها فإنه تعالى لن يفعله أبدا لأنه بنى الهداية على الاختيار بمقتضى الحكمة ومع هذا يقول ﴿ولو شاء لهداكم أجمعين﴾  .

وأصرح من ذلك كله ما في كتاب الحسين بن عثمان بن شريك عن سليمان الطلحي قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) (أخبرني عما أخبرت به الرسل عن ربها وأنهت ذلك إلى قومها أيكون لله البداء  قال أما إني لا أقول لك إنه يفعل ولكن إن شاء فعل).

وفي كتاب العصمة والرجعة لشيخنا الإحسائي أجل الله شأنه عن تفسير النعماني عن داود بن أبي القاسم قال (كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) هل يبدو لله في المحتوم قال نعم)  الحديث.

فانظر إلى هذين الحديثين ما أصرحهما في المدعى لمن وعى، فظهر أن كل علم أعطاه الله تعالى أنبياءه ورسله وسائر خلقه فهو ممكن التغيير لأن العالم وعلمه ومعلوماته كلها في قبضته تعالى يمكن في كل حين أن يغيرها إلى ما يشاء حين يشاء وأن لا يغيرها بل يوجدها بخلق جديد على ما كان عليه وأن ذلك العلم المعطى غير ثابت الذات في نفسه يحتاج في كل حين إلى إيجاد منه جديد فهم ﴿لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾ أي بما أخرجه من حيز الصلوح الإمكاني إلى حيز التنجز والكون ولو فيما سيكون، ولذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لولا آية في كتاب الله ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت﴾ لأخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنه (عليه السلام) أثبت بهذا الكلام علمه بجميع ما كان وما يكون ومع ذلك شرط إخباره بذلك بما سمعت.

وأما العلم الذي لا يجري فيه التغير لأن جميع ما يمكن في حق الممكنات من الأطوار فهو علم مخصوص لله تعالى أودعه في خزينة الإمكان يظهر منه البداءات الكونية وينفق منه ما دام لملكه بقاء ولا ينفد ما في تلك الخزينة. وإنما خصه لنفسه لأن الممكن من حيث هو ممكن لا يطيق حمل هذا العلم كائنا من كان وإنما هو شأن الواجب بالذات وأما الممكن فهو دائما محتاج إلى إيجاد جديد من صانعه لا يستغني عنه طرفة عين فلا يكون علمه واجبا مستغنيا عن التجدد في كل حين حتى يقال في حقه جف القلم بما علم فيصح للممكن الذي علمه الله تعالى علم ما كان وما يكون وعلم ما في السماوات والأرضين ولم يعزب عن علمه مثقال ذرة أن يقول بالنسبة إلى ما بعد حين علمه بمعلوماته الحاضرة في الكون إني لا أعلم منها شيئا يعني علما إحاطيا وإنما علمها عند ربي﴿قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم﴾ لأنه يعلم أن الله تعالى إن يبدو له فيما بعد فيفنى جميع ما في الكون من المعلومات وهذا هو معنى البداء الذي حارت فيه عقول الحكماء وتاهت فيه أعلام العلماء ولم يهجموا على حقيقته مع شدة توغلهم فيه فاضطربوا اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة ونحن نحمد الله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

فليس العلم الذي استأثره الله في غيبه لا يخرجه إلى غيره بمنحصر في ظاهر الأشياء الخمسة بل هو علم شامل بجميع الأشياء وإنما عبر الله تعالى بتلك الأمور الخمسة عن مجموع أطوار الوجود وتوضيحه على سبيل الإجمال أن كل شيء فله مادة بحسب تنزله من عالم الأمر وهي ماء لذوبانها وتهيؤها لقبول الأشكال، وصورة تستقر بها تلك المادة وتنشأ وتنمو حتى تبلغ إلى غايتها المقصودة منها وإذا تمت مادته وصورته تمت خلقته النزولية فيأخذ في الصعود إلى مبدئه بصحة تصرفاته الفعلية وتقلباته الكسبية إذا بلغ الكتاب أجله في العالم الذي هو فيه انتقل منه إلى عالم آخر وهكذا إلى مبدئه الذي هو غاية سيره في الصعود فإذا بلغ هذا المقام وقف بين يدي الملك الجبار ليجزيه بما كسب في سفره هذا من نتائج الأعمال فإما إلى الجنة وإما إلى النار وهو حصوله في مقام كان منه مبدأه في الابتداء﴿كما بدأكم تعودون﴾   ﴿ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة﴾ فإلى المادة الإشارة بقوله ﴿وينزل الغيث﴾ لأنها ماء نزل من سماء المشيئة وإلى الصورة بقوله ﴿ويعلم ما في الأرحام﴾  فإن الصورة أم كما أن المادة أب قال الإمام أبو عبد الله (عليه السلام) (إن الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته) إلى أن قال (فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة)  فجعل مدخول من الذي هو المادة أبا والرحمة التي هي الصورة والصبغ أما، فافهم. وإلى تصرفاته الفعلية بعد تمام خلقته النزولية بقوله ﴿ماذا تكسب غدا﴾ وإلى انتقاله من عالم إلى آخر في الصعود بقوله ﴿بأي أرض تموت﴾ وإلى اجتماع قوسي النزول والصعود وانتهاء سلسلتي الغيب والشهود بعلم الساعة. فصح أن جميع أطوار الوجود منحصر في الأشياء الخمسة وعلم تلك الأشياء كلها عند الله سبحانه لا يعلمها إلا هو بالمعنى الذي قررناه ولا ينافي هذا علم الأئمة (عليهم السلام) والأنبياء وغيرهم بتلك الأشياء لأن العلم الذي عندهم منها على طور غير طور العلم الذي اختص الله تعالى به كما عرفت، فاندفع الإشكال بحمد الله المتعال فخذ يا أخي ما آتيناك وكن به ضنينا.

هذا وبهذا التحقيق تهتدي أيضا إلى معنى استزادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  للعلم وقول الأئمة (عليهم السلام) في عدة أخبار لولا أنا نزداد لنفد ما عندنا، وإن العلم ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء، وأنهم يزدادون في كل ليلة جمعة وليلة قدر، وأشباه ذلك من الأخبار. هذا كله مع علمهم (عليهم السلام) بما كان وما يكون وما في الأرض وما في السماء وما في الجنة وما في النار.

وبالجملة جميع ما في الكون من الذرات الوجودية في كل حين وآن. وبعض القاصرين لما لم يهجموا على حقيقة الأمر بقوا في جمع تلك الأخبار حيارى يتكلمون بما لا تسكن إليه أنفسهم هم فضلا عن غيرهم، والله ولي التوفيق.

إشهار نبوة النبي في السماء قبل بعثته في الأرض

السادس والستون عن مروج الذهب للمسعودي  بحذف الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : (إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرء البرية وإبداع المبدعات نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأساخ نورا من نوره فلمع وقبسا من ضيائه فسطع ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال الله عز من قائل أنت المختار المنتجب وعندك أستودع نوري وكنوز هدايتي ومن أجلك أسطح البطحاء وأرفع السماء وأمزج الماء وأجعل الثواب والعذاب والجنة والنار وأنصب أهل بيتك بالهداية وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يخفى عليهم دقيق ولا يغيبهم خفي وأجعلهم حجة على بريتي والمنبهين على علمي ووحدانيتي ثم أخذ الله سبحانه الشهادة للربوبية والإخلاص للوحدانية فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاء ببصائر الخلق انتخاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في أهله تقديما لسنة العدل وليكون الإعذار متقدما ثم أخفى الله الخليقة في غيبه وغيبها في مكنون علمه ثم نصب العوالم وبسط الزمان ومرج الماء وأثار الزبد وأهاج الدخان فطفا عرشه على الماء وسطح الأرض على ظهر الماء ثم استجابهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة ثم أنشأ الملائكة من أنوار ابتدعها وأنوار اخترعها وقرن بتوحيده نبوة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فشهرت نبوته في السماء قبل بعثته في الأرض فلما خلق الله آدم أبان له فضله للملائكة وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفهم عند استنبائه إياه أسماء الأشياء فجعل الله آدم محرابا وكعبة وقبلة أسجد إليها الأنوار والروحانيين والأبرار ثم نبه آدم على مستودعه وكشف له خطر ما ائتمنه على أن سماه إماما عند الملائكة فكان حظ آدم من الخبر إنباءه ونطقه بمستودع نورنا ولم يزل الله تعالى يخبأ النور تحت الزمان إلى أن فصل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) في طاهر القنوات فدعا الناس ظاهرا وباطنا وندبهم سرا وإعلانا واستدعى التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل ومن وافقه قبس من مصباح النور المتقدم اهتدى إلى سره واستبان واضح أمره ومن ألبسته الغفلة استحق السخطة ثم انتقل النور إلى غرائزنا ولمع مع أئمتنا فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض فبنا النجاة ومنا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور وبنا تقطع الحجج ومنا خاتم الأئمة ومنقذ الأمة وغاية النور ومصدر الأمور فنحن أفضل المخلوقين وأكمل الموجودين وحجج رب العالمين فلتهنأ النعمة من تمسك بولايتنا وقبض عروتنا ) هي.

أقول : وروى هذه الخطبة سبط ابن الجوزي في مناقبه بمغايرات كثيرة زيادة ونقيصة، ولكون رواية المسعودي أقرب إلى الاعتبار والإتقان اخترناها على روايته.

ما كتب على السماء

السابع والستون عن مناقب ابن شاذان في فضائله عن عبد الله بن مسعود قال : (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : إن للشمس وجهين وجها يضيء لأهل السماء ووجها يضيء لأهل الأرض وعلى الوجهين كتابة ، ثم قال أتدرون ما تلك الكتابة ، قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال: الكتابة التي تلي أهل السماء الله نور السماوات والأرض وأما الكتابة التي تلي أهل الأرض علي نور الأرضين).

علم أمير المؤمنين عليه السلام الخاص

الثامن والستون منتخب البصائر قال : ومن كتاب سليم بن قيس الهلالي  الذي رواه عنه أبان بن أبي عياش وقرأ جميعه على سيدنا علي بن الحسين (عليهم السلام) بحضور جماعة أعيان من الصحابة منهم أبو الطفيل ، فأقره عليه زين العابدين (عليه السلام) وقال : هذه أحاديثنا صحيحة ، قال أبان: لقيت أبا الطفيل بعد ذلك في منزله فحدثني في الرجعة عن أناس من أهل بدر وعن سلمان والمقداد وأبي ابن كعب وقال أبو الطفيل فعرضت هذا الذي سمعته منهم على علي بن أبي طالب(عليه السلام) بالكوفة فقال : (هذا علم خاص لا يسع الأمة جهله ورد علمه إلى الله تعالى ثم صدقني بكل ما حدثوني وقرأ علي بذلك قراءة كثيرة فسره تفسيرا شافيا حتى صرت ما أنا بيوم القيامة أشد يقينا مني بالرجعة.

وكان مما قلت : يا أمير المؤمنين أخبرني عن حوض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدنيا أم في الآخرة .

فقال : بل في الدنيا .

قلت : فمن الذائد عنه .

فقال : أنا بيدي فليردنه أوليائي وليصرفن عنه أعدائي وفي رواية أخرى ولأوردنه أوليائي ولأصرفن عنه أعدائي .

 فقلت : يا أمير المؤمنين قول الله عز وجل ﴿وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون﴾  ما الدابة.

قال : يا أبا الطفيل أله عن هذا.

فقلت : يا أمير المؤمنين أخبرني به جعلت فداك .

قال : هي دابة تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتنكح النساء .

فقلت : يا أمير المؤمنين من هو قال هو رب الأرض الذي تسكن الأرض به.

قلت : يا أمير المؤمنين من هو .

قال : صديق هذه الأمة وفاروقها ورئيسها وذو قرنيها .

قلت : يا أمير المؤمنين من هو .

قال : الذي قال الله تعالى   ﴿ويتلوه شاهد منه﴾ الذي ﴿عنده علم الكتاب﴾ ﴿والذي جاء بالصدق وصدق به﴾  والناس كلهم كافرون غيره .

قلت : يا أمير المؤمنين فسمه لي .

قال : قد سميته لك يا أبا الطفيل والله لو أدخلت على عامة شيعتي الذين بهم أقاتل الذين أقروا بطاعتي وسموني أمير المؤمنين واستحلوا جهاد من خالفني فحدثتهم ببعض ما أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرئيل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة من الحق قليلة أنت وأشباهك من شيعتي .

ففزعت وقلت : يا أمير المؤمنين أنا وأشباهي متفرق عنك أو نثبت معك.

قال : بل تثبتون ثم أقبل علي فقال إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقر به إلا ثلاثة ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للإيمان يا أبا الطفيل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض فارتد الناس ضلالا وجهالا إلا من عصمه الله بنا أهل البيت).

تبليغ رسالة محمد صلى الله عليه وآله لكافة الخلق

 التاسع والستون تفسير علي بن إبراهيم  قال :حدثنا علي بن جعفر، قال : حدثني محمد بن عبد الله الطائي ، قال : حدثنا محمد بن أبي عمير، قال : حدثنا حفص الكناني ، قال : سمعت عبد الله بن بكير الدجاني قال : قال لي الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) : أخبرني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (كان عاما للناس بشيرا أليس قد قال الله في محكم كتابه ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس﴾ لأهل الشرق والغرب وأهل السماء والأرض من الجن والإنس هل بلغ رسالته إليهم كلهم قلت لا أدري، قال يا ابن بكير إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخرج من المدينة فكيف بلغ أهل الشرق والغرب قلت لا أدري، قال إن الله تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت بين يديه مثل راحته في كفه ينظر إلى أهل الشرق والغرب ويخاطب كل قوم بألسنتهم ويدعوهم إلى الله وإلى نبوته بنفسه فما بقيت قرية ولا مدينة إلا ودعاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه).

الأعراف هم أهل البيت عليهم السلام

السبعون منتخب البصائر أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : (كنت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) جالسا فجاءه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ﴿وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم﴾.

فقال له علي : نحن الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم ونحن الأعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا ونحن الأعراف نوقف يوم القيامة بين الجنة و النار فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه و لا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه وذلك لأن الله عز وجل لو شاء لعرف الناس حتى يعرفوه ويوحدوه ويأتوه من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه)

الإمام يعرض أعمال الموالين على الله في كل يوم

الحادى والسبعون بصائر الصفار حدثنا علي بن إسماعيل ، عن محمد بن عمرو ، قال عبد الله بن أبان الزيات : (قلت للرضا (عليه السلام) إن قوما من مواليك سألوني أن تدعو الله لهم.

قال فقال : والله إني لأعرض أعمالهم على الله في كل يوم).

أمير المؤمنين يحصي عدد النمل

  الثاني والسبعون تأويل الآيات عن مصباح الأنوار للشيخ  قال : ومن عجائب آياته ومعجزاته ما رواه أبو ذر الغفاري قال : (كنت سائرا في أغر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ مررنا بواد ونمله كالسيل الساري فذهلت مما رأيت فقلت : الله أكبر جل محصيه .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تقل ذلك يا أبا ذر ولكن قل جل باريه فو الذي صورك إني أحصي عددهم وأعلم الذكر منهم والأنثى بإذن الله {).

أهل البيت عليهم السلام وجه الله الذي لا يهلك

 الثالث والسبعون التوحيد أبي  قال : حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن سيف ، عن أخيه الحسين بن سيف ، عن أبيه سيف بن عميرة النخعي ، عن خيثمة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله { ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ .

قال : دينه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  أمير المؤمنين (عليه السلام) دين الله ووجهه وعينه في عباده ولسانه الذي ينطق به ويده على خلقه ونحن وجه الله الذي يؤتى منه لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية قلت وما الروية قال الحاجة فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب).

