كتاب صحيفة الأبرار

 

ميرزا محمد التقي الشريف

 

 

المجلد الثاني

 

 

حديث تزويج علي من فاطمة عليهما السلام

الحديث الأول أمالي الصدوق  حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد  قال :(حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن سلمة بن الخطاب البراوستاني ، عن إبراهيم بن مقاتل قال : حدثني حامد بن محمد عن عمرو ابن هارون عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال : لقد هممت بتزويج فاطمة (عليه السلام) ابنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حينا ، ولم أتجرأ أن أذكر ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإن ذلك اختلج في صدري ليلي ونهاري حتى دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا علي ، قلت : لبيك يا رسول الله .

قال: هل لك في التزويج ؟

قلت : رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم ، وإذا هو يريد أن يزوجني بعض نساء قريش، وإني لخائف على فوت فاطمة فما شعرت بشيء إذ أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لي : أجب النبي وأسرع فما رأينا رسول الله أشد فرحا منه اليوم، قال : فأتيته مسرعا فإذا هو في حجرة أم سلمة فلما نظر إلي تهلل وجهه فرحا وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق .

فقال : أبشر يا علي فإن الله عز وجل قد كفاني ما قد كان همني من أمر تزويجك .

فقلت : وكيف ذلك يا رسول الله .

قال : أتاني جبرئيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها ، فناولنيهما فأخذتهما وشممتهما ، فقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنفل ، فقال : إن الله تبارك وتعالى أمر سكان الجنان من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان كلها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب ، وأمر حور عينها بالقراءة فيها بسورة طه وطواسين ويس وحمعسق ، ثم نادى مناد من تحت العرش : ألا إن اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ألا إني أشهدكم أني قد زوجت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من علي بن أبي طالب رضى مني بعضهما لبعض، ثم بعث الله تبارك وتعالى سحابة بيضاء ، فقطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها، وقامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنة وقرنفلها هذا مما نثرت الملائكة ، ثم أمر الله تبارك وتعالى ملكا من ملائكة الجنة يقال له راحيل - وليس في الملائكة أبلغ منه -فقال : اخطب يا راحيل فخطب بخطبة لم يسمع بمثلها أهل السماء ولا أهل الأرض ، ثم نادى مناد: ألا يا ملائكتي وسكان جنتي باركوا على علي بن أبي طالب (عليه السلام) حبيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة بنت محمد ، فقد باركت عليهما ألا إني (قد) زوجت أحب النساء إلي من أحب الرجال إلي بعد النبيين والمرسلين .

فقال راحيل الملك: يا رب وما بركتك فيهما بأكثر مما رأينا لهما في جنانك ودارك .

فقال عز وجل : يا راحيل إن من بركتي عليهما أن أجمعهما على محبتي وأجعلهما حجة على خلقي ، وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقا ولأنشأن منهما ذرية أجعلهم خزاني في أرضي ومعادن لعلمي ، ودعاة إلى ديني بهم أحتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين ، فأبشر يا علي فإن الله عز وجل أكرمك كرامة لم يكرم بمثلها أحدا ، وقد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن ، وقد رضيت لها بما رضي الله لها فدونك أهلك فإنك أحق بها مني ، ولقد أخبرني جبرئيل أن الجنة مشتاقة إليكما ولولا أن الله عز وجل قدر أن يخرج منكما ما يتخذه على الخلق حجة لأجاب فيكما الجنة وأهلها ، فنعم الأخ أنت ونعم الختن أنت ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضا الله رضا .

قال علي (عليه السلام) : فقلت يا رسول الله بلغ من قدري حتى أني ذكرت في الجنة وزوجني الله في ملائكته،

فقال (عليه السلام) :إن الله عز وجل إذا أكرم وليه وأحبه أكرمه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، فأحياها الله لك ، يا علي.

فقال علي (عليه السلام) : رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي .

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : آمين.

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : إن بعض عبارات الحديث خرج على مقدار ما يحتمله الرواة ، فلا تمجنها أذنك فتنكر الخبر رأسا ، فإنهم يتكلمون بكلمة ويريدون بها سبعين وجها لهم من كلها المخرج.

أعز خلق الله عليه

الثاني كفاية الأثر في النصوص ، أخبرنا الحسين بن محمد بن سعيد الصيرفي قال : حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن شنبوذ ، قال : حدثنا علي بن حمدون ، قال : حدثنا علي بن حكيم الأودي ، قال : أخبرنا شريك عن عبد الله بن سعد عن الحسين بن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: (أخبرني جبرئيل (عليه السلام) لما ثبت الله تبارك وتعالى اسم محمد على ساق العرش قلت : يا رب هذا الاسم المكتوب في سرادق العرش، أرني أعز خلقك عليك ، قال : فأراه الله اثني عشر أشباحا أبدانا بلا أرواح بين السماء والأرض ، فقال : يا رب بحقهم عليك ألا أخبرتني من هم ؟ فقال : هذا نور علي بن أبي طالب ، وهذا نور الحسن ، وهذا نور الحسين ، وهذا نور علي بن الحسين ، وهذا نور محمد بن علي ، وهذا نور جعفر بن محمد،  وهذا نور موسى بن جعفر ، وهذا نور علي بن موسى ، وهذا نور محمد بن علي ، وهذا نور علي بن محمد ، وهذا نور الحسن بن علي ، وهذا نور الحجة القائم المنتظر ، قال : فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ما أحد يتقرب إلى الله عز وجل بهؤلاء القوم إلا أعتق الله رقبته من النار).

من مثل شيعة علي

الثالث كتاب المسلسلات لجعفر بن أحمد بن علي القمي  ، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين ، قال : حدثني أحمد بن زياد بن جعفر، قال : حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي العريضي ،قال :قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن خليل ، قال : أخبرني علي بن محمد بن جعفر الأهوازي ، قال : حدثني بكر بن أحنف ، قال : حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قالت:  حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قلن : حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد (عليهم السلام) ، قالت : حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي عليهما السلام ، قالت : حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين (عليهم السلام) ، قالت : حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي (عليهم السلام) ، عن أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) ، عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ،قالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : (لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة ، فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة وعليها باب مكلل بالدر والياقوت وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله ، وإذا مكتوب على الستر بخ بخ من مثل شيعة علي فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوف وعليه باب من فضة مكلل بالزبرجد الأخضر ، وإذا على الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب محمد رسول الله علي وصي المصطفى ، وإذا على الستر مكتوب بشر شيعة علي بطيب المولد فدخلته ، فإذا أنا بقصر من زمرد أخضر مجوف لم أر أحسن منه، وعليه باب من ياقوتة حمراء مكللة باللؤلؤ ، وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر شيعة علي هم الفائزون ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، لمن هذا ؟ فقال : يا محمد لابن عمك ووصيك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، يحشر الناس كلهم يوم القيامة حفاة عراة إلا شيعة علي(عليه السلام)، ويدعى الناس بأسماء أمهاتهم ما خلا شيعة علي (عليه السلام) ، فإنهم يدعون بأسماء آبائهم فقلت : حبيبي جبرئيل ، وكيف ذاك ؟ قال : لأنهم أحبوا عليا فطاب مولدهم).

لا يدخل النار من عرف علي ولا يدخل الجنة من أنكره

الرابع وفيه حدثنا علي بن محمد بن علي العلوي قال : حدثني أحمد ابن زياد بن جعفر عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الريان بن الصلت، قال: ( سمعت مولاي علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) يقول : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد يقول : سمعت أبي محمد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أبي علي بن أبي طالب يقول : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  يقول :سمعت الله جل جلاله يقول : (علي بن أبي طالب حجتي على خلقي ونوري في بلادي وأميني على علمي ، لا أدخل النار من عرفه وإن عصاني ، ولا أدخل الجنة من أنكره وإن أطاعني).

النبي طاهر مطهر

الخامس تهذيب الطوسي  في باب الأغسال عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى عن القاسم بن الصيقل قال : ( كتبت إليه : جعلت فداك هل اغتسل أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) حين غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند موته ؟ فأجابه :النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طاهر مطهر ، ولكن أمير المؤمنين (عليه السلام) فعل وجرت به السنة).

يقول مصنف هذا الكتاب : مرجع الضمير في قوله كتبت إليه علي بن محمد الهادي (عليهم السلام) ؛ لأن القاسم الصيقل من أصحابه (عليه السلام) كما صرح به أهل الرجال.

حديث المفضل مع الإمام الصادق في بعض أسرار الخلقة

السادس يروى عن الشيخ الثقة أبي الحسين محمد بن علي الحلي عن شيخه السند إلى أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي ، قال : حدثني جعفر ابن مالك الفرازي الكوفي عن عبيد الله بن يونس الموصلي عن محمد بن صدقة العنبري عن محمد بن سنان الزاهرى عن صفوان بن يحيى الكوفي عن المفضل بن عمر الجعفي قال : (قلت لمولانا الصادق (عليه السلام) : الوعد منه كذا إلى مه - وقد خلوت به  فوجدت منه فرصة أتمناها - أسألك يا مولاي عما جرى في خاطري من ظهور المعنى لخلقه بصورة مرئية ، فهل الذات تتصور أو تتجزأ أو تتبعض أو تحول عن كيانها ، أو تتوهم في العقول بحركة أو سكون ؟ وكيف ظهور الغيب الممتزج بخلق ضعيف ؟ وكيف يطيق المخلوق النظر إلى الخالق مع ضعف المخلوق ؟.

فقال : يا مفضل إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، يا مفضل علمنا صعب مستصعب، وسرنا وعر بعيد على اللسان أن يترجم عنه إلا تلويحا، وما يعرف شيعتنا إلا بحسب درايتهم لنا ومعرفتهم بنا ، وسحقا لمن يروي ما لا يدري ويعتقد ما لا يتصرف في عقل ولا يتضح في لب ، وذلك إيمان اللسان ووعر الحواس ، والحجة فيه على صاحبه وذلك أن القرآن نزل على إياك أعني واسمعي يا جارة ، فاستمع لما يوحى إليك ، وانظر بعين عقلك ، وانصب بنور لبك ، واسمع وع ، فقد سألت عن بيان عظيم وحق يقين ، وسألقي عليك منه سؤالا ثقيلا ؛ وهو الذي ضل في معرفته أكثر الخلق إلا من رحم ربك إنه هو الغفور الرحيم ، وما أنبأ به الباقر (عليه السلام) لجابر من الوعر الأوعر الذي خفي عن سائر العالم إلا عن صفوة المختصين والبلغاء المستحفظين الذين أخلصوا واختصوا وشهدوا الحق بما عملوا وصدقوا بما عاينوا ، كما ذكر في التنزيل قول السيد ألا من شهد بالحق وهم يعلمون أنه الحق والأمر يا مفضل لطيف، وسر هذا العلم غامض .

واعلم أن الذات تجل عن الأسماء والصفات غيب ممتنع لا يمتنع عنه باطن ولا يستر عنه خفي لطيف ولا شيء أعظم منه موصوف باتصافه له ، مشهور بآياته معروف بظهوراته كان قبل القبل إذ لا قبل ، وقبل أن يحيث الحيث بحيث لا حيث غيره ، وقبل المكان إذ لا مكان إلا ما كونه وهو إلى مالا نهاية له ، لا يحول عن حال ولا عما كان منه من كيانه ولا يفتقر إلى شيء فيستعين به ، ولا انتسب إلى غيره فيعرف به بل هو حيث هو وحيث كان فلم يكن إلا هو ، يا مفضل إن الظهور تمام البطون والبطون تمام الظهور والقدرة والقوة تمام الفعل ، ومتى لم تكن كليات الحكمة تامة في بطونها تامة في ظهورها كانت الحكمة ناقصة من الحكيم وإن كان قادرا .

قال المفضل : قلت زدني يا مولاي شرحا يحيا به من قرب وتقرب من مشى بنورك وعرفك حقيقة المعرفة .

فقال (عليه السلام) : يا مفضل إن ظهور الأزل بين خلقه عجيب لا يعلم ذلك إلا عالم خبير ، وإن الذات لا يقال لها نور لأنها منيرة كل نور فلما شاء من غير فكر ولا وهم إظهار المشية وخلق المشية للشيء وهما الميم والشين ، فأشرق من ذاته نور شعشعاني لا تثبت له الأنوار غير بائن عنه ، فأظهر النور الضياء لمن تبين منه ، وأظهر الضياء ظلا فأقام صورة الموجود بنفي الضياء والظل، وجعل النور باطنه ، والذات منه مبدؤها، وكذلك الاسم غير متحد بنوره، ما رأى خلقه بخلقه ، فإذا بطن ففي ذاته وغيبه ، والذي ليس شيء كهو إلا هو فتعالى الله العظيم .

يا مفضل وسألت عن المشية كيف أبدأها منشيها ، فافهم ما أنا ذاكره لك يا مفضل ، فقد سألت عن أمر عظيم إن مولاك القديم الأزل تعالى ذكره يبدي مشيته لم يزل لها عالما ، وكانت تلك إرادة من غير همة ولا حدوث فكرة ، ولا انتقال من سكون إلى حركة ولا حركة إلى سكون؛ لأن القدرة طباعه وذلك أنه يظهر المشية التي هي اسمه ودل بها إلى ذاته لا لحاجة منه إليه ولا غيب به فلما بدت بطبع الحكمة عند إرادته يكون الاسم والعلم بأن الحكمة إظهار ما في الكيان إلى العيان ، ولو لم يظهر ما علمه من غامض علمه إلى وجود معاينة بعضها لبعض لكان ناقصا ، والحكمة غير تامة لأن تمام القوة الفعل وتمام العلم المعلوم وتمام الكون المكون ، فافتح يا مفضل قلبك لكلام إمامك ، واعلم أن النور لم يكن باطنا في الذات فظهر منه ، ولا ظاهرا منه فبطن فيه، بل النور من الذات بلا تبعيض وغائب في غيبه بلا استتار ومشرق منه بلا انفصال كالشعاع من القرص ، والنور من الشعاع لمولاك ، يا مفضل اخترع الاسم الأعظم والمشية التي أنشأت الأشياء ولم يكن للنور عند اختراعه الاسم زيادة ولا نقصان ، والاسم من نور الذات بلا تبعيض ، وظاهره بلا تجزي يدعو إلى مولاه ويشير إلى معناه ، وذلك عند تغير كل ملة لإثبات الحجة وإظهار الدعوة ليثبت على المقر إقراره ويرد على الجاحد إنكاره ، وإن غاب المولى عن أبصار خلقه فهم المحجوبون بالغيبة الممتحنون بالصورة .

يا مفضل الذي ظهر به الاسم ضياء نوره وظل ضيائه الذي تشخص به الخلق لينظروه ، ودلهم على باريه ليعرفوه بالصورة التي هي صفة النفس والنفس صفة الذات والاسم مخترع من نفس نور الذات ، ولذلك سمي نفسا ولأجل ذلك قوله ﴿ويحذركم الله نفسه﴾ ، وأنا أحذركم أن يجعل محمدا مصنوعا لكان الذات محدثا مصنوعا ، وهذا هو الكفر الصراح .

واعلم يا مفضل أنه ليس بين الأحد والواحد إلا كما بين الحركة والسكون، أو بين الكاف والنون لاتصاله بنور الذات قائمة بذاتها ، وهو قوله تعالى ﴿ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا﴾ يعني ما كان فيه من الذات ، فالصورة الأنزعية هي الضياء والظل، وهي التي لا تتغير في قديم الدهور ، ولا فيما يحدث من الأزمان فظاهره صورة الأنزعية وباطنه المعنوية وتلك الصورة هيولى الهيولات وفاعلة المفعولات وأس الحركات وعلة كل علة لا بعدها سر ولا يعلم ما هي إلا هو ويجب أن يعلم .

يا مفضل أن الصورة الأنزعية التي قالت ظاهري إمامة ووصية، وباطني غيب منيع لا يدرك ليست كلية الباري ولا الباري سواها ، وهي هو إثباتا وإيجادا وعيانا ويقينا لا هي هو كلا ولا جمعا ولا إحصاء ولا إحاطة .

قال المفضل : قلت يا مولاي ، زدني شرحا فقد علمت من فضلك ونعمك ما أقصر عن صفته .

قال : يا مفضل سل عما أحببت .

قلت : يا مولاي تلك الصورة التي رأيت على المنابر تدعو من ذاتها إلى ذاتها بالمعنوية ، وتصرح باللاهوتية قلت لي إنها ليست كلية الباري ولا الباري غيرها ، فكيف يعلم بحقيقة هذا القول ؟

قال : يا مفضل تلك بيوت النور ، وقمص الظهور ، وألسن العبارة ، ومعدن الإشارة ، حجبك بها عنه، ودلك منها إليه ، لا هي هو ولا هو غيرها، محتجب بالنور ، ظاهر بالتجلي كل يراه بحسب معرفته ، وينال على مقدار طاعته ، فمنهم من يراه قريبا ، ومنهم من يراه بعيدا ، يا مفضل إن الصورة نور منير ، وقدرة قدير ، ظهور مولاك رحمة لمن آمن به وأقر ، وعذاب على من جحد وأنكر ، ليس وراءه غاية ولا له نهاية .

قلت : يا مولاي فالواحد الذي هو محمد .

فقال : هو الواحد إذا سمي ، ومحمد إذا وصف .

قلت : يا مولاي فعلي منه باين كذا غير المعنى كذا وصف اسمه.

 فقال : ألم تسمع إلى قوله ظاهري إمامة ووصية وباطني غيب لا يدرك .

قلت : يا مولاي فما باطن الميم؟

فقال (عليه السلام) :نور الذات ، وهو أول الكون ، ومبدء الخلق ، ومكون لكل مخلوق، ومتصل بالنور ، منفصل لمشاهدة الظهور ، إن بعد فقريب وإن نأى فمجيب، وهو الواحد الذي أبداه الأحد من نوره ، والأحد لا يدخل في عدد والواحد أصل الأعداد ، وإليه عودها وهو المكنون .

قلت : يا مولاي يقول السيد الميم: أنا مدينة العلم وعلي باطنها .

فقال : يا مفضل إنما عنى تسلسل الذي سلسل من نوره ، فمعنى قوله (عليه السلام) : وعلي بابها يعني أنه هو أعلى المراتب وباب الميم ومنه يدخلون إلى المدينة ، وعلم العلم وهو المترجم بما يمده سيده من علم الملكوت وجلال اللاهوت .

فقلت : يا مولاي يقول السيد الميم : أنا وعلي كهاتين ، لا أدري يمينا ولا شمالا ، وأقرن بين سبابيته .

فقال : يا مفضل ليس يقدر أحد من أهل العلم يفصل بين الاسم والمعنى غير أن المعنى فوقه ؛ لأنه من نور الذات اخترعه فليس بينه وبين النور فرق ولا فاصل ، ولأجل ذلك قال : أنا وعلي كهاتين - إشارة منه إلى العارفين - أن ليس هناك فصل ولو كان بينه وبينه فصل لكان شخصا غيره هذا هو الكفر الصراح ، أما سمعت قوله ﴿أن يفرقوا بين الله ورسله﴾ وقوله ﴿ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل﴾ وإيماؤها للعارفين أن يقال: إن الله بينه وبين بابه واسطة، ولأجل هذا قال : أنا وعلي كهاتين لأنه بدء الأسماء وأول من تسمى، فمن عرف الإشارة استغنى عن العبارة ، ومن عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة، ألم تسمع إلى إشارة الاسم إلى مولاه تصريحا بغير تلويح ، حيث يقول: أنت كاشف الهم عني وأنت مفرج كربتي وأنت قاضي ديني وأنت منجز وعدي ، ثم يكشف عن اسمه الظاهر بين خلقه فيقول : أنت علي، إشارة منه إلى مولاي ، فكانت الإشارة إلى بابه : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليقصد الباب)، انتهى الحديث الشريف.

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: وجدت نسخة هذا الحديث عند بعض السادة الإجلاء الموثقين من أهل العلم ، وحدثني السيد المذكور أنه دخل على بعض الأعاظم من أساطين العلماء أيام تلمذه عنده، قال : فوجدت بيده وريقات ينظر فيها نظر المتفكر المتدبر في مطاويها ، فعلمت أنه شيئا طريف فمنعني الحجب عن السؤال عما فيها، فأشرت إلى شخص قاعد عنده أن يطلبها لي منه فطلبها ، فأبى أن يعطيها فاشتد شوقي إليها فراجعت في الالتماس، وألححت في ذلك إلحاحا شديدا فلم يجد بدا من إجابتي ، فناولنيها فإذا فيها هذا الحديث فاستأذنته في الاستنساخ ، فأذن لي وأوصاني بحفظه وعدم إذاعته ، فاستنسخته من تلك النسخة ، وأنا كتبته من نسخة السيد المذكور غير أن النسخة كانت سقيمة لا تخلو عن تصحيف وتحريف ، كما ترى ثم إني وقفت منه على ثلاث نسخ أخرى وهي أيضا لا تخلو عن سقم وتصحيف ، بل كانت أشد تصحيفا من نسختي ، فقابلت النسخ بعضها ببعض فصححت ما عندي منها بقدر ما أمكن من ذلك ، وبقي بعد أغلاط كانت النسخ فيها متفقة فنقلته على ما هو عليه ، فالمأمول من الأخوان إن وقفوا بعد ذلك على نسخة صحيحة أن يصححوه ويصلحوه هذا حال هذا الخبر عندنا من حيث الإسناد، وهو كما ترى مسلوك بالنسبة إلينا في سلك المراسيل ولكنه غير ضائر عندنا لشهادة متن الخبر على صدوره عن معدن العصمة والولاية ، فإن اللحن لحنهم (عليهم السلام) لاشك فيه ولا شبهة تعتريه والرجل كل الرجل من يعرف الرجال بالمقال لا المقال بالرجال .

وبالجملة أنا لا أشك في ذلك ولا أرتاب ولا أتوقف ، وليس لأحد أن يعترض علي في ذلك إذ لا حجة لمن لا يعلم على من يعلم ، ولا وحشة في بعض عباراته المتشابهة عند غير أهله بعد إمكان ردها إلى المحكمات ثم إن الخبر لصعوبة معانيه كان يقتضي تعقيبه ببعض التوضيحات غير أني أعرضت عن ذلك لسقم النسخة، وفي نفسي إن وفقني الله تعالى منه بنسخة صحيحة أن أكتب له شرحا مستقلا وافيا إن شاء الله تعالى.

لا يحل لأحد أن أن يجنب في المسجد إلا أهل العصمة

السابع أمالي الصدوق  حدثنا محمد بن عمر البغدادي قال :حدثني الحسن بن عبد الله بن محمد بن علي التميمي قال :حدثني أبي قال حدثني سيدي علي بن موسى بن جعفر ، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر ابن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ،قال:( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد إلا أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، ومن كان من أهلي فإنهم مني). وبهذا الإسناد عن علي (عليه السلام) قال :(قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :سدوا الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب علي (عليه السلام)).

الأئمة يسألون الله فيخلق ويسألونه فيرزق

الثامن غيبة الطوسي  : أخبرنا الحسين بن إبراهيم ، عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب، قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد بن تربك الرهاوي ، قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، أو قال أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي ، قال :( اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا أو يرزقوا، فقال: قوم هذا محال لا يجوز على الله تعالى ؛ لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل ، وقال آخرون : بل الله تعالى أقدر الأئمة على ذلك ، وفوضه إليهم فخلقوا ورزقوا ، وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا ، فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه ، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر (عج) فرضيت الجماعة بأبي جعفر ، وسلمت وأجابت إلى قوله فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، فأما الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم)

سمي علي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد

التاسع تأويل الآيات في كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي حديثا يرفعه إلى حذيفة اليماني قال :(قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو يعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد وقوله تعالى : (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهده على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) وقالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم).  والمحتضر مثله.

علي أمير من في السماء والأرض ومن مضى ومن بقي

العاشر عن إيضاح دفائن النواصب للشيخ الجليل الفقيه أبي الحسن محمد ابن أحمد على بن الحسن بن شاذان قال : حدثنا سهل بن أحمد بن عبد الله عن علي بن عبد الله عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق بن همام ، عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ، قال :(كنا جلوسا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إذ دخل علي بن أبن طالب (عليه السلام)، فقال : السلام عليك يا رسول الله .

فقال : وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .

فقال علي : تدعوني بأمير المؤمنين وأنت حي يا رسول الله .

قال : نعم وأنا حي ، إنك يا علي قد مررت بنا أمس ، وأنا وجبرائيل في حديث ولم تسلم .

فقال جبرائيل : ما بال أمير المؤمنين مر بنا ولم يسلم ؟ أما والله لو سلم لسررنا ورددنا عليه .

فقال علي (عليه السلام) : يا رسول الله رأيتك ودحية استخليتما في حديث فكرهت أن أقطعه عليكما .

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه لم يكن دحية ، وإنما كان جبرئيل (عليه السلام) ، فقلت : يا جبرائيل كيف سميته أمير المؤمنين ؟

فقال : كان الله تعالى أوحى إلي في غزوة بدر أن اهبط إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمره أن يأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يجول بين الصفين ، فإن الملائكة يحبون أن ينظروا إليه وهو يجول بين الصفين ، فسماه الله تعالى من السماء أمير المؤمنين ذلك اليوم فأنت يا علي أمير من في السماء ، وأمير من في الأرض ، وأمير من مضى وأمير من بقي ، ولا أمير قبلك ولا أمير بعدك لأنه لا يجوز أن يسمى بهذا الاسم من لم يسمه الله تعالى به).

الصياد مع موسى والخضر

الحادي عشر كتاب الأربعين لأسعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الأربلي العامي في الحديث الثاني بإسناده عن عمار بن خالد، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن سليمان ، قال : (وجد في ذخيرة أحد حواري المسيح رق فيه مكتوب بالقلم السرياني منقول من التوراة : إنه لما تشاجر موسى والخضر (عليهم السلام) في قصة السفينة والغلام والجدار ، ورجع موسى إلى قومه سأله أخوه هارون (عليه السلام) : عما استعلمه من الخضر (عليه السلام) وشاهده من عجائب البحر، قال: بينا أنا والخضر على شاطئ البحر إذ سقط بين أيدينا طائر أخذ في منقاره قطرة ورمى بها نحو المشرق، وأخذ ثانية ورماها في المغرب، وأخذ ثالثة ورمى بها نحو السماء، ورابعة رماها إلى الأرض، ثم أخذ خامسة وعاد ألقاها في البحر، فبهتنا لذلك فسألت الخضر (عليه السلام) عن ذلك فلم يجب، وإذا نحن بصياد يصطاد فنظر إلينا ، وقال: مالي أراكما في فكر وتعجب من الطائر؟ قلنا: هو ذلك، قال: أنا رجل صياد قد علمت وأنتما نبيان ما تعلمان! قلنا: ما نعلم إلا ما علمنا الله ، قال: هذا طائر في البحر يسمى مسلم ، لأنه إذا صاح يقول في صياحه: مسلم ، فأشار برمي الماء من منقاره إلى السماء والأرض ، والمشرق والمغرب إلى أنه يبعث نبي بعدكما تملك أمته المشرق والمغرب، ويصعد إلى السماء، ويدفن في الأرض، وأما رميه الماء في البحر يقول: إن علم العالم عند علمه مثل هذه القطرة، وورث علمه وصيه وابن عمه، فسكن ما كنا فيه من المشاجرة، واستقل كل واحد منا علمه (بعد أن كنا معجبين بأنفسنا)، ثم غاب الصياد عنا فعلمنا أنه ملك بعثه الله تعالى إلينا ليعرفنا حيث ادعينا الكمال).

تفسير قوله تعالى إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا

الثاني عشر الكافي في باب نص الله ورسوله على الأئمة الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محمد الهاشمي، عن أبيه عن أحمد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا﴾ قال: إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم، الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده الأئمة (عليهم السلام) إلى يوم القيامة، ثم وصفهم الله عز وجل فقال : ﴿الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاة الظهر وقد صلى ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كساه إياها، وكان النجاشي أهداها له، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق على مسكين، فطرح الحلة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها: فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية، وصير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة، يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون والسائل الذي سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) من الملائكة، والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة).

إنا أول أهل بيت نوه الله بأسمائنا

الثالث عشر أمالي الصدوق  حدثنا محمد بن علي ما جيلويه ، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثني سهل بن زياد، عن محمد ابن الوليد، قال: سمعت يونس بن يعقوب يقول عن سنان بن طريف، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : ( إنا أول أهل بيت نوه الله بأسمائنا، أنه لما خلق الله السماوات والأرض أمر مناديا فنادى: أشهد أن لا إله إلا الله ثلاثا، أشهد أن محمدا رسول الله ثلاثا، أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا ثلاثا).

النبي يعطي أمير المؤمنين قبضة من التراب الذين رماه في وجوه المشركين

الرابع عشر عن تفسير العياشي  بإسناده عن عمرو بن أبى المقدام عن علي بن الحسين قال : (ناول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على بن أبي طالب (عليه السلام) قبضة من تراب التي رمى بها في وجوه المشركين، فقال الله : ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾) .

الحوراء الراضية المرضية لأمير المؤمنين عليه السلام

الخامس عشر تفسير علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري بي إلى سبع سماواته أخذ بيدي جبرئيل، فأدخلني الجنة فأجلسني على درنوك من درانيك الجنة، فناولني سفرجلة فانفلقت نصفين ، فخرجت (من بينهما) حوراء فقامت بين يدي فقالت: السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك يا رسول الله ، فقلت : وعليك السلام ، من أنت ؟ فقالت: أنا الراضية المرضية خلقني الجبار من ثلاثة أنواع أسفلي من المسك ووسطي من العنبر وأعلاي من الكافور وعجنت بماء الحيوان ، ثم قال جل ذكره لي : كوني فكنت لأخيك ووصيك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه) .

في سبب نزول إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا

السادس عشر أمالي الصدوق  قال :أخبرني علي بن حاتم  ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا كثير بن عياش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل : ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾الآية، قال: إن رهطا من اليهود أسلموا منهم: عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا، فأتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا نبي الله، إن موسى (عليه السلام) أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله، ومن ولينا بعدك؟ فنزلت هذه الآية ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا ، فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل، أما أعطاك أحد شيئا؟

قال: نعم، هذا الخاتم.

قال: من أعطاك؟

قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي.

قال: على أي حال أعطاك؟

قال: كان راكعا. فكبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكبر أهل المسجد.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : علي بن أبي طالب وليكم بعدي، قالوا: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبعلي بن أبي طالب وليا. فأنزل الله عز وجل ﴿ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾.

فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: والله لقد تصدقت بأربعين خاتما وأنا راكع ، لينزل في ما نزل في علي بن أبي طالب (عليه السلام) فما نزل) .

خبر آخر للتصدق بالخاتم وتحقيق فيه

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب روى جماعة من أصحابنا عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين (عليه السلام) وزنه أربعة مثاقيل حلقته من فضة، وفضته خمسة مثاقيل، وهو من ياقوتة حمراء وثمنه خراج الشام ، وخراج الشام ثلاثمائة حمل من فضة وأربعمائة حمل من ذهب وفي بعض النسخ أربعة أحمال من ذهب ، وكان الخاتم لطوق بن حران قتله أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأخذ الخاتم من إصبعه وأتى به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جملة الغنائم ، وأمره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأخذ الخاتم وأخذ الخاتم وأقبل وهو في إصبعه وتصدق به على السائل في أثناء صلاته خلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)).

هذا ونقل عن سر العالمين للغزالي حكاية طويلة محصلها أن خاتم سليمان بن داود (عليه السلام)  أتي به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعطاه عليا (عليه السلام) فوضعه علي (عليه السلام) في إصبعه ، فحضرت الطير والجان والناس يشاهدون ويشهدون ، ثم دخل الدمرياط الجني وحدثه طويلا فلما كانوا في صلاة الظهر تصور جبرائيل بصورة سائل طائف بين الصفوف ، فبينا هم في الركوع إذ وقف جبرائيل من وراء علي (عليه السلام) طالبا فأشار علي (عليه السلام) بيده ، فطار الخاتم إلى سليمان فضجت الملائكة تعجبا فجاء جبرائيل مهنئا وهو يقول : إنكم أهل بيت أنعم الله عليكم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فسأل عليا (عليه السلام) فقال : علي ما نصنع بنعيم زائل وملك حائل ودنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، هي. وهذا النقل يظهر منه مغايرته لتصدق الخاتم المشهور فتوهم اتحادهما من بعض أصحابنا وهم ، ثم إنه قد يتوهم التناقض بين خبر الحلة الذي نقلناه عن الكافي وبين أخبار الخاتم من جهة ، شأن نزول آية الولاية ولا تناقض لجواز نزولها مرتين كما ورد في سورة الفاتحة أنها نزلت مرتين، ويمكن وجه آخر وهو إعطاء الحلة للملك كما هو صريح خبر الكافي والخاتم للسائل من البشر دفعة واحدة، وعليه فيكون المراد بالحلة معنى باطنيا ولا ينافيه إهداء النجاشي إياها فإن الأعيان الباطنة ربما تتمثل في الظاهر بالصور الجسمانية كتصور جبرائيل بصورة دحية الكلبي ، وتحقيق هذه الأمور على التفصيل مما يطول ، ولا إقبال في القلب إلى ذكره الآن لعدم اجتماع الحواس، وأرجو من أمير المؤمنين الذي تصدق بالخاتم للسائل أن يتصدق علي من فضله وجوده بكشف الهموم ورفع الغموم فإنه القادر على كشف ما منيت به ودفع ما وقعت فيه وهو أهل لذلك وإن لم استوجبه منه صلوات الله عليه وأهل بيته.

إن لنا مع كل ولي لنا أعينا ناظرة لا تشبه أعين الناس

السابع عشر منتخب الطريحي  بحذف الإسناد عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: ( أيها الناس اعلموا وتيقنوا أن لنا مع كل ولي لنا أعينا ناظرة لا تشبه أعين الناس ، وفيها نور من نور الله وحكمة من حكم الله تعالى ليس للشيطان فيها نصيب كل بعيد منها قريب، وأن لنا مع كل ولى أعينا ناظرة وألسنا ناطقة وقلوبا واعية ، وليس يخفى علينا شيء من أعمالكم وأقوالكم وأفعالكم بدليل قوله تعالى:﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ ولو لم يكن كذلك لم يكن لنا على الناس فضل).

ما رآه إبراهيم وما رآه النبي وآله عليهم السلام

الثامن عشر بصائر الدرجات حدثنا أحمد بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن مسكان قال : (قال أبو عبد الله (عليه السلام) ﴿وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين﴾ قال كشط لإبراهيم السماوات السبع حتى نظر إلى ما فوق العرش ، وكشط له الأرض حتى رأى ما في الهواء ، وفعل بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل ذلك وإني لأرى صاحبكم والأئمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك ).

أقول الأخبار في هذا المعنى كثيرة اكتفينا منها بواحد من أرادها فليرجع إلى البصائر وغيره من كتب الأخبار .

علي أول من يدخل الجنة

التاسع عشر العلل حدثنا الحسين بن علي الصوفي  قال : حدثنا أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري قال حدثنا علي بن أحمد التميمي قال: حدثنا محمد بن مروان قال : حدثنا عبدالله بن يحيى قال: حدثنا المحمد بن الحسين بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال : (قال لي رسول الله: أنت أول من يدخل الجنة فقلت : يا رسول الله ، أدخلها قبلك؟ قال: نعم إنك صاحب لوائي في الآخرة كما إنك صاحب لوائي في الدنيا، وحامل اللواء هو المقدم ، ثم قال :يا علي كأني بك وقد دخلت الجنة وبيدك لوائي وهو لواء الحمد تحته آدم ومن دونه).

لم سمي أمير المؤمنين بأمير المؤمنين

العشرون وفيه (حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوى  قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود قال: حدثنا جبرئيل بن أحمد قال: حدثني الحسن بن خرزاد عن محمد بن موسى بن الفرات، عن يعقوب بن سويد، عن جعفر (عليه السلام) قال: ( قلت له :جعلت فداك لم سمي أمير المؤمنين (عليه السلام) أمير المؤمنين؟ قال: لأنه يميرهم العلم أما سمعت كتاب الله عز وجل ﴿ونمير أهلنا﴾).

لم سمي سيف أمير المؤمنين بذي الفقار

الحادى والعشرون وفيه حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني قال: حدثنا محمد بن يعقوب عن علان الكليني رفعه إلى أبى عبد الله (عليه السلام) أنه قال :( إنما سمي سيف أمير المؤمنين ذا الفقار لأنه كان في وسطه خط في طوله، فشبه بفقار الظهر فسمي ذا الفقار بذلك ، وكان سيفا نزل به جبرئيل (عليه السلام) من السماء ، وكانت حلقته فضة ، وهو الذي نادى به مناد من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي).

من وجد برد حبنا على قلبه فليكثر الدعاء لأمه

الثانى والعشرون وفيه حدثنا محمد بن علي ماجيلويه  قال: حدثنا عمي محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي القرشي ، عن محمد ابن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( من وجد برد حبنا على قلبه فليكثر الدعاء لأمه فإنها لم تخن أباه).

ولي علي ولي الله وعدو علي عدو الله

الثالث والعشرون وفيه (حدثنا محمد بن القاسم الاسترابادي قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن يسار عن أبويهما عن الحسن ابن على بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال :( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعض أصحابه ذات يوم : يا عبد الله أحب في الله وأبغض في الله ووال في الله وعاد في الله ؛ فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك ، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتواددون وعليها يتباغضون وذلك لا يغني عنهم من الله شيئا ، فقال له: وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله عز وجل ومن ولي الله عز وجل حتى أواليه، ومن عدوه حتى أعاديه؟ فأشار له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) فقال : أترى هذا ؟ فقال : بلى ، فقال: ولي هذا ولي الله فواله وعدو هذا عدو الله فعاده ، ثم قال: وال ولي هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك).

علي قسيم النار

الرابع والعشرون عن مجالس الطوسي  قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا إبراهيم بن حفص بن عمر العسكري بالمصيصة ، قال: حدثنا عبيد بن الهيثم بن عبيد الله الأنماطي البغدادي بحلب، قال: حدثني الحسن بن سعيد النخعي ابن عم شريك ، قال: حدثني شريك بن عبد الله القاضي ، قال :  )حضرت الأعمش في علته التي قبض فيها ، فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة ، فسألوه عن حاله ، فذكر ضعفا شديدا ، وذكر ما يتخوف من خطيئاته، وأدركته رنة فبكى ، فأقبل عليه أبو حنيفة، فقال: يا أبا محمد ، اتق الله وانظر لنفسك، فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث ، لو رجعت عنها كان خيرا لك. قال الأعمش: مثل ماذا، يا نعمان؟ قال: مثل حديث عباية:  أنا قسيم النار. قال: أو لمثلي تقول يا يهودي ؟ أقعدوني سندوني أقعدوني ، حدثني  والذي إليه مصيري  موسى بن طريف، ولم أر أسديا كان خيرا منه ، قال : سمعت عباية بن ربعي إمام الحي، قال: سمعت عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: أنا قسيم النار ، أقول: هذا وليي دعيه، وهذا عدوي خذيه. وحدثني أبو المتوكل الناجي ، في إمرة الحجاج، وكان يشتم عليا (عليه السلام) شتما مقذعا يعني الحجاج لعنه الله عن أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا كان يوم القيامة يأمر الله عز وجل فأقعد أنا وعلي على الصراط ، ويقال لنا: أدخلا الجنة من آمن بي وأحبكما ، وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما. قال أبو سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما آمن بالله من لم يؤمن بي، ولم يؤمن بي من لم يتول أو قال: لم يحب عليا، وتلا ﴿ألقيا في جهنم كل كفار عنيد﴾. قال فجعل أبو حنيفة إزاره على رأسه، وقال: قوموا بنا، لا يجيئنا أبو محمد بأطم من هذا . قال الحسن بن سعيد: قال لي شريك ابن عبد الله: فما أمسى يعني الأعمش حتى فارق الدنيا  ) . فأقول طوبى لعبد يكون ختم كلامه وزاد يوم قيامة مثل هذا الكلام والسلام.

لو ثنيت لأمير المؤمنين الوسادة لحكم بين أهل كل كتاب بكتابهم

الخامس والعشرون بصائر الدرجات حدثنا إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله البرقي عن خلف بن حماد عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:  قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (لو ثنى الناس لي وسادة كما ثنى لابن صوحان لحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتى يزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت بين أهل الإنجيل بالإنجيل حتى يزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتى يزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت بين أهل الفرقان بالفرقان حتى يزهر ما بين السماء والأرض). 

يقول مصنف هذا الكتاب : من غريب التصحيفات الذي وقع لنساخ البصائر أو رواة الحديث أنهم صحفوا ابن صحاك بابن صوحان حتى آل الأمر إلى أن وقع الشيخ المحدث الشيخ عبد الله البحراني في كتاب الإمامة من كتابه العوالم في عثرات لا تقال فأنه بعد أن ذكر الخبر قال ما هذا لفظه: بيان ذكر ابن صوحان في الخبر غريب ولعله كان ابن أبي سفيان وعلى تقديري كان المراد به لو كان لي بين أصحابي نفاذ أمر وقبول قول كنفاذ أمر صعصعة بن صوحان أو زيد أخيه في قومه ، ثم قال : وفي بعض النسخ كما سأل ابن صوحان أي لو كان سائر أصحابي يسألون ويقبلون كما سأل وقبل ابن صوحان انتهى كلامه. وأنت خبير بأن توجيهات الشيخ هذه أفظع من تصحيف أولئك، فإن الواجب للمحدث في أمثال هذه المقامات الاكتفاء بمجرد أن يقول اللفظ الفلاني غير معلوم المعنى لا الوقوع في مثل هذه التكلفات التي تضحك منها الثكلى فإنه لعمر الله لقبيح غاية القباحة لأنه كلام من هو مبدع البلاغة والفصاحة ، وهذا الذي ذكره هذا الشيخ لا ينطق بمثله البوادي من العجم فضلا عن أفصح العرب، ووجه التصحيف في اللفظ أن هذا اللفظ إذا كتب بالهاء الشقيق هكذا صحاك اشتبه على ضعفاء الناسخين فيحسبون عين الهاء التحتانية واوا والفوقانية حاء فيحسبونه صوحا، ثم إن اشتباه صورة الكاف بالنون في الخطوط المقرمطة معلوم ، فأذا صحفوا الكاف أيضا بالنون صار صوحان وباقي كلامه  أهجن من سابقه.

حديث أمير المؤمنين مع الدهقان

السادس والعشرون الاحتجاج عن سعيد بن جبير قال : (استقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) دهقان من دهاقين الفرس فقال له - بعد التهنئة -: يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطالعات ، وتناحست السعود بالنحوس ، وإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء ، ويومك هذا يوم صعب، قد انقلب فيه كوكبان ، وانقدح من برجك النيران ، وليس الحرب لك بمكان.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ويحك يا دهقان المنبئ بالآثار ، المحذر من الأقدار، ما قصة صاحب الميزان ، وقصة صاحب السرطان ، وكم المطالع من الأسد والساعات من المحركات ، وكم بين السراري والدراري ؟

قال: سأنظر وأومأ بيده إلى كمه ، وأخرج منه إسطرلابا ينظر فيه.

فتبسم (عليه السلام) فقال: أتدري ما حدث البارحة ؟ وقع بيت بالصين، وانفرج برج ماجين ، وسقط سور سرانديب ، وانهزم بطريق الروم بأرمينية ، وفقد ديان اليهود بإيلة، وهاج النمل بوادي النمل ، وهلك ملك إفريقية ، أكنت عالما بهذا ؟

قال: لا يا أمير المؤمنين.

فقال : البارحة سعد سبعون ألف عالم ، وولد في كل عالم سبعون ألفا ، والليلة يموت مثلهم ، وهذا منهم وأومأ بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي وكان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) فظن الملعون أنه يقول: خذوه، فأخذ بنفسه فمات، فخر الدهقان ساجدا.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ألم أروك من عين التوفيق؟

قال: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنا وصاحبي لا شرقي ولا غربي، نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك ، أما قولك انقدح من برجك النيران فكان الواجب أن تحكم به لي لا علي، أما نوره وضياؤه فعندي، وأما حريقه ولهبه فذهب عني، وهذه مسألة عميقة احسبها إن كنت حاسبا).

تحقيق لطيف في علم أهل البيت عليهم السلام بالنجوم

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : إن هذه القضية رويت بعبارات وأنحاء مختلفة ، وعسى أن نوردها بطريق آخر في قسم المعجزات إن شاء الله تعالى لاشتمالها على ما هو أغرب مما هاهنا من المعجزة، ثم إن هذا الحديث وما في معناه من الأخبار يعطي صحة علم النجوم ، وأن لأوضاعها أثرا في العالم السفلي غير أن ما عند الناس من ذلك ناقص لا يفي بجميع الأحكام ، وأما إنكار بعض أصحابنا لذلك من جهة بعض الأخبار الموهمة لذلك في بادئ النظر فهو ناش من قلة التدبر في معانيها، وأنها إنما وردت في إنكار من يجعلها مؤثرات من دون الله أو أنها إذا اقتضت أثرا فلا يمكن تغييره فإن كلا الاعتقادين فاسدان مؤديان إلى إنكار قدرة الله وتصرفه في ملكه كيف يشاء من محو ما يثبت وإثبات ما يمحو ؛ لأنه سبب من لا سبب له ومسبب الأسباب من غير سبب وأسبابه تعالى ليست منحصرة في الأوضاع النجومية وأما بعد الإقرار بذلك فلا وجه لإنكار تأثيرها بوجه وإلا لوجب إنكار تأثير جميع الأسباب العلوية والسفلية والغيبية والشهادية ، وهو مؤد إلى السفسطة واختيار مذهب الأشاعرة الذى عده الإمامية من جملة المطاعن عليهم فكيف يختاره من يدعي مذهب التشيع هذا مع ما ورد في إثبات التأثير لها من الأخبار المعصومية ما لا يحصى كثرة ، وطرحها أو تأويلها بما لا دلالة لها في الظاهر عليها تكلف مستغنى عنه ، ولولا أداء الكلام في ذلك إلى التطويل لأشبعنا فيه القول ولكنه خارج عن موضوع كتابنا ولذا اكتفينا بالإشارة والسلام.

مأوى أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين

السابع والعشرين الكافي في كتاب الجنائز عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن ضريس الكناسي قال : (سألت أبا جعفر (عليه السلام) أن الناس يذكرون أن فراتنا يخرج من الجنة ، فكيف هو وهو يقبل من المغرب وتصب فيه العيون والأودية ؟

قال : فقال : أبو جعفر (عليه السلام) وأنا أسمع : إن لله جنة خلقها الله في المغرب وماء فراتكم يخرج منها ، وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كل مساء فتسقط على ثمارها وتأكل منها وتتنعم فيها وتتلاقى وتتعارف ، فإذا طلع الفجر هاجت من الجنة فكانت في الهواء فيما بين السماء والأرض تطير ذاهبة وجائية ، وتعهد حفرها إذا طلعت الشمس وتتلاقى في الهواء وتتعارف .

قال : وإن لله نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار ويأكلون من زقومها ويشربون من حميمها ليلهم ، فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن يقال له برهوت أشد حرا من نيران الدنيا ، كانوا فيها يتلاقون ويتعارفون فإذا كان المساء عادوا إلى النار فهم كذلك إلى يوم القيامة ،

قال: قلت : أصلحك الله فما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم.

فقال: أما هؤلاء فإنهم في حفرهم لا يخرجون منها ، فمن كان منهم له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة ، فإنه يخد له خد إلى الجنة التي خلقها الله في المغرب ، فيدخل عليه منها الروح في حفرته إلى يوم القيامة فيلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته، فإما إلى الجنة وإما إلى النار فهؤلاء موقوفون لأمر الله قال، وكذلك يفعل الله بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم.

فأما النصاب من أهل القبلة فإنهم يخد لهم خد إلى النار التي خلقها الله في المشرق ، فيدخل عليهم منها اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ، ثم مصيرهم إلى الحميم ثم في النار يسجرون، ثم قيل لهم أينما كنتم تدعون من دون الله أين إمامكم الذي اتخذتموه دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما).

لا تفارق روح جسد حتى تأكل من ثمار الجنة أو الزقوم

الثامن والعشرين الفصول المهمة في أصول الأئمة لشيخنا محمد بن الحسن الحر العاملي عن بشارة المصطفى لمحمد بن أبي القاسم الطبري عن محمد بن أحمد بن شهريار عن محمد بن محمد النوسي عن محمد بن علي القرشي عن جعفر بن محمد بن عمر الأحمسي عن عبيد بن كثير الهلالي عن يحيى بن مساور عن أبي الجارود عن أبي جعفر عن آبائه (عليهم السلام) وعن أبي خالد الواسطي عن زيد بن علي عن أبيه (عليه السلام) قالوا : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (والذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتى تأكل من ثمار الجنة أو من شجرة الزقوم، وحين ترى ملك الموت تراني وترى عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فإن كان يحبنا قلت يا ملك الموت ارفق به إنه كان يحبني ويحب أهل بيتي وإن كان يبغضنا قلت: يا ملك الموت شدد عليه إنه كان يبغضني ويبغض أهل بيتي).

لا يموت المؤمن حتى يرى مسكنه في الجنة

التاسع والعشرين وفيه عن تفسير العياشي عن عبد الرحيم قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : (إنما يغتبط أحدكم حين تبلغ نفسه هاهنا فينزل عليه ملك الموت، فيقول له : أما ما كنت ترجو فقد أعطيته، وأما ما كنت تخافه فقد أمنت منه، ويفتح له باب إلى منزله من الجنة، ويقال له : انظر إلى مسكنك من الجنة ، وانظر هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) رفقاؤك وهو قول الله ﴿الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾).

لا يموت أحد من جميع الأديان حتى يرى رسول الله وأمير المؤمنين

الثلاثون وفيه عن العياشي عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله :(وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) قال: ليس من أحد من جميع الأديان يموت إلا رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) حقا من الأولين والآخرين) .

لا يكره المؤمن على قبض روحه

الحادي والثلاثون الكافي في كتاب الجنائز عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن أبيه عن سدير الصيرفي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ، جعلت فداك يا ابن رسول الله ، هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال : لا والله إنه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت : يا ولي الله لا تجزع فو الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأنا أبر بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر .

قال : ويمثل له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم (عليهم السلام) ، فيقال له هذا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام) رفقاؤك ، قال : فيفتح عينيه فينظر ، فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول : يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد وأهل بيته ارجعي إلى ربك راضية بالولاية مرضية بالثواب فادخلي في عبادي يعني محمدا وأهل بيته وادخلي جنتي، فما شيء أحب إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي) .

ما يعاين المؤمن عند الموت

الثاني والثلاثون وفيه عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الأمر الذي أنتم عليه ، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه إلا أن تبلغ نفسه إلى هذه ، ثم أهوى بيده إلى الوريد ثم اتكأ ، وكان معي المعلى فغمزني أن أسأله .

فقلت :يا بن رسول الله فإذا بلغت نفسه هذه أي شيء يرى ، فقلت له : بضع عشرة مرة أي شيء ، فقال في كلها يرى ، ولا يزيد عليها ، ثم جلس في آخرها . فقال : يا عقبة .

فقلت: لبيك وسعديك .

فقال : أبيت إلا أن تعلم .

فقلت : نعم يا بن رسول الله إنما ديني مع دينك ، فإذا ذهب ديني كان ذلك كيف لي بك يا بن رسول الله كل ساعة وبكيت فرق لي .

فقال : يراهما والله .

فقلت : بأبي وأمي من هما ؟

قال : ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) ، يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتى تراهما .

قلت : فإذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدنيا؟

فقال : لا ، يمضي أمامه ، إذا نظر إليهما مضى أمامه .

فقلت له : يقولان شيئا ؟

قال: نعم يدخلان جميعا على المؤمن ، فيجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند رأسه ، وعلي (عليه السلام) عند رجليه ، فيكب عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيقول : يا ولي الله أبشر أنا رسول الله ، إني خير لك مما تركت من الدنيا ، ثم ينهض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقوم علي (عليه السلام) حتى يكب عليه ، فيقول : يا ولي الله أبشر أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبه ؛ أما لأنفعنك ، ثم قال إن هذا في كتاب الله عز وجل .

قلت : أين جعلني الله فداك هذا من كتاب الله .

قال : في يونس قول الله عز وجل هاهنا ﴿الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم﴾) .

حديث آخر مثله

الثالث والثلاثون وفيه علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن خالد بن عمارة عن أبي بصير قال:  قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن شاء الله ، فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن يمينه والآخر عن يساره ، فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أما ما كنت ترجو فهو ذا أمامك، وأما ما كنت تخاف منه فقد أمنت منه ، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقول : هذا منزلك من الجنة فإن شئت رددناك إلى الدنيا ، ولك فيها ذهب وفضة ، فيقول : لا حاجة لي في الدنيا . فعند ذلك يبيض لونه ويرشح جبينه وتقلص شفتاه وتنتشر منخراه وتدمع عينه اليسرى ، فأي هذه العلامات رأيت فاكتف بها ، فإذا خرجت النفس من الجسد فيعرض عليها كما عرض عليه وهي في الجسد، فتختار الآخرة فتغسله فيمن يغسله ، وتقلب فيمن يقلبه، فإذا أدرج في أكفانه ووضع على سريره خرجت روحه تمشي بين أيدي القوم قدما ، وتلقاه أرواح المؤمنين يسلمون عليه ويبشرونه بما أعد الله له جل ثناؤه من النعيم ، فإذا وضع في قبره رد إليه الروح إلى وركيه، ثم يسأل عما يعلم ، فإذا جاء بما يعلم فتح له ذلك الباب الذي أراه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيدخل عليه من نورها وضوئها وبردها وطيب ريحها ، قال : قلت: جعلت فداك ، فأين ضغطة القبر ؟ فقال : هيهات ما على المؤمنين منها شيء ، والله إن هذه الأرض لتفتخر على هذه ، فتقول : وطئ على ظهري مؤمن ولم يطأ على ظهرك مؤمن ، وتقول له الأرض : والله لقد كنت أحبك وأنت تمشي على ظهري فأما إذا وليتك فستعلم ماذا أصنع بك فتفسح له مد بصره).

حديث آخر مثله

الرابع والثلاثون وفيه أبان بن عثمان عن عقبة أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الرجل إذا وقعت نفسه في صدره يرى .

قلت : جعلت فداك وما يرى ؟

قال : يرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيقول له رسول الله : أنا رسول الله أبشر ثم قال: ثم يرى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فيقول : أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبه ، تحب أن أنفعك اليوم .

قال :قلت له : أيكون أحد من الناس يرى هذا ؟ ثم يرجع إلى الدنيا.

قال : لا إذا رأى هذا أبدا مات وأعظم ذلك  قال : وذلك في القرآن قول الله عز وجل ﴿الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله﴾).

المعادي أيضا يرى أمير المؤمنين

الخامس والثلاثين وفيه عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن بن أبي يعفور ، قال : كان خطاب الجهني خليطا لنا ، وكان شديد النصب لآل محمد (عليهم السلام) ، وكان يصحب نجدة الحروري قال: فدخلت عليه أعوده للخلطة والتقية ، فإذا هو مغمى عليه في حد الموت ، فسمعته يقول : ما لي ولك يا علي ، فأخبرت بذلك أبا عبد الله (عليه السلام) ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : رآه ورب الكعبة رآه ورب الكعبة).

أمير المؤمنين يحضر زكريا بن سابور عند موته

السادس والثلاثين وفيه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب عن سعيد بن يسار(ح) الكشي محمد ابن مسعود قال حدثني جعفر بن أحمد بن أيوب قال حدثني العمركي عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب عن سعيد بن يسار بأيسر مغايرة في اللفظ واللفظ للأول  أنه حضر أحد ابني سابور وكان لهما فضل وورع وإخبات، فمرض أحدهما وما أحسبه إلا زكريا بن سابور ، قال : فحضرته عند موته فبسط يده ، ثم قال : ابيضت يدي يا علي ، قال : فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، وعنده محمد بن مسلم ، قال : فلما قمت من عنده ظننت أن محمدا يخبره بخبر الرجل ، فأتبعني برسول فرجعت إليه ، فقال : أخبرني عن هذا الرجل الذي حضرته عند الموت ، أي شي‏ء سمعته يقول ؟ قال : قلت : بسط يده ثم قال : ابيضت يدي يا علي ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : والله رآه والله رآه والله رآه) .

أغبط ما يكون المؤمن لما تبلغ نفسه

السابع والثلاثين وفيه  أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن أبي المستهل عن محمد بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلت فداك حديث سمعته من بعض شيعتك ومواليك يرويه عن أبيك ، قال : وما هو ؟ قلت : زعموا أنه كان يقول أغبط ما يكون امرؤ بما نحن عليه إذا كانت النفس في هذه ، فقال : نعم إذا كان ذلك أتاه نبي الله وأتاه علي وأتاه جبرئيل وأتاه ملك الموت (عليهم السلام) ، فيقول ذلك الملك لعلي (عليه السلام) : يا علي إن فلانا كان مواليا لك ولأهل بيتك ، فيقول : نعم كان يتولانا ويتبرأ من عدونا ، فيقول : ذلك نبي الله لجبرئيل فيرفع ذلك جبرئيل إلى الله عز وجل) .

مكان أرواح المؤمنين

الثامن والثلاثين وفيه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن القاسم بن محمد عن الحسين بن أحمد عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال : ما يقول الناس في أرواح المؤمنين ؟ فقلت : يقولون تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : سبحان الله ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، يا يونس إذا كان ذلك أتاه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) والملائكة المقربون (عليهم السلام) ، فإذا قبضه الله عز وجل صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا، فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا) .

يسأل الميت في قبره عن خمس

التاسع والثلاثين وفيه عن علي بن محمد عن محمد بن الأحمد الخراساني عن أبيه رفعه قال : ( قال أبو عبد الله (عليه السلام) : يسأل الميت في قبره عن خمس عن صلاته وزكاته وحجه وصيامه وولايته إيانا أهل البيت ، فتقول الولاية من جانب القبر للأربع : ما دخل فيكن من نقص فعلي تمامه) .

حال المؤمن وحال الكافر عند الاحتضار

الأربعون وفيه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى ،  عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان قال : حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : منكم والله يُقبل ، ولكم والله يغفر ، إنه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه هاهنا - وأومأ بيده إلى حلقه - ثم قال : إنه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) وجبرئيل وملك الموت (عليه السلام) ، فيدنو منه علي (عليه السلام) فيقول: يا رسول الله إن هذا كان يحبنا أهل البيت فأحبه ، ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا جبرئيل إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه، ويقول جبرئيل لملك الموت : إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه وارفق به، فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا ، قال : فيوفقه الله عز وجل؟ فيقول : نعم ، فيقول: وما ذلك؟ فيقول : ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيقول : صدقت أما الذي كنت تحذره فقد آمنك الله منه ، وأما الذي كنت ترجوه فقد أدركته، أبشر بالسلف الصالح مرافقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة (عليهم السلام) ، ثم يسل نفسه سلا رفيقا ، ثم ينزل بكفنه من الجنة وحنوطه من الجنة بمسك أذفر ، فيكفن بذلك الكفن ويحنط بذلك الحنوط، ثم يكسى حلة صفراء من حلل الجنة ، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها وريحانها ، ثم يفسح له عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره، ثم يقال له : نم نومة العروس على فراشها ، أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ورب غير غضبان ، ثم يزور آل محمد في جنان رضوى ، فيأكل معهم من طعامهم ويشرب معهم من شرابهم، ويتحدث معهم في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت ، فإذا قام قائمنا بعثهم الله ، فأقبلوا معه يلبون زمرا زمرا ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المحلون وقليل ما يكونون ، هلكت المحاضير ونجا المقربون من أجل ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : أنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام .

قال : وإذا احتضر الكافر حضره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) وجبرئيل (عليه السلام) وملك الموت (عليه السلام) ، فيدنو منه علي (عليه السلام) فيقول : يا رسول الله إن هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه ، ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا جبرئيل إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه ، فيقول جبرئيل : يا ملك الموت إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه ، فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبد الله أخذت فكاك رهانك ، أخذت أمان براءتك من النار تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا ، فيقول : لا ، فيقول: أبشر يا عدو الله بسخط الله عز وجل وعذابه والنار ، أما الذي كنت تحذره فقد نزل بك ، ثم يسل نفسه سلا عنيفا ، ثم يوكل بروحه ثلاثمائة شيطان كلهم يبزق في وجهه ويتأذى بروحه ، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار ، فيدخل عليه من قيحها ولهبها).

المؤمن والكافر يريان عليا عند الموت

الحادي والأربعون وفيه محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين ابن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن عبد الرحيم قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : حدثني صالح بن ميثم عن عباية الأسدي أنه سمع عليا (عليه السلام) يقول : والله لا يبغضني عبد أبدا يموت على بغضي إلا رآني عند موته حيث يكره ، ولا يحبني عبد أبدا فيموت على حبي إلا رآني عند موته حيث يحب ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : نعم ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باليمين) .

العلة التي من أجلها تدمع عين المؤمن عند موته

الثاني والأربعون وفيه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي ابن الحكم عن معاوية بن وهب عن يحيى بن سابور قال : ( سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في الميت تدمع عينه عند الموت ، فقال : ذلك عند معاينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيرى ما يسره ، ثم قال : أما ترى الرجل يرى ما يسره وما يحب فتدمع عينه لذلك ويضحك).

 

ما يموت أحد إلا ويراهم عليهم السلام

الثالث والأربعون تفسير القمي قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان (يعني عبد الله) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلا ويحضره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) فيسروه ويبشروه ، وإن كان غير موال لنا يراهم بحيث يسوؤه ، والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (لحارث الهمداني) 

يا حـار همـدان من يمـت يرني     

مـــن مؤمـــن أو منافــق قبلا

لا يموت المؤمن حتى يأتيه رسول الله وأمير المؤمنين

الرابع والأربعون عن محاسن البرقي عن محمد بن فضيل عن ابن أبي يعفور قال :  قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : (قد استحييت مما أردد هذا الكلام عليكم ما بين أحدكم وبين أن يغتبط إلا أن تبلغ نفسه هذه ، وأهوى بيده إلى حنجرته يأتيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) فيقولان له : أما ما كنت تخاف فقد آمنك الله منه وأما ما كنت ترجو فأمامك) .

حال السيد الحميري عند موته

الخامس والأربعون عن كشف الغمة لعلي بن عيسى الأربلي  عن الحسين بن عون قال : (دخلت على السيد بن محمد الحميري عائدا في علته التي مات فيها ، فوجدته يساق به ووجدت عنده جماعة من جيرانه وكانوا عثمانية ، وكان السيد جميل الوجه رحب الجبهة عريض ما بين السالفين، فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ، ثم لم تزل تزيد وتنمي حتى طبقت وجهه بسوادها ، فاغتم لذلك من حضره من الشيعة وظهر من الناصبة سرور وشماتة ، فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد وتنمي حتى أسفر وجهه وأشرق وافتر السيد ضاحكا وقال:

كــذب الــزاعمـون أن عليا       

لــيس ينجي محبـه من هنات

‏قد وربي دخلت جنة عدن    

وعفــا لي الإله عن سيئاتي

‏فـأبشروا اليوم أوليـاء علـي       

وتـوالوا الوصي حتى الممات

‏ثــم مـن بعده تولـــوا بنيـــه          

واحدا بعد واحد بالصفات

إلى أن قال : ثم أغمض عينه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة طفئت أو حصاة سقطت.

قال علي بن الحسين : قال أبي الحسين بن عون وكان أذينة حاضرا، فقال: الله أكبر ما من شهد كمن لم يشهد ، أخبرني - وإلا صمّتا - الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر وعن جعفر الصادق (عليهم السلام) أنهما قالا : حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة محمدا وعليا وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهم السلام) بحيث تقر عينها أو تسخن عينها).