أهل البيت عليهم السلام وجه الله الذي يؤتى منه

 الرابع والسبعون وفيه حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق  قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : حدثنا بكر عن الحسن بن سعيد ، عن الهيثم بن عبد الله ، عن مروان بن صباح ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) (إن الله عز وجل خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزائنه في سمائه وأرضه بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار وبنا نزل غيث السماء ونبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله لولا نحن ما عبد الله).

لولانا ما عبد الله

الخامس والسبعون وفيه حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل  قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد العزيز ، عن ابن أبي يعفور قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) (إن الله واحد أحد متوحد بالوحدانية متفرد بأمره خلق خلقا ففوض إليهم أمر دينه فنحن هم يا ابن أبي يعفور نحن حجة الله في عباده وشهداؤه على خلقه وأمناؤه على وحيه وخزانه على علمه ووجهه الذي يؤتى منه وعينه في بريته ولسانه الناطق وقلبه الواعي وبابه الذي يدل عليه ونحن العاملون بأمره والداعون إلى سبيله بنا عرف الله وبنا عبد الله نحن الأدلاء على الله ولولانا ما عبد الله).

من عرفني وعرف حقي فقد عرف الله

السادس والسبعون وفيه حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد  قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن ابن سنان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته : ( أنا الهادي وأنا المهدي وأنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل وأنا ملجأ كل ضعيف ومأمن كل خائف وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة وأنا حبل الله المتين وأنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى وأنا عين الله ولسانه الصادق وأنا جنب الله الذي يقول ﴿أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله﴾ وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة وأنا باب حطة من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه لأني وصي نبيه في أرضه وحجته على خلقه لا ينكر هذا إلا راد على الله ورسوله).

هم وجه الله

السابع والسبعون وفيه حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل  قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن ربيع الوراق ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ قال نحن).

تحقيق لطيف في كون المعصومين وجه الله وعينه وأذنه

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب الوجه في إطلاق تلك الأمور أعني الوجه والعين والأذن واللسان والقلب وأشباهها على الأئمة (عليهم السلام) أن الكمال الفعلي لله سبحانه ينقسم باعتبار المتعلق إلى أقسام ذات أسماء مختلفة فباعتبار تعلقه بادراك المبصرات يسمى بصرا وباعتبار تعلقه بالمسموعات يسمى سمعا وباعتبار أداء ما يريد إلى من يريد يسمى تكلما وباعتبار توجهه إلى من سواه وتوجه من سواه إليه من ذلك السبيل يسمى وجها وباعتبار تعلقه بالمرادات يسمى إرادة وهكذا ولما كانت حقائق محمد وآله الطاهرين محال مشيئته وفعله ومصادر آثارها كما نطقت به صحيحات الآثار صح أن تسمى ذواتهم بأسماء محال تلك الأفعال في مقام التفهيم لأن محل الإبصار عند الناس يسمى بالعين ومحل السمع بالإذن ومحل التكلم باللسان ومحل التوجه بالوجه ومحل الإرادة بالقلب وهكذا فصح أن يقال إنهم عين الله الناظرة وأذنه السامعة ويده الباسطة ولسانه الناطق وقلبه الواعي وما يتبعها من الأسماء وإلا فذات الحق تعالى في عز ذاتها منزهة عن أمثال هذه النسب وإنما هذه النسب كلها في مقام الفصل وقد أشبعنا القول في هذه الأمور في كتابنا المسمى (بكشف السحاب في تحقيق الصفات) واكتفينا هنا بالإشارة لأهل الإشارة فتفهم.

أنا محمود بعثني الله تعالى أن أزوج النور من النور

الثامن والسبعون معاني الأخبار حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال : حدثنا الحسن بن محمد بن عامر ، عن معلى بن محمد البيزنطي، عن علي ابن جعفر ، قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهم السلام) يقول : (بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حبيبي جبرئيل لم أرك جئتني في هذه الصورة؟ قال فقال الملك لست بجبرئيل أنا محمود بعثني الله تعالى أن أزوج النور من النور، قال من ممن؟ قال فاطمة من علي قال فلما ولى الملك إذا بين كتفيه مكتوب محمد رسول الله علي وصيه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مذ كم هذا بين كتفيك قال من قبل أن يخلق الله عز وجل آدم باثنين وعشرين ألف عام) ، هي.

تحقيق لطيف في تسمية الملائكة

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب إن الله خلق أربعة ملائكة مقربين ووكل كلا منهم بركن من أركان الوجود من الخلق والرزق والموت والحياة وخلق من رشح عرقهم ملائكة بعدد شؤون الخلق يسمون في التسمية العامة باسم من خلقوا من عرقه كما أن في طرف الباطل يسمى كل شيطان جزئي من أعوان إبليس باسم الشيطان فالملائكة المخلوقون من عرق جبرئيل كلهم اسمهم العام جبرئيل ولكل منهم أسماء خاصة مناسبة للشأن الذي وكلوا به وكان ذلك الملك من أعوان جبرئيل فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حقيقته وسماه باسمه العام وذلك الملك لما كان مبعوثا لأمر يناسبه اسم المحمودية لوجوه يطول بها الكلام فأراد أن يخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما بعث لأجله فأخبر عن اسمه الخاص فما كانت هذه المخاطبة منه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جهل منه باسم الملك لأن المالك لا يجهل ما ملك بل للسر الذي أومأنا إليه وغيره من الحكم والمصالح الخفية فتبصر ولا تكن من الجاهلين ، هي.

من الناصب

التاسع والسبعون علل الصدوق  حدثنا محمد بن الحسن  قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد رجلا يقول أنا أبغض محمدا وآل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا).

لا تكتمل النبوة لنبي إلا بالولاية

الثمانون بصائر الدرجات حدثنا أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ما تكاملت النبوة لنبي في الأظلة حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثلوا له فأقروا بطاعتهم وولايتهم).

وصف الكروبيين

الحادي والثمانون وفيه قال وروى بعض أصحابنا عن أحمد بن محمد السياري وقد سمعته أنا من أحمد بن محمد قال حدثني أبو محمد عبيد بن أبي عبد الله الفارسي وغيره رفعوه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال (إن الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم ثم قال إن موسى لما سأل ربه ما سأل أمر واحدا من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكا).

النهي عن تسمية شهر رمضان برمضان وبعض فضائله

الثاني والثمانون وفيه حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال حدثني أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن هشام بن سالم ، عن سعد ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : نحن عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان .

فقال : لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى لا يجيء ولا يذهب وإنما يجيء ويذهب الزائل ولكن قولوا شهر رمضان فالشهر المضاف إلى الاسم والاسم اسم الله وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن جعله الله مثلا عيدا ألا ومن خرج في شهر رمضان من بيته في سبيل الله ونحن سبيل الله الذي من دخل عليه يطاف بالحصن والحصن هو الإمام فيكبر عند رؤيته كانت له يوم القيامة صخرة أثقل في ميزانه من السماوات السبع والأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن.

قلت : يا أبا جعفر (عليه السلام) وما الميزان ؟

فقال : إنك قد ازددت قوة ونظرا يا سعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصخرة ونحن الميزان وذلك قول الله في الإمام ﴿ليقوم الناس بالقسط﴾.

قال : ومن كبر بين يدي الإمام وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له كتب الله له رضوانه الأكبر ومن يكتب الله رضوانه الأكبر يجب أن يجمع بينه وبين إبراهيم ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والمرسلين في دار الجلال فقلت له وما دار الجلال قال نحن الدار وذلك قول الله ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين﴾  فنحن العاقبة يا سعد وأما مودتنا للمتقين فيقول الله تبارك وتعالى تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام فنحن جلال الله وكرامته التي أكرم الله تبارك وتعالى العباد بطاعتنا).

أنا ميزان العلم

الثالث والثمانون تأويل الآيات عن كتاب مصباح الأنوار للشيخ  بإسناده عن رجاله عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أنا ميزان العلم وعلي كفتاه والحسن والحسين خيوطه  وفاطمة علاقته والأئمة من بعدهم يزنون المحبين والمبغضين).

تسمية أمير المؤمنين بأمير المؤمنين قبل النبيين

الرابع والثمانون فضائل شاذان بحذف الإسناد عن ابن عباس قال: (أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  فقالوا له يا رسول الله جاء أمير المؤمنين فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن عليا سمي بأمير المؤمنين قبلي ، فقيل : قبلك يا رسول الله، فقال وقبل : موسى وعيسى ، قالوا : وقبل موسى وعيسى يا رسول الله ، قال : وقبل سليمان بن داود ولم يزل يعد حتى عد الأنبياء كلهم إلى آدم ثم قال (عليه السلام) إنه لما خلق الله آدم طينا خلق بين عينيه درة تسبح الله وتقدسه فقال عز وجل لأسكننك رجلا أجعله أمير الخلق أجمعين فلما خلق الله تعالى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أسكن الدرة فيه فسمي أمير المؤمنين قبل خلق آدم).

الإمام يحصي عدد النمل وجنسه

الخامس والثمانون وفيه عن عمار بن ياسر  قال كنت عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في بعض غزواته فمررنا بواد مملوء نملا فقلت يا أمير المؤمنين أترى يكون أحد من خلق الله تعالى يعلم هذا النمل ؟ قال : نعم يا عمار أنا أعرف رجلا يعلم عددهم وكم فيه ذكر وكم فيه أنثى ، فقلت : من ذلك الرجل يا مولاي ، فقال : يا عمار أما قرأت في سورة يس ﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾ فقلت : بلى يا مولاي فقال : أنا ذلك الإمام المبين).

النبي يصب الماء على يد أمير المؤمنين والملائكة تتبارك به

السادس والثمانون وفيه قال وعن القاروني حكاية عنه أنه قام يوما على منبره ومجلسه يومئذ مملوء بالناس في جمادى الآخر من سنة اثنتين وخمسين وستمائة بواسط ما رواه  ابن عباس  أنه قال:(كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجدهوعنده جماعة من المهاجرين والأنصار إذ نزل عليه جبرئيل وقال له يا محمد الحق يقرئك السلام ويقول لك أحضر عليا (عليه السلام) واجعل وجهك مقابل وجهه ثم عرج إلى السماء فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام) فأحضره وجعله مقابل وجهه فنزل جبرئيل ثانية ومعه طبق فيه رطب فوضعه بينهما ثم قال كلا فأكلا ثم أحضر طستا وإبريقا وقال يا رسول الله قد أمرك الله أن تصب الماء على يد علي بن أبي طالب ، فقال : النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) السمع والطاعة لله ولما أمرني به ربي ثم أخذ الإبريق وقام يصب الماء على يد علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له علي (عليه السلام) يا رسول الله أنا أولى بأن أصب الماء على يدك فقال له [يا علي إن الله سبحانه أمرني بذلك وكان كلما صب على يد علي الماء لا يقع منه قطرة في الطست فقال علي (عليه السلام) يا رسول الله  ما أرى قطرة تقع من الماء في الطست فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي إن الملائكة يتسابقون على أخذ الماء الذي يقع من يدك فيغسلون به وجوههم ويتباركون به) ، هي .

تحقيق لطيف في صب النبي الماء على يد أمير المؤمنين

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب ربما يستوحش من هذا الخبر بعض من لا ضرس له قاطع في فهم وجوه الأخبار من قبل صب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الماء على يد علي (عليه السلام) فنقول يا أخي ليس هذا بأعظم من صعوده (عليه السلام) منكبه (صلى الله عليه وآله وسلم) عند حط الأصنام ولله تعالى في هذه الأمور حكم وأسرار لا تقدر بعقول الضعفاء فيمكن أن يكون مراده تعالى من ذلك دلالة الناس إلى أن ماء الفيض النازل من سماء التقدير إنما يفاض إلى علي (عليه السلام) بواسطة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتأخذ الملائكة من فاضل غسالة يده التي هي بمنزلة الأشعة من المنير ويتبركون به كما قال علي (عليه السلام) لكميل (ولكن يرشح عليك ما يطفح مني). فيكون هذا تشريفا من الله ورسوله لعلي (عليه السلام) لا حطا لقدر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا ولعلك بعد الوقوف على أسرار صعوده (عليه السلام) منكب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخبر الذي نورده إن شاء الله تعالى فيما بعد لا تستغرب هذا التأويل بوجه، والله ولي التوفيق.

منزلة الإمام في الأرض بمنزلة القمر في السماء

السابع والثمانون بصائر الدرجات حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسين ابن سعيد ، عن علي بن أحمد بن محمد ، عن أبيه قال : (كنت أنا وصفوان عند أبي الحسن (عليه السلام) فذكروا الإمام وفضله ، قال: إنما منزلة الإمام في الأرض بمنزلة القمر في السماء وفي موضعه هو مطلع على جميع الأشياء كلها).

ما يكتب على منكب الإمام عليه السلام عند الولادة

الثامن والثمانون وفيه حدثنا محمد بن أحمد ، عن محمد بن موسى، عن محمد بن أسد الخزاز ، عن محمد بن إسماعيل ، عن عبدالله الخراساني مولى جعفر بن محمد ، عن بنان الجوزي ، عن إسحاق القمي قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك ما قدر الإمام.

قال : يسمع في بطن أمه فإذا وصل إلى الأرض كان على منكبه الأيمن مكتوبا ﴿وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم﴾ ثم يبعث أيضا له عمودا من نور تحت بطنان العرش إلى الأرض يرى فيه أعمال الخلائق كلها ثم يتشعب له عمود آخر من عند الله إلى أذن الإمام كلما احتاج إلى مزيد أفرغ فيه إفراغا).

عمود من نور طرفه عند الله والطرف الآخر عند الإمام

التاسع والثمانون وفيه حدثنا عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن سليم أو عمن رواه ، عن أحمد بن سليم ، عن أبي محمد الهمداني، عن إسحاق الحريري ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعته وهو يقول : (إن لله عمودا من نور حجبه الله عن جميع الخلائق طرفه عند الله وطرفه الآخر في أذن الإمام فإذا أراد الله شيئا أوحاه في أذن الإمام).

إن الإمام يخلقه الله بيده

التسعون وفيه حدثنا أحمد بن محمد ، عن عمرو بن عبد العزيز ، عن الحميري ، عن يونس بن ظبيان ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ﴿وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم﴾ ثم قال : هذا حرف في الأئمة خاصة ثم قال يا يونس (إن الإمام يخلقه الله بيده لا يليه أحد غيره وهو جعله يسمع ويرى في بطن أمه حتى إذا صار إلى الأرض خط بين كتفيه  ﴿وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم﴾ ).

ولاية أمير المؤمنين عليه السلام في القرآن

الحادي والتسعون وفيه حدثنا عبد الله بن عامر ، عن أبي عبد الله البرقي، عن الحسين بن عثمان ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى ﴿ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ .

قال : تفسيرها في بطن القرآن يعني ومن يكفر بولاية علي وعلي هو الإيمان.

قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى﴿وكان الكافر على ربه ظهيرا﴾.