محبوا علي يفرحون في ثلا ث مواطن

السادس والأربعون مشارق الأنوار للحافظ الحلي  قال روى المفيد بإسناده عن أم سلمة  قالت : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : يا علي إن محبيك يفرحون في ثلاثة مواطن عند خروج أنفسهم وأنت هناك تشهدهم، وعند المساءلة في القبور وأنت هناك تلقنهم ، وعند العرض على الله وأنت هناك تعرفهم).

المحب يرى عليا حيث يحب

السابع والأربعون عن أمالي الطوسي عن المفيد عن علي بن خالد المراغي عن محمد بن صالح السبيعي عن صالح بن أحمد البزاز عن عيسى ابن عبد الرحمن الخزاز عن الحسن بن الحسين عن يحيى بن علي عن أبان ابن تغلب عن أبي داود الأنصاري عن الحارث الهمداني قال: ( دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال : ما جاء بك ؟ قال : فقلت حبي لك يا أمير المؤمنين. فقال : يا حارث أتحبني ؟ فقلت: نعم والله يا أمير المؤمنين. قال : أما لو بلغت نفسك الحلقوم رأيتني حيث تحب ، ولو رأيتني وأنا أذود الرجال عن الحوض ذود غريبة الإبل لرأيتني حيث تحب ، ولو رأيتني وأنا مار على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرأيتني حيث تحب).

في القبر نعيم وعذاب

الثامن والأربعون تفسير الإمام (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قيل له:(يا  رسول الله ففي القبر نعيم وعذاب قال: إي والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق نبيا، وجعله زكيا، هاديا مهديا، وجعل أخاه عليا بالعهد وفيا، وبالحق مليا ولدى الله مرضيا، وإلى الجهاد سابقا، ولله في أحواله موافقا، وللمكارم حائزا، وبنصر الله على أعدائه فائزا، وللعلوم حاويا، ولأولياء الله مواليا، ولأعدائه مناويا وبالخيرات ناهضا، وللقبائح رافضا وللشيطان مخزيا، وللفسقة المردة مقصيا ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسا، وبين يديه لدى المكاره ترسا وجنة، آمنت به أنا وأخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، عبد رب الأرباب، المفضل على أولي الألباب الحاوي لعلوم الكتاب، زين من يوافي يوم القيامة في عرصات الحساب بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، صفي الكريم العزيز الوهاب إن في القبر نعيما يوفر الله به حظوظ أوليائه وإن في القبر عذابا يشدد الله به على أعدائه.

إن المؤمن الموالي لمحمد وآله الطيبين، المتخذ لعلي بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إمامه الذي يحتذي مثاله، وسيده الذي يصدق أقواله ، ويصوب أفعاله، ويطيعه بطاعة من يندبه من أطائب ذريته لأمور الدين وسياسته، إذا حضره من أمر الله تعالى ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، وحضره ملك الموت وأعوانه، وجد عند رأسه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الله (سيد النبيين) من جانب ، ومن جانب آخر عليا (عليه السلام) سيد الوصيين، وعند رجليه من جانب الحسن (عليه السلام) سبط سيد النبيين، ومن جانب آخر الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء أجمعين، وحواليه بعدهم خيار خواصهم ومحبيهم الذين هم سادة هذه الأمة بعد ساداتهم من آل محمد، فينظر إليهم العليل المؤمن، فيخاطبهم بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت ورؤية خواصنا عن عيونهم، ليكون إيمانهم بذلك أعظم ثوابا لشدة المحنة عليهم فيه. فيقول المؤمن بأبي أنت وأمي يا رسول رب العزة، بأبي أنت وأمي يا وصي رسول رب الرحمة، بأبي أنتما وأمي يا شبلي محمد وضرغاميه، ويا ولديه وسبطيه، ويا سيدي شباب أهل الجنة المقربين من الرحمة والرضوان. مرحبا بكم يا معاشر خيار أصحاب محمد وعلي وولديهما، ما كان أعظم شوقي إليكم ، وما أشد سروري الآن بلقائكم ، يا رسول الله هذا ملك الموت قد حضرني، ولا أشك في جلالتي في صدره لمكانك ومكان أخيك مني. فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : كذلك هو. ثم يقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ملك الموت فيقول : يا ملك الموت استوص بوصية الله في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا. فيقول له ملك الموت : يا رسول الله مره أن ينظر إلى ما قد أعد الله له في الجنان. فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : انظر إلى العلو. فينظر إلى ما لا تحيط به الألباب ، ولا يأتي عليه العدد والحساب. فيقول ملك الموت : كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه، وهذا محمد وعترته زواره ، يا رسول الله لولا أن الله جعل الموت عقبة لا يصل إلى تلك الجنان إلا من قطعها، لما تناولت روحه ، ولكن لخادمك ومحبك هذا أسوة بك وبسائر أنبياء الله ورسله وأوليائه الذين أذيقوا الموت بحكم الله تعالى. ثم يقول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا ملك الموت هاك أخانا قد سلمناه إليك فاستوص به خيرا. ثم يرتفع هو ومن معه إلى ربض الجنان، وقد كشف عن الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل، فيراهم المؤمن هناك بعد ما كانوا حول فراشه. فيقول : يا ملك الموت الوحا، الوحا تناول روحي ولا تلبثني هاهنا، فلا صبر لي عن محمد وعترته وألحقني بهم. فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلها، كما يسل الشعرة من الدقيق، وإن كنتم ترون أنه في شدة فليس في شدة، بل هو في رخاء ولذة. فإذا أدخل قبره وجد جماعتنا هناك، فإذا جاء منكر ونكير قال أحدهما للآخر : هذا محمد وهذا علي والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا فلنتضع لهم. فيأتيان ويسلمان على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سلاما تاما منفردا، ثم يسلمان على علي سلاما تاما منفردا، ثم يسلمان على الحسن والحسين سلاما يجمعانهما فيه، ثم يسلمان على سائر من معنا من أصحابنا. ثم يقولان : قد علمنا يا رسول الله زيارتك في خاصتك لخادمك ومولاك، ولولا أن الله يريد إظهار فضله لمن بهذه الحضرة من أملاكه ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم لما سألناه، ولكن أمر الله لا بد من امتثاله. ثم يسألانه فيقولان : من ربك وما دينك ومن نبيك ومن إمامك وما قبلتك ومن إخوانك ؟ فيقول : الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وصي محمد إمامي، والكعبة قبلتي والمؤمنون الموالون لمحمد وعلي وآلهما وأوليائهما، والمعادون لأعدائهما إخواني. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن أخاه عليا ولي الله، وأن من نصبهم للإمامة من أطائب عترته وخيار ذريته خلفاء الأمة وولاة الحق، والقوامون بالعدل فيقول:  على هذا حييت، وعلى هذا مت، وعلى هذا تبعث إن شاء الله تعالى، وتكون مع من تتولاه في دار كرامة الله ومستقر رحمته. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : وإن كان لأوليائنا معاديا، ولأعدائنا مواليا، ولأضدادنا بألقابنا ملقبا، فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه مثل الله عز وجل لذلك الفاجر سادته الذين اتخذهم أربابا من دون الله، عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه، ولا يزال يصل إليه من حر عذابهم ما لا طاقة له به. فيقول له ملك الموت: يا أيها الفاجر الكافر تركت أولياء الله إلى أعدائه ، فاليوم لا يغنون عنك شيئا، ولا تجد إلى مناص سبيلا. فيرد عليه من العذاب ما لو قسم أدناه على أهل الدنيا لأهلكهم. ثم إذا أدلي في قبره رأى بابا من الجنة مفتوحا إلى قبره يرى منه خيراتها، فيقول له منكر ونكير: انظر إلى ما حرمته من تلك الخيرات. ثم يفتح له في قبره باب من النار يدخل عليه منه من عذابها. فيقول : يا رب لا تقم الساعة يا رب لا تقم الساعة).

تحقيق في حضور المعصومين عليهم السلام عند الموتى

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : إن أخبار حضور الأئمة عند الموتى قريبة من التواتر بل هي متواترة بل قد صار حضورهم الآن في الجملة من ضروريات مذهب الشيعة ، فالواجب على من لا يعرف كيفية حضورهم على التفصيل التسليم على سبيل الإجمال، هذا ولقد وقفت على كلامين غريبين في المقام أحدهما لشيخنا الحر العاملي والآخر لبعض أصحابنا السابقين.

أما الأول ، فقال الشيخ المذكور في كتابه الفصول المهمة بعد إيراد جملة وافية من أخبار الباب أقول: (والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى وقد تجاوزت حد التواتر ، ودلالتها قطعية كما ترى ، وإنكار بعض المتكلمين لها لا وجه له وما تخيل من معارضته لها من أن الجسم يمتنع حلوله في مكانين فصاعدا في وقت واحد ، ولا يمتنع موت جماعة كثيرين في وقت واحد لا يخفى جوابه بوجوه كثيرة على من تأمل هذه الأحاديث ، ولا أقل من تخصيصه بقدر الإمكان أو رؤية بعضهم من قريب وبعضهم من بعيد ، كما روي نحوه في ملك الموت : «أن الدنيا عنده بمنزلة القصعة بين يدي الإنسان» وقد تواترت الآيات والروايات في قلة عدد المؤمنين جدا وهو مؤيد لما قلنا والله الهادي)، انتهى كلامه .

والغرابة في قوله : (ولا أقل من تخصيصه بقدر الإمكان) فإنه من غريب الكلام فإن فيه أولا خروجا عن منطوق الأخبار ؛ لأن منطوقها حضورهم عند جميع الأموات فالتخصيص مما لا معنى له. وثانيا : أن من ينكر حضورهم من جهة عدم إمكان حضور جسم واحد في أمكنة متعددة في آن واحد ينكر إمكانه ، ولو في مكانين فليت شعري ما قدر الإمكان من ذلك اللهم إلا أن يريد به حضورهم عند واحد من الميتين في آن واحد ، ثم عند واحد فمن بعدهم وهكذا وهو أقبح من إنكار ذلك رأسا ، ويظهر قبحه بعد ملاحظة الأخبار التي أوردنا وأعجب من ذلك قوله : (أو رؤية بعضهم من قريب وبعضهم من بعيد) فإنه كلام غريب وأعجب ، من ذلك كله استشهاده بما قال بحضور ملك الموت فإنه يناقض مقصوده صريحا ويختم هذه الغرائب قوله : (وقد تواترت الآيات والروايات في قلة عدد المؤمنين جدا.. الخ). فإن كثيرا من الأخبار عامة للكافر والمؤمن ، ومع الغض عن ذلك هذا الكلام في نفسه كلام خال عن التحقيق ، مع أن هذا النحو الذي توهمه من كيفية الحضور من عدم تعدد أجسامهم وحضورهم عند آحاد الميتين على التدريج لو صح يوجب أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر الأئمة (عليهم السلام) غائبين عن مكانهم الذي كانوا فيه ظاهرا في أكثر الأوقات إن لم يكن دائما لاشتغالهم بالحضور عند الأموات في مشارق الأرض ومغاربها وهو كما ترى، وأما كلام بعض السابقين فهو أنه بعد إيراد أخبار الحضور وروايته الشعر المشهور عن أمير المؤمنين (عليه السلام) للحارث الهمداني:

يا حــار هــمـدان مـن يمت يرني              

مـن مؤمن أو منــــافـق قبـــــلا

يعرفني شخصه وأعرفه              

بـاسمه والــكـــنى ومـا فعـلا

وأنـــت يـــا حـار إن تمت تـرني            

أسقيـك مــاء تـــخــاله عـسـلا

  أول الأخبار وقال : غير أني أقول فيه إن معنى رؤية المحتضر لهما (عليهم السلام) هو العلم بثمرة ولايتهما ، والشك فيهما والعداوة لهما ،والتقصير في حقهما على اليقين بعلامات يجدها في نفسه دون رؤية البصر لأعيانهما (عليهم السلام)، ومشاهدة النواظر لأجسادهما باتصال الشعاع ثم قال في كتابه القول في رؤية المحتضر الملائكة (عليهم السلام) : والقول عندي في ذلك كالقول في رؤيته لرسول الله وأمير المؤمنين صلى الله عليهما وجائز أن يراهم ببصره بأن يزيد الله في شعاعه ما يدرك به أجسامهم الشفافة الرقيقة ، ولا يجوز مثل ذلك في رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وسلامه لاختلاف ما بين أجسامهم وأجسام الملائكة في التركيبات) انتهى.

أقول أصل هذه الشبهة نشأ مما صار مسلمة بين أهل الكلام من أن الجسم الواحد لا يوجد في أمكنة متعددة في آن واحد ، ولم يفقهوا أن أسرار أولياء الله لا تقدر بقدر عقول القاصرين ؛ لأنها مبنية على أصول غير تلك الأصول، وفصول غير تلك الفصول ، ووجه الخبط في هذه المسألة أنهم قاسوا أحكام الباطن بأحكام الظاهر ، وجوهر الجسم الأصلي بعرضه ، فحرموا شراب التحقيق مع أن الله تعالى بين هذه المسألة في أنفسهم بيانا لا يجهله إلا من اختلط عقله فإن نبيهم قد صرح بأن (من رآه في المنام فقد رآه والشيطان لا يتمثل به) وورد من طريق أهل بيته تعميم هذا الحكم للمؤمنين الخلصين أيضا.

ومن البيّن جواز رؤية جماعة كثيرين للنبي والأئمة عليه وعليهم السلام، بل وسائر المؤمنين بل والكافرين في المنام في آن واحد ، فليت شعري هذا المرئي المتعدد الذي يراه كل عنده من هو ، هل أمر موهوم لا أصل له فالحديث المروي المتفق عليه ، والوجدان الصحيح قد أبطلاه أو لأمر أصيل، فكيف اجتمع هذا مع استحالة وجود جسم واحد في أمكنة متعددة في آن واحد ، هذا وقد علم المستحفظون من أهل الحكمة الإلهية أن النوم أخ الموت، وأنه لا فرق بينه وبينه إلا في انقطاع علاقة الروح من الجسد بالكلية حال الموت دون حال النوم ومن البين أن هذا المقدار من التفاوت لا يوجب تغير الحكم المذكور ، ولإكمال المطابقة بين الحالين شبه صاحب الشريعة (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا بذاك وقال : (كما تنامون تموتون ، وكما تستيقظون تبعثون) فإن المثال ممن ينطق عن الله لا يكون إلا على أكمل ما ينبغي بحيث لا يكون تمثيل أكمل منه ، فإذا ثبت جواز هذا في النوم يثبت جوازه في الموت بحكم المقدمات المذكورة حذو النعل بالنعل إن لم نقل بطريق أولى ، فالمنكر لجواز مثل هذا عند الموت يجب أن ينكر جوازه في المنام أيضا ؛ لأنهما من باب واحد إذ لا أقل من الاتحاد بين حالة الاحتضار وحالة النوم إن قلنا بالفرق بينه وبين الموت، وهو خلاف الوجدان والحس.

إن قيل كيف لا يكون فرق بين الحالين والحال أن رؤية النائم لغيره من غير قصد وشعور من المرئي بذلك بخلاف رؤية المحتضر والميت، فإنها على تقدير وقوعها يجب أن يكون بقصد وشعور منه لأنه المفروض.

قلنا : إن مبنى القياس على وجود شخص واحد في أمكنة متعددة، والقصد والشعور مما لا ربط له بالمقام فإن أبيت إلا البهت والمكابرة. فنقول : يا أخي إن هذا في حق النبي والأئمة ، بل والمؤمنين الكاملين غير معقول فإن كل من يراهم فهو عن قصد وشعور منهم (عليهم السلام) بذلك، فإنهم لا يأتون في المنام ولا يظهرون إلا لمن يريدون أن يظهروا له، وليس بالبخت والاتفاق، ومن أنكر هذا فنسأل الله أن يعرفه مقام ساداته ومواليه ، وأما غيرهم فالسبب لعدم شعورهم بذلك انغمارهم في العلائق الحسية الجسمانية وضعف قواهم ومشاعرهم بسبب ذلك، وإذا ماتوا وأكلت الأرض منهم الغرائب قوى شعورهم ، ورجع إلى ما كان عليه قبل النزول إلى عالم الحس الدنيوي وقوى اختيارهم فلا يظهرون إلا بالقصد والشعور.

فالاعتراض ليس على ما ينبغي هذا ، ثم إن هذا الذي قدمناه من النظير إنما هو لكسر سورة المنكرين للمسألة ، وأما بيان حقيقة المسألة والكشف عن كيفية الحضور، فاعلم أن الأخبار قد تواترت في أن جميع ما سوى الله تعالى خلق من أشعة أنوار محمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم أجمعين، فهم سراج عالم الإمكان المنير ، وما سواهم أشعة مخلوقة من إشراقه الذي هو اللطيفة الزائدة على ذاته ، وقد تقرر في محله أن الممكن قائم دائما بفعل مؤثره قيام صدور ، بحيث لو انقطع منه المدد الجديد من مبدئه طرفة عين لم يبق له عين ولا أثر ؛ لأنه بالإيجاد في آن لا ينقلب واجبا بالذات ، بل هو باق على إمكانه الأول ، فالمنير الذي هو المؤثر لا ينفك عن الأثر ، ولا يغيب عنه طرفة عين أبدا بل يجب أن يكون معه حيثما كان ، لكن لا على طريق الحلول بل على طريق الإشراق والظهور ، مثاله الكاتب والحروف المكتوبة له ، فإن الحروف لو كانت ذوات عقل وشعور ، ونظرت وتوجهت إلى جهة مبدئها وجد كل منها مثال كاتبه الذي به توجه الكاتب إلى كتابته عنده ظاهرا بغير حجاب، ولذا كل من نظر إلى حرف من الحروف سبق إلى ذهنه مثال كاتب لا محالة، مع أن الكاتب شخص واحد لم يتجز ولا تعددت ذاته بتعدد الآثار ، وإنما ظهر عند كل منها بوجه من وجوهه ، وكل تلك الوجوه هو ذلك الكاتب الواحد عند كشف الحجب والسبحات ولنعم ما قال الشاعر:

وما الوجه إلا واحـــد غــيــر أنه           

 إذا أنت عــددت المرايا تــعــددا

 فالحروف بمنزلة المرايا ، والكاتب الواحد بمنزلة الشاخص الذي ظهر على جميع المرايا ، فكل يجده عنده ، وهو لم يتحرك من مكانه ، ولا حل في المرايا فليس بينه وبين المرايا فصل ولا وصل ، وكل من المرايا يراه ويجده على حسب قابليته وإقباله ، فإن كانت المرآة معوجة رأته معوجة منكرة ، وإن كانت صافية مستقيمة رأتـه على ما هو عليه في الخارج، وعلى هذا المثال حال الخلق بالنسبة إلى محمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم أجمعين، فإنهم (عليهم السلام) ملئوا مرايا العالم بوجوههم الإشراقية المربية لوجودات الأشياء لكون كلها من أشعة أنوارهم ، وهو معنى الولاية المطلقة الكلية ، ومعنى قول الحجة (عج) في دعاء رجب المعروف : (ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان) إلى قوله : (فبهم ملأت سمائك وأرضك حتى ظهر أن لا إله إلا أنت) فكل من فتح عين بصيرته وجدهم حاضرين عند رأسه أو رجله أو عن يمينه أو عن يساره على حسب اختلاف الاعتبارات والظهورات التي لا إقبال لي إلى ذكرها الآن ، غير أن الكافر يجدهم على صورة الغضب لأنه مقتضى طبع مرآته، والمؤمن على صورة الرضا لأنه مقتضى طبع مرآته، وكل من القسمين أيضا يتفاوت بحسب تفاوت درجات الكفر والإيمان، وانفتاح هذه العين ربما يحصل في الدنيا لبعض المؤمنين الذين ماتوا قبل ان يموتوا، فهو لا يفقدهم في حال من النوم واليقظة ، أو في بعض الأحيان دون بعض لنقص في إقباله وتخليصه وصفاء مرآته ، أو في النوم خاصة لعين تلك العلة ، ولكن الظهور لعامة الناس لا يكون إلا حال الاحتضار وفي القبر لانكشاف حجب عالم الحس عن الأبصار حينئذ لكل من المؤمن والكافر، فيجدهم المؤمن حينئذ حيث يحب والكافر حيث يكره ، وأما وجدان المعاينين لهم على صورة المجيء فهو لتدرج انكشاف الحجب فكلما قوى انكشاف الحجاب وجدهم أقرب إليه،فافهم .

وإذا عرفت هذا البيان لم تستوحش من حديث طلحة الذي يأتي إن شاء الله في قسم المعجزات وقوله : (قتلني علي) ، وكذا حديث يوم الأحزاب وكونه في عقب كل فرقة مع وقوفه على شفير الخندق هذا حال حضورهم (عليهم السلام).

وأما حال حضور سائر المؤمنين فاعلم أن أجزاء العالم مرتبطة بعضها ببعض فكل جزء له طريق إلى الأجزاء الآخر ، ولو بوسائط غير أن بعض الأجزاء أقرب إلى بعض من الجزء الآخر ، بحيث إذا صفى مراتب ذلك الجزء ظهر الجزء الآخر بصورة من صوره عنده ، وكلما كان الائتلاف والقرابة والمناسبة أشد كان الظهور أولى ، أما ترى أنك إذا زاولت خيال شيء من الأمور بحيث كنت متذكرا له في كثير من الأوقات ؛ كنت كلما نمت رأيته في المنام وهو صورته المثالية التي ظهر لك بها ، وعلى هذا القياس حال الاحتضار والموت ، فافهم وتدبر.

هذا أحد وجوه حضورهم (عليهم السلام) في الأمكنة المتعددة وأما الوجه الآخر، فاعلم أن أجسام الأئمة (عليهم السلام) وأجسادهم خلقت من نور الله كما أن أرواحهم كذلك وذلك قبل خلق سائر الخلق بدهور كثيرة كما دلت عليه الأخبار، ونطقت به الآثار ،ومن جملة الخلق هذه الحدود والتعينات والتشخصات الحسية الظاهرية ؛ فإنها أيضا خلقت من أشعة أنوارهم وهم سابقون عليها سبق العلة على المعلول لأنهم أول ما خلق الله ، وليس حيث خلقهم الله خلق بعض أجزاء وجودهم ومراتبه دون بعض بل خلقهم تامين بجميع أجزاء وجودهم الذاتية من الجسد إلى الفؤاد ، فأجسامهم بالحقيقة الأولية ليست محدودة بالذات بهذه الحدود المخلوقة من أشعتهم ، إذ لا يجري عليها ما هي أجرته فهي بالنسبة إلى محدودات هذا العالم لا حد لها ، لم تتلوث بتعيناتها وإن كان لها أيضا في حد ذاتها حدود وتعينات بنسبة عالمها ، غير أنها مع تلك الحدود لاحد لها بالنسبة إلى ما تحتها ، ولا تستغرب هذا فإن قطعة الخشب في حد نفسها أمر شخصي ذو حدود ، وبالنسبة إلى الباب والسرير وسائر ما يعمل منها بسيطة هيولائية لصلوحها لمادية كل من الأشياء المذكورة ، فافهم. فأجسامهم (عليهم السلام) إنما تعينت بالتعينات التي كان الناس يرونها بها حال ، تنزلهم إلى العوالم التي تحتهم لتكميل الخلق ، فهي بالنسبة إلى أصل جوهر جسمهم عرضية وليست تلك الأعراض حيث عرضتهم قهرتهم بحيث لا يقدرون على خلعها باختيارهم ، بل هو بيدهم إذا شاؤوا لبسوها وإذا شاؤوا خلعوها ولذا كانوا إذا مشوا في حر الشمس عرقت أبدانهم لثقل جسمهم العائق عن الحركة ، ومع ذلك إذا شاؤوا أن يقطعوا مسافة ما بين المشرق والمغرب في طرفة عين فعلوه ، كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قطع بجسمه الشريف جميع أطباق السماوات في أسرع من لمح البصر ، ولا أقل في بعض الليل ؛ وذلك لأنهم كانوا يتبعون ثقل جسدهم الظاهري بخفة جسدهم الأصلي وروحانيته وربما كانوا يفعلون على العكس ، فكان يظهر لكل واحد حكمه عند المطبوعية ، فافهم.

وهذه المقدمات عند من له غور في حقائق الآثار المعصومية أظهر من الشمس وأبين من الأمس ، وإذا تبين هذا فنقول لا ريب أن المانع للجسم الواحد من الكون في أمكنة متعددة في آن واحد ليس إلا اكتنافه بالحدود والتعينات الشخصية ، وهو لا يصلح للمانعية إلا إذا كانت تلك الحدود من مشخصات ذلك الجسم الذاتية ، بحيث إذا ارتفعت تلك الحدود زال ذلك الجسم أو كانت تلك الحدود مع عرضيتها بحيث قهرت الجسم فلا يقدر على رفعها باختياره، وأما إذا كان الجسم بالنسبة إلى تلك الحدود لا تعينا ، ولم يكن مقهورا تحتها فهو يظهر بأي صورة شاء فإن شاء بصورة واحدة ، وإن شاء بصور متعددة لأنه مهيمن على جميع الحدود والصور ، فلا يشغله شأن عن شأن ولا حد عن حد ولا تعين عن تعين ، فيتقلب في الصور كيف يشاء فإن شاء لبس صورة النطفة واستقر في الأرحام والأصلاب ، وإن شاء تصور بصورة شخص تام الخلقة وظهر عند من يشاء بأي صورة شاء ، وإن شاء اتحد، وإن شاء تعدد ، وإن شاء نزل في الأرض ، وإن شاء صعد إلى السماء ، وإن شاء وقف في الهواء ، وإن شاء شرق ، وإن شاء غرب ، وإن شاء ظهر بصورة الإنسان ، وإن شاء ظهر بصورة الحيوانات الشريفة كالأسد وأمثاله،  وإن شاء ظهر بصورة الملك ، وإن شاء احمر، وإن شاء اصفر ، وإن شاء ابيض،  وإن شاء اخضر ، وإن شاء ظهر بالرجولية ، وإن شاء عاد إلى الطفولية ، وإن شاء مرض، وإن شاء صح ، وإن شاء مات ، وإن شاء حي ، وإن شاء شب ، وإن شاء هرم ، وإن شاء خفى، وإن شاء ظهر ، وإن شاء غاب ، وإن شاء حضر إلى غير ذلك من الحالات والأطوار الوجودية ، وبالجملة لا يمنعه حد عن حد ، وطور عن طور ، وقد عرفت أن أجسامهم (عليهم السلام) جسم مطلق هيولاني غير مقيد بالذات بقيد من تلك القيود ، فيمكن أن يظهروا بجسمهم الشريف في آن واحد في أمكنة غير محصورة ، كما أفطر أمير المؤمنين (عليه السلام) في ليلة واحدة في أربعين مكانا ، ومع ذلك كان عند الله تعالى في العرش هذا ، ولهم نحو آخر من الحضور أشرنا إليه في ذيل الحديث الرابع والتسعين من الجزء الأول،  وهو غير هذين النحوين من أراده فليرجع إلى ما هنالك.

وأما سائر المؤمنين فلهم أيضا أن يظهروا بصورة متعددة إذا أخلصوا في اتباعهم (عليهم السلام) وتشبهوا بهم في الأعمال والأخلاق ؛ لأن أصل أجسامهم أيضا نظيفة روحانية مأخوذة من تراب الجنة ، وإنما عرضتهم عوارض هذا العالم بالعرض ، وعاقتهم عن ظهور آثار الربوبية منهم، فإذا اخلصوا لله العبودية باقتداء أوليائه علما وعملا ظهرت جوهرة الربوبية من كنه العبودية، وخلعوا أعنة الأضداد ، وملكوا أزمة الحدود والقيود ، فلا يشغلهم شأن عن شأن ، ولا مكان عن مكان فيظهرون في أي مكان شاؤوا بأي صورة شاؤوا ، غير أن هذا يحصل في الدنيا لقليل من المؤمنين وهم الخصيصون ، وإلى هذا المقام أومأ أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله : (خلق الإنسان ذا نفس ناطقة إن زكاها بالعلم،  فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد) .

فتدبر في مطاويه تظهر لك أسرار خفية ، روي بعض المشايخ عن زاذان خادم سلمان قال : ( لما جاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ليغسل سلمان وجده قد مات، فرفع الشملة عن وجهه فتبسم وهم أن يقعد ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : عد إلى موتك. وفي مناقب ابن شهر آشوب في حديث طويل يأتي إن شاء الله في ضمن المعجزات أنه لما كشف الرداء عن وجهه، تبسم سلمان إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له : مرحبا يا أبا عبد الله إذا لقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقل له ما مر على أخيك من قومك)  الخبر.

فانظر إلى من أطاع مولاه كيف صار الموت طوع يده يتبسم بعد الموت، ويهم أن يقعد ثم يعود إلى موته ، ويخاطبه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فإن هذا كله من فروع ما قررناه فلا بعد في أن يحضر أمثال هؤلاء من المؤمنين أيضا عند الموتى مع مواليهم الكرام ، كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المذكورة في الباب ، وإذا عرفت أن للجسم طورا وراء ما زعمه المتكلمة وغيرهم يمكن به حضوره في أمكنة متعددة ، عرفت أن تأويل الشيخ الذي نقلنا عنه تأويل مستغنى عنه ، وأنه على خلاف ما الواقع عليه ، على أنك لو كنت لم تعرف ما قررناه فالواجب عليك التسليم لمنطوق الأخبار حتى يثبت من الكتاب أو السنة ما ينافيه والمقام ليس منه.

وأما تفريقه بين أجسام الملائكة وأجسام الأئمة (عليهم السلام) بما سمعت نقله عنه فمما لم أعرف له وجها محصلا هذا. واعلم أن الشيخ المدقق الجليل الحسن بن سليمان الحلي ، وهو من أرشد تلاميذ الشهيد الأول رحمهما الله ، قد صنف كتابا في خصوص رد هذا القول ، وإثبات حضور الأئمة (عليهم السلام) عند الموتى بأعيانهم ، وسماه كتاب المحتضر -بالحاء المهملة ثم الضاد المعجمة ثم الراء أخيرا- وبالغ في إثبات ذلك بالأدلة العقلية والنقلية ، والكتاب مشهور ينقل عنه كثير ممن تأخر عنه سيما المجلسي في البحار ، وتلميذه في العوالم ولقد أجاد في كلما أفاد، غير أن الفائدة من كتابه ذلك لا تتم إلا بما قررناه هنا من التحقيق ؛ لأنه مستدرك لما فاته  من يتفتح مناط هذه المسألة، فالكتاب المذكور بعد انضمام ما حررناه هنا من البيان كاف في هذا الشأن لمن له عينان.

ثم اعلم أنا قد خرجنا في إيراد أخبار الحضور عما جرينا في كتابنا هذا عليه من الاكتفاء في كل منقبة بإيراد حديث أو حديثين لما رأيت من الشبهات الواردة على القلوب في ذلك فرأيت إيراد الأخبار وتعقيبها ببيان حقيقة الحال كالواجب علي تصحيحا لعقائد الطالبين للحق وهدما لبنيان شبه من تكلم على خلاف الواقع في ذلك والله ولي التوفيق.

حال سلمان رحمه الله بعد الموت

التاسع والأربعون عن روضة الواعظين عن ابن عباس قال (رأيت سلمان الفارسي  في منامي فقلت له: أنت سلمان؟ فقال سلمان : نعم، فقلت له : ألست مولى النبي ، قال: بلى وإذا عليه تاج من ياقوت، وعليه حلي وحلل، فقلت : يا سلمان هذه منزلة حسنة أعطاكها الله عز وجل ، فقال: نعم ، فقلت: فماذا رأيت في الجنة أفضل بعد الإيمان بالله ورسوله؟ فقال: ليس في الجنة بعد الإيمان بالله ورسوله شيء هو أفضل من حب علي بن أبي طالب والاقتداء به).

ليلة مولد الإمام عليه السلام

الخمسون عن أمالي الطوسي عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن موسى بن طلحة عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، قال: ( سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن في الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد فيها مولود إلا كان مؤمنا، وإن ولد في أرض الشرك نقله الله إلى الإيمان ببركة الإمام عليه السلام).

سر سجود الملائكة لآدم عليه السلام

الحادي والخمسون تفسير فرات قال حدثني أبو الحسن أحمد بن صالح الهمداني قال حدثنا الحسن بن علي يعني ابن زكريا بن صالح بن عاصم بن زفر البصري ، قال :حدثنا زكريا بن يحيى التستري ، قال: حدثنا أحمد بن قتيبة الهمداني عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:( إن الله تبارك وتعالى كان ولا شي‏ء ، فخلق خمسة من نور جلاله ، وجعل لكل واحد منهم اسما من أسمائه المنزلة ، فهو الحميد وسمى النبي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو الأعلى وسمى أمير المؤمنين عليا ، وله الأسماء الحسنى فاشتق منها حسنا وحسينا ، وهو فاطر فاشتق لفاطمة من أسمائه اسما فلما خلقهم جعلهم في الميثاق ، فإنهم عن يمين العرش وخلق الملائكة من نور ، فلما أن نظروا إليهم عظموا أمرهم وشأنهم ولقنوا التسبيح ، فذلك قوله : وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون ، فلما خلق الله تعالى آدم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، نظر إليهم عن يمين العرش ، فقال : يا رب من هؤلاء (قال : يا آدم هؤلاء صفوتي وخاصتي خلقتهم من نور جلالي وشققت لهم اسما من أسمائي) قال: يا رب فبحقك عليهم علمني أسماءهم ، قال : يا آدم فهم عندك أمانة سر من سري، لا يطلع عليه غيرك إلا بإذني ، قال: نعم يا رب، قال : يا آدم أعطني على ذلك العهد ، فأخذ عليه العهد ، ثم علمه أسماءهم ثم عرضهم على الملائكة ، ولم يكن علّمهم بأسمائهم ، فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين *،قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم* قال : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، فلما أنبأهم بأسمائهم علمت الملائكة أنه مستودع ، وأنه مفضل بالعلم، وأمروا بالسجود إذ كانت سجدتهم لآدم تفضيلا له وعبادة لله ، إذ كان ذلك بحق له ، وأبى إبليس الفاسق عن أمر ربه فقال *ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه *قال فقد فضلته عليك حيث أمرت بالفضل للخمسة الذين لم أجعل لك عليهم سلطانا ولا من شيعتهم يتبعهم ، فذلك استثناء اللعين إلا عبادك منهم المخلصين ، قال: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وهم الشيعة) .

تفسير آية شهد الله

الثاني والخمسون وفيه عن جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله :﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم﴾ ، قال أبو جعفر (عليه السلام) : هو كما شهد لنفسه ، وأما قوله : والملائكة فأقرت الملائكة بالتسليم لربهم ، وصدقوا وشهدوا أنه لا إله إلا هو كما شهد لنفسه ، وأما قوله : وأولوا العلم قائما بالقسط ، فإن أولي أولوالعلم الأنبياء (عليهم السلام) والأوصياء عليهم الصلاة والسلام، وهم قيام بالقسط كما قال الله: و القسط هو العدل في الظهر والعدل في البطن هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ).

آدم ونوح وآل إبرهيم وآل عمران مصطفون

الثالث والخمسون ، وفيه قال :حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن خيثمة الجعفي ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك أخبرني عن آدم ونوح ، كانا على ما نحن عليه ، قال: يا خيثمة ليس أحد من الأنبياء والرسل إلا وقد كانوا على ما نحن عليه ، يا خيثمة إن الملائكة في السماء هم على ما أنتم عليه ، وهو قول الله تعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ، إنما هم الصفوة الذين ارتضاهم لنفسه).

السحاب الصعب لرسول الله صلى الله عليه وآله

الرابع والخمسون بصائر الدرجات حدثنا أحمد بن محمد عن ابن سنان عن أبي خالد وأبو سلام عن سورة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن ذا القرنين قد خير السحابين ، فاختار الذلول ، وذخر لصاحبكم الصعب ، قال :قلت: وما الصعب ؟ قال : ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه ، أما إنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضين السبع ، خمس عوامر واثنان خرابان).

إن عليا ملك ما في الأرض وما في تحتها

الخامس والخمسون وفيه حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : ( إن عليا (عليه السلام) ملك ما في الأرض وما في تحتها ، فعرضت له السحابان الصعب والذلول ، فاختار الصعب ، وكان في الصعب ملك ما تحت الأرض، وفي الذلول ملك ما فوق الأرض ، واختار الصعب على الذلول فدارت به سبع أرضين ، فوجد ثلاث خراب وأربع عوامر).

أهل البيت ملكوا الدنيا

السادس والخمسون وفيه حدثنا أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عبد الملك القمي عن إدريس عن الصادق (عليه السلام) قال : ( سمعته يقول: إن منا أهل البيت لمن الدنيا عنده بمثل هذه ، وعقد بيده عشرة) .

أقول : عقد العشرة باليد في حساب العقود : وضع ظفر السبابة على مفصل أنملة الإبهام ليصير كحلقة مدورة.

الدنيا تمثل للإمام في مثل فلقة الجوز

السابع والخمسون وفيه حدثنا علي بن إسماعيل عن موسى بن طلحة عن حمزة بن عبد المطلب بن عبد الله الجعفي قال : ( دخلت على الرضا (عليه السلام) ومعي صحيفة أو قرطاس فيه عن جعفر (عليه السلام) : أن الدنيا مثلت لصاحب هذا الأمر في مثل فلقة الجوزة ، فقال : يا حمزة ذا والله حق فانقلوه إلى أديم) .

قدرة  الإمام على تناول الدنيا ما يشاء

الثامن والخمسون وفيه حدثنا محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن سماعة بن مهران قال : ( قال أبو عبد الله (عليه السلام) :إن الدنيا تمثل للإمام في فلقة الجوز ، فما تعرض لشيء منها، وإنه ليتناولها من أطرافها كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء ، فلا يعزب عنه منها شيء).

إن الدنيا ممثلة للإمام كفلقة الجوزة

التاسع والخمسون وفيه حدثنا عبد الله بن محمد عمن رواه عن محمد بن خالد عن حمزة بن عبد الله الجعفري عن أبي الحسن (عليه السلام) : ( قال: كتبت في ظهر قرطاس إن الدنيا ممثلة للإمام كفلقة الجوزة ، فدفعته إلى أبي الحسن (عليه السلام)، وقلت : جعلت فداك إن أصحابنا رووا حديثا ما أنكرته غير أني أحببت أن أسمعه منك ، قال : فنظر فيه ثم طواه حتى ظننت أنه قد شق عليه ، ثم قال: هو حق فحوله في أديم).

كيفية إقبال الأرض للإمام عليه السلام

الستون وفيه حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن أبي نصر عن محمد بن حمران عن الأسود بن سعيد ، قال لي أبو جعفر (عليه السلام): ( يا أسود ابن سعيد إن بيننا وبين كل أرض تر مثل تر البناء ، فإذا أمرنا في الأرض بأمر جذبنا ذلك التر ، فأقبلت الأرض بقليبها وأسواقها ودورها حتى تنفذ فيها ما نؤمر من أمر الله تعالى).

الإمام ينظر من خلفه كما ينظر من قدامه

الحادي والستون وفيه حدثنا سلمة بن الخطاب عن سليمان بن سماعة الحذاء وعبد الله بن القاسم عن أبي الجارود قال: ( قال أبو جعفر: الإمام منا ينظر من خلفه كما ينظر من قدامه).

الأنبياء تنام عيونهم ولا تنام قلوبهم

الثاني والستون وفيه الحسن بن علي بن النعمان عن يحيى بن عمر عن أبان الأحمر عن زرارة عن أبي جعفر  قال : ( قال رسول الله إنا معاشر الأنبياء تنام عيوننا ولا تنام قلوبنا ، ونرى من خلفنا كما نرى من بين أيدينا).

أبو ذر يستبرئ نوم النبي

الثالث والستون وفيه محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن الحسين بن المختار عن زيد الشحام قال : ( سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : طلب أبو ذر  رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقيل له إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حائط كذا وكذا ، فتوجه في طلبه فوجده نائما فأعظمه أن ينبهه ، فأراد أن يستبرئ نومه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرفع رأسه فقال : يا أبا ذر أتخدعني أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي كما أراكم في يقظتي ، إن عيني تنام وقلبي لا ينام).

يرى الإمام بنور الله وأعطي ما لم يعط أحد

الرابع والستون وفيه حدثنا محمد بن عبد الجبار عن عبد الله بن الحجال عن أبي عبد الله المكي الحذاء عن سوادة أبي يعلى عن بعض رجاله قال: (قال أمير المؤمنين للحرث الأعور وهو عنده : هل ترى ما أرى ؟ فقال: كيف أرى ما ترى ؟ وقال : نور الله لك ، وأعطاك ما لم يعط أحدا .قال: هذا فلان الأول على ترعة من ترع النار ، يقول يا أبا الحسن : استغفر لي لا غفر الله له ، قال : فمكث هنيئة ثم قال : يا حارث هل ترى ما أرى ؟ فقال وكيف أرى ما ترى وقد نور الله لك وأعطاك ما لم يعط، قال : هذا فلان الثاني على ترعة من ترع النار ، يقول : يا أبا الحسن استغفر لي لا غفر الله له).

رد الإمام على رسالة معاوية

الخامس والستون فتن البحار عن خط بعض الأفاضل قال :قال الشيخ الأديب أبو بكر بن عبد العزيز البستي بالأسانيد الصحاح : ( إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما رجع من وقعة الجمل ، كتب إليه معاوية بن أبي سفيان : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله وابن عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب، أما بعد ، فقد اتبعت ما يضرك وتركت ما ينفعك ، وخالفت كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد انتهى إلي ما فعلت بحواري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة ، فوالله لأرمينك بشهاب لا تطفيه المياه ، ولا تزعزعه الرياح، إذا وقع وقب ، وإذا وقب ثقب، وإذا ثقب نقب ، وإذا نقب التهب ، فلا تغرنك الجيوش ، واستعد للحرب،  فإني ملاقيك بجنود لا قبل لك بها، والسلام . فلما وصل الكتاب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فكه وقرأه ، ودعا بدواة وقرطاس وكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله وابن عبده علي بن أبي طالب أخي رسول الله وابن عمه ووصيه ومغسله ومكفنه وقاضي دينه ، وزوج ابنته البتول ، وأبي سبطيه الحسن والحسين، إلى معاوية بن أبي سفيان ، أما بعد ، فإني أفنيت قومك يوم بدر وقتلت عمك وخالك وجدك ، والسيف الذي قتلتهم به معي يحمله ساعدي بثبات من صدري وقوة من بدني ونصرة من ربي، كما جعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كفي ، فو الله ما اخترت على الله ربا ، ولا على الإسلام دينا ، ولا على محمد نبيا ، ولا على السيف بدلا ، فبالغ من رأيك فاجتهد ، ولا تقصر فقد استحوذ عليك الشيطان ، واستفزك الجهل والطغيان، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والسلام على من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى ، ثم طوى الكتاب وختمه ودعا رجلا من أصحابه يقال له الطرماح بن عدي بن حاتم الطائي ، وكان رجلا جسيما طويلا أديبا لبيبا فصيحا لسنا متكلما لا يكل لسانه ، ولا يعيا عن الجواب ، فعممه بعمامته ودعا له بجمل بازل وثيق فائق أحمر ، فسوى راحلته ووجهه إلى دمشق فقال له : يا طرماح انطلق بكتابي هذا إلى معاوية بن أبي سفيان وخذ الجواب ، فأخذ الطرماح الكتاب وكور بعمامته ، وركب مطيته ، وانطلق حتى دخل دمشق ، فسأل عن دار الإمارة فلما وصل إلى الباب قال له الحجاب : من بغيتك ؟ قال: أريد أصحاب الأمير أولا ، ثم الأمير ثانيا ، فقالوا له: من تريد منهم؟ قال : أريد جعشما وجرولا ومجاشعا وباقعا ، وكان أراد أبا الأعور السلمي وأبا هريرة الدوسي وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم، فقالوا : هم بباب الخضراء يتنزهون في بستان ، فانطلق وسار حتى أشرف على ذلك الموضع فإذا قوم ببابه ،فقالوا : جاءنا أعرابي بدوي دوين إلى السماء تعالوا نستهزئ به، فلما وقف عليهم قالوا : يا أعرابي هل عندك من السماء خبر؟ فقال:بلى ، الله تعالى في السماء ، وملك الموت في الهواء ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في القفاء ، فاستعدوا لما ينزل عليكم من البلاء يا أهل الشقاوة والشقاء ، قالوا:من أين أقبلت ؟ قال : من عند حر تقي نقي زكي مؤمن رضي مرضي، فقالوا: وأي شي‏ء تريد ؟ فقال : أريد هذا الدعي الردي المنافق المردي الذي تزعمون أنه أميركم ، فعلموا أنه رسول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى معاوية، فقالوا: هو في هذا الوقت مشغول ، قال : بماذا بوعد أو وعيد ؟ قالوا : لا ولكنه يشاور أصحابه فيما يلقيه غدا ، قال: فسحقا له وبعدا ، فكتبوا إلى معاوية بخبره :أما بعد ، فقد ورد من عند علي بن أبي طالب رجل أعرابي بدوي فصيح لسن طلق ذلق يتكلم فلا يكل ويطيل فلا يمل ، فأعد لكلامه جوابا بالغا ، ولا تكن عنه غافلا ولا ساهيا والسلام. فلما علم الطرماح بذلك أناخ راحلته ونزل عنها وعقلها ، وجلس مع القوم الذين يتحدثون، فلما بلغ الخبر إلى معاوية أمر ابنه يزيد أن يخرج ويضرب المصاف على باب داره ، فخرج يزيد وكان على وجهه أثر ضربة، فإذا تكلم كان جهير الصوت ، فأمر بضرب المصاف ففعلوا ذلك ، وقالوا للطرماح: هل لك أن تدخل على باب أمير المؤمنين ؟ فقال : لهذا جئت وبذلك أمرت، فقام إليه ومشى فلما رأى أصحاب المصاف وعليهم ثياب سود قال : من هؤلاء القوم؟ كأنهم زبانية لمالك على ضيق المسالك ، فلما دنى من يزيد نظر إليه فقال : من هذا الميشوم بن الميشوم الواسع الحلقوم المضروب على الخرطوم؟ فقالوا : مه يا إعرابي ابن الملك يزيد ! فقال : ومن يزيد لا زاد الله مزاده ولا بلغه مراده ؟ ومن أبوه ؟ كانا قدما غائصين في بحر الجلافة واليوم استويا على سرير الخلافة؟ فسمع يزيد ذلك واستشاط، وهم بقتله غضبا ثم كره أن يحدث دون إذن أبيه فلم يقتله خوفا منه ، وكظم غيظه، وخبا ناره ، وسلم عليه فقال : يا إعرابي أن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ، فقال : سلامه معي من الكوفة، فقال يزيد : سلني عما شئت، فقد أمرني أمير المؤمنين بقضاء حاجتك، فقال: حاجتي إليه أن يقوم من مقامه حتى يجلس من هو أولى منه بهذا الأمر، قال: فماذا تريد أنفا ؟ قال: الدخول عليه ، فأمر برفع الحجاب وأدخله إلى معاوية وصواحبه، فلما دخل الطرماح وهو متنعل قالوا له: اخلع نعليك فالتفت يمينا وشمالا ، ثم قال : هذا رب الوادي المقدس فاخلع نعلي! فنظر فإذا هو معاوية قاعد على السرير مع قواعده وخاصته ، ومثل بين يديه وخدمه فقال : السلام عليك أيها الملك العاصي ، فقرب إليه عمرو بن العاص ، فقال: ويحك يا إعرابي ما منعك أن تدعوه بأمير المؤمنين؟ فقال الإعرابي : ثكلتك أمك يا أحمق نحن المؤمنون فمن أمره علينا بالخلافة؟ فقال :معاوية ما معك يا إعرابي ؟ فقال : كتاب مختوم من إمام معصوم ، فقال : ناولنيه . قال: أكره أن أطأ بساطك ، قال : ناوله وزيري هذا وأشار إلى عمرو بن العاص ، فقال: هيهات هيهات ظلم الأمير وخان الوزير ، فقال: ناوله ولدي هذا - وأشار إلى يزيد - فقال: ما نرضى بإبليس ، فكيف بأولاده ،فقال: ناوله مملوكي هذا - وأشار إلى غلام له قائم على رأسه - فقال الإعرابي: مملوك اشتريته من غير حل وتستعمله في غير حق ، قال: ويحك يا إعرابي فما الحيلة؟ وكيف نأخذ الكتاب؟ فقال الإعرابي: أن تقوم من مقامك ، وتأخذه بيدك على غير كره منك ، فإنه كتاب رجل كريم، وسيد عليم، وحبر حليم بالمؤمنين، رؤوف رحيم فلما سمع منه معاوية هذا وثب من مكانه وأخذ منه الكتاب بغضب، وفكه وقرأه ووضعه تحت ركبتيه، ثم قال: كيف خلفت أبا الحسن والحسين؟ قال: خلفته بحمد الله كالبدر الطالع، حواليه أصحابه كالنجوم الثواقب اللوامع إذا أمرهم بأمر ابتدروا إليه ، وإذا نهاهم عن شيء لم يتجاسروا عليه ، وهو من بأسه يا معاوية في تجلد بطل شجاع سيد سميدع، إن لقي جيشا هزمه وأرداه ، و إن لقي قرنا سلبه وأفناه، وإن لقي عدوا قتله وجزاه، قال معاوية: كيف خلفت الحسن والحسين؟ قال: خلفتهما بحمد الله شابين نقيين تقيين زكيين عفيفين صحيحين سيدين طيبين؛ فاضلين عاقلين عالمين مصلحين في الدنيا والآخرة، فسكت معاوية ساعة فقال: ما أفصحك يا إعرابي! قال: لو بلغت باب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لوجدت الأدباء الفصحاء البلغاء الفقهاء النجباء الأتقياء الأصفياء ، ولرأيت رجالا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، حتى إذا استعرت نار الوغى قذفوا بأنفسهم في تلك الشعل لابسين القلوب على مدراعهم ، قائمين ليلهم صائمين نهارهم ، لا تأخذهم في الله ولا في ولي الله علي (عليه السلام) لومة لائم، فإذا أنت يا معاوية رأيتهم على هذه الحال غرقت في بحر عميق لا تنجوا من لجته ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية سرا : هذا رجل إعرابي بدوي لو أرضيته بالمال لتكلم فيك بخير ، فقال معاوية: يا إعرابي ما تقول في الجائزة، هل تأخذها مني أم لا ؟ قال: بل آخذها فو الله أنا أريد استقباض روحك من جسدك، فكيف باستقباض مالك من خزانتك، فأمر له بعشرة آلاف درهم، ثم قال: أتحب أن أزيدك؟ قال: زد فإنك لا تعطيه من مال أبيك ، وإن الله تعالى ولي من يزيد ، قال : أعطوه عشرين ألفا ، قال الطرماح: اجعلها وترا، فإن الله تعالى هو الوتر ، ويحب الوتر، فقال: أعطوه ثلاثين ألفا ، فمد الطرماح بصره إلى إيراده فأبطأ عليه ساعة ، فقال: يا ملك تستهزئ بي على فراشك! فقال: لماذا يا إعرابي؟ قال: إنك أمرت لي بجائزة لا أراها ولا تراها، فإنها بمنزلة الريح التي تهب من قلل الجبال ، فأحضر المال ووضع بين يدي الطرماح ، فلما قبض المال سكت ولم يتكلم بشيء ، فقال عمرو بن العاص: يا إعرابي، كيف ترى جائزة أمير المؤمنين ؟ فقال الإعرابي: هذا مال المسلمين من خزانة رب العالمين ، أخذه عبد من عباد الله الصالحين ، فالتفت معاوية إلى كاتبه وقال : أكتب جوابه ، فو الله لقد أظلمت الدنيا علي وما لي طاقة، فأخذ الكاتب القرطاس فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله وابن عبده معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب ، أما بعد ، فإني أوجه إليك جندا من جنود الشام، مقدمته بالكوفة وساقته بساحل البحر، ولأرمينك بألف حمل من خردل تحت كل خردل ألف مقاتل، فإن أطفأت نار الفتنة وسلمت إلينا قتلة عثمان، وإلا فلا تقابل غال ابن أبي سفيان ، ولا يغرنك شجاعة أهل العراق واتفاقهم ، فإن اتفاقهم نفاق ومثلهم كمثل الحمار الناهق يميلون مع كل ناعق والسلام، فلما نظر الطرماح إلى ما يخرج تحت قلمه قال : سبحان الله ما أدري أيكما أكذب؟ أنت بادعائك أم كاتبك فيما كتب؟ لو اجتمع أهل الشرق والغرب من الجن والإنس لم يقدروا به على ذلك، فنظر معاوية فقال : والله لقد كتب من غير أمري، فقال: إن كنت لم تأمره فقد استضعفك ، وإن كنت أمرته فقد استفضحك ، أو قال: إن كتب من تلقاء نفسه فقد خانك ، وإن أمرته بذلك فأنتما خائنان كاذبان في الدنيا والآخرة ، ثم قال الطرماح : يا معاوية أظنك تهدد البط بالشط.

فدع الوعيد فما وعيدك ضائر           

أطنــيــن أجنـحـة الذباب يضير

والله إن لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لديكاً عليّ الصوت، عظيم المنقار ،يلتقط الجيش بخيشومة ، ويصرفه إلى قانصته ، ويحطه إلى حوصلته، فقال معاوية : والله كذلك وهو مالك بن الأشتر النخعي، ثم قال:ارجع بسلام مني. وفي رواية أخرى، خذ المال والكتاب وانصرف، فجزاك الله عن صاحبك خيرا ، فأخذ الطرماح الكتاب وحمل المال ، وخرج من عنده وركب مطيته وسار ، ثم التفت معاوية إلى أصحابه ، فقال: لو أعطيت جميع ما أملك لرجل منكم لم يؤد عني عشر عشير ما أدى إلي هذا الإعرابي عن صاحبه ، فقال عمرو بن العاص: لو أن لك قرابة كقرابة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وكان الحق معك كما هو معه لا دينا عنك أفضل من ذلك أضعافا مضاعفة ، فقال معاوية: مه فض الله فاك وقطع شفتيك ، والله لكلامك علي أشد من كلام الإعرابي ولقد ضاقت علي الدنيا بحذافيرها) انتهى.

أقول وروى المجلسي  هذا الخبر عن الاختصاص ببعض مغايرة في العبارات وحيث كانت هذه الرواية أجمع اخترناها على رواية الاختصاص.

الشيخ الذي يحاجج معاوية في أمير المؤمنين عليه السلام

السادس والستون فضائل شاذان بن جبرائيل بحذف الإسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاري  : كنت أنا ومعاوية بن أبي سفيان بالشام، فبينما نحن ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ وهو مقبل من صدر البرية من ناحية العراق، فقال معاوية : عرجوا بنا إلى هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل وإلى أين يريد؟ وكان مع معاوية أبو الأعور السلمي ، وولدا معاوية خالد ويزيد وعمرو بن العاص، قال: فعرجنا إليه فقال له معاوية: من أين أقبلت يا شيخ؟ وإلى أين تريد؟ فلم يجبه الشيخ، فقال عمرو بن العاص: لم لا تجيب أمير المؤمنين؟ فقال الشيخ: إن الله جعل التحية غير هذه، فقال معاوية : صدقت يا شيخ وأخطأنا وأحسنت وأسأنا ، السلام عليك يا شيخ ، فقال: وعليك السلام ، فقال معاوية: ما اسمك يا شيخ ؟ فقال: اسمي جبل وكان ذلك الشيخ طاعنا في السن، بيده شي‏ء من الحديد ، ووسطه مشدود بشريط من ليف المقل ، وعلى رجليه نعلان من ليف المقل ، وعليه كساء قد سقطت لحماته، وبقيت سداته ، وقد بانت شراسيف خديه ، وقد غطت حواجبه على عينيه ، فقال معاوية : يا شيخ من أين أقبلت؟ وإلى أين تريد؟ قال الشيخ: أتيت من العراق أريد بيت المقدس، قال معاوية: كيف تركت العراق؟ قال: على الخير والبركة والنفاق، قال: لعلك أتيت من الكوفة من الغري! قال الشيخ: وما الغري؟ قال معاوية: الذي فيه أبو تراب، قال الشيخ: من تعني بذلك ومن أبو تراب ؟ قال: ابن أبي طالب، قال له الشيخ: أرغم الله أنفك ، ورض الله فاك ، ولعن الله أمك وأباك، ولم لا تقول الإمام العادل ، والغيث الهاطل، يعسوب الدين ، وقاتل المشركين والقاسطين والمارقين ، سيف الله المسلول،  ابن عم الرسول، وزوج البتول تاج الفقهاء ، وكنز الفقراء ، وخامس أهل العباء ، والليث الغالب أبو الحسنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، فعندها قال معاوية : يا شيخ إني أرى لحمك ودمك قد خالط لحم علي بن أبي طالب ودمه ، فلو مات علي ما أنت فاعل ؟ قال: لا أتهم في فقده ربي، وأجلل في بعده حزني ، وأعلم أن الله لا يميت سيدي وإمامي حتى يجعل من ولده حجة قائمة إلى يوم القيامة ، فقال : يا شيخ هل تركت من بعدك امرا تفتخر به ؟ قال: تركت الفرس الأشقر والحجر والمدر والمنهاج لمن أراد المعراج ، قال عمرو بن العاص: لعله لا يعرفك يا أمير المؤمنين؟ فسأله معاوية فقال: يا شيخ أتعرفني؟ قال الشيخ : ومن أنت؟ فقال : أنا معاوية بن أبي سفيان، أنا الشجرة الزكية، والفروع العلية سيد بني أمية ، فقال له الشيخ : بل أنت اللعين على لسان نبيه في كتابه المبين إن الله قال: والشجرة الملعونة في القرآن ، والشجرة الخبيثة والعروق المجتثة الخسيسة، الذي ظلم نفسه وربه ، وقال فيه نبيه : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان الزنيم بن الزنيم ، ابن آكلة الأكباد ، الفاشي ظلمه في العباد، فعندها اغتاظ معاوية وحنق عليه ، فرد يده إلى قائم سيفه ، وهم بقتل الشيخ، ثم قال : لولا أن العفو أحسن؛ لأخذت رأسك ، ثم قال له : أرأيت لو كنت فاعلا ذلك؟ قال الشيخ: إذا والله أفوز بالسعادة ، وتفوز أنت بالشقاوة ، وقد قتل من هو أشر منك من هو خير مني، فقال معاوية : ومن ذلك ؟ قال الشيخ: عثمان نفى أبا ذر وضربه حتى مات وهو خير مني وعثمان شر منك، قال معاوية: يا شيخ هل كنت حاضرا يوم الدار؟ قال: وما يوم الدار؟ قال معاوية : يوم قتل علي عثمان، فقال الشيخ : تالله ما قتله، ولو فعل ذلك لعلاه بأسياف حداد، وسواعد شداد ، وكان يكون في ذلك مطيعا لله ولرسوله ، قال معاوية:يا شيخ هل حضرت يوم صفين ؟ قال: وما غبت عنها؟ قال: كيف كنت فيها؟ قال الشيخ: أيتمت منك أطفالا ، وأرملت منك نسوانا ، وكنتُ كالليث أضرب بالسيف تارة وبالرمح أخرى ، قال معاوية: هل ضربتني بشيء قط ؟ قال الشيخ : ضربتك بثلاثة وسبعين سهما ، فأنا صاحب السهمين اللذين وقعا في بردتك ، وصاحب السهمين اللذين وقعا في مسجدك ، وصاحب السهمين اللذين وقعا في عضدك ، ولو كشفت الآن لأريتك مكانهما ، فقال معاوية: يا شيخ هل حضرت يوم الجمل؟ قال الشيخ: وما يوم الجمل؟ قال معاوية: يوم قاتلت عائشة عليا ، قال: وما غبت عنها ، قال معاوية : يا شيخ الحق مع علي ، أم مع عائشة ؟ قال الشيخ : بل مع علي ، قال معاوية : يا شيخ ألم يقل الله وأزواجه أمهاتهم؟ وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أم المؤمنين ، قال الشيخ: ألم يقل الله تعالى ﴿يا نساء النبي وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنت يا علي خليفتي على نسواني وأهلي، وطلاقهن بيدك، أفترى في ذلك معها حق حتى سفكت دماء المسلمين، وأذهبت أموالهم، فلعنة الله على القوم الظالمين، وهي كامرأة نوح في النار، ولبئس مثوى الكافرين ، قال معاوية : يا شيخ ما جعلت لنا شيئا نحتج به عليك ، فمتى ظلمت الأمة، وطفئت عنهم قناديل الرحمة ، قال: لما صرتَ أميرها ، وعمرو بن العاص وزيرها ، قال : فاستلقى معاوية على قفاه من الضحك ، وهو على ظهر فرسه ، فقال : يا شيخ هل من شيء نقطع به لسانك ؟ قال: وما ذلك؟ قال : عشرون ناقة حمراء محملة عسلا وبرا وسمنا، وعشرة آلاف درهم تنفقها على عيالك وتستعين بها على زمانك، قال الشيخ: لست أقبلها ، قال : ولم ذلك؟ قال الشيخ: لأني سمعت رسول الله يقول: درهم حلال خير من ألف درهم حرام ، قال معاوية : لئن أقمت في دمشق لأضربن عنقك ، قال: ما أنا مقيم معك فيها ، قال معاوية : ولم ذلك؟ قال الشيخ : لأن الله تعالى يقول : ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ، وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ، وأنت أول ظالم وآخر ظالم ، ثم توجه الشيخ إلى بيت المقدس) .

الله يباهي بأمير المؤمنين الملائكة ليلة المبيت

السابع والستون كتاب الفصول المهمة لعلي بن أحمد المالكي قال: أورد الإمام حجة الإسلام أبوحامد محمد بن محمد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين:( أن ليلة بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل : أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بحياته؟ فاختارا كلاهما الحياة وأحباها، فأوحى الله تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله عز وجل ﴿ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد﴾).

من مات على حب آل محمد دخل الجنة

الثامن والستون وفيه عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : (حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنة).  

الإمام يعطى العلم الأول والآخر وزيادة الروح

التاسع والستون بصائر الدرجات حدثنا عباد بن سليمان عن محمد ابن سليمان الديلمي عن أبيه سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ( قال: إن نطفة الإمام من الجنة ، وإذا وقع من بطن أمه إلى الأرض وقع وهو واضع يده إلى الأرض ، رافع رأسه إلى السماء ، قلت : جعلت فداك ولم ذاك ؟ قال: لأن مناديا يناديه من جو السماء من بطنان العرش من الأفق الأعلى : يا فلان بن فلان أثبت ، فإنك صفوتي من خلقي ، وعيبة علمي ، ولك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ، ومنحت جناني ، وأحلت جواري ، ثم وعزتي وجلالي لأصلين من عاداك أشد عذابي ، وإن أوسعت عليهم في دنياي من سعة رزقي ، قال: فإذا انقضى صوت المنادي أجابه هو: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، فإذا قالها أعطاه العلم الأول والعلم الآخر ، واستحق زيادة الروح في ليلة القدر).