 قال : تفسيرها في بطن القرآن يعني علي هو ربه في الولاية والطاعة والرب هو الخالق الذي لا يوصف ، وقال أبو جعفر (عليه السلام)  : إن عليا (عليه السلام) آية لمحمد وإن محمدا يدعو إلى ولاية علي أما بلغك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فوالى الله من والاه وعادا الله من عاداه وأما قوله ﴿إنكم لفي قول مختلف﴾  فإنه في علي يعني إنه لمختلف عليه وقد اختلف هذه الأمة في ولايته فمن استقام على ولاية علي دخل الجنة ومن خالف ولاية علي دخل النار وأما قوله ﴿يؤفك عنه من أفك﴾  فإنه يعني عليا (عليه السلام) من أفك عن ولايته أفك عن الجنة فذلك قوله ﴿يؤفك عنه من أفك﴾  وأما قوله ﴿وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم﴾ إنك لتأمر بولاية علي (عليه السلام) وتدعو إليها وعلي هو الصراط المستقيم وأما قوله ﴿فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم﴾  إنك على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم وأما قوله ﴿فلما نسوا ما ذكروا به﴾ يعني فلما تركوا ولاية علي وقد أمروا بها ﴿فتحنا عليهم أبواب كل شيء﴾ يعني مع دولتهم في الدنيا وما بسط إليهم فيها وأما قوله ﴿حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون﴾ يعني قيام القائم).

الأرض صداق فاطمة عليها السلام

الثاني والتسعون المحتضر للحسن بن سليمان رفعه بإسناده عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام) : (يا علي إن الله عز وجل زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض فمن مشى عليها مبغضا لك مشى حراما).

فاطمة عليها السلام هي ليلة القدر

الثالث والتسعون تفسير فرات محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾والليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها)،هي.

أمير المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وآله في المعراج

الرابع والتسعون الجواهر السنية لشيخنا الحر العاملي  عن مجالس أبي علي بن شيخنا الطوسي عن أبيه  قال : أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار ، قال : حدثني الجعابي، قال : حدثنا أبو عثمان سعيد بن عبد الله بن عمر الأنباري، قال: حدثنا خلف بن درست، قال : حدثنا القاسم بن هارون، قال : حدثنا سهل بن سفيان ، عن همام، عن قتادة، عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (لما عرج بي إلى السماء ثم دنوت من ربي عز وجل قال يا محمد، من تحب من الخلق قلت يا رب عليا. قال التفت يا محمد، فالتفت عن يساري، فإذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) ).

تحقيق لطيف في رؤية النبي أمير المؤمنين في المعراج

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف قال شيخنا الحر بعد نقل الخبر أقول : يعني أنه رآه في الأرض فإن الله كشف الغطاء بينهما حتى تحادثا كما ورد في غيره من الأحاديث. انتهى كلامه.

وأقول : إن الشيخ أول الحديث بما لا دلالة فيه ظاهرا عليه وإنما دعاه إلى ذلك ما زعم أنه (عليه السلام) كان ماكثا في الأرض لم يعرج إلى السماء ولكنه ناش من الجمود وعدم التدبر في دقائق الأخبار وحقائق الأسرار فإن كونه (عليه السلام) في الأرض لا ينافي كونه في السماء وإن لم يعرج بجسده الظاهري إليه لأن نوره (عليه السلام) نزل من عالم الأمر من عند الله كما دلت عليه أخبار متواترة معنى وليس حيث كان ينزل يفقد المرتبة الأعلى السابقة وإنما يلبس من سنخ كل مرتبة لباسا كما إنك أيضا كذلك فإنك كنت قبل عالم الأجسام في عالم الأرواح المجردة وحيث نزلت إلى عالم الأجسام لم تفقد مرتبة روحيتك وإلا لكنت تبقى في عالم الأجسام جسدا ميتا بلا روح فصح أن لك وجودا في عالم الروح حين كونك موجودا في عالم الجسم فكذا أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن له وجودا في جميع المراتب التي نزل منها لم يفقدها في حال فله وجود لاهوتي نوراني في عالم الأنوار ووجود عقلاني في عالم العقول ووجود روحاني في عالم الأرواح ووجود نفساني في عالم النفوس ووجود طبعاني في عالم الطبائع ووجود هبائي في عالم المواد الجسمية ووجود مثالي في عالم المثل الظلية والصور الجسمية ووجود فلكي في الأفلاك ووجود أرضي في الأرضين هذا إجمال العوالم وإلا فلله ألف ألف عالم وله في كل منها وجود والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مر في عروجه بجميع تلك العوالم حتى وصل إلى عالمه الأول الذي كان فيه نورا بين يدي الله عز وجل يسبحه ويقدسه من قبل أن يخلق الله سماء مبنية أو أرضا مدحية وقد اشتق الله هناك نور علي (عليه السلام) من نوره اشتقاق الضوء من الضوء فرآه في جميع تلك العوالم في الصورة التي كان عليها في ذلك العالم من غير أن يغيب من الأرض بجسده العنصري البشري ولقد أجاد بعض شعراء المعاصرين أولاه الله رضوانه في مدحه (عليه السلام) حيث قال في قصيدة هائية يجاري بها محمد كاظم الأزري:

أحـوته أرض وأرض تـخلـــت

منه حـتى مـشى بها وطـــواهــا

هو في الشــرق ما هــو في الغرب

وفي الأرض مثـــل مـا في سماها

هكذا ينبغي أن يجمع بين الأخبار المعصومية، هذا وفي المقام بعد أسرار لا يحتملها المقام وفي نفسي أن أكتب إن شاء الله تعالى عز وجل شيئا في أسرار معراج نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بقدر ما وهبني الله عز وجل منها فإن وفقني الله تعالى بذلك فهو محل استقصاء هذه الأسرار مع إيراد جميع ما وقفنا عليه من أخبار المعراج وكشف معانيها إن شاء الله تعالى .

لا ينال الشفاعة ناصبي

الخامس والتسعون عقاب الأعمال للصدوق  عن أبيه عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن حماد، عن عبد الله بن بكير ، عن حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (لو أن كل ملك خلقه الله عز وجل وكل نبي بعثه الله وكل شهيد وكل صديق شفعوا في ناصب لنا أهل البيت أن يخرجه الله عز وجل من النار ما أخرجه الله أبدا والله عز وجل يقول في كتابه ﴿ماكثين فيه أبدا ﴾ ).

الإمام يعلم بالنور

السادس والتسعون بصائر الدرجات حدثنا أحمد بن إسحاق، عن الحسن بن العباس بن جريش ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ﴿إنا أنزلناه﴾ نور كهيئة العين على رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأوصياء لا يريد أحد منا علم أمر من أمر الأرض أو أمر من أمر السماء إلى الحجب التي بين الله وبين العرش إلا رفع طرفه إلى ذلك النور فرأى تفسير الذي أراد فيه مكتوبا).

فضل النبي صلى الله عليه وآله على الأنبياء

السابع والتسعون أمالي الصدوق حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، قال : حدثني عمي محمد بن القاسم ، عن أحمد بن هلال ، عن الفضل بن ركين، عن معمر بن راشد ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول (أتى يهودي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام بين يديه يحد النظر إليه فقال يا يهودي ما تنظر يا يهودي قال أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظله بالغمام فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني أقول إن آدم (عليه السلام) لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي فغفرها الله له وإن نوحا لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق فنجاه الله منه وإن إبراهيم (عليه السلام) لما ألقي في النار قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها فجعلها الله عليه بردا وسلاما وإن موسى (عليه السلام) لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني فقال الله جل جلاله لا تخف إنك أنت الأعلى يا يهودي إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى ابن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه [ولو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي ).

ملك على صورة أمير المؤمنين عليه السلام تحت العرش

الثامن والتسعون عن كنز الفوائد للكراجكي  عن أبي الحسن محمد ابن أحمد بن شاذان ، عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد، عن أحمد بن علوية ، عن إبراهيم بن محمد، عن عبد الله بن صالح، عن حديد بن عبد الحميد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس  قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول : (لما أسري بي إلى السماء ما مررت بملإ من الملائكة إلا سألوني عن علي بن أبي طالب حتى ظننت أن اسم علي أشهر في السماء من اسمي فلما بلغت السماء الرابعة نظرت إلى ملك الموت (عليه السلام) فقال لي يا محمد ما خلق الله خلقا إلا أقبض روحه بيدي ما خلا أنت وعلي فإن الله جل جلاله يقبض أرواحكما بقدرته فلما صرت تحت العرش نظرت فإذا أنا بعلي بن أبي طالب واقفا تحت عرش ربي فقلت يا علي سبقتني فقال لي جبرئيل (عليه السلام) يا محمد من هذا الذي يكلمك قلت هذا أخي علي بن أبي طالب قال لي يا محمد ليس هذا عليا و لكنه ملك من ملائكة الرحمن خلقه الله تعالى على صورة علي بن أبي طالب فنحن الملائكة المقربون كلما اشتقنا إلى وجه علي بن أبي طالب زرنا هذا الملك لكرامة علي بن أبي طالب على الله سبحانه‏).

تحقيق لطيف في ظهور أهل العصمة في العوالم المختلفة

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب أول من يؤمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويصدقه بحقيقة التصديق لا يرتضي بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتبين عليه حقيقة الأمر ويرى ما هو على خلاف الواقع ولا أقل من كون دعوته مستجابة وقد سأل الله تعالى بقوله (اللهم أرني الأشياء كما هي). وظاهر هذا الحديث على ما يفهمه العوام أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعرف الملك فزعم أنه علي (عليه السلام) فلا بد للمؤمن من حمل الخبر على مالا يكذبه العقل والنقل وقد تقرر في علمنا وصدقته صحيحات النقول وعميقات العقول أنهم (عليه السلام) سرج عالم الإمكان المنيرة وسائر الخلق أشعة أنوارهم وصدى أصوات خطابتهم وأن لهم في جميع مراتب من سواهم ظهورا من سنخ تلك المرتبة هو بمنزلة رب النوع بالنسبة إليها فكل من أهل مراتب الوجود المتعددة المتنازلة يراهم من سنخه مثلا البشر يراهم بشرا والملك ملكا والأنبياء وأوصياؤهم نبيا ووصيا بالنبوة والوصية الظاهرتين وتلك الصورة المرئية لهم بالنسبة إلى أصل مرتبة وجودهم (عليهم السلام) كالصورة المرئية في المرآة بالنسبة إلى الشاخص المقابل وأما صورتهم الأصلية فلا يراهم عليها أحد سواهم لعدم احتمال من سواهم لذلك كما ورد به أخبار متواترة معنى، وراجع في تصديق ذلك إلى الحديث الخامس حتى تفوز بالمطلوب.

وبالجملة الصور المذكورة حجب على صورتهم الأصلية اتخذوها واحتجبوا بها ليطيق الخلق رؤيتهم والأخذ عنهم ولو كشف واحد منها لأحرقت سبحات وجوههم جميع ما في الوجود لأن وجوههم هي وجه الله الذي سأل موسى بلسان قومه النظر إليه وأجيب بالنفي المؤبد كما أشير إليه أيضا في الحديث الخامس وكذا في الحديث الحادي والثمانين فالذي رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت العرش هو صورة أمير المؤمنين التي ظهر بها بين الملائكة ولما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل مكرمة نظر في المرآة ورأى فيها الشاخص المقابل فحكم بأنه أمير المؤمنين وأما جبرائيل فحيث إنه كان من سنخ الملائكة ولا نصيب له فوق تلك المرتبة حكم بأنه ملك على صورته لأنه حظه من رؤية أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يخطئ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولا شبه له ولا كذب جبرائيل بل كل منهما أخبر عن علمه ولكن درجات العلوم متفاوتة اعتبر في ذلك بحواسك الباطنة والظاهرة في النظر إلى شيء واحد فإن عينك الجسمانية تراه جسما قابلا للأبعاد وحسك المشترك يراه صورة برزخية بين الظاهر والباطن وخيالك يراه صورة ظلية مقدارية مجردة عن المواد الظاهرية ونفسك تراه صورة جوهرية مجردة وعقلك يراه معنى مجردا عن جميع الصور وفؤادك يراه حقيقة صرفة مجردة عن جميع الإضافات والنسب وهو شيء واحد في نفسه فكل من المدارك يحكم فيه بما عنده منه ولكن الإنسان الجامع بجميع تلك المدارك ينظر إليه بعين الوحدة ويرى أنها كلها مراتب حقيقة واحدة سارية في جميع تلك المراتب على حد قول الشاعر:

مـا بــالديـار سواه لابـس مغفـر

وهو الحـمى والحـــي مـع فلواته

فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ذلك الإنسان الجامع وسائر الخلق ممن هو دونه ودون أهل بيته رتبة بمنزلة المشاعر والحواس المذكورة الجزئية فافهم وتدبر ولا تكن من الجاهلين واعلم أن تأويل ما ذكرناه موجود في الأخبار ولكنها ليست مجتمعة في خبر واحد وإنما يتلقاها المتبصر الخبير من المواضع المتفرقة ويضم بعضها إلى بعض ومن ليس له هذا النصيب فليس هو من أهل هذا الخطاب وليقل هو ما يريد فإن أمثال ذلك الشخص عند أصحاب الحكمة الشرعية كمن لا يسمع إلا دعاء ونداء فلا يعبئون بهم ولا بقولهم وإذا خاطبوهم قالوا سلاما فاندفعت الشبهة من الخبر بحمد الله ولكن كما قال عز وجل ﴿بل عجبت ويسخرون * وإذا ذكروا لا يذكرون﴾.

تفسير وسئل من أرسلنا من قبلك

التاسع والتسعون عن مناقب محمد بن أحمد بن شاذان القمي ، عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عرج بي إلى السماء انتهى بي المسير مع جبرئيل إلى السماء الرابعة فرأيت بيتا من ياقوت أحمر فقال لي جبرئيل يا محمد هذا هو البيت المعمور خلقه الله تعالى قبل خلق السماوات والأرضين بخمسين ألف عام قم يا محمد فصل إليه قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجمع الله إلي  النبيين فصفهم جبرئيل (عليه السلام) ورائي صفا فصليت بهم فلما سلمت أتاني آت من عند ربي فقال لي يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك سل الرسل على ماذا أرسلتهم من قبلك فقلت معاشر الرسل على ماذا بعثكم ربي قبلي فقالت الرسل على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب وهو قوله تعالى﴿وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ﴾ ).

حياة النبي صلى الله عليه وآله وموته خير للأمة

المائة بصائر الدرجات حدثنا محمد بن عبد الجبار ، عن عبد الرحمن بن حماد ، عن القاسم بن عروة ، وحدثنا عبد الله بن عمر المسلي ، عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم فأما حياتي فإن الله هداكم بي من الضلالة وأنقذكم من شفا حفرة من النار وأما مماتي فإن أعمالكم تعرض علي فما كان من حسن استزدت الله لكم وما كان من قبيح استغفرت الله لكم فقال له رجل من المنافقين وكيف ذاك يا رسول الله وقد رممت يعني صرت رميما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلا إن الله حرم لحومنا على الأرض فلا تطعم منها شيئا) .

تحقيق لطيف في حال أجسام المعصومين عليهم السلام

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف حيث اتفق لنا ختم هذا الجزء بهذا الخبر الشريف حدثتني نفسي أن أردفه بتوضيح مسألة طالما بحث عنها الباحثون ولم يرجعوا فيها إلى أمر تسكن إليه النفوس لأمور لا يهمنا ذكرها وهي حال جسد المعصوم وأجساد من سواه بعد الموت في القبور فإن للناس فيه خيالات وتخمينات وحكايات لا تنتهي إلى أمر وثيق مثل ما يتحاكون فيما بينهم أن فلانا مثلا كشف عن قبره بعد سنين متباعدة فوجدوا جسده كهيئة يوم وضع في قبره غضا طريا لم يغيره التراب ويعدون هذا من إمارات السعادة ولئن سألتهم أي دلالة في ذلك على السعادة تحيروا في الجواب ولم يأتوا فيه بشيء مبين والسبب في ذلك أن كثيرا من الناس منطقهم تابع لما يركبون في أفواههم من الحروف وليس في قلوبهم معنى محصل فلا جرم تخرج أكثرها مهملة لا تفيد معنى عند العقلاء وإن اتفق أنها خرجت مقيدة بمعنى فبالبخت والاتفاق وهذه الحكايات من القسم الأول فإنهم سمعوا شيئا طرق آذانهم ولم يعرفوا ماذا يراد بذلك فهو كما قال الشاعر :

قد يطرب القمــري أسماعنــا

ونحن لا نـــعـرف ألحـــانـــه

وتحقيق القول فيه على ما ينبغي يقتضي تأليف كتاب لاحتياجه إلى مقدمات طويلة خفيت على كثير من الناس فلا جرم نقتصر هنا على أدنى ما يؤدى به المقصود ونقول والله ولي التوفيق .