النبي صلى الله عليه وآله يرث علم النبيين ويورثه للأئمة عليهم السلام

السبعون وفيه حدثنا محمد بن الحسن عن حماد عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبيه عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: (قلت له : جعلت فداك، النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورث علم النبيين كلهم ؟ قال لي : نعم ، قلت : من لدن آدم إلى أن انتهى إلى نفسه ؟قال : نعم ، قلت : ورثهم النبوة وما كان في آبائهم من النبوة والعلم ، قال : ما بعث الله نبيا إلا وقد كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم منه ، قال: قلت: إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله، قال : صدقت وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير ، قال : وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدر على هذه المنازل ، فقال : إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره : ما لي لا أرى الهدهد ، أم كان من الغائبين ، وكانت المردة والريح والنمل والإنس والجن والشياطين له طائعين ، وغضب عليه فقال : لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه ، أو ليأتيني بسلطان مبين ، وإنما غضب عليه لأنه كان يدله على الماء ، فهذا وهو طير قد أعطي ما لم يعط سليمان ، وإنما أراده ليدله على الماء ، فهذا لم يعط سليمان ، وكانت المردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء، وكانت الطير تعرفه ، إن الله يقول في كتابه : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى‏ ، فقد ورثنا نحن هذا القرآن ، فعندنا ما يقطع به الجبال ، ويقطع به البلدان ، ويحيي به الموتى بإذن الله ، ونحن نعرف ما تحت الهواء ، وإن كان في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر من الأمور التي أعطاه الله الماضين النبيين والمرسلين إلا وقد جعله الله ذلك كله لنا في أم الكتاب ، إن الله تبارك وتعالى يقول : وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ، ثم قال جل وعز : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ، فنحن الذين اصطفينا الله فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شيء).

أقول : ورواه في الجزء الأول من الكتاب ببعض المغايرات في الألفاظ لا بأس بالإشارة إليها ، ففيه بعد قوله (إلى أن انتهى إلى نفسه)، قوله : (ما بعث الله نبيا..الخ) ، ولم يذكر فيه ما ها هنا من الزيادة ، وفيه (قلت : وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير ، هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدر على هذه المنازل؟ قال: فقال : إن سليمان..الخ) ، وفيه (ونحن نعرف الماء تحت الهواء..إلخ) ، وفيه بعد مغايرات لا فائدة في ذكرها لكون المؤدى واحدا في الجميع والسلام.

ليس أحد عنده علم إلا خرج من عند أمير المؤمنين

الحادي والسبعون وفيه حدثني محمد بن الجعفي عن جعفر بن بشير والحسن بن علي بن فضال عن مثنى عن زرارة قال: ( كنت قاعدا عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال: رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين: سلوني عما شئتم ، ولا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به ، فقال: إنه ليس أحد عنده علم إلا خرج من عند أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فليذهب الناس حيث شاءوا فوالله ليأتيهم الأمر من هاهنا وأشار بيده إلى المدينة).

الملك الموكل بالماء يسلم على أمير المؤمنين

الثاني والسبعون عن أمالي الشيخ عن أبي محمد الفحام عن المنصوري، عن عم أبيه، قال: حدثني الإمام علي بن محمد (عليهم السلام)، بإسناده عن الباقر (عليه السلام)، عن جابر قال: ( كنت أماشي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الفرات، إذ خرجت موجة عظيمة فغطته حتى استتر عني ، ثم انحسرت عنه ولا رطوبة عليه، فوجمت لذلك وتعجبت، وسألته عنه، فقال : ورأيت ذلك ؟ قال :قلت : نعم، قال: إنما الملك الموكل بالماء ، خرج فسلم علي واعتنقني).

أهل العصمة لا يقاس بهم غيرهم

الثالث والسبعون عن مناقب ابن شاذان من طرق المخالفين عن ابن عباس قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعبد الرحمن بن عوف :يا عبد الرحمن أنتم أصحابي ، وعلي بن أبي طالب مني ، وأنا من علي ، فمن قاسه بغيره فقد جفاني ، ومن جفاني فقد آذاني ، ومن آذاني فعليه لعنة ربي ، يا عبد الرحمن إن الله تعالى أنزل علي كتابا مبينا ، وأمرني أن أبين للناس ما نزل إليهم ما خلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فإنه يستغني عن البيان ، إن الله تعالى جعل فصاحته كفصاحتي ، ودرايته كدرايتي ، ولو كان الحلم رجلا لكان عليا (عليه السلام)، ولو كان الفضل رجلا لكان الحسن (عليه السلام) ، ولو كان الحياء صورة لكان الحسين (عليه السلام) ، ولو كان الحسن هيئة لكانت فاطمة بل هي أعظم، إن فاطمة (عليه السلام) ابنتي خير أهل الأرض عنصرا وشرفا وكرما).

عمل علي يوم أحد يرجح إيمان الخلائق وأعمالهم

الرابع والسبعون وعنه من طريقهم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال :( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) : يا أبا الحسن لو وضع إيمان الخلائق وأعمالهم في كفة ميزان ووضع عملك يوم أحد على كفة أخرى ؛ لرجح عملك على جميع ما عمل الخلائق، وإن الله باهى بك يوم أحد ملائكته المقربين ، ورفع الحجب من السماوات السبع، وأشرفت إليك الجنة وما فيها ، وابتهج بفعلك رب العالمين ، وإن الله تعالى يعوضك ذلك اليوم ما يغبط كل نبي ورسول وصديق وشهيد).

كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون

الخامس والسبعون الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عمر بن يزيد قال : ( رأيت مسمعا بالمدينة ، وقد كان حمل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) تلك السنة مالا ، فرده أبو عبد الله (عليه السلام) فقلت: له لم رد عليك أبو عبد الله المال الذي حملته إليه ؟ قال : فقال لي: إني قلت له حين حملت إليه المال إني كنت وليت البحرين الغوص ، فأصبت أربعمائة ألف درهم ، وقد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم ، وكرهت أن أحبسها عنك وأن أعرض لها ، وهي حقك الذي جعله الله تبارك وتعالى في أموالنا،فقال: أوما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس يا أبا سيار؟ إن الأرض كلها لنا ، فما أخرج الله منها من شي‏ء فهو لنا ، فقلت له : وأنا أحمل إليك المال كله ، فقال : يا أبا سيار قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم إليك مالك، وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ، حتى يقوم قائمنا فيجبيهم : طسق ، ما كان في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم ، وأما ما كان في أيدي غيرهم ؛ فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم ، حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صغرة ، قال عمر بن يزيد : فقال لي أبو سيار: ما أرى أحدا من أصحاب الضياع ،ولا ممن يلي الأعمال يأكل حلالا غيري ، إلا من طيبوا له ذلك) .

الدنيا والآخرة للإمام

السادس والسبعون وفيه محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أبي عبد الله الرازي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:( قلت له : أما على الإمام زكاة ، فقال: أحلت يا أبا محمد ، أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام ؛ يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء ، جائز له ذلك من الله ، إن الإمام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبدا ولله في عنقه حق يسأله عنه).

تحقيق لطيف في تسمية أمير المؤمنين بأبي تراب

يقول مصنف هذا الكتاب : قد أفادنا هذان الخبران وما في معناهما من الأخبار التي تركنا ذكرها؛ أن الأرض وما يخرج منها للإمام (عليه السلام) ومما خرج منها آدم وذريته ؛ لأنهم كلهم خلقوا من تراب ، وذلك أحد وجوه تسمية أمير المؤمنين (عليه السلام) بأبي تراب ، ولقد أجاد عبد الباقي الموصلي العمري العامي المعاصري في قصيدة له في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول:

خلق الله آدما من تراب 

فهو ابن له وأنت أبوه

فتح للشيعة باب أو بابان من العلم

السابع والسبعون وفيه في باب النص على الأئمة (عليهم السلام) عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي عن يونس بن رباط قال: ( دخلت أنا وكامل التمار على أبي عبد الله (عليه السلام) ، فقال له كامل: جعلت فداك حديث رواه فلان ، فقال : اذكره ، فقال: حدّثني أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حدّث عليا (عليه السلام) بألف باب يوم توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كل باب يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب ، فقال: لقد كان ذلك ، قلت : جعلت فداك، فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم ؟ فقال : يا كامل باب أو بابان ، فقلت له: جعلت فداك، فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلا باب أو بابان، قال: فقال : وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ما تروون من فضلنا إلا ألفا غير معطوفة).

لولا محمد وعلي صلوات الله عليهما لما خلق آدم

الثامن والسبعون عن مناقب موفق بن أحمد الخوارزمي قال : ذكر الإمام محمد بن أحمد بن شاذان ، قال : أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري ، عن عبد العزيز بن عبد الله عن جعفر بن محمد عن عبد الكريم قال : حدثني فيحان العطار أبو نصر ، عن أحمد بن محمد بن الوليد ، عن ربيع بن الجراح ، عن الأعمش ، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه ؛ عطس آدم فقال : الحمد لله فأوحى الله تعالى إليه حمدني عبدي، وعزتي وجلالي لولا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك ، قال : إلهي فيكونان مني ؟ قال : نعم يا آدم ، ارفع رأسك وانظر ، فرفع رأسه فإذا مكتوب على العرش : لا إله إلا الله محمد رسول الله نبي الرحمة، علي مقيم الحجة ، ومن عرف حق علي زكا وطاب ، ومن أنكر حقه لعن وخاب ، أقسمت بعزتي أن أدخل الجنة من أطاعه وإن عصاني ، وأقسمت بعزتي أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني).

حب علي حسنة لا تضر معها سيئة

التاسع والسبعون وعنه قال : نبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني ، أخبرني أحمد بن نصر بن أحمد ، أخبرني الحسين بن علي بن العباس الفقيه ، أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد الهروي بنهاوند ، أخبرني سليمان بن أحمد الطبراني ، حدثني محمد بن يوسف الضبي ، حدثني محمد بن سعيد الخزاعي ، حدثني عمر بن حمزة أبو أسد القيسي ، حدثني خلف بن مهران أبو الربيع عن أنس بن مالك، قال: ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) حسنة لا تضر معها سيئة ، وبغض علي سيئة لا تنفع معها حسنة).

بيان آية من القرآن

الثمانون تأويل الآيات عن تفسير محمد بن العباس الثقة، (قال : روى بعض أصحابنا عن سعيد بن الخطاب حديثا يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل ﴿وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى‏ موسى الأمر وما كنت من الشاهدين﴾ قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنما هي : (أوما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين) ).

عند الأئمة اثنان وسبعون حرفا

الحادي والثمانون الكافي ، محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل قال : أخبرني شريس الوابشي، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد ، فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)(٦).

يقول العبد الضعيف مصنف هذا الكتاب : وقد مضى بيان الحرف الذي استأثر الله به في علم الغيب عنده في الجزء الأول في تلو الحديث الخامس والستين ، فراجع ما ثمة ، وقد أشار الإمام (عليه السلام) هنا إلى بيانه بقوله : (ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) فافهم وتبصر إن شاء الله تعالى.

الكتاب فيه تبيان كل شيء

الثاني والثمانون وفيه محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد ابن عيسى ، عن أبي عبد الله المؤمن ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره ؛ كأنه في كفي فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، قال الله عز وجل : فيه تبيان كل شيء).

الأعمال تعرض على الإمام كل يوم وليلة

الثالث والثمانون وفيه علي ، عن أبيه عن القاسم بن محمد عن الزيات، عن عبد الله بن أبان الزيات ، وكان مكينا عند الرضا (عليه السلام) قال: (قلت للرضا (عليه السلام) : ادع الله لي ولأهل بيتي ، فقال : أولست أفعل ؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة ، قال: فاستعظمت ذلك ، فقال لي : أما تقرأ كتاب الله عز وجل ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ﴾ قال : هو والله علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ).

الأئمة هم الأسماء الحسنى

الرابع والثمانون وفيه الحسين بن محمد الأشعري ، ومحمد بن يحيى جميعا ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمار (عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل : ﴿ولله الأسماء الحسنى‏ فادعوه بها﴾ قال: نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا).

نحن ولاة أمر الله في عباده

الخامس والثمانون وفيه عدة من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن محمد بن حمران ، عن أسود بن سعيد قال : (كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) ، فأنشأ يقول ابتداء منه من غير أن أسأله : نحن حجة الله، ونحن باب الله ، ونحن لسان الله ، ونحن وجه الله ، ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة أمر الله في عباده).

محمد صلى الله عليه وآله حجاب الله تبارك وتعالى

السادس والثمانون وفيه الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن علي بن الصلت ، عن الحكم وإسماعيل ابني حبيب، عن بريد العجلي قال : (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : بنا عبد الله، وبنا عرف الله ، وبنا وحد الله تبارك وتعالى ، ومحمد حجاب الله تبارك وتعالى).

أول من سبق من الرسل إلى بلى محمد صلى الله عليه وآله

السابع والثمانون تفسير علي بن إبراهيم قال : حدثني أبي عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن سنان قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) : أول من سبق من الرسل إلى بلى محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذلك أنه كان أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما أسري به إلى السماء : «تقدم يا محمد ، فقد وطئت موطئا لم يطأه أحد قبلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولولا أن روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه، فكان من الله عز وجل كما قال الله : ﴿قاب قوسين أو أدنى﴾ أي بل أدنى ، فلما خرج الأمر من الله وقع إلى أوليائه (عليهم السلام)، فقال الصادق (عليه السلام): كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربوبية، ولرسوله بالنبوة ، ولأمير المؤمنين والأئمة بالإمامة، فقال : ألست بربكم ، ومحمد نبيكم ، وعلي إمامكم ، والأئمة الهادون أئمتكم؟ فقالوا : بلى شهدنا ، فقال الله تعالى : أن تقولوا يوم القيامة ، أي لئلا تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين ، فأول ما أخذ الله عز وجل الميثاق على الأنبياء له بالربوبية، وهو قوله ﴿ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم﴾ ، فذكر جملة الأنبياء ، ثم أبرز أفضلهم بالأسامي، فقال: ومنك يا محمد، فقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه أفضلهم ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم، فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضلهم، ثم أخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأنبياء بالإيمان به، وعلى أن ينصروا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: « وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم» ، يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، (لتؤمنن به ولتنصرنه) يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأخبروا أممكم بخبره وخبر وليه من الأئمة عليهم السلام ).

كيفية كينونتهم في الأظلة

الثامن والثمانون الكافي في تاريخ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن علي بن إبراهيم ، عن علي بن حماد، عن المفضل قال : (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : كيف كنتم حيث كنتم في الأظلة؟ فقال: يا مفضل كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا في ظلة خضراء نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده، وما من ملك مقرب ، ولا ذي روح غيرنا ، حتى بدا له في خلق الأشياء، فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم ، ثم أنهى علم ذلك إلينا). 

الإمام الصادق عليه السلام يجيب عن مسألة واحدة بأجوبة عدة

التاسع والثمانون منتخب البصائر أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الصلت ، عن زرعة عن محمد الحضرمي ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، عن موسى بن أشيم ، قال :قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إني أريد أن تجعل لي مجلسا ، فواعدني يوما وأتيته للميعاد ، فدخلت عليه فسألته عما أردت أن أسأله عنه ، فبينا نحن كذلك إذ قرع علينا رجل الباب ، فقلت : جعلت فداك أما أنا فقد فرغت من حاجتي،  فرأيك . فأذن له فدخل الرجل فتحدث ساعة ثم سأله عن مسائلي بعينها لم يخرم منها شيئا ، فأجابه بغير ما أجابني ، فدخلني من ذلك ما لا يعلمه إلا الله ، ثم خرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى استأذن عليه آخر ، فأذن له فتحدث ساعة ثم سأله عن تلك المسائل بعينها، فأجابه بغير ما أجابني وأجاب الأول قبله ، فازددت غما حتى كدت أن أكفر، ثم خرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاءنا آخر ثالث ، فسأله عن تلك المسائل بعينها ، فأجابه بخلاف ما أجابنا أجمعين ، فأظلم علي البيت ودخلني غم شديد ، فلما نظر إلي ورأى ما بي مما تداخلني ضرب بيده على منكبي ، ثم قال : يا بن أشيم إن الله عز وجل فوض إلى سليمان بن داود ملكه فقال﴿هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب﴾ وأن الله عز وجل فوض إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر دينه ، فقال : أحكم بين الناس بما أراك الله ، وأن الله فوض إلينا ذلك كما فوض إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ).

علي الصراط المستقيم

التسعون وفيه عن سعد الأشعري قال : حدثنا موسى بن جعفر بن وهب البغدادي ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ﴿هذا صراط علي مستقيم﴾ ، قال : هو والله علي (عليه السلام) ، هو والله علي الميزان والصراط المستقيم).

قلوب الأئمة موارد إرادة الله

الحادي والتسعون وفيه أحمد بن محمد السياري قال :حدثني غير واحد من أصحابنا ، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) قال : (إن الله تبارك وتعالى جعل قلوب الأئمة موارد لإرادته ، فإذا شاء الله شيئا شاؤوه ، وهو قول الله : ﴿وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين﴾).

الإمام يعرف أسماء دواب البحر وأنسابها

الثاني والتسعون وفيه عن عبد الرحمن بن أبي بخران ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (إني لأعرف من لو قام على شاطئ البحر لنوه بأسماء دواب البحر وبأمهاتها وعماتها وخالاتها).

أولوا العزم يدعون الله بحقهم 

الثالث والتسعون عن قصص الراوندي بإسناده إلى الصدوق ، عن النقاش، عن ابن عقدة ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه عن الرضا صلوات الله عليه قال : (لما أشرف نوح صلوات الله عليه على الغرق دعا الله بحقنا فدفع الله عنه الغرق ، ولما رمي إبراهيم في النار دعا الله بحقنا فجعل النار عليه بردا وسلاما ، وإن موسى (عليه السلام) لما ضرب طريقا في البحر دعا الله بحقنا فجعله يبسا، وإن عيسى (عليه السلام) لما أراد اليهود قتله دعا الله بحقنا نجي من القتل فرفعه إليه).

آدم يسأل الله بحقهم فيتوب عليه

الرابع والتسعون كتاب اليقين محمد بن علي الكاتب الأصفهاني ، عن علي بن إبراهيم القاضي ، عن أبيه عن جده ، عن أبي أحمد الجرجاني، عن عبد الله بن محمد الدهقان ، عن إسحاق بن إسرائيل ، عن حجاج، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس  قال : (لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه عطس، فألهمه الله : الحمد لله رب العالمين، فقال له ربه: يرحمك ربك ، فلما أسجد له الملائكة تداخله العجب ، فقال: يا رب خلقت خلقا أحب إليك مني؟ فلم يجب ، ثم قال الثانية فلم يجب، ثم قال الثالثة فلم يجب ، ثم قال الله عز وجل له: نعم ، ولولاهم ما خلقتك ، فقال: يا رب فأرنيهم ، فأوحى الله عز وجل إلى ملائكة الحجب أن ارفعوا الحجب، فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العرش ، فقال : يا رب من هؤلاء ؟ قال: يا آدم هذا محمد نبيي ، وهذا علي أمير المؤمنين ابن عم نبيي ووصيه ، وهذه فاطمة ابنة نبيي ، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا نبيي، ثم قال : يا آدم هم ولدك ، ففرح بذلك ، فلما اقترف الخطيئة قال : يا رب أسألك بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، لما غفرت لي ، فغفر الله له بهذا ، فهذا الذي قال الله عز وجل : (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) فلما هبط إلى الأرض صاغ خاتما فنقش عليه محمد رسول الله وعلي أمير المؤمنين ويكنى آدم بأبي محمد).

المسامير التي نزلت على نوح

الخامس والتسعون عن أمان الأخطار للسيد الجليل علي بن طاووس قدس الله سره قال :رويت عن شيخي محمد بن النجار من ثقاة العامة من كتابه الذي جعله تذييلا على تاريخ الخطيب ، عن محمد بن أحمد بن بختيار،  عن محمد بن الحسن الهمداني ، عن الحسين بن الحسن بن زيد، عن الحسن بن أحمد العلوي المحمدي ، عن الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد وبكر بن أحمد بن مخلد وأبي عبد الله الغالبي ، عن محمد بن هارون المنصوري ، عن أحمد بن شاكر ، عن يحيى بن أكثم القاضي ، عن المأمون، عن عطية العوفي،  عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : (لما أراد الله عز وجل أن يهلك قوم نوح (عليه السلام) أوحى الله إليه : أن شق ألواح الساج، فلما شقها لم يدر ما يصنع بها ، فهبط جبرئيل (عليه السلام) فأراه هيئة السفينة ، ومعه تابوت فيه مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار ، فسمر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير ، فضرب بيده إلى مسمار منها فأشرق في يده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء ، فتحير من ذلك نوح، فأنطق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق فقال: على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد الله ، فهبط عليه جبرئيل ، فقال له : يا جبرئيل ، ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله ؟ قال هذا باسم خير الأولين والآخرين محمد بن عبد الله أسمره في أولها على جانب السفينة اليمين ، ثم ضرب بيده على مسمار ثان فأشرق وأنار فقال نوح : وما هذا المسمار؟ قال : مسمار أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب ، فأسمره على جانب السفينة اليسار في أولها، ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار فقال : هذا مسمار فاطمة ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيها ، ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار فقال: هذا مسمار الحسن ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ، ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فأشرق وأنار وبكى ، فقال : يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟ فقال : هذا مسمار الحسين بن علي سيد الشهداء ، فأسمره إلى جانب مسمار أخيه ، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : وحملناه على‏ ذات ألواح ودسر ، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : الألواح خشب السفينة ونحن الدسر ، لولانا ما سارت السفينة بأهلها).

النبي أفضل الأنبياء ووصيه أفضل الأوصياء

السادس والتسعون عن الاختصاص محمد بن علي ، عن أبيه عن علي ابن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان الأحمر قال:( قال الصادق (عليه السلام) : يا أبان كيف ينكر الناس قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لما قال: (لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام، فنكسته عن سريره ) ، ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس وإتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه؟ أليس نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الأنبياء ووصيه (عليه السلام) أفضل الأوصياء ؟ أفلا جعلوه كوصي سليمان ؟ حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا) .

جعل الله بينه وبين الإمام عمودا من نور

السابع والتسعون بصائر الصفار حدثنا الحسن بن علي ، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (كنت جالسا عنده فقال ابتداء منه: يا صالح بن سهل ، إن الله جعل بينه وبين الرسول رسولا ، ولم يجعل بينه وبين الإمام رسولا ، قال : قلت : وكيف ذاك؟ قال :جعل بينه وبين الإمام عمودا من نور، ينظر الله به إلى الإمام ، وينظر الإمام إليه ، إذا أراد علم شيء نظر في ذلك النور فعرفه).

الأئمة يفرحون لفرح شيعتهم ويحزنون لحزنهم

الثامن والتسعون بصائر الصفار حدثنا إبراهيم بن هاشم ، عن الحسين بن سيف ، عن أبيه قال حدثني عبد الكريم بن عمرو ، عن أبي الربيع الشامي، قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : بلغني عن عمرو بن إسحاق حديث ، فقال: أعرضه ، قال : دخل على أمير المؤمنين (عليه السلام) فرأى صفرة في وجهه قال : ما هذه الصفرة؟ فذكر وجعا به ، فقال له علي (عليه السلام) : إنا لنفرح لفرحكم ، ونحزن لحزنكم ، ونمرض لمرضكم، وندعو لكم فتدعون فنؤمن ، قال عمرو : قد عرفت ما قلت ، ولكن كيف ندعو فتؤمن ؟ فقال : إنا سواء علينا البادي والحاضر ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : صدق عمرو).

الناس لا يحتملون ولا يطيقون فضائلهم

التاسع والتسعون خرائج الراوندي أخبرنا جماعة منهم أبو جعفر محمد ابن الحسن النيسابوري ، ومحمد بن علي بن عبد الصمد ، عن أبي الحسن بن عبد الصمد : حدثنا أبو محمد أحمد بن محمد بن محمد العمري : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (أتى الحسين (عليه السلام) أناس فقالوا له : يا أبا عبد الله حدثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم ، فقال : إنكم لا تحتملونه ولا تطيقونه ، قالوا : بلى نحتمل ، قال : إن كنتم صادقين ، فليتنح اثنان وأحدث واحدا ، فإن احتمله حدثتكم ، فتنحى اثنان وحدث واحدا ، فقام طائر العقل ومر على وجهه وذهب ، فكلمه صاحباه فلم يرد عليهما شيئا وانصرفوا).

حديث آخر مثله

المائة وفيه بهذا الإسناد قال : (أتى رجل الحسين بن علي (عليه السلام) فقال: حدثني بفضلكم الذي جعل الله لكم ، قال : إنك لن تطيق حمله،  قال: بلى حدثني يا ابن رسول الله إني أحتمله ، فحدثه بحديث فما فرغ الحسين (عليه السلام) من حديثه ؛ حتى ابيض رأس الرجل ولحيته ، وأنسي الحديث ، فقال الحسين (عليه السلام) : أدركته رحمة الله حيث أنسي الحديث).

تم الجزء الثالث من القسم الأول من كتابنا صحيفة الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار عليهم صلوات الله الملك الغفار ، ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله تعالى.

 

 

الجزء الثاني

إقرار الأنبياء بنبوة محمد وولاية علي عليهما السلام

الحديث الأول عن كتاب سليم بن قيس الهلالي صاحب أمير المؤمنين عن  المقداد بن الأسود  قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : (والذي نفسي بيده ما استوجب آدم أن يخلقه الله وينفخ فيه من روحه وأن يتوب عليه ويرده إلى جنته إلا بنبوتي والولاية لعلي بعدي والذي نفسي بيده ما أري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ولا اتخذه خليلا إلا بنبوتي والإقرار لعلي بعدي والذي نفسي بيده ما كلم الله موسى تكليما ولا أقام عيسى آية للعالمين إلا بنبوتي والإقرار لعلي بعدي والذي نفسي بيده ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفته والإقرار لنا بالولاية ولا استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية له والإقرار لعلي بعدي).

 

تأويل يوم الجمعة

الثاني عن الاختصاص للمفيد  قال : روي عن جابر الجعفي قال: (كنت ليلة من بعض الليالي عند أبي جعفر (عليه السلام) فقرأت هذه الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله﴾.

قال فقال (عليه السلام) : مه يا جابر كيف قرأت .

قال : قلت ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله﴾.

قال : هذا تحريف يا جابر .

قال : قلت فكيف أقرأ جعلني الله فداك

قال فقال : يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله هكذا نزلت يا جابر لو كان سعيا لكان عدوا لما كرهه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد كان يكره أن يعدو الرجل إلى الصلاة ، يا جابر لم سميت يوم الجمعة جمعة.

 قال : قلت تخبرني جعلني الله فداك .

قال : أفلا أخبرك بتأويله الأعظم .

قال : قلت بلى جعلني الله فداك .

قال فقال : يا جابر سمى الله الجمعة جمعة لأن الله { جمع في ذلك اليوم الأولين والآخرين وجميع ما خلق الله من الجن والإنس وكل شي‏ء خلق ربنا والسماوات والأرضين والبحار والجنة والنار وكل شي‏ء خلق الله في الميثاق فأخذ الميثاق منهم له بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالولاية وفي ذلك اليوم قال الله للسموات والأرض ﴿ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين﴾ فسمى الله ذلك اليوم الجمعة لجمعه فيه الأولين والآخرين ، ثم قال { ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة﴾ من يومكم هذا الذي جمعكم فيه والصلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) يعنى بالصلاة الولاية وهي الولاية الكبرى ففي ذلك اليوم أتت الرسل والأنبياء والملائكة وكل شي‏ء خلق الله والثقلان الجن والإنس والسماوات والأرضون والمؤمنون بالتلبية لله { فامضوا إلى ذكر الله وذكر الله أمير المؤمنين ﴿وذروا البيع﴾ يعنى (الغير) ﴿ذلكم﴾ يعنى بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وولايته ﴿خير لكم﴾ من بيعة (الغير) وولايته إن كنتم تعلمون ﴿فإذا قضيت الصلاة﴾ يعني بيعة أمير المؤمنين ﴿فانتشروا في الأرض﴾ يعني بالأرض الأوصياء أمر الله بطاعتهم وولايتهم كما أمر بطاعة الرسول وطاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) كنى الله في ذلك عن أسمائهم فسماهم بالأرض .

قال جابر : ﴿وابتغوا من فضل الله﴾ .

 قال : تحريف هكذا أنزلت وابتغوا فضل الله على الأوصياء ﴿واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾ ثم خاطب الله { في ذلك الموقف محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا محمد ﴿إذا رأوا﴾ الشكاك والجاحدون ﴿تجارة﴾ يعنى (الغير) أو ﴿لهوا﴾ يعنى (الغير) انصرفوا إليها .

قال قلت : ﴿انفضوا إليها﴾ .

قال : تحريف هكذا نزلت ﴿وتركوك﴾ مع علي ﴿قائما﴾ قل يا محمد ﴿ما عند الله﴾ من ولاية علي والأوصياء ﴿خير من اللهو ومن التجارة﴾ يعنى بيعة الغير للذين اتقوا .

قال قلت : ليس فيها للذين اتقوا .

قال فقال : بلى هكذا نزلت الآية وأنتم هم الذين اتقوا ﴿والله خير الرازقين﴾).

 

علي أخو رسول الله في الدنيا والآخرة

الثالث عن أمالي الشيخ  قال : حدثنا محمد بن علي بن خنيس ، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن القاسم بن يعقوب بن عيسى بن الحسن بن جعفر بن إبراهيم القيسي الخزاز إملاء في منزله ، قال : حدثنا أبو زيد محمد بن الحسين ابن مطاع المسلى إملاء ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن حسن القواس خال ابن كردي ، قال : حدثنا محمد بن سلمه الواسطي ، قال : حدثنا يزيد ابن هارون ، قال : حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال : (ركب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم بغلته فانطلق إلى جبل آل فلان وقال يا أنس خذ البغلة وانطلق إلى موضع كذا وكذا تجد عليا جالسا يسبح بالحصى فأقرأه مني السلام واحمله على البغلة وائت به إلي قال أنس فذهبت فوجدت عليا (عليه السلام) كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحملته على البغلة فأتيت به إليه فلما أن بصر به رسول الله قال السلام عليك يا رسول الله قال وعليك السلام يا أبا الحسن اجلس فإن هذا موضع قد جلس فيه سبعون نبيا مرسلا ما جلس فيه أحد من الأنبياء إلا وأنا خير منه وقد جلس لكل نبي أخ له ما جلس فيه من الأخوة أحد إلا وأنت خير منه قال أنس فنظرت إلى سحابه قد أظلتهما ودنت من رؤوسهما فمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يده إلى السحابة فتناول عنقود عنب فجعله بينه وبين علي وقال كل يا أخي فهذه هدية من الله تعالى إلي ثم إليك قال أنس فقلت يا رسول الله علي أخوك قال نعم علي أخي فقلت يا رسول الله صف لي كيف علي أخوك قال إن الله  خلق ماء تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلاثة آلاف عام وأسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه إلى أن خلق آدم فلما خلق آدم نقل ذلك الماء من اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم إلى أن قبضه الله ثم نقله إلى صلب شيث فلم يزل ذلك الماء ينتقل من ظهر إلى ظهر حتى صار في صلب عبد المطلب ثم شقه الله  بنصفين فصار  نصف في أبي عبد الله بن عبد المطلب ونصف في أبي طالب فأنا من نصف الماء وعلي من النصف الآخر فعلي أخي في الدنيا والآخرة ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا﴾).

 

المدينة التي بناها سليمان ويدخلها المهدي عليه السلام

الرابع مقتضب الأثر لأحمد بن عياش قال :حدثني أبو القاسم عبد الله ابن القاسم البلخي ، قال : حدثنا أبو مسلم الكجي عبد الله بن مسلم ، قال: حدثنا أبو السمح عبد الله بن عمير الثقفي ، قال : حدثنا هرمز بن حوران ، قال : حدثنا فراس عن الشعبي ، قال : (إن عبد الملك بن مروان دعاني فقال يا أبا عمرو إن موسى بن نصير العبدي كتب إلي وكان عامله على المغرب يقول بلغني أن مدينة من صفر كان ابتناها نبي الله تعالى سليمان بن داود (عليهم السلام) أمر الجن أن يبنوها له فاجتمعت العفاريت من الجن على بنائها وأنها من عين القطر التي ألانها الله لسليمان بن داود (عليهم السلام) وأنها في مفازة الأندلس وأن فيها من الكنوز التي استودعها سليمان وقد أردت أن أتعاطى الارتحال إليها فأعلمنى العلام بهذا الطريق أنه صعب لا يتمطى إلا بالاستعداد من الظهور والأزواد الكثيرة مع بعد المسافة وصعوبتها وأن أحدا لم يهم بها إلا قصر عن بلوغها إلا دارا ابن دارا فلما قتله الإسكندر قال والله لقد جبت الأرض والأقاليم كلها ودان لي أهلها وما أرض إلا قد وطئتها إلا هذه الأرض من الأندلس فقد أدركها دارا بن دارا وأني لجدير بقصدها كي لا أقصر عن غاية بلغها دار فتجهز الإسكندر واستعد للخروج عاما كاملا فلما ظن أنه قد استعد لذلك وقد كان بعث رواده فأعلموه أن موانع دونها فكتب عبد الملك بن مروان إلى موسى بن نصير يأمره بالاستعداد والاستخلاف على عمله فاستعد وخرج فرآها وذكر أحوالها فلما رجع كتب إلى عبد الملك بحالها وقال في آخر الكتاب فلما مضت الأيام وفنيت الأزواد سرنا نحو بحيرة ذات شجر وسرت مع سور المدينة فصرت إلى مكان من السور فيه كتاب بالعربية فوقفت على قراءته وأمرت بانتساخه فإذا هو شعر:

ليعلم المرء ذو العز المنيع ومن

يرجو الخلود وما حي بمخلود

لو أن خلقا ينال الخلد في مهل

لنال ذاك سليمان بن داود

سالت له القطر عين القطر فائضة

 بالقطر منه عطاء غير مصدود

فقال للجن ابنوا لي به أثرا

يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يؤدى

فصيروه صفاحا ثم هيل له

 إلى السماء بأحكام وتجويد

وأفرغ القطر فوق السور منصلتا

فصار أصلب من صماء صيخود

وبث فيه كنوز الأرض قاطبة

 وسوف يظهر يوما غير محدود

وصار في قعر بطن الأرض

مضطجعا مصمدا بطوابيق الجلاميد

لم يبق بعده للملك سابقة

حتى يضمن رمسا غير أخدود

هذا ليعلم أن الملك منقطع

 إلا من الله ذي النعماء والجود

حتى إذا ولدت عدنان صاحبها

 من هاشم كان منه خير مولود

وخصه الله بالآيات منبعثا

 إلى الخليقة منها البيض والسود

له مقاليد أهل الأرض قاطبة

 والأوصياء له أهل المقاليد

هم الخلائف اثنا عشرة حججا

 من بعده الأوصياء السادة الصيد

حتى يقوم بأمر الله قائمهم

 من السماء إذا ما باسمه نودي

فلما قرأ عبد الملك الكتاب وأخبره طالب بن مدرك وكان رسوله إليه بما عاين من ذلك وعنده محمد بن شهاب الزهري قال ماذا ترى في هذا الأمر العجيب فقال الزهري أرى وأظن أن جنا كانوا موكلين بما في تلك المدينة حفظة لها يخيلون إلى من كان صعدها قال عبد الملك فهل علمت من أمر المنادى باسمه من السماء شيئا قال اله عن هذا يا أمير المؤمنين قال عبد الملك وكيف ألهو عن ذلك وهو أكبر أوطارى لتقولن بأشد ما عندك في ذلك ساءني أم سرني فقال الزهري أخبرني علي بن الحسين (عليه السلام) أن هذا المهدي من ولد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عبد الملك كذبتما لا تزالان تدحضان في بولكما وتكذبان في قولكما ذلك رجل منا قال الزهري أما أنا فرويته لك عن علي بن الحسين فإن شئت فاسأله عن ذلك ولا لوم علي فيما قلته لك فإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم فقال عبد الملك لا حاجة لي إلى سؤال ابن أبي تراب فخفض عليك يا زهري بعض هذا القول فلا يسمعنه منك أحد قال الزهري لك علي ذلك).

 

مثل علي  قل هو الله أحد

الخامس أمالي الصدوق  قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار، قال : حدثنا أبي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن نوح بن شعيب النيسابوري، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي ، عن شعيب ، عن أبي بصير قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يحدث عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما لأصحابه أيكم يصوم الدهر ، فقال سلمان  : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله : فأيكم يحيي الليل ، فقال سلمان : أنا يا رسول الله ، قال : فأيكم يختم القرآن في كل يوم ، فقال سلمان : أنا يا رسول الله ، فغضب بعض أصحابه وقال : يا رسول الله إن سلمان رجل من الفرس يريد أن يفتخر علينا معاشر قريش ، قلت أيكم يصوم الدهر فقال أنا وهو أكثر أيامه يأكل وقلت أيكم يحيي الليل فقال أنا وهو أكثر ليله نائم وقلت أيكم يختم القرآن في كل يوم فقال أنا وهو أكثر نهاره صامت ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : مه يا فلان أنى لك بمثل لقمان الحكيم سله فإنه ينبئك ، فقال الرجل لسلمان : يا أبا عبد الله أليس زعمت أنك تصوم الدهر ، فقال : نعم ، فقال : رأيتك في أكثر نهارك تأكل ، فقال : ليس حيث تذهب إني أصوم الثلاثة في الشهر وقال الله  ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ وأصل شعبان بشهر رمضان فذلك صوم الدهر ، فقال : أليس زعمت أنك تحيي الليل ، فقال : نعم ، فقال : أنت أكثر ليلك نائم ، فقال : ليس حيث تذهب ولكني سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من بات على طهر فكأنما أحيا الليل كله فأنا أبيت على طهر ، فقال : أليس زعمت أنك تختم القرآن في كل يوم ، قال : نعم ، قال : فأنت أكثر أيامك صامت ، فقال : ليس حيث تذهب ولكني سمعت حبيبي رسول الله يقول لعلي (عليه السلام) يا أبا الحسن مثلك في أمتي مثل قل هو الله أحد فمن قرأها مرة قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاثا فقد ختم القرآن فمن أحبك بلسانه فقد كمل له ثلث الإيمان ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل ثلثا الإيمان ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الإيمان ، والذي بعثني بالحق يا علي لو أحبك أهل الأرض كمحبة أهل السماء لك لما عذب أحد بالنار وأنا أقرأ قل هو الله أحد في كل يوم ثلاث مرات فقام وكأنه قد ألقم حجرا).

 

الصلاة على محمد وآل محمد كفارة الذنوب

السادس وفيه قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق  ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني ، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال: قال الرضا (عليه السلام) (من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلوات على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدما وقال (عليه السلام) الصلاة على محمد وآله تعدل عند الله  التسبيح والتهليل).

 

لو اجتمع الناس على حب علي ما خلقت النار

السابع وفيه حدثنا محمد بن أحمد السناني  قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال حدثنا موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن علي بن سالم عن أبيه عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (قال الله جل جلاله لو اجتمع الناس كلهم على ولاية علي (عليه السلام) ما خلقت النار).

 

البائع جبرئيل والمشتري ميكائيل والناقة من الجنة

الثامن إرشاد الديلمي  بحذف الإسناد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل مكة وهو في بعض حوائجه فوجد أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول يا من لا يحويه مكان ولا يخلو منه مكان ولا يكفه مكان ارزق الأعرابي أربعة آلاف درهم.

قال : فتقدم إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال : ما تقول يا أعرابي.

فقال الأعرابي : من أنت ؟

فقال : أنا علي بن أبي طالب .

قال : أنت والله حاجتي .

قال (عليه السلام) : سل يا أعرابي .

 قال : أريد ألف درهم للصداق وألف درهم أقضي بها ديني وألف درهم أشتري بها دارا وألف درهم أتعيش بها .

قال له (عليه السلام) : أنصفت يا أعرابي ، إذا خرجت من مكة فسل عن داري بمدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فأقام الأعرابي أسبوعا بمكة وخرج في طلب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المدينة ونادى من يدلني على دار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلقيه الحسين (عليه السلام) فقال : أنا أدلك على دار أمير المؤمنين .

فقال الأعرابي : من أبوك؟ .

قال : أمير المؤمنين (عليه السلام) .

قال : من أمك ؟ .

قال : فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين .

قال : من جدك ؟.

قال : رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب .

قال : من جدتك ؟

قال : خديجة بنت خويلد .

قال : من أخوك ؟

قال : الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

قال : لقد أخذت الدنيا بطرفيها امش إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقل له إن الأعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب .

فدخل : الحسين (عليه السلام) وقال يا أبت إن أعرابيا بالباب يزعم أنه صاحب ضمان بمكة .

قال فخرج إليه (عليه السلام) وطلب سلمان الفارسي  وقال له : يا سلمان اعرض الحديقة التي غرسها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على التجار .

فدخل سلمان إلى السوق وعرض الحديقة فباعها باثني عشر ألف درهم وأحضر المال وأحضر الأعرابي فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين درهما للنفقة فرفع الخبر إلى فقراء المدينة فاجتمعوا إليه والدراهم مصبوبة بين يديه فجعل (عليه السلام) يقبض قبضة قبضة ويعطي رجلا رجلا حتى لم يبق له درهم واحد منها ودخل منزله فقالت له فاطمة (عليه السلام) : يا ابن عم بعت الحديقة التي غرسها لك رسول الله والدي .

فقال : نعم بخير منها عاجلا وآجلا .

قالت له : جزاك الله خيرا في ممشاك ، ثم قالت له : أنا جائعة وابناي جائعان ولا شك أنك مثلنا .

فخرج (عليه السلام) ليقترض شيئا ليصرفه على عياله فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : يا فاطمة أين ابن عمي .

فقالت له : خرج يا رسول الله .

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : هاك هذه الدراهم فإذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم بها طعاما .

وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء علي (عليه السلام) وقال : جاء ابن عمي فإني أجد رائحة طيبة .

قالت : نعم وناولته الدراهم وكانت سبعة  دراهم سود هجرية وذكرت له ما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لها .

فقال : يا حسن قم معي فأتيا السوق وإذا هما برجل واقف وهو يقول : من يقرض الله الوفي الملي.

فقال لابنه الحسن: يا بني نعطيه الدراهم .

قال : بلى والله يا أبة ، فأعطاه (عليه السلام) الدراهم ومضى إلى باب رجل ليقترض منه شيئا فلقيه أعرابي ومعه ناقة فقال : اشتر مني هذه الناقة .

قال : ليس معي ثمنها .

قال : فإني أنظرك به .

  قال :  بكم يا أعرابي ؟

قال : بمائة درهم .

 قال (عليه السلام) : خذها يا حسن، ومضيا (عليهم السلام)  فلقيهما أعرابي آخر.

فقال : يا علي أتبيع الناقة ؟

قال له (عليه السلام) : وما تصنع بها ؟

قال : أغزو عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال (عليه السلام) : إن قبلتها فهي لك بلا ثمن .

قال : معي ثمنها فبكم اشتريتها .

قال : بمائة درهم .

فقال : الأعرابي فلك سبعون ومائة درهم .

فقال (عليه السلام) : خذها يا حسن وسلم الناقة إليه والمائة للأعرابي الذي باعنا الناقة والسبعون لنا نأخذ بها شيئا ، فأخذ الحسن (عليه السلام) الدراهم وسلم الناقة.

قال (عليه السلام) : فمضيت أطلب الأعرابي الذي ابتعت منه الناقة لأعطيه الثمن فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكان لم أره فيه قبل ذلك على قارعة الطريق فلما نظر إلي رسول الله تبسم وقال : يا أبا الحسن أتطلب الأعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه ثمنها .

فقلت : إي والله فداك أبي وأمي .

فقال : يا أبا الحسن الذي باعك الناقة جبرائيل والذي اشتراها منك ميكائيل والناقة من نوق الجنة والدراهم من عند رب العالمين الملي الوفي).

 

تنزيه ساحة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب وروى هذا الخبر شيخنا الصدوق محمد بن بابويه في أماليه في المجلس الحادي والسبعين عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري عن زيد بن إسماعيل الصائغ عن معاوية بن هشيم عن سفيان عن عبد الملك بن عمر عن خالد بن ربعي على نحو السبط مما ذكر غير أن فيه ما لا يلائم مذهب الإمامية وهو ما رواه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما دخل على فاطمة (عليه السلام) قالت أنا جائعة وابناي جائعان ولا أشك إلا وأنك مثلنا في الجوع ولم يكن لنا منه درهم وأخذت بطرف ثوب علي (عليه السلام) فقال علي يا فاطمة خليني فقالت لا والله أو يحكم بيني وبينك أبي فهبط جبرئيل على رسول الله فقال يا محمد يقرئك ربك السلام ويقول اقرأ عليا مني السلام وقل لفاطمة ليس لك أن تضربي على يديه فلما أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منزل علي (عليه السلام) وجد فاطمة ملازمة لعلي فقال يا بنية مالك ملازمة لعلي قالت يا أبه باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف درهم ولم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما فقال يا بنيه إن جبرئيل يقرئني من ربي السلام ويقول اقرأ عليا مني السلام وأمرني أن أقول لك ليس لك أن تضربي على يديه قالت فاطمة فإني أستغفر الله ولا أعود أبدا)، ثم ساق الحديث على نحو ما رويناه عن الديلمي.

وهو من الأمور التي يجب أن تضرب عرض الحائط فإن ساحة عصمة البتول أنزه من مثل هذا العمل الشنيع لأنه صنع امرأة بذية سليطة لئيمة ابتلعت الناموس ووضعت الحياء تحت قدميها لا تبالي بإيذاء زوجها وهتك ناموسه بين الناس مع ما فيه من دناءة الطبع ومتابعة شهوة البطن وعدم الصبر على نوائب الدهر والرضا بقضاء الله والتعرض بسخط الرب.

وبالجملة ما أدري أين هذا الصنع من إنفاقها الطعام للمسكين واليتيم والأسير ومبيتها مع ابنيها وبعلها وجاريتهم ثلاثة أيام بلياليها جائعين لا يفطرون إلا على الماء أترى من يصدر عنه مثل هذا الفعل يقدم على مثل هذا العمل الشنيع الذي لا يصدر إلا عن أراذل الناس إن هذا إلا من تخليطات الناصبة الذين كانوا يضعون الأخبار الكاذبة في قدح أهل بيت النبوة كحديث تزويج علي (عليه السلام) لبنت أبي جهل ونظائره كل ذلك حسدا وبغضا ليستروا بأمثال هذه الخرافات مناقبهم وفضائلهم التي طبقت الخافقين وملأت ما بين المشرقين ﴿ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون﴾ والعجب من مثل الصدوق  حيث روى هذه الرواية من غير تعرض لردها وتزييفها ولعله اغتر فيه بنزول جبرائيل وتبليغه ما ذكر في حق علي (عليه السلام) ولم يفقه أن المخلط لهذا الخبر إنما خلط القدح بالمدح لمجرد هذه الغاية وهو ارتضاء مثل هذا الشيخ به وروايته له لتلاميذه ليبقى على مر الدهور حجة على الشيعة الإمامية القائلين بعصمة فاطمة الزهراء (عليه السلام) وعدم جواز صدور صغيرة أو كبيرة منها فضلا عن أن تعارض مثل أمير المؤمنين الذي الراد عليه الراد على الله وطاعته واجبه كطاعة الله وطاعة رسول الله والتسليم له فرض كالتسليم لأمر الله وأمر رسوله لأنه أمام مفترض الطاعة من الله لا يقول غير الحق ولا يفعل غير الصواب فيلزم أن تكون فاطمة (عليه السلام) والعياذ بالله غير قائلة بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وعصمته حتى يجوز لها التعرض له فيما يفعله من الأمور الإلهية نعوذ بالله مما يقوله المشركون ويفتريه الملحدون على أنه إنما يغتر بأمثال هذه الفضائل من لا يجد لإمامه فضيلة يرويها فيتشبث كالغريق بكل حشيش يراه كما هو حال مخالفينا في حق أئمتهم وأما الشيعة ففي غنى بحمد الله وسعته من ذلك لأن فضائل أئمتهم (عليهم السلام) قد ملأت السماوات والأرض حتى ظهر أن لا إله إلا الله فأي حاجة لهم إلى أمثال هذه المزخرفات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

لا توحيد إلا بولاية أمير المؤمنين عليه السلام

التاسع أمالي الصدوق   حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق  ، قال: حدثنا محمد بن جرير الطبري ، قال : حدثنا الحسن بن محمد ، قال: حدثني الحسن بن يحيى الدهان  قال : كنت ببغداد عند قاضي بغداد واسمه سماعة إذ دخل عليه رجل من كبار أهل بغداد فقال له : أصلح الله القاضي إني حججت في السنين الماضية فمررت بالكوفة فدخلت في مرجعي إلى مسجدها فبينا أنا واقف في المسجد أريد الصلاة إذا أمامي امرأة أعرابية بدوية مرخية الذوائب عليها شملة وهي تنادي وتقول : يا مشهورا في السماوات يا مشهورا في الأرضين يا مشهورا في الآخرة يا مشهورا في الدنيا جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك وإخماد ذكرك فأبى الله لذكرك إلا علوا ولنورك إلا ضياء وتماما ولو كره المشركون .

قال : فقلت يا أمة الله ومن هذا الذي تصفينه بهذه الصفة .

قالت : ذلك أمير المؤمنين .

قال : فقلت لها أي أمير المؤمنين هو .

قالت : علي بن أبي طالب الذي لا يجوز التوحيد إلا به وبولايته .

قال : فالتفت إليها فلم أر أحدا).

 

 تحية من الله إلى محمد وآله عليهم السلام

العاشر وفيه حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسني ،  قال : حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ، قال : حدثني الحسن بن الحسين بن محمد ، قال : أخبرني علي بن أحمد بن الحسين بن سليمان القطان ، قال : حدثنا الحسن بن جبرئيل الهمداني، قال : أخبرنا إبراهيم بن جبرئيل ، قال : حدثنا أبو عبد الله الجرجاني، عن نعيم النخعي، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : (كنت جالسا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وبين يديه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) إذ هبط عليه جبرئيل وبيده تفاحة فحيا بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحيا بها النبي عليا فتحيا بها علي (عليه السلام) وردها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحيا بها النبي وحيا بها الحسن (عليه السلام) فقبلها وردها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحيا بها النبي وحيا بها الحسين فتحيا بها الحسين وقبلها وردها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحيا بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحيا بها فاطمة فقبلتها وردتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحيا بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثانية وحيا بها عليا (عليه السلام) فتحيا بها علي (عليه السلام) ثانية فلما هم أن يردها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سقطت التفاحة من أطراف أنامله فانفلقت بنصفين فسطع منها نور حتى بلغ سماء الدنيا وإذا عليه سطران مكتوبان بسم الله الرحمن الرحيم هذه تحية من الله  إلى محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمان لمحبيهم يوم القيامة من النار).

 

أمير المؤمنين عليه السلام يذكر بعض ما خصه الله تعالى به

الحادي عشر عن مناقب ابن شاذان عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : (والله لقد خلفني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته فأنا حجة الله عليهم بعد نبيه وإن ولايتي لتلزم أهل السماء كما تلزم أهل الأرض وإن الملائكة لتتذاكر فضلي وذلك تسبيحها عند الله أيها الناس اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد لا تأخذوا يمينا وشمالا فتضلوا أنا وصي نبيكم وخليفته وإمام المتقين والمؤمنين وأميرهم ومولاهم وأنا قائد شيعتي إلى الجنة وسائق أعدائي إلى النار أنا سيف الله على أعدائه ورحمته على أوليائه أنا صاحب حوض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولوائه وصاحب مقامه وشفاعته أنا والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين (عليهم السلام) خلفاء الله في أرضه وأمناؤه على وحيه وأئمة المسلمين بعد نبيه وحجج الله على بريته).

 أمير المؤمنين لقب لا يصح إلا لعلي عليه السلام

الثاني عشر عن تفسير العياشي عن محمد بن إسماعيل الرازي عن رجل سماه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : دخل رجل على أبي عبد الله فقال: (السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقام على قدميه فقال : مه هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين (عليه السلام)، الله  سماه به ولم يسم به أحد غيره فرضي به إلا كان منكوحا وإن لم يكن به ابتلي به، وهو قول الله في كتابه إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا قال قلت فماذا يدعى به قائمكم قال يقال له السلام عليك يا بقية الله، السلام عليك يا ابن رسول الله).

 يقول مصنف هذا الكتاب الضمير في قوله من دونه عائد في ظاهر التنزيل إلى الله تعالى وما ذكر تأويله.

 

علي عليه السلام الصراط المستقيم

الثالث عشر إرشاد الديلمي  بحذف الإسناد (عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه قال جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إنك لا تزال تقول لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى وقد ذكر الله هارون في القرآن ولم يذكر عليا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أعرابي يا غليظ أما سمعت قول الله هذا صراط علي مستقيم).

علي عليه السلام وجه الله

الرابع عشر وفيه (يرفعه إلى محمد بن ثابت قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) وأنا رسول الله والمبلغ عنه وأنت وجه الله والمؤتم به فلا نظير لي إلا أنت ولا مثل لك إلا أنا صلوات الله عليهما).

 

جبرئيل يسأل الله تعالى أن يكون خادما لمحمد وآله

الخامس عشر وفيه مرفوعا عن أبي ذر الغفاري قال (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول افتخر إسرافيل على جبرئيل فقال أنا خير منك قال ولم أنت خير مني قال لأني صاحب الثمانية حملة العرش وأنا صاحب النفخة في الصور وأنا أقرب الملائكة إلى الله  قال جبرئيل (عليه السلام) أنا خير منك فقال بما أنت خير مني قال لأني أمين الله  على وحيه وأنا رسول الله إلى الأنبياء والمرسلين وأنا صاحب الكسوف والخسوف وما أهلك الله  أمة من الأمم إلا على يدي فاختصما إلى الله جل وعلا فأوحى الله  إليهما أن اسكنا فوعزتي وجلالي لقد خلقت من هو خير منكما قالا يا رب أ وتخلق من هو خير منا ونحن خلقنا من نور الله قال الله تبارك وتعالى نعم وأوحى الله إلى القدرة أن انكشفي فانكشفت فإذا على ساق العرش الأيمن مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) أحباء الله فقال جبرئيل (عليه السلام) يا رب فإني أسألك بحقهم عليك إلا جعلتني خادمهم قال الله تبارك وتعالى قد فعلت فجبرائيل (عليه السلام) من أهل البيت وإنه لخادمنا).

 

علم آل محمد عليهم السلام

السادس عشر بصائر الصفار حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد الجمال ، عن أحمد بن عمر ، عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت : له إني أسألك جعلت فداك عن مسألة ليس هاهنا أحد يسمع كلامي .

فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) سترا بيني وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال : يا أبا محمد سل عما بدا لك .

قال : قلت جعلت فداك إن الشيعة يتحدثون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علم عليا (عليه السلام) بابا يفتح منه ألف باب .

قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : يا أبا محمد علم والله رسول الله عليا ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب .

قال قلت له : والله هذا العلم.

فنكت ساعة في الأرض ثم قال : إنه لعلم وما هو بذلك ، ثم قال : يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ؟

قال : قلت جعلت فداك وما الجامعة ؟

قال : صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش ، وضرب بيده إلي فقال : اأذن لي يا أبا محمد .

قال : قلت جعلت فداك إنما أنا لك اصنع ما شئت .

قال : فغمزني بيده ، فقال : حتى أرش هذا كأنه مغضب .

قال : قلت جعلت فداك هذا والله العلم

قال : إنه لعلم وليس بذلك ، ثم سكت ساعة ثم قال : إن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر مسك شاة أو جلد بعير .

قال : قلت جعلت فداك ما الجفر؟ .

قال : وعاء أحمر أو أدم أحمر فيه علم النبيين والوصيين .

قلت : هذا والله هو العلم .

قال : إنه لعلم وما هو بذلك ، ثم سكت ساعة ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة (عليه السلام) وما يدريهم ما مصحف فاطمة .

قال : قلت وما مصحف فاطمة ؟

قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد إنما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها .

قال : قلت هذا والله هو العلم .

قال : إنه لعلم وليس بذاك ، قال ثم سكت ساعة ثم قال : إن عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة .

قال : قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم .

قال : إنه لعلم وما هو بذاك .

قال : قلت جعلت فداك فأي شيء هو العلم.

قال : ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة).

تحقيق لطيف في علم أهل العصمة عليهم السلام

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب إن الله تعالى لما خلق محمد وآل محمد من نور عظمته وهم أول من صدر عن مشيته تشعشع نورهم فخلق من شعاعه سائر الخلق وأنهى علم ذلك كله إليهم لأن الشعاع لا يغيب عن المنير. وكان مما خلق أمور كلية تشتمل على أفراد جزئية وأحكام شخصية تظهر في الكون على التدريج وتسمى هذه الكليات باعتبار طبعها ولونها ووضعها وأشباه ذلك من مشخصاتها بأسماء مختلفة فبعض منها يسمى الجفر الأحمر وبعض منها الجفر الأبيض وبعض مصحف فاطمة وبعضها الناموس وبعضها كتاب علي (عليه السلام) وهكذا. وينسب كتابة بعض ذلك أو إملاؤه إلى جبرئيل وبعضها إلى ملك آخر وبعضها إلى إملاء رسول الله وخط علي (عليهم السلام) وعلى هذا القياس، لأن هؤلاء أياديه وأسبابه تعالى في إجراء تلك الأمور ووضع كل منها في موضعها اللائق بها والله تعالى جعل محمدا وآله عليه وعليهم السلام خزان تلك الكتب وحفظتها فهي كلها بعين منهم دائما فإذا أرادوا (عليهم السلام) الإخبار عن حكم أو وقوع أمر في العالم أو لا وقوعه أخبروا عن كتابه الجامع الذي ذلك الحكم أو الأمر مذكور فيه بما هو عليه لأنه هو محل بيان ذلك الشيء المخبر، عنه فيقولون الحكم الفلاني في الجفر كذا أو في الجامعة كذا وهكذا، وربما يظهرون بعض تلك الكتب الكونية لبعض الناس في صورة الكتاب التدويني إذا شاؤوا ذلك من باب ظهور جبرئيل في صورة البشر ومشاهدة بعض الناس له مع عدم تخليته لمقامه الذي هو فيه وعدم خروجه عن صورته الأصلية فإن للشيء الواحد مراتب ومقامات يظهر في كل منها بلباس ذلك المقام وتلك المرتبة. ألا ترى الشيء الواحد كيف يوجد في عالم التعقلات بكسوة المعاني وفي عالم النفوس بكسوة الصور النفسانية وفي عالم القوى الباطنية بكسوة الصور المثالية الشبحية وفي عالم الظاهر بكسوة الأجسام والجسمانيات وهو حقيقة واحدة في حد نفسه فعلى هذا القياس تلك الكتب المذكورة فإن كونها في صورة الأعيان لا ينافي كونها في صورة الألفاظ والنقوش المكتوبة فافهم.

وبالجملة كليات العالم كتب جامعة مملوءة علما والأئمة (عليهم السلام) حفظتها يخبرون عنها بما شاؤوا كما كانوا يخبرون عن الكتاب التدويني أعني القرآن وينسبون علمهم إليه، ومثال ذلك إنك تكون لك دراهم ودنانير وجواهر مختلفة تضعها في خزائنها اللائقة بها فإذا أردت استعمال شيء منها مددت يدك وأخذتها من تلك الخزينة وأنفقتها في الوجه الذي تريد.

وأنت إن أتقنت هذه القاعدة عرفت وجه نزول جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإتيانه بالأخبار فإن من تلك الخزائن ما جعل الله خازنه جبرئيل الذي هو أحد خدام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا أراد الإخبار عما في تلك الخزينة أمر الله جبرئيل بواسطة حقيقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بفتح باب تلك الخزينة وإتيان ما فيها وإنزاله إلى مقام الإخبار والإعلام وإبطائه أحيانا إنما هو لعدم وقوع وقت الإظهار والإخبار وحزن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك لخوف وقوع البداء من الله تعالى فخذه قصيرة من طويلة، فقد والله كشفت لك في هذه الكلمات القلائل بابا ينفتح منه ألف باب هذا وإلى هذا الذي ذكرنا أشاروا (عليهم السلام)بقولهم (ما يتقلب جناح طائر في الهواء إلا ولنا فيه علم) وذلك بأنه ما من شيء في الوجود إلا هو دليل لشيء ومدلول عليه لشيء وأصل لشيء وفرع عن شيء وسبب لشيء ومسبب عن شيء وهكذا. فما من شيء إلا ويدل على شيء وهو العلم المودوع فيه فافهم أسرار أئمتك وحكمتهم إن شاء الله تعالى تكن من الحكماء السابقين والعلماء الراسخين.

وأما قوله (عليه السلام) في مصحف فاطمة أنه (ما فيه من قرآنكم حرف واحد) مع كون القرآن فيه تبيان كل شيء فقد قيل فيه توجيهات ركيكة والذي يليق بلحن كلماتهم (عليهم السلام) هو أن المراد به أنه ليس فيه من القرآن من حيث إنه قرآن حرف واحد بمعنى أنه ليس من الكلمات القرآنية وإنما هي كلمات أملاها جبرئيل لفاطمة (عليه السلام) كما في الحديث. ومثال ذلك أنك تقول لصاحبك في كتاب لك إن كتابي هذا ليس فيه من كتابك حرف واحد وتريد به أنه ليس بمنقول ومكتسب وملتقط من كتابك وإنما هو من إملائي، وهذا لا ينافي كون معنى ما في الكتابين متحدا بل ولفظه كذلك، وله توجيهات أخر عدلنا عن ذكرها لأدائه إلى التطويل.

وأما قوله (عليه السلام) (العلم ما يحدث بالليل والنهار) فقد أشرنا إلى بيانه في الجزء الأول من الكتاب في تلو الحديث الخامس والستين ولنشير هنا إلى بيانه على سبيل الإجمال وهو أن الله تعالى حيث أنهى علم جميع الأشياء مما كان ومما سيكون إلى الأئمة (عليهم السلام) لم يكونوا ليستغنوا بذلك عن الله  بل هم مع ذلك محتاجون دائما إلى إمداد جديد من مبدأ الفيض بحيث لو لم يصل إليهم هذا المدد لم يبق لأنفسهم ذكر في الوجود فضلا عن علمهم المفاض إليهم فعلومهم محتاجة في البقاء دائما إلى إحداث من الله جديد وهو معنى الزيادة التي وردت في الأخبار وليست زيادة عن نقصان وإنما هو بقاء كمال على ما هو عليه فهم (عليهم السلام) كاملون في كل حين وإن كمالا لا يتناهى ولا يمكن في الإمكان كمال فوق ذلك لكن بإحداث جديد منه تعالى له في كل آن وهو معنى (العلم الذي يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء) ولا ينافي ذلك علمهم بما كان وبما يكون فافهم ثم فافهم ومن تأمل في شأن هذا العلم الجديد عرف أنه هو الذي ينبغي أن يعد علما ويعتنى بشأنه كما قال (عليه السلام) للراوي.

 

الأوجاع مطيعة لأمير المؤمنين عليه السلام

السابع عشر الخرائج عن سعد بن أبي خالد الباهلي :(أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اشتكى وكان محموما فدخلنا عليه مع علي عليه السلام فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ألمت بي أم ملدم ، فحسر علي يده اليمنى وحسر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده اليمنى فوضعها علي على صدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : يا أم ملدم اخرجي فإنه عبد الله ورسوله ، قال : فرأيت رسول الله قد استوى جالسا ثم طرح عنه الإزار وقال : يا علي إن الله فضلك بخصال ومما فضلك به أن جعل الأوجاع مطيعة لك فليس من شيء تزجره إلا انزجر بإذن الله تعالى).

 

فاضل سيف علي عليه السلام أثقل على جبرئيل من مدائن لوط

الثامن عشر اللوامع للحافظ البرسي في يوم خيبر (لما جاءت صفية إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت من أحسن الناس وجها فرأى في وجهها شجة فقال ما هذه وأنت ابنة الملوك فقالت إن عليا لما قدم الحصن هز الباب فاهتز الحصن وسقط من كان عليه من النظارة وارتجف بي السرير فسقطت لوجهي فشجني جانب السرير فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا صفية إن عليا عظيم عند الله وإنه لما هز الباب اهتز الحصن فاهتزت السماوات السبع والأرضون السبع واهتز عرش الرحمن غضبا لعلي وفي ذلك اليوم لما سأله عمر فقال يا أبا الحسن لقد اقتلعت منيعا ولك ثلاثة أيام خميصا فهل قلعتها بقوة بشرية فقال ما قلعتها بقوة بشرية ولكن قلعتها بقوة إلهية ونفس بلقاء ربها مطمئنة رضية. ثم قال وفي ذلك اليوم لما شطر مرحبا شطرين وألقاه مجدلا جاء جبرئيل من السماء متعجبا فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مم تتعجب فقال إن الملائكة تنادي في مواضع جوامع السماوات لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار وأما إعجابي فإني لما أمرني ربي أن أدمر قوم لوط حملت مدائنهم وهي سبع مدائن من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا على ريشة من جناحي ورفعتها حتى سمع حملة العرش صياح ديكتهم وبكاء أطفالهم ووقفت بها إلى الصبح أنتظر الأمر ولم أثقل بها واليوم لما ضرب علي (عليه السلام) مرحبا ضربته الهاشمية أمرت أن أقبض فاضل سيفه حتى لا يشق الأرض وتصل إلى الثور الحامل لها فيشطره شطرين فتنقلب الأرض بأهلها فتلقيته فكان فاضل سيفه علي أثقل من مدائن لوط هذا وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : ومن عجائب هذه الواقعة ما سمعت من والدي العلام  مذاكرة ثم وجدته في غير موضع، منها كتاب الصراط المستقيم لعلي بن يونس  أن بعض الصحابة قال (يا رسول الله ما عجبنا من قوته وحمله ورميه بل من وضع إحدى يديه تحت طرفه) وذلك أنه (عليه السلام) وضع جانبا من الباب على شفير الخندق وضبط الجانب الآخر بيده لكون الباب أقصر من عرض الخندق فعبر الجيش وهم ثمانية آلاف وسبعمائة رجل فلما قالوا ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) (انظروا إلى رجليه قال فنظرت الصحابة إليها فرأينها معلقتين فقلن هذا أعجب رجلاه على الهواء قال (عليه السلام) لا بل على جناحي جبرائيل).

ومن عجائبها أيضا ما سمعته  يروي أن باب خيبر كان من ذهب فجعل علي (عليه السلام) يضع يده عليه وهو كالخمير في يده فيقبض منه قبضة قبضة ويقسمها على العسكر ولما فرغ وزنوا جميع الحصص ووجدوها على وزن واحد بالسواء لا يزيد شيء منها على الأخرى قدر حبة.

الملائكة المؤيدون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم على صورة علي (عليه السلام)

التاسع عشر عن مناقب ابن شهر آشوب قال : (روي عن عامر بن سعد أنه لما جاء أبو اليسر الأنصاري بالعباس فقال والله ما أسرني إلا ابن أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صدق عمي ذلك ملك كريم فقال قد عرفته بجلحته وحسن صورته فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الملائكة الذين أيدني الله بهم على صورة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليكون ذلك أهيب في صدور الأعداء).

علة حبس يونس في بطن الحوت

العشرون البصائر حدثنا العباس بن معروف عن سعدان بن مسلم ، عن صباح المزني ، عن الحرث بن حصيرة ، عن حبة العرني قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الأرض أقر بها من أقر وأنكرها من أنكر أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها).

 

تحقيق لطيف في تقصير الأنبياء في ولاية علي عليه السلام

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب لا ريب أن إنكار ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) كفر وشرك كما دلت عليه صريحا النقول المعصومية المتواترة وساحة عصمة يونس وسائر الأنبياء على محمد وآله وعليهم السلام بريئة من ذلك بدلالة الآثار النقلية والشواهد العقلية ومن قال به فهو خارج عن ربقة الإسلام فليس المراد بالإنكار كما في هذا الحديث والتوقف كما في سائر الأخبار في حقه وحق جملة من الأنبياء الإنكار الاعتقادي المخرج للشخص عن حد الإيمان وإنما المراد به ما نتلوه عليك ولا ينبئك مثل خبير. وهو أن لولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) حدودا وهي جميع ما أمر الله به وأحبه من الأخلاق المرضية والأعمال الشرعية لأن مقتضى الإقرار بولايته اتباع سبيله والتشبه به في جميع الأحوال وسبيله سبيل الله الأعظم الذي لا يفوته شيء مما لله فيه رضى فاحتمال ولايته على كمال ما ينبغي عبارة عن التأسي به في جميع الأمور علما وعملا وهي منحصرة في امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه بحيث لا يجده الله حيث يكره ولا يفقده حيث يحب.

والإنكار على قسمين إنكار علمي بلسان الاعتقاد بأن ينكر الشخص أصل ذلك الشيء ويحكم بأنه باطل وإنكار عملي بلسان الفعل مع بقاء أصل الاعتقاد بحاله ولا ريب أن الأول موجب للكفر إذا أنكر أمرا حقا. وأما الثاني فهو غير موجب للكفر وإنما هو عصيان فقط كما في العاصين من أهل الإيمان فإن ما يصدر عنهم من المعاصي مع بقاء أصل اعتقادهم لا يخرجهم عن ربقة الإيمان، وحديث (لا يزني الزاني وهو مؤمن) مأول بمفارقة روح الإيمان العملي فيؤول إلى ما ذكرناه ولكن يطلق على من عمل بشيء من تلك المعاصي أنه توقف في ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنكرها لأنه لم يحتملها على كمال ما ينبغي ولم يتشبه به من جميع الوجوه بل خرج عن بعض حدود ولايته المطلقة بخطو العمل .

ثم إن المعاصي العملية على قسمين، قسم ينشأ من هوى النفس ومتابعة الشيطان وهو المعاصي التي تنافي العصمة وقسم ينشأ من هوى الرب ومحبته وهو المسمى بترك الأولى لكون خلافه أرجح وهو لا ينافي العصمة في حق غير الخلق الأول أعني محمدا وآله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم أجمعين لأنه لم ينشأ من جهة الإدبار وإنما نشأ من جهة الإقبال ولكنه نقص ينافي كمال الفناء في حق المعبود والتسليم لأمره. وإن أردت نظيرا لهذا القسم فقدر إنسانا تحبه شديدا ويحبك بمحبتك إياه فاتفق أنه أمرك بمفارقته أياما لمصلحة رآها في ذلك ففارقته ثم بعثك شدة المحبة للقائه على خلاف أمره ذلك فعدت إليه ولم تكمل ما عهد إليك في ذلك فإن ذلك يعد معصية لكونه خلاف ما أمرك به لكنه لا يقاس بسائر المعاصي الناشئة عن هوى النفس لأنه نشأ من جهة المحبة فالمحبوب يعاتبك في ذلك لا من جهة الغضب عليك لعلمه بأنك لم تخالفه من باب المشاقة بل من جهة تكميلك في المحبة والتسليم والفناء من باب العناية فعتابه ذلك في الحقيقة لطف وعناية في حقك ليرقيك بذلك إلى درجات الكمال ويصعدك إلى رتبة كمال الاتصال. ومن هذا القسم المخالفات الصادرة عن بعض الأنبياء والخصيصين أحيانا كآدم أبي البشر فإنه إنما خالف نهي الله تعالى في أكل الشجرة حبا للخلود في جوار الله سبحانه وهو ناش عن محبة الله تعالى وما كان النهي عن الأكل نهي تحريم بل نهي أرجحية نظير الصلاة في الحمام بالنسبة إلى الصلاة في المسجد فافهم لكنه حيث كان منافيا لمقام التسليم الصرف الذي هو مقتضى قبول ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) على كمال ما ينبغي لأن مقتضى كمال التسليم الارتضاء بكل ما يرضاه الحبيب من غير تعرض له في ذلك كما قال الشاعر:

اعدم وجودك لا تشهد له أثرا   

وذره يهــدمه طــورا ويبـنــيــه

عاتبه الله في ذلك ليثمر له الندم والاستغفار فينال بذلك أعلى درجات المحبة بنسبة مقامه، وسماه الله عصيانا لأنه قسم منه بيد أنه ليس بعصيان مخرج عن حد العصمة بل من قبيل ما للأولى تركه، فإنه وإن كان ناشئا من حب الله ولكن التسليم المحض وعدم الاعتبار والالتفات حتى إلى نفس المحبة أولى منه، وهو معنى ما ورد أن المحبة حجاب بين المحب والمحبوب لأن النظر إليها نوع التفات إلى جهة الإنية فافهم. وكذلك يونس النبي فإنه إنما غضب على قومه واستنزل العذاب لأنه لم يطق أن يرى الله تعالى يعصى في أرضه فكان غضبه لله ولكنه كان منافيا لمقام الفناء في الله الذي هو معنى الاستغراق في ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وطاعته لكونه وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء وبابه الذي منه يؤتى إذ كان مقتضى الأدب والتسليم أن يصبر ويتأنى حيث أمره الله سبحانه بذلك ولا يستعجل في استنزال العذاب فكان بذلك مستحقا للعتاب فحبسه الله تعالى في بطن الحوت إلى أن استشعر بذلك ﴿فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾فأقر بالتوحيد الصرف ونفي جهة الإنية بالكلية وأنه ظلم جهة الفطرة الإلهية في عدم إعطائها ما تقتضيه من الفناء الصرف والعبودية المحضة لولي الله على الإطلاق فلما أقر بذلك وهو توسله بمحمد وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ورد في الأخبار استجاب الله له ونجاه من الغم بأن أظهر له وليه الذي أقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه وجعله مع كل الأنبياء سرا فأخذ بيده وألقاه إلى ساحل البحر وتاب عليه لأنه هو التواب الرحيم لا يخيب سائله ولا يرد عائله.

ومن هذا القول جميع ما صدر عن الأنبياء من ترك الأولى الذي عبر عنه في أخبار بالتوقف في ولاية أمير المؤمنين أو القائم الحق (عج) أو آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عموما فخذه قليلا من كثير وكثيرا من الناس لما خفيت عليهم هذه الدقائق لم يتيسر لهم حل هذه الإشكالات فصاروا بين صامت عن جهل وناطق بما لا يفهم، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .

من أتى بالولاية وحب أهل البيت جاز كالبرق الخاطف

الحادي والعشرون عن كنز الفوائد للكراجكي  قال روى محمد بن مؤمن الشيرازي  في تفسيره بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( إذا كان يوم القيامة أمر الله مالكا أن يسعر النيران السبع وأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمان ويقول يا ميكائيل مد الصراط على متن جهنم ويقول يا جبرئيل علق ميزان العدل تحت العرش ويقول يا محمد قرب أمتك للحساب ثم يأمر الله تعالى أن يعقد على الصراط سبع قناطر طول كل قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ وعلى كل قنطرة سبعون ألف ملك يسألون هذه الأمة نساءهم ورجالهم على القنطرة الأولى عن ولاية أمير المؤمنين وحب أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن أتى به جاز القنطرة الأولى كالبرق الخاطف ومن لا يحب أهل بيته سقط على أم رأسه في قعر جهنم ولو كان معه من أعمال البر عمل سبعين صديقا).

 

ذكر الله وذكر رسوله وأهل بيته عبادة

الثاني والعشرون كتاب المحجة فيما نزل في القائم الحجة للسيد العلامة التوبلي  عن اختصاص المفيد  ، عن محمد بن علي بن بابويه ، قال حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن موسى بن عمران ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن علي بن سالم ، عن أبيه، عن سالم بن دينار ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت ابن عباس يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ذكر الله  عبادة وذكري عبادة وذكر علي عبادة وذكر الأئمة من ولده عبادة والذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إن وصيي لأفضل الأوصياء وإنه لحجة الله على عباده وخليفته على خلقه ومن ولده الأئمة الهداة بعدي بهم يحبس الله العذاب عن أهل الأرض وبهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبهم يمسك الجبال أن تميد بهم وبهم يسقي خلقه الغيث وبهم يخرج النبات أولئك أولياء الله حقا وخلفاؤه  صدقا عدتهم عدة الشهور وهي اثنا عشر شهرا وعدتهم عدة نقباء موسى بن عمران ثم تلا (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية ﴿والسماء ذات البروج﴾ ، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : تقدر يا ابن عباس إن الله يقسم بالسماء ذات البروج ويعني به السماء وبروجها قلت يا رسول الله فما ذاك قال أما السماء فأنا وأما البروج فالأئمة بعدي أولهم علي وآخرهم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين).

 

سجود الملائكة وامتناع إبليس

الثالث والعشرون تفسير الإمام (عليه السلام) قال : قال الحسين بن علي (عليهم السلام) : (إن الله تعالى لما خلق آدم، وسواه، وعلمه أسماء كل شيء وعرضهم على الملائكة، جعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) أشباحا خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش، فأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، تعظيما له أنه قد فضله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم أنوارها الآفاق. فسجدوا إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله، وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت، وقد تواضعت لها الملائكة كلها واستكبر، وترفع وكان بإبائه ذلك وتكبره من الكافرين).

 

بيان أسمائهم عليهم السلام لآدم عليه السلام

الرابع والعشرون وفيه قال : قال علي بن الحسين (عليه السلام) حدثني أبي عن أبيه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال :‏( يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه، إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور، ولم يتبين الأشباح. فقال يا رب ما هذه الأنوار قال الله  أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاء لتلك الأشباح. فقال آدم يا رب لو بينتها لي فقال الله تعالى انظر يا آدم إلى ذروة العرش. فنظر آدم (عليه السلام) ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش، فانطبع فيه صور أشباحنا كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا. فقال ما هذه الأشباح يا رب فقال الله يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا الحميد المحمود في أفعالي، شققت له اسما من اسمي. وهذا علي، وأنا العلي العظيم، شققت له اسما من اسمي. وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرضين، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عما يعتريهم ويشينهم فشققت لها اسما من اسمي. وهذا الحسن وهذا الحسين وأنا المحسن المجمل شققت لهما اسما من اسمي هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي، بهم آخذ، وبهم أعطي، وبهم أعاقب، وبهم أثيب، فتوسل إلي بهم. يا آدم، وإذا دهتك داهية، فاجعلهم إلي شفعاءك، فإني آليت على نفسي قسما حقا لا أخيب بهم آملا، ولا أرد بهم سائلا. فلذلك حين زلت منه الخطيئة، دعا الله  بهم فتاب عليه وغفر له).

 

لم لم يطق أمير المؤمنين حمل رسول الله عند حط الأصنام

الخامس والعشرون علل الصدوق  حدثنا أبو علي أحمد بن يحيى المكتب، قال : حدثنا أحمد بن محمد الوراق ، قال : حدثنا بشر بن سعيد بن قلبويه المعدل بالرافقة ، قال : حدثنا عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني ، قال : سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول :سألت جعفر بن محمد (عليهم السلام) فقلت له : يا ابن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها .

فقال : إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني وإن شئت فسل .

قال : قلت له يا ابن رسول الله وبأي شي‏ء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي.

فقال : بالتوسم والتفرس أما سمعت قول الله ﴿إن في ذلك لآيات للمتوسمين﴾ وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله .

قال : فقلت له يا ابن رسول الله فأخبرني بمسألتي .

قال : أردت أن تسألني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم لم يطق حمله علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند حط الأصنام من سطح الكعبة مع قوته وشدته وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر والرمي به إلى ورائه أربعين ذراعا وكان لا يطيق حمله أربعون رجلا وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يركب الناقة والفرس والحمار وركب البراق ليلة المعراج وكل ذلك دون علي في القوة والشدة .

قال : فقلت له عن هذا والله أردت أن أسألك يا ابن رسول الله فأخبرني.

فقال : إن عليا (عليه السلام) برسول الله تشرف وبه ارتفع وبه وصل إلى أن أطفأ نار الشرك وأبطل كل معبود من دون الله  ولو علاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لحط الأصنام لكان (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلي مرتفعا ومتشرفا وواصلا إلى حط الأصنام ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه ألا ترى أن عليا (عليه السلام) قال لما علوت ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شرفت وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها .

أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله وقد قال علي (عليه السلام) أنا من أحمد كالضوء من الضوء أما علمت أن محمدا وعليا صلوات الله عليهما كانا نورا بين يدي الله  قبل خلق الخلق بألفي عام وأن الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلا قد تشعب منه شعاع لامع فقالت إلهنا وسيدنا ما هذا النور فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي ولولاهما ما خلقت خلقي.

أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رفع يد علي (عليه السلام) بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما فجعله مولى المسلمين وإمامهم وقد احتمل الحسن والحسين (عليهم السلام) يوم حظيرة بني النجار فلما قال له بعض أصحابه ناولني أحدهما يا رسول الله قال نعم الراكبان وأبوهما خير منهما وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلما سلم قيل له يا رسول الله لقد أطلت هذه السجدة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعاجله حتى ينزل وإنما أراد بذلك (صلى الله عليه وآله وسلم) رفعهم وتشريفهم فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إمام ونبي وعلي (عليه السلام) إمام ليس بنبي ولا رسول فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة .

قال محمد بن حرب الهلالي : فقلت له زدني يا ابن رسول الله.

فقال : إنك لأهل للزيادة ، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حمل عليا (عليه السلام) على ظهره يريد بذلك أنه أبو ولده وإمام الأئمة من صلبه كما حول رداءه في صلاة الاستسقاء وأراد أن يعلم أصحابه بذلك أنه قد تحول الجدب خصبا.

قال : قلت له زدني يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقال : احتمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) يريد بذلك أن يعلم قومه أنه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما عليه من الدين والعدات والأداء عنه من بعده .

قال : فقلت له يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زدني .

فقال : احتمله ليعلم بذلك أنه قد احتمله وما حمل إلا لأنه معصوم لا يحمل وزرا فتكون أفعاله عند الناس حكمة وصوابا وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي يا علي إن الله تبارك وتعالى حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي وذلك قوله تعالى ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾ ولما أنزل الله  عليه ﴿عليكم أنفسكم﴾ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وعلي نفسي وأخي أطيعوا عليا فإنه مطهر معصوم لا يضل ولا يشقى ثم تلا هذه الآية ﴿قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين﴾.

قال محمد بن حرب الهلالي : ثم قال جعفر بن محمد (عليه السلام) : أيها الأمير لو أخبرتك بما في حمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا عند حط الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به لقلت إن جعفر بن محمد لمجنون فحسبك من ذلك ما قد سمعت ، فقمت إليه وقبلت رأسه وقلت الله أعلم حيث يجعل رسالته).

 

عرض الولاية على الحجر والمدر والبحار والجبال والشجر

السادس والعشرون عن بشارة المصطفى‏ محمد بن علي بن عبد الصمد، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي أحمد بن جعفر البيهقي ، عن علي بن المديني ، عن الفضل بن حباب ، عن مسدد عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال : (كنت أنا وأبو ذر وبلال نسير ذات يوم مع علي بن أبي طالب فنظر علي إلى بطيخ فحل درهما ودفعه إلى بلال فقال : ايتني بهذا الدرهم من هذا البطيخ ، ومضى علي إلى منزله فما شعرنا إلا وبلال قد وافى بالبطيخ ، فأخذ علي بطيخة فقطعها فإذا هي مرة ، فقال : يا بلال ابعد بهذا البطيخ عني وأقبل علي حتى أحدثك بحديث حدثني به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويده على منكبي إن الله تبارك وتعالى طرح حبي على الحجر والمدر والبحار والجبال والشجر فما أجاب إلى حبي عذب وما لم يجب إلى حبي خبث ومر وإني لأظن أن هذا البطيخ مما لم يجب إلى حبي)‏.

 

حديث آخر مثله

السابع والعشرون عن الاختصاص عن عمران بن يسار اليشكري، عن أبي حفص المدلجي ، عن شريف بن ربيعة ، عن قنبر مولى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : (كنت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ دخل رجل فقال : يا أمير المؤمنين أنا أشتهي بطيخا ، قال : فأمرني أمير المؤمنين (عليه السلام) بشراء بطيخ فوجهت بدرهم فجاءونا بثلاث بطيخات فقطعت واحدة فإذا هي مرة فقلت : مرة يا أمير المؤمنين فقال ارم بها من النار وإلى النار ، قال : وقطعت الثانية فإذا هي حامضة فقلت حامضة يا أمير المؤمنين، فقال : ارم بها من النار وإلى النار، قال : فقطعت الثالثة فإذا مدودة فقلت مدودة يا أمير المؤمنين ، فقال ارم بها من النار وإلى النار ، قال : ثم وجهت بدرهم آخر فجاءونا بثلاث بطيخات فوثبت على قدمي فقلت اعفني يا أمير المؤمنين عن قطعه كأنه تأثم بقطعه ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : اجلس يا قنبر فإنها مأمورة ، فجلست فقطعت واحدة فإذا هي حلوة فقلت حلوة يا أمير المؤمنين ، فقال : كل وأطعمنا ، فأكلت ضلعا وأطعمته ضلعا وأطعمت الجليس ضلعا ، فالتفت إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : يا قنبر إن الله تبارك وتعالى عرض ولايتنا على أهل السماوات وأهل الأرض من الجن والإنس والثمر وغير ذلك فما قبل منه ولايتنا طاب وطهر وعذب وما لم يقبل منه خبث وردؤ ونتن).

 

عظمة يوم الغدير

الثامن والعشرون إقبال الأعمال رضي الدين بن طاووس  عن كتاب النشر والطي بإسناده عن الرضا (عليه السلام) قال : (إذا كان يوم القيامة زفت أربعة أيام إلى الله كما تزف العروس إلى خدرها ، قيل : ما هذه الأيام ؟ ، قال: يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة ويوم الغدير ، وإن يوم الغدير بين الأضحى والفطر والجمعة كالقمر بين الكواكب ، وهو اليوم الذي نجا فيه إبراهيم الخليل من النار فصامه شكرا لله ، وهو  اليوم الذي أكمل الله به الدين في إقامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا أمير المؤمنين علما وأبان فضيلته ووصايته فصام ذلك اليوم ، وإنه ليوم الكمال ويوم مرغمة الشيطان ، ويوم تقبل أعمال الشيعة ومحبي آل محمد ، وهو اليوم الذي يعمد الله فيه إلى ما عمله المخالفون فيجعله هباء منثورا ، وهو اليوم الذي يأمر جبرئيل (عليه السلام) أن ينصب كرسي كرامة الله بإزاء بيت المعمور ويصعده جبرئيل (عليه السلام) وتجتمع إليه الملائكة من جميع السماوات ويثنون على محمد ويستغفرون لشيعة أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) ومحبيهم من ولد آدم (عليه السلام) ، وهو اليوم الذي يأمر الله فيه الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن محبي أهل البيت وشيعتهم ثلاثة أيام من يوم الغدير ولا يكتبون عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لمحمد وعلي والأئمة ، وهو اليوم الذي جعله الله لمحمد وآله وذوي رحمته ، وهو اليوم الذي يزيد الله في حال من عبد فيه ووسع على عياله ونفسه وإخوانه ويعتقه الله من النار ، وهو اليوم الذي يجعل الله فيه سعي الشيعة مشكورا وذنبهم مغفورا وعملهم مقبولا، وهو يوم تنفيس الكرب ويوم تحطيط الوزر ويوم الحباء والعطية ويوم نشر العلم ويوم البشارة والعيد الأكبر ويوم يستجاب فيه الدعاء ويوم الموقف العظيم ويوم لبس الثياب ونزع السواد ويوم الشرط المشروط ويوم نفي الهموم‏ ويوم الصفح عن مذنبي شيعة أمير المؤمنين ، وهو يوم السبقة ويوم إكثار الصلاة على محمد وآل محمد ويوم الرضا ويوم عيد أهل بيت محمد ويوم قبول الأعمال ويوم طلب الزيادة ويوم استراحة المؤمنين ويوم المتاجرة ويوم التودد ويوم الوصول إلى رحمة الله ويوم التزكية ويوم ترك الكبائر والذنوب ويوم العبادة ويوم تفطير الصائمين فمن فطر فيه صائما مؤمنا كان كمن أطعم فئاما وفئاما إلى أن عد عشرا ثم قال أوتدري ما الفئام قال لا قال مائة ألف، وهو يوم التهنية يهني بعضكم بعضا فإذا لقي المؤمن أخاه يقول الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) ، وهو يوم التبسم في وجوه الناس من أهل الإيمان فمن تبسم في وجه أخيه يوم الغدير نظر الله إليه يوم القيامة بالرحمة وقضى له ألف حاجة وبنى له قصرا في الجنة من درة بيضاء ونضر وجهه ، وهو يوم الزينة فمن تزين ليوم الغدير غفر الله له كل خطيئة عملها صغيرة أو كبيرة وبعث الله إليه ملائكة يكتبون له الحسنات ويرفعون له الدرجات إلى قابل مثل ذلك اليوم فإن مات مات شهيدا وإن عاش عاش سعيدا ومن أطعم مؤمنا كان كمن أطعم جميع الأنبياء والصديقين ومن زار فيه مؤمنا أدخل الله قبره سبعين نورا ووسع في قبره ويزور قبره كل يوم سبعون ألف ملك ويبشرونه بالجنة، وفي يوم الغدير عرض الله الولاية على أهل السماوات السبع فسبق إليها أهل السماء السابعة فزينها بالعرش ثم سبق إليها أهل السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور ثم سبق إليها أهل السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت مكة فزينها بالكعبة ثم سبقت إليها المدينة فزينها بالمصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وعرضها على الجبال فأول جبل أقر بذلك ثلاثة جبال جبل العقيق وجبل الفيروزج وجبل الياقوت فصارت هذه الجبال جبالهن وأفضل الجواهر ، ثم سبقت إليها جبال أخر فصارت معادن الذهب والفضة ، وما لم يقر بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئا، وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منها صار عذبا وما أنكر صار ملحا أجاجا ، وعرضها في ذلك اليوم على النبات فما قبله صار حلوا طيبا وما لم يقبل صار مرا ، ثم عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما أنكرها صار أخرس مثل اللكن ، ومثل المؤمنين في قبولهم ولاء أمير المؤمنين في يوم غدير خم كمثل الملائكة في سجودهم لآدم ، ومثل من أبى ولاية أمير المؤمنين في يوم الغدير مثل إبليس وفي هذا اليوم أنزلت هذه الآية ﴿اليوم أكملت لكم دينكم...﴾ وما بعث الله نبيا إلا وكان يوم بعثه مثل يوم الغدير عنده وعرف حرمته إذ نصب لأمته وصيا وخليفة من بعده في ذلك اليوم).

 

تحقيق لطيف في رفع القلم عن المحبين

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب قوله (عليه السلام) (يأمر الله الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن محبي أهل البيت..ألخ) قد صارت هذه الفقرة مطرحا بين الناس فأولها بعضهم بتأويلات عنيفة من قبل استبعادهم لظاهرها وأنا لم أعرف إلى الآن وجه الإشكال فيها أنه ما ضرورة أنه لا فرق بين عدم كتابة الخطايا رأسا وبين العفو عنها بعد الكتابة مع أن الشق الثاني مما لم يستوحش منه أحد فإنهم يمرون على الآيات والأخبار الواردة متواترة في هذا المعنى كقوله تعالى ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ وقوله  ﴿ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾ وقد عرفت من مداليل الأخبار أن المراد بذلك ذنوب الشيعة وحديث (من بكى على الحسين (عليه السلام) حتى خرج من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر) وأمثال ذلك من الأخبار في خصوص أعمال مخصوصة من أعمال البر فإنها أكثر من أن تحصى كثرة فإنهم يمرون عليها ولا يستشكلون في شيء منها أبدا مع أن الشقين يسقيان بماء واحد. نعم ربما يتوهم أن مؤدى الحديث الترخيص في ارتكاب المعاصي وليس كما توهم لأنه (عليه السلام) إنما قال الخطايا ولا ريب إن الخطيئة ما يشوبه نوع ذهول أو تساهل في حفظ النفس عنها وليست كالعصيان الصادر عن التعمد المحض وإن كان المكلف غير معذور في ذلك الذهول والتساهل فليس هذا ترخيصا في ارتكاب المناهي كما فهمه الجهال فصار منشأ لاستشكالهم وتمسك به أصحاب الترخص وعبيد الأعذار فجعلوا يتعمدون الملاهي فيه اتكالا على الحديث المذكور وزاد في علة خبطهم في ذلك ترجمة مولانا المجلسي  للحديث في كتابه زاد المعاد بما هو خارج عن لفظ الخبر فإنه قال فيه بما هذا لفظه (وإين روزي أست كه أمر ميكند حق تعالى ملائكة نويسند كان أعمال راكه قلم بردارند أزمحبان أهل بيت وشيعيان إيشان تاسه روز أز رو غدير وننويسند هيج خطا وكناه إيشان را) إلى آخر كلامه فإنه لم يقتصر في الترجمة على لفظ الخطأ كما هو لفظ الحديث الشريف بل زاد عليه لفظ (كناه) توضيحا وهو أعم من الخطأ فزعم من لم يراجع أصل متن الخبر أنه مذكور فيه فزاد في خطئهم في ذلك وبالجملة الخطيئة لا تقاس لسائر المعاصي الناشئة عن التعمد والمشاقة.

وإن أردت معرفة الفرق بين الأمرين فانظر في قول سيد الساجدين روحي له الفداء في دعاء سحر رمضان الطويل فإنه (عليه السلام) قال فيه (إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد، ولا بأمرك مستخف، ولا لعقوبتك متعرض، ولا لوعيدك متهاون، ولكن خطيئة عرضت وسولت لي نفسي وغلبني هواي، وأعانني عليها شقوتي، وغرني سترك المرخى علي) الدعاء، فانظر كيف اعتذر (عليه السلام) عن المعصية بكونها خطيئة صدرت لا عن استخفاف بأمر الله أو لتعرض لعقوبته أو تهاون لوعيده.

وبالجملة إن الخطيئة في الحقيقة بمعنى العثرة ولذا ربما يؤتى في العفو عنها بلفظ الإقالة كما في الدعاء المذكور أيضا حيث قال (عليه السلام) (أنا الصغير الذي ربيته.. إلى أن قال: والخاطئ الذي أقلته) الدعاء، فظهر أن مؤدى الحديث ليس ترخيصا في المناهي والتعمد على المعصية كما فهمه القاصرون فهو على ظاهره من غير إشكال وإنما الإشكال في أفهام الناظرين فيه بغير تأمل حيث زعموا أن المراد به رفع القلم عن العباد والإذن لهم فيما يشاؤون من المعاصي الموبقة - تعالى الله عن ذلك - فدعا هذا الزعم بعضهم إلى تأويله بوجوه بعيدة وآخرين بالتجرئ على ارتكاب الموبقات عن تجاسر وتعمد وكلا الفريقين بمعزل عن فهم مراد المعصوم عصمنا الله وإخواننا من الخطأ والخطل في القول والعمل.

تحقيق آخر في عرض ولايتهم على الجبال و....إلخ .

ثم إن بعض الناس استشكلوا في هذا الحديث وما في معناه من الأخبار من جهة أخرى وهي عرض الولاية على الأرضين والجبال والمياه والنبات والحيوان وقبول بعض منها لها وإنكار بعض آخر من قبيل أنها فاقدة للعقل والشعور والتكليف فرع ذلك، ومن الواجب نقل كلام لبعض الأعلام في هذا الباب ثم التعرض للجواب عنه بما يقتضيه سبيل الصواب وإن كان مؤديا إلى التطويل والإطناب فإنه مفيد فوائد غير محصورة في فهم حقائق الأخبار وليس كسائر الكلمات الزائدة المذيل بها الأخبار المؤدية إلى ملال الطباع.

فنقول : قال بعض الأعلام السابقين في جواب من سأله فقال: ما القول في الأخبار الواردة في عدة كتب من الأصول والفروع بمدح أجناس من الطير والبهائم والمأكولات والأرضين وذم أجناس منها كمدح الحمام والبلبل والقبرة والحجل والدراج وما شاكل ذلك من فصيحات الطير وذم الفواخت والرخم، وما يحكى من أن كل جنس من هذه الأجناس المحمودة تنطق بثناء على الله تعالى وعلى أوليائه ودعاء لهم ودعاء على أعدائهم، وأن كل جنس من هذه الأجناس المذمومة تنطق بضد ذلك من ذم الأولياء (عليهم السلام)، وكذم الجري وما شاكله من السمك وما نطق به الجري من أنه مسخ بجحده الولاية، وورود الآثار بتحريمه لذلك وكذم الدب والقرد والفيل وسائر المسوخ المحرمة وكذم البطيخة التي كسرها أمير المؤمنين (عليه السلام) فصادفها مرة فقال من النار وإلى النار ورمى بها من يده (عليه السلام) فصار من الموضع الذي سقطت فيه دخان وكذم الأرضين السبخة والقول بأنها جحدت الولاية أيضا وقد جاء في هذا المعنى ما يطول شرحه وظاهره مناف لما تدل العقول عليه من كون هذه الأجناس مفارقة لقبيل ما يجوز تكليفه ويسوغ أمره ونهيه، وفي هذه الأخبار التي أشرنا إليها أن بعض هذه الأجناس يعتقد الحق ويدين به وبعضها يخالفه وهذا كله مناف لظاهر ما العقلاء عليه ومنها ما يشهد أن لهذه الأجناس منطقا مفهوما وألفاظا تفيد أغراضا وأنها بمنزلة الأعجمي والعربي الذين لا يفهم أحدهما لغة صاحبه وإن شاهد ذلك من قول الله سبحانه فيما حكاه عن سليمان (عليه السلام) ﴿يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء﴾الآية وكلام النملة أيضا مما حكاه الله تعالى وكلام الهدهد واحتجاجه وفهمه وجوابه فليقم بذكر ما عنده مثابا إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق.

هذا صورة السؤال فأجاب ذلك العالم المسؤول عن ذلك بما هذا لفظه: اعلم أن المعول فيما يعتقد على ما تدل الأدلة عليه من نفي وإثبات فإذا دلت الأدلة على أمر من الأمور وجب أن يبنى كل وارد من الأخبار إذا كان ظاهره بخلافه عليه ونسوقه إليه ونطابق بينه وبينه ونخلي ظاهرا إن كان له ونشرطه إن كان مطلقا ونخصه إن كان عاما ونفصله إن كان مجملا ونوفق بينه وبين الأدلة من كل طريق اقتضى الموافقة وآل إلى المطابقة، وإذا كنا نفعل ذلك ولا نحتشمه في ظواهر القرآن المقطوع على صحته المعلوم وروده فكيف نتوقف عن ذلك في أخبار آحاد لا توجب علما ولا تثمر يقينا فمتى وردت عليك أخبار فاعرضها على هذه الجملة وابنها عليها وافعل فيها ما حكمت به الأدلة وأوجبته الحجج العقلية، وإن تعذر فبها بناء تأويل وتخريج وتنزيل فليس غير الإطراح لها وترك التصريح عليها ولو اقتصرنا على هذه الجملة لاكتفينا فيمن يتدبر ويتفكر.

وقد يجوز أن يكون المراد بذم هذه الأجناس من الطير أنها ناطقة بضد الثناء على الله وبذم أوليائه وبغض أصفيائه متخذيها ومرتبطيها وأن هؤلاء المقرين بمحبة هذه الأجناس واتخاذها هم الذين ينطقون بضد الثناء على الله تبارك وتعالى ويذمون أولياءه وأحباءه فأضاف النطق إلى هذه الأجناس وهو لمتخذيها أو مرتبطيها للتجاوز والتقارب على سبيل التجوز والاستعارة، كما أضاف الله تبارك وتعالى السؤال في القرآن إلى القرية وإنما هو لأهل القرية وكما قال تعالى ﴿وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا﴾ وفي هذا كله حذوف وقد أضيف في الظاهر الفعل إلى من هو في الحقيقة متعلق بغيره، والقول في مدح أجناس من الطير والوصف لها بأنها تنطق بالثناء على الله  والمدح لأوليائه يجري على هذا المنهج الذي نهجناه.

فإن قيل : كيف يستحق مرتبط هذه الأجناس مدحا بارتباطها ومرتبط بعض آخر ذما بارتباطه حتى علقهم المدح والذم بذلك.

قلنا : ما جعلنا لارتباط هذه الأجناس حظا في استحقاق مرتبطها مدحا ولا ذما، وإنما قلنا إنه غير ممتنع أن تجري عادة المؤمنين الموالين لأولياء الله تعالى والمعادين لأعدائه بأن يألفوا ارتباط أجناس من الطير، وكذلك تجري عادة بعض أعداء الله تعالى باتخاذ بعض أجناس الطير فيكون متخذ بعضها ممدوحا لا من أجل اتخاذه لكن لما هو عليه من الاتخاذ الصحيح فيضاف المدح إلى هذه الأجناس وهو لمرتبطها والنطق بالتسبيح والدعاء الصحيح إليها وهو لمتخذها تجوزا واتساعا وكذلك القول في الذم المقابل للمدح.

فإن قيل فلم ينهى عن اتخاذ بعض هذه الأجناس إذا كان الذم لا يتعلق باتخاذها وإنما يتعلق ببعض متخذيها لكفرهم وضلالتهم؟ .

قلنا : يجوز أن يكون في اتخاذ هذه البهائم المنهي عن اتخاذها وارتباطها مفسدة وليس يقبح خلقها في الأصل لهذا الوجه لأنها خلقت لينتفع بها من سائر وجوه الانتفاع سوى الارتباط والاتخاذ الذي لا يمتنع تعلق المفسدة به، ويجوز أيضا أن يكون في اتخاذ هذه الأجناس المنهي عنها شؤم وطيرة فللعرب في ذلك مذهب معروف ويصح هذا النهي أيضا على مذهب من نفى الطيرة على التحقيق لأن الطيرة والتشؤم وإن كان لا تأثير لهما على التحقيق فإن النفوس تستشعر ذلك ويسبق إليها ما يجب على كل حال تجنبه والتوقي منه وعلى هذا يحتمل معنى قوله (عليه السلام) (لا يورد ذو عاهة على مصح) فأما تحريم السمك الجري وما أشبهه فغير ممتنع لشيء يتعلق بالمفسدة في تناوله كما نقول في سائر المحرمات.

فأما القول بأن الجري نطق بأنه مسخ لجحده الولاية فهو مما يضحك منه ويتعجب من قائله والملتفت إلى مثله فأما تحريم الدب والقرد والفيل فكتحريم كل محرم في الشريعة والوجه في التحريم لا يختلف. والقول بأنها ممسوخة إذا تكلفنا حملناها على أنها كانت على خلق حميدة ثم جعلت على هذه الصور الشينة على سبيل التغير عنها والزيادة عن الضد في الانتفاع بها لأن بعض الأحياء لا يجوز أن يكون غيره على الحقيقة والفرق بين كل حين معلوم ضرورة فكيف يجوز أن يكون حي حيا آخر غيره وإذا أريد بالمسخ هذا فهو باطل وإن أريد غيره نظرنا فيه، وأما البطيخة فقد يجوز أن يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) لما ذاقها ونفر عن طعمها وزادت كراهة له قال (من النار إلى النار) أي هذا من طعام أهل النار وما يليق بعذاب أهل النار كما يقول أحدنا ذلك فيما يسوءه ويكرهه ويجوز أن يكون فوران الدخان عند الإلقاء لها على سبيل التصديق لقوله (عليه السلام) (من النار إلى النار) وإظهار معجز له.

وأما ذم الأرضين السبخة والقول بأنها جحدت الولاية فمتى لم يكن محمولا معناه على ما قدمناه من جحد أهل هذه الأرض وسكانها الولاية لم يكن معقولا ولا يجري ذلك مجرى قوله تعالى ﴿وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله﴾.

وأما إضافة اعتقاد الحق إلى بعض البهائم واعتقاد الباطل والكفر إلى بعض آخر فما يخالفه العقول والضرورات لأن هذه البهائم غير عاقلة ولا كاملة ولا مكلفة فكيف تعتقد حقا أو باطلا وإذا ورد أثر في ظاهره شيء من هذه المحالات قلنا فيه إما اطراح أو تأول على المعنى الصحيح وقد نهجنا طريق التأويل وبينا كيف التوسل إليه.

فأما حكايته تبارك وتعالى عن سليمان (عليه السلام) ﴿يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء﴾، الآية. فالمراد به أنه علم ما يفهم به ما تنطق به الطير وتتداعى في أصواتها وأغراضها ومقاصدها بما يقع منها من صياح على سبيل المعجزة لسليمان (عليه السلام) .

وأما الحكاية عن النملة بأنها ﴿قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان﴾ فقد يجوز أن يكون المراد به أنه ظهر منها دلالة القول على هذا المعنى وأشعرت ما في النمل وخوفتهم من الضرر بالمقام وأن النجاة في الهرب إلى مساكنها فيكون إضافة القول إليه مجازا واستعارة كما قال الشاعر:

وشكى إلي بعيره وتحمحم

وكما قال الآخر:

وقالت له العينان سمعا وطاعة

ويجوز أن يكون وقع من النملة كلام أو حروف منظومة كما يتكلم أحدنا بتضمن المعاني المذكورة ويكون ذلك معجزة لسليمان (عليه السلام) لأن الله تعالى سخر له الطير وأفهمه معاني أصواتها على سبيل المعجز له، وليس هذا بمنكر فإن النطق بمثل هذا الكلام المسموع منا لا يمتنع وقوعه ممن ليس بمكلف ولا كامل العقل. ألا ترى أن المجنون ومن لم يبلغ الكمال من الصبيان قد يتكلفون للأغراض وإن كان التكليف والكمال عنهم زائلين والقول فيما حكي عن الهدهد يجري على الوجهين الذين ذكرناهما في النملة فلا حاجة بنا إلى إعادتهما وأما حكايته أنه قال ﴿لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ﴾. فكيف يجوز أن يكون ذلك في الهدهد وهو غير مكلف ولا يستحق مثله العذاب؟

والجواب عنه : أن العذاب اسم الضرر الواقع وإن لم يكن مستحقا فليس يجري مجرى العقاب الذي لا يكون إلا جزاء على أمر تقدم فليس يمتنع أن يكون معنى ﴿لأعذبنه﴾ أي لأولمنه ويكون الله تعالى قد أباح الإيلام له كما أباحه الذبح له لضرب من المصلحة كما سخر له الطير يصرفها في منافعه وأغراضه وكل هذا لا ينكر في نبي مرسل تخرق له العادات وتظهر على يده المعجزات وإنما يشتبه على قوم يظنون أن هذه الحكايات يقتضي كون النملة والهدهد مكلفين وقد بينا أن الأمر بخلاف ذلك انتهى كلامه  تعالى.

أقول ومن الله الإعانة والتوفيق : قد عرفت في مقدمات الكتاب حال حجية العقول الناقصة وأنها ليست بحاكمة على الكتاب والسنة وإنما الكتاب والسنة هما الحاكمان عليها، فكلما حكم به الكتاب والسنة يجب على العقول اتباعه والتصديق به وإن لم تعرف وجهه وحقيقته على التحقيق إذ ليس كل أمر حق مما تدركه عقولنا الضعيفة، إذ كم من خبايا في زوايا قد قصرت عن معرفتها أحلام الحكماء البالغين فضلا عن غيرهم من القاصرين، نعم إذا حكمت جميع العقول على سبيل الاتفاق على إثبات شيء أو نفيه فهو حق ولا يكون مثل ذلك الأمر مما يكون فيه الكتاب والسنة مخالفين للعقول وإن ورد فيهما ما ظاهره المخالفة فلا بد أن يكون فيهما ما ينفيه ويشير إلى وجه التأويل فيه لأن الكتاب والسنة إنما نصبا للهداية لا للإضلال والإغراء بالجهل وهما معصومان من الخطأ والسهو والغفلة.

وأما الأمور النظرية التي ربما تختلف فيها العقول باختلاف أنظارها وترتيبها للقياسات النظرية فالواجب فيها الرجوع إلى محكمات الكتاب والسنة وجعلهما حاكمين بين العقول ليميزا بين المصيب منها والمخطئ ببيان لائح لا يحتمل التأويل والاشتباه فقول الفاضل المذكور أن المعول فيما يعتقد على الأدلة العقلية إن أراد بها ما اتفقت العقول عليه بحيث قد صار ضروريا عندها فهو حق ولكن لا بد حينئذ من موافقة محكم الكتاب والسنة لها فحينئذ يرد متشابهها إلى ذلك المحكم المجمع على تأويله وإن أراد بها الأدلة النظرية أيضا فهو على إطلاقه غير سديد بجواز وقوع الخطأ في المقدمات أو ترتب التسامح عليها فلابد حينئذ من ميزان يعرف به الصحيح من السقيم وليس إلا كلام الله وكلام حججه المبعوثين من عنده فما وافقهما فهو الحق وما خالفهما فهو الباطل وبالجملة إذا خالف الدليل محكم الكتاب والسنة فهو يكشف عن وقوع خلل فيه فيسقط عن الحقيقة فجعل حكم العقل هو الميزان في تمييز الحق من الباطل خروج عن قانون الصواب ، بل الكتاب والسنة هما الميزانان القويمان في ذلك على الإطلاق وكيف لا وقد أخبر النبي المبعوث من عند الله أنه ترك فينا ثقلين من تمسك بهما لن يضل أبدا كتاب الله وعترته ولو كان للعقول الناقصة صلاحية ذلك لصرح به في مقام الإرشاد وتسهيل الأمر على المكلفين وحيث لم يصرح بذلك في مقام الحاجة بل صرح أهل بيته المخبرون عنه بخلافه حيث قالوا (إن دين الله لا يصاب بالعقول) عرفنا أنه لا يصلح للحجية بنفسه بل يجب لها اتباع الكتاب والعترة والاستناد فيما تريد معرفته من الأمور العلمية والعملية إليهما والذي يشذ عن ذلك فليس على شيء لأنا ربما نجد في الكتاب والسنة ما لا تقبله العقول الناقصة بل تحكم على خلافه لعدم قدرتها على العثور على سره ومأخذه ومثل ذلك كثير فيهما جدا، منهما وجوب الدية على العاقلة في قتل الخطأ فلو كان المدار على حكم العقول الناقصة لوجب علينا طرح تلك الأحكام أو تأويلها بما لا يخالف حكم العقول وهو كما ترى.

إن قيل : إن الأحكام العملية مبنية على حكم ومصالح خفية ولا طريق للعقول إلى معرفة كثير منها فيجب لها قبولها على طريق التعبد ولا كلام لنا في ذلك وإنما الكلام في الأمور الاعتقادية.

قلنا : أي فرق بين الأمور العملية والاعتقادية وما وجه التخصيص في ذلك فإنا لم نجد إلى الآن من يدعي هذا الفرق دليلا يصلح للتخصيص سوى أمور زيفناها في أوائل الكتاب على إنا إنما ذكرنا ما ذكرنا على طريق التمثيل وإلا ففي الأمور الاعتقادية أيضا ما يجري هذا المجرى بل فيها أكثر ، منها وجوب عود الأجسام في المعاد فقد حكم الكتاب والسنة بذلك وصرح القوم بأن العقل حاكم على عدم الوجوب لعدم كونها ذوات شعور وإحساس.

فإن قيل : إنما حكم العقل بذلك لأنه لم يعثر على علته ومأخذه وإلا لحكم به كما حكم الشرع.

قلنا : الآن جئت بالحق فاثبت عليه ولكن بعد إبطال جميع ما أتعبت فيه نفسك من نصب الميزان وذلك لأنا إذا جوزنا أن يكون في الكتاب والسنة ما لا يهتدي إلى سره ومأخذه عقول الناس فتحكم في بادي النظر على خلافه وهي مخطئة في ذلك الحكم فقد بطل مرجعية العقل وتحكيمه في مداليل الآيات والأخبار وإذا ثبت ذلك فمن الجائز أن يكون ما عنونت من المسألة من جملة تلك الأمور كما هو كذلك. فبطل قولك إنه متى ما وردت عليك أخبار فاعرضها على هذه الجملة وابنها عليها وافعل ما فيها ما حكمت به الأدلة وأوجبته الحجج العقلية وإن تعذر فيها بناء تأويل وتخريج وتنزيل فليس غير الاطراح لها وترك التصريح عليها،هي. فإن ما لا يقدر على معرفة حقائق الأشياء كما هي ويجوز له الخطأ فيما يحكم به لنقصه وقصوره وعدم عثوره على كثير من الدقائق الخفية التي لا يعثر عليها إلا الله وحججه العالمون بالله بما دخل في حيز أمر كن لا يصلح أن يكون حكما يرجع إليه في تحقيق مداليل الكتاب وسنن الأطياب هذا وما البعد بين هذا القول وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه)،هي. فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرنا برد جميع الأمور إلى كتاب الله وجعل ميزان الحق والباطل موافقة الكتاب ومخالفته وهذا الفاضل يأمرنا برد الكتاب والأخبار إلى عقولنا الناقصة والعمل فيها بما حكمت به من تخصيص عامها وتقييد مطلقها وتفصيل مجملها والطرح لها إذا لم يكن التوفيق بينها وبين ما دلت عليه الحكم لله العلي الكبير.

ثم إن هذا على تقدير تسليم مخالفة ما نحن فيه من المسألة لحكم العقول الناقصة فكيف وهو في حيز المنع فإن لقائل أن يقول يا هذا أخبرنا أي دليل عقلي قام على امتناع تكليف الحيوان والنبات والجماد.

فإن قلت : الدليل فقد هذه الأجناس للشعور والإدراك ، والتكليف فرع ذلك.

قلنا : إن أردت بالشعور والإدراك شعور الإنسان وإدراكه فليس مناط التكليف ذلك وإلا لكانت الجن أيضا غير مكلفين لأنهم أدنى رتبة من الإنسان وعقولهم أضعف من عقول الإنس ، على أنا إذا قسنا مداركنا إلى مدارك الأنبياء والأوصياء كانت مداركنا أنقص من مدارك الحيوان العجم بالقياس إلينا فيجب أن يكون التكليف مخصوصا للأنبياء والأوصياء دون سائر الخلق. وإن أردت به مطلق الشعور الذي هو مناط التكليف في كل شيء بحسبه، فنقول أخبرنا من أخبرك بأنها فاقدة لذلك فإن الحكم على العدم الواقعي يحتاج إلى الدليل .ف

إن قلت : أي دليل أعظم من الحس فإنا نجد تلك الأجناس لا شعور لها ولا إحساس أما الجماد والنبات فغنيان عن الإثبات وأما الحيوان فلفقدانها للنطق والتعقل للأمور الكلية كما ثبت في الحكمة النظرية.

قلنا : أما قولك في الحيوان أنها فاقدة للنطق والتعقل للأمور الكلية ففيه.

أولا: أن الآثار الصادرة من الحيوانات العجم والطيور وحيلهم في أمور معاشهم ومعاشراتهم تخبر من له عينان أن الواقع على خلاف ما زعمت بل تأمل في الغرائب الصادرة عن بعض الأجناس تجدها أبصر ببعض الدقائق من هؤلاء الأناسي المتعارفة ومن أنكر ما ذكرنا فهو غير قابل للخطاب فإذا وجدنا منها ذلك ورجعنا إلى الكتاب والسنة فوجدناهما مصدقين لما أدى إليه وجداننا من قوله تعالى في الهدهد والنملة ومكالماتها العجيبة وتهديد سليمان للأول وأمره بالذهاب بالكتاب إلى بلقيس وكذا وسائر الطير في قوله تعالى ﴿والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه﴾وحكايته عن سليمان ﴿علمنا منطق الطير﴾وقوله﴿وإذا الوحوش حشرت﴾. ومن الأخبار الواردة في هذا المعنى المتواترة معنى من عرض الولاية عليهم والتجائهم إلى النبي وأمير المؤمنين وسائر الأئمة وإظهار بثهم وشكواهم لهم وإخبارهم (عليهم السلام) عن أذكارهم وأقوالهم وكون الطير لا تصاد إلا بتركها الذكر وحديث عفير حمار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونقله للحديث المعنعن عن أبائه عن نوح النبي (عليه السلام) وصياح ذي الجناح وقوله في صهيله لما قتل الحسين (عليه السلام) وروحي له الفداء (الظليمة الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيها) وما يجري هذه المجاري من الأخبار المتجاوزة حد التواتر. فإذا كان الحال على ذلك فكيف يسع لنا ترك كل ذلك والرجوع إلى قول من لا يوجد لقوله دليل لا كثير ولا قليل ثم لا نكتفي بذلك حتى نقع في الآيات والأخبار ونأولها بتأويلات ركيكة تضحك منها الطيور في الأشجار والدواب في الأوكار فضلا عن أرباب العقول السليمة والطباع المستقيمة.

وثانيا : نتنزل عن ذلك ونسلم أنها فاقدة لإدراك الكليات ولكن نقول أي دليل دل على أن شرط تعلق التكليف على الإطلاق إدراك المكلف للكليات وأي عقل حكم بذلك فإن تكليف كل مدرك يكون بحسب إدراكه إن كان كليا فكلي وإن كان جزئيا فجزئي، فحينئذ أي امتناع في أن يكون الله تعالى قد وضع للحيوان تكاليف بقدر إحساسه وإدراكه الجزئي فإن من يقول بكونها مكلفة لا يقول أن تكاليفها من نوع تكاليف الإنسان حتى يقال إنها فاقدة لإدراك الأمور الكلية ولا يسع أحد أن يقول إن الحيوان فاقد لقوة الفاكرة والحافظة والمتخيلة والواهمة والحس المشترك فإن آثار تلك القوى محسوسة فيها لا ينكرها إلا من اختلط عقله وأما الجماد والنبات فنقول غاية ما يمكن لك أن تقول فيها هو أنك لا تحس لها شعورا وإحساسك ليس بشرط في وجود جميع الأشياء إذ كم من أمور خفية أنت لا تدركها بحسك ومع ذلك تصرفها فإنك لا ترى السماوات والجن ولا الملائكة ولا الحيوانات الصغار المنبثة في الجو ولا غير ذلك من كثير من الأمور الجسمانية التي سبيلها الحس مع أن الشعور والإدراك ليس من الأمور المحسوسة ولا يشترط في إدراك كل شيء الحركة الحيوانية أو الأذن والعين والأنف وأشباه تلك من الجوارح حتى إذا لم نجدها في شيء نحكم بفقدانه للشعور والإدراك ومع ذلك لم يقم دليل يدل على امتناع وجود الشعور فيها حتى نحكم بمقتضاه، فدعوى أن الأدلة العقلية قامت على فقدان تلك الأجناس للشعور الذي هو مناط التكليف كما زعم هذا الفاضل خراف محض فإنا لم نجد إلى الآن منها عينا ولا أثرا ومن يدعي وجود ذلك فليأتنا بواحد منها حتى ننظر فيه على أن الدليل المدعى إن كان من الضروريات العقلية فهو مفقود قطعا لأن سبيل الضروري أن تكون جميع العقول متفقة عليه كقبح الظلم وحسن الإحسان فحينئذ يجب أن لا يخفى على أحد ولا يختلف فيه اثنان وأنى للمدعي بذلك.

وإن كان من الأدلة النظرية التي يتطرق إليها احتمال الخلل فقد عرفت أن الميزان في معرفة صحته وسقمه الكتاب والسنة وهما متفقان من غير معارض على ثبوت الشعور لتلك الأشياء فإن خالقها العالم بما خلق أخبر في كتابه المنزل على نبيه المرسل أن لها شعورا بقوله ﴿وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾وقوله ﴿سبح لله ما في السماوات وما في الأرض﴾وقوله ﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخان وقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين﴾وقوله ﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون﴾مع قوله ﴿وإن من أمة إلا خلا فيها نذير﴾ إلى غير ذلك من الآيات الواردة على هذا السياق. وكذا نبيه المرسل وأوصياؤه القائمون مقامه فإنهم كلهم أخبروا عن ذلك بأنحاء متنوعة وطريق مؤدية إلى القطع من أذكار النبات والجماد والرياح والجدران وعرض التوحيد والنبوة والولاية عليها وقبول بعض وامتناع بعض وبكائها على الحسين (عليه السلام) وأشباه ذلك، فإنا لو أردنا إيراد كلما ورد في هذا المساق من الأخبار لاحتجنا إلى تأليف كتاب كبير في ذلك، والعجب من الفاضل المذكور أنه عد تلك الأخبار من الآحاد التي لا توجب علما ولا تثمر يقينا، ولعله  اعتمد منها بما هو مشهور في الألسنة ولم يسترح بمزيد نظره في الباقي حين ورود السؤال ولا قبله ولذا قال ما قال.

وعلى أي حال فإذا دل الكتاب والسنة على أمر من الأمور ولم تقم ضرورة شرعية أو عقلية على خلافه فكيف يجوز لنا صرف كل ذلك عن الظاهر المتبادر منه وحملها على محامل بعيدة من غير استناد إلى دليل يدل عليها سوى الاستبعاد المحض هذا مع ما في وجوه التأويل من الحزازة والركاكة فإن قوله  أن المراد بنسبة هذه الأمور إلى أجناس الدواب والطيور حال متخذيها ومرتبطيها مضافا إلى ما فيه من استمجاج الطباع له خارج عن قانون العربية أو ليس كلما له علاقة التجاوز يجوز التجوز والاتساع فيه وإلا لجاز أن يقال إن ثوب زيد مثلا كافر ويراد به صاحبه واخبرني الفرس أو البعير بكذا ويراد به راكبهما وجاءني رداء فلان أو عمامته ويراد به لابسهما مع أن ذلك كله خارج عن قانون كلمات العرب ومحاوراتهم والوجه في ذلك أن المجازات أيضا لها قانون كلي ووضع نوعي أو صنفي يقتصر فيها بما سمع نوعه أو صنفه من أهل اللسان وقد سمع منهم نسبة أمر إلى القرية وما في معناها وإرادة حال أهلها منه على سبيل الاتساع ولكنه لا يفتح لنا سبيل الاتساع في الطيور والدواب وحال مرتبطيها لإشراك الأمرين في علاقة التجاوز أو غير ذلك من العلائق وإلا لكان باب التجوز مما لا يقف على حد إذ ما من شيء إلا وله بالنسبة إلى ما عداه علاقة من العلائق المجازية والالتزام بذلك يؤدي إلى أمور تضحك منها الثكلى. ومنها تأويله لحديث البطيخ بما سمعت فإنه يكشف عن عدم وقوف قائله على آخر الحديث من عرض الولاية على الأثمار وإلا يعرف أن هذا التأويل لا يلائم ذلك التفصيل.

وأعجب من ذلك كله وأعجب قوله (فأما القول بأن الجري نطق بأنه مسخ لجحده الولاية) فهو مما يضحك منه ويتعجب من قائله والملتفت إلى مثله إلخ. فإن هذا القول (مما يضحك منه ويتعجب من قائله) فإن إنكاره هذا إن كان من جهة نطق الجري يتوهم أنه ممتنع فالواجب عليه حينئذ إنكار جميع المعجزات الصادرة عن أصحاب الوحي من نطق الحصى في كف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونطق الحيوانات من الذئب والبعير وغيرهما في عهده وشهادتها له بالنبوة إلى غير ذلك من المعجزات المتفق عليها بين أهل الإسلام فإن الجري إذا لم يمكن نطقه بأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يمكن نطق الحصى والحيوانات أيضا بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلى الإسلام سلام، وإن كان من جهة جحده الولاية بناء منه على ما قرر سابقا عن كون الحيوانات العجم خارجين عن حيز التكليف فقد عرفت ما فيه على أن هذا ليس من ذاك لأن مبنى خبر الجري على أنه كان آدميا فأنكر الولاية فمسخ بإنكاره جريا فليس هذا من باب تكليف الحيوان وإن كان من جهة امتناع المسخ كما يومي إليه كلامه فيما بعد ذلك فالحكم لله العلي الكبير وكأنه  لم يقرأ قول الله تعالى في أصحاب السبت ﴿فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾وقوله فيهم أيضا ﴿ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾وقوله في تهديد الكفار ﴿ولو نشاء لمسخناهم على‏ مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون﴾ أترى أن الله هدد الكفار بما لا يقدر عليه تعالى الله عن ذلك وكذا ما ورد من الأخبار في قضية أصحاب السبت وغيرهم من طوائف شتى عذبهم الله بالمسخ وكذا الأخبار المتواترة معنى الواردة في حشر المجرمين يوم القيامة بصور شتى من صور الحيوانات وكذا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) للرجل اخسأ وانقلابه بذلك كلبا أو أنه قرأ كل ذلك وأولها بناء على أصله من كون ذلك غير معقول كما يشير إليه قوله فيما بعد لأن بعض الأحياء لا يجوز أن يكون غيره على الحقيقة والفرق بين كل حيين معلوم ضرورة فكيف يجوز أن يكون حي حيا آخر غيره وإذا أريد بالمسخ هذا فهو باطل ..إلخ.

وعليه فنقول: يا هذا إن الكتاب والسنة القطعية المتواترة معنى إذا صرحا بوقوع المسخ ولم يرد فيهما ما يوهم أنها على غير ظاهرها فضلا عن التصريح به ولم نجد من الأمة إلى الآن من أنكر نوع ذلك فكيف يسع أحدا أن يقابله بالإنكار أو يأوله بتأويل غير ظاهر بمجرد التمسك بما ذكرت من عدم جواز انقلاب حي حيا آخر أليس الله الذي خلق الحي لا من شيء بقادر على أن يقلبه ويجعله حيا آخر والله تعالى يقول ﴿أن الله على‏ كل شيء قدير﴾ أفليس هذا القلب من جملة الأشياء أم هو لاحق بعالم الوجود فلا يمكن تغيره عما هو عليه أم قدرة الله تعالى ليست قدرة مطلقة فاختر أيها شئت حتى نتكلم فيه على أنك قد اختلط عليك الأمر في فهم معنى المسخ الذي أثبتته الشريعة الحقة فزعمت كما يظهر من استدلالك أن المراد به نحو ما تقوله المسوخية من ذلك وهو خبط وغلط.

بيانه أن أصحاب التماسخ ذهبوا إلى أن الإنسان إذا مات وخلع البدن الذي كان فيه دخلت روحه في بدن آخر من أبدان الحيوانات ويعيش فيه مدة ثم يموت ويخلعه ويدخل في بدن آخر وهكذا تتقلب في الأبدان إلى أن تستكمل وتلحق بالوجود الحق وقد أبطل هذا المذهب الحكماء الناسكون والعلماء الراسخون بأدلة وبراهين عديدة منها أدلة المعاد وعود المكلفين بعد الموت إلى عالم آخر غير هذا العالم.

ومنها: إن روح كل شيء لا يصلح إلا لبدنه المخصوص به لما برهن عليه في محله من أن بدن كل شيء من تنزل روحه ويعتبر آخر النفس والبدن وجود واحد ممتد هو تمام ما به الشيء هو غايته أنه جمد منه ما بعد من المبدأ وهو طرفه الأسفل المسمى بالبدن وبقي الطرف الأعلى على حالة ظهوره من المبدأ من الذوبان وذلك هو النفس فزيد مثلا إنما هو زيد بنفسه وبدنه المخصوصين به والماهية لا تتبعض وإلا لبطل البقاء للشيء المتبعض فنفس زيد إنما كانت نفس زيد لا عمرو لارتباطها ببدن زيد لا ببدن عمرو كما أن بدن زيد إنما كان بدن زيد لا بدن عمرو لارتباط نفس زيد به لا نفس عمرو ولأن لكل من النفسين حدودا مميزة لا تنشأ من النفس المحدودة بتلك الحدود إلا ذلك البدن الذي هي مخصوصة به وكذا لكل من البدنين حدود لا يقتضي البدن المحدود بتلك الحدود إلا بتلك النفس المخصوصة به، فافهم وتدبر فإنه دقيق جدا ولعل إلى هذا المعنى أشار الفاضل المذكور بقوله أن الفرق بين كل حيين معلوم ضرورة فكيف يجوز أن يكون حي حيا آخر غيره وهو كلام صحيح لكن فيه شيء وهو أن هذا الامتناع امتناع حكمة لا امتناع قدرة فإن قدرة الله أعظم من ذلك وأعظم وهو في نفسه بالنسبة إلى قدرة القادر شيء ممكن لكن حكمة الله لا تقتضي وقوع ذلك لمنافاته للنظام الحكمي فافهم.