لا ريب أن كل ذي حياة له جسد هو ما يتراءى منه في الظاهر وروح بها حياته وبقاؤه على ما هو عليه من التركيب وهو ألطف من الجسد وأبسط فلا بد أن يكون حيزهما أيضا مختلفا بأن يكون حيز الروح لو خلي وطبعه أعلى من حيز الجسد وأقرب إلى الغيب، هذا وقد تقرر في علمنا أن كل جسد من تنزل روحه الخاص به وإلا لما كان تعلقه بذلك الجسد أولى من تعلقه بجسد آخر مغاير له في الحدود والمشخصات، والفعل من الحكيم جار على وفق الحكمة الطبيعية لا على التهافت أو الجبر والقسر، فكل روح وجسده بينهما مناسبة ذاتية هي سبب تعلقه به إذا تمت البنية الجسمانية كالمغناطيس والحديد وكالدخان المتصل من الفتيلة المنطفية بالسراج الجاذب لتعلق شعلة منه بالفتيلة إن كنت جربته، ثم إن كل جسد مركب من أجزاء مختلفة في الطبيعة كما هو محسوس في الطبيعي المكتوم الذي هو أصح العلوم وأمها فإن أهله يحللون الجسد ويستخرجون منه أجزاء نارية وأجزاء هوائية وأجزاء مائية وأجزاء أرضية.

إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول لا ريب أن الجسد والروح إذا كان بينهما مناسبة ذاتية لم يقتضيا بذاتهما المفارقة وقد عرفت أن فعل الحكيم تعالى جار على وفق الحكمة وإجراء الأمور بالأسباب، فلا بد لفراق الروح من الجسد من سبب وقد اختلف قول الناس في تعيين ذلك السبب ولسنا بصدد تفصيله وترنيفه، والذي صدر من معدن الوحي أن سبب فراقه تخلل الآلات الجسمانية واختلاف المتولدات كما في حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في النفس الناطقة والحيوانية في جواب الأعرابي، وبيان ذلك ما تقرر في الطبيعي المكتوم من أن العلة في مفارقة الأرواح للأجساد وتفرق أجزاء الجسد وتفتتها بتسليط النيران والأهوية والأتربة والمياه عليها عروض وامتزاج أجزاء بها غريبة ليست من سنخها وهي التي عاقت حجر الإكسير عن البلوغ إلى درجة الإكسيرية بالفعل فلا بد لمن رام أن يستخرج النفس الإكسيرية من القوة إلى الفعل من إخراج تلك الغرائب من الحجر الكريم وإزالتها كما أشار إليه صاحب الشذور بقوله :

لهرمس أرض تنبت العز والغنى

إذا ما انتفى عنها غريب الحشائش

والسبب في ذلك أن الجسد إذا امتزجه غريب أثر فيه، وأوجب ضعف المناسبة الممسكة للروح فيه فتطلب الروح مركزها وتفارق الجسد لا محالة،وإذا فارقت الروح الجسد بمعنى غيبتها عنه وتوجهها إلى عالمها لقيت أجزاء الجسد أيضا لاختلاط المفسد الغريب به فيطلب كل من الأجزاء مركزه فتبطل بنيته ويضمحل تركيبه، فالتعب كله في العمل لإخراج ذلك المفسد في الأرض وذلك لا يمكن إلا بالأعمال المقررة في هذه الصنعة من التهذيب والتقريب والحل والتقطير والتكليس والتعفين والتشميع والتشبيب وغير ذلك من الأعمال على الترتيب الذي قرروه  فإذا زال الغريب المفسد وقرن بين الأرواح المتنافرة والأجساد الجامدة تعارفت الأجزاء وتعاشقت وتعانقت بحيث لا ينفك شيء منها من الآخر لشدة الائتلاف والاتحاد والمؤانسة والمناسبة بينها فيولد من بينها الولد الكريم الذي يفاخر على أبويه وهو النفس الإكسيرية الفعالة التي هي الغاية القصوى من جميع تلك الأعمال، قال بعض الحكماء  - ونعم ما قال- إن المانع لكل شيء عن بلوغ ما هو ممكن في حقه عرض فاسد موجب للمنع والحجاب والسقوط والرزالة فإذا زال المانع بلغت الأشياء بالفعل والانفعال إلى غاية هي ممكنة لها  فإزالة الأعراض الفانية لا بد منها، لتخليص الجواهر الفانية التي لا تبيد .هي . وإليه أشار صاحب الشذور بقوله في الروح والجسد :

ومـا فرقـا بــالحل إلا ليـغسـلا

وبالغسل بعد الحــل يتــحدان

فالسبب لتخلل الآلات واختلاف المتولدات التي هي الأخلاط وغيرها امتزاج الغريب المفسد المخرج للبدن عن الاعتدال الطبيعي ومن البين أن الأجساد بل والأرواح في الدنيا ليست خالية عن الأعراض الغريبة وإلا لما عرضتها الأمراض والموت وأيضا الأجساد الأخروية في كمال الصفاء واللطافة التي قد سمعت بعض أوصافها من ألسن الوحي في المؤمنين وفي كمال الظلمة والكثافة الصرفة التي قد سمعتها أيضا في الكفار ولا ريب أن جسد المؤمن في الدنيا ليس بتلك اللطافة ولا جسد الكافر بتلك الكثافة ففي كل منهما أعراض غريبة ليست من سنخ جوهرهما، وما دامت تلك الأعراض فيهما فهما غير صالحين للتركيب الخالد الذي لا يعرضه موت أبدا كما هما في الآخرة كذلك كما ورد في الحديث ما معناه أنه إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ويذبح بين الجنة والنار ثم ينادي مناد من قبل الله تعالى : يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت، الحديث ، وإنما خلط الحكيم في الدنيا بين الكثيف واللطيف تحقيقا للاختيار المصحح للتكليف من باب قوله ﴿إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى﴾ .

 ثم أنه بلطفه ورأفته كلفهم بالإيمان ولوازمه من الأعمال الصالحة وبعث بذلك أنبياء مرسلين وأوصياء مرضيين ليرشدوهم إلى ذلك الطريق فمن قبل منه ذلك خلق روحه وجسده بالخلق الثاني من طينة الجنة التي هي اللطيف الصرف على حسب درجة قبوله ومن جحده خلق روحه وجسده بالخلق الثاني من طينة النار التي هي الكثيف الصرف على حسب درجة جحوده، وكل من الفريقين سائرون بأقدام أعمالهم في الدنيا إلى ما خلقوا منه في الخلق الثاني فالأعمال في الحقيقة أسباب التخلص من أعراض الدنيا الغريبة الممتزجة بطينة كل من الفريقين نظير أعمال الصناعة الجاذبة للحجر إلى التخلص من الأعراض والبلوغ إلى غايه هي ممكنة له،ولا ريب أن درجات الناس مختلفة في الأعمال كما وكيفا، فمن قوى عمله من المؤمنين بحيث وفى بتخليص جسده من تلك الكدورات العارضة له من العناصر الفانية الزائلة بالنسبة إلى من ينتقل إلى الآخرة ولم يبق منها إلا بقدر ما يصحب به الدنيا إلى الأجل المحتوم الذي قدر له، فهذا هو المؤمن الكامل الذي مات قبل أن يموت ويظهر منه في الدنيا آثار غريبة وكرامات عجيبة من طي الأرض والمشي في الماء وتحريك الأجسام العظيمة الثقيلة من مراكزها والإخبار عن الأمور الغائبة وإنطاق الجمادات والنباتات والحيوانات وأشباه تلك من خوارق العادات كل ذلك لتخلص جوهر جسده وجسمه من الأعراض الغريبة الموجبة للظلمة والحجاب الباعث لائتلاف الروح للجسد الموجب لظهور النفس اللاهوتية الإلهية فيه التي هي بمنزلة النفس الإكسيرية الفعالة في الإنسان الوسيط وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (خلق الإنسان ذا نفس ناطقة إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت أوائل جواهر عللها وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد).

وأصرح منه ما روى الشيخ العلام الإحسائي  في كتابه شرح الحكمة العرشية وكذا في كشكوله أن بعض اليهود اجتاز بأمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يتكلم مع جماعة فقال : يا ابن أبي طالب لو أنك تعلمت الفلسفة لكان يكون لك شأن من الشأن ، فقال (عليه السلام) : وما تعني بالفلسفة؟ أليس من اعتدل طباعه صفى مزاجه ومن صفى مزاجه قوى أثر النفس فيه ومن قوى أثر النفس فيه سما إلى ما يرتقيه ومن سما إلى ما يرتقيه فقد تخلق بالأخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري وليس له عن هذه الغاية مغير، فقال اليهودي الله أكبر يابن أبي طالب فقد نطقت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات رضي الله عنك).

فالمراد باعتدال الطباع حال زوال الغرائب المفسدة، وبصفاء المزاج ائتلاف الأجزاء الجسمية والروحية، وبتقوي أثر النفس فيه ما أشرنا إليه من ظهور النفس اللاهوتية عليه ومثل هذا المؤمن إذا مات بسبب الأعراض الضعيفة الباقية فيه ووضع في القبر لم يأت التراب على تفكيك أجزاء جسده الأصلي لشدة تلزز أجزائه كالذهب الخالص وزحف العرض المفسد وعدم تسريه في أعماقه وإنما هو شيء في ظاهر جسده فإذا وضع في قبره زال عنه العرض من غير أن يؤثر في أصل جسده تغييرا ومثاله الذهب المغشوش الموضوع في الخلاص فإنه يقلع الأجزاء الغشية من أعماقه من غير أن يبطل صورته ولكنه بعد زوال العرض منه يغيب عن أبصار أهل الدنيا للطافته ونوريته فلا يراه إلا من هو من أهل ذلك العالم الذي هو فيه وإنما يبقى منه في القبر الأعراض العارضة له من العناصر الدنيوية فافهم .

نعم مدة الخلاص متفاوتة فربما تكون طويلة وربما تكون قصيرة لتفاوت الأشخاص في مراتب ضعف العرض، فالذي سمعت من أن من داوم على العمل الفلاني مثلا لم يبل جسده، المراد به ما ذكرناه لا أن يبقى جسد الشخص الأصلي في القبر بهذه الهيئة الدنيوية الظاهرة للأبصار كما يلوكه الجهال بأفواههم وينقلون عليه حكايات واهية كاذبة يفرغ بعضها في بعض، نعم إن صدقوا  في بعض ما يلوكون فالمأخذ فيه ما سنذكره في حال سائر الناس إن شاء الله تعالى.

ومن لم يف عمله بذلك إما لقصر بقائه في الدنيا وإما لضعف إيمانه الموجب لضعف عمله كما وكيفا فهو إذا فارقت روحه جسده ووضع جسده في القبر يحتاج إلى التصفية الطبيعية ولا يمكن ذلك حكمة إلا بحل الأجزاء وكسرها وتفكيكها لانغمار الأعراض الغريبة في أعماقه وشدة تعلقها به، بحيث لا تنفصل عنه إلا بهدم بنية الجسد وتكليسه وحله وتقطيره وتصعيده وغسله وغير ذلك من الأعمال، فمثل هذا الجسد يبلى في القبر وتتفكك أجزاؤه الأصلية الباقية بعضها عن بعض بتبعية الأعراض الفانية، وربما تتفرق في أقطار الأرض مصاحبة لتلك الأعراض حتى إذا تخلصت من تلك الأعراض بالكلية أسرعت إلى التربة التي ماثها الملك بأمر الله في نطفتي أمه وأبيه وهي قبره الأصلي فبقى فيها مستديرة إلى حين البعث كما ورد في الحديث وهذا هو أحد معاني قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (كم من آكل لحم أخيه وشارب برأس أبيه) هي ، وهؤلاء أيضا مدة تخلصهم متفاوتة بحسب الأشخاص، هذا حال المؤمن.

وأما حال الكافر فهو أيضا كحال المؤمن حذو النعل بالنعل وإنما التفاوت في شيئين أحدهما أن جسد المؤمن إذا تخلص من الأعراض الغريبة الفانية صار صافيا نورانيا صرفا على حسب ما فيه من نور الإيمان، وجسد الكافر على العكس فصفاؤه إنما هو في الظلمانية، ثانيهما أن أجزاء بدن المؤمن بعد التصفية تصير مؤتلفة بكمال الائتلاف والاتحاد بحيث لا يتطرق إليها الفساد بعد التركيب الخالد في المعاد وذلك بعد التصفية الثانية بعد الرجعة فيما بين النفختين، قال بعض الطبيعيين وأجاد: (إن الإحراق هو سبب لطهارة الجسد وطهارة الجسد هي سبب  مناسبة النفس له، ومناسبة النفس له سبب عشقها له، وعشقها له بسبب اتحادها به، واتحادها به سبب كونه روحانيا مثلها، وكونه روحانيا مثلها سبب حياته الأبدية واستحالة الموت عليه)، هي  ، فتدبر في هذا الكلام وانظر ما أوفقه على قواعد الخلقة.

وأما الكافر فأجزاؤه وإن خلصت من أعراض الدنيا ولكنها لا يأتلف بعضها ببعض بل يصير الاختلاف بينها بعد التصفية أشد لأنها على ضد طينة المؤمن ذاتا وصفاتا لأنها خلقت من طبيعة التنافر والتناكر ولذا لا يكون بين أهل النار مصافاة أبدا بل كلما دخلت أمة لعنت أختها وإنه لحق تخاصم أهل النار فبينهم في عين المناسبة كمال المنافرة تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى فالطبيعة الثانية المغيرة التي طبعه الله عليها بكفره في الخلق الثاني التشريعي تدعوا أجزاء وجوده دائما إلى التفكك والهلاك والاضمحلال والتنافر لاختلاط الغرائب من المعاصي بها وفي الخطبة ( هيهات هيهات وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب) فافهم .

ولكن الطبيعة الأصلية التي فطر الله جميع الناس عليها في الخلق الأول التكويني تعارضها في ذلك فتدعوا الأجزاء إلى الاجتماع والحياة فيكون بينهما دائما تنازع وتصادم، كلما جمعتها الطبيعة الأولية فرقتها الطبيعة الثانية بمعونة النار، ولذا أخبر تعالى عن حالهم بقوله ﴿ثم لا يموت فيها ولا يحيى﴾  الآية، ومما يرشد إلى ذلك حديث الطائر الموكل بجسد ابن ملجم الملعون وتفريقه لأجزائه بالأكل ثم قيئه لها واجتماعها، ثم تفريقه لها ثانيا وهكذا إلى يوم القيامة، والخبر مشهور عسى أن نورده في ضمن المعجزات، ومنه ما ورد من أن أهل النار إذا استغاثوا من العطش يغاثون بماء كالمهل يشوي الوجوه فتسقط لحوم وجوههم فيه، هي.

ولا ريب أن هذا الساقط يعاد إليهم ثانيا بحكم قوله تعالى ﴿ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب﴾وقد بين الصادق (عليه السلام) أن الجلود المبدلة هي هي وهي غيرها بمنزلة اللبنة تكسر وتصاغ، وبالجملة أهل النار دائما في التفرق والاجتماع فإن المتوكلين بهم يضربونهم بمرزبة فتتطاير أجزاء جسدهم كالهباء ثم تجتمع ثم يضربونهم أخرى وهكذا، وهو من أنواع عذابهم والسبب فيه ما بيناه.

وأما المستضعفون ومن في حكمهم فأجسادهم أيضا تبلى في القبور بالطريق الأولى، هذا واعلم أن مدة بلى الأجساد تختلف باختلاف طالع الأتربة والأهوية وسائر الأسباب الغيبية والشهادية فربما يبقى الجسد في القبر خمسين سنة أو أكثر لا يبلى شيء منه ولكن مآله إلى البلاء لا محالة فالذي يحكيه بعض القاصرين إن كانوا صادقين فيما يحكونه هو أمثال هذه الأجساد ولا دلالة فيه على السعادة لأن بلى الأعراض سريعا أو بطيئا ليس مناطا في سعادة الشخص ولا في شقاوته.

وبالجملة إن موضوع الكلام في بلى الأجساد وعدمها إن كان هو الأعراض الزائلة الفانية فهي بالية في كل ذي روح وإن كان أصل الجسد الذي به يحشر ويعاقب أو يثاب فقد عرفت أن منها ما لا يبطل تركيبه ولكن إذا زالت عنه الأعراض لم يدرك بهذه الأبصار الدنيوية فلو كشف قبره لم ير فيه شيء منه ومنها ما يؤول حاله إلى بطلان التركيب والبلى فما لم يبطل تركيبه أو بطل ولم يصل إلى حد البلى بعد فهو يرى في ذلك الحال بتلك الأبصار وأما بعد ذلك فلا، نعم لا نمنع من أن تقتضي حكمة من حكم الله الخاصة أحيانا ظهور أجساد بعض الموتى لأبصار أهل الدنيا سواء بليت أم لم تبلى كما ورد كثير من ذلك في معجزات الأنبياء والأوصياء وهو قد يكون بتلطف أبصار الناظرين على نحو تدرك ما في عالم الغيب، وقد يكون يجذبه إلى عالم الشهادة بأن يلبسه الحكيم لباسا من سنخ هذا العالم كما كان في أول الأمر بحيث تدركه ظواهر الأبصار ولكن هذا طور خارج عما نحن فيه لأن كلامنا في مقتضى الحكمة العامة التي جرت الخلقة عليها في الكلية، هذا حال أجساد سائر الناس .

وأما المعصوم فجسده في كمال الصفاء واللطافة والاعتدال من بدو شأنه بحيث لو ظهر للناس بصورته الأصلية يذهب سنا برقه بالأبصار فلا يطيق أحد رؤيته، وإنما تلبسوا بلباس البشرية الدنيوية بالعرض لمصلحة الخلق ليطيقوا مشاهدتهم والأخذ عنهم والانتفاع بهم وهو مع ذلك فيهم في كمال الرقة واللطافة والضعف في التعلق حتى أنه بلغ في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه  يقف في الشمس ولا يرى له ظل لغلبة نوريته على الكثافة البشرية فهو يطرد الظل عنه كنفس جرم الشمس، ولأجل ذلك كانوا يصعدون السماء وينزلون الأرض ويمشون على الماء ويبلغون إلى ما شاؤوا في طرفة عين ويمدون أيديهم إلى أي مقدار من المسافة شاؤوا، ويأتون بما يريدون ولا تعوقهم الأعراض البشرية عن ذلك لاضمحلال أكثر أحكامها في جنب نورية أصل جسدهم الشريف، ولو أنهم أرادوا أن يرفعوا حكمها بالكلية فهو في اختيارهم وليسوا كسائر الخلق مقهورين تحت حكم الأعراض لا يقدرون على رفعها حيث شاؤوا فجميع ما يعرضهم من لوازم الأعراض إنما هو باختيار منهم وإن كانت درجات المعصومين أيضا في ذلك متفاوتة، فإن سائر الأنبياء والأوصياء لا يقدرون على ما يقدر عليه محمد وآله المعصومون صلى الله عليه وعليهم أجمعين لأن رتبة أولئك بحسب رتبة هؤلاء ، فهؤلاء إذا اختاروا الموت على الحياة وانتقلوا من هذه الدار الفانية انخلعت عنهم الأعراض في أول ما يكون بحسب العادة الطبيعية وقد اختلفت الأخبار في تقدير مدة الخلع، ففي بعضها أنه لا يبقى في الأرض أكثر من أربعين يوما وفي بعضها أنه لا يبقى أكثر من ثلاثة أيام  ووجه الجمع تفاوت أشخاص المعصومين في ذلك، فإذا انخلعت عنهم الأعراض ارتفع جسدهم بما هو عليه من التركيب بجميع ما له من اللحم والعظم والدم وغيرها إلى العرش والسماوات أعني عرش القبر وسماواته لأن تلك الأجساد نزلت منها وتعلقت بالأعراض الدنيوية فلذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) ( إن الله حرم لحومنا على الأرض فلا تطعم منها شيئا) والمراد به لحوم أصل أجسادهم لا الأعراض الزائلة لأنها أصلها من الدنيا ولا تتعدى إلى عالم البرزخ فضلا عن الآخرة، ومثال أجسادهم (عليهم السلام) بالنسبة إلى الأعراض الزائلة الصورة الواقعة على المرآة منك فإن جرم الشيشة مثال الأعراض الزائلة والصورة الظاهرة بها مثال أصل أجسادهم فإنك إذا كسرت الشيشة لم ينكسر من صورتك شيء وإنما ترجع إليك بما هي عليه وتستقر في ظلك وتغيب عن الأبصار الظاهرة مع أنها باقية في رتبة أعالي ظهورك معلقة على أوائل عللها من فعلك بحيث كلما قابلتها مرآة ظهرت بل لو قابلتها ألف ألف مرآة ظهرت في جميعها من غير أن تتعدد أو يتجزأ في نفسه فلا تستبعد حضور أمير المؤمنين (عليه السلام) عند جنازته أو كونه هو الذي رفع مقدم سريره كما روي أيضا.

فحاصل الكلام وملخص المرام في المقام أن جسد المعصوم إذا وضع في القبر انخلعت عنه الأعراض في زمان يسير لضعف تعلقها به وتعلق الجسد بما هو عليه من التركيب والتأليف بعرشه الذي نزل منه وهو غيب القبر الظاهر ولا تأكل الأرض من أجزاء جسده شيئا ولا تأتي على تفكيك جزء منه، وأما الأعراض فيلحق كل جزء منها لمركزه من العناصر الظاهرة كما أن بدنه في الحياة إذا مرض وتحلل منه أجزاء من اللحم والعظم والدم وغيرها لحقت بمركزها وتخلف مكانها بدل مما يتحلل من لطائف سائر الأغذية ولا ينقص من أصل جسده شيء، والقول بأن الاعتبار في تقوم كل شخص بما هو عليه بصورته لا بمادته فإن أجزاء المادة متحللة دائما كما زعمه الصدر الشيرازي وبه صحح المعاد الجسماني من جملة المجازفات، فإن أصل حقيقة كل شيء جسدا كان أم غيره مادته والصورة إنما تتقدر بقدرها لأنها في الحقيقة صفة للمادة وقيام الصفة بغير موصوفها شطط من القول، وإنما أوقع هذا الفاضل في أمثال هذه التلقيات عدم وقوفه على العلم الطبيعي المكتوم الذي هو المرآة لمشاهدة هذه الأمور، فإن من له أدنى وقوف بهذا العلم لم يتفوه بأن المعاد هو الصورة دون المادة، هذا مع أن القائل بذلك خارج عن مدلول كتاب الله حيث يقول في جواب من قال ﴿قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾،الآية  فإن سوق الآية صريح في أنه يعيد مادة العظم الرميم لا صورته كما توهم هذا القائل، نعم إن العظام إنما تعاد بصورة عمل الشخص فإن كان مؤمنا فبالصورة الإنسانية وإن كان كافرا أو منافقا فبما اقتضاه عمله من الصور الحيوانية أو الشيطانية كما نطق بذلك لسان الوحي في غير موضع من الكتاب والسنة بل هو في حد التواتر معنى حتى كاد مضمونه وهو تبدل صور العاملين في الحشر عما هم عليه من الصور في الدنيا يبلغ حد الضرورة، فإن الألسنة على اختلافها مطبقة على ذلك في الموارد الجزئية وهي صورهم الباطنية التي كانت طينة موادهم منطوية عليها من جهة الأعمال التي هي فروع الإيمان والكفر، وكانت في الدنيا مستورة بسر الإجابة الظاهرة في الذر الأول ولما كسرهم المبدأ في القبر وأراد صوغهم للجزاء استدعى كل من المواد صورته الأصلية التي اكتسبها من أعماله الخاصة به، وليس هنا محل تفصيل هذه الأمور وإنما أشرنا إلى شيء منها تتميما للفائدة.

هذا وبالتأمل فيما ذكرنا من حال جسد المعصوم تعرف معنى نقل نوح لعظام آدم من سرنديب إلى النجف ونقل موسى لعظام يوسف من مصر إلى الشام  وأن المراد بالعظام تمام الجسد لما عرفت من أنه لا يبلى ولا تتفكك أجزاؤه وليس المراد منها الأعراض الزائلة لعدم فائدة في نقلها بعد تخلص الطينة الأصلية منها وعدم جريان العادة ببقائها هذه المدة الطويلة على ما هي عليها من التركيب فافهم وتبصر وفي المقام أسرار لا يسعنا ذكرها.

وأما جسد غير المعصوم فمنها أيضا ما لا يبلى بل ينقل من دار إلى دار وهو جسد الكاملين من أهل الإيمان ولذا قال تعالى في حقهم ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ﴾ ، فإنه لو كان المراد بها حياة الأرواح خاصة لما كان فرق بينهم وبين سائر الناس حتى الكفار فإنهم أيضا ليسوا بأموات بهذا المعنى فافهم، ولكن مدة تخلصهم من الأعراض الدنيوية ليست على حد سرعة تخلص المعصومين ومنها ما يبلى بتبعية الأعراض للعلة التي ذكرناها في ما قبل وهو أجساد من سواهم على تفصيل يطول بذكره الكلام .

هذا حال الأجساد المركبة من العناصر وأما الأرواح فتخرج من الأجساد بمصاحبة الجسم الحيواني ويلحق بجنة الدنيا إن كانت مؤمنة وبنارها إن كانت كافرة، وهذا الجسم هو القالب الذي ورد في الأخبار من أن الأرواح إذا فارقت الأجساد جعلت في قالب كقالبها في الدنيا وهذا القالب ليس أمرا أجنبيا يلحقها بعد الموت وإلا لكان تناسخا بل هو الذي كان في الدنيا في باطن هذا الجسد وعليه حاملا للأرواح من المثال والمادة والطبيعة والنفس والروح الرقيقي والعقل وإنما أتى بعبارة يوهم ما زعموه تحقيقا للتخلص به وذلك مثل أن يقال أن الروح إذا نامت دخلت في عالم كعالمها في اليقظة فإنه عبارة صحيحة بليغة مع أن الروح ما كانت غائبة عن ذلك العالم ولا خارجة عنها وهي في حال اليقظة لأن عالم النوم عالم حسها المشترك البرزخ بين الباطن والظاهر فيؤتى بهذه العبارة لأنها حال اليقظة مشتغلة بعالم الحس الظاهري فإذا أعرضت عنه بالنوم خلصت للالتفات إلى ذلك العالم وكانت كأنها دخلته في ذلك الحين، وكذا تخلصها للجسم بعد الإعراض عن الجسد ولبعض القاصرين في هذا المقام خيالات وتخمينات تضحك الثكلى.

هذا وربما يقول قائل إنا لا نعرف فرقا بين الجسم والجسد.

فنقول الجسد هو القالب العنصري النباتي الذي يبقى ميتا بعد مفارقة الروح منه وأصله من لطائف العناصر الأربعة، وأما الجسم فهو القالب الفلكي الحيواني الذي أخذ من طالع الأفلاك إذا فارق الجسد بقي الجسد ميتا لأن من المعلوم أن الإنسان إذا مات خرجت منه روحه الحيوانية التي بها كان يتحرك ويمشي ويحس مع سائر الأرواح المجردة، وهذا الجسم هو المراد فيما نحن فيه وهو على هيئة الجسد العنصري النباتي المعدني فيقال عليه الروح بالنسبة إلى الجسد وحياته به وهو جسم بالنسبة إلى ما فوقه من الأرواح فافهم .

وأما أرواح المستضعفين ومن في حكمهم فهي بعد الخروج من الجسد تبقى معه في القبر ملتهى عنها لشدة كثافتها وتحجرها بسبب العوارض إلى يوم القيامة كما يأتي التصريح بذلك إن شاء الله تعالى في حديث ضريس الكناسي المروي في الكافي في كتاب الجنائز في محله اللائق به من هذا الكتاب وهو حضور الأئمة (عليهم السلام) عند الموتى ، فتأكل الأرض غرائب جسده وإذا نفخ إسرافيل في الصور نفخة الصعق تفككت أجزاء روحه الذي قلنا أنه جسم إضافي كما تتفكك أجزاء أرواح من عداه أيضا للتخليص والتصفية ويدخل كل جزء منها إلى ثقب من الصور فتصفى هيولاه وصورته التي هي المثال على مقدار ما ينبغي لحاله من التصفية ثم يركب في نفخة الدفع ويطلب جسده الباقي في الأرض المجتمع بضرب أمواج المطر النازل على الأرض قبل قيام القيامة، فتتحد روحه بجسده ويقوم للحشر ويجدد له التكليف فإما أن يقبله ويدخل الجنة وأما أن ينكره فيدخل النار، فالأعراض الدنيوية العارضة للجسد من الأغذية الظاهرة زائلة بأسرها بالية يلحقها بمراكزها من كل ذي روح لأن مبدأها من الدنيا وإليها تعود ، ومثال ذلك وآيته صورته التصديقية التي في ذهنك، فإنك إذا أردت إلقاء مثال منها إلى مخاطبك ألبسته لباسا هوائيا من سنخ هذا العالم مناسبا له في الهيئة التأليفية وهو اللفظ المسموع وألقيته إلى الهواء الخارج فيحمله ذلك الهواء إلى أذن مخاطبك فإذا وصل إلى الصماخ وقرع الطبل المفروش عليه تنبه له الحس المشترك وتلقى منه هيأته البرزخية وبقي قشره المتلبس به في النزول إلى الحس الظاهري الذي أصله من الهواء الخارج المنجذب إلى الجوف حين التكلم فيما يلي الطبل ولا يتجاوزه لأنه ليس من سنخ عالم الحس المشترك وإنما هو من عناصر الحواس الظاهرة ثم يتلقاه من الحس المشترك الخيال بعد تجريده من لباس البرزخية صورة خيالية نفسانية فينقش فيه مرادك بتلك الصورة ويدركه مخاطبك فالهواء الحامل لذلك المثال في عالم الظاهر لباس له عارضي لبسه عند التنزل من أوج مقامه إليه فإذا وصل إلى الصماخ الذي هو بمنزلة القبر له خلعه وانتقل إلى عالم ألطف منه وتفكك تركيب ذلك الهواء وامتزج بالهواء الخارج وقد يبقى مجاورا للطبل على ما هو عليه هنيئة بعد الخلع سيما إذا تشاجرت الأصوات والتف بعضها ببعض وتزاحمت إلى العصبة بتصادم وقوع شديد فإن الأذن بعد سكون اللغط وهدوء الأصوات يدرك صورتها في الصماخ إلى حين ما، وهو مثال بقاء الأعراض في القبر إلى أن تأتي عليه الأرض وتفككها، وقد يتفق مثل ذلك في الحس المشترك أيضا إن كنت جربته، وقد يكون اللفظ الحامل للمثال المفروض مركبا من هواء غليظ ويتلاقاه في الهواء الخارج مضافا إلى ذلك رياح شديدة وأصوات مختلفة متشاجرة فتوجب فيه غلظة على غلظة حتى إذا وصل إلى الصماخ لم يتأد منه إلى الحس المشترك شيء لاختلاطه بالعلائق والعوائق المانعة للمعنى عن التجرد والتخلص ، ولذا تراه لا يفهم منه السامع شيئا سوى قرع مختلط لطبل صماخه وهذا مثال أجزاء الأجساد التي تحتاج في تخليصها من العوارض والعلائق والعوائق إلى الهدم والتكليس بتبعية الأعراض حتى تخلص وتستأهل للصعود إلى عالمها الأول، فالمثال الذهني المفروض أصله من عالم ذهنك الذي له بالنسبة إلى عالم الحس الظاهر تجرد ما وإنما عرضه هيأة اللفظ المسموع المركب من أجزاء الهواء الخارجي من مرتبة التنزل فإذا أخذ في العود إلى عالم تجرده من سبيل قوس الصعود استغنى عن اللباس المذكور فخلعه وتركه في محله الذي منه بدؤه، وأخذ في الصعود إلى عالم تجرده وإذا وصل إلى عالم الحس المشترك ترك فيه لباسا آخر قد تلبس به أيضا في النزول وصعد منه إلى عالم الخيال الذي منه بدؤه في النزول فيصدق عليه قوله تعالى ﴿ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة﴾ الآية.