ثانيا هذا مذهب المسوخية ودليل بطلانه وأما المسخ الذي ثبت من الشريعة فهو غير هذا النحو وهو أن بدن كل شيء بدنه الواحد على كل حال كما أن نفسه نفسه على كل حال فكما لا تتقلب نفس زيد بنفس عمرو فكذا لا ينقلب بدنه ببدنه ولكن من الممكن أن تنقلب صورة بدنه عما هو عليه بانقلاب صورة نفسه عما هي عليه كانت فينقل من الصورة الإنسانية مثلا إلى الصورة الحيوانية، والسر في ذلك أن الله الحكيم تعالى خلق نوع الإنسان على الصورة الإنسانية بظاهر إجابتهم وقبولهم لتلك الصورة عند سماع كلمة كن وحيث إنه تعالى إنما خلقهم ليوصلهم إلى غاية اجتهاد أدائها منهم وهو إيصالهم إلى السعادة الأبدية وذلك لا يمكن إلا بأخذهم لما يوصلهم إلى تلك الغاية من العقائد والأخلاق والأعمال وتركهم لما يعيقهم عن ذلك من أضداد ما ذكر ولا يتحقق ذلك منهم إلا بكونهم مختارين في الأخذ والترك لأن عمل المجبور كلا عمل ، جعل فيهم حيث خلقهم نفسا ناطقة إنسانية تبعثهم إلى الاعتقادات الحقة والمسلكات الحسنة والأفعال المرغوبة المستحسنة وجعل في مقابل تلك النفس نفسا أخرى تدعوهم إلى خلاف ما تدعو إليه النفس الناطقة من الأمور المذكورة وهي النفس الأمارة بالسوء وخلق لتلك النفسين مركبا هو النفس الحيوانية التي بها حياة البدن وحركته وإحساسه وجعل تلك النفس الحيوانية قابلة لاستعمال كلتا النفسين الأوليين لها في حوائجهما على سبيل التعاقب وجعل لذلك المركب مستقرا هو مظهر آثاره وكرسي استقراره بواسطة النفس النامية النباتية وهو البدن فالبدن كالمملكة للملك والقلب الصنوبري فيه بمنزلة السرير له والروح النباتية بمنزلة المعمار الباني للمملكة والحافظ لها من الخراب والحيوانية مركبه الذي به يسير في المملكة إما للإصلاح إن كان الراكب هو الناطقة وإما للإفساد إن كان الراكب هو الأمارة والناطقة.

والأمارة بمنزلة ملكين متنازعين في المملكة فلما خلق الله الإنسان على ما ذكر كلفه بلسان الداعين إليه بما فيه نجاته من العقائد والأخلاق والأعمال ونهاه عن أضدادها بعدما جعل كلتا النفسين مسخرتين للإنسان المكلف يبعث كلا منهما إلى ما يريد من حوائجه تحقيقا للاختيار فإن اختار الإنسان المختار جانب السعادة وقام يستعمل النفس الناطقة ويعمل بمقتضى أفعالها ودواعيها من الأمور المرضية أعانه الله تعالى بمقتضى سؤاله بلسان استعداده وعمله ووكل به ملائكة يعينونه على ما يريد وهو معنى التوفيق فتغلب النفس الناطقة باستعمال صاحبها لها ومعونة الملائكة الموكلين بإعانتها على النفس الأمارة ويعزلها عن التصرف في مملكة البدن والاستعمال للحيوانية وقواها في حوائجها فإذا ضعفت الأمارة أسلمت على يدي الناطقة وقبلت أحكامها بالتدريج فصارت في الابتداء لوامة ثم ملهمة ثم مطمئنة ثم راضية ثم مرضية ثم كاملة ووجه الترتيب يظهر بالتأمل فإذا بلغت هذه الدرجة صارت كالكلب المعلم ترسله الناطقة لصيد ما تغتذي به من الأغذية الروحانية فتستولي الناطقة على النفس الحيوانية وتركبها وتسير في إصلاح مملكتها وإخراج جنود الشياطين من أرواح العادات الخبيثة والأحوال المنكرة منها وتتفضل الحيوانية التي كانت في الابتداء بمنزلة الهيولى الصالحة لقبول كل من فصلي الناطقة والأمارة بفصل الناطقة فعلا فاستقرت الصورة الإنسانية التي هي صورة الناطقة في الإنسان باطنا كما كان عليه ظاهرا لأنه قبل حينئذ دعوة الله التشريعية التي هي روح التكوينية كما قبل دعوته التكوينية التي هي ظاهر التشريعية فيكون إنسانا حقيقيا ظاهرا وباطنا وإذا مات ثم أراد الله إعادته صور أجزاء بدنه المتفككة في القبر بتلك الصورة ثانيا بعد تصفيتها من العوارض الدنيوية والبرزخية ودخلته الأرواح ويحشر يوم القيامة في أحسن تقويم فقلنا بالثناء على الحي القيوم.

وإن اختاروا العياذ بالله جانب الشقاوة وإنكار الدعوة وقام يستعمل النفس الأمارة ويعمل بمقتضى أفعالها ودواعيها من الأمور المبغوضة خذله الله بمقتضى سؤاله بلسان استعداده وأعماله فقيض له شياطين يعينونه على ما يريد وهو معنى الخذلان فتقلب الأمارة باستعمال صاحبها لها ومعونة الشياطين المقيضين لإعانتها النفس الناطقة وتعزلها عن مملكة البدن واستعمال الحيوانية وقواها في حوائجها فإذا ظهر الضعف في الناطقة لحقت بمركزها معزولة عن التصرف والأمر والنهي واستولت الأمارة بالمملكة وركبت الحيوانية وجعلت تسير في إفساد الملك وإخراج جنود الملائكة منه وتتفصل الحيوانية بفصلها من الصورة المنكرة بمعنى أن أي الملكات الخبيثة غلب عليه تفصلت بفصلها، مثلا إن كان الغالب على الإنسان شهوة النكاح تصور باطنه بصورة الفرس وإن كان الغالب عليه النميمة تصور بصورة العقرب وإن كان الغالب عليه الغضب تصور بصورة السبع وهكذا وربما يكون الغالب ملكات متعددة فتتركب صورته منها كالحيوان المتولد بين حيوانات مختلفة النوع وربما يكون الغالب عليه الطباع الشيطانية فيتصور بصورهم وإذا مات على تلك الحالة وتفككت أجزاء بدنه وزالت عنه الصورة الإنسانية ثم أراد الله جمعها وإعادتها للجزاء صورها بصورة ما غلب عليه من الملكات الشيطانية والحيوانية ودخلته الأرواح الخبيثة التي كانت له في الدنيا فيحشر بتلك الصورة المنكرة مناديا بالويل والثبور كما وردت الشريعة الحقة من حشر غير المؤمنين بالصور المختلفة من صور الحيوانات من أراد ذلك فليطلبه من مظانه فإنا لا يسعنا إيراد الأخبار في ذلك لأدائه إلى التطويل وفي حق أمثال هذا الإنسان قال تعالى ﴿أولئك كالأنعام بل هم أضل﴾وإنما قال بل هم أضل لأنه خلقهم في الابتداء هيكلا صالحا لإشراق النفس الإنسانية عليهم فلم يقبلوها فهم في الضلالة أعلى رتبة من الأنعام فافهم هذا.

وربما يتمادى مثل ذلك الإنسان المنكوس في البغي والعصيان فيقتضي حاله اشتداد غضب الله عليه وسرعة أخذه له فيرجع عنه حجاب الصورة الإنسانية الظاهرة في الدنيا قبل الموت فيظهر باطنه الذي هو صورة بدنه الحقيقية من صورة كلب أو خنزير أو قرد أو غير ذلك للحس فيكون عبرة للناظرين كما انقلب المنافق الذي اعترض على أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله له اخسأ كلبا ونظائره كثيرة يظهر لمن تتبع السير والأخبار وهذا هو المراد بتماسخ طائفة بإنكارهم الولاية وانقلابهم جريا أو قردا أو دبا أو غير ذلك، لا ما فهمه الفاضل المذكور من المسخ من خروج أرواحهم من أبدانهم ودخولها في أبدان حيوانات أجنبية من أبدانهم فإنه كما عرفت فيما قبل ممتنع حكمة. وأما النوع الذي ذكرناه فهو ممكن وواقع كما أخبر الله تعالى عن ذلك في حق أصحاب السبت وأخبر أنبياؤه وأولياؤه في حق الكفار والمنافقين يوم الحشر وأظهروا آياته أحيانا في الدنيا عبرة للناظرين ويأتي إن شاء الله ذكر بعض منها في ضمن المعجزات.

ومما يكشف عن الفرق بينهما ونفيه بالمعنى الأول وإثباته بالمعنى الثاني ما رواه الصدوق في العيون بسنده عن الرضا (عليه السلام) في حديث طويل إلى أن قال :فقال المأمون : يا أبا الحسن فما تقول في القائلين بالتناسخ ؟

فقال الرضا (عليه السلام) : من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم مكذب بالجنة والنار قال المأمون ما تقول في المسوخ قال الرضا (عليه السلام) أولئك قوم غضب الله عليهم فمسخهم فعاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتناسلوا فما يوجد في الدنيا من القردة والخنازير وغير ذلك مما وقع عليهم اسم المسوخية فهو مثل ما لا يحل أكلها والانتفاعالحديث.

وإذا عرفت هذا فلنرجع إلى أول البحث فنقول، قد عرفت من تواتر الآيات والأخبار كون الحيوانات والنبات والجماد مكلفين ببعض التكاليف وأنها ذوات عقل وشعور كل بحسب رتبته ولنشير إلى دليله الحكمي عسى أن ينفتح عليك باب العيان فيرقيك من درجة التسليم إلى درجة البرهان فنقول: إن الله تعالى خلق الوجود وهو بكله حياة وشعور لأنه أثر فعل الحي والأثر يشابه صفة مؤثره في جهة التأثير غير أنه لما كان ذا مراتب ودرجات كان كل ما قرب من المبدأ أقوى شعورا وإدراكا وإحساسا كالأنبياء (عليهم السلام) وكلما بعد وتوسطت الوسائط بينه وبين المبدء في الصدور كان أضعف شعورا وإدراكا وإحساسا إلى أن انتهى إلى الجماد والأعراض حتى أن الموت له حياة بنسبة رتبته كما ورد في الخبرمن أنه يؤتى يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار فينادي مناد يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت الحديث.

فليس في الوجود ميت بل كل الأشياء حية وهي مكلفة بحسب حياتها وإنما لا تدرك حياة بعضها لضعفها فالله تعالى حي وفعله حي لأنه مؤثر في المفعولات والميت لا يصدر عنه التأثير والفعالية وآثار فعله التي هي مجموع ما سواه حية بفاضل حياة فعله وإلا لما شابهت فعله في جهة التأثير فإنكار الشعور في بعض الأشياء ناش من عدم الوقوف على سر الخليقة ولكن الواجب على من لم يقف على ذلك إذا سمع شيئا من ذلك أن لا يقابله بالإنكار بمجرد الاستبعاد من غير أن يقوم على نفيه دليل عقلي أو نقلي كما فعل هذا الفاضل فإنه مع تطويله في الكلام لم يزد على الدعوى شيئا وإنما قلد من قبله من الفلاسفة والمتكلمة حيث أنكروا ذلك بغير هدى ولا كتاب منير كما قلدهم في نفي كثير من الأمور الواردة في الأخبار غير ما ذكر أيضا واعلم أني لم أرد بما ذكرت من البيان إبداء نقص لصاحب هذه الكلمات وإنما أردت بيان حقيقة المسألة صونا لحق المسألة عن الضياع لأن كثيرا من الناس جبلوا على تقليد من قبلهم فإذا وقفوا على مثل هذا الكلام ممن انتهت إليه رئاسة العلم في زمانه ركز في أذهانهم وتجاسروا على طرح كثير من الأخبار المعصومية أو تأويلها بما لا يرضي صاحبها فأردت صرف الأذهان عن ذلك وتأديبها بأدب التثبت والتحقيق والله ولي التوفيق والسلام على من اتبع الهدى.

 

عمر بن حنظلة لا يطيق تعلم الاسم الأعظم

التاسع والعشرون بصائر الدرجات حدثنا الحسن بن علي بن عبد الله ، عن الحسين بن علي بن فضال ، عن داود بن أبي يزيد ، عن بعض أصحابنا ، عن عمر بن حنظلة فقال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إني أظن أن لي عندك منزلة.

 قال : أجل .

قال : قلت فإن لي إليك حاجة .

قال : وما هي .

قال : قلت تعلمني الاسم الأعظم .

قال : وتطيقه .

قلت : نعم .

قال : فادخل البيت .

قال : فدخل البيت فوضع أبو جعفر يده على الأرض فأظلم البيت، فأرعدت فرائص عمر ، فقال : ما تقول أعلمك .

فقال : لا .

قال : فرفع يده فرجع البيت كما كان.

علم الكتاب كله عندهم عليهم السلام

الثلاثون وفيه حدثنا عباد بن سليمان ، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، عن سدير قال : (كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير الرقي في مجلس أبي عبد الله (عليه السلام) إذ خرج إلينا وهو مغضب فلما أخذ مجلسه قال : يا عجباه لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب ، ما يعلم الغيب إلا الله لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي .

قال سدير : فلما أن قام عن مجلسه صار في منزله وأعلمت ، دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له : جعلنا الله فداك سمعناك أنت تقول كذا وكذا في أمر خادمتك ونحن نزعم أنك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك إلى علم الغيب .

قال : فقال لي : يا سدير ألم تقرأ القرآن .

قال : قلت بلى .

قال : فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله ﴿قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك﴾.

قال : قلت جعلت فداك قد قرأت .

قال : فهل عرفت الرجل ، وهل علمت ما كان عنده علم من الكتاب؟.

قال : قلت فأخبرني أفهم .

قال : قدر قطرة الثلج في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب .

قال : قلت جعلت فداك ما أقل هذا .

قال فقال لي : يا سدير ما أكثر من هذا لمن ينسبه الله إلى العلم الذي أخبرك به، يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله  ﴿قل كفى‏ بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ﴾.

قال قلت : قد قرأته جعلت فداك .

قال : فمن عنده علم من الكتاب أفهم أم من عنده علم الكتاب .

قال : بل من عنده علم الكتاب كله .

قال : فأومى بيده إلى صدره قال وعلم الكتاب والله كله عندنا علم الكتاب والله كله عندنا).

تحقيق في علم أهل العصمة بالمغيبات

يقول مصنف هذا الكتاب: روى الصفار هذا الخبر في موضعين من الجزء الخامس من كتابه البصائر أحدهما هذا وبينهما بعض اختلاف في بعض الألفاظ منها أنه عد من جملة الداخلين عليه ميسر ولم يذكره في هذا الموضع وينبغي أن يذكر بقرينة قوله فيما بعد (دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له ... إلخ) .

ومنها أنه قال فيه ما أكثر هذا إن لم تنسبه إلى العلم الذي أخبرك به مكان قوله لمن ينسبه الله وهو الأصح والذي هنا من تحريف النساخ ثم أن حاصل الخبر أنه (عليه السلام) أراد أن آصف بن برخيا الذي كان عنده علم من الكتاب قدر أن يأتي بعرش بلقيس من تلك المسافة البعيدة في طرفة عين فكيف لا يقدر من عنده علم الكتاب كله أن يأتي بخادمته الهاربة منه وهي في بيته وهو إرشاد منه (عليه السلام) إلى أن ما قاله في المجلس إنما خرج مخرج التقية من المخالفين أو من بعض ضعفاء الشيعة وليس على ظاهره.هذا ومما يحق أن يعتبر منه أولوا الألباب أني وجدت المقصرة من معاصرينا يحذفون آخر الحديث ويردون أوله إلى قوله (فما علمت في أي بيوت الدار هي) فيجعلونه حجة عند العوام على عدم علمهم (عليهم السلام) بالمغيبات عافانا الله من هذا المرض الفظيع وما أشبه حال هؤلاء بحال من كان تاركا للصلاة فكلمه صاحب له في ذلك فقال أما تقرأ قول الله تعالى في كتابه ﴿لا تقربوا الصلاة﴾ فقال صاحبه ﴿وأنتم سكارى﴾ قال لا يجب علي أن أقرأ جميع القرآن يكفيني منه هذه الكلمة.

 

علة تسمية النبي صلى الله عليه وآله بالأمي

الحادي والثلاثون وفيه حدثنا أحمد بن محمد ، عن أبي عبد الله البرقي، عن جعفر بن محمد الصوفي  قال : (سألت أبا جعفر (عليه السلام) محمد بن علي الرضا (عليه السلام) وقلت له : يا ابن رسول الله لم سمي النبي الأمي ؟

قال : ما يقول الناس .

قال : قلت له جعلت فداك يزعمون أنما سمي النبي الأمي لأنه لم يكتب.

فقال : كذبوا عليهم لعنة الله ، أنى يكون ذلك والله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن والله لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو بثلاثة وسبعين لسانا، وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة ومكة من أمهات القرى وذلك قول الله تعالى في كتابه لتنذر أم القرى‏ ومن حولها).

أقول : وروى الصدوق في العلل والمعاني عن أبيه عن سعد عن البرقي بالإسناد المذكور مثله والأخبار في ذلك كثيرة مروية في البصائر والعلل والاختصاص وتفسير العياشي وغيرها من طلب وجد لا تنافي هذه الأخبار قوله تعالى ﴿وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون﴾ فإن المراد بالآية عدم تعلمه من البشر بطريق الكسب وهو كذلك فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يختلف إلى معلم قط وإنما الكلام في قول من زعم أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان يحسن أن يقرأ ويكتب أبدا وهو الذي نفاه الإمام (عليه السلام) ولعن قائله وكفى بذلك لهم خزيا.

لا يحتمل حديث آل محمد إلا هم

الثاني والثلاثون وفيه حدثنا أحمد بن الحسن عن أحمد بن إبراهيم عن محمد بن جمهور عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عيسى الفراء عن أبي الصامت قال :(سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد مؤمن قلت فمن يحتمله قال نحن نحتمله).

 

أمرهم سر

الثالث والثلاثون وفيه حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :(إن أمرنا سر في سر وسر مستسر وسر لا يفيد إلا سر وسر على سر وسر مقنع بسر).

 

وصف بعض قدرة الإمام عليه السلام

الرابع والثلاثون وفيه حدثنا عبد الله بن عامر ، عن الربيع بن الخطاب، عن جعفر بن بشير ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (إن رجلا منا صلى العتمة بالمدينة ثم أتى قوم موسى في شي‏ء كان بينهم فأصلح بينهم ورجع من ليلته وصلى الغداة بالمدينة).

 

حديث آخر مثله

الخامس والثلاثون وفيه حدثنا علي بن إسماعيل ، عن محمد بن عمرو الزيات ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن جابر قال : (كنت يوما عند أبي جعفر جالسا فالتفت إلي فقال لي : يا جابر ألك الحمار فيقطع ما بين المشرق والمغرب في ليلة ، فقلت له : لا جعلت فداك ، فقال : إني لأعرف رجلا بالمدينة له حمار يركبه فيأتي المشرق والمغرب في ليلة).

 

حديث آخر مثله

السادس والثلاثون وفيه حدثنا الحجال عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن ابن سنان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، قال سمعته يقول : (إني لأعرف رجلا من أهل المدينة أخذ قبل انطباق الأرض إلى الفئة الذين قال الله في كتابه ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ لمشاجرة كانت بينهم فأصلح بينهم ورجع).

أقول : إن الأمة التي وردت في الآية هم قوم من وراء الصين بينهم وبين الصين أوجار من الرمل لم يغيروا ولم يبدلوا ليس لأحدهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون لا يصل إليهم من هذا الناس أحد ولا هم يصلون إلى الناس روى ذلك الطبرسي في المجمع عن الباقر (عليه السلام) .

 

عالم المدينة أعلم من عالم اليمن

السابع والثلاثون وفيه حدثنا محمد بن الحسين ، عن علي بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمر بن أبان الكلبي ، عن أبان بن تغلب قال : (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) حيث دخل عليه رجل من علماء أهل اليمن فقال أبو عبد الله : يا يماني أفيكم علماء ، قال : نعم ، قال : فأي شيء يبلغ من علم علمائكم، قال : إنه ليسير في ليلة واحدة مسير شهرين يزجر الطير ويقفو الآثار ، فقال له : فعالم المدينة أعلم من عالمكم ، قال: فأي شيء يبلغ من علم عالمكم بالمدينة، قال : إنه يسير في صباح واحد مسيرة سنة كالشمس إذا أمرت إنها اليوم غير مأمورة ولكن إذا أمرت يقطع اثني عشر شمسا واثني عشر قمرا واثني عشر مشرقا واثني عشر مغربا واثني عشر برا واثني عشر بحرا واثني عشر عالما ، قال : فما بقي في يد اليماني فما درى ما يقول وكف أبو عبد الله).

حديث آخر مثله

الثامن والثلاثون وفيه حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبان بن تغلب قال :(كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال يا أخا أهل اليمن عندكم علماء قال نعم قال فما بلغ من علم عالمكم قال يسير في ليلة مسيرة شهرين يزجر الطير ويقفو الأثر فقال أبو عبد الله (عليه السلام) عالم المدينة أعلم من عالمكم قال فما بلغ من علم عالم المدينة قال يسير في ساعة من النهار مسيرة شمس سنة حتى يقطع اثني عشر ألف عالم مثل عالمكم هذا ما يعلمون إن الله خلق آدم ولا إبليس قال فيعرفونكم قال نعم ما افترض عليهم إلا ولايتنا والبراءة من عدونا).

 

ما من شيء إلا والأئمة عليهم السلام الحجة عليه

التاسع والثلاثون سرائر ابن إدريس (عن جامع البزنطي عن سليمان ابن خالد قال :(سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول ما من شيء ولا من آدمي ولا إنسي ولا جني ولا ملك في السماوات إلا ونحن الحجج عليهم وما خلق الله خلقا إلا وقد عرض ولايتنا عليه واحتج بنا عليه فمؤمن بنا وكافر جاحد حتى السماوات والأرض والجبال) .

تأويل البسملة

الأربعون توحيد الصدوق  قال :حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد  ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف، عن صفوان بن يحيى عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال :(الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله ، قال قلت : الله ، قال : الألف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام إلزام الله خلقه ولايتنا ، قلت : فالهاء ، قال : هوان لمن خالف محمدا وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال قلت : الرحمن ، قال : بجميع العالم ، قلت : الرحيم ، قال : بالمؤمنين خاصة).

 

رضاهم رضا الله وسخطهم سخط الله

الحادي والأربعون وفيه عن أبيه عن احمد بن إدريس عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله  ﴿فلما آسفونا انتقمنا﴾ قال :(إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مدبرون فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال أيضا من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها وقال أيضا ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ وقال أيضا ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾ وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول إن المكون يبيد يوما ما لأنه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكوِّن من المكوَّن ولا القادر من المقدور ولا الخالق من المخلوق تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه فافهم ذلك إن شاء الله).

 

تعليم التوحيد والنبوة والإمامة يعدل دماء أهل الأرض

الثاني والأربعون تفسير الإمام (عليه السلام) (إن رجلا جاء إلى علي بن الحسين (عليه السلام) برجل يزعم أنه قاتل أبيه فاعترف، فأوجب عليه القصاص، وسأله أن يعفو عنه ليعظم الله ثوابه، فكأن نفسه لم تطب بذلك. فقال علي ابن الحسين (عليه السلام) للمدعي ولي الدم المستحق للقصاص إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلا  فهب له هذه الجناية، واغفر له هذا الذنب. قال يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له علي حق ولكن لم يبلغ [به‏] أن أعفو له عن قتل والدي. قال فتريد ماذا قال أريد القود فإن أراد لحقه علي أن أصالحه على الدية صالحته وعفوت عنه. قال علي بن الحسين (عليه السلام) فما ذا حقه عليك قال يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقنني توحيد الله ونبوة رسول الله، وإمامة علي بن أبي طالب والأئمة (عليهم السلام). فقال علي بن الحسين (عليه السلام) فهذا لا يفي بدم أبيك بلى والله، هذا يفي بدماء أهل الأرض كلهم من الأولين والآخرين سوى الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) إن قتلوا فإنه لا يفي بدمائهم شيء).

 

علة تسمية النبي بأبي القاسم

الثالث والأربعون عن تفسير الثعلبي عن أبي هريرة قال :قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :(لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي أنا أبو القاسم الله يعطي وأنا أقسم ثم رخصها في ذلك لعلي (عليه السلام) وبنيه) .

 

بعض أوصاف المعصومين عليهم السلام

الرابع والأربعون مشارق الأنوار عن محمد بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (نحن جنب الله ونحن صفوة الله ونحن خيرة الله ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن أمناء الله ونحن وجه الله ونحن آية الهدى ونحن العروة الوثقى وبنا فتح الله وبنا ختم الله ونحن الأولون ونحن الآخرون ونحن أخيار الدهر ونواميس العصر ونحن سادة العباد وساسة البلاد ونحن النهج القويم والصراط المستقيم ونحن علة الوجود وحجة المعبود لا يقبل الله عمل عامل جهل حقنا ونحن قناديل النبوة ومصابيح الرسالة ونحن نور الأنوار وكلمة الجبار ونحن راية الحق التي من تبعها نجا ومن تأخر عنها هوى ونحن أئمة الدين وقادة الغر المحجلين ونحن معدن النبوة وموضع الرسالة وإلينا تختلف الملائكة ونحن سراج لمن استضاء والسبيل لمن اهتدى ونحن القادة إلى الجنة ونحن الجسور والقناطر ونحن السنام الأعظم وبنا ينزل الغيث وبنا ينزل الرحمة وبنا يدفع العذاب والنقمة فمن سمع هذا الهدى فليتفقد في قلبه حبنا فإن وجد فيه البغض لنا والإنكار لفضلنا فقد ضل عن سواء السبيل لأنا حجة المعبود وترجمان وحيه وعيبة علمه وميزان قسطه ونحن فروع الزيتونة وربائب الكرام البررة ونحن مصباح المشكاة التي فيها نور النور ونحن صفوة الكلمة الباقية إلى يوم الحشر المأخوذ لها الميثاق والولاية من الذر).

 

فضائل علي عليه السلام لا تحصى

الخامس والأربعون عن مناقب الخوارزمي ، قال أخبرني السيد الإمام الأجل المرتضى شرف الدين عز الإسلام علم الهدى نقيب نقباء الشرق والغرب أبو الفضل محمد بن علي بن المطهر بن المرتضى الحسيني في كتابه إلي من مدينة الري جزاه الله عني خيرا قال : أخبرني السيد أبو الحسن علي بن أبي طالب الحسيني السيلقي بقراءتي عليه ، أخبرني الشيخ العالم أبو النجم محمد بن عبد الوهاب بن عيسى السمان الرازي ، أخبرني الشيخ العالم أبو سعيد محمد بن أحمد بن الحسين النيسابوري الخزاعي ، أخبرني محمد بن علي بن جعفر الأديب بقراءتي عليه ، حدثني المعافى بن زكريا أبو الفرج ، عن محمد ابن أحمد بن أبي الثلج ، عن الحسن بن محمد بن بهرام ، عن يوسف بن موسى القطان ، عن جرير ، عن ليث عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)).

رد لكلام المبغضين والمنكرين

يقول محمد تقي مصنف هذا الكتاب: إن هذا الحديث قد حرك عرق العصبية من بعض النواصب فلم يملك إخفاء ما في قلبه المنكوس من الحقد الراسب حتى أظهر ما أضمره في باله وأثبته في كتابه المؤتى يوم القيامة بشماله وقال: إن هذا الحديث المروي عن أخطب خوارزم أثر النكر والوضع فيه ظاهر والتمسك في ذلك بوجهين.

أحدهما: إن هذه المبالغة التي نسبها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضائل علي (عليه السلام) بقوله (لو أن الغياض أقلام) إلى آخره لا يخفى على الماهر في فن الحديث أن هذا ليس من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: ولينصف المتدرب في معرفة الأخبار أمن شأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبالغ مثل هذه المبالغة في مدح أحد من المخلوقين وهذا من أوصاف الخالق ﴿قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي﴾.

ثانيهما: إن لفظ الفضائل لا يوجد أصلا في كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحال أن يحكم المحدث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتكلم بلفظ الفضائل فإن هذا من ألفاظ المحدثين المولدين وليس من كلام العرب والمحدث لا يخفى عليه شأن هذه الموضوعات ثم قال وأكثر ما ذكر في مناقب الخوارزمي موضوعات إلى آخر ما قاله.

وأقول : أما قوله أنه ليس من شأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبالغ هذه المبالغة في شأن أحد من المخلوقين، فجوابه:

إن شأن النبوة أجل من المبالغة بل كلما يقوله فهو بيان لواقع الأمر وتوهم المبالغة في حقه كفر بالله العظيم وإنما صدر هذا القول منه اقتضاء بقول إمامه السابق عليه إن الرجل ليهجر لا يقال إنه لم يثبت مبالغة في حقه (صلى الله عليه وآله وسلم) بل منعه. لأنا نقول إن قوله (أمن شأن الرسول أن يبالغ هذه المبالغة) إنما يقال فيمن تصدر عنه المبالغة لكن لا بهذه المثابة كما هو ظاهر عند من له مسكة في أساليب الكلام.

وأما قوله إنه من صفات الخالق واستشهاده بذلك بالآية فكلام يناقض بعضه بعضا بغير فصل فهو لكلام المصروعين أشبه منه بكلام الفضلاء ضرورة أن الله تعالى إنما أثبت هذا الوصف لكلماته لا لنفسه حتى يكون من صفاته الخاصة به فشاهد هذا المدعي مكذب لمدعاه.

وبعد ما عرفت ذلك فنقول إذا كانت كلمات الله التي هي من جملة مخلوقاته توصف بمثل هذا الوصف فأي بعد في أن يكون الله تعالى قد خلق مخلوقا آخر أيضا يوصف بذلك الوصف على سبيل التحقيق دون المبالغة وهل يمنع هذا إلا ناصب عنيد أو حمار بليد بل وأي بعد في أن يكون أمير المؤمنين وإمام الموحدين (عليه السلام) من جملة كلمات الله التامات وقد قال الله  في حق المسيح ﴿ بكلمة منه اسمه المسيح﴾ ﴿وكلمته ألقاها إلى مريم﴾.

وروى الفريقان في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الله تعالى أوحى ليلة المعراج إلى نبيه في حقه (عليه السلام) أنه كلمتي التي ألزمتها المتقين وليس المراد بعدم نفاد كلمات الله كونها ذات عدد كثيرة من حيث اللفظ ليقال هب أنه (عليه السلام) من جملة الكلمات ولكنه واحد منها فهو ينفد إذ لا مزية في كثرة الكلمات بهذا المعنى حتى ينزل فيه قرآن، وإنما المراد بذلك كون كلماته تعالى مشتملة على معان وأسرار لا يفي البحر بإحصائها وهو الذي يليق بشأن الحق تعالى. روى محمد بن علي الحكيم الترمذي وهو من أكابر علماء العامة عن ابن عباس أنه قال (كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يشرح لنا نقطة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم ليلة فانفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ فرأيت نفسي في جنبه كالفوارة في جنب البحر المسعنجر). وعن أبي حامد الغزالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث (لو أذن الله لي ورسوله لأشرع في شرح معاني الفاتحة حتى يبلغ أربعين حملا).

فهذا وأمثاله هو المراد بكون كلمات الله لا تنفد ومنه يعلم كون فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تحصى بطريق آخر وهو كون علم الكتاب بما فيه من هذه المعاني والأسرار غير المحصورة عنده (عليه السلام) بروايات الفريقين فكيف يمكن إحصاء ما اشتمل عليه هذا الوجود النوراني من المرايا والعلوم والمفاخر.

وأما قوله (إن لفظ الفضائل من الألفاظ المولدة) فهو دعوى بغير برهان قد تولدت من بغضه المركوز في جبلته الخبيثة لأهل بيت النبوة على أنه على تقدير التسليم لا يفي بمراده بجواز كون الخبر منقولا بالمعنى على أن كلا الأمرين الذين جعلهما هذا الناصب العنيد من علائم الوضع موجودان في حديث وضعه ابن حجرهم في صواعقه حيث قال أخرج أبو العلي عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أتاني جبرائيل آنفا فقلت يا جبرائيل حدثني بفضائل عمر قال لو حدثت بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ما انفدت فضائل عمر وأن عمر حسنة من حسنات أبوبكر).

فما بال هذا الناصب وإخوانه لم يحكموا بموضوعية هذا الحديث المفترى مع ما فيه من المبالغة وورود لفظ الفضائل فيه مكررا ويحكمون بها إذا كان في حق أمير المؤمنين وسيد الوصيين قاتلهم الله أنى يؤفكون ولعلهم اعتمدوا في ذلك على ما اشتهر من شيخيهما من المناقب الفاخرة والفضائل الباهرة التي اختص بها دون أمير المؤمنين (عليه السلام) من قول أولهما على المنبر برواية الفريقين (إن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني مغضبا فاحذروني لا أقع في أشعاركم وأبشاركم)‏. وقول ثانيهما على المنبر (كل الناس أفقه منك يا عمر حتى المخدرات في الحجال).

وأين لأمير المؤمنين القائل على المنبر (يا أيها الناس اتبعوني أهدكم سواء السبيل أنا قلب الله الواعي وأذنه السامعة وعينه الناظرة ويده المبسوطة ولسانه سلوني عما دون العرش فإني أعلم بطرق السماء مني بطرق الأرض) مثل هاتين الفضيلتين هذا مضافا إلى ما لهما من الأنساب المنيفة ذا القبائل الشريفة والأعراق الكريمة والخصائص العظيمة والسوابق القديمة والعلوم الزاهرة والمعجزات الباهرة وغيرها من أمور لست أذكرها كأنها مودع أجواف عنقاء فبالحري أن يفتخر بهما هذا الناصب وإخوانه من ذوي الأذناب ويوردوا في حقهما أن جبرائيل لا يقدر على إحصاء فضائلهما وينكروا ما ورد من ذلك في حق من اصطفاه الله واختاره من بريته فجعله عيبة علمه ومعدن حكمته وترجمان مشيته وحامل كتابه ومهبط وحيه وخطابه وأما حكمه بموضوعية أكثر ما رواه الخوارزمي ففرية بلا مرية اتخذه سبيلا للهرب من الإلزامات الواردة عليه وعلى أقرانه مما رواه هذا الرجل في كتابه وهو متفرد في دعواه هذه بغير شاهد ودليل والله على ما نقول وكيل.

هذا واعلم أني تكلمت في هذا المقام على سبيل المداراة والتنزل مع الخصم وإلا فأين شأن ولي الله من هذه المقالات والمجادلات وما أنسب قول الشاعر بالفارسية بالمقام:

اي بــرون أزوهـــم وقال وقيـل

مــن  خـاك بر فرق من وتمثيل من

وكيف لا وأنت بعدما أمعنت النظر في مطاوي أخبار هذا الكتاب عرفت أن جميع ما خلق الله من العوالم الغيبية والشهودية من العوالم الألف ألف بجميع ما فيها من المكونات كلها رشحة من رشحات تيار جوده ولمعة من إشراقات نور وجوده فكل ذرة من ذرات الوجود لسان ناطق يخبر عن أوصافه الظاهر بها عليه ويهدي ما أودع فيه من الكمالات الظاهرة والباطنة إليه لأن منه البدء وإليه المنتهى (إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه) فكيف يحصي مزايا ذاته العادون ويحد مجامع صفاته الحادون وهو القائل وقوله الحق (ظاهري إمامة ووصية وباطني غيب منيع لا يدرك) والقائل (نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا فإن البحر لا ينزف وسر الله لا يوصف)، نقلنا بعض معانيه، ولقد أحسن وأجاد بعض المقاربين من عهدنا من أهل العلم في وصفه (عليه السلام) حيث قال:

أيا علة الإيجاد حــار بك الفكــر    

وفي فهم معنى ذاتك التبس الأمـر

وقد قال قوم فيك والستـر دونهم  

بأنك رب كيف لو كشف الستــر

(موالي لا أحصي ثنائكم ولا أبلغ من المدح كنهكم ومن الوصف قدركم وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار وحجج الجبار بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبكم ينفس الهم وبكم يكشف الضر وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته وإلى جدكم بعث الروح الأمين آتاكم الله ما لم يؤت أحد من العالمين) الزيارة.

 

هم الكلمات

السادس والأربعون الاحتجاج :(سأل يحيى بن أكثم أبا الحسن العالم (عليه السلام) عن قوله تعالى ﴿سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله﴾ ما هي؟  فقال : هي عين  إفريقة وعين ماجروان ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى).

قول إبراهيم في النبي وأمير المؤمنين عليهما السلام في المعراج

السابع والأربعون سعد السعود للسيد السعيد علي بن طاوس قدس الله سره المأنوس ، عن تفسير محمد بن العباس بن مروان الثقة  قال :حدثنا الحسين بن محمد بن سعيد المطبقي ، قال : حدثنا محمد بن الفيض ابن الفياض، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن همام ، حدثنا عبد الرزاق معمر ، عن ابن حماد، عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله : (بينما أنا في الحجر أتاني جبرئيل فنهرني برجلي فاستيقظت  فأخذ بضبعي فوضعني في شيء كوكر الطير فلما أطرقت ببصري طرفة فرجعت إلي وأنا في مكاني فقال : أتدري أين أنت .

فقلت : لا يا جبرئيل .

فقال : هذا بيت المقدس بيت الله الأقصى فيه المحشر والمنشر ثم قام جبرئيل فوضع سبابته اليمنى في أذنه فأذن مثنى مثنى يقول في آخرها حي على خير العمل مثنى مثنى حتى إذا قضى أذانه أقام الصلاة مثنى مثنى وقال في آخرها قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فبرق نور في السماء ففتحت به قبور الأنبياء فأقبلوا من كل أوب يلبون دعوة جبرئيل فوافى أربعة آلاف وأربعمائة نبي وأربعة عشر نبي فأخذوا مصافهم ولا أشك أن جبرئيل سيقدمنا فلما استووا على مصافهم أخذ جبرئيل بضبعي ثم قال لي : يا محمد تقدم فصل بإخوانك فالخاتم أولى من المختوم .

فالتفت عن يميني وإذا أنا بأبي إبراهيم (عليه السلام) عليه حلتان خضراوان وعن يمينه ملكان وعن يساره ملكان ثم التفت عن يساري وإذا أنا بأخي ووصيي علي بن أبي طالب (عليه السلام) عليه حلتان بيضاوان عن يمينه ملكان وعن يساره ملكان فاهتززت سرورا فغمزني جبرئيل بيده .

فلما انقضت الصلاة قمت إلى إبراهيم فقام إلي فصافحني وأخذ يميني بكلتا يديه فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح والمبعوث الصالح في الزمان الصالح ، وقام إلى علي بن أبي طالب فصافحه وأخذ بيمينه بكلتا يديه وقال مرحبا بالابن الصالح ووصي النبي الصالح يا أبا الحسن .

فقلت له : يا أبت كنيته بأبي الحسن ولا ولد له .

فقال : كذلك وجدته في صحفي وعلم غيب ربي باسمه علي وكنيته بأبي الحسن والحسين ووصي خاتم أنبياء ذريتي).

أقول : قال السيد  بعد ذكر هذا الحديث ما هذا لفظه الشريف يقول علي بن موسى بن طاوس (ولعل هذا الإسراء كان دفعة أخرى غير ما هو مشهور فإن الأخبار وردت مختلفة في صفات الإسراء المذكور ولعل الحاضرين من الأنبياء كانوا في هذه الحال دون الأنبياء الذين حضروا في الإسراء الآخر لأن عدد الأنبياء الأخيار مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي ولعل الحاضرين من الأنبياء كانوا في هذه هم المرسلون أو من له خاصية وسر مصون وليس كل ما جرى من خصائص النبي وعلي (عليهم السلام) عرفناه وكل ما يحتمله العقل وكرم الله جل جلاله لا يجوز التكذيب في معناه وقد ذكرت في عدة مجلدات ومصنفات أنه حيث ارتضى الله عبده لمعرفته وشرفه بخدمته فكل ما يكون بعد ذلك من الإنعام والإكرام فهو دون هذا المقام ولا سيما أنه برواية الرجال الذين لا يتهمون فضل مولانا علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة)  انتهى ولقد أصاب السيد وأجاد في كلما قال وأفاد جزاه الله عن أجداده الطاهرين خير الجزاء.

 

حديث رجال عبد القيس مع النبي صلى الله عليه وآله

الثامن والأربعون مقتضب الأثر في النص على الإثني عشر، لأحمد بن محمد بن عياش حدثنا أبو جعفر محمد بن لاحق بن سابق بن قرين الأنباري قال: حدثني جدي أبو النصر سابق بن قرين في سنة ثمان وسبعين ومائتين بالأنبار في دارنا ، قال : حدثني أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي، قال : حدثني أبي عن الشرقي بن القطامي، عن تميم بن وهلة المري ، قال: حدثني الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانيا فأسلم عام الحديبية وحسن إسلامه وكان قارئا للكتب عالما بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر بصيرا بالفلسفة والطب ذا رأي أصيل ووجه جميل أنشأ يحدثنا في إمارة عمر بن الخطاب قال : وفدت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رجال من عبد القيس ذوي أحلام وأسنان وفصاحة وبيان وحجة وبرهان فلما بصروا به (صلى الله عليه وآله وسلم) راعهم منظره ومحضره وأفحموا عن بيانهم واعتراهم العرواء في أبدانهم فقال زعيم القوم لي دونك من أقمت بنا أقمه فما نستطيع أن نكلمه فاستقدمت دونهم إليه ووقفت بين يديه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقلت السلام عليك يا نبي الله بأبي أنت وأمي ثم أنشأت أقول:

يـا نبي الــهــدى أتتـك رجـال  

قــطـعــت قــرددا وآلا فآلا

جابت البيد والمهامه حتى  

غالها من طوي السرى ما غالا

قطعت دونك الصحاصح تهوي  

لا تــعـــد الكــــلال فيك كلالا

كـل دهنـاء تقصــر الطرف عنها  

أرقــلتــهـا قـلاصنـــا إرقـالا

و طــوتـها العتـــاق تجمـح فيها   

بكمـاة مثـل النــجــوم تــلالا

ثـم لمــا رأتـك أحســـن مــرأى   

أفحـمـت عنـك هيبـة وجـلالا

تـتــقي شـر بـأس يوم عصيـب   

هـائل أوجل القـلــوب وهــالا

ونـداء بمحـــشـــر الـناس طرا   

وحــسابـا لمـــن تمادى ضــلالا

نحـــو نور مـــن الإله وبـرهان   

وبـر ونـــعـــمـــة لــــن تـنالا

وأمـان منـه لــدى الحشر والنشر 

إذ الخلق لا يـطـــيـــق السؤالا

فــلـــك الحــــوض والشفاعة

والكوثر  والفضل إذ  ينص السؤالا

خصك الله يا  ابــن آمـنـة الخــير

إذا ما تلـــت ســـجـــال سجالا

أنبأ الأولون بــاســمك فــيــنا  

وبـأسـمـاء بـــعـــده تتـــلالا

قال : فأقبل علي رسول الله بصفحة وجهه المبارك شمت منه ضياء لامعا ساطعا كوميض البرق فقال : يا جارود لقد تأخر بك وبقومك الوعد وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك أن أفد إليه بقومي فلم آته وآتيته في عام الحديبية.

 فقلت : يا رسول الله بنفسي أنت ما كان إبطائي عنك إلا أن جلة قومي أبطأوا عن إجابتي حتى ساقها الله إليك لما أراد لها من الخير لديك فأما من تأخر فحظ فات منك ذلك أعظم حوبة وأكبر عقوبة ولو كانوا ممن سمع بك أو رآك لما ذهبوا عنك فإن برهان الحق في مشهدك ومحتدك وقد كنت على دين النصرانية قبل أتيتي إليك الأولى فها أنا تاركه بين يديك إذ ذلك مما يعظم الأجر ويمحو المآثم والحوب ويرضي الرب عن المربوب

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا ضامن لك يا جارود.

قلت : أعلم يا رسول الله أنك بذلك ضمين قمين .

قال : فدن الآن بالوحدانية ودع عنك النصرانية .

قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله ولقد أسلمت على علم بك وبناء فيك علمته من قبل .

فتبسم (صلى الله عليه وآله وسلم) كأنه علم ما أردته من الإنباء فيه فأقبل علي وعلى قومي فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : فيكم من يعرف قس بن ساعدة الإيادي .

قلت : يا رسول الله كلنا نعرفه غير أني من بينهم عارف بخبره واقف على أثره كان قس بن ساعدة يا رسول الله سبطا من أسباط العرب عمر خمسمائة عام تقفر منها في البراري خمسة أعمار يضج بالتسبيح على منهاج المسيح لا يقره قرار ولا يكنه جدار ولا يستمتع منه جار لا يفتر من الرهبانية ويدين الله بالوحدانية يلبس المسوح ويتحسى في سياحته بيض النعام ويعتبر بالنور والظلام يبصر ويتفكر فيختبر يضرب بحكمته الأمثال أدرك رأس الحواريين شمعون وأدرك لوقا ويوحنا وأمثالهم ففقه كلامهم ونقل منهم تحوب الدهر وجانب الكفر وهو القائل بسوق عكاظ وذي المجاز شرق وغرب ويابس ورطب وأجاج وعذب وحب ونبات وجمع وأشتات وذهاب وممات وآباء وأمهات وسرور مولود ورزء مفقود تبا (بؤسا) لأرباب الغفلة ليصلحن العامل عمله قبل أن يفقد أجله كلا بل هو الله الواحد ليس بمولود ولا والد أمات وأحيا وخلق الذكر والأنثى وهو رب الآخرة والأولى ثم أنشد كلمة له شعر :

ذكر القـلب من جــواه ادكـــار        

ولـيـال خـا لـــهـــن نـــهـــار

و شمـوس من تحتــهـا قمر الليل             

وكل مـــتــابــــع مـوار

وجبال شـــــوامــخ راسيات           

وبـحار مـــيـــاهـــهـــن غزار

وصغيــر وأشـــمـــط ورضيع           

كلهـم في الـصـعـيـد يـوما بـوار

كل هذا هــو الــدلــيـل على الله         

فــفــيـــه لــنـا هـدى واعتـبار

ثم صاح : يا معشر إياد أين ثمود وأين عاد وأين الآباء والأجداد وأين العليل والعواد وأين الطالبون والرواد كل له معاد أقسم قس برب العباد وساطح المهاد وخالق السبع الشداد سماوات بلا عماد ليحشرن على الانفراد وعلى قرب وبعاد إذا نفخ في الصور ونقر في الناقور وأشرقت الأرض بالنور فقد وعظ الواعظ وانتبه القائظ وأبصر اللاحظ ولفظ اللافظ فويل لمن صدف عن الحق الأشهر وكذب بيوم المحشر والسراج الأزهر في يوم الفصل وميزان العدل ثم أنشأ يقول :

يا ناعي الموت والأموات في جدث           

عــلــيــهـــم من بقايا بزهم خرق‏

منهــم عـراة ومــوتى في ثـيـابـهـم            

مـنـهـا الجـديد ومنها الأورق الخلق‏

دعـهـم فـإن لـهـم يـومـا يصاح بهم             

كما ينبـه مـن رقـداتــه الــصــعــق‏

حـتـى يـجـيـئـوا بـحال غير حالهم             

خـلـق مـضـوا ثم ماذا بعد ذاك لقوا

ثم أقبلت على أصحابه فقلت على علم به آمنتم قبل مبعثه كما آمنت به أنا فنصت إلى رجل منهم وأشرت إليه وقالوا هذا صاحبه وطالبه على وجه الدهر وسالف العصر وليس فينا خير منه ولا أفضل فبصرت به أغر أبلج قد وفذته الحكمة أعرف ذلك في أسارير وجهه وإن لم أحط علما بكنهه.

قلت : ومن هو ؟.

قالوا : هذا سلمان الفارسي ذو البرهان العظيم والشأن القديم.

قال سلمان : عرفته يا أخا عبد القيس من قبل إتيانه .

فأقبلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يتلألأ ويشرق وجهه نورا وسرورا فقلت: يا رسول الله إن قسا كان ينتظر زمانك ويتوكف إبانك ويهتف باسمك واسم أبيك وأمك وبأسماء لست أصيبها معك ولا أراها فيمن اتبعك.

قال سلمان : فأخبرنا ، فأنشأت أحدثهم ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمع والقوم سامعون واعون قلت : يا رسول الله لقد شهدت قسا خرج من ناد من أندية إياد إلى صحصح ذي قتاد وسمرة وعتاد وهو مشتمل بنجاد فوقف في إضحيان ليل كالشمس رافعا إلى السماء وجهه وإصبعه فدنوت منه فسمعته يقول اللهم رب هذه السبعة الأرقعة والأرضين الممرعة وبمحمد والثلاثة المحامدة معه والعليين الأربعة وسبطيه التبعة والأرفعة الفرعة والسري اللامعة وسمي الكليم الضرعة والحسن ذي الرفعة أولئك النقباء الشفعة والطريق المهيعة درسة الإنجيل وحفظة التنزيل على عدد النقباء من بني إسرائيل محاة الأضاليل ونفاة الأباطيل الصادقوا القيل عليهم تقوم الساعة وبهم تنال الشفاعة ولهم من الله فرض الطاعة ثم قال اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لأي من عمري ومحياي ثم أنشأ يقول:

متى أنا قبل الموت للحق مدرك           

وإن كان لي من بعد هاتيك مهلك‏

وإن غالني الدهر الخئون بغوله          

فقد غال من قبلي ومن بعد يوشك‏

فلا غرو إني سالك مسلك الأولى              

وشيكا ومن ذا للردى ليس يسلك‏

ثم آب يكفكف دمعه ويرن رنين البكرة وقد برئت ببراة وهو يقول:

أقـــســـم قـــس قـــســما

ليــــس بـــه مــكــتــتـــما

لــــو عـــاش ألـفي عمر

لــم يلق مــنــهــا سأما

حـــتى يـــلاقي أحـمـــد

والــنــقـــبـــاء الــحــكما

هــــم أوصيـــاء أحــمــد

أكـــرم مـــن تحت السما

يــعــمى الــعـبـاد عـنـهم

وهـــم جـــلاء لــلــعمى

لــســت بــنـاس ذكرهم

حــتى أحـــل الــرجــمـا

ثم قلت : يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخير عن هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قس ذكرها.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله  إلي أن سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا.

فقلت : على ما بعثتم .

قالوا : على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما ثم أوحى إلي أن التفت عن يمين العرش فالتفت فإذا علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور يصلون فقال الرب تعالى : هؤلاء الحجج لأوليائي هذا المنتقم من أعدائي.

قال الجارود : فقال لي سلمان : يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة والإنجيل والزبور كذلك فانصرفت بقومي وقلت في وجهتي إلى قومي:

أتيتك يا ابن آمنة الرسولا            

لكي بك أهتدي النهج السبيلا

فقلت وكان قولك قول حق            

وصدق ما بدا لك أن تقولا

وبصرت العمى من عبد قيس             

وكل كان من عمه ضليلا

وأنبأناك عن قس الإيادي            

مقالا فيك ظلت به جديلا

وأسماء عمت عنا فآلت             

إلى علم وكن بها جهولا

يقول العبد الضعيف محمد تقى الشريف مصنف هذا الكتاب: وروى هذا الحديث شيخنا الكراجكي في كتابه كنز الفوائد بسند هذا صورته (أخبرني القاضي علي بن محمد الغدادي عن أحمد بن محمد الجوهري عن محمد بن لاحق بن سابق عن أبيه عن الشرقي بن القطامي عن تميم ابن المري) ‏ وهو كما ترى غير مطابق بسند كتاب المقتضب ولعل الأصح ما ذكره صاحب المقتضب، كما أن فيما أوردناه من المتن أيضا زيادات كثيرة جدا لم يذكرها الشيخ المذكور. ثم إن النسخ كانت مختلفة في الأسماء التي ذكرها قس والأصح منها ما ذكرناه ومع ذلك لا يخلو من احتمال سقم وتحريف، ولنشر إلى معاني ما ذكرناه والاختلافات الواقعة في بعض ألفاظها ومحل النظر.

منها قوله في سبطيه التبعة هو في نسختنا من المقتضب بالتاء المثناة الفوقانية ثم الباء الموحدة ثم العين المهملة وهو كفرخة الشيء الذي لك فيه بغية، وفي المنقول عن كنز الكراجكى وسبطيه المنيفة الأرفعة فالأول بالميم ثم النون ثم الياء المثناة من تحت ثم الفاء والثاني بالهمزة ثم الراء المهملة ثم الفاء ثم العين المهملة ولم أجد له وجه صحة. وفي موضع آخر منقول عنه أيضا وسبطيه المنيفة والأرفعة الفرعية بالفاء ثم الراء المهملة ثم العين المهملة بزيادة واو العطف بين المنيفة والأرفعة، ولم أجد للفظ الأرفعة هنا أيضا وجه صحة. وفي نسختنا من المقتضب بعد قوله وسبطيه التبعة والأربعة الضرعة فالأول بالباء الموحدة بعد الألف والراء المهملة والثاني بالضاد المعجمة ولفظ الأربعة فيه أيضا غير مفهوم للمعنى مضافا إلى وقوع الضرعة مكررا وهو بعيد من فصاحة قس وبلاغته والأنسب أن يكون اللفظ والأروع الفرعة بالواو في الأول مكان الباء وحذف التاء من آخره وبالفاء في الثاني مكان الضاد والأروع في اللغة من يعجبك بحسنه من الرجال والفرعة المكان المرتفع من الجبل وعلي أي تقدير فالمراد به العسكري (عليه السلام) وعلى النقل الأول من الكنز بحذف واو العطف يلزم أن لا يكون له (عليه السلام) ذكر فيه أصلا وهو كما ترى. وقوله والسرى اللامعة هو بالسين المهملة كغنى النهر الصغير وهو كناية عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) لأن جعفر أيضا بهذا المعنى في اللغة وفي بعض المواضع الألمعة بتقديم الألف على اللام وعليه فيكون بمعنى الزكي(الذكي) الفطن كالألمعى. وقوله سمي الكليم الضرعة بالضاد المعجمة المراد به موسى بن جعفر (عليهم السلام) والضرعة اسم فاعل من الضراعة بمعنى الخضوع والاستكانة هذا ما بلغ إليه جهدنا من تصحيح هذه العبارات والله أعلم بالصواب.

حديث أم سليم مع النبي والأئمة عليهم السلام

التاسع والأربعون وفيه حدثنا أبو صالح عن سهل بن محمد الطرطوسي القاضي قال : قدم علينا من الشام في سنة أربعين وثلاثمائة، قال : حدثنا أبو فروة زيد بن محمد الرهاوي ، قال : حدثنا عمار بن مطر، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن خالد بن علقمة ، عن عبيدة بن عمرو السلماني ، قال : حدثنا عبد الله بن خباب بن الأرت قتيل الخوارج يقول: حدثني سلمان الفارسي والبراء بن عازب قالا قالت أم سليم ، (ح) ومن طريق أصحابنا حدثني أبو القاسم علي بن حبشي بن قوني ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن ملك الفزاري، قال: حدثني الحسين بن أحمد المنقري التميمي ، قال : حدثني الحسن بن محبوب، قال : حدثنا أبو حمزة الثمالي ، عن زر بن حبيش الأسدي ، عن عبد الله بن خباب بن الأرت قتيل الخوارج ، عن سلمان الفارسي والبراء بن عازب قالا قالت أم سليم ،  وبين الحديثين خلاف في الألفاظ وليس في عدد الاثني عشر خلاف إلا أني سقت حديث العامة لما شرطناه في هذا الكتاب.

قالت أم سليم : كنت امرأة قد قرأت التوراة والإنجيل فعرفت أوصياء الأنبياء وأحببت أن أعرف وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما قدمت ركابنا المدينة أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفت الركاب مع الحي فقلت له : يا رسول الله ما من نبي إلا وكان له خليفتان خليفة يموت قبله وخليفة يبقى بعده وكان خليفة موسى في حياته هارون (عليه السلام) فقبض قبل موسى ثم كان وصيه بعد موته يوشع بن نون وكان وصي عيسى (عليه السلام) في حياته كالب بن يوحنا فتوفي كالب في حياة عيسى ووصيه بعد وفاته شمعون ابن حمون الصفا ابن عمة مريم وقد نظرت في الكتب الأولى فما وجدت لك إلا وصيا واحدا في حياتك وبعد وفاتك فبين لي بنفسي أنت يا رسول الله من وصيك ؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن لي وصيا واحدا في حياتي وبعد وفاتي .

قلت له : من هو ؟

فقال : ائتيني بحصاة ، فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين ، ثم أعطانيها وقال : يا أم سليم من استطاع مثل هذا فهو وصيي .

قالت : ثم قال لي : يا أم سليم وصيي من يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن ، فنظرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد ضرب بيده اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى الأرض قائما لا ينحني في حالة واحدة إلى الأرض ولا يرفع نفسه بطرف قدميه .

قالت : فخرجت فرأيت سلمان يكنف عليا ويلوذ بعقوته دون من سواه من أسرة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته على حداثة من سنه ، فقلت في نفسي: هذا سلمان صاحب الكتب الأولى قبلي صاحب الأوصياء وعنده من العلم ما لم يبلغني فيوشك أن يكون صاحبي فأتيت عليا (عليه السلام) فقلت أنت وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال : نعم وما تريدين؟

قلت له : وما علامة ذلك؟

فقال : ائتيني بحصاة .

قالت : فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها للناظرين ثم مشى نحو بيته ، فاتبعته لأسأله عن الذي صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فالتفت إلي ففعل مثل الذي فعله ، فقلت : من وصيك يا أبا الحسن .

فقال : من يفعل مثل هذا .

قالت أم سليم : فلقيت الحسن بن علي (عليه السلام) فقلت : أنت وصي أبيك هذا؟ وأنا أعجب من صغره وسؤالي إياه مع أني كنت عرفت صفة الاثني عشر إماما وأبوهم سيدهم وأفضلهم فوجدت ذلك في الكتب الأولى.

فقال لي : نعم أنا وصي أبي .

فقلت : وما علامة ذلك ؟

فقال : ائتيني بحصاة.

قالت : فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم سحقها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها ثم دفعها إلي فقلت له : فمن وصيك؟

فقال : من يفعل مثل هذا الذي فعلت ، ثم مد يده اليمنى حتى جاز سطوح المدينة وهو قائم ثم طأطأ يده اليسرى فضرب بها الأرض من غير أن ينحني أو يتصعد .

فقلت في نفسي : من يرى وصيه فخرجت من عنده فلقيت الحسين (عليه السلام) وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته وتسعة من ولده أوصياء بصفاتهم غير أني أنكرت حليته لصغر سنه فدنوت منه وهو على كسرة رحبة المسجد فقلت : له من أنت يا سيدي؟

قال : أنا طلبتك يا أم سليم أنا وصي الأوصياء وأنا أبو التسعة الأئمة الهادية وأنا وصي أخي الحسن وأخي وصي أبي علي وعلي وصي جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فعجبت من قوله فقلت : ما علامة ذلك؟

فقال : ائتيني بحصاة ، فرفعت إليه حصاة من الأرض.

قالت أم سليم : فلقد نظرت إليه وقد وضعها بين كفيه فجعلها كهيئة السحيق من الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء فختمها بخاتمه فثبت النقش فيها ثم دفعها إلي.

وقال لي : انظري فيها يا أم سليم فهل ترين فيها شيئا.

قالت أم سليم : فنظرت فإذا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين وتسعة أئمة صلوات الله عليهم أوصياء من ولد الحسين (عليه السلام) قد تواطأت أسماؤهم إلا اثنين منهم أحدهما جعفر والآخر موسى وهكذا قرأت في الإنجيل فعجبت ، ثم قلت في نفسي : قد أعطاني الله الدلائل ولم يعطها من كان قبلي ، فقلت : يا سيدي أعد علي علامة أخرى ، قال: فتبسم وهو قاعد ثم قام فمد يده اليمنى إلى السماء فوالله لكأنها عمود من نور تخرق الهواء حتى توارى عن عيني وهو قائم لا يعبأ بذلك ولا يتحفز فأسقطت وصعقت فما أفقت إلا ورأيت في يده طاقة من آس يضرب بها منخري فقلت في نفسي: ماذا أقول له بعد هذا؟ وقمت وأنا والله أجد إلى ساعتي رائحة هذه الطاقة من الآس وهي والله عندي لم تذو ولم تدود ولم تذبل ولا تنقص من ريحها شيء وأوصيت أهلي أن يضعوها في كفني ، فقلت : يا سيدي من وصيك؟ .

قال : من فعل مثل فعلي.

قالت : فعشت إلى أيام علي بن الحسين (عليه السلام).

قال زر بن حبيش خاصة دون غيره : وحدثني جماعة من التابعين سمعوا هذا الكلام من تمام حديثها منهم مينا مولى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن جبير مولى بني أسد سمعاها تقول هذا وحدثني سعيد بن المسيب المخزومي ببعضه عنها قالت : فجئت إلى علي بن الحسين (عليه السلام) وهو في منزله قائما يصلي وكان يطول فيها ولا يتحوز فيها وكان يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة فجلست مليا فلم ينصرف من صلاته فأردت القيام فلما هممت به حانت مني التفاتة إلى خاتم في إصبعه عليه فص حبشي فإذا هو مكتوب مكانك يا أم سليم آتيك بما جئتني له ، قالت: فأسرع في صلاته فلما سلم قال لي : يا أم سليم إيتيني بحصاة من غير أن أسأله عما جئت له ، فدفعت إليه حصاة من الأرض فأخذها فجعلها بين كفيه فجعلها كهيئة الدقيق السحيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فثبت فيها النقش فنظرت والله إلى القوم بأعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين فقلت له : فمن وصيك جعلني الله فداك؟

قال : الذي يفعل مثل ما فعلت ولا تدركين من بعدي مثلي .

قالت أم سليم : فأنسيت أن أسأله أن يفعل مثل ما كان قبله من رسول الله وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم فلما خرجت من البيت ومشيت شوطا ناداني : يا أم سليم .

قلت  :لبيك .

قال : ارجعي ، فرجعت فإذا هو واقف في صرحة داره وسطا ثم مشى فدخل البيت وهو يتبسم ، ثم قال : اجلسي يا أم سليم ، فجلست فمد يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت يده عني ثم قال : خذي يا أم سليم فناولني والله كيسا فيه دنانير وقرطان من ذهب وفصوص كانت لي من جزع في حُق كانت لي في منزلي .

فقلت : يا سيدي أما الحُق فأعرفه وأما ما فيه فلا أدري ما فيه غير أني أجدها ثقيلا .

قال : خذيها وامضي لسبيلك .

قالت : فخرجت من عنده ودخلت منزلي وقصدت نحو الحُق فلم أجد الحُق في موضعه فإذا الحُق حُقي ، قالت : فعرفتهم حق معرفتهم بالبصيرة والهداية فيهم من ذلك اليوم والحمد لله رب العالمين).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : كان ينبغي أن يذكر هذا الحديث في قسم المعجزات ولكن لما كان ذلك القسم مرتبا على ترتيب الأئمة (عليهم السلام) وكان ما في هذا الحديث من الإعجاز مشتركا بين عدة منهم (عليهم السلام) وكان الحديث من طرائف الأخبار أحببنا ذكره في هذا القسم لئلا يخلو كتابنا منه، ثم إن شيخنا أبا عبد الله بن عياش قال في كتابه المقتضب عند ذكر هذا الحديث (إن أم سليم صاحبة الحصاة هذه غير حبابة الوالبية وغير أم غانم صاحبتي الحصاة كما أنها ليست بأم سليم الأنصارية أم أنس بن مالك ولا أم سليم الدوسية ولا أم سليم الخافضة التي كانت تخفض الجواري على عقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أم سليم الثقفية وهي بنت مسعود أخت عروة بن المسعود الثقفي فإنها أسلمت وحسن إسلامها وروت الحديث. 

ونقل عن أبي بكر محمد بن عمر الجعابي أنها امرأة معروفة من النساء اللاتي روين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر أيضا أنه سئل الجعابي المذكور عن أبي صالح الطرطوسي القاضي بعدما قرء عليه إسناد الحديث للعامة واستحسن طريقنا وطريق أصحابنا فيه فقال إنه يعنى أبا صالح المذكور كان ثقة عدلا حافظا).

ثم اعلم أن هذا الحديث مروي في الكافي على وجه أخصر مما هاهنا وفيه أن اسم صاحبة الحديث أم أسلم والله أعلم.

حديث أم حكيم

الخمسون الشيخ الجليل الثقة أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال: حدثنا أبوعلي الحسن بن جعفر بن علي الحاجب البراء بالموصل يوم الخميس لعشر خلون من شوال سنة أربع وسبعين وثلاثمائة في دكانه ، قال: حدثني أبو الحسن علي بن جعفر ، قال : حدثنا أبو بكر عثمان بن القاسم بن عبدالرحمن الهمداني ببغداد ، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، عن محمد بن أبي سعيد ، قال : وحدثني يحيى بن الحسن، عن القاسم بن فضالة، عن أبيه فضالة بن أيوب الجندسابوري ، عن العبد الصالح موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : كان من قصة امرأة من أهل اليمن يقال لها أم حكيم اليمانية قالت : حججت أنا وجدي فدخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمسح يده على رأسي ودعا لي بالبقاء ثم إن جدي سأله أن يا رسول الله تخبرنا من لنا بعدك؟ .

فقال : لن تلحقه ولكن هذه الصبية تراه، يا أم حكيم إذا رأيته فسليه آخر كلمة أودعها إياه فإنها قولي (ربي الله الرحمن الرحيم لا أشرك به شيئا) ثم قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حصاة من المسجد فختمها بخاتمه فغاص الفص فيها ثم دفعها إلي ، فقال : إن الذي بعدي وصيي وخليفتي على أمتي يسألك الوديعة وسيفعل فيها مثل الذي فعلت فمضيت إلى اليمن وتوفي جدي وقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

قالت : وحججت أنا وخالي وعمي حتى إذا صرنا في بعض الطريق اعتللت فأخرجت الحصاة لأستشفي بها فسقطت مني وأنا على ناقتي أسير الليل فعرسنا في ذلك اليوم وأقمنا ثلاثة أيام نطلبها فلم نقدر عليها وأصابني عليها من الجزع والوجع ما لم يصبني على شيء قط، فلما خفنا الفوت رحلنا وقد أيسنا منها وأنا متفكرة ماذا أرد على خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن سألني عنها، فما سألني عنها ولا عرفني، فقلت له : يا خليفة رسول الله بماذا أوصاك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال : أمرني ونهاني كما أمره الله ونهاه، فانصرفنا عنه وقلنا في أنفسنا ما هذا صاحبنا.

فلما مات أبو بكر وولي عمر قال لي خالي امضي بنا نحج ونسأل هذا الرجل، فمضينا حتى دخلنا المدينة فلم يسألنا وقلنا له يا خليفة رسول الله بماذا أمرك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال : أمرني ونهاني كما أمره رسول الله ونهاه. فانصرفنا عنه وقلنا في أنفسنا ما هذا صاحبنا .

وخرجنا إلى بلدنا حتى بلغنا وفاة عمر وأن عثمان قد ولي فقدمنا عليه حاجين. فأتيناه فسألناه فرد علينا مثل الذي رد صاحبه فقلت لصاحبي: ما هذا صاحبنا .

فانصرفنا إلى بلدنا فبلغنا قتل عثمان وتولي علي (عليه السلام) فخرجنا حاجين فلما بلغنا الموضع الذي سقطت فيه الحصاة فخطوت شيئا فصرفت بصري فإذا شيء يلوح كأنه كوكب دري ، فقلت لصاحبي : عرس وسعيت نحوها فإذا هي الحصاة فأخذتها وحمدت الله كثيرا وقلت : إني أرجو أن يكون الرجل الذي قد ولي صاحبنا وخليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمضينا حتى دخلنا عليه فلما دخلنا عليه نظر إلي فقال : أريني يا أم حكيم ما فعلت بالوديعة .

قلت : يا أمير المؤمنين هذه هي معي .

قال : هلميها ، فأخذها على عيني ثم غمس خاتمه فيها تحت خاتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فغاص الفص فيه كما غاص خاتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ردها علي ودعا لي بالبركة وطول البقاء ، وقال : ستلقين بعدي أئمة هذا أحدهم وأومأ بيده إلى الحسن (عليه السلام) .

فقلت له : يا أمير المؤمنين ما كان آخر كلام كلمك رسول الله به .

قال : قال لي يا أباالحسن إني أشهدك وأشهد الله أن ربي الرحمن الرحيم لا أشرك به شيئا.

فمضينا إلى بلدنا حتى إذا بلغنا قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه قدمت على الحسن بن علي (عليه السلام) فلما أبصرني قال : يا أم حكيم ما فعلت بالوديعة؟ فأخرجتها إليه ففعل بها كما فعل رسول الله وأمير المؤمنين ثم ردها إلي. وسألته عما قال أمير المؤمنين فأخبرني به كما أخبرني أمير المؤمنين ثم قال : ستلقين بعدي أئمة هذا أحدهم وأومأ بيده إلى الحسين ابن علي (عليه السلام) فإذا سألك عن الحصاة فادفعيها إليه فإنه إمامك وإمام المسلمين .

فلما توفي الحسن بن علي (عليه السلام) أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فسألني عن الوديعة فأعطيته إياها ففعل بها مثل ما فعل أمير المؤمنين والحسن (عليهم السلام) ثم ردها إلي ودعا لي بالبركة وقال : ستلقين بعدي أئمة هذا أحدهم وأومأ بيده إلى علي بن الحسين (عليه السلام) .

فلما بلغني قتل أبي عبد الله (عليه السلام) قدمت المدينة بعد سنتين ودخلت على علي بن الحسين (عليه السلام) فلما أبصرني سألني عن الوديعة فأخرجتها إليه ففعل بها كما فعل رسول الله وأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) ثم ردها علي ودعا لي بالبركة وطول البقاء وقال لي : ستلقين بعدي أئمة هذا أحدهم وأومئ بيده إلى أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ووضع يده على رأسه .

فلما توفي قدمت المدينة فدخلت على محمد بن علي (عليه السلام) فلما أبصرني سألني عن الوديعة ففعل كما فعل من كان قبله من الأئمة وقال : إنك ستلقين بعدي رجلين من ولدي هذا أحدهم ووضع يده على رأس جعفر بن محمد (عليه السلام) .

فلما بلغني وفاته قصدت جعفرا (عليه السلام) فلما أبصرني قال : ما فعلت بالوديعة فأخرجتها ودفعتها إليه ففعل بها كما فعل من كان قبله ثم قال هذا صاحبك وأومئ بيده إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) ولن ترين منه أحدا بعده.

قالت فلما بلغني وفاته قدمت المدينة فسألت عن بابه فقيل إنه في المسجد فدخلت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذا هو ساجد فلما رفع رأسه بصر بي وسألني عن الوديعة فناولته إياها وقلت له : أنت وصي الأوصياء يا ابن رسول الله، فقال : نعم ، فقلت : أخبرني عن جدك، فقال:  وما تصنعين به وأنت متوفاة في سفرك وغير جائزة عن الحرم فأبشري فإنك على خير ، ودفعت إليه الحصاة ففعل بها مثل الذي فعله من كان قبله ورد علي الحصاة وقال : إنك ستلقين بها رسول الله ، فقلت له : فما كان قصتها ، فقال : توفيت في الحرم).

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: وجدت هذا الحديث في كتاب فيه أربعة عشر أصلا من أصول أصحاب أئمتنا (عليهم السلام) مع جزء من كتاب درست بن أبي منصور كلها برواية الشيخ الجليل الثقة أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري ويأتي شرح حال هذه الأصول إن شاء الله تعالى في آخر الكتاب وما في تلك النسخة سوى الأصول المذكورة هذا الحديث الذي ذكرناه ، هذا وفي رواية الحديث عن موسى بن جعفر (عليه السلام) مع ما في المتن مناقضة ظاهرة ويمكن أن الراوي للخبر سمعها عن غيره فعرضها عليه (عليه السلام) فصدقها ولذا نسبها إليه وأسندها عنه (عليه السلام) ويمكن غير ذلك أيضا والله أعلم.

 

حديث حبابة الوالبية

الحادي والخمسون الكافي في باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل علي بن محمد ، عن أبي علي محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أحمد بن القاسم العجلي ، عن أحمد بن يحيى المعروف بكرد، عن محمد بن خداهي، عن عبد الله بن أيوب ، عن عبد الله بن هاشم ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن حبابة الوالبية قالت : رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في شرطة الخميس ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمار ويقول لهم : يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان ، فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا أمير المؤمنين وما جند بني مروان ، قال فقال له : أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا ، فلم أر ناطقا أحسن نطقا منه ، ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد فقلت له : يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة يرحمك الله ، قالت فقال : ائتيني بتلك الحصاة وأشار بيده إلى حصاة فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثم قال لي : يا حبابة إذا ادعى مدع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة والإمام لا يعزب عنه شيء يريده .

قالت : ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) فجئت إلى الحسن (عليه السلام) وهو في مجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) والناس يسألونه ، فقال : يا حبابة الوالبية، فقلت : نعم يا مولاي ، فقال : هاتي ما معك ، قالت : فأعطيته فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين (عليه السلام) .

قالت : ثم أتيت الحسين (عليه السلام) وهو في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرب ورحب ثم قال لي : إن في الدلالة دليلا على ما تريدين أفتريدين دلالة الإمامة ، فقلت: نعم يا سيدي ، فقال : هاتي ما معك ، فناولته الحصاة فطبع لي فيها .

قالت : ثم أتيت علي بن الحسين (عليه السلام) وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة فرأيته راكعا وساجدا ومشغولا بالعبادة فيئست من الدلالة فأومأ إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي ، قالت فقلت : يا سيدي كم مضى من الدنيا وكم بقي ، فقال : أما ما مضى فنعم وأما ما بقي فلا ، قالت: ثم قال لي هاتي ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها .

ثم أتيت أبا جعفر (عليه السلام) فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا الحسن موسى (عليه السلام) فطبع لي فيها ، ثم أتيت الرضا (عليه السلام) فطبع لي فيها وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمد ابن هشام). 

يقول مصنف هذا الكتاب : وروى خبر حبابة هذه الحسين بن حمدان في كتابه كتاب الهداية عن جعفر بن يحيى ، عن يوسف بن ظبيان ، عن المفضل، عن جابر الجعفي ، عن يحيى بن معمر ، عن أبي خالد ، عن عبدالله بن غالب، عن رشيد الهجري بزيادات لا نطيل الكتاب بإيرادها وذكر فيه أن الرضا (عليه السلام) هو الذي دعا لها فعادت شابة غضة طرية سوداء الشعر حالكة قالت : ثم دخلت خلوة في جانب الدار وفتشت نفسي فوجدتني بكرا فرجعت وخررت بين يديه ساجدة ثم قلت : يا مولاي النقلة إلى الله  فلا حاجة لي في الحياة الدنيا قال : يا حبابة ادخلي أمهات الأولاد فجهازك هناك مفروشة ، ثم روى الحسين بن حمدان عن جعفر بن مالك عن محمد بن زيد المدني أنه قال : كنت مع مولاي الرضا (عليه السلام) حاضرا إذ دخلت حبابة إلى بعض أمهات الأولاد فلم تلبث إلا بمقدار ما عاينت جهازها إلى الله حتى شهدت وفاتها إلى الله رحمها الله ، فقال مولانا الرضا (عليه السلام) : رحمك الله يا حبابة ، قلنا: يا سيدنا وقد قبضت ، قال: ما لبثت إلا أن عاينت جهازها إلى الله حتى قبضت، وأمر بتجهيزها وحملت إلى حفرتها وأمر سيدنا بزيارتها وتلاوة القرآن عليها والتبرك بالدعاء هناك).

 

حديث ابن أم غانم

الثاني والخمسون وفي الكافي أيضا محمد بن أبي عبد الله وعلي بن محمد ، عن إسحاق بن محمد النخعي ، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فاستؤذن لرجل من أهل اليمن عليه فدخل رجل عبل طويل جسيم فسلم عليه بالولاية ، فرد عليه بالقبول وأمره بالجلوس فجلس ملاصقا لي ، فقلت في نفسي : ليت شعري من هذا ؟ فقال أبو محمد (عليه السلام): هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي (عليهم السلام) فيها بخواتيمهم فانطبعت وقد جاء بها معه يريد أن أطبع فيها ، ثم قال : هاتها ، فأخرج حصاة وفي جانب منها موضع أملس فأخذها أبو محمد (عليه السلام) ثم أخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع فكأني أرى نقش خاتمه الساعة الحسن بن علي ، فقلت لليماني: رأيته قبل هذا قط، قال : لا والله وإني لمنذ دهر حريص على رؤيته حتى كان الساعة أتاني شاب لست أراه فقال لي : قم فادخل فدخلت ، ثم نهض اليماني وهو يقول رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ذرية بعضها من بعض أشهد بالله إن حقك لواجب كوجوب حق أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين ، ثم مضى فلم أره بعد ذلك ، قال إسحاق: قال أبو هاشم الجعفري : وسألته عن اسمه فقال اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم ابن أم غانم وهي الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) والسبط إلى وقت أبي الحسن (عليه السلام) ).

أقول  وبالله التوفيق: قد عرفت مما سبق عن صاحب المقتضب أن أم غانم غير حبابة الوالبية وهو كذلك بدليل أن كنية حبابة أم الندا كما في نسختي من كتاب الحسين بن حمدان أو أم البراء كما في بعض كتب الرجال فتأمل وعلى هذا فتكون صاحبات الحصاة أربعا أحدها أم سليم أو أم أسلم وثانيها أم حكيم وثالثها حبابة ورابعها أم غانم والله أعلم.

 

مقام الإمامة

الثالث والخمسون وفيه أبو محمد القاسم بن العلاء  رفعه عن عبدالعزيز بن مسلم قال : كنا مع الرضا (عليه السلام) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيدي (عليه السلام) فأعلمته خوض الناس فيه فتبسم (عليه السلام) ثم قال : يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم إن الله  لم يقبض نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال  ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ وأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق وأقام لهم عليا (عليه السلام) علما وإماما وما ترك لهم شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه فمن زعم أن الله  لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل ومن رد كتاب الله فهو كافر به هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص الله  بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال ﴿إني جاعلك للناس إماما﴾ فقال الخليل (عليه السلام) سرورا بها ﴿ومن ذريتي﴾ قال الله تبارك وتعالى ﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾ فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال ﴿ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين﴾ فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال جل وتعالى ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين﴾ فكانت له خاصة فقلدها (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى ﴿وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى‏ يوم البعث﴾ فهي في ولد علي (عليهم السلام) خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن أين يختار هؤلاء الجهال إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين (عليهم السلام) إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفي‏ء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف الإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ولجج البحار الإمام الماء العذب على الظمإ والدال على الهدى والمنجي من الردى الإمام النار على اليفاع الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك من فارقه فهالك الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق والأم البرة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداهية النآد الإمام أمين الله في خلقه وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذاب عن حرم الله الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره هيهات هيهات ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وخسأت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه لا كيف وأنى وهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا وأين العقول عن هذا وأين يوجد مثل هذا أ تظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الأباطيل فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا ، وقال الصفواني في حديثه : قاتلهم الله أنى يؤفكون ، ثم اجتمعا في الحديث ولقد راموا صعبا وقالوا إفكا وضلوا ضلالا بعيدا ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة  سبحان الله وتعالى‏ عما يشركون﴾ وقال ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾ الآية وقال ﴿ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى‏ يوم القيامة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين﴾ وقال  ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على‏ قلوب أقفالها أم طبع الله على‏ قلوبهم فهم لا يفقهون أم قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون أم قالوا سمعنا وعصينا بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ فكيف لهم باختيار الإمام والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسل المطهرة البتول لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب في البيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والرضا من الله  شرف الأشراف والفرع من عبد مناف نامي العلم كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله ناصح لعباد الله حافظ لدين الله إن الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله تعالى ﴿أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى‏ فما لكم كيف تحكمون﴾ وقوله تبارك وتعالى ﴿ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا﴾ وقوله في طالوت ﴿إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم﴾ وقال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿أنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما﴾ وقال في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته (عليهم السلام) ﴿أم يحسدون الناس على‏ ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى‏ بجهنم سعيرا﴾ وإن العبد إذا اختاره الله  لأمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاما فلم يعي بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن من الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده وشاهده على خلقه ﴿وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه تعدوا وبيت الله الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جل وتعالى ﴿ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ وقال ﴿فتعسا لهم وأضل أعمالهم وقال كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على‏ كل قلب متكبر جبار﴾ وصلى الله على النبي محمد وآله وسلم تسليما كثيرا ).

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف عفا الله عنه : وروى الصدوق هذا الحديث في غير واحد من كتبه عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني عن القاسم بن محمد بن علي الهاروني عن عمران بن موسى عن الحسن بن القاسم الرقام عن قاسم بن المسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم بأدنى مغايرة في بعض الألفاظ والمعنى واحد ثم قال في آخره (وحدثني بهذا الحديث محمد بن محمد بن عصام الكليني وعلي ابن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق وعلي بن عبد الله الوراق والحسن ابن أحمد بن المؤدب والحسين بن إبراهيم بن هشام المؤدب Q قالوا حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال حدثنا أبو محمد القاسم بن علاء قال حدثنا قاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم عن الرضا عليه السلام).

ثم اعلم أن لفظ (وفي حديث الصفواني) ولفظ (ثم اجتمعا) في الرواية الواقعين في أثناء رواية الكافي هما من قول بعض رواة الكافي في الطبقة المتأخرة، وتوضيح ذلك أنه كان في زمان القدماء إذا ألف الشيخ كتابا استنسخه التلاميذ وغيرهم ثم يروونه عنه إما بالقراءة عليه وإما بالسماع عنه وإما بالإجازة وإما بالمناولة أو غيرها وربما كانوا يصدرون نسخهم بقولهم أخبرنا أو حدثنا فلان ويسمون صاحب الكتاب كما هو واقع في كثير من صدور كتب الكافي وربما يفعل ذلك بعض من يروي من صاحب الكتاب بوسائط كما وقع في صدر جملة من الكتب لا سيما كتب الأخبار. منها بصائر الصفار فإن في صدر كثير من أجزائه (حدثنا أبو القاسم قال حدثنا محمد بن يحيى العطار قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار إلى آخر السند) والوجه فيه ما ذكرناه. هذا وربما كان يقع بين نسخ الرواة في الطبقة الأولى أو المتأخرة عنها اختلاف من جهة السهو زيادة ونقيصة وتقديما وتأخيرا وإذا عرض من تأخر عنهم النسخ بعضها على بعض ووجد ذلك كتب في محل الاختلاف اسم صاحب النسخة الراوي لها وذكر ما هو متفرد به ثم ساق الحديث من موضع الاتفاق، وما نحن فيه من هذا القبيل فإن رواة الكافي جماعة من أجلة أصحابنا منهم الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه صاحب كامل الزيارات ومنهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني صاحب التفسير وكتاب الغيبة ومنهم الشيخ أبو محمد هارون ابن موسى التلعكبري ومنهم أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني ومنهم محمد بن محمد بن عصام الكليني ومنهم أبو غالب أحمد ابن محمد الزراري كما صرح به في رسالته إلى ابن ابنه عند تعداده لمروياته فإنه قال فيه ما هذا لفظه (وجميع كتاب الكافي تصنيف أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني روايتي عنه بعضه قراءة وبعضه إجازة وقد نسخت منه كتاب الصلاة والصوم في نسخة وكتاب الحج في نسخة وكتاب الطهر والحيض في جزء والجميع مجلد وعزمي أن أنسخ بقية الكتاب إن شاء الله تعالى في جزء واحد ورق طلحي).

وصرح به أيضا الشيخ في فهرسته وغيره في غيره ومنهم الصفواني وهو محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال وجماعة غير هؤلاء مذكورون في كتب الفهارس والرجال فالصفواني هذا هو المراد بقولهم (وقال الصفواني في حديثه قاتلهم الله أنى يؤفكون) ومثله واقع في الكتاب المذكور في باب إثبات الإمامة في الأعقاب فقد ذكر فيه بعد نقل حديث في ذلك وفي نسخة الصفواني ثم هكذا إبداء ومثله في باب النص على الحسن بن علي (عليه السلام).

وأما قولهم (ثم اجتمعا في الرواية) فالمراد به الصفواني وواحد آخر من رواة الكافي ويمكن أن يكون هو النعماني بقرينة ما ذكر بعضهم إن في الكافي في كتاب العقيقة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني  بهذا الكتاب في جملة كتب الكافي عن أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني  ثم حكم هذا البعض من ذلك بأن ما أوردها فيه أخبرنا محمد بن يعقوب فالمتكلم به النعماني ولكنه استنباط ضعيف كما ترى مع أن كثيرا من نسخ الكافي خالية عما ذكره فمجرد ذلك لا يوجب القطع بما ذكرناه، ثم إن نظير هذه اللفظة قد وقع في موضع آخر من الكافي وهو باب مولد علي بن الحسين (عليهم السلام) عن كتاب الحجة فإنه روى فيه بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال (لما مات علي بن الحسين (عليه السلام) جاءت ناقة له من الرعي حتى ضربت بجرانها على القبر وتمرغت عليه فأمرت بها فردت إلى مرعاها وإن أبي (عليه السلام) كان يحج عليها ويعتمر ولم يقرعها قرعة قط)  ثم وقع فيه بغير فصل ابن بابويه الحسين بن محمد بن عامر عن أحمد بن إسحاق وساق سندا وذكر حديثا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قريب المؤدى من الحديث المذكور مع زيادة، والمراد به على ما يقتضيه النظر الصحيح شيخنا الصدوق محمد بن علي بن بابويه الذي يروي عن الكليني بواسطة واحدة كما صرح بذلك في مشيخة الفقيه وغير ذلك من كتبه منها ما عرفت في ذيل الحديث الذي مر آنفا. فالمراد أن هذا الحديث المذكور بعده إنما هو في نسخة الصدوق  دون باقي النسخ فالكلام كلام بعض من تأخر عن الصدوق وعرض بعض النسخ على بعض هذا وقد وقع في هذا المقام لجمع من الأعلام أغلاط منها ما ذكر بعضهم من أن المراد بذلك علي بن بابويه والد الصدوق يعني أن هذا الخبر واقع في نسخته دون سائر النسخ، وهو خبط فإن علي بن بابويه وإن كان معاصرا للكليني ولكنه ليس من رواة الكافي بل ولم نجد منه رواية عن الكليني أبدا كما تشهد بذلك كتب ابنه فإن روايته عن أبيه فيها أكثر من أن تحصر ولم يوجد في شيء منها الرواية عن الكليني وكذا سائر كتب أصحاب الحديث فإنا لم نجد فيها من ذلك عينا ولا أثرا وكيف لو كان الأمر على ما ذكروه فكان الصدوق  ذكره في مشيخة الفقيه عند ذكر طريقه إلى الكليني جدا مع أنه لم يأت منه بذكر أصلا فإنه قال فيه (وما كان فيه عن محمد بن يعقوب الكليني فقد رويته عن محمد بن محمد بن عصام الكليني وعلي بن أحمد بن موسى ومحمد بن أحمد السناني عن محمد بن يعقوب الكليني ثم قال وكذلك جميع كتاب الكافي فقد رويته عنهم عن رجاله)،هي. فإنه  وإن كان غير ملتزم فيه باستقصاء جميع طرقه إلى الأصحاب ولكن من البعيد أن يكون قد ترك الأقرب وخص الأباعد بالذكر مع وجود طريق منه إليه.

منها ما وجدته على حاشية نسختي من الكافي نقلا عن بعض أعلام المحدثين من كون المراد به الصدوق كما صححناه ولكنه علل ذلك بقوله فإنه يعني محمد بن بابويه من تلامذة الكليني ورواة الكافي كما هو مذكور في إجازات الأصحاب وهو من أقبح الغفلات لأنه وإن كان معاصرا للكليني إلا أنه يروي عن أبيه كثيرا وقد مات أبوه والكليني في سنة واحدة وهي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة غير أنه كما عرفت من تصريحه هو بذلك يروي عن الكليني بالواسطة ولم يعهد لقاءه الكليني فضلا عن روايته عنه.

منها ما وقع للمحدث الكاشاني في كتابه الوافي وهو أنه حسبه جزء من الحديث المقدم ثم قال ما هذا لفظه (ابن بابويه هكذا وجدت هذه اللفظة في النسخ التي رأيناها في آخر الحديث ومعناها غير ظاهر وربما يقال إنه متعلق بالحديث الآتي وإن المراد به شيخنا الصدوق  يعني أن الحديث الآتي إنما يوجد في نسخة ابن بابويه نظيره في هذا الكتاب ما صدر به بعض الأخبار بلفظه وفي نسخة الصفواني وعلى هذا يكون من كلام من تأخر عن المصنف وعن الصدوق فزيد في الأصل وهو بعيد جدا وربما يوجد في بعض النسخ متعلقا بالحديث الآتي هكذا ابن بابويه عن الحسين بن محمد بن عامر بإثبات عن، فإن صح فالمراد بابن بابويه علي بن الحسين والد الصدوق فإنه كان معاصرا لصاحب الكافي وعلى تقدير تعلقه بالحديث السابق يحتمل أن يكون أين بمعنى المكان وأبويه بمعنى والديه يعني إني لأجد بمثل أبويه فيكون المراد بها أنه لا يوجد مثل أبويه في الشرف ولهذا كان كذلك) انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : قد عرفت فيما سبق إن التوجيه الأول هو المراد وأما استبعاد الفاضل المذكور له فلم أعرف له وجها سيما بعد ذكره للنظير وأما قوله وربما يوجد في بعض النسخ إلى قوله (فإن صح) فالمراد به علي بن بابويه فهو معطوف على سائر الغفلات الواقعة لغيره فإن رواية الكليني عنه مما لم يجر له ذكر في شيء من الأخبار ولا كتب التراجم والفهارس ولا غيرها من الكتب المعروفة على أنه لو كان اتفق لهما لقاء أو مفاوضة أو مكاتبة لكان رواية على عنه أولى من العكس كما لا يخفى وقد عرفت أنه لم يقع ذلك بقرائن لا محيص عنها ومجرد المعاصرية لا يوجب ذلك كما هو ظاهر وأما توجيهه الأخير فلقد أبكانا بعد ما أضحكنا فإن بعده وقبحه وحزازته أشد من أن يتكلم أحد عليه ويتعرض لبيان فساده ولو أني كنت معاصرا له  لصالحته على توجيهه السابق مع عدم استقامته بشرط عدم تعرضه لهذا التوجيه الركيك الذي كدر العيش على السامعين وحبب الموت إلى الأحياء ولو أنه   اكتفى بمجرد قوله (ومعناها غير ظاهر) لكان أولى له وأصلح والله المستعان.

ومنها ما نقل عن بعض أصحاب السليقة المعوجة من كونه جزء من الحديث السابق وأنه ابن بابويه أي ابن شهربانويه صار في الفضل إلى هذه المرتبة.

وأقول : إن هذا التوجيه قد بيض وجه توجيه المحدث الكاشاني  لأنه قد أتى بشنيعة تضيق الدفاتر عن شرحها وتفنى الأعمار في جرحها فإن هذا الفاضل المسكين لم يعرف أولا أن التقدير في كلام العرب له قاعدة كلية وليس بمجرد هوى النفس يقدر الإنسان فيه ما يشاء كما فعله هذا المسكين فإن مثل هذه اللفظة المقدرة فيها ما ذكر لو صدر عن أعجمي مثله لضحك على عقله الأموات وبكت على جهله الأرضون والسماوات فكيف بمثل باقر العلم الذي في بيوتهم تنبت عروق الفصاحة وفي دارهم اخضر عود البلاغة والبراعة مع قطع النظر عن كونهم أئمة مؤيدين من عند الله ناطقين عن لسان الله ثم بعد ذلك لم يعرف أن مثل هذا الكلام على فرض صحة التقدير المذكور إنما يقال فيمن تكون أمه من أراذل النسوان وألأمها حسبا ونسبا وأصلا وأرومة فيكون إذا صدر عن ابنها عمل مقبول شريف صار موضعا للاستعجاب كما هو ظاهر على من له مسكة في أساليب الكلام نعوذ بالله من اعوجاج الأفهام وضلال الأوهام والكلام بغير تأمل والهذر من غير تعقل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم بل لو تأمل متأمل وتدبر متدبر لوجد هذا التأويل إزراء في حق نفس الإمام (عليه السلام) لأن مثل الاستعجاب إنما  يقع في حق من لا يتوقع منه مثل هذه الفضيلة النفسانية فيكون وقوعها منه مما يستحق التنبيه عليه في مقام الاستغراب كما كان الكفار يتعجبون من حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقولون فيما بينهم (ألا ترون إلى يتيم أبي طالب كيف ملك رقاب الناس) وإنما كانوا يقولون ذلك لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في نظرهم حقيرا لا يتوقعون في حقه ذلك (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) فياله من كلام كلما ازداد الإنسان فيه تأملا ازداد قبحا وشناعة على أن مضمون الخبر ليس من الفضائل العظيمة العالية حتى يكون الإمام (عليه السلام) ينبه من يسمع ذلك منه بكون سيد الساجدين (عليه السلام) قد بلغ تلك المرتبة المنيعة ليعظم ذلك في نظر السامع فيكون التنبيه عاريا عن النكتة وبالجملة لو أردنا تعداد قبائح هذا الكلام لخرجنا عن طور المقام، وإنما أطلنا القول في ذلك لفوائد كثيرة أهمها تنبيه من يتصدى بالنظر في الأخبار والكلام عليها ليكون على حذر من ارتكاب التوجيه والتأويل برأيه من غير تثبت ولا يأول كلمات أصحاب الوحي بآراء المضلين فيكون مغريا إليهم ما لم يريدوه ويدخل تحت قوله تعالى ﴿آلله أذن لكم أم على الله تفترون﴾. فإني أجد جماعة من المحدثين قد ابتلوا بهذا الداء العضال فتراهم يخوضون في الأخبار المعصومية ويأولونها بما ركز في أذهانهم من الاعتقاد فيجعلون كلام المعصوم تابعا لرأيهم ولا يعقلون أن من شرط تأويل الآية أو الخبر وإخراجهما عن ظاهرهما كون ظاهرهما مخالفا للأصول الضرورية الثابتة في الدين أو الإجماع الكاشف عن دخول قول المعصوم فيه أو نص قطعي لا يحتمل التأويل أو دليل عقلي تعرف جميع العقول السليمة عدله كما مر في عناوين الكتاب لا أن يجعل الآية أو الخبر دائرا مدار اعتقاد الآحاد فيكون كل من تكلم فيهما ووجدهما مخالفا لما عنده أوله بما يوافق اعتقاده كما يفعلون هؤلاء وممن أفرط في هذا الشأن بعض أفاضل المحدثين من أصحابنا فإنه أول الأخبار بما مهد عنده من القواعد المجهولة الأنساب ومع ذلك عير على غيره في غير موضع من النقابة في جعلهم الكتاب والسنة تابعين لآرائهم ولم يبال جهدا في قدحهم وإزرائهم فحق في حقه قول الشاعر:

ما بال عينك لا ترى أقذاءها

وترى الخفي من القذى بجفوني

 منها قوله في حدوث المشية والإرادة فإنه أول أخبار الحدوث بالإرادة بمعنى الإحداث وأثبت لله تعالى إرادة قديمة هي عين ذاته وهي كون ذات الله تعالى بحيث يختار ما هو الأصلح فأثبت أولا لذات الله تعالى كيفا وهو كونها بحيث كذا وجعله ثانيا فاعلا موجبا مضطرا لأن اختيار الأصلح إذا كان ذاتيا له لم يقدر على فعل غير الأصلح لأن الذاتي لا يتغير والله تعالى يقول لنبيه ﴿ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك﴾ فنحن نسأل هذا الفاضل الإخباري ونقول أخبرنا هل كان إذهابه تعالى بما أوحى إلى نبيه أصلح فلم لم يختره واختار ضده أو غير أصلح فكيف يدعي الله تعالى ما لا يقدر عليه على قولك فإنه يخبر أنه لو شاء ذلك لفعل مع أنه ليس بأصلح فليس لذاته اختيار ذلك على معتقدك وإلا لتغيرت الذات عما هي عليه من الحيثية، الحكم لله العلي الكبير وهو على كل شيء قدير. وإنما دعاه إلى هذا الاختيار الفاسد وتأويله للأخبار بما سمعت ما أخذه تقليدا عمن تقدمه وركز في ذهنه بحيث صار عنده من الأمور القطعية من ثبوت إرادة قديمة لله تعالى فلما ورد حياض الأخبار المعصومية ووجدها ناطقة بخلاف ما اعتقده أخذ في تأويلها بما تهوى نفسه ولم يلتفت إلى نص قول الإمام المعصوم (إن الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل وأما من الله فإرادته إحداثه لا غير ذلك لأنه تعالى لا يروي ولا يتهم ولا يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق فإرادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك كما أنه لا كيف له)، هي.

فإنه (عليه السلام) حصر إرادة الله تعالى في موضعين هي الفعل والإحداث ونفى أن يكون له تعالى إرادة غير ذلك وهذا الفاضل نقل هذا الخبر ولم يكترث بما فيه حتى قال (إن لله تعالى إرادة غير ذلك وهي عين ذاته) وهو مع ذلك لم يزل يطعن على الأصوليين من أصحابنا بأنهم تبعوا آراء العامة وأصولهم ولا يعلم أنهم على فرض صدقه فيما يقول في حقهم أحسن حالا منه لأنهم تبعوهم فيما يتعلق بالفروع وهو تبعهم فيما يتعلق بأصول الاعتقاد المؤدي إلى الضلال في أصل الدين من حيث لا يشعر فإن القول بالإرادة القديمة أصله من مبتدعات متكلميهم وإنما قال بهما بعض متكلمي الشيعة من جهة خوضهم في هذا العلم المنكوس وحسبانهم أن أصول الاعتقاد لا يستقيم إلا بتعلم هذا العلم ولم يفقهوا أن الخوض فيه لو لم يخرج المتعلم عن حيز مداليل الكتاب والسنة لم يدخله فيه وإنما الحكمة التي يجب للطالب أخذها والخوض فيها ما قررها أمناء الوحي ببياناتهم الشافية وتنبيهاتهم الكافية الوافية وأغنوا بها غنمهم عن الرعي في مراعي أعدائهم الضالين والورود على مناهل أضدادهم المضلين عصمنا الله وإخواننا المؤمنين من اتباعهم وحفظنا من الورود في مهالك  آرائهم.

هذا وأقبح مما ذهب إليه هذا الفاضل وأشنع تأويل أستاذه على ما نقل هو عنه لقول أبي عبد الله (عليه السلام) (خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشية) فإنه قال في معناه إن المراد بالمشية هنا مشية العباد لأفعالهم الاختيارية لتقدسه سبحانه عن مشية مخلوقة زائدة على ذاته  وبالأشياء أفاعيلهم المترتب وجودها على تلك المشية، هي.

فانظر بالله عليك كيف أخرج التقليد مثل هذا السيد الجليل الذي تكاد تتدكدك من طنطنة إفاداته راسيات الجبال وتنشق من شقشقة عباراته قلوب الرجال عن صرافة الفطرة السليمة وسذاجة الفطنة المستقيمة حتى أول صريح الكلام إلى تأويل تستمجه الأسماع وتشمئز منه الطباع لما ترصرصت في أسارير قلبه من رسيس الشبهة القديمة وتعلقت بشراسيف ذهنه من رصيص طنحية العقيمة من غير تعمق فيما يترتب على ما قالوه من القبائح وتصرف فيما يتطفل على ما زخرفوه من الفضائح وهو يقرأ حديث سليمان المروزى في حديث المشية والإرادة ويرويه ولا يحزنه التدبر فيما تضمنه والتعلق بما يقتضيه، حتى جاء تلميذ تلميذه السابق ذكره ولم يصدق تأويله ذلك وهو حمل المشية على مشية الله فقال إن لله مشيتين قديمة وحادثة كما سمعت عنه آنفا وأثبت هذا الوهم الضعيف في زبره وأورثه من بعده قوما آخرين فلم يزل يتلقاه كل خلف منهم عن سلف إلى عصرنا هذا مع ما قد أتت من عاصرناهم من هؤلاء تزييف هذا الوهم الضعيف من بيانات تذوب تكرارها جلاميد الصخور وآيات تمور من تذكارها صلاخيد الصدور ومع ذلك لم يتناهوا عمّاهم عليه عاكفون بل زادوا نفورا على نفور وجزوا إحسان من جاءهم بتلك الآيات الباهرة بالكفور فصدق عليهم قول الله تعالى ﴿ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور﴾.

ثم الخطب الفظيع ما وقفت عليه من اعتراض بعض الأفاضل عليه رحمة الله في تأويله هذا المذكور بأن هذا يلزم منه كون العباد مخلوقة لله تعالى وهو باطل لا يلائم مذهب العدل وأنا ما أدرى ما أقول ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره ولو كان لقلبي إقبال وأرخيت عنان القلم في هذا المجال وبينت الطريق الذي دخل على هؤلاء منه ما ترى من الأوهام الفاسدة ولكني في شؤون عن ذلك فلنقتصر على جواب المعترض.

فنقول أيها الفاضل حفظت شيئا وغابت عنك أشياء لقد طرق سمعك أن الأشاعرة قالت يكون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى من غير أن يكون لهم فيها مدخلية سوى المحلية لها من غير أن يكون بقدرتهم وإرادتهم تأثير في وجودها وإيجادها ، وأن المعتزلة والإمامية أنكروا عليهم ذلك وألزموهم بلزوم قبائح لا مناص لهم عنها وقالوا بكون العباد هم الخالقون لأفعالهم ولكنك أخطأت في فهم مراد الإمامية وزعمت أنهم شركاء للمعتزلة في المراد ليس وكما زعمت فإن المعتزلة قائلون بالتفويض كما أن الأشاعرة قائلون بالجبر ومرادهم بالتفويض أن الله تعالى خلق في العباد آلات القدرة والاختيار للفعل والترك وليس له في أفعال العباد غير ذلك فالعباد هم الخالقون لأفعالهم بالاستقلال من غير أن يكون لله تعالى تأثير في فعلهم وهو كالجبر في البطلان والفساد وحاشا الإمامية أن يشركوا بالله ويثبتوا في ملكه خالقين مستقلين لا يحتاجون في حركاتهم وسكناتهم إلى صانعهم ولو آنا ما.

وإنما مراد الإمامية بذلك أن خلق العباد وجعلهم قادرين على كل من الفعل والترك والطاعة والمعصية تحقيقا للاختيار ثم أمرهم بالطاعة ونهاهم عن المعصية فمن اختار الطاعة وعمل بها فهو بحسن اختياره ومن اختار المعصية وعمل بها فهو بسوء اختياره وفي كل من الاختيارين والعملين لم يهملهم الله تعالى بأن يكون منعزلا عن ملكه مفوضا إليهم الأمر تفويض تمليك وإلا لكان الممكن مستغنيا عن المؤثر وهو محال بل كل من الفعلين جار على أيديهم بمشية من الله وإرادة وقدر وقضاء وإذن وأجل وكتاب فالله تعالى هو الموجد لكل من الحسنة والسيئة ولكن باقتضاء وسؤال استعدادي من جهة العبد لذلك وهو تعالى لا يخيب سائلا بل يعط كلا ما يستحقه ويسأله بلسان ميله واقتضائه ويحكم على كل منهم بمقتضى ما سألوه من الثواب والعقاب فصح أن العباد هم الفاعلون لأفعالهم لكن بالله لا مع الله فيكونوا مشاركين معه في الفعل ولا بدون الله فيكونوا مستغنين عن مؤثرهم كما زعمته المعتزلة ولا الله فاعل لأفعالهم فيكونوا مبرئين مما فعلوا كما زعمته الأشاعرة. فخذه قليلا من كثير فإن المقام لا يقتضي بسط المقال في مثل هذه المسألة التي تاهت فيها الأحلام وتحيرت فيها الأفهام، وإنما أشرنا إلى شيء منها تنبيها على ما جر إليه الكلام من الفلتات الواقعة لمن تكلم بمقتضى التقليد من غير تدبر، ومن أراد حقيقة ما أومأنا إليه من الصراط المستقيم الذي هو أدق من الشعر وأحد من السيف فعليه بكتاب (كشف القدر) للشيخ الأعظم والطود الأفخم مولانا الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامه الذي كتبه في الرد على رسالة السيد الشريف الأشعري في بيان هذه المسألة فإنه كاف في هذا الشأن واف شاف لمن له أنس بلحنه أعلى الله مقامه.

فحاصل المرام هنا أن الاعتراض على تأويل السيد للحديث بما ذكر اعتراض غير سديد وإن كان تأويله أيضا خارجا عن طريق السداد لكن لا من هذه الجهة بل من الجهة التي ذكرناها وأومأنا إليها إجمالا تنبيها للغافلين وتعليما للجاهلين إن كان ينفعهم نصحي ودلالتي والله ولي التوفيق.

فانزع يا أخي عن جيدك قلادة التقليد وانظر في آيات كتاب الله وسنن أنبيائه وأوليائه بالفهم السديد ولا تتخذ بعض الناس لنفسك نسبا وبعضا آخر عدوا بغير سبب فتكون ملتزما بتصحيح كلما يقول أولئك دون هؤلاء فإن هذا الداء العضال هو الذي حرم كثيرا من الناس عن شراب التحقيق وهوى بهم في كل واد سحيق فمنهم من أعجبه الميل إلى التفلسف ومنهم من جذبه هوى النفس إلى التصوف ومنهم من قاده التقليد إلى التكلم ومنهم من أخلده الجمود على التكلف والحكم فاختار كل منهم معلما لذلك العلم الذي مال إليه ابتداء من غير تثبت أو تحقيق فبقى ينشأ على اصطلاحاته ومقاصده ويملأ سمعه من براهينه وقواعده فيتولد من بين ذلك أنس ومحبة بتلك الطريقة وبغض ونفرة عما يغايره من المسالك لأن الإنسان عدو لما جهله فإذا بلغ من ذلك إلى ما هو قصارى همته جلس في صدر التحقيق وأخذ في الإفادة على الجهال والإمعة فإذا عارضه من يخالف طريقته ومذاقه أخذته الحمية وهيجته العصبية إلى رده وترنيقه وإن ظهر له حقية من خالفه وبطلان ما في يديه لما نشأ عليه وأنست به نفسه وركز في ذهنه وشد من خرق هذا الحجاب وتمسك بمداليل السنة والكتاب وحسب نفسه من الموجودين قبل حدوث هذه الأسماء فجعل يقرأ حروف الكتابين التكويني والتدويني قراءة تحقيق وتنقير امتثالا لقوله سبحانه ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾وقوله ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾وقول رسوله الداعي إليه (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا) وإن أشكل عليه حرف منهما يرجع إلى من علم من حاله التمسك بالثقلين والأخذ من الكتابين امتثالا لقوله سبحانه ﴿فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾على أحد المعاني السبعين ولا ينتحل لنفسه اسما إلا ما سماه به الله وأولياؤه الهادون فلا يلتزم بتصويب قوم على الإطلاق وتخطئة آخرين بل ينظر إلى جميع الناس بعينين مأخوذيتن من الكتابين المذكورين فما وجده مطابقا لهما صدقه وما وجده مخالفا لهما كذبه علما منه بأن أولياء الله المبعوثين لهداية الناس ما كانوا متفلسفين ولا متصوفين ولا متكلمين ولا قشريين بل كانوا إلهيين ربانيين متبوعين غير تابعين يجب على جميع من دخل في حيطة أمر كن الاقتفاء بآثارهم والاقتداء بطريقتهم ومنارهم وكل من وجده من الطوائف يدعي ذلك سبره بشواهد الامتحان ولا يكتفي بمجرد الدعوى فإن طريقة محمد وآله الطاهرين واضحة بينة لا لبس فيها لأنهم بعثوا لهداية عامة الناس لا بقوم مخصوصين فكل منهم أخذ نصيبه من الكتاب ﴿أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها﴾ لكن بشرط أن يكون الطالب منقطعا إليهم بالكلية مخلصا لنيته في ذلك لا يريد إلا وجه الله فإن من سلك هذا السبيل وصل إلى المطلوب لا محالة بوعد من الله  في قوله ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾.

وبالجملة تحول الكتابين المذكورين الذين كتبهما الله تعالى بقلم قدرته في لوح محفوظ إمامين لا مأمومين فمن وجده يأول ما فيهما تطبيقا له بقول قوم مخصوصين من غير أن يقوم لصحته شاهد صريح من الكتابين كما سمعت فيما قبل من التأويل عرف أنه خروج عن الجادة المستقيمة والطريقة القويمة لا ينبغي الالتفات إليه من أي فرقة كانت ومن أي شخص صدر ولو كان جده وأباه فإن الله قد ذم أقواما بذلك في عدة آيات ولم يرض منهم بتقليد الآباء والأمهات وتعظيم العظام الرفاة ووصى أولياؤه الهادون بأخذ العلم عن معدنه وقالوا (انظروا علمكم هذا من أين تأخذونه) فلم يرضوا بالأخذ عن كل من يتسمى بالعلم وكلما يسمى علما ولكن القوم لا يحبون الناصحين.

واعلم أني بالغت في الإطناب وخرجت عن وضع الكتاب وتعرضت بما لم يكن له كثير مناسبة للمقام لحاجة في نفسي دعتني إليه فلا يقابلني من يقف عليه بالملام والله الموفق للصواب وبه الاعتصام. 

 

العز كل العز للمتقي

الرابع والخمسون الاحتجاج عن ثابت البناني قال : كنت حاجا وجماعة عباد البصرة مثل أيوب السجستاني وصالح المروي وعتبة الغلام وحبيب الفارسي ومالك بن دينار فلما أن دخلنا مكة رأينا الماء ضيقا وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألوننا أن نستسقي لهم فأتينا الكعبة وطفنا بها ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها فمنعنا الإجابة فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه وأقلقته أشجانه فطاف بالكعبة أشواطا ثم أقبل علينا فقال : يا مالك بن دينار ويا ثابت البناني ويا أيوب السجستاني ويا صالح المروي ويا عتبة الغلام ويا حبيب الفارسي ويا سعد ويا عمر ويا صالح الأعمى ويا رابعة ويا سعدانة ويا جعفر بن سليمان، فقلنا: لبيك وسعديك يا فتى ، فقال : أ ما فيكم أحد يحبه الرحمن، فقلنا : يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة ، فقال : ابعدوا عن الكعبة فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه ، ثم أتى الكعبة فخر ساجدا فسمعته يقول في سجوده : سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث ، قال : فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب ، فقلت : يا فتى من أين علمت أنه يحبك ، قال : لو لم يحبني لم يستزرني فلما استزارني علمت أنه يحبني فسألته بحبه لي فأجابني ثم ولى عنا وأنشأ يقول:

مــن عــرف الــرب فلــم تغنـه          

معرفــة الــرب فــذاك الشــقي

‏ما ضــر في الطــاعة مــا نــالــه              

في طاعـــة الله ومـــا ذا لــقــي‏

ما يـصنــع العبــد بغير التــقى               

والعز كــل الــعــز للمــتــقي‏

فقلت : يا أهل مكة من هذا الفتى ، قالوا : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)).

 

السماء رسول الله والماء أمير المؤمنين

الخامس والخمسون تفسير فرات قال :حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله‏ ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام﴾ قال : (أما قوله ﴿وينزل عليكم من السماء ماء﴾ فإن السماء في البطن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) جعل عليا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذلك قوله‏ ﴿وينزل عليكم من السماء ماء﴾ ، وأما قوله ﴿ليطهركم به﴾ فذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) يطهر الله به قلب من والاه فذلك قوله ﴿ليطهركم به﴾ ، وأما قوله ﴿ويذهب عنكم رجز الشيطان﴾ فإنه يعني من والى عليا (عليه السلام) أذهب الله عنه الرجس وتاب عليه).

حذيث في فضل فاطمة عليها السلام

السادس والخمسون وفيه حدثنا سهل بن أحمد الدينوري معنعنا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : (قال جابر لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك يا ابن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة (عليه السلام) إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك .

 قال أبو جعفر : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة ثم يقول الله : يا محمد اخطب فأخطب بخطبة  لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.

ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور فيكون منبر علي أعلى منابرهم ثم يقول له‏ : يا علي اخطب فيخطب خطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها .

ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبران‏ من نور ثم يقال لهما اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما .

ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل (عليه السلام) أين فاطمة بنت محمد أين خديجة بنت خويلد أين مريم بنت عمران أين آسية بنت مزاحم أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا فيقمن ، فيقول الله تبارك وتعالى يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم ؟  فيقول محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة : لله الواحد القهار ، فيقول الله جل جلاله : يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة يا أهل الجمع طأطئوا الرءوس وغضوا الأبصار فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها فتركبها ، فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيرون على يمينها ويبعث إليها مائة ألف ملك فيصيرون على يسارها فيبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يصيرونها عند باب الجنة ، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ، فتقول يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم ، فيقول الله تعالى‏ يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة ، قال أبو جعفر : والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا يقول  الله يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ، فيقولون يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة انظروا من أطعمكم لحب فاطمة انظروا من كساكم لحب فاطمة انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة خذوا بيده وأدخلوه الجنة ، قال أبو جعفر : والله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى‏ ﴿فما لنا من شافعين ولا صديق حميم﴾ فيقولون ﴿فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين﴾ قال أبو جعفر : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون﴾). 

حديث هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد

السابع والخمسون الكافي في باب الاضطرار إلى الحجة علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس بن يعقوب قال : كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين ومحمد ابن النعمان وهشام بن سالم والطيار وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته ؟

فقال هشام : يا ابن رسول الله إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك .

فقال أبو عبد الله : إذا أمرتكم بشيء فافعلوا .

قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متزرا بها من صوف وشملة مرتديا بها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت : أيها العالم إني رجل غريب تأذن لي في مسألة .

فقال لي : نعم .

فقلت له : ألك عين .

فقال : يا بني أي شيء هذا من السؤال وشيء تراه كيف تسأل عنه .

فقلت : هكذا مسألتي .

فقال : يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء .

قلت : أجبني فيها .

قال لي : سل .

قلت : ألك عين .

قال : نعم

قلت  : فما تصنع بها .

قال : أرى بها الألوان والأشخاص .

قلت : فلك أنف .

قال : نعم .

قلت : فما تصنع به .

قال : أشم به الرائحة .

قلت : ألك فم .

قال : نعم .

قلت : فما تصنع به .

قال : أذوق به الطعم .

قلت : فلك أذن .

قال : نعم .

قلت : فما تصنع بها .

قال : أسمع بها الصوت .

قلت : ألك قلب .

قال : نعم .

قلت : فما تصنع به .

قال : أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح والحواس .

قلت : أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب .

فقال : لا .

قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة .

قال يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك .

قال هشام فقلت له : فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح .

قال : نعم .

قلت : لا بد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح .

قال : نعم .

فقلت له : يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك .

قال : فسكت ولم يقل لي شيئا ثم التفت إلي فقال لي: أنت هشام بن الحكم.

فقلت : لا .

قال : أ من جلسائه .

 قلت : لا .

قال : فمن أين أنت .

قال قلت : من أهل الكوفة .

قال : فأنت إذا هو ، ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت .

قال : فضحك أبو عبد الله (عليه السلام) وقال : يا هشام من علمك هذا .

قلت : شيء أخذته منك وألفته .

فقال : هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى).

 

شبه علي بعيسى وعاقبة المنكر

الثامن والخمسون وفيه في كتاب الروضة عدة من أصحابنا عن سهل ابن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن فيك شبها من عيسى بن مريم ولولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة ، قال فغضب الأعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدة من قريش معهم فقالوا ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى بن مريم فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا أ آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم﴾ يعني من بني هاشم ﴿ملائكة في الأرض يخلفون﴾، قال : فغضب الحارث ابن عمرو الفهري فقال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فأنزل الله عليه مقالة الحارث ونزلت هذه الآية ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾،  ثم قال له : يا ابن عمرو إما تبت وإما رحلت ، فقال : يا محمد بل تجعل لسائر قريش شيئا مما في يديك فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم ، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليس ذلك إلي ذلك إلى الله تبارك وتعالى، فقال : يا محمد قلبي ما يتابعني على التوبة ولكن أرحل عنك ، فدعا براحلته فركبها فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضخت هامته ثم أتى الوحي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿سأل سائل بعذاب واقع للكافرين﴾ بولاية علي ﴿ليس له دافع من الله ذي المعارج﴾ ، قال قلت : جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا ، فقال : هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة (عليه السلام) ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لمن حوله من المنافقين انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به قال الله  ﴿واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد﴾ ).

يقول مصنف هذا الكتاب : هكذا جاء سند الحديث في نسخ الكافي وكذا في المنقول عنه في عدة مواضع كالوافي والصافي وغاية المرام وينبغي أن يكون هكذا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ولعله سقط عن الرواة أو ضمير قال راجع إليه (عليه السلام) والدليل على ذلك قوله (قال قلت جعلت فداك إنا لا نقرأها هكذا) فإنه خطاب للإمام (عليه السلام) كما هو ظاهر لا ريب فيه ويشيده جوابه في ذلك فإنه لا يصدر إلا عن الإمام ويؤيده أيضا ما رواه هو نفسه في كتاب الحجة عن علي بن إبراهيم عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله تعالى ﴿سأل سائل بعذاب واقع للكافرين﴾ لولاية علي (عليه السلام) ﴿ليس له دافع من الله ذي المعارج﴾ ثم قال هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ) وروى في تأويل الآيات عن محمد بن خالد في الإسناد المذكور مثله بتفاوت يسير في اللفظ وزاد في آخره وهكذا هو مثبت في مصحف فاطمة (عليه السلام) ، وكذا في تفسير محمد ابن العباس بن مروان عن أحمد بن القسم عن أحمد بن محمد السياري عن محمد بن خالد بالإسناد المذكور مثله فإن السند ومضمون المتن يشهدان على أنه عين الحدث المذكور وإنما اقتصر بموضع الحاجة منه وحاصل المعنى فتدبر ولا تسارع إلى الإنكار.

تأويل قول الله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا

التاسع والخمسون وفيه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن ثابت عن جابر قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله  ﴿ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله﴾ قال هم والله أولياء فلان وفلان اتخذوهم أئمة دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما فلذلك قال ﴿ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب * إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار﴾ ثم قال أبو جعفر(عليه السلام) : هم والله يا جابر أئمة الظلمة وأشياعهم ).

 

الإمام يعلم كل اللغات

الستون وفيه أحمد بن مهران عن محمد بن علي عن أبي بصير قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام):  جعلت فداك بم يعرف الإمام ؟ قال  فقال : بخصال أما أولها فإنه بشيء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة ويسأل فيجيب وإن سكت عنه ابتدأ ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان ، ثم قال لي : يا أبا محمد أعطيك علامة قبل أن تقوم فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن (عليه السلام) بالفارسية ، فقال له الخراساني : والله جعلت فداك ما منعني أن أكلمك بالخراسانية غير أني ظننت أنك لا تحسنها ، فقال : سبحان الله إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك، ثم قال لي : يا أبا محمد إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام).

 

الإمام يحكم بين ذكر الورشان وأنثاه

الحادي والستون وفيه محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد ابن الحسين ، عن محمد بن علي ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : (كنت عنده يوما إذ وقع زوج ورشان على الحائط وهدلا هديلهما فرد أبو جعفر(عليه السلام) عليهما كلامهما ساعة ثم نهضا فلما طارا على الحائط هدل الذكر على الأنثى ساعة ثم نهضا فقلت: جعلت فداك ما هذا الطير؟ قال : يا ابن مسلم كل شي‏ء خلقه الله من طير أو بهيمة أو شي‏ء فيه روح فهو أسمع لنا وأطوع من ابن آدم إن هذا الورشان ظن بامرأته فحلفت له ما فعلت فقالت ترضى بمحمد بن علي فرضيا بي فأخبرته أنه لها ظالم فصدقها).

ارتداد الناس إلا ثلاثة نفر

الثاني والستون رجال‏ الكشي علي بن الحكم ، عن سيف عن ابن عميرة عن أبي بكر الحضرمي، قال قال أبو جعفر (عليه السلام) : ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد . قال قلت فعمار قال قد كان حاص حيصة ثم رجع، ثم قال : إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شي‏ء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين(عليه السلام) اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلعة فمر به أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له : يا أبا عبد الله هذا من ذلك بايع فبايع ، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبى إلا أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به ثم أناب الناس بعد وكان أول من أناب أبو ساسان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا هؤلاء السبعة).

أقول : لا ريب في أن سلمان -صلى الله على سلمان- أفضل من المقداد، بل لا يقاس به وبأمثاله كما يشهد به ما ورد في شأنه من الفضائل، وعدم الاضطراب لا يدل على أفضلية المقداد منه فإن عدم الاضطراب قد يكون من نقصان المعرفة بحق إمامه، فإن من هو أعرف بمقام سيده وما له من القدرة والهيمنة إذا رآه في حال ذل ومسكنة بيد الأعداء كان استعجابه واضطرابه أشد ممن ليس له هذه المعرفة بحاله لا محالة، فالعارض الذي عرض سلمان كان من كمال معرفته وإن كان مقام التسليم يقتضي عدم هذه الخطرة والتعرض بما يصدر عن صاحب الولاية المطلقة وهو الغاية القصوى في مقام المعرفة كما أشير إليه في الحديث المروي في الكافي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفوا حتى تصدقوا ولا تصدقوا حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا).

فإنه (عليه السلام) جعل صلاح الأبواب الثلاثة وهي الصلاح والمعرفة والتصديق موقوفا على الرابع وهو التسليم وحكم بضلال من فقده وإن حاز الثلاثة الأول وفي حديث آخر (هلك أصحاب الكلام وينجو المسلمون إن المسلمين هم النجباء) وبالجملة الأخبار في فضل التسليم كثيرة أخرجنا بعضا منها في مقدمات هذا الكتاب فراجع.

سبعة بهم يرزقون وبهم يمطرون

الثالث والستون عن الاختصاص حدثنا جعفر بن الحسين المؤمن ، عن  ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (خلقت الأرض لسبعة بهم يرزقون وبهم ينصرون وبهم يمطرون منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول وأنا إمامهم وهم الذين صلوا على فاطمة (عليه السلام) ).

يقول مصنف هذا الكتاب : إن الله تعالى خلق الأرض أولا وبالذات ليسكنها محمد وآله الطاهرون صلى الله عليهم أجمعين لأنهم الغاية القصوى من الإيجاد كما بين في محله، ثم شيعتهم (عليهم السلام) بالتبع، وأما من عدا هؤلاء فهم غاصبون يدبون في الأرض بغير رضا من الله وإنما أمهلهم الله تعالى لغايات يطول بها الكلام منها الودائع المؤمنون الذين في أصلابهم ومنها غير ذلك فلولا وجود المؤمنين الموحدين وهم الفرقة الناجية في الأرض لحبست السماء قطرها والأرض نباتها وبالجملة تنسد جميع أبواب الأرزاق الطيبة لأنه مقتضى كفر الكافرين إذ ليس لهم في تلك الأرزاق نصيب كما هو في الآخرة كذلك فإنهم لا يرزقون إلا ما هو من سنخهم من الأطعمة والأشربة المعدة لهم في جهنم وذلك لامتياز المجرمين من المطيعين هنالك بخلاف الدنيا فإنها دار اختلاط ولطخ فكان يأكل الكافر مما أعد للمؤمن وهو له حرام يحاسب عليه يوم القيامة ومن تتبع مطاوي الأخبار وجد هذا المطلب ظاهرا لا غبار عليه ومما يدل عليه صريحا ما رواه الصدوق في أماليه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطبا لقنبر في حديث طويل إلى أن قال : (والله لولا ما في الأرض منكم لما أنعم الله على أهل خلافكم ولا أصابوا الطيبات ما لهم في الدنيا ولا لهم في الآخرة من نصيب)الحديث. ولما كان المخلصون في عهد أمير المؤمنين(عليه السلام) منحصرين في السبعة المذكورين، أشار الإمام(عليه السلام) إلى كونهم هم الغاية في وجود هذه الأمور وغيرهم من الناس مستحقين لنزول العذاب عليهم لارتدادهم وإعراضهم عن باب الله فافهم وخذه قليلا من كثير.

 

تأويل سورة التين

الرابع والستون تأويل الآيات عن تفسير محمد بن العباس ما رواه محمد بن العباس  عن محمد بن القاسم عن محمد بن زيد، عن إبراهيم بن محمد بن سعيد عن محمد بن فضيل قال قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أخبرني عن قول الله  ﴿والتين والزيتون﴾ إلى آخر السورة. فقال ﴿التين والزيتون﴾ الحسن والحسين. قلت ﴿وطور سينين﴾ قال: ليس هو طور سينين ، ولكنه طور سيناء. قال فقلت: وطور سيناء. فقال: نعم، هو أمير المؤمنين. قلت ﴿وهذا البلد الأمين﴾ قال : هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمن الناس به من النار إذا أطاعوه. قلت ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾. قال: ذاك أبو فضيل حين أخذ الله ميثاقه له بالربوبية، ولمحمد بالنبوة ولأوصيائه بالولاية فأقر، وقال : نعم، ألا ترى أنه قال ﴿ثم رددناه أسفل سافلين﴾ يعني الدرك الأسفل حين نكص وفعل بآل محمد ما فعل. قال قلت ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾. قال: والله هو أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته ﴿فلهم أجر غير ممنون﴾. قال: قلت ﴿فما يكذبك بعد بالدين﴾ قال: مهلا مهلا، لا تقل هكذا، هذا هو الكفر بالله، لا والله ما كذب رسول الله بالله طرفة عين .قال قلت: فكيف هي؟ قال ﴿فمن يكذبك بعد بالدين﴾ والدين أمير المؤمنين (عليه السلام) ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : إن الله تعالى حين خلق الخلق خلقهم مؤمنهم وكافرهم مقرين بالله وبوسائط الإيجاد من الأنبياء والأوصياء تكوينا، بمعنى أن هيئة قبولهم للإيجاد والتكوين كان على هيئة الإقرار بصانعهم وبمن توسط بينهم وبين فعله وإلا ما وجدوا. توضيح ذلك أن الممكن بما هو ممكن لا يكون موجودا إلا بتعلق صنع واجب بإيجاده مع ما يتوقف عليه وجوده من الأسباب والوسائط لأنه لا يمكن له أن يسد فاقة نفسه، فإذا نظرت إلى الممكن وجدت نفس حقيقته ووجوده شاهدة بوجود صانع واجب بالذات ونبي وولي هما حاملا أمر الله ومترجما مشيئة الله بالنسبة إليه، وأن وجوده لا يتحقق بدون ذلك وهو معنى كون الخلق على هيئة الإقرار بالله وبحملة أمر الله وهذا هو الذر الأول الذي كلف الله  فيه جميع الخلق لقبول الوجود منه وهو أخذ الميثاق منهم له بالربوبية ولمحمد وأوصيائه بالولاية بمعنى تكليفهم مساوقا للإيجاد بانوجادهم على هيئة المخلوقية التي تشهد لخالقها بالربوبية ولنبيها بالنبوة ولوليها بالولاية ،وفي هذا التكليف لم يمتنع أحد عن قبول ذلك لأنه تكليف إيجادي، وإذا لم يقبله شيء لم يوجد، والمفروض أنهم وجدوا لأن كلامنا في الموجودين، ولما خلقهم على تلك الهيئة التي هي خلقتهم على أحسن تقويم كل بحسبه دعاهم بألسنة حججه وأوليائه إلى الإقرار التشريعي بما خلقوا عليه وبعبارة أخرى دعاهم إلى العمل بمقتضى ما فطرهم الله عليه في الخلق الأول التكويني من التوحيد والنبوة والولاية وذلك بعد أن خلقهم في الخلق التكويني مستطيعين قادرين على كل من الرد والقبول، فمنهم من آمن عملا بمقتضى فطرته الأولية ومنهم من كفر تغييرا لتلك الفطرة، فرد هؤلاء أسفل سافلين بعد ما كانت خلقتهم في أحسن تقويم وهو معنى قوله تعالى ﴿كان الناس أمة واحدة﴾يعني في الخلق الأول لا كافرين ولا مؤمنين بالخلق التشريعي فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين يعني عند التكليف الثاني التشريعي، فمن قبل منهم خلق بقبوله للجنة ومن أنكر عليهم خلق بإنكاره للنار، وهذا التفصيل هو المراد بإقرار أبي فضيل في الميثاق وخلقه في أحسن تقويم، فإن هذا هو حكم الخلق التكويني، وأما رده بعد ذلك أسفل سافلين فهو حكم الخلق التشريعي في حقه لإنكاره وعدوله عن مقتضى فطرته الأصلية الشاهدة بوحدانية الحق وبنبوة رسول الله وولاية وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فافهم ثم فافهم ثم فافهم. فإن أمثال هذه الأخبار لم تزل في حجاب الخفاء إلى قريب من عهدنا هذا لم يرفع الحجاب عن وجوه أسرارها، ولولا خوف الإطالة لكشفنا في هذا المقام عن أسرار خفية حارت فيها أحلام الحكماء وطارت عنها ألباب العلماء ولجئنا عليها بشواهد من الكتاب والسنة لا تنكر، ومع ذلك فمن تأمل في هذا الكلام المختصر ثم تدبر فيما ورد في هذا الشأن انفتح له كثير من معانيها على سبيل الشهود والعيان والله المستعان وعليه التكلان، انتهى.