وعلى هذا القياس حال الأجساد النازلة من عالم الجنة عالم الصفاء والتجرد وعودها إلى عالمها الأول فافهم وتصرف في المثل بلطف قريحتك لتفوز بما لم يفز به آباؤك الأولون فإنك إن تأملت في المثل المضروب لم يبق لك شبهة في كيفية المعاد الجسماني فلم تحيرك شبهة الآكل والمأكول ولا غيرها من الشبهات السفسطية فلم يجبك المخاصم إلى القول لعود الصور دون المواد كالحكيم الشيرازي ولا إنكار عود الأجسام رأسا كبعض المتفلسفة ولا التكلم فيه بما تضحك منه الثكلى كبعض القاصرين من المعاصرين فإنه بعد ما شدد النكير فيه على جل الحكماء والعلماء من الإسلاميين وغيرهم لا سيما على من قال بأن الإنسان له أجزاء أصلية هي أصل جسده وأجزاء فضلية ليست من أجزاء أصل جسده والمبعوث في المعاد هو الأول دون الثاني كالمحقق الطوسي والفاضل العلامة والمولى الأول المجلسي والشيخ العلامة الإحسائي قدس الله أرواحهم فإنه بعدما زيف أقوالهم ونطق في حقهم بما يليق بمثله لا بمثلهم جلس في صدر التحقيق وفتح عن جراب التدقيق وأخرج منه خزعبلات لا يليق ذكرها في الكتاب ولا في المسألة عنها جواب لأنه نشد غير ضالته وطلب غير سائمته فظل يتخبط في الظلمات يرتبك في الشبهات بغير هدى ولا كتاب منير .

وحاصل معنى كلامه بعد تخليصه من الفضول أن الأجساد تعاد يوم القيامة بما هي عليه في الدنيا بعدما يعود وينضم إليها جميع الأجزاء المتحللة منها من بدو تولدها إلى يوم وفاتها ويضاعف إلى ذلك أجزاء من فاضل فضل المبدئ المعيد الوهاب، ولم يقنع بذلك حتى قال : إن الأطفال الذين يموتون في الصغر ولا يكون لهم كثير أجزاء متحللة ينبغي أن يفيض إليهم الكريم جميع ما كان مقدرا لهم في خزانة التقدير من الأجزاء لأن تلك الأجزاء المفارقة المتفرقة كلها من أجزاء الجسد الأصلية وإن فارقته في الدنيا مدة يسيرة فإنها لا بد لها من عودها إلى الجسد ورجوعها معه إلى الله تعالى وإلا للزم  أن يكون لفعل الله تعالى تعطيل بالنسبة إلى تلك الأجزاء ولا قبح فيما يلزم من ذلك من تعظم الأجسام لأن جسم الآخرة ينبغي أن يكون كذلك لسعة فضائها وعظم ما فيها من أنواع النعيم والعذاب فيجب أن يكون المتنعم والمتألم أيضا كذلك، هذا حاصل معنى كلامه بعبارتنا لا بعبارته لأنها مع اشتمالها على تطويلات زائدة وعبارات مقرمطة غير مأنوسة قد تكلفها بإكثار سينات الاستفعال ونونات المطاوعة وياءات النسبة تعظيما للحقير وتكثيرا للنزر اليسير، ولذا عدلت فيه عن نقل الألفاظ إلى نقل المعاني من غير أن نغير من مراده شيئا وكفى بالله شهيدا.

 ثم إنه أيد ما زخرفه بأمور منها: أن كشف أجزاء هذا الجسد العنصري المتغير هو الروث والدم لا سيما من جسد الحيوانات ولا سيما من الحمار، وقد أخبر الله تعالى عن فعله وإحيائه وإعادته لحمار عزير وأربعة من الطير لإبراهيم (عليه السلام) وأخبرنا بأن كل ذلك أحياها مع أجسادها وجلودها ودمائها وأرواثها، وبأنه لما ضرب ببعض بقرة بني إسرائيل وأحيى المقتول به أحيي مع عذرته ودمه وهو يشخب دما كما كان في حال مقتوليته، وأخبرنا في الروايات أيضا بأن الشهداء المقتولين يبعثون وتشخب دماؤهم أيضا، إلى أن قال: وكل ذلك من فعل الله وإخباره وإخبار الروايات في مقام نصب الدليل للمعاد كما قال تعالى في تلك القضايا ﴿كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون﴾  الآية  ، انتهى ما نقلنا عنه بلفظه .

ثم إنه تكفل بزعمه بدفع شبهة الآكل والمأكول وزعم ما حاصله أن الأجزاء الغذائية المأكولة لا يصير شيء منها جزء لجوهر بدن الآكل المغتذي وإنما تلك الأغذية معدات إذا وردت على الجوف تكونت في البدن بإعدادها أجزاء اختراعية يخلقها الخالق في ذلك البدن لا من شيء، وهذه أي الأجزاء التي يجب إعادتها وضمها إلى بدن المكلف عند العود، وأما المأكولات الخارجية فهي تندفع وتتصل عند الحشر بالجسم المأكول من حيوان أو نبات أو معدن أو إنسان وتحشر معها لأنها من أجزائها لا من أجزاء الآكل، هذا غاية تحقيقه وتنقيره في المقام وإنما تعرضنا لذكر ذلك مع كونه مما لا يستحق التعرض به وبيان فساده لغاية دعتني إلى ذلك.

فأقول : إن من له أدنى مسكة وتدبر في مذاهب الناس يعلم أن هذا الرجل قد قال بقول خارج عن جميع الملل والمذاهب لأنا لم نسمع إلى الآن عاقلا يقول أن الأجزاء التحليلية من بدن الإنسان أو غيره في حياته تعود إليه بعد الموت أو عند الحشر وتحشر معه وتكون من أجزاء بدنه الأصلية وإن كان هذا يلزم كل من يقول بإعادة الأجسام بمادتها وينكر أن يكون لبدن الإنسان أجزاء أصلية هي أصل طينته التي خلق منها لا من شيء، وأجزاء فضلية لحقتها من العوارض الدنيوية، والأولى هي التي تعاد للجزاء دون الثانية فإن من ينكر ذلك لا بد له من الالتزام بإعادة جميع الأجزاء التحليلية من نزوله إلى الدنيا إلى يوم خروجه منها لأن الأجزاء الموجودة حين الموت ليست بأولى للثواب والعقاب مما تحلل منه فيما قبل على قول هذا القائل ولكن هؤلاء أيضا مع ذلك لم يلتزموا به ، فقول هذا الرجل المغرور بعلمه خارج عن جميع المذاهب مع كونه غير معقول في نفسه لأن منشأ وهمه .

هذا وما قرره في دفع شبهة الآكل والمأكول من انخلاق أجزاء أصلية للبدن محسوسة في عالم الحس الظاهر بإعداد الأغذية لها وأنها تتحلل من البدن شيئا فشيئا وينوبها بدل مما يتحلل من غير أن يكون شيء من ا لغذاء الوارد جزء من بدنه الحسي الظاهري، فإنه غفلة عن أسرار الخلقة وخلاف للمحسوس الذي لا يشك فيه إلا السوفسطائي، فإن الأجزاء الغذائية إذا وردت على البدن الظاهري تصير بالبديهة كيلوسا وكيموسا ثم تنقسم إلى أخلاط أربعة إلى أن تصير مشابهة لجوهر المغتذي من الدم واللحم والعظم والشحم والعروق والأعصاب والأوتار والغضاريف والجلود فتكون جزءا من ظاهر البدن قطعا وإن أبيت إلا الجمود فانظر إلى الأجسام العفنة كيف تنقلب دودا بعينها حتى لا يبقى من الأجزاء شيء، فهي بينما كانت جسما لحيوان أو نبات أو إنسان ما انقلبت وصارت بالفعل جسما للدودة ، فليت شعري إذا أراد الله حشر جميع ما في الدنيا كما هو معترف بذلك تحشر تلك الأجزاء مع الدودة أو مع ذي الجسم السابق، فإن قال إن جسم الدودة الأصلي ليس عبارة عن تلك الأجزاء، بل الأجزاء إذا تعفنت تولد من غيبها للدودة جسم يخترعه الخالق لا من شيء، وتلك الأجزاء الظاهرية حاملة لذلك الجسم الأصلي فإذا ماتت الدودة وتفرقت أجزاء جسمها لحقت تلك الأجزاء الحسية بأصولها ولا يحشر شيء منها مع الدودة، فهذا ما نقوله نحن وقاله من سبقنا من الأساطين الذين قال هذا الرجل في حقهم أنهم غير قائلين بالمعاد الجسماني فإن متأخرهم  صرح في غير موضع من كتبه وسفوراته بأن جسد المكلف اخترعه الله لا من شيء ثم نزله من الخزائن التي عنده فنزل واختلط به نبات الأرض بالعرض  فتغذى أبوه وأمه بذلك الغذاء الحامل لتلك الأجزاء اللطيفة الأصلية، فصار ذلك الغذاء حالا لتلك الأجزاء في منازل أبدانهما من المعدة والعروق والكبد إلى أن تخلص وصار منيا وانتقل إلى الرحم فصار نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسي لحما، وأصل الجسد في كل تلك المنازل مصاحب لذلك الغذاء المستحيل بتلك الاستحالات، فإذا تمت بنيته ظاهرا وباطنا أشرق عليه الروح الحيواني الذي أصله من طالع الأفلاك فيشرق ظاهره لظاهره وباطنه لباطنه حتى إذا حان حين الولادة أشرقت عليه النفس الإنسانية إن كان إنسانا فيخرج في الدنيا مصاحبا لتلك الأعراض الغذائية، وحيث كانت تلك الأعراض تتحلل بكر الأفلاك وتقلب العناصر احتاجت في بقائها لأصل الجسد في الدنيا إلى بدل من الأغذية إلى حين الارتحال من الدنيا فصار كلما وصل إلى البدن شيء من الأغذية أخذ صافيها بدلا مما تحلل أو جزءا مضافا إلى الجزء الباقي وبه يبقى حيا ما دامت الأجزاء معتدلة، والجسد النازل من عالم الغيب في كل تلك الحالات محمول بل حامل لتلك الأجزاء الغذائية المتبدلة على سبيل البدلية وهو كالصورة وتلك الأجزاء كالمرآة المظهرة لها ، فإذا حان حين الموت وفارق هذه الدار أخذت الأرض الظاهرة من أصل الجسد ما منها فيه من الأجزاء العارضة الغذائية بالفعل وتخلص الجسد من العوارض الدنيوية وبقيت فيه العوارض البرزخية إلى أن يصفى منها أيضا فيما بين نفختين ويقوم معلنا بالثناء على الله يوم الحشر الأكبر صافيا زكيا ليس فيه شيء من العوارض الدنيوية أو البرزخية، وهذا حال جميع المواليد بل والبسائط والأصول أيضا كأجسام الأفلاك والعناصر الظاهرة فإن لها أيضا جسما أصليا أخرويا وعوارض عرضت لها من مراتب التنزل والبعد عن المبدأ بحكم أدبر فأدبر، فإذا قامت القيامة كشط ظاهرها وزال وظهر باطنها الذي كان لها في الدنيا وهو أرض الجنة وسماؤها وأرض النار وسماؤها فإن ذلك الباطن موجود الآن في غيب هذه السماوات والأرضين ظاهر للأبصار من وراء الحجاب لا تراه هذه الأبصار على ما هو عليه بالوجود أي بالحصول فيه إلا القيامة، وأما الرؤية بالوجدان فقد يراه بعض من كشف عن عين بصيرته كما قال تعالى﴿ كلا لو تعلمون علم اليقين  لترون الجحيم﴾ وهو في الدنيا ﴿ثم لترونها عين اليقين﴾ الآية وهو في الآخرة لحصول البراهين يومئذ في صقعها وهو أرض الآخرة بالوجود لا بالوجدان المحض كما في الدنيا، وأما سائر الأبصار فقد قدمنا أنها ترى ظاهرا منها وراء سبعين حجابا، واعلم أن في المقام تفصيلات لا يسعها هذا التذييل المبني على الاختصار فلنرجع إلى ما كنا فيه .

فيقول هذا الرجل إن كان يعترف بما قلنا من زوال تلك الأجزاء وعدم عودها مصاحبة للمغتذي والمسكون ظاهرا منها يوم القيامة فهذا ما يقوله أصحاب القول بالأجزاء الفضلية فما اعتراضه عليهم ؟ نعم لنا الاعتراض عليه بحسبانه أن تلك الأجزاء المفارقة من الدودة مثلا أجزاء أصلية لذي الجسم السابق فيجب أن يلحق به كما هو مبنى جوابه عن شبهة الآكل والمأكول لأنه إنما مهد هذه المقدمة لإثبات أن أجزاء المأكول الظاهرية المحسوسة لا تصير جزءا من الآكل بل تفارقه وتعود إلى المأكول وهي أجزاء المأكول الأصلية فتحشر معه وهو غلط بحت فإن تلك الأجزاء كما هي عارضة في الآكل على نحو ما ذكرنا لا على نحو ما زعمه كذلك هي عارضة في المأكول أيضا، نعم هي حاملة لأجزاء جسد المأكول الأصلية في غيبه فإذا اغتذى الآكل بالمأكول اغتذى ظاهر جسده بظاهر جسد المأكول لا بالأجزاء الأصلية الموجودة في غيبه كما إنك إذا كسرت المرآة وجعلتها أجزاء صغارا في غاية ما يمكن أو أذبتها بالنار كذلك لم تنكسر الصورة المشرقة عليها حين الكسر أو الإذابة لأنها ليست من سنخ المرآة وإنما هي من سنخ عالم الأظلة والمثل النورية جذبتها المرآة بصفائها الجسماني إلى عالم الحس فتعلقت بها تعلق إشراق لا تعلق ممازجة حتى تنكسر بكسرها أو تذوب بإذابتها بالنار الظاهرة، فافهم يا أخي هذه الحكم المضنون بها عن غير أهلها وستعرف برهان ما ذكرناه عن قريب إن شاء الله تعالى .

وكذا بحسبان أن أجزاء الأجساد الأصلية أيضا تتحلل في الدنيا آنا فآنا ثم تجتمع إليها عند البعث فيعظم جسم المكلف بذلك  فإن مؤدى زعمه هذا أن تلك الأجساد في الدنيا كالنهر الجاري الذي يذهب ماؤه ولا يعود إليه إلا يوم الحشر بزعمه، فجسد الإنسان الذي كان له في الطفولية غير جسده الذي هو له في الشيب لأن الأجزاء الأصلية بزعمه تتحلل في الدنيا آنا فآنا ويصل إليه بدل مما يتحلل، يخترعه الحكيم لا من شيء بإعداد الأغذية الخارجية له ولأجل هذا التحلل لا تعظم الأجساد في الدنيا، لأنه لو بقيت جميع تلك الأجزاء المخترعة لا من شيء في بدن الشخص من أول عمره إلى حين وفاته لصار جسمه في أواخر عمره أعظم من الجبال العظيمة، هذا زعمه .

ونقول لو أردنا تعداد جميع خرافات هذا الزعم الفاسد لخرجنا عن وضع الكتاب ولكن لا بد من الإشارة إلى شيء منها قضاء لحق من سبقنا من الأساطين الأعلام بل وجميع علماء الإسلام من باب قوله تعالى ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾   فإنه بعد ما ذكر في كتابه المذكور أمورا زعمها أنها أدلة لوجوب المعاد بجميع ما في الدنيا حتى القاذورات كما صرح به في كلامه اللاحق الذي نقلناه عنه قال ما هذا عبارته : (وهذا الملك على ما أظن وأرى وكما ترى من خواص وخواص هذا الكتاب ولم يطلع عليه أحد من قبلي ولهذا ما ترى أحدا من المسلمين المقرين بالمعاد إلا وقد تخلفوا وخرجوا عنه في بعض أنواعه وأفراده بعد أن دخلوا فيه وأقروا بأصله، فبعضهم أنكر معاد مطلق الأجسام وبعضهم معاد الجمادات والنباتات والحيوانات غير المكلفين بزعمهم، وبعضهم معاد بعض الأجسام من الإنسان لذلك الزعم أيضا)، ثم قال (وكما لا أظن اطلاع أحد على هذا الملك من قبلي ما أرجو اتباع أحد إياي فيه من بعدي إلا قليلا لأن الناس قد تخلفوا عن الكتاب والعترة ونبذوها وراء ظهورهم وأخذوا في التقليد وصاروا هرجا ومرجا وهمجا وبهرجا وليسوا بناس بل كالنسناس الخناس يتخنسون عن الحق ويتقدمون إلى الباطل كما قال الإمام (عليه السلام) قديما ومرارا يا أشباه الناس ولا ناس، وكما قال من قال ونعم ما قال:

لم تبق مــن جـل هذا الناس باقية

ينـاله الوهم إلا هــذه الصــور

ولولا تخلفهم عن هذا الكتاب والعترة وأخذهم لطريق التقليد والتبعية وولوجهم في الهرج والمرج والهمجية والبهرجية وخروجهم عن الدين من حيث لا يشعرون لكانوا قبلي وقبل هذا الكتاب مطلعين على هذا الملك والمنهج مهتدين إلى هذا الباب والمفتاح وما كانوا عن أمر المعاد خارجين بعد أن كانوا فيه من الداخلين)، إلى أن قال (فإذا ما اطلعوا عليه من قبلي مع صرحه ووضوحه للسبب المذكور ما يتبعونني فيه من بعدي لذلك أيضا) إلى آخر كلامه.

وهو كما ترى تجهيل وتضليل لجميع من دخل في الإسلام من الصدر الأول إلى زمانه، ولقد صدق إبليس له ظنه وهو قوله: ما أرجو اتباع أحد إياي من بعدي، فإنه لم يصدقه في ذلك أحد لكونه خارجا عن قول جميع المسلمين من وجوب تصفية الأجسام والأجساد ليوم القيامة وعدم رجوع المبعوثين بعد الموت إلى المحشر بقاذوراتهم التي كانت في بطونهم عند الموت كما هو زعمه  وستعرف ذلك منه بعد بيان منا إلا عجل طلع من فارس وسمى نفسه بابا ونسج خزعبلات ملحونة لفظا ومعنى سمى بعضها فرقانا وبعضها صحيفة وبعضها خطبا وبعضها توقيعا وكان ممن عكف عليه ابن هذا الرجل وهو السيد يحيى فكتب هذا العجل له كتابا زعم أنه تفسير سورة الكوثر، ومن جملة ما خربط فيه أنه اعترض الشيخ العلامة الإحسائي أعلى الله مقامه في أمر المعاد وزيف زعمه قوله ، وصدق هذا الرجل في رده على الشيخ حتى قال ما هذا لفظه الذي في حفظي الآن : لأني وقفت على الكتاب منذ سنين وهو أوائل طلوع هذا العجل ولقد أجاد فلان في كتابه الفلان المحيط بالمشارق والمغارب في ذلك يعني في بيان المعاد إلى آخر كلامه المخربط، وأراد بذلك التملق والاستمالة لأنه هذا وإلا فذلك العجل كان أجل شأنا من أن يقدر على تصور أصل المعاد فضلا عن أن يميز فيه بين الغث والسمين ويجعل نفسه حكما بين المتخاصمين، وإنما حكومته هذه كحكومة أبي موسى الأشعري بصفين عن رأي وهوى نفس وإلا فما لأبي موسى والتمييز بين الفاضل والمفضول والمردود والمقبول، ولذا إذا كان ليسأله بعض من يزعم في نفسه ويزعمه هذا العجل أنه من أتباع الشيخ العلامة الإحسائي  مسألة كان إذا ذكر اسمه الشريف أردفه بقوله صلوات الله عليه استمالة لقلب ذلك التأمل، فكان مذهبه هيولى وجميع المذاهب يتكلم في ذلك بمقتضى الوقت والحال، لا أن يكون له مذهب مخصوص يرى ما عداه باطلا، كلا وحياة أبيك وحيث أن هذا الرجل قد أساء الأدب بالنسبة إلى جميع علماء الإسلام بما أحسنه ما ذكرناه فبالأحرى لنا أن نجزيه ما يستحقه قضاء لحقوقهم على الإسلام وأهله.

فنقول : إن تلك الأجزاء الأصلية إذا جاز لها التحلل كالنهر الجاري وجب أولا أن لا يكون الباقي من جسد الإنسان المحصور بين حاصرين تمام جسده في حال من الحالات الدنيوية بل جزء من مائة ألف جزء من مثقال ذرة منه، وهو مخالف لقول جميع من دخل في حيز العقل فإن من يتكلم بمثل ذلك يجب أن يغل بغل ويحبس في سجن المجانين، فما سمعنا إلى الآن عاقلا يقول أن الموجود من جسد الإنسان أو سائر المواليد في الحالات المتبدلة في الدنيا جزء من تمام جسده الأصلي لآكله .

وثانيا يجب أن تبطل جميع الحدود والتعزيرات والدعاوى الشرعية والشهادات والمواريث وغيرها لأن زيدا إذا زنى في أول التكليف مثلا وثبت عليه ذلك بعد عشرين سنة لم يجز على هذا القول إجراء حد عليه لأن المفروض أن أجزاء الجسد التي كانت لزيد عند الزنا قد ذهبت كلها بالتحلل فالحد يقع على غير الزاني، وليست الحدود جارية على مجرد النفوس بل عليها مع الأجسام، فإن زيدا إنما هو زيد بنفسه وجسده وإلا لما عذب الله تعالى تلك الأجسام يوم القيامة ولا أثابها فافهم، وعلى هذا القياس سائر الأحكام الشرعية وقد فرغنا في علمنا من إثبات كون الأجسام مكلفة ذوات شعور كالأرواح مع أن هذا الرجل نفسه غير منكر لذلك فهذا الاعتراض لازم عليه لزوم الظل للشاخص، ولعمري إن صدر الشيرازي لأعدل قولا منه وإن كان قوله أيضا باطلا حيث أسقط اعتبار المادة عن النظر بالكلية وقال : إن الاعتبار في جسمية الجسم بصورته لا بمادته وإن المادة لا حشر لها مع الإنسان ولا ثواب ولا عقاب لأنها متغيرة متبدلة آنا فآنا وبه دفع شبهة الآكل والمأكول.

فإن قلت أنكم أيضا قائلون بأن الممكن لا بقاء له بأزيد من أن صدوره من المبدأ فهو دائما محتاج في بقائه إلى إيجاد جديد يكون به طري الوجود دائما ومنه الأجساد الأصلية وأجزائها، ولازم قولكم هذا أن يكون جسد زيد القديم غير جسده الجديد لأن إيجاد ما هو موجود تحصيل للحاصل، وإيجاد ما ليس بموجود مستلزم لما قلناه  فحينئذ يلزمكم ما ألزمتموه به من بطلان الأحكام الشرعية قلنا كلا وحاشا أن يكون قولنا مثل قوله.

فإنا نقول : إن الممكن كالنهر المستدير ينصب أوله في آخره بمعنى أنه في كل حين يكسر ويصاغ والمصاغ في الصنيعة الثانية عين المكسور فزيد مثلا من أول خلقه إلى أبد الدهر له مادة واحدة أنزلها الله من عالم الإمكان إلى عالم الكون فإذا كسرها في الحين الثاني من الإنزال وذهبت صورتها الأولى وانتقلت إلى إمكانها ثم إذا أراد صوغها ثانيا أعاد تلك المادة بعينها وصاغها بصورة أقوى من الأولى وأتقن وهكذا إلى غير نهاية وبهذا الكسر والصوغ يترقى الممكن في الدرجات العالية إن كان مؤمنا ويتسفل إلى الدركات السافلة إن كان كافرا وهو المراد بالحركة الجوهرية التي أنكرها قوم وأثبتها آخرون، ولكن لا كما نقول نحن لعدم فهمهم مراد مثبتيها، فهذا الكسر والصوغ لكل ما دخل في حيطة أمر كن من المجردات والماديات في كل آن من آنات وجودها وبه بقاء الممكنات في عالم الكون أي عالم كان دائما لا يحس بهما في الظاهر لا تصال الفيض وعدم الفصل والتعطيل فقولنا هذا ما قاله إمامنا الصادق (عليه السلام) وعن حفص بن غياث قال : شهدت المسجد الحرام وابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى﴿كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب﴾  ما ذنب الغير قال ويحك هي هي وهي غيرها قال فمثل لي ذلك شيئا من أمر الدنيا قال نعم أ رأيت لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها فهي هي وهي غيرها)،رواه الطبرسي في الاحتجاج. فإنه (عليه السلام) دل السائل إلى أن تلك الجلود هي هي من حيث المادة وهي غيرها من حيث الصورة ونحن هكذا نقول ولا يلزمنا شيء مما نقول لأن أجزاء جسم الإنسان الأصلية على هذا باقية في جميع آنات بقائه في الدنيا وإن كانت تكسر وتصاغ في كل آن، ولكنها لا تفارق الإنسان أبدا وهذا الرجل يقول أنها في كل آن في التحلل والتبدل، وإنما تجتمع عند الإنسان حين البعث، فأين قوله من قولنا ؟ نعم نحن نقول بذلك في الأجزاء الغذائية العارضية فإن التحلل والتبدل فيها محسوس لكن لا نقول أنها تعاد بالمآل إلى الإنسان وتحشر معه فإنها ليست من أجزاء الجسد الأصلية حتى تعود إليه .

فبالجملة إن كان هذا الرجل يقول بما قررناه في صدر الكلام فلا اعتراض له على من سماه من الأعلام بل لهم الاعتراض عليه بما ذكرناه، وإن كان يقول إن الدودة المفروضة تحشر بتلك الأجزاء التي تكونت منها في الظاهر وأنها الأجزاء الأصلية لها فلم تندفع شبهة الآكل والمأكول لأن المفروض أن تلك الأجزاء كانت قبل ذلك أجزاء أصلية بزعمه لجسم آخر.

ثم نقول عليه: إن تلك الأجزاء التي زعمها أجزاء أصلية لا ريب أنها في الدنيا كثيفة ظلمانية كدرة في جميع الموجودات، وأجساد الآخرة في كمال الصفاء واللطافة في المؤمن وفي كمال الظلمة والكثافة في الكافر ولا ريب أن تلك الكثافات والكدورات ليست أمورا اعتبارية وهمية بل لها وجود وتحقق خارجي كالسواد العارض للأجسام، وإلا لما ترتبت عليها آثار خارجية ولكانت مرتفعة بعدم الاعتبار، وكل ذلك خلاف الضرورة، فهذا الرجل إن كان يقول بأن تلك الأجساد تصفى بعد الموت من الكثافات في المؤمن ومن اللطافات في الكافر فقد رجع إلى قول من يقول بالأجزاء الأصلية والفضلية وعاد كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، وإن كان يقول بعودها مع ما هي عليه من العوارض والكدورات كما هو صريح قوله الذي نقلناه عنه فقد خالف ضرورة الدين وخرج عن ذمة المسلمين وأنكر قوله تعالى ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات﴾ الآية وقوله ﴿وإذا السماء كشطت﴾ إلى غير ذلك من الآيات الصريحة الظاهرة والأخبار المتواترة الواردة على مضمونها عن العترة الطاهرة (عليهم السلام).

هذا والخطب فظيع أنه لم يكتف بعود تلك الأجساد بما هي عليه من العوارض اللاحقة بها حتى قال : يعود جميع الأرواث والقاذورات معها، حيث زعم أن الله نصب إعادة حمار عزير مع أرواثه ومقتول بني إسرائيل مع قاذوراته دليلا للمعاد حيث قال ﴿كذلك يحيي الله الموتى﴾  .

وهذا قول ماله عندنا ولا عند أحد من عقلاء الدهر جواب لأنه زاد في الطنبور نغمة هي خارجة عن جميع الأصول والأصوات فقائله ليس بقابل للخطاب ولكن لا بد من التحدث معه قليلا .