لعلي الآخرة والأولى

الخامس والستون وفيه عن البرقي مرفوعا بإسناده عن محمد بن أورمة، عن الربيع بن بكر، عن يونس بن ظبيان قال : قرأ أبو عبد الله (عليه السلام) ﴿والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى﴾ الله خالق ﴿الزوجين الذكر والأنثى﴾، ولعلي الآخرة والأولى).

أقول : قال الشيخ الجليل شرف الدين صاحب الكتاب بعد نقل هذا الخبر (ويدل على ذلك ما جاء في الدعاء سبحان من خلق الدنيا والآخرة وما سكن في الليل والنهار لمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)).انتهى كلامه زيد مقامه.

 

خلاص العبد من النار بالتوسل بمحمد وآل محمد

السادس والستون عن مجالس المفيد  عن الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر ، عن أحمد بن رزق الله ، عن يحيى بن أبي العلاء، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنه إذا كان يوم القيامة، وسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، مكث عبد في النار سبعين خريفا والخريف سبعون سنة، ثم إنه يسأل الله  ويناديه فيقول: يا رب أسألك بحق محمد وأهل بيته لما رحمتني ،فيوحي الله جل جلاله إلى جبرئيل (عليه السلام) اهبط إلى عبدي فأخرجه، فيقول جبرئيل: وكيف لي بالهبوط في النار؟ فيقول الله تبارك وتعالى: إني قد أمرتها أن تكون عليك بردا وسلاما. قال فيقول: يا رب فما علمي بموضعه؟ فيقول: إنه في جب من سجين. فيهبط جبرئيل (عليه السلام) إلى النار فيجده معقولا على وجهه فيخرجه. فيقف بين يدي الله عزوجل، فيقول الله تعالى: يا عبدي كم لبثت في النار تناشدني؟ فيقول: يا رب ما أحصيه. فيقول الله  له: أما وعزتي وجلالي لولا من سألتني بحقهم عندي لأطلت هوانك في النار، ولكنه حتم على نفسي أن لا يسألني عبد بحق محمد وأهل بيته إلا غفرت له ما كان بيني وبينه ،وقد غفرت لك اليوم، ثم يؤمر به إلى الجنة).

 

منامهم ويقظتهم واحدة

السابع والستون عن قرب الإسناد للحميري معاوية بن حكيم  عن الحسن بن علي ابن بنت إلياس عن الوشاء عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال: قال لي ابتداء إن أبي كان عندي البارحة. قلت: أبوك؟! قال: أبي. قلت: أبوك؟! قال: أبي. قلت: أبوك؟! قال: في المنام، إن جعفرا كان يجيء إلى أبي فيقول: يا بني افعل كذا، يا بني افعل كذا. قال فدخلت عليه بعد ذلك، فقال لي: يا حسن، إن منامنا ويقظتنا واحدة) .

أقول : يأتي إن شاء الله أخبار عديدة في هذا المعنى في قسم المعجزات وغرائب الأفعال.

دعاء لقضاء الحاجة

الثامن والستون عن مناقب ابن شاذان مرفوعا عن سماعة قال :(قال لي أبو الحسن (عليه السلام): إذا كان لك يا سماعة عند الله حاجة فقل: اللهم إني أسألك بحق محمد وعلي فإن لهما عندك شأنا من الشأن وقدرا من القدر فبحق ذلك الشأن وبحق ذلك القدر أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان إلا وهو محتاج إليهما في ذلك اليوم).

 

الأئمة عليهم السلام يدخلون أهل الجنة الجنة وأهل النار النار

التاسع والستون وعنه مرفوعا عن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:(إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين لفصل الخطاب دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فيكسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلة خضراء تضيء ما بين المشرق والمغرب، ويكسى علي (عليه السلام) مثلها، ويكسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلة وردية تضيء ما بين المشرق والمغرب، ويكسى علي (عليه السلام) مثلها، ثم يدعى بنا فيدفع إلينا حساب الناس، فنحن والله ندخل أهل الجنة الجنة وندخل أهل النار النار. ثم يدعى بالنبيين (عليهم السلام) فيقامون صفين عند عرش الله حتى نفرغ من حساب الناس، فإذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بعث الله تبارك وتعالى عليا (عليه السلام) فأنزلهم منازلهم من الجنة وزوجهم، فعلي  والله الذي يزوج أهل الجنة، وما ذلك إلى أحد غيره، كرامة من الله عز ذكره، وفضلا فضله به ومن به عليه، وهو والله يدخل أهل النار النار، وهو الذي يغلق على أهل الجنة إذا دخلوا فيها أبوابها وهو الذي يغلق على أهل النار إذا دخلوا فيها أبوابها لأن أبواب الجنة إليه، وأبواب النار إليه ).

 

حرمة قبر النبي صلى الله عليه وآله

السبعون الكافي عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي، عن جعفر بن المثنى الخطيب قال: كنت بالمدينة وسقف المسجد الذي يشرف على القبر قد سقط والفعلة يصعدون وينزلون ونحن جماعة، فقلت لأصحابنا من منكم له موعد يدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) الليلة؟ فقال مهران بن أبي نصر أنا وقال إسماعيل بن عمار الصيرفي أنا، فقلنا لهما: سلاه لنا عن الصعود لنشرف على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما كان من الغد لقيناهما، فاجتمعنا جميعا، فقال إسماعيل: قد سألناه لكم عما ذكرتم، فقال: ما أحب لأحد منهم أن يعلو فوقه ولا آمنه أن يرى شيئا يذهب منه بصره أو يراه قائما يصلي أو يراه مع بعض أزواجه (صلى الله عليه وآله وسلم) ).

 

مقام فاطمة بنت أسد

الحادي والسبعون وفيه علي بن محمد بن عبد الله، عن السياري، عن محمد بن جمهور، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله من مكة إلى المدينة على قدميها وكانت من أبر الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول: إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا، فقالت: واسوأتاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية، وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت : واضعفاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك. وقالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما: إني أريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضوا منك من النار، فلما مرضت أوصت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمرت أن يعتق خادمها، واعتقل لسانها فجعلت تومي إلى رسول الله إيماء فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصيتها. فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يبكي فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك؟ فقال: ماتت أمي فاطمة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وأمي والله، وقام مسرعا حتى دخل فنظر إليها وبكى (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أمر النساء أن يغسلنها وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا فرغتن فلا تحدثن شيئا حتى تعلمنني، فلما فرغن أعلمنه بذلك، فأعطاهن أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهن أن يكفنها فيه. وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئا لم أفعله قبل ذلك فسلوني لم فعلته، فلما فرغن من غسلها وكفنها دخل (صلى الله عليه وآله وسلم) فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثم قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر، ثم انكب عليها طويلا يناجيها ويقول لها: ابنك ابنك ابنك  ثم خرج وسوى عليها، ثم انكب على قبرها فسمعوه يقول: لا إله إلا الله، اللهم إني أستودعها إياك، ثم انصرف، فقال له المسلمون: إنا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم، فقال : اليوم فقدت بر أبي طالب، إنها كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها، وإني ذكرت القيامة وأن الناس يحشرون عراة، فقالت: واسوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية، وذكرت ضغطة القبر فقالت: واضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك، فكفنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها، فلقنتها ما تسأل عنه، فإنها سئلت عن ربها فقالت، وسئلت عن رسولها فأجابت وسئلت عن وليها وإمامها فارتج عليها، فقلت : ابنك ابنك  ابنك).

 

للإمام عشر علامات

الثاني والسبعون وفيه علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن ابن أبي عمير، عن حريز، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :(للإمام عشر علامات: يولد مطهرا، مختونا، وإذا وقع على الأرض وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت عليه وفقا، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه).

 

تعزية الله لآل محمد بعد وفاته

الثالث والسبعون وفيه الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن منصور بن العباس، عن علي بن أسباط، عن يعقوب بن سالم، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بات آل محمد (عليهم السلام)  بأطول ليلة حتى ظنوا أن لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتر الأقربين والأبعدين في الله، فبينا هم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه، فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة ونجاة من كل هلكة ودركا لما فات ﴿ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾ إن الله اختاركم وفضلكم وطهركم وجعلكم أهل بيت نبيه واستودعكم علمه وأورثكم كتابه وجعلكم تابوت علمه، وعصا عزه وضرب لكم مثلا من نوره وعصمكم من الزلل وآمنكم من الفتن، فتعزوا بعزاء الله، فإن الله لم ينزع منكم رحمته ولن يزيل عنكم نعمته، فأنتم أهل الله  الذين بهم تمت النعمة واجتمعت الفرقة وائتلفت الكلمة وأنتم أولياؤه، فمن تولاكم فاز ومن ظلم حقكم زهق، مودتكم من الله واجبة في كتابه على عباده المؤمنين، ثم الله على نصركم إذا يشاء قدير فاصبروا لعواقب الأمور، فإنها إلى الله تصير، قد قبلكم الله من نبيه وديعة واستودعكم أولياءه المؤمنين في الأرض فمن أدى أمانته آتاه الله صدقه، فأنتم الأمانة المستودعة، ولكم المودة الواجبة والطاعة المفروضة وقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أكمل لكم الدين وبين لكم سبيل المخرج، فلم يترك لجاهل حجة، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى الله حسابه، والله من وراء حوائجكم، وأستودعكم الله، والسلام عليكم. فسألت أبا جعفر (عليه السلام) ممن أتاهم التعزية، فقال: من الله تبارك وتعالى).

 

علي أكرم الخلق على الله بعد رسوله

الرابع والسبعون عن مناقب ابن شهر آشوب (عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرة أن يدعو لي بالمغفرة، فقال : أفعل لأجلك يا علي، فقام فصلى صلاة فلما فرغ من صلاته رفع يديه بالدعاء فسمعته يقول : اللهم إني أسألك بحق علي عبدك أن تغفر لعلي، فقلت : يا رسول الله ما هذا ؟ فقال : يا علي لم أجد أكرم منك على الله فاستشفع به إليه ).

 

خلق رسول الله وأهل بيته وشيعته

الخامس والسبعون عن أمالي الشيخ قال :أخبرنا الحسين بن عبيد الله الغضائري ، عن علي بن علي بن محمد العلوي ، عن الحسين بن علي بن صالح بن شعيب الجوهري ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد ابن محمد ، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، عن الصادق جعفر ابن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)  قال: حدثنا الحسن بن علي (عليهم السلام) قال :(سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: خلقت من نور الله ، وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبوهم من نورهم، وسائر الخلق في النار).

 

الله تعالى هو الذي أمر عليا عليه السلام على خلقه

السادس والسبعون أمالي الصدوق  حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور   قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن ابن أبي عمير، عن حمزة بن حمران، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم ، أنه جاء إليه رجل، فقال له: يا أبا الحسن، إنك تدعى أمير المؤمنين، فمن أمرك عليهم؟ قال (عليه السلام) : الله جل جلاله أمرني عليهم.  فجاء الرجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، أيصدق علي فيما يقول إن الله أمره على خلقه، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: إن عليا أمير المؤمنين بولاية من الله ، عقدها له فوق عرشه، وأشهد على ذلك ملائكته، أن عليا خليفة الله، وحجة الله، وأنه لإمام المسلمين، طاعته مقرونة بطاعة الله، ومعصيته مقرونة بمعصية الله، فمن جهله فقد جهلني، ومن عرفه فقد عرفني، ومن أنكر إمامته فقد أنكر نبوتي، ومن جحد إمرته فقد جحد رسالتي، ومن دفع فضله فقد تنقصني، ومن قاتله فقد قاتلني، ومن سبه فقد سبني، لأنه مني، خلق من طينتي، وهو زوج فاطمة ابنتي، وأبو ولدي الحسن والحسين. ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج الله على خلقه، أعداؤنا أعداء الله، وأولياؤنا أولياء الله).

 

ذو الفقار ينطق مع علي عليه السلام

السابع والسبعون كتاب اليقين عن مناقب محمد بن جرير الطبري العامي صاحب التاريخ المعروف قال: حدثنا داود بن عمر بن عبد الله ابن إسحاق قال: وحدثني مسدد بن مسرهد الأسدي ، قال: حدثني روح بن عبد الله الجرجاني قال: (أخبرني أبو الأخوص عبد الله بن يسار قال: أخبرنا زرارة بن أعين عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله تبارك وتعالى أعطاني ذا الفقار، قال يا محمد، خذه وأعطه خير أهل الأرض. فقلت: من ذلك يا رب؟ قال: خليفتي في الأرض علي بن أبي طالب (عليه السلام).  وأن ذا الفقار كان ينطق مع علي (عليه السلام) ويحدثه حتى أنه هم يوما بكسره. فقال: مه يا أمير المؤمنين، إني مأمور وقد بقي  من أجل الشرك تأخير).

 

هدية الله لأمير المؤمنين

الثامن والسبعون عن أمالي الشيخ (عن أبي محمد الفحام، عن أبيه، عن أبي محمد العسكري، عن آبائه عن الحسين (عليهم السلام) عن قنبر قال: كنت مع مولاي علي (عليه السلام) على شاطئ الفرات، فنزع قميصه ونزل إلى الماء، فجاءت موجة فأخذت القميص، فإذا هاتف يهتف: يا أبا الحسن انظر عن يمينك وخذ ما ترى، فإذا منديل عن يمينه وفيها قميص مطوي، فأخذه ولبسه، وإذا في جيبه رقعة فيها مكتوب: هدية من العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب هذا قميص هارون بن عمران ﴿كذلك وأورثناها قوما آخرين﴾).

يا ذا الشيخ أنت جبرئيل

التاسع والسبعون روضة العارفين للسيد التوبلي  عن حياة القلوب لقطب الدين الأشكوري  عن الصدوق  في كتاب الروضة الغراء أن أمير المؤمنين (عليه السلام) (كان ذات يوم على منبر البصرة إذ قال: أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرض فقام إليه رجل من وسط القوم فقال له: أين جبرئيل في هذه الساعة؟ فرمق بطرفه إلى السماء ثم رمق بطرفه إلى الأرض ثم رمق بطرفه إلى المشرق ثم رمق بطرفه إلى المغرب فلم يجد موضعا، فالتفت إليه فقال له: يا ذا الشيخ أنت جبرائيل، قال : فصفق طائرا من بين الناس، فضج الحاضرون وقالوا: نشهد أنك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حقا حقا).

أقول : وروى ذلك شاذان بن جبرئيل في كتابيه الفضائل والروضة مرسلا.

آل محمد شفعاء المذنبين

الثمانون فضائل شاذان بن جبرئيل روى أن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه كان جالسا في الحرم في مقام إبراهيم (عليه السلام) فجاءه رجل شيخ كبير قد فنى عمره في المعصية فنظر إلى الصادق (عليه السلام) فقال : نعم الشفيع إلى الله للمذنبين ثم أخذ بأستار الكعبة وأنشأ يقول:

بحق جلال وجهك يا ولي      

بحق الهاشمي الأبطحي

بحق الذكر إذ يوحى إليه       

بحق وصيه البطل الكمي

بحق الطاهرين ابني علي        

وأمهما ابنة البر الزكي

بحق أئمة سلفوا جميعا        

على منهاج جدهم النبي

بحق القائم المهدى إلا        

غفرت خطيئة العبد المسيء

قال : فسمع هاتفا يقول يا شيخ كان ذنبك عظيما ولكن غفرنا لك جميع ذنوبك لحرمة شفعائك فلو سألتنا ذنوب أهل الأرض لغفرنا لهم غير عاقر الناقة وقتلة الأنبياء والأئمة الطاهرين).

 

أهل البيت كل خير في كتاب الله وعدوهم كل شر

الحادي والثمانون تأويل الآيات عن الشيخ أبي جعفر الطوسي  بإسناده إلى الفضل بن شاذان ، عن داود بن كثير، قال : (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أنتم الصلاة في كتاب الله وأنتم الزكاة، وأنتم الصيام، وأنتم الحج؟ فقال: يا داود نحن الصلاة في كتاب الله ، ونحن الزكاة، ونحن الصيام، ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام ، ونحن البلد الحرام، ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله، ونحن وجه الله، قال الله تعالى: ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ ونحن الآيات، ونحن البينات. وعدونا في كتاب الله : الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير. يا داود إن الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا أمناءه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض، وجعل لنا أضدادا وأعداء، فسمانا في كتابه، وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه تكنية عن العدو ،وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه، وكنى عن أسمائهم، وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه، وإلى عباده المتقين) .

 

هم أصل كل خير وعدوهم أصل كل شر

الثاني والثمانون وفيه عن الشيخ بسنده عن الفضل بن شاذان بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)  أنه قال : (نحن أصل كل خير، ومن فروعنا كل بر، ومن البر التوحيد والصلاة والصيام وكظم الغيظ، والعفو عن المسيء، ورحمة الفقير، وتعاهد الجار، والإقرار بالفضل لأهله. وعدونا أصل كل شر، ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة. ومنهم الكذب والنميمة، والبخل والقطيعة، وأكل الربا وأكل مال اليتيم بغير حقه، وتعدي الحدود التي أمر الله  بها ،وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن: من الزنا والسرقة وكل ما وافق ذلك من القبيح، وكذب من قال أنه معنا، وهو متعلق بفرع غيرنا).

 

اشتياق العرش لأمير المؤمنين عليه السلام

الثالث والثمانون وفيه ما ورد من طريق العامة، في أحاديث علي ابن الجعد، عن قتادة عن أنس بن مالك في تفسير قوله تعالى ﴿وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم﴾ قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما كانت ليلة المعراج نظرت تحت العرش أمامي فإذا أنا بعلي بن أبي طالب قائما أمامي تحت العرش يسبح الله ويقدسه. فقلت: يا جبرئيل سبقني علي بن أبي طالب إلى هاهنا؟ قال: لا، ولكني أخبرك يا محمد: إن الله  يكثر من الثناء والصلاة على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوق عرشه، فاشتاق العرش إلى رؤية علي بن أبي طالب (عليه السلام) فخلق الله هذا الملك على صورة علي بن أبي طالب تحت العرش لينظر إليه العرش فيسكن شوقه، وجعل الله سبحانه تسبيح هذا الملك وتقديسه وتمجيده  ثوابا  لشيعة أهل بيتك يا محمد).

 

أهل البيت هم المساجد

الرابع والثمانون وفيه عن محمد بن العباس عن محمد بن أبي بكر عن محمد بن إسماعيل عن عيسى بن داود النجار عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في قوله  ﴿وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا﴾  قال: سمعت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: هم الأوصياء والأئمة منا واحدا فواحدا فلا تدعوا إلى غيرهم فتكونوا كمن دعا مع الله أحدا هكذا نزلت).

 

وصف بيت علي وفاطمة عليهما السلام

الخامس والثمانون وفيه عن الطوسي  بسنده عن رجاله، عن عبد الله ابن عجلان السكوني قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: بيت علي وفاطمة  (عليه السلام) من حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسقف بيتهم عرش رب العالمين وفي قعر بيتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحا ومساء وفي كل ساعة وطرفة عين والملائكة لا ينقطع فوجهم فوج ينزل وفوج يصعد وان الله تبارك وتعالى كشط لإبراهيم (عليه السلام) عن السماوات حتى أبصر العرش وزاد الله في قوة ناظره، وأن الله زاد في قوة ناظر محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين - صلوات الله عليهم - وكانوا يبصرون العرش ولا يجدون لبيوتهم سقفا غير العرش فبيوتهم مسقفة بعرش الرحمن ومعارج معراج الملائكة، والروح فوج بعد فوج لا انقطاع لهم، وما من بيت من بيوت الأئمة منا إلا وفيه معراج الملائكة لقول الله ﴿تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم بكل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر﴾ قال: قلت: من كل أمر. قال: بكل أمر. فقلت: هذا التنزيل؟ قال: نعم).

 

قيام القائم عليه السلام من المحتوم

السادس والثمانون عن غيبة المفيد  حدثنا علي بن الحسين ، عن محمد ابن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن علي ، عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن عيسى ، عن عبد الرزاق ، عن محمد بن سنان ، عن فضيل الرسان، عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ذات يوم فلما تفرق من كان عنده قال لي :  (يا أبا حمزة من المحتوم الذي حتمه الله قيام قائمنا فمن شك فيما أقول لقي الله وهو كافر به وله جاحد ثم قال بأبي وأمي المسمى باسمي المكنى بكنيتي السابع من بعدي بأبي من يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا يا أبا حمزة من أدركه فيسلم له ما سلم لمحمد وعلي فقد وجبت له الجنة ومن لم يسلم له فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين أوضح من هذا بحمد الله وأنور وأبين وأزهر لمن هداه وأحسن إليه قول الله  في محكم كتابه ﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا أنفسكم﴾ ومعرفة الشهور المحرم وصفر وربيع وما بعده والحرم منها رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وذلك لا يكون دينا قيما لأن اليهود والنصارى والمجوس وسائر الملل والناس جميعا من الموافقين والمخالفين يعرفون هذه الشهور ويعدونها بأسمائها وليس هو كذلك وإنما عنى بهم الأئمة القوامين بدين الله والحرم منها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي اشتق الله سبحانه له اسما من اسمه العلي كما اشتق لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اسما من اسمه المحمود وثلاثة من ولده أسماؤهم علي وهم علي بن الحسين وعلي بن موسى وعلي بن محمد فصار لهذا الاسم المشتق من أسماء الله  حرمة به يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)).

أقول : وعن غيبة النعماني  مثله سندا ومتنا .

 

خطاب الله تعالى لأمير المؤمنين في القرآن

السابع والثمانون الكافي علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة أو بريد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال: (لقد خاطب الله أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك (يا علي) فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم﴾ فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمدا ألا يردوا هذا الأمر في بني هاشم ﴿ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت﴾ عليهم من القتل أو العفو ﴿ويسلموا تسليما﴾).

 

الجنان تشرق من نور ضحك علي وفاطمة عليهما السلام

الثامن والثمانون أمالي الصدوق  قال:حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي عن محمد بن زكريا عن شعيب بن واقد عن القاسم بن بهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في حديث طويل في شأن نزول ﴿هل أتى﴾ إلى أن قال ابن عباس: (فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنة: يا رب، إنك قلت في كتابك ﴿لا يرون فيها شمسا﴾؟ فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرئيل. فيقول: ليس هذه بشمس، ولكن عليا وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما).

أقول : ما كان من دأبي في نقل الحديث حذف بعضه وذكر بعض آخر إلا في مقام الاستشهاد في أثناء الكلام وإنما حذفت هنا صدر الحديث لكون نزول ﴿هل أتى﴾ في شأن أهل البيت مما بلغ حد التواتر والضرورة وتكرر حديثه في كثير من الكتب المشهورة فرأيت إيراده مما لا فائدة فيه كثيرة لأن مقصودنا في هذا الكتاب غالبا إيراد أخبار فيها نكت خفية وأمور طريفة .

ما من ملك يهبط إلا يبدأ بالإمام عليه السلام

التاسع والثمانون بصائر الدرجات حدثنا محمد بن الحسين ، عن محمد بن أسلم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : (ما من ملك يهبطه الله في أمر إلا بدأ بالإمام فعرض ذلك عليه وإن مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر).

 

أعطى الله تعالى عليا تسعة ما أعطاها لأحد إلا رسول الله

التسعون وفيه حدثنا أحمد بن الحسين ، عن أحمد بن إبراهيم وأحمد بن زكريا، عن محمد بن نعيم ، عن يزدان بن إبراهيم ، عمن حدثه من أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول قال أمير المؤمنين : (والله لقد أعطاني الله تبارك وتعالى تسعة أشياء لم يعطها أحد قبلي خلا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد فتحت لي السبل وعلمت الأنساب وأجري لي السحاب وعلمت المنايا والبلايا وفصل الخطاب ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربى فما غاب عنى ما كان قبلي ولا فاتني ما يكون من بعدى وأن بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم وأتم عليهم النعم ورضى لهم الإسلام إذ يقول يوم الولاية لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يا محمد أخبرهم أني اليوم أكملت لهم دينهم وأتممت عليهم نعمتي ورضيت لهم الإسلام دينا وكل ذلك منا من الله من به علي فله الحمد).

حديث في علم آل محمد عليهم السلام

الحادي والتسعون عن كتاب سرور الموالي لبعض أصحابنا عن المعلى بن خنيس قال: أتيت الصادق (عليه السلام) فلم أجده خاليا فجلست في موضع بإزائه فلما أبصرني قال : (مرحبا يا ابن خنيس ، قلت: يا ابن رسول الله تخالج في صدري شيء من العلم الذي خصكم الله به وفضلكم على الخلائق تفضيلا فأحببت أن أسألك عنه لتوقفني عليه وترشدني.

قال: قل ما بدا لك يا ابن خنيس.

قلت: يا سيدي جلست إلى رفقة من فقهاء أهل الكوفة وجماعة منهم فإذا بهم يثنون الأول والثاني، روى فقيه من فقهائهم إلى أن قال فذكرت ما خصكم الله به فأنكروا ذلك.

قال الصادق (عليه السلام): وما الذي ذكرت لهم؟

قلت: أمر العلم وما أعطاكم الله من علم الكتاب وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أنا مدينة العلم وعلي بابها وأنه علم عليا علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة فقالوا كلهم هذا محال لم يطلع الله على غيبه أحدا وتلوا علي آيات من القرآن منها قوله تعالى ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو﴾ وقوله تعالى ﴿إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت﴾ وقوله  ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا﴾ وشهدوا علي بالكفر بادعاء هذا العلم لكم وبقيت متحيرا قد قطعوني .

فضحك الصادق (عليه السلام) وقال: يا ابن خنيس استضعفوك القوم وغلبوك بباطلهم وتظاهروا عليك.

فقلت: يا ابن رسول الله قد فعل بوصي نبي الله هارون حين قال ﴿يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني﴾ وقد فعل بأمير المؤمنين ذلك وأكثر من هذا حين أخرجوه إلى البيعة.

قال : يا ابن خنيس هلا أحضرتنيهم حتى أريهم أنهم أولى بالكفر وأنك وأصحابك على الحق المبين وأنهم ظالمون يكذبون من كتاب الله الباطن الذي لا يستطيعون له إنكارا لولوا منه فرارا.

قلت : هم أقل من أن يحضروا ويجمعوا.

ثم قال : يا ابن خنيس لأشرحن لك كل ذلك حتى لا يشك شاك منهم أو من غيرهم، ولأفسرن ذلك حتى تعلم أنهم على الباطل وأن من قال بقولهم فهو كافر بالله العظيم.

قال المعلى: فامتلأت فرحا وسرورا ونشاطا وقلت : يا ابن رسول الله من أولى بذلك منكم وأنتم معدن الحكمة وورثة العلم ومهبط الوحي ؟

ثم قال (عليه السلام) : أو لا قرأت عليهم قرآنا عربيا فإنه لا شيء أغلب للطغاة ولا أقهر لهم من كتاب الله  الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إلى أن قال (عليه السلام) : ففي كتاب الله  بطلان لما ادعوه أكثر من مائة آية أنا مبينها لك يا ابن خنيس، إن معنى علم الغيب هو علم ما غاب عنك فإن علم الغيب غيب وهذا ما لا يظهر عليه إلا الله  ومن أطلعه عليه واختصه من الأنبياء والأوصياء فلو قيل إن الغيب لا يعلمه إلا الله  وإنه خص قوما بما لم يخص به غيرهم حملهم الحسد على الكفر بالله العظيم، أرأيت احتجاجهم بقول الله تبارك وتعالى ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ﴾ كيف لم يتلو تمام الآية ﴿ إلا من ارتضى من رسول﴾ قد خص الله قوما وأكرمهم وفضلهم على هذا الخلق المنكوس.

فقلت: بلى يا ابن رسول الله.

قال: فنحن والله أولئك الذين خصنا بما لم يخص به أحدا وذلك أن الله  بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة واختصه بالرسالة وعلمه علم الكتاب كله وفي الكتاب علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وأمر نبيه أن يعلم ذلك وصيه فعلمه عليا (عليه السلام) فارتد بذلك نفر من أصحابه فأدركهم الحسد وتآمروا بينهم وتغامزوا حتى نافقوا فعيرهم الله فقال ﴿أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينآ آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما﴾ وما أراد من آل إبراهيم إلا الذين عصمهم الله من الشبهات وطهرهم فلم يعبدوا وثنا ولا صنما هكذا قال إبراهيم (عليه السلام) ﴿واجنبني وبني أن نعبد الأصنام﴾ وقال تعالى ﴿يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾  فكل من عبد وثنا أو صنما يوما واحدا من الدهر فليس بمعصوم ولا طاهر قال الله  لنبيه ﴿والرجز فاهجر﴾ يعني الوثن والصنم فأعطاه الله  الكتاب وفي الكتاب كل شيء قال الله  ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ وفي هذا الكتاب الذي أنزله الله  على نبيه علم الأولين والآخرين وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، منح الله  علم الكتاب أنبياءه ورسله وأمناءه وحرمه سائر الناس، ألا أوجدك لذلك من كتاب الله نصا ؟

قلت: بلى يا ابن رسول الله.

قال: اقرأ هذه الآية المحكمة ﴿تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا﴾ ما يشك في هذا إلا كافر معلن بالكفر.

قلت: نعم.

قال (عليه السلام): أليس قد علمه من الغيب ما لم يعلمه أحدا .

قلت: بلى.

قال (عليه السلام): أفلا أدلك على ما هو أوضح من هذا؟

قلت: بلى.

قال: قوله عبارة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون﴾ قوله ﴿هذا ذكر من معي﴾ أليس قد علمه علم كل شيء هو معه وما يكون إلى يوم القيامة وأطلعه على علم ما كان قبله من الأمم الأولين أفليس هذا هو الحق الذي قال الله  ﴿لا يعلمون الحق فهم معرضون﴾ .

قلت : يا ابن رسول الله لو كانت حضرتني هذه الآية التي قلتها ﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك﴾.

قال (عليه السلام): يا ابن خنيس ألا أدلك على ما هو أوضح من هذا ؟

قلت : بلى .

قال: قوله  ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا﴾ قد أوحى إليه عالم الغيب ما لم يكن يعلمه فهذا علم الكتاب والكتاب فيه علم الأولين والآخرين وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة فهل يشك في هذا أحد؟

قلت: لا.

قال: ما لهم لعنهم الله يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض قال الله ﴿فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون﴾ ثم قال: يا ابن خنيس ألا أدلك على ما هو أبين من هذا؟

قلت: بلى يا ابن رسول الله.

قال: خص الله آدم على نبينا وآله وعليه السلام من تعليم كل شيء قال الله تعالى ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾ إلى قوله ﴿فلما أنبأهم بأسمآئهم﴾ وذلك أنه علمه اسم كل شيء قبل أن يخلق ذلك الشيء حتى اسم الملح بجميع اللغات فلما أحضر الملائكة أعلمهم فضل آدم وأمرهم بالسجود له وأعلمهم أنه يجعله خليفة في الأرض ﴿قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ وقد كانت الملائكة نازعت آدم قبل ذلك وقالت نحن أفضل منه فقال آدم : بل أنا أفضل منكم خلقني الله بيده ونفخ في من روحه وعلمني غيب السماوات والأرض ولم يعلمكم الله منه شيئا، قال الله  ﴿فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين﴾ فيما ادعيتم، ﴿قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا﴾  قال حينئذ ﴿أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم﴾ علموا أنه أفضل منهم فانقادوا وخضعوا له فعندها قال الله  ﴿قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾ ثم قال (عليه السلام): يا ابن خنيس كيف لم تحتج عليهم باحتجاجهم؟

قلت: بماذا؟

قال: بقوله  ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ أليس قد رده كله إلى الكتاب فهذا هو الكتاب الذي قال الله تعالى ﴿أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينآ آل إبراهيم الكتاب والحكمة﴾  نحن والله آل إبراهيم.

قلت: يا ابن رسول الله كأني لم أقرأ هذا القرآن قبل اليوم.

قال: يا ابن خنيس هذا والله الكتاب الذي قال الله  ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ فأخبر أنه لم يدر ما الكتاب حتى علمه هذا الكتاب قال الله  ﴿تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا﴾ .

قلت: سيدي إذا كان الاحتجاج عليهم من جهتهم فقد طاب لي اللحاق بهم والمناظرة معهم.

قال (عليه السلام): يا ابن خنيس ألا أدلك على أوضح من هذا مما أخبرتك به جميعه؟

قلت: سيدي فأي شيء أوضح من هذا وأنور مما أخبرتني به؟

قال: القرآن كله نور وشفاء لما في الصدور ورحمة للعالمين ومن القرآن قول عيسى على نبينا وآله وعليه السلام لبني إسرائيل أني قد ﴿جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله﴾ إلى قوله ﴿إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين﴾ فهل أنبأهم بما يأكلون وبما يدخرون في بيوتهم إلا بشيء غائب عن بصره هذا علم الغيب بعينه هل يستطيعون له إنكارا أو منه فرارا؟

قلت: كلما أخبرتني به واضح وهذا أوضح وأنور.

فقال (عليه السلام): أليس القرآن ينطق بصدق قولنا وتكذيب قولهم؟ يا ابن خنيس جميع ما أخبرتك به من الظاهر فكيف لو سمعت بباطن واحد وما تراهم فاعلون وما عساهم يظهرون لو سمعوه كان والله يظهر منهم ما لا تقوى على احتماله ولا تقدر على استماعه إلا بمعونة الله .

قلت: سيدي امنن على عبدك بباطن واحد في هذا المعنى.

فقال (عليه السلام): إنك لا تحتمله.

قلت: أحتمله إن ثبتني الله  وسددني وهداني فادع الله لي.

فقال (عليه السلام): افعل به ذلك فإنه من أوليائنا، يا ابن خنيس اقرأ هذه الآية ﴿وعنده مفاتح الغيب﴾ إلى قوله ﴿في كتاب مبين﴾ أو تدري ما الكتاب المبين؟

قلت: القرآن.

قال: ذلك مبلغك من علم الكتاب، فقال الإمام (عليه السلام): ما القرآن يا ابن خنيس؟

قلت: القرآن إمامي.

قال: نعم الله ربك ومحمد نبيك والقرآن إمامك ألا أوجدك ذلك من كتاب الله ؟

قلت: بلى.

قال: والذي فلق الحبة وبرء النسمة ونصب القبلة لقد أعطى الإمام ما لم يعط ملك مقرب ولا نبي مرسل، ألا أوجدك ذلك من كتاب الله . 

قلت: بلى يا ابن رسول الله وهذا أيضا في الكتاب.

قال (عليه السلام): ويحك أما قرأت ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ اقرأ قصة موسى.

قلت : أي القصص؟

قال: قوله تبارك وتعالى ﴿يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء﴾ ، فقرأتها ، فقال: أفهمتها يا ابن خنيس؟ إنما أوتي من كل شيء ولولا ذلك لكان يقول علمنا منطق الطير وأوتينا كل شيء ولم يقل من كل شيء.

قلت : كذلك هو يا ابن رسول الله.

قال : اقرأ قصة عيسى.

قلت: أي القصص؟

قال: قوله ﴿ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه﴾ وإنما علم بعض الشيء ولم يقل الكل.

قلت: كذلك هو يا ابن رسول الله .

قال: اقرأ قصة الإمام.

قلت: سيدي وأي قصة الإمام؟

قال (عليه السلام): أبين القصص وأوضحها ﴿إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾ قال كل شيء ولم يقل من شيء ولا بعض الشيء ، قال: أو تدري أين تحقيقه من كتاب الله ؟

قلت: لا أدري.

قال: قوله  ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ أتدري أن الإمام أعطي بأمر من الكتاب؟

قلت: بلى يا ابن رسول الله.

قال (عليه السلام): فعلم كل ما في السماوات والأرض عند الإمام فمن ذلك قال  ﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾ وذلك أن الإمام حجة الله في أرضه لا يصلح أن يسأل عن شيء فيقول لا أدري.

قلت: كذلك هو يا ابن رسول الله.

قال: أو تدري لم فعل ذلك به ومعه؟

قلت: لا.

قال: لأن الإمام خليفة الله في أرضه لا ينبغي أن يكون ناقصا منقوصا أليس الله  قال يا محمد ﴿قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين﴾ يقول لو شاء لهداكم إلى علمه ولكن خص بذلك إمامه وخليفته وحجته، ثم قال (عليه السلام): ارفع رأسك يا ابن خنيس واسمع ما قال في الإمام إن الإمام من روح الله  وهي الروح التي جعلها الله في آدم ﴿فإذا سويته ونفخت فيه من روحي﴾ وقال في عيسى ﴿وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه﴾.

قلت: سيدي أخبرني عن أمر الروح ما هي؟

قال: ضروب كثيرة أحدها روح الرحمة وهو قوله ﴿وأيدهم بروح منه﴾ وأما الثانية فهي جبرئيل وذلك قوله تعالى ﴿نزل به الروح الأمين على قلبك﴾ وأما الثالثة يعني به ملكا من الملائكة مسكنه السماء السابعة صورته صورة الإنسان وجسده جسد الملائكة وذلك قوله  ﴿ يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا﴾ يعني بذلك الملك وهو أعظم من كل شيء خلقه الله تعالى وهو حافظ الملائكة فإذا كان يوم القيامة قام بين يدي الله صفا واحدا لم يزاحمه أحد وتقوم الملائكة صفا آخر، وأما الرابعة فإنه يعنى أمره وهو قوله ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي﴾ وقوله  ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا﴾ وقوله ﴿تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر﴾ والخامسة فإنه يعني روح الله الخاصة بمن ركبت فيه وهذه الروح علم بها ما في السماوات والأرض وعرج بها إلى السماء وهبط بها إلى الأرض وعلم بها الغيب فإن كان في المغرب وأحب أن يكون في المشرق صار في لحظة واحدة في أقل من طرفة.

قلت: يا سيدي يا ابن رسول الله لقد شفيت صدري.

قال: يا ابن خنيس إن علمنا شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

 

الإمام هو صاحب الأرض

الثاني والتسعون بصائر الدرجات حدثنا أحمد بن محمد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن يونس ، عن الحارث بن المغيرة البصري  ، وعن عمرو ، عن ابن أبي عمير  ، عمن رواه عن هشام قال : (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله تعالى في كتابه ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ ، قال : تلك ليلة القدر يكتب فيها وفد الحاج وما يكون فيها من طاعة أو معصية أو موت أو حياة ويحدث الله في الليل والنهار ما يشاء ثم يلقيه إلى صاحب الأرض ، قال الحارث بن المغيرة البصري قلت: ومن صاحب الأرض، قال: صاحبكم).

 

بعض كلام الله تعالى لنبيه في المعراج

الثالث والتسعون كتاب المحتضر عن الصدوق بإسناده مرفوعا عن ابن عباس قال : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (ليلة عرج بي إلى السماء شاء ربى أن يرفعني حتى وقفني في السماء السابعة ثم انقطع عني جبرئيل فقلت حبيبي جبرئيل في مثل هذا الموضع يترك الخليل خليله فقال كل ملك منا له مقام معلوم لا يقدر أن يتخطاه إلى الأمام قدما واحدا وإلا احترق بالنور فإذا أنا بالنداء من أمامي سر يا أحمد فأنا خليلك أنا ميكائيل فسار بي ما شاء الله وعلم  ثم انقطع عني فقلت حبيبي ميكائيل أفي مثل هذا الموضع يترك الخليل خليله فقال نحن الصافون ولكل ملك منا مقام لا يقدر أن يزول منه وإلا احترق بالنور فإذا أنا بالنداء من أمامي سر يا محمد أنا خليلك أنا دردائيل فسار بي علم الله ومشيته ثم انقطع عني فقلت يا دردائيل في مثل هذا الموضع يترك الخليل خليله فقال نحن الحافون من حول العرش لا نقدر أن نسلك الجبروت وإلا احترقنا بالنور وإذا بصوت خمدت الأصوات من دونه وهدأ كل شيء لجبروته وسكن كل شيء لعزته يقول ادن مني يا أحمد فدنوت خطوة كان مقدارها خمسمائة عام ثم ناداني ربي جل جلاله ادن يا أحمد فأنا ربك أنا الله فدنوت فكلمني ربى من وراء حجاب بكلام كأنه بلسان علي بن أبي طالب فاختلج في سري أن عليا يخاطبني فناداني يا أحمد قد اطلعت على سرك ظننت أن عليا يخاطبك يا أحمد أنا ربك أنا الله وأنا على كل شيء قدير أتحب أن أريك عليا قلت إي وعزتك يا رب فأمر الله تعالى أن تنخرق الحجب والسماوات أن تنتفتح وما كان من الأرض مرتفعا أن ينخفض وما كان منخفضا أن يرتفع فنظرت من عرش ربي إلى الأرض فرأيت سرير علي وعلي واقف يصلي وفاطمة عن يمينه والحسن والحسين عن شماله يصلون بصلاته والملائكة تنزل عليهم أفواجا أفواجا تقف في نورهم وتسمع قراءتهم فناداني ربي يا أحمد وعزتي وجلالي وجودي ومجدي وارتفاعي في علو مكاني لقد اطلعت على سرك وما استكن في صدرك فلم أجد أحدا أحب إليك من علي في سرك فخاطبتك بلسانه لتطمئن إلى الكلام وتهدأ في الخطاب ولو خاطبتك بلسان الجبروت لما استطعت أن تسمع وهؤلاء اشتققت أسماءهم من أسمائي فهذا علي وأنا العالي وهذه فاطمة وأنا الفاطر وهذا الحسن وأنا المحسن وهذا الحسين وأنا ذو الحسنى فهؤلاء خيرتي من عبادي وصفوتي من أوليائي فما يتوسل أحد من عبادي بهم خاصة إلا أوجبت وسيلته وأقلت عثرته وكشفت كربه بعد أن يعرف فضلهم عندي ويبرأ من أعدائهم فأنا وليهم في الدنيا والآخرة وأنا ولي من والاهم وعدو من عاداهم من أحبهم فعليه صلواتي ورحمتي ومن خالفهم وأبغضهم فعليه لعنتي وغضبي).

 

منزلة علي من رسول الله

الرابع والتسعون وفيه عن أمالي الشيخ  بإسناده عن عبد الله بن مسعود قال : (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكفه في كف علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يقلبه فقلت: يا رسول الله ما منزلة علي منك ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كمنزلتي من الله تعالى). 

 

كيفية ولادة سائر الناس وولادة المعصومين عليهم السلام

الخامس والتسعون الفقيه في باب النوادر عن محمد بن علي الكوفي، عن إسماعيل بن مهران ، عن مرازم عن جابر بن يزيد ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا وقع الولد في جوف أمه صار وجهه قبل ظهر أمه إن كان ذكرا، وإن كان أنثى صار وجهها قبل بطن أمها، ويداه على وجنتيه، وذقنه على ركبتيه كهيئة الحزين المهموم فهو كالمصرور منوط بمعاء من سرته إلى سرة أمه، فبتلك السرة يغتذي من طعام أمه وشرابها إلى الوقت المقدر لولادته، فيبعث الله  إليه ملكا فيكتب على جبهته: شقي أو سعيد، مؤمن أو كافر، غني أو فقير، ويكتب أجله ورزقه وسقمه وصحته فإذا انقطع الرزق المقدر له من سرة أمه زجره الملك زجرة، فانقلب فزعا من الزجرة وصار رأسه قبل المخرج فإذا وقع إلى الأرض وقع إلى هول عظيم وعذاب أليم، إن أصابته ريح أو مشقة أو مسته يد وجد لذلك من الألم ما يجده المسلوخ عنه جلده، يجوع فلا يقدر على الاستطعام ويعطش فلا يقدر على الاستسقاء ويتوجع فلا يقدر على الاستغاثة، فيوكل الله تبارك وتعالى برحمته والشفقة عليه والمحبة له أمه فتقيه الحر والبرد بنفسها، وتكاد تفديه بروحها، وتصير من العطف عليه بحال لا تبالي أن تجوع إذا شبع، وتعطش إذا روي، وتعرى إذا كسي، وجعل الله -تعالى ذكره- رزقه في ثديي أمه، في إحديهما شرابه وفي الأخرى طعامه، حتى إذا رضع آتاه الله  كل يوم بما قدر له فيه من رزق، فإذا أدرك فهمه الأهل والمال والشره والحرص، ثم هو مع ذلك يعرض للآفات والعاهات والبليات من كل وجه، والملائكة تهديه وترشده، والشياطين تضله وتغويه، فهو هالك إلا أن ينجيه الله  وقد ذكر الله -تعالى ذكره- نسبة الإنسان في محكم كتابه فقال عزوجل ﴿ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فسكونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون﴾ .

قال جابر بن عبد الله الأنصاري فقلت: يا رسول الله هذه حالنا فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة؟

فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مليا ثم قال: يا جابر! لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم، إن الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جل ثناؤه يودع الله أنوارهم أصلابا طيبة وأرحاما طاهرة، يحفظها بملائكته، ويربيها بحكمته، ويغذوها بعلمه، فأمرهم يجل عن أن يوصف، وأحوالهم تدق عن أن تعلم، لأنهم نجوم الله في أرضه، وأعلامه في بريته، وخلفاؤه على عباده، وأنواره في بلاده، وحججه على خلقه. يا جابر! هذا من مكنون العلم ومخزونه، فاكتمه إلا من أهله).

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف : قد مضى ويأتي بعض أحوال ولادتهم (عليهم السلام) مما أشير إليه في هذا الحديث الشريف ومنها ما رواه الحسين ابن حمدان في كتابه كتاب الهداية أن فاطمة (عليه السلام) ولدت الحسن والحسين (عليهم السلام) من فخذها الأيمن وزينب وأم كلثوم من فخذها الأيسر، ثم قال ومثله روي عن وهب بن منبه أن مريم ولدت المسيح بن مريم من فخذها الأيمن وأن النفخة كانت من جنبيها والكلمة كانت على قلبها.

وروى السيد العلامة السيد هاشم البحراني في كتابه مدينة المعاجز عن كتاب عيون المعجزات أنه قال (وروي أن فاطمة (عليه السلام) ولدت الحسن والحسين (عليهم السلام) من فخذها الأيسر وروي أن مريم ولدت المسيح من فخذها الأيمن) ثم نقل عن صاحب الكتاب أنه قال : (وحديث هذه الحكاية في كتاب الأنوار وكتب كثيرة) .

 

جواب الإمام الصادق عليه السلام على كتاب المفضل

السادس والتسعون بصائر الدرجات حدثنا علي بن إبراهيم ، عن القاسم بن الربيع ، عن محمد بن سنان ، عن صباح المدائني ، عن المفضل أنه كتب إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فجاءه هذا الجواب ( من أبي عبد الله (عليه السلام) : أما بعد فإني أوصيك و نفسي بتقوى الله وطاعته فإن من التقوى الطاعة والورع و التواضع لله والطمأنينة و الاجتهاد و الأخذ بأمره و النصيحة لرسله و المسارعة في مرضاته و اجتناب ما نهى عنه فإنه من يتق الله فقد أحرز نفسه من النار بإذن الله و أصاب الخير كله في الدنيا و الآخرة ومن أمر بالتقوى فقد أبلغ الموعظة جعلنا الله من المتقين برحمته.

جاءني كتابك فقرأته و فهمت الذي فيه فحمدت الله على سلامتك و عافية الله إياك ألبسنا الله و إياك عافيته في الدنيا و الآخرة كتبت تذكر أن قوما أنا أعرفهم كان أعجبك نحوهم و شأنهم و أنك أبلغت عنهم أمورا تروي عنهم كرهتها لهم و لم تر بهم إلا طريقا حسنا و ورعا وتخشعا و بلغك أنهم يزعمون أن الدين إنما هو معرفة الرجال ثم بعد ذلك إذا عرفتهم فاعمل ما شئت و ذكرت أنك قد عرفت أن أصل الدين معرفة الرجال فوفقك الله و ذكرت أنه بلغك أنهم يزعمون أن الصلاة و الزكاة و صوم شهر رمضان و الحج و العمرة و المسجد الحرام و البيت الحرام و المشعر الحرام و الشهر الحرام هو رجل و أن الطهر والاغتسال من الجنابة هو رجل و كل فريضة افترضها الله على عباده هو رجل و أنهم ذكروا ذلك بزعمهم أن من عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه به من غير عمل و قد صلى و آتى الزكاة و صام و حج و اعتمر واغتسل من الجنابة و تطهر و عظم حرمات الله و الشهر الحرام و المسجد الحرام و أنهم ذكروا أن من عرف هذا بعينه و بحده و ثبت في قلبه جاز له أن يتهاون فليس له أن يجتهد في العمل و زعموا أنهم إذا عرفوا ذلك الرجل فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها و إن لم يعملوا بها و أنه بلغك أنهم يزعمون أن الفواحش التي نهى الله عنها الخمر و الميسر و الربا والدم والميتة و لحم الخنزير هو رجل و ذكروا أن ما حرم الله من نكاح الأمهات و البنات و العمات و الخالات وبنات الأخ و بنات الأخت وما حرم على المؤمنين من النساء مما حرم الله إنما عنى بذلك نكاح نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما سوى ذلك مباح كله و ذكرت أنه بلغك أنهم يترادفون المرأة الواحدة و يشهدون بعضهم لبعض بالزور ويزعمون أن لهذا ظهرا و بطنا يعرفونه فالظاهر ما يتناهون عنه يأخذون به مدافعة عنهم والباطن هو الذي يطلبون و به أمروا بزعمهم .

و كتبت تذكر الذي عظم من ذلك عليك حين بلغك و كتبت تسألني عن قولهم في ذلك أ حلال هو أم حرام و كتبت تسألني أن تفسير ذلك و أنا أبينه حتى لا تكون من ذلك في عمى و لا في شبهة و قد كتبت إليك في كتابي هذا تفسير ما سألت عنه فاحفظه كله كما قال الله في كتابه ﴿وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ﴾ وأصفه لك بحلاله و أنفي عنك حرامه إن شاء الله كما وصفت و معرفكه حتى تعرفه إن شاء الله فلا تنكره إن شاء الله ولا قوة إلا بالله و القوة لله جميعا.

أخبرك أنه من كان يدين بهذه الصفة التي كتبت تسألني عنها فهو عندي مشرك بالله تبارك و تعالى بين الشرك لا شك فيه و أخبرك أن هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله و لم يعطوا فهم ذلك و لم يعرفوا حد ما سمعوا فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم و منتهى عقولهم و لم يضعوها على حدود ما أمروا كذبا و افتراء على الله و رسوله وجرأة على المعاصي فكفى بهذا لهم جهلا و لو أنهم وضعوها على حدودها التي حدت لهم و قبلوها لم يكن به بأس و لكنهم حرفوها و تعدوا و كذبوا و تهاونوا بأمر الله و طاعته و لكني أخبرك أن الله حدها بحدودها لئلا يتعدى حدوده أحد ولو كان الأمر كما ذكروا لعذر الناس بجهلهم ما لم يعرفوا حد ما حد لهم ولكان المقصر و المتعدي حدود الله معذورا و لكن جعلها حدودا محدودة لا يتعداها إلا مشرك كافر ثم قال ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

فأخبرك حقائق أن الله تبارك و تعالى اختار الإسلام لنفسه دينا و رضي من خلقه فلم يقبل من أحد إلا به و به بعث أنبياءه و رسله ثم قال ﴿وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ فعليه و به بعث أنبياءه و رسله ونبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فأفضل الدين معرفة الرسل و ولايتهم .

و أخبرك أن الله أحل حلالا و حرم حراما إلى يوم القيامة فمعرفة الرسل وولايتهم و طاعتهم هو الحلال فالمحلل ما أحلوا و المحرم ما حرموا و هم أصله و منهم الفروع الحلال و ذلك سعيهم و من فروعهم أمرهم شيعتهم و أهل ولايتهم بالحلال من إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم شهر رمضان و حج البيت و العمرة و تعظيم حرمات الله و مشاعره و تعظيم البيت الحرام و المسجد الحرام و الشهر الحرام و الطهور و الاغتسال من الجنابة و مكارم الأخلاق و محاسنها و جميع البر ثم ذكر بعد ذلك فقال في كتابه ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فعدوهم هم الحرام المحرم و أولياؤهم الداخلون في أمرهم إلى يوم القيامة فهم الفواحش ﴿ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ﴾ و الخمر والميسر و الزنا و الربا و الدم و الميتة و لحم الخنزير فهم الحرام المحرم وأصل كل حرام و هم الشر و أصل كل شر و منهم فروع الشر كله و من ذلك الفروع الحرام و استحلالهم إياها و من فروعهم تكذيب الأنبياء و جحود الأوصياء و ركوب الفواحش الزنا و السرقة و شرب الخمر والمسكر و أكل مال اليتيم و أكل الربا و الخدعة و الخيانة و ركوب الحرام كلها و انتهاك المعاصي و إنما يأمر الله ﴿بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى﴾ يعني مودة ذي القربى و ابتغاء طاعتهم ﴿وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ﴾ و هم أعداء الأنبياء و أوصياء الأنبياء و هم المنهي عن مودتهم و طاعتهم ﴿يَعِظُكُمْ﴾ بهذه ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

و أخبرك أني لو قلت لك إن الفاحشة و الخمر و الميسر و الزنا و الميتة والدم و لحم الخنزير هو رجل و أنا أعلم أن الله قد حرم هذا الأصل و حرم فرعه ونهى عنه و جعل ولايته كمن عبد من دون الله وثنا و شركا و من دعا إلى عبادة نفسه فهو كفرعون إذ قال ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى﴾ فهذا كله على وجه إن شئت قلت هو رجل و هو إلى جهنم و من شايعه على ذلك فإنهم مثل قول الله ﴿إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ لصدقت ثم لو أني قلت إنه فلان ذلك كله لصدقت إن فلانا هو المعبود المتعدي حدود الله التي نهى عنها أن يتعدى.

ثم إني أخبرك أن الدين و أصل الدين هو رجل و ذلك الرجل هو اليقين و هو الإيمان و هو إمام أمته و أهل زمانه فمن عرفه عرف الله و دينه و من أنكره أنكر الله و دينه و من جهله جهل الله و دينه و لا يعرف الله و دينه و حدوده و شرائعه بغير ذلك الإمام كذلك جرى بأن معرفة الرجال دين الله و المعرفة على وجهين معرفة ثابتة على بصيرة يعرف بها دين الله و يوصل بها إلى معرفة الله فهذه المعرفة الباطنة الثابتة بعينها الموجبة حقها المستوجب أهلها عليها الشكر لله التي من عليهم بها من من الله يمن به على من يشاء مع المعرفة الظاهرة و معرفة في الظاهر فأهل المعرفة في الظاهر الذين علموا أمرنا بالحق على غير علم لا تلحق بأهل المعرفة في الباطن على بصيرتهم و لا يصلون بتلك المعرفة المقصرة إلى حق معرفة الله كما قال في كتابه ﴿وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ﴾ فمن شهد شهادة الحق لا يعقد عليه قلبه و لا يبصر ما يتكلم به لا يثاب عليه مثل ثواب من عقد عليه قلبه على بصيرة فيه كذلك من تكلم بجور لا يعقد عليه قلبه لا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه و ثبت على بصيرة فقد عرفت كيف كان حال رجال أهل المعروفة في الظاهر و الإقرار بالحق على غير علم في قديم الدهر و حديثه إلى أن انتهى الأمر إلى نبي الله و بعده إلى من صاروا إلى من انتهت إليه معرفتهم و إنما عرفوا بمعرفة أعمالهم و دينهم الذي دان الله به المحسن بإحسانه و المسي‏ء بإساءته و قد يقال إنه من دخل في هذا الأمر بغير يقين و لا بصيرة خرج منه كما دخل فيه رزقنا الله و إياك معرفة ثابتة على بصيرة.

و أخبرك أني لو قلت إن الصلاة و الزكاة و صوم شهر رمضان والحج والعمرة و المسجد الحرام و البيت الحرام و المشعر الحرام و الطهور والاغتسال من الجنابة و كل فريضة كان ذلك هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي جاء به من عند ربه لصدقت لأن ذلك كله إنما يعرف بالنبي و لولا معرفة ذلك النبي و الإيمان به و التسليم له ما عرف ذلك فذلك من من الله على من يمن عليه و لو لا ذلك لم يعرف شيئا من هذا فهذا كله ذلك النبي و أصله و هو فرعه و هو دعاني إليه و دلني عليه و عرفنيه و أمرني به وأوجب علي له الطاعة فيما أمرني به لا يسعني جهله و كيف يسعني جهل من هو فيما بيني و بين الله و كيف يستقيم لي لولا أني أصف أن ديني هو الذي أتاني به ذلك النبي أن أصف أن الدين غيره وكيف لا يكون ذلك معرفة الرجل و إنما هو الذي جاء به عن الله و إنما أنكر الدين من أنكره بأن قالوا ﴿أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا﴾ ثم قالوا ﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا﴾ فكفروا بذلك الرجل و كذبوا به و قالوا ﴿لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ فقال الله ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنَّاسِ﴾ ثم قال في آية أخرى ﴿وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا﴾ إن الله تبارك و تعالى إنما أحب أن يعرف بالرجال و أن يطاع بطاعتهم فجعلهم سبيله و وجهه الذي يؤتى منه لا يقبل الله من العباد غير ذلك ﴿لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ فقال فيما أوجب ذلك من محبته لذلك ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾ فمن قال لك إن هذه الفريضة كلها إنما هي رجل و هو يعرف حد ما يتكلم به فقد صدق و من قال على الصفة التي ذكرت بغير الطاعة فلا يغني التمسك في الأصل بترك الفروع كما لا تغني شهادة أن لا إله إلا الله بترك شهادة أن محمدا رسول الله و لم يبعث الله نبيا قط إلا بالبر و العدل و المكارم و محاسن الأخلاق و محاسن الأعمال و النهي عن الفواحش ﴿ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ﴾ فالباطن منه ولاية أهل الباطل و الظاهر منه فروعهم و لم يبعث الله نبيا قط يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة في أمر و نهي فإنما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي افترضها الله على حدودها مع معرفة من جاءهم به من عنده و دعاهم إليه فأول ذلك معرفة من دعا إليه ثم طاعته فيما يقربه بمن الطاعة له و إنه من عرف أطاع و من أطاع حرم الحرام ظاهره و باطنه و لا يكون تحريم الباطن و استحلال الظاهر إنما حرم الظاهر بالباطن و الباطن بالظاهر معا جميعا و لا يكون الأصل و الفروع و باطن الحرام حرام و ظاهره حلال و لا يحرم الباطن و يستحل الظاهر و كذلك لا يستقيم أن يعرف صلاة الباطن و لا يعرف صلاة الظاهر و لا الزكاة و لا الصوم و لا الحج و لا العمرة و لا المسجد الحرام و جميع حرمات الله و شعائره و أن يترك معرفة الباطن لأن باطنه ظهره ولا يستقيم إن ترك واحدة منها إذا كان الباطن حراما خبيثا فالظاهر منه إنما يشبه الباطن فمن زعم أن ذلك إنما هي المعرفة و أنه إذا عرف اكتفى بغير طاعة فقد كذب و أشرك ذاك لم يعرف و لم يطع و إنما قيل اعرف واعمل ما شئت من الخير فإنه لا يقبل ذلك منك بغير معرفة فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة قل أو كثر فإنه مقبول منك .

أخبرك أن من عرف أطاع إذا عرف و صلى و صام و اعتمر و عظم حرمات الله كلها و لم يدع منها شيئا و عمل بالبر كله و مكارم الأخلاق كلها و تجنب سيئها و كل ذلك هو النبي و النبي أصله و هو أصل هذا كله لأنه جاء به و دل عليه و أمر به و لا يقبل من أحد شيئا منه إلا به و من عرف اجتنب الكبائر وحرم ﴿الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ﴾ وحرم المحارم كلها لأن بمعرفة النبي و بطاعته دخل فيما دخل فيه النبي و خرج مما خرج منه النبي و من زعم أنه يحلل الحلال و يحرم الحرام بغير معرفة النبي لم يحلل الله حلالا و لم يحرم له حراما و أنه من صلى و زكى و حج و اعتمر و فعل ذلك كله بغير معرفة من افترض الله عليه طاعته لم يقبل منه شيئا من ذلك و لم يصل و لم يصم و لم يزك و لم يحج و لم يعتمر و لم يغتسل من الجنابة و لم يتطهر و لم يحرم لله حراما ولم يحلل لله حلالا و ليس له صلاة و إن ركع و سجد و لا له زكاة و إن أخرج لكل أربعين درهما درهما و من عرفه و أخذ عنه أطاع الله .

و أما ما ذكرت أنهم يستحلون نكاح ذوات الأرحام التي حرم الله في كتابه فإنهم زعموا أنه إنما حرم علينا بذلك نكاح نساء النبي فإن أحق ما بدأ به تعظيم حق الله و كرامة رسوله و تعظيم شأنه و ما حرم الله على تابعيه و نكاح نسائه من بعد قوله ﴿وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً﴾ و قال الله تبارك و تعالى ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ و هو أب لهم ثم قال ﴿وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا﴾ فمن حرم نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتحريم الله ذلك فقد حرم ما حرم الله في كتابه من الأمهات و البنات و الأخوات و العمات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت و ما حرم الله من الرضاعة لأن تحريم ذلك كتحريم نساء النبي فمن حرم ما حرم الله من الأمهات و البنات و الأخوات و العمات من نكاح نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و استحل ما حرم الله من نكاح سائر ما حرم الله فقد أشرك إذا اتخذ ذلك دينا.