فنقول : أيها الرجل المدعي ما ليس فيه إنك قد أطلت في كتابك تطويلا تمجه الطباع في إثبات أن الأجسام إذا عادت يوم القيامة يعود إليها جميع ما تحلل منها في الدنيا من بدء عمره إلى حين وفاته فتعظم الأجسام بذلك وتكون بالفرض كأعظم ما يكون من الجبال بل أعظم منها وأعظم بما يضاعف الله لها من فضله، فلو كان التشبيه في الآيات المذكورة في جميع الكيفيات لكان من الواجب أن يعود حمار عزير ومقتول بني إسرائيل مع جميع ما تحلل منهما قبل موتهما فيكونا جسمين عظيمين بما يخرجان عن العادة في ذلك مع أن الواقع كان على خلاف ذلك، وكيف ولو كانا كذلك لتوفرت الدواعي بنقله أزيد من أصل إحيائهما لكونه أعجب منه ولم نجد إلى الآن أثرا من ذلك ولا تكلم به أحد من العقلاء ولا المجانين، ثم أن المؤمنين إذا حشروا وفي بطونهم هذه القاذورات المنتنة الخبيثة فليبين لنا هذا المرء أين يذهبون بها ؟  يضعونها في أرض المحشر ؟ أم يذهبون بها إلى الجنة؟ أو يبنى لهم خلاء يقذفونها فيه ؟ فأين هو من أرض الآخرة فإنا ما سمعنا إلى الآن بأصله ولا مكانه فعلى ذمة من يقول بذلك أن يدبر لهم مخرجا وإلا فالأمر مشكل جدا عافاه الله من البلاء، ثم لا ندري لأجل ماذا يحمل أهل الدنيا لا سيما المؤمنون هذه القذرات المنتنة إلى أرض المحشر، هل هي من أجزاء أبدانهم الأصلية ؟ فالحكم لله العلى الكبير، أو هي من لوازم ذواتهم؟ فأفظع وأشنع  أو شيء غير ذلك فليبين لنا ما هو، ثم إن تلك الأرواث والقاذورات لا ريب أن أصلها أطعمة وأغذية نباتية أو حيوانية لا يشك في ذلك عاقل وهذا الرجل قد قال في دفع شبهة الآكل والمأكول أن المأكولات ليست من أجزاء الأكل الأصلية وإنما هي معدات فلا بد أن تعود إلى أصلها وهو المأكول حيوانا كان أو نباتا أو غير ذلك فتحشر معه، فليت شعري كيف يلائم هذا القول القول بأن قاذورات الخلق وأرواثهم تعود معهم كما عادت قاذورات مقتول بني إسرائيل وحمار عزير وطيور إبراهيم (عليهم السلام) معهم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

هذا وما أحرى لمن يتكلم بمثل هذه الكلمات أن يخطّئ من قبله من العلماء ولا سيما الأساطين الأربعة الذين كان عليهم مدار رحى مذهب الشيعة كل في زمانه وهم الحكيم النحرير المدقق مولانا المحقق الطوسي وناموس دهره وزمانه العلامة الحلي والمحدث المؤسس القدسي مولانا المجلسي والناموس الإلهي الكبريائي شيخنا العلامة الإحسائي قدس الله أرواحهم القدسية وطيب تربتهم الزكية فإنه لم يأل جهدا في إساءة الأدب بالنسبة إليهم ونسبتهم إلى الضلال والغواية ومتابعة هوى النفس وغيرها من أمور لست أذكرها، فظن شرا ولا تسأل عن الخبر حتى تمادى به الغي إلى أن اعتذر عن ذلك بعدما تمثل في عدم اتباعهم وعدم التزام السكوت في إبداء ضلالتهم بقوله سبحانه ﴿قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها﴾  الآية، بأن موافقتهم والسكوت عنهم هو خلاف العدل وطريق الأدب التي أمر الله بها لأن الدليل حكم بضلالتهم ، ثم جعل نفسه في ذلك من الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم وحمد الله تعالى على ذلك، وحق لمن يتجاسر هذا التجاسر العظيم أن يعميه الله عن طريق الحق حتى يخربط في كلامه بما لا يخفى قبحه على الصبيان في المكاتب والنسوان في المراتب ويفضحه بأيدي أضعف من أتى من نار آثارهم بقبس أو جذوة بإلقاء عصا تلقف ما يأفكون من حبال الأوهام هو وكل من حذا حذوه والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

وبأمر الله أن هذا الرجل وأشباهه ممن تقدم أو تأخر عنه لفي جهل عريض عن تصور معنى المعاد فكيف بالتصديق به فإنك إذا نظرت في كلماتهم وسمعت لحن مقالاتهم وجدتهم يزعمون أن معنى المعاد استحالة هذه الدار دار الدنيا وما فيها من الأجسام البسيطة والمركبة بدار الآخرة، والمساكين لم يعلموا أن هذا مستلزم لعدم كون دار الآخرة بعد مخلوقة خلق تكوين، والضرورة من ديننا قائمة على خلافه فإن دار الآخرة إنما هي جنة أو نار كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (ليس وراء دنياكم هذه بمستعتب ولا دار إلا جنة أو نار) وقد قامت الضرورة ودلت الأخبار من السنة القطعية على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وكيف لا وقد دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة المعراج الجنة وكشف عن النار فرآها وما كان محض تصور وتخيل كمعراج بعض الملاحدة الذي يدعونه بل كان دخولا ورؤية عن وجود لا عن وجدان وكذا لم يعلموا أن كلا من الدنيا والآخرة عالمان مغايران مستقلان وما هذا حاله يمتنع فيه الاستحالة والانقلاب حكمة، وكذا انتقال أحدهما إلى الآخر بمعنى أن تنتقل الدنيا بما هي عليه من السماوات والأرضين والأوضاع والأحوال إلى دار الآخرة لأنه موجب لتداخل العالمين وتزاحمهما وهوغير معقول فإن الله تعالى حين خلق ملكه وجعله مشتملا على عوالم متعددة لم يجعل في شيء منها ولا فيما بين واحد منها وبين الآخرة خلاء بل ملأ كلا من العوالم مكانه الذي شقه الله بقدرته ووضعه فيه من غير فصل بينهما، فإذا فرض تحرك عالم من مكانه الذي خلق فيه وانتقاله إلى عالم آخر يليه لم يمكن ذلك إلا بأن يتحرك العالم الذي يليه أيضا من مكانه وهكذا إلى أن يصل إلى منتهى العوالم أو يفني الله تعالى أحد العوالم وينقل العالم الآخر إلى مكانه وكلا الأمرين مع عدم تحقق الانتقال المفروض بعد على فرض التسليم غير معقول، أما الأول فلأنه إنما يمكن إذا كان فيما وراء مجموع عالم الإمكان محل خال يمكن أن ينتقل آخر العوالم إليه حتى يمكن تبدل أمكنة سائر العوالم بحسبه وليس وراء مجموع عالم الوجود الذي خلقه الله شيء لا مكان ولا زمان ولا غيرهما بل لا وراء له أصلا إذ ليس وراء ما خلقه الله أمرا حتى يكون مجددا له ويكون هو منتهيا إليه، فأين ينتقل ذلك العالم إلى عالم الوجوب، فلا طريق إليه إلى عالم خارج عما خلقه الله تعالى فليس لنا عالم كذائي لأن الأمر المحقق الموجود منحصر فيما خلقه الله فافهم هذا البيان المردد بالفهم المسدد.

هذا مع ما تقرر في محله من كون الأمكنة الذاتية من مقومات ماهية الشيء فإذا فرض انتقال شيء عن مكانه الذاتي يلزم فناؤه وعدم بقائه ، وأما الثاني فلأن الفناء في مخلوق الحق بمعنى انقلابه ليسا محضا غير معقول لما ذكرنا من عدم وجود عالم وراء مجموع العالم الذي خلقه الله والعالم المخلوق وجود كله لأنه معنى المخلوق فأين العدم الذي تتوهمونه وأين مكانه من ملك الله ؟ فلا معنى للعدم في ملك الله سوى الكسر والصوغ وإبطان ما ظهر وإظهار ما بطن على تفصيل يطول به الكلام.

فليس المراد بالمعاد انتقال عالم من مكانه المخصوص به من الوجود إلى عالم آخر يليه وإنما المراد به انتقال أهل عالم إلى عالم وراءه، بمعنى أن المعادين أصلهم خلق من عالم يسمى هو في العود عالم الآخرة بقول مطلق كما يسمى هو في النزول عالم الذر والتكليف الأول فافهم وتأمل، ثم نزلهم الله تعالى من عالمهم ذلك وكورهم في عوالم متعددة إلى أن وصلوا إلى عالم الدنيا التي نحن فيها الآن وهي آخر العوالم في قوس النزول ، وليس حين نزلوا بقي عالمهم الذي نزلوا منه خاليا منهم وإنما نزلوا نزول اللب إلى القشر بأن تلبسوا بلباس عالم آخر حصلوا بذلك اللباس في ذلك العالم وهكذا إلى آخر العوالم، ألا ترى أنك حين نزلت من عالم الإنسانية وحصلت في عالم النبات وصرت به ذا نفس نامية تنمو بها وتكبر في الأبعاد لم تخرج من إنسانيتك وكونك ذا نفس ناطقة فأنت موجود في عالم إنسانيتك حين أنت حاصل في عالم النبات مشارك لها في الجسم والنفس النباتيين فكذلك ما نحن فيه  نعم كلما نزل النازلون من عالم بطن عالمهم الأول وظهر بالنسبة إليهم العالم الذي نزلوا إليه وهكذا حتى وصلوا إلى أغلظ العوالم وأكثفها وهو العالم الدنيوي دار التكليف والابتلاء والاختبار واستنطاق الطبائع، وإنما نزلهم إلى هذا العالم ليظهر كل منهم من الأعمال الباطنة القلبية والظاهرة الجسمانية ما جبل عليه في عالم الذر بالاختيار فيأخذوا من تلك الأعمال أجنحة يقدرون أن يطيروا بها ويصلوا إلى ما خلقوا منه خلقا ثانيا لمقتضى نتائج أعمالهم فإما إلى عليين وإما إلى سجين ، ومن له غور في العلم المكتوم الطبيعي عرف ما نقول فإن الله عز وجل خلقه من لطفه لعباده مرآة لمعرفة هذه الأمور ولا فرق في ذلك النزول بين الأجسام البسيطة كالسماوات والنجوم والعناصر المركبة كالمواليد فإن لكل  منها أصل من سنخ عالم آخر ولباسا وقشرا من سنخ الدنيا، فإذا أخذ النازلون في الصعود إلى عالمهم الأصلي من طريق النزول بعدما أخذوا أهبتهم من هذه الدار ألقوا ما أخذوا منها فيها ولم يصحبوه معهم لأن ذلك المأخوذ لباس إنما أصل مبدئه هو العالم الذي أخذ منه هو ولا يتجاوز مبدؤه ولا يتعدى إلى عالم آخر بل يبقى فيه ويلحق بأصله لحوق ممازجة وهو معاد ذلك المأخوذ أيضا فينقلون هؤلاء إلى منزل آخر ويحصلون فيه بلباس ذلك العالم واللباس الذي كان لهم في باطن هذا اللباس الدنيوي وقد تلبسوا به في نزولهم ومرورهم إلى ذلك العالم وهو عالم البرزخ في الصعود الذي هو عالم المثال في النزول يعني مقابله لأنه في النزول كالبذر المزروع وفي الصعود كالحبة النابتة منه وكذلك كل عالم من عوالم النزول بالنسبة إلى مقابله في عالم الصعود فافهم وتبصر، فهكذا يصعدون وينتقلون من منزل إلى منزل آخر إلى أن يصلوا إلى عالم الآخرة الذي هو آخر المنازل والمقصد الأصلي والعالم الجامع لأن العوالم النزولية كالحروف الصعودية كالكلمة الجامعة فافهم وتبصر مرة أخرى فإنا لا يسعنا توضيح كل ما نشير إليه في أثناء الكلام لأنه يخرجه عن النسق والضبط، فالعوالم النزولية والصعودية كلها باقية على ما هي عليه في مكانه الذي وضعه الله فيه ولا يحصل في شيء منها تغيير بانتقال من ينتقل منه كما أنك إذا أخذت من بلدك طريقا إلى مكة مثلا وطويت في ذهابك وإيابك المنازل التي في أثناء الطريق لم يحصل بدخولك فيها أو خروجك منها تغير في ماهية ذلك المنزل ولا في مكانه الذي هو واقع فيه وإنما يحصل لك بدخولك لباس من أوضاع ذلك المنزل وهو وضع كونك فيه ونزولك به فإذا ارتحلت عنه خلعت ذلك اللباس وتلبست بلباس حصولك في منزل آخر وبقي ذلك اللباس المخلوع وهو الهيأة الوضعية المخصوصة به في ذلك المنزل الأول ولم تصحبه أنت معك إلى مقصدك لأن مبدأه الأصلي إنما هو من نفس ذلك المنزل فيكون منتهاه أيضا إليه .

والحاصل أن الله تعالى يقول ﴿وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم﴾  ويقول ﴿كما بدأكم تعودون﴾ فأخبر أن للشيء خزائن متعددة قد نزل منها وشبه العود بالبدء فانظر إن كانت العوالم والخزائن التي طواها المخلوقون في نزولهم الذي هو البدء فنيت أو تبدلت بعالم آخر بانتقال المخلوق عنها فقل بمثله في العود وإلا فلا معنى للتوهم المذكور، فعالم الدنيا بجميع ما فيه ظاهر عالم الآخرة والآخرة باطنه ولا ينقلب الظاهر باطنا ولا الباطن ظاهرا بمعنى أن يفنى المنقلب من حيث هو هو ويستحيل بالمنقلب إليه بل الدنيا دنيا أبدا والآخرة آخرة أبدا وكلاهما موجودان حال وجود الآخرة كما أن عالم البرزخ موجود الآن وقد أخبر الله تعالى عنه بقوله ﴿ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾  فالأموات ينتقلون إليه مع أن الدنيا باقية على حالها فكذلك الآخرة التي هي باطن البرزخ، فاستحالة الدنيا إليها حصول للحاصل وهو محال، فالذي في الآيات والأخبار من تبديل الأرض غير الأرض وكشط السماء وطمس النجوم ونسف الجبال وأشباه ذلك ليس المراد بها ما يفهمه القاصرون ، وإنما المراد بها تفكيك التركيب لتخليص الباطن من الظاهر كما في أجسام المواليد وبعد ذلك يجددها الله تعالى عالما جديدا ويخلق فيها مخلوقا على ما يشاء كما ورد في الأخبار ، ففناء هذا العالم إنما هو بالنسبة إلى أهله المنتقلين عنه وإلا فما دخل في ملك الله لا يخرج عنه إذ لا خارج له ولكل العوالم مقام معلوم لا يتعداه إلى غيره لأن ما وراءه ليس بفارغ بل هو مشغول بعالم آخر فافهم .

روى الصدوق في آخر الخصال بسنده عن جابر بن يزيد قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ﴿أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد﴾ فقال : (يا جابر تأويل ذلك أن الله عز وجل إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وأسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جدد الله عز وجل عالما غير هذا العالم وجدد عالما من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلهم لعلك ترى أن الله عز وجل إنما خلق هذا العالم الواحد وترى أن الله عز وجل لم يخلق بشرا غيركم بل والله لقد خلق الله تبارك وتعالى ألف ألف عالم وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الأدميين).

والمراد بالغير المذكور في الحديث الشريف ما أشرنا إليه من تجديدهما بعد بطلان التركيب الأول وكذا المراد بالإفناء ما قررناه لما عرفت من البراهين على بطلان ما زعمه من القاصرين فأين انتقال ما مبدؤه هذه الدنيا إلى الآخرة حتى يصح اعتراض السيد المذكور على هؤلاء الأساطين الأعلام فتدبر ولا تكونن من الإمعة ولا من الذين جعلوا عقولهم القاصرة إماما يقتدى به من غير هدى ولا كتاب منير.

واعلم أن مفتاح هذه العلوم العلم الطبيعي المكتوم، فإنهم يدبرون الأرض بتدبيرهم الخاص ويستخرجون منها الروح والنفس والصبغ ويصعدونها فيتميز به اللطيف الذي هو أصلها من الكثيف الغريب فيعيدون الأرواح والنفوس إلى ذلك اللطيف ويحيونه بها، وأما الكثيف فيلقونه خارج العالم وهو مثال الأجزاء الفضلية المختلطة بأصل الجسد الباقية في الدنيا فإذا ركبوها بعد ذلك التركيب المعتدل لم يأت عليها الموت والفناء وإن تسلطت عليها جميع نيران الدنيا، وإنما وقع من وقع في الضلال في أمثال هذه المقامات من عدم غوره في هذا العلم الإلهي النبوي اللاهوتي الذي هو أخت النبوة وعصمة المروءة وقرة عين العلماء وسرور أفئدة الحكماء والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم والسلام على من اتبع الهدى والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا والصلاة على أشرف الأنبياء وآله البررة الأصفياء .

تم الجزء الأول من كتابنا صحيفة الأبرار بيد مؤلفه العبد المذنب الضعيف محمد تقي الشريف ويتلوه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى العزيز.