و أما ما ذكرت أن الشيعة يترادفون المرأة الواحدة فأعوذ بالله أن يكون ذلك من دين الله و رسوله إنما دينه أن يحل ما أحل الله و يحرم ما حرم الله و أن مما أحل الله المتعة من النساء في كتابه و المتعة في الحج أحلهما ثم لم يحرمهما فإذا أراد الرجل المسلم أن يتمتع من المرأة فعلى كتاب الله و سننه نكاح غير سفاح تراضيا على ما أحبا من الأجر و الأجل كما قال الله ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ إن هما أحبا أن يمدا في الأجل على ذلك الأجر فآخر يوم من أجلها قبل أن ينقضي الأجل قبل غروب الشمس مدا فيه و زادا في الأجل ما أحبا فإن مضى آخر يوم منه لم يصلح إلا بأمر مستقبل و ليس بينهما عدة إلا من سواه فإن أرادت سواه اعتدت خمسة و أربعين يوما و ليس بينهما ميراث ثم إن شاءت تمتعت من آخر فهذا حلال لهما إلى يوم القيامة إن هي شاءت من سبعة و إن هي شاءت من عشرين ما بقيت في الدنيا كل هذا حلال لهما على حدود الله ﴿وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾.

و إذا أردت المتعة في الحج فأحرم من العقيق و اجعلها متعة فمتى ما قدمت طفت بالبيت و استلمت الحجر الأسود و فتحت به و ختمت سبعة أشواط ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم ثم اخرج من البيت فاسع بين الصفا والمروة سبعة أشواط تفتح بالصفا و تختم بالمروة فإذا فعلت ذلك قصرت حتى إذا كان يوم التروية صنعت ما صنعت بالعقيق ثم أحرم بين الركن والمقام بالحج فلم تزل محرما حتى تقف بالموقف ثم ترمي الجمرات و تذبح وتحلق و تحل و تغتسل ثم تزور البيت فإذا أنت فعلت ذلك فقد أحللت و هو قول الله ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ أن تذبح.

و أما ما ذكرت أنهم يستحلون الشهادات بعضهم لبعض على غيرهم فإن ذلك ليس هو إلا قول الله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ إذا كان مسافرا و حضره الموت اثنان ذوا عدل من دينه فإن لم يجدوا فآخران ممن يقرأ القرآن من غير أهل ولايته ﴿تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً قليلا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ﴾ من أهل ولايته ﴿فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَ مَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اسْمَعُوا﴾ و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقضي بشهادة رجل واحد مع يمين المدعي و لا يبطل حق مسلم و لا يرد شهادة مؤمن فإذا أخذ يمين المدعي و شهادة الرجل قضى له بحقه و ليس يعمل بهذا فإذا كان الرجل مسلم قبل آخر حق يجحده و لم يكن له شاهد غير واحد فإنه إذا رفعه إلى ولاة الجور أبطلوا حقه و لم يقضوا فيها بقضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان الحق في الجور أن لا يبطل حق رجل فيستخرج الله على يديه حق رجل مسلم و يؤجره الله و يحيي عدلا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل به .

و أما ما ذكرت في آخر كتابك أنهم يزعمون أن الله رب العالمين هو النبي وأنك شبهت قولهم بقول الذين قالوا في عيسى ما قالوا فقد عرفت أن السنن والأمثال كائنة لم يكن شي‏ء فيما مضى إلا سيكون مثله حتى لو كانت شاة برشاء كان هاهنا مثله و اعلم أنه سيضل قوم على ضلالة من كان قبلهم كتبت تسألني عن مثل ذلك ما هو و ما أرادوا به أخبرك أن الله تبارك و تعالى هو خلق الخلق ﴿لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ﴾ و الدنيا و الآخرة و هو رب كل شي‏ء و خالقه خلق الخلق و أحب أن يعرفوه بأنبيائه و احتج عليهم بهم فالنبي عليه السلام هو الدليل على الله عبد مخلوق مربوب اصطفاه لنفسه برسالته و أكرمه بها فجعله خليفته في خلقه و لسانه فيهم و أمينه عليهم و خازنه في السماوات  والأرضين قوله قول الله لا يقول على الله إلا الحق من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى الله و هو مولى من كان الله ربه و وليه من أبى أن يقر له بالطاعة فقد أبى أن يقر لربه بالطاعة و بالعبودية و من أقر بطاعته أطاع الله وهداه فالنبي مولى الخلق جميعا عرفوا ذلك أو أنكروه و هو الوالد المبرور فمن أحبه و أطاعه فهو الولد البار و مجانب للكبائر .

و قد بينت ما سألتني عنه و قد علمت أن قوما سمعوا صفتنا هذه فلم يعقلوها بل حرفوها و وضعوها على غير حدودها على نحو ما قد بلغك و قد برئ الله و رسوله من قوم يستحلون بنا أعمالهم الخبيثة و قد رمانا الناس بها و الله يحكم بيننا و بينهم فإنه يقول ﴿الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّه﴾ُ أعمالهم السيئة ﴿وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ .

و أما ما كتبت به و نحوه و تخوفت أن يكون صفتهم من صفته فقد أكرمه الله عن ذلك تعالى ربنا عما يقولون علوا كبيرا صفتي هذه صفة صاحبنا التي وصفنا له و عنه أخذناه فجزاه الله عنا أفضل الجزاء فإن جزاءه على الله فتفهم كتابي هذا و القوة لله ).

للإمام عليه السلام ما ليس لأحد

السابع والتسعون عن دلائل الطبري عن محمد بن هارون بن موسى،عن أبيه عن علي محمد بن همام،عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن الحسن بن شعيب، عن علي بن هاشم، عن المفضل بن عمر، قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك، ما لإبليس من السلطان؟ قال: ما يوسوس في قلوب الناس. قلت: فما لملك الموت؟ قال: يقبض أرواح الناس. قلت: وهما مسلطان على من في المشرق ومن في المغرب؟ قال: نعم. قلت: فمالك أنت - جعلت فداك - من السلطان؟ قال: أعلم ما في المشرق والمغرب، وما في السماوات والأرض، وما في البر والبحر، وعدد ما فيهن وليس ذلك لإبليس ولا لملك الموت).

 

ما من ملك ولا نبي إلا يتقرب إلى الله بحب علي عليه السلام

الثامن والتسعون عن مناقب ابن شهر آشوب (عن علي بن محمد الصوفي أنه لقي إبليس فسأله فقال له: من أنت؟ فقال: أنا من ولد آدم، فقال: لا إله إلا الله، أنت من قوم يزعمون أنهم يحبون الله ويعصونه ويبغضون إبليس ويطيعونه! فقال: من أنت؟ فقال: أنا صاحب الميسم ،والاسم الكبير، والطبل العظيم، وأنا قاتل هابيل، وأنا الراكب مع نوح في الفلك أنا عاقر ناقة صالح، أنا صاحب نار إبراهيم، أنا مدبر قتل يحيى، أنا ممكن قوم فرعون من النيل، أنا مخيل السحر وقائده إلى موسى، أنا صانع العجل لبني إسرائيل، أنا صاحب منشار زكريا، أنا السائر مع أبرهة إلى الكعبة بالفيل، أنا المجمع لقتال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد وحنين، أنا ملقي الحسد يوم السقيفة في قلوب المنافقين، أنا صاحب الهودج يوم البصرة والبعير، أنا الواقف في عسكر صفين ،أنا الشامت يوم كربلاء بالمؤمنين، أنا إمام المنافقين، أنا مهلك الأولين، أنا مضل الآخرين، أنا شيخ الناكثين، أنا ركن القاسطين، أنا ظل المارقين، أنا أبو مرة مخلوق من نار لا من طين، أنا الذي غضب عليه رب العالمين! فقال الصوفي: بحق الله عليك إلا دللتني على عمل أتقرب به إلى الله وأستعين به على نوائب دهري، فقال: اقنع من دنياك بالعفاف والكفاف، واستعن على الآخرة بحب علي بن أبي طالب وبغض أعدائه، فإني عبدت الله في سبع سماواته وعصيته في سبع أرضيه فلا وجدت ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا إلا وهو يتقرب بحبه، قال: ثم غاب عن بصري، فأتيت أبا جعفر (عليه السلام) فأخبرته بخبره فقال: آمن الملعون بلسانه وكفر بقلبه).

 

اسم علي عليه السلام مخفي في القرآن لا يعرفه إلا الراسخون

التاسع والتسعون مدينة المعاجز- للسيد هاشم البحراني  قال :(ورد في كتب الشيعة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن إبليس - لعنه الله - مر به يوما، فقال له أمير المؤمنين: يا أبا الحارث ما ادخرت اليوم ليوم معادك؟ فقال: حبك، فإذا كان يوم القيامة أخرجت ما ادخرت من أسمائك التي يعجز عن وصفها كل واصف، وكل اسم مخفي عن الناس ظاهره عندي قد رمزه الله في كتابه لا يعرفه إلا الله والراسخون في العلم، فإذا أحب الله عبدا كشف عن بصيرته وعلمه إياه، فكان ذلك العبد بذلك السر عين الأمة حقيقة، وذلك الاسم هو الذي قامت به السماوات والأرض المتصرف في الأشياء كيف يشاء)، هي.

 

لم ير رسول الله على حقيقته إلا علي عليه السلام

الحديث المائة محمد بن علي الحكيم الترمذي وهو من أكابر علماء السنة مرسلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (ما رآني في هذه الدنيا على الحقيقة التي خلقني الله عليها غير علي بن أبي طالب) . هي .

أقول : وهذا نظير الخبر المشهور المأثور المذكور في تأويل الآيات لشرف الدين النجفي ومنتخب البصائر للحسن بن سليمان والمشارق للبرسي وغيرها لغيرهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت وما عرفني إلا الله وأنت وما عرفك إلا الله وأنا)، هي.

و الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

تم الجزء الرابع من الكتاب بيد مؤلفه العبد الضعيف محمد بن محمد ابن الحسين المدعو بالتقي الشريف ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله تعالى.

 

 الجزء الثاني من كتاب صحيفة الأبرار

 

 

 

 

أمير المؤمنين خير من حكم بين النبي والإعرابي بحكم الله.

الحديث الأول أمالي الصدوق  حدثنا أبي  قال حدثنا علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن نوح بن شعيب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن علقمة ، عن الصادق جعفر بن محمد قال : (جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فادعى عليه سبعين درهما ثمن ناقة ، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا أعرابي ألم تستوف مني ذلك ؟ فقال : لا ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إني قد أوفيتك ، قال الأعرابي : قد رضيت برجل يحكم بيني وبينك، فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معه فتحاكما إلى رجل من قريش ، فقال الرجل للأعرابي: ما تدعي على رسول الله ؟ قال: سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه، فقال : ما تقول يا رسول الله ؟ فقال: قد أوفيته ، فقال القرشي: قد أقررت [له يا رسول الله بحقه ، فإما أن تقيم شاهدين يشهدان بأنك قد أوفيته، وإما أن توفيه السبعين التي يدعيها عليك ، فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مغضبا يجر ردائه، وقال: والله لأقصدن من يحكم بيننا بحكم الله تعالى ذكره ، فتحاكم معه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقال للأعرابي : ما تدعي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال : سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه ، قال : ما تقول يا رسول الله؟ قال : قد أوفيته ، قال : يا أعرابي إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول قد أوفيتك، فهل صدق ؟ فقال :لا ما أوفاني ، فأخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) سيفه من غمده، وضرب عنق الأعرابي . فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لم قتلت [يا علي] الأعرابي؟ قال : لأنه كذبك يا رسول الله ، ومن كذبك فقد حل دمه، ووجب قتله . فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي والذي بعثني بالحق نبيا ، ما أخطأت حكم الله تبارك وتعالى فيه فلا تعد إلى مثلها).

 

أمير المؤمنين يحكم بين ذوي أرغفة الخبز المتخاصمين

الثاني الكافي في باب نوادر القضايا محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا عن ابن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سمعت ابن أبي ليلى يحدث أصحابه ، فقال: قضى أمير المؤمنين [علي (عليه السلام) بين رجلين اصطحبا في سفر ، فلما أرادا الغداء أخرج أحدهما من زاده خمسة أرغفة ، وأخرج الآخر ثلاثة أرغفة، فمر بهما عابر سبيل فدعواه إلى طعامهما ، فأكل الرجل معهما حتى لم يبق شيء، فلما فرغوا أعطاهما العابر بهما ثمانية دراهم ثواب ما أكله من طعامهما ، فقال: صاحب الثلاثة أرغفة لصاحب الخمسة أرغفة : اقسمها نصفين بيني وبينك،  وقال صاحب الخمسة :لا بل يأخذ كل واحد منا من الدراهم على عدد ما أخرج من الزاد ، قال : فأتيا أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك ، فلما سمع مقالتهما، قال لهما : اصطلحا فإن قضيتكما دنية ، فقالا: اقض بيننا بالحق ، قال: فأعطى صاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم، وأعطى صاحب الثلاثة أرغفة درهما ، وقال: أليس أخرج أحدكما من زاده خمسة أرغفة ، وأخرج الآخر ثلاثة أرغفة؟ قالا : نعم ، قال : أليس أكل معكما ضيفكما مثل ما أكلتما؟ قالا: نعم ، قال : أليس أكل كل واحد منكما ثلاثة أرغفة غير ثلثها ، قالا:نعم ، قال : أليس أكلت أنت يا صاحب الثلاثة ثلاثة أرغفة إلا ثلث ، وأكلت أنت يا صاحب الخمسة ثلاثة أرغفة غير ثلث ، وأكل الضيف ثلاثة أرغفة غير ثلث ، أليس بقي لك يا صاحب الثلاثة ثلث رغيف من زادك ، وبقي لك يا صاحب الخمسة رغيفان وثلث ، وأكلت ثلاثة أرغفة غير ثلث ؟ فأعطاهما لكل ثلث رغيف درهما ، فأعطى صاحب الرغيفين وثلث سبعة دراهم وأعطى صاحب ثلث رغيف درهما).

 

أمير المؤمنين يحكم بين الغلام ومولاه

الثالث وفيه علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن عبد الله بن عثمان ، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أن رجلا أقبل على عهد علي (عليه السلام) من الجبل حاجا ومعه غلام له ، فأذنب فضربه مولاه ، فقال : ما أنت مولاي بل أنا مولاك؟ قال : فما زال ذا يتوعد ذا وذا يتوعد ذا ، ويقول : كما أنت حتى نأتي الكوفة يا عدو الله ، فأذهب بك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلما أتيا الكوفة أتيا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال الذي ضرب الغلام : أصلحك الله هذا غلام لي ، وإنه أذنب فضربته فوثب علي ، وقال الآخر: هو والله غلام لي ؛ إن أبي أرسلني معه ليعلمني ، وإنه وثب علي يدعيني ليذهب بمالي، قال : فأخذ هذا يحلف وهذا يحلف ، وهذا يكذب هذا وهذا يكذب هذا ، قال : فقال : انطلقا فتصادقا في ليلتكما هذه ، ولا تجيئاني إلا بحق، قال : فلما أصبح أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لقنبر : اثقب في الحائط ثقبين ، قال : وكان إذا أصبح عقب حتى تصير الشمس على رمح يسبح، فجاء الرجلان ، واجتمع الناس فقالوا : لقد وردت عليه قضية ما ورد عليه مثلها ؛ لا يخرج منها ، فقال لهما : ما تقولان فحلف هذا أن هذا عبده ، وحلف هذا أن هذا عبده ، فقال لهما : قوما فإني لست أراكما تصدقان ، ثم قال لأحدهما : أدخل رأسك في هذا الثقب ، ثم قال للآخر : أدخل رأسك في هذا الثقب ، ثم قال : يا قنبر علي بسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، عجل اضرب رقبة العبد منهما ، قال : فأخرج الغلام رأسه مبادرا، فقال علي (عليه السلام) للغلام : ألست تزعم أنك لست بعبد ؟ ومكث الآخر في الثقب ، فقال : بلى ولكنه ضربني ، وتعدى علي ، قال : فتوثق له أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفعه إليه).

 

أمير المؤمنين يكشف زيف اتهام المرأة.

الرابع وفيه علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي المعلى ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (أتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار ، وكانت تهواه ، ولم تقدر له على حيلة، فذهبت فأخذت بيضة فأخرجت منها الصفرة ، وصبت البياض على ثيابها بين فخذيها ، ثم جاءت إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين إن هذا الرجل أخذني في موضع كذا وكذا ففضحني ، قال: فهم عمر أن يعاقب الأنصاري ، فجعل الأنصاري يحلف ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) جالس ، ويقول :يا أمير المؤمنين تثبت في أمري ، فلما أكثر الفتى ، قال عمر لأمير المؤمنين (عليه السلام) : يا أبا الحسن ما ترى ؟ فنظر أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها ، فاتهمها أن تكون احتالت لذلك ، فقال : ائتوني بماء حار قد أغلي غليانا شديدا ، ففعلوا فلما أتي بالماء أمرهم فصبوا على موضع البياض فاشتوى ذلك البياض، فأخذه أمير المؤمنين (عليه السلام) فألقاه في فيه ؛ فلما عرف طعمه ألقاه من فيه ، ثم أقبل على المرأة حتى أقرت بذلك ، ودفع الله عز وجل عن الأنصاري عقوبة عمر).

 

 

فطنة أمير المؤمنين أنقذت المرأة من الهلاك.

الخامس وفيه عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (أتي عمر بامرأة تزوجها شيخ ، فلما أن واقعها مات على بطنها ، فجاءت بولد ، فادعى بنوه أنها فجرت ، وتشاهدوا عليها، فأمر بها عمر أن ترجم ، فمر بها علي (عليه السلام) ، فقالت : يا ابن عم رسول الله إن لي حجة ، قال : هاتي حجتك ، فدفعت إليه كتابا ، فقرأه فقال: هذه المرأة تعلمكم بيوم تزوجها ويوم واقعها ، وكيف كان جماعه لها ردوا المرأة ، فلما أن كان من الغد دعا بصبيان أتراب ، ودعا بالصبي معهم، فقال لهم : العبوا حتى إذا ألهاهم اللعب قال لهم : اجلسوا حتى إذا تمكنوا صاح بهم ، فقام الصبيان ، وقام الغلام فاتكأ على راحتيه ، فدعا به علي (عليه السلام) وورثه من أبيه، وجلد إخوته المفترين حدا حدا ، فقال له عمر :كيف صنعت ، قال (عليه السلام) :عرفت ضعف الشيخ في اتكاء الغلام على راحتيه).

 

أول من فرق بين الشاهدين قبل أمير المؤمنين النبي دانيال

السادس وفيه علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن وهب،  عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (أتي عمر بن الخطاب بجارية قد شهدوا عليها أنها بغت ، وكان من قصتها أنها كانت يتيمة عند رجل ، وكان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبت اليتيمة ، فتخوفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها ، فأخذت عذرتها بإصبعها ؛ فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة، وأقامت البينة من جاراتها اللائي ساعدتها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر ، فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : ائت علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، واذهب بنا إليه ، فأتوا عليا (عليه السلام) وقصوا عليه القصة فقال لامرأة الرجل : ألك بينة أو برهان ؟ قالت : لي شهود ، هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول فأحضرتهن ، فأخرج علي بن أبي طالب (عليه السلام) السيف من غمده ، فطرح بين يديه ، وأمر بكل واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا بامرأة الرجل ، فأدارها بكل وجه ، فأبت أن تزول عن قولها ، فردها إلى البيت الذي كانت فيه ، ودعا إحدى الشهود ، وجثا على ركبتيه ، ثم قال: تعرفيني أنا علي بن أبي طالب ، وهذا سيفي ، وقد قالت امرأة الرجل ما قالت، ورجعت إلى الحق وأعطيتها الأمان ، وإن لم تصدقيني لأملأن السيف منك ، فالتفتت إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين الأمان علي ، فقال لها أمير المؤمنين: فاصدقي ، فقالت : لا والله إلا أنها رأت جمالا وهيئة ، فخافت فساد زوجها عليها ، فسقتها المسكر ، ودعتنا فأمسكناها ، فافتضتها بإصبعها، فقال علي (عليه السلام) : الله أكبر أنا أول من فرق بين الشاهدين إلا دانيال النبي، فألزم علي المرأة حد القاذف ، وألزمهن جميعا العقر ، وجعل عقرها أربعمائة درهم، وأمر المرأة أن تنفى من الرجل ويطلقها زوجها ، وزوجه الجارية، وساق عنه علي (عليه السلام) [المهر ، فقال عمر : يا أبا الحسن ، فحدثنا بحديث دانيال ، فقال علي (عليه السلام) : إن دانيال كان يتيما لا أم له ولا أب ، وإن امرأة من بني إسرائيل عجوزا كبيرة ضمته فربته ، وإن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان له قاضيان ، وكان لهما صديق ، وكان رجلا صالحا، وكانت له امرأة بهية جميلة، وكان يأتي الملك فيحدثه ، واحتاج الملك إلى رجل يبعثه في بعض أموره فقال للقاضيين : اختارا رجلا أرسله في بعض أموري ، فقالا: فلان، فوجهه الملك ، فقال الرجل للقاضيين : أوصيكما بامرأتي خيرا، فقالا : نعم فخرج الرجل ، فكان القاضيان يأتيان باب الصديق فعشقا امرأته، فراوداها عن نفسها  فأبت ، فقالا لها : والله لئن لم تفعلي لنشهدن عليك عند الملك بالزنى، ثم لنرجمنك ، فقالت : افعلا ما أحببتما ، فأتيا الملك فأخبراه ، وشهدا عنده أنها بغت ، فدخل الملك من ذلك أمر عظيم ، واشتد بها غمه، وكان بها معجبا، فقال لهما : إن قولكما مقبول ، ولكن ارجموها بعد ثلاثة أيام ، ونادى في البلد الذي هو فيه : احضروا قتل فلانة العابدة، فإنها قد بغت، فإن القاضيين قد شهدا عليها بذلك ، فأكثر الناس في ذلك ، وقال الملك لوزيره: ما عندك في هذا من حيلة ؟ فقال : ما عندي في ذلك من شيء ، فخرج الوزير يوم الثالث وهو آخر أيامها ، فإذا هو بغلمان عراة يلعبون وفيهم دانيال [وهو لا يعرفه، فقال دانيال : يا معشر الصبيان ، تعالوا حتى أكون أنا الملك ، وتكون أنت يا فلان العابدة ، ويكون فلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها، ثم جمع ترابا وجعل سيفا من قصب ، وقال للصبيان : خذوا بيد هذا ، فنحوه إلى مكان كذا وكذا ، [وخذوا بيد هذا فنحوه إلى مكان كذا وكذا ثم دعا بأحدهما وقال له : قل حقا ، فإنك إن لم تقل حقا قتلتك ، والوزير قائم ينظر ويسمع ، فقال : أشهد أنها بغت ، فقال: متى ؟ قال : يوم كذا وكذا ، فقال : ردوه إلى مكانه [وهاتوا الآخر فردوه إلى مكانه وجاءوا بالآخر ، فقال له: بم تشهد؟ فقال : أشهد أنها بغت ، قال : متى ؟ قال : يوم كذا وكذا ، قال مع من ؟ قال:مع فلان بن فلان ، قال : وأين ؟ قال : بموضع كذا وكذا، فخالف أحدهما صاحبه ، فقال دانيال : الله أكبر شهدا بزور ، يا فلان ناد في الناس أنهما شهدا على فلانة بزور ، فاحضروا قتلهما ، فذهب الوزير إلى الملك مبادرا ، فأخبره الخبر ، فبعث الملك إلى القاضيين ، فاختلفا كما اختلف الغلامان ، فنادى الملك في الناس وأمر بقتلهما).

 

أمير المؤمنين يحكم بين الرجلين والمرأة التي استودعها الوديعة

السابع وفيه الحسين بن محمد ، عن أحمد بن علي الكاتب ، عن إبراهيم ابن محمد الثقفي ، عن عبد الله بن أبي شيبة ، عن حريز ، عن عطاء بن السائب ، عن زاذان قال : (استودع رجلان امرأة وديعة، وقالا لها : لا تدفعيها إلى واحد منا حتى نجتمع عندك ، ثم انطلقا فغابا، فجاء أحدهما إليها فقال : أعطيني وديعتي فإن صاحبي قد مات ، فأبت حتى كثر اختلافه، ثم أعطته ، ثم جاء الآخر فقال : هاتي وديعتي ، فقالت : أخذها صاحبك، وذكر أنك قد مت ، فارتفعا إلى عمر ، فقال لها عمر : ما أراك إلا وقد ضمنت ، فقالت المرأة : اجعل عليا (عليه السلام) بيني وبينه ، فقال عمر : اقض بينهما ، فقال علي (عليه السلام) : هذه الوديعة عندي ، وقد أمرتماها أن لا تدفعها إلى واحد منكما حتى تجتمعا عندها ، فائتني بصاحبك ، فلم يضمنها ، وقال (عليه السلام) : إنما أرادا أن يذهبا بمال المرأة).

 

أمير المؤمنين يقضي بقضاءالنبيين.

الثامن وفيه في كتاب الحدود عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبي الخزرج ، عن مصعب بن سلام التميمي ، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليه السلام) (إن ثورا قتل حمارا على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فرفع ذلك إليه وهو في أناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر ، فقال : يا أبا بكر اقض بينهم، فقال: يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شي‏ء ، فقال: يا عمر اقض بينهما، فقال مثل قول أبي بكر ، فقال : يا علي اقض بينهم، فقال : نعم يا رسول الله، إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليهما ، قال: فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده إلى السماء فقال : الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيين).

أمير المؤمنين يضرب من يؤذي المسلمين.

التاسع وفيه في كتاب الحدود عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : (قال : إن رجلا قال لرجل على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) : إني احتلمت بأمك ، فرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال: إن هذا افترى على أمي ، فقال له : وما قال لك ؟ قال : زعم أنه احتلم بأمي، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : في العدل إن شئت أقمته لك في الشمس، فاجلد ظله ، فإن الحلم مثل الظل ، ولكن سنضربه حتى لا يعود يؤذي المسلمين. وفي رواية أخرى قال ضربه ضربا وجيعا).

 

أمير المؤمنين يبين فحص الأذن.

العاشر وفيه علي، عن أبيه ، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل وجئ في أذنه ، فادعى أن إحدى أذنيه نقص من سمعها شيء ، قال : قال : تسد التي ضربت سدا شديدا، وتفتح الصحيحة ، فيضرب لها بالجرس حيال وجهه ، ويقال له: اسمع فإذا خفي عليه الصوت علم مكانه ، ثم يضرب به من خلفه، ويقال له: اسمع فإذا خفي عليه الصوت علم مكانه ، ثم يقاس ما بينهما، فإن كانا سواء علم أنه قد صدق ، ثم يؤخذ به عن يمينه ، ثم يضرب حتى يخفى عليه الصوت ، ثم علم مكانه ، ثم يؤخذ به عن يساره ، فيضرب حتى يخفى عليه الصوت ، ثم يعلم مكانه ، ثم يقاس ما بينهما فإن كان سواء علم أنه قد صدق ، قال : ثم تفتح أذنه المعتلة ، وتسد الأخرى سدا جيدا ، ثم يضرب بالجرس من قدامه ، ثم يعلم حيث يخفى عليه الصوت ، يصنع به كما صنع أول مرة بأذنه الصحيحة ، ثم يقاس فضل ما بين الصحيحة والمعتلة بحساب ذلك).

 

أمير المؤمنين يرشد لفحص العين.

الحادي عشر وفيه محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه ، عن أبان بن عثمان، عن الحسن بن كثير، عن أبيه قال : (قال أصيبت عين رجل وهي قائمة، فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) فربطت عينه الصحيحة، وأقام رجلا بحذاه بيده بيضة يقول : هل تراها؟ قال : فجعل إذا قال نعم تأخر قليلا ؛ حتى إذا خفيت عليه علم ذلك المكان، قال :وعصبت عينه المصابة ، وجعل الرجل يتباعد ، وهو ينظر بعينه الصحيحة ، حتى إذا خفيت عليه ، ثم قيس ما بينهما ، فأعطي الأرش على ذلك).

أقول : وفي حديث أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنه يفعل به مثل ذلك في كل من الصحيحة والمعتلة من الجوانب الأربعة كالسمع ليعلم صدقه من كذبه.

 

أمير المؤمنين يرفض القصاص ويحث على الدية.

الثاني عشر وفيه علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن سليمان الدهان ، عن رفاعة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (إن عثمان أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه ، فأنزل الماء فيها وهي قائمة ليس يبصر بها شيئا ، فقال له : أعطيك الدية ، فأبى ، قال : فأرسل بهما إلى علي (عليه السلام) ، وقال احكم بين هذين ، فأعطاه الدية فأبى ، قال :فلم يزالوا يعطونه حتى أعطوه ديتين ، قال: فقال : ليس أريد إلا القصاص ، قال : فدعا علي بمرآة فحماها، ثم دعا بكرسف فبله ، ثم جعله على أشفار عينيه وعلى حواليها ، ثم استقبل بعينه عين الشمس ، قال : وجاء بالمرآة فقال : انظر ، فنظر فذاب الشحم ، وبقيت عينه قائمة وذهب البصر).

 

أمير المؤمنين يفصل بالحق على من ادعى ذهاب حواسه.

الثالث عشر وفيه علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد ابن الوليد ، عن محمد بن فرات ، عن الأصبغ بن نباتة قال : (سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رجل ضرب رجلا على هامته، فادعى المضروب أنه لا يبصر شيئا ، ولا يشم الرائحة ، وأنه قد ذهب لسانه ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):إن صدق فله ثلاث ديات ، فقيل : يا أمير المؤمنين ، وكيف يعلم أنه صادق؟ فقال : أما ما ادعاه أنه لا يشم الرائحة ، فإنه يدنى منه الحراق ، فإن كان كما يقول ، وإلا نحى رأسه ، ودمعت عينه ، وأما ما ادعاه في عينه ؛ فإنه يقابل بعينه الشمس ، فإن كان كاذبا لم يتمالك حتى يغمض عينه ، وإن كان صادقا بقيتا مفتوحتين ، وأما ما ادعاه في لسانه ، فإنه يضرب على لسانه بإبرة فإن خرج الدم أحمر فقد كذب ، وإن خرج الدم أسود فقد صدق).

 

ما سبق أمير المؤمنين في التحقيق مع الجناة إلا النبي داود عليه السلام

الرابع عشر وفيه علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) المسجد ، فاستقبله شاب يبكي وحوله قوم يسكتونه ، فقال علي (عليه السلام) : ما أبكاك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن شريحا قضى علي بقضية ما أدري ما هي ؟ إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في السفر ، فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه ، فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله، فقالوا: ما ترك مالا ، فقدمتهم إلى شريح فاستحلفهم ، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن أبي خرج ومعه مال كثير ، فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) : ارجعوا فرجعوا والفتى معهم إلى شريح ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا شريح ، كيف قضيت بين هؤلاء ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ادعى هذا الفتى على هؤلاء النفر أنهم خرجوا في سفر ، وأبوه معهم فرجعوا ولم يرجع أبوه ، فسألتهم عنه فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله ، فقالوا:ما خلف مالا ، فقلت للفتى : هل لك بينة على ما تدعي ، فقال : لا ، فاستحلفتهم [فحلفوا] ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : هيهات يا شريح، هكذا تحكم في مثل هذا ! فقال :يا أمير المؤمنين فكيف؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : والله لأحكمن فيهم بحكم ما حكم به خلق قبلي إلا داود النبي (عليه السلام) ، يا قنبر ادع لي شرطة الخميس ، فدعاهم فوكل بكل رجل منهم رجلا من الشرطة ، ثم نظر إلى وجوههم فقال : ماذا تقولون؟ أتقولون إني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى؟ إني إذا لجاهل ، ثم قال: فرقوهم وغطوا رءوسهم ، قال : ففرق بينهم ، وأقيم كل رجل منهم إلى أسطوانة من أساطين المسجد ، ورءوسهم مغطاة بثيابهم ، ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه ، فقال : هات صحيفة ودواة ، وجلس أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مجلس القضاء ، وجلس الناس إليه، فقال لهم : إذا أنا كبرت فكبروا ، ثم قال للناس : اخرجوا ثم دعا بواحد منهم، فأجلسه بين يديه، وكشف عن وجهه ، ثم قال لعبيد الله بن أبي رافع : اكتب إقراره وما يقول ، ثم أقبل عليه بالسؤال فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم ؟ فقال الرجل : في يوم كذا وكذا قال : وفي أي شهر؟ قال : في شهر كذا وكذا [قال في أي سنة قال في سنة كذا وكذا [قال : وإلى أين بلغتم في سفركم حتى مات أبو هذا الفتى ؟ قال : إلى موضع كذا وكذا قال: وفي منزل من مات ؟ قال : في منزل فلان بن فلان ، قال: وما كان مرضه؟ قال : كذا وكذا ، قال : وكم يوما مرض ؟ قال : كذا وكذا، قال: ففي أي يوم مات ؟ ومن غسله ؟ ومن كفنه ؟ وبم كفنتموه ؟ ومن صلى عليه ؟ ومن نزل قبره ؟ فلما سأله عن جميع ما يريد ؛ كبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وكبر الناس جميعا ، فارتاب أولئك الباقون ، ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر عليهم وعلى نفسه ، فأمر أن يغطى رأسه وينطلق به إلى السجن ، ثم دعا بآخر فأجلسه بين يديه، وكشف عن وجهه ، ثم قال : كلا زعمتم أني لا أعلم ما صنعتم! فقال : يا أمير المؤمنين ما أنا إلا واحد من القوم ، ولقد كنت كارها لقتله، فأقر ، ثم دعا بواحد بعد واحد كلهم يقر بالقتل وأخذ المال، ثم رد الذي كان أمر به إلى السجن ، فأقر أيضا ، فألزمهم المال والدم،  فقال شريح: يا أمير المؤمنين ، وكيف حكم داود النبي (عليه السلام) ؟ فقال : إن داود النبي (عليه السلام) مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم بيا مات الدين ، فيجيب منهم غلام، فدعاهم داود (عليه السلام) فقال : يا غلام ما اسمك ؟ قال : مات الدين، فقال له داود (عليه السلام): من سماك بهذا الاسم ؟ فقال : أمي ، فانطلق داود (عليه السلام) إلى أمه فقال لها: يا أيتها المرأة ما اسم ابنك هذا ؟ قالت : مات الدين ، فقال لها: ومن سماه بهذا؟ قالت : أبوه ، قال : وكيف كان ذاك ؟ قالت: إن أباه خرج في سفر له ومعه قوم ، وهذا الصبي حمل في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي ، فسألتهم عنه ، فقالوا : مات ، فقلت لهم : فأين ما ترك؟ قالوا: لم يخلف شيئا ، فقلت : هل أوصاكم بوصية ؟ قالوا : نعم زعم أنك حبلى ، فما ولدت من ولد جارية أو غلام فسميه مات الدين ، فسميته، قال داود (عليه السلام) : وتعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك ، قالت: نعم قال: فأحياء هم أم أموات ؟ قالت : بل أحياء ، قال : فانطلقي بنا إليهم ، ثم مضى معها ، فاستخرجهم من منازلهم ، فحكم بينهم بهذا الحكم بعينه ، وأثبت عليهم المال والدم ، وقال للمرأة : سمي ابنك هذا عاش الدين ، ثم إن الفتى والقوم اختلفوا في مال الفتى كم كان ، فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) : خاتمه وجميع خواتيم من عنده ، ثم قال : أجيلوا هذا السهام ، فأيكم أخرج خاتمي فهو صادق في دعواه ؛ لأنه سهم الله وسهم الله لا يخيب).

 

أمير المؤمنين يحكم في الطفل المقتول بالخطأ

الخامس عشر إرشاد المفيد  قال ورووا -يعني العامة والخاصة-: (أن عمر كان استدعى امرأة كانت تتحدث عندها الرجال ، فلما جاءها رسله فزعت وارتاعت وخرجت معهم ، فأملصت ووقع إلى الأرض ولدها يستهل ثم مات ، فبلغ عمر ذلك فجمع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وسألهم عن الحكم في ذلك ، فقالوا بأجمعهم : نراك مؤدبا ولم ترد إلا خيرا ولا شيء عليك في ذلك ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) جالس لا يتكلم ، فقال له عمر : ما عندك في هذا يا أبا الحسن ؟ فقال : قد سمعت ما قالوا، قال : فما عندك أنت؟ قال : قد قال القوم ما سمعت ، قال : أقسمت عليك لتقولن ما عندك، قال : إن كان القوم قاربوك فقد غشوك ، وإن كانوا ارتأوا فقد قصروا الدية على عاقلتك؛ لأن قتل الصبي خطأ تعلق بك ، فقال : أنت والله نصحتني من بينهم ، والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني عدي ، ففعل ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ).

 

خوف إحدى المرأتين على الطفل كشف أمومتها له.

السادس عشر وفيه رووا : (أن امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل ادعته كل واحدة منهما ولدا لها بغير بينة ، ولم ينازعهما فيه غيرهما ، فالتبس الحكم في ذلك على عمر ، وفزع فيه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوفهما ، فأقامتا على التنازع والاختلاف ، فقال (عليه السلام) عند تماديهما في النزاع : ايتوني بمنشار ، فقالت له المرأتان : ما تصنع ؟ فقال : أقده نصفين لكل واحدة منكما نصفه ، فسكتت إحداهما ، وقالت الأخرى : الله الله يا أبا الحسن ؛ إن كان لا بد من ذلك فقد سمحت به لها، فقال : الله أكبر هذا ابنك دونها ، ولو كان ابنها لرقت عليه وأشفقت ، فاعترفت المرأة الأخرى بأن الحق مع صاحبتها ، والولد لها دونه ، فسري عن عمر ودعي لأمير المؤمنين (عليه السلام) بما فرج عنه في القضاء).

 

أمير المؤمنين يرد على الشيخ الكبير المنكر لولده.

السابع عشر وفيه قال : (ومن ذلك ما رواه نقلة الآثار من العامة والخاصة، إن امرأة نكحها شيخ كبير ، فحملت فزعم الشيخ أنه لم يصل إليها وأنكر حملها ، فالتبس الأمر على عثمان وسأل المرأة : هل اقتضك الشيخ؟ وكانت بكرا فقالت : لا ، فقال عثمان : أقيموا الحد عليها ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن للمرأة سمين : سم المحيض ، وسم البول، فلعل الشيخ كان ينال منها ، فسال ماؤه في سم المحيض ، فحملت منه، فاسألوا الرجل عن ذلك ، فسئل فقال : قد كنت أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالاقتضاض ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : الحمل له والولد ولده ، وأرى عقوبته على الإنكار له، فصار عثمان إلى قضائه بذلك وتعجب منه).

 

ميراث الولد ذو الرأسين يحدده أمير المؤمنين .

الثامن عشر الفقيه روى أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن أحمد ابن أشيم ، عن محمد بن القاسم الجوهري ، عن أبيه ، عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( ولد على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) مولود له رأسان، فسئل أمير المؤمنين (عليه السلام) : يورث ميراث اثنين أو واحد ، فقال: يترك حتى ينام ، ثم يصاح به فإن انتبها جميعا معا كان له ميراث واحد ، وإن انتبه واحد وبقي الآخر نائما ورث ميراث اثنين) . ثم قال الصدوق  وروى أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي جميلة قال :(رأيت بفارس امرأة لها رأسان وصدران في حقو واحد ، تغار هذه على هذه وهذه على هذه).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : وقد ولد في بلدنا تبريز مثل هذا المولود في زماننا ، والذي ببالي أنه كان في سنة تسعة وخمسين ومائتين بعد الألف ، وقد أتي به إلى والدي الماجد  وأنا حاضر ، وكان مولودا له رأسان وبدنان تامان إلى الخصر ، وأيد أربعة ، وكان مما دون الخصر متحدا له فرج واحد ، ورجلان صحيحان ، غير أنه كان له من فوق العصعص شيء غضروفي لحمي أحمر اللون شبيه بالرجل ممتد إلى منتهى الرجلين، وكان البدنان موازنين ولكنه لم يعش إلا أياما معدودة ثم مات، سبحان الخالق لما يشاء.

هذا، واعلم إن أحكام مثل هذا المولود كثيرة تنقسم إلى جميع أبواب الفقه ، ولقد أفرد له الشيخ الأفخر والبدر الأزهر الشيخ جعفر بن الشيخ خضر النجفي  في كتابه كشف الغطاء خاتمة  ذكر فيها كثيرا من الأحكام والفروع المتفرعة عليه من جميع أبواب الفقه ، كشف به عن غاية غوره في المدارك الفقهية ، وأعجب منها شرح شيخنا العلام الإلهي الكبريائي مولانا الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أنار الله برهانه لتلك الخاتمة ، فإنه  كشف في شرحه ذلك عن مأخذ جميع ما ذكره الشيخ المذكور فيها على سبيل الفتوى ، وشفعها بكل ما يحتمل في تلك المسألة ، ثم رجح ما هو عنده راجح من ذلك ، وبالجملة قد أتى في ذلك الشرح بما يبهر عقول الفقهاء المتوغلين في أمثال تلك الموارد ، وقد أوردناه في كتاب جوامع الكلم الحاوي لمتفرقات رسائله  عند جمعنا له ؛ من أراده فليرجع إليه فإن نسخة قد طبعت وانتشرت في الآفاق.

 

أمير المؤمنين يخلص الناس من جواز الطلاق باليمين

التاسع عشر وفيه ،عن عمرو بن شمر ، عن جعفر بن غالب الأسدي رفع الحديث قال : ( بينما رجلان جالسان في زمن عمر بن الخطاب إذ مر بهما رجل مقيد ، فقال أحد الرجلين : إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا ، فقال الآخر : إن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثا ، فذهبا إلى مولى العبد وهو المقيد ، فقالا له : إنا حلفنا على كذا وكذا ، فحل قيد غلامك حتى نزنه ، فقال مولى العبد : امرأته طالق إن حللت قيد غلامي ، فارتفعوا إلى عمر فقصوا عليه القصة ، فقال عمر : مولاه أحق به ، اذهبوا به إلى علي بن أبي طالب لعله يكون عنده في هذا شي‏ء ، فأتوا عليا (عليه السلام) فقصوا عليه القصة، فقال : ما أهون هذا ، فدعا بجفنة وأمر بقيده ، فشد فيه خيط، وأدخل رجليه والقيد في الجفنة، ثم صب عليه الماء حتى امتلأت ، ثم قال (عليه السلام): ارفعوا القيد، فرفعوا القيد حتى أخرج من الماء ، فلما أخرج نقص الماء، ثم دعا بزبر الحديد، فأرسله في الماء حتى تراجع الماء إلى موضعه ، والقيد في الماء ، ثم قال: زنوا هذا الزبر فهو وزنه). قال الصدوق  بعد نقل الخبر: (إنما هدى أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى معرفة ذلك ليخلص به الناس من أحكام من يجيز الطلاق باليمين)، هي.

أمير المؤمنين يزن لبن المرأتين

العشرون وفيه روى عاصم بن حميد عن محمد بن قيس ،عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (كان لرجل على عهد علي (عليه السلام) جاريتان فولدتا جميعا في ليلة واحدة ؛ إحداهما ابنا والأخرى بنتا ، فعمدت صاحبة الابنة فوضعت ابنتها في المهد الذي كان فيه الابن ، وأخذت ابنها ، فقالت صاحبة الابنة : الابن ابني، وقالت صاحبة الابن : الابن ابني ، فتحاكما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فأمر أن يوزن لبنهما ، وقال : أيتهما كانت أثقل لبنا فالابن لها).

 

أمير المومنين يقتل الإعرابي الذي رفض تسليم الناقة.

الحادي والعشرون وفيه قال : وفي رواية محمد بن بحر الشيباني ، عن أحمد بن الحارث ، قال : حدثنا أبو أيوب الكوفي قال : حدثنا إسحاق بن وهب العلاف قال : حدثنا أبو عاصم النبال عن ابن جريج ، عن الضحاك عن ابن عباس قال : (خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من منزل عائشة فاستقبله أعرابي ومعه ناقة فقال : يا محمد تشتري هذه الناقة ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : نعم ، بكم تبيعها يا أعرابي ؟ فقال : بمائتي درهم ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : بل ناقتك خير من هذا ، قال : فما زال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يزيد حتى اشترى الناقة بأربع مائة درهم، قال: فلما دفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الأعرابي الدراهم ، ضرب الأعرابي يده إلى زمام الناقة فقال : الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ، فإن كان لمحمد شيء فليقم البينة ، قال : فأقبل رجل فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أترضى بالشيخ المقبل؟ قال: نعم يا محمد ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : تقضي فيما بيني وبين هذا الأعرابي؟ فقال : تكلم يا رسول الله ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الناقة ناقتي ، والدراهم دراهم الأعرابي، فقال الأعرابي : بل الناقة ناقتي ، والدراهم دراهمي ، إن كان لمحمد شيء فليقم البينة ، فقال الرجل : القضية فيها واضحة يا رسول الله، وذلك أن الأعرابي طلب البينة ، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : اجلس ، فجلس، ثم أقبل رجل آخر فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أترضى يا أعرابي بالشيخ المقبل ؟ قال: نعم يا محمد ، فلما دنا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : اقض فيما بيني وبين الأعرابي، قال: تكلم يا رسول الله ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : الناقة ناقتي ، والدراهم دراهم الأعرابي ، فقال الأعرابي : بل الناقة ناقتي ، والدراهم دراهمي ، إن كان لمحمد شيء فليقم البينة ، فقال الرجل : القضية فيها واضحة يا رسول الله ؛ لأن الأعرابي طلب البينة ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : اجلس حتى يأتي الله بمن يقضي بيني وبين الأعرابي بالحق ، فأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أترضى بالشاب المقبل ؟ قال : نعم ، فلما دنا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا أبا الحسن اقض فيما بيني وبين الأعرابي ، فقال تكلم يا رسول الله ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : الناقة ناقتي ، والدراهم دراهم الأعرابي ، فقال الأعرابي : لا ، بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ، إن كان لمحمد شيء فليقم البينة ، فقال علي (عليه السلام) : خل بين الناقة وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال الأعرابي : ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البينة ، قال : فدخل علي (عليه السلام) منزله ، فاشتمل على قائم سيفه ، ثم أتى فقال : خل بين الناقة وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال : ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البينة ، قال : فضربه علي (عليه السلام) ضربة ، فاجتمع أهل الحجاز على أنه رمى برأسه ، وقال بعض أهل العراق : بل قطع منه عضوا ، قال : فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما حملك على هذا يا علي ؟ فقال : يا رسول الله نصدقك على الوحي من السماء ، ولا نصدقك على أربعمائة درهم).

 

خزيمة بن ثابت الأنصاري يشهد لرسول الله

يقول مصنف هذا الكتاب : قد مضى ما يشبه هذه القضية عن أمالي الصدوق  ، وهما قضيتان كما صرح به الصدوق نفسه في الفقيه بعد إيراد القضيتين معا ، هذا ومما يشبه هذه القضية قضية خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين يعجبني ذكرها هنا استطرادا ، وهو ما رواه الصدوق  أيضا في الفقيه والكليني  في الكافي ببعض تغاير في النقل ، ونختار منهما رواية الكافي ، قال في باب نوادر الشهادات علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية بن وهب قال : (كان البلاط حيث يصلى على الجنائز سوقا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمى البطحاء؛ يباع فيها الحليب والسمن والأقط ، وإن أعرابيا أتى بفرس له فأوثقه،  فاشتراه منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم دخل ليأتيه بالثمن ، فقام ناس من المنافقين فقالوا : بكم بعت فرسك ؟ قال: بكذا وكذا ، قالوا : بئس ما بعت ، فرسك خير من ذلك ، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج إليه بالثمن وافيا طيبا ، فقال الأعرابي : ما بعتك والله ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : سبحان الله بلى والله لقد بعتني وارتفعت الأصوات ، فقال الناس: رسول الله يقاول الأعرابي ، فاجتمع ناس كثير ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ومع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه إذ أقبل خزيمة بن ثابت الأنصاري ، ففرج الناس بيده حتى انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : أشهد يا رسول الله لقد اشتريته منه ، فقال الأعرابي : أتشهد ولم تحضرنا ! وقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أشهدتنا ؟ فقال له : لا يا رسول الله ، ولكني علمت أنك قد اشتريت ، أفأصدقك بما جئت به من عند الله ولا أصدقك على هذا الأعرابي الخبيث ، قال : فعجب له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : يا خزيمة شهادتك شهادة رجلين). وزاد في الفقيه وسماه ذا الشهادتين.

 

أمير المؤمنين يلزم الأخرس بدفع الدين

الثاني والعشرون وفيه وروى علي بن عبد الله الوراق  ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد ، عن محمد بن مسلم قال : (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه دين ولم يكن للمدعي بينة ؟ فقال : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي بأخرس ، وادعي عليه دين فأنكره ، ولم يكن للمدعي عليه بينة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما يحتاج إليه ، ثم قال : ائتوني بمصحف ، فأتي به ، فقال للأخرس : ما هذا ؟ فرفع رأسه إلى السماء وأشار أنه كتاب الله ، ثم قال : ائتوني بوليه، فأتوه بأخ له ، فأقعده إلى جنبه ، ثم قال : يا قنبر علي بدواة وصينية ، فأتاه بهما ثم قال لأخ الأخرس : قل لأخيك هذا بينك وبينه إنه علي ، فتقدم إليه بذلك، ثم كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) : والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب، الضار النافع ، المهلك المدرك ، الذي يعلم السر والعلانية ، إن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان - أعني الأخرس - حق، ولا طلبة بوجه من الوجوه ، ولا سبب من الأسباب ، ثم غسله وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع ، فألزمه الدين).

 

أمير المؤمنين يقضي في أمر التي حملت وحملت الجارية منها

الثالث والعشرين وفيه وروى عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (إن شريحا القاضي بينما هو في مجلس القضاء إذ أتته امرأة فقالت : أيها القاضي اقض بيني وبين خصمي ، فقال لها : ومن خصمك ؟ قالت : أنت ، قال : أفرجوا لها ، فأفرجوا لها ، فدخلت، فقال لها: ما ظلامتك ؟ فقالت : إن لي ما للرجال وما للنساء، قال شريح : فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقضي على المبال ، قالت : فإني أبول بهما جميعا ويسكنان معا، قال شريح : والله ما سمعت بأعجب من هذا، قالت : وأعجب من هذا، قال : وما هو ؟ قالت : جامعني زوجي فولدت منه ، وجامعت جاريتي فولدت مني ، فضرب شريح إحدى يديه على الأخرى متعجبا، ثم جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين لقد ورد علي شيء ما سمعت بأعجب منه ، ثم قص عليه قصة المرأة ، فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذلك فقالت : هو كما ذكر ، فقال لها: ومن زوجك ؟ قالت : فلان ، فبعث إليه فدعاه ، فقال : أتعرف هذه؟ قال: نعم ، هي زوجتي، فسأله عما قالت: فقال : هو كذلك ، فقال له علي (عليه السلام): لأنت أجرأ من راكب الأسد حيث تقدم عليها بهذه الحال، ثم قال :  يا قنبر أدخلها بيتا مع امرأة فعد  أضلاعها فقال زوجها : يا أمير المؤمنين لا آمن عليها رجلا، ولا أأتمن عليها امرأة، فقال علي (عليه السلام) : علي بدينار الخصي ، وكان من صالحي أهل الكوفة ، وكان يثق به فقال له : يا دينار أدخلها بيتا وعرها من ثيابها ، ومرها أن تشد مئزرا، وعد أضلاعها ، ففعل دينار ذلك ، وكان أضلاعها سبعة عشر ؛ تسعة في اليمين؛ وثمانية في اليسار ، فألبسها علي (عليه السلام) ثياب الرجال والقلنسوة والنعلين ، وألقى عليه الرداء ، وألحقه بالرجال ، فقال زوجها : يا أمير المؤمنين ابنة عمي، وقد ولدت مني تلحقها بالرجال ، فقال (عليه السلام) : إني حكمت عليها بحكم الله عز وجل، إن الله تبارك وتعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى ، وأضلاع الرجال تنقص ، وأضلاع النساء تمام).

 

أمير المؤمنين عارف بحساب الجبر والتقسيم

الرابع والعشرون عن شرح البديعة لابن المقري (أنه ثلاثة نفر تشاجروا في سبعة عشر بعيرا مشتركة بينهم ؛ حتى طال بينهم التنازع، فمر بهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وسألهم عن سبب التشاجر ، فقالوا : يا أبا الحسن إن هذه الأباعير مشتركة بيننا ، يريد كل منا حقه من غير أن ينقص منها شيء أو يرد أحدنا على صاحبه درهما ، فقال علي (عليه السلام) لواحد منهم : كم نصيبك منهم من هذه الأباعير ؟ قال : نصف ، فقال للآخر: كم نصيبك فيها ؟ قال : ثلث، فقال للثالث : كم نصيبك فيها ؟ قال : تسع ، فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) :أترضون أن أقسم لكم أباعيركم هذه بإضافة بعيري هذا إليها ؟ فقالوا كلهم: نعم رضينا ، فقال (عليه السلام) للأول : أليس نصيبك منها النصف ، وهو ثمانية أبعار ونصف بعير ؟ قال : نعم ، فان أعطيتك منها ما هو أزيد من نصيبك من غير كسر ، افترضي بذلك ؟ قال : نعم ، قال : فأعطاه تسعة منها ، ثم قال للثاني : أليس نصيبك منها الثلث ستة أبعار إلا ثلث بعير ، قال : نعم ، قال: فإن أعطيتك منها ما هو أزيد من سهمك ، أفترضى بذلك ؟ قال : نعم ، قال: فأعطاه ستة أبعار بغير كسر ، ثم قال للثالث : أليس نصيبك منها التسع بعيرين إلا تسع ؟ قال : نعم ، قال : فإن أعطيتك منها ما هو أزيد من سهمك أفترضى بذلك ؟ قال : نعم ، قال : فأعطاه بعيرين ، ثم أخذ بعيره ومضى) .

 

أمير المؤمنين يقدر وزن باب الحديد بالماء

الخامس والعشرون وجدت في أجزاء عليها جملة من قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) كتب على ظهرها أنها من كتاب إثبات الهداة لشيخنا الحر العاملي  قال: (ومن ذلك ما قضاه صلوات الله عليه في البصرة على قوم حدادين اشتروا باب حديد من قوم ، فقال أصحاب الباب : فيه كذا وكذا منا ، فصدقوهم واشتروه ، فلما حمله الرجال قال المشتري : ما فيه ما قالوا من الوزن. فسألوهم الحطيطة ، فارتجعوا عليهم ، فصاروا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أنا أزنه لكم وأخبركم بما فيه، ثم قال : احملوه إلى الماء، فحمل فطرح في زورق صغير ، ثم علم على موضع بلغه الماء ، ثم قال : أخرجوه واطرحوا مكانه تمرا ، فما زالوا يطرحون شيئا موزونا حتى بلغ إلى العلامة فقال : كم طرحتم؟ قالوا : كذا وكذا رطلا. فقال : هذا وزن الباب ، فحاسبوا القوم على ما كان فيه واصطلحوا على ذلك).

 

أمير المومنين يستخدم طريقة مبتكرة ليزن بها الفيل.

السادس والعشرون التهذيب عن الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) (في رجل حلف أن يزن الفيل ، فأتوه به ، فقال: ولم تحلفون بما لا تطيقون ، فقلت : قد ابتليت ، فأمر بقرقور فيه قصب، فأخرج منه قصب كثير ، ثم علم صبغ الماء بقدر ما عرف صبغ الماء قبل أن يخرج القصب ، ثم صير الفيل فيه حتى رجع إلى مقداره الذي كان انتهى إليه صبغ الماء أولا ، ثم أمر أن يوزن القصب الذي أخرج ، فلما وزن قال: هذا وزن الفيل).

 

أمير المؤمنين يقضي في أمر الرجل الذي ادعى نقصان نفسه.

السابع والعشرون وفي الأجزاء المذكورة آنفا (إنه (عليه السلام) حكم في رجل ضرب ، فادعى نقصان نفسه ، فقال (عليه السلام) : إن النفس يكون في المنخر الأيمن ساعة ، والأيسر ساعة ؛ من وقت غروب الشمس إلى وقت طلوع الفجر، فإذا طلع يكون في المنخر الأيمن إلى أن تطلع الشمس ساعتين ، ثم أقعد الرجل الذي ادعى نقصان نفسه لما طلع الفجر ، وعد أنفاسه إلى طلوع الشمس ، ثم عمد إلى رجل صالح في مثل سنه وعمره، وعد نفسه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ثم أعطي المصاب من الدية بقدر ما نقص من نفسه ، وإن استوى نفسهما قال للمدعي : أنت كاذب).

 

بكرامة من الله وعلى يد أمير المؤمنين يرجع الطفل من رأس الميزاب إلى السطح

الثامن والعشرون فضائل شاذان بن جبرئيل قال : (روي أن امرأة تركت طفلا ابن ستة أشهر على سطح ، فمشى الطفل يحبو حتى خرج من السطح وجلس على رأس الميزاب ، فجاءت أمه على السطح فما قدرت عليه ، فجاءوا بسلم ووضعوه على الجدار ، فما قدروا على الطفل من أجل طول الميزاب وبعده عن السطح ، والأم تصيح وأهل الصبي يبكون وكان في أيام عمر بن الخطاب ، فجاءوا إليه فحضر مع القوم فتحيروا فيه فقالوا: ما لهذا إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فحضر علي ، فصاحت أم الصبي في وجهه فنظر أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الصبي فتكلم الصبي بكلام لا يعرفه أحد، فقال (عليه السلام) : أحضروا هاهنا طفلا مثله فأحضروه ، فنظر بعضها إلى بعض ، وتكلم الطفلان بكلام الأطفال ، فخرج الطفل من الميزاب إلى السطح ، فوقع فرح في المدينة لم ير مثله ، ثم سألوا أمير المؤمنين (عليه السلام) عن كلامهما فقال : أما خطاب الطفل فإنه سلم علي بإمرة المؤمنين ، فرددت عليه ، وما أردت خطابه لأنه لم يبلغ حد الخطاب والتكليف ، فأمرت بإحضار طفل مثله حتى يقول له بلسان الأطفال : يا أخي ارجع إلى السطح ولا تحرق قلب أمك وعشيرتك بموتك، فقال : دعني يا أخي قبل أن أبلغ فيستولي علي الشيطان، فقال: ارجع إلى السطح ، فعسى أن تبلغ ويجي‏ء من صلبك ولد يحب الله ورسوله ، ويوالي هذا الرجل ، فرجع إلى السطح بكرامة الله تعالى على يد أمير المؤمنين (عليه السلام) ). 

جعل الله تعالي بين أمير المومنين وابنه الحسن ما جعله في داود وسليمان

التاسع والعشرون الهداية للحسين بن حمدان ، حدثني جعفر بن أحمد القصير البصري ، عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي ، عن محمد بن صدقة العنبري ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أن أعرابيا بدويا خرج من قومه حاجا محرما ، فورد على دحي نعام فيه بيض ، فأخذه واشتواه وأكل منه ، وذكر أن الصيد حرام في الإحرام ، فورد المدينة فقال الأعرابي : أين خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقد جنيت جناية عظيمة ، فأرشد إلى أبي بكر ، فورد عليه الأعرابي وعنده ملأ من قريش فيهم : عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة ، فسلم الأعرابي عليهم فقال : يا قوم ، أين خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟  [فقالوا : هذا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له : أفتني ، فقال له: قل يا أعرابي ، فقال : إني خرجت من قومي حاجا محرما ، فأتيت على دحي فيه بيض نعام ، فأخذته فاشتويته وأكلته ، فماذا لي من الحج ، وما علي فيه، أحلال ما حرم علي من الصيد أم حرام ؟ فأقبل أبو بكر على من حوله فقال : حواري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) [وأصحابه أجيبوا الأعرابي ، قال له الزبير من دون الجماعة : أنت خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأنت أحق بإجابته، فقال [أبو بكر : يا زبير حب بني هاشم في صدرك ، قال : وكيف لا ، وأمي صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال الأعرابي : ذهبت فتياي ، وتنازع القوم فيما لا جواب فيه ، فصاح : يا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استرجع بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دينه فنرجع عنه ، فسكت القوم ، فقال له الزبير: يا أعرابي ما في القوم إلا من يجهل ما جهلت ، قال الأعرابي : ما أصنع ؟ [قال له الزبير : لم يبق في المدينة من تسأله بعد من ضمه هذا المجلس إلا صاحب الحق الذي هو أولى بهذا المجلس منهم ، قال الأعرابي : فترشدني إليه قال له الزبير : إن إخباري يسر قوما ، ويسخط [قوما آخرين، قال الأعرابي : وقد ذهب الحق وصرتم تكرهونه ، فقال عمر : إلى كم تطيل الخطاب يا ابن العوام ، قوموا بنا والأعرابي إلى علي (عليه السلام) ، فلا تسمع جواب هذه المسألة إلا منه ، فقاموا بأجمعهم والأعرابي معهم حتى صاروا إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فاستخرجوه من بيته ، وقالوا : يا أعرابي اقصص قصتك على أبي الحسن (عليه السلام) ، فقال الأعرابي : فلم أرشدتموني إلى غير خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فقالوا : ويحك يا أعرابي ، خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر ، وهذا وصيه في أهل بيته وخليفته عليهم ، وقاضي دينه، ومنجز عداته ، ووارث علمه ، فقال: ويحكم يا أصحاب رسول الله، والذي أشرتم إليه بالخلافة ليس فيه من هذه الخلال خلة [واحدة ، فقالوا: [ويحك يا أعرابي ، سل عما بدا لك ودع ما ليس من شأنك ، قال الأعرابي : يا أبا الحسن ، يا خليفة رسول الله ، إني خرجت من قومي محرما ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : تريد الحج فوردت على دحي، وفيه بيض نعام ، فأخذته واشتويته وأكلته ، فقال الأعرابي : نعم يا مولاي، فقال له : وأتيت تسأل عن خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأرشدت إلى مجلس أبي بكر وعمر ، وأبديت بمسألتك ، فاختصم القوم، ولم يكن منهم من يجيبك على مسألتك ، فقال : نعم يا مولاي ، فقال له: يا أعرابي الصبي الذي بين يدي مؤدبه صاحب الذؤابة ، فإنه ابني الحسن (عليه السلام) ، فسله فإنه يفتيك، قال الأعرابي : إنا لله وإنا إليه راجعون مات دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موته ، وتنازع القوم وارتدوا ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : حاش لله يا أعرابي ، ما مات دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولن يموت ، قال الأعرابي: أفمن الحق أن أسأل خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحواريه وأصحابه فلا يفتوني ، ويحيلوني عليك فلا تجيبني، وتأمرني أن أسأل صبيا بين يدي المعلم ، ولعله لا يفصل بين الخير والشر ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا أعرابي لا تقف ما ليس لك به علم ، فاسأل الصبي فإنه ينبئك ، فمال الأعرابي إلى الحسن (عليه السلام)، وقلمه في يده ، ويخط في صحيفته خطا ، ويقول مؤدبه : أحسنت أحسن الله إليك يا حسن ، فقال الأعرابي : يا مؤدب لحسن الصبي فتعجب من إحسانه ، وما أسمعك تقول له شيئا حتى كأنه مؤدبك ، فضحك القوم من الأعرابي، وصاحوا به: ويحك يا أعرابي ، سل وأوجز ، قال الأعرابي: فديتك يا حسن، إني خرجت حاجا محرما ، فوردت على دحي فيه بيض نعام ، فشويته وأكلته عامدا وناسيا ، فقال الحسن (عليه السلام) : زدت في القول يا أعرابي؛ قولك عامدا لم يكن هذا من مسألتك هذا عبث ، قال الأعرابي: صدقت ما كنت إلا ناسيا ، فقال له الحسن (عليه السلام) وهو يخط في صحيفته : يا أعرابي خذ بعدد البيض نوقا فاحمل عليها فنيقا ، فما نتجت من قابل فاجعله هديا بالغ الكعبة ، فإنه كفارة فعلك ، فقال الأعرابي : فديتك يا حسن إن من النيق ما يزلقن ، فقال الحسن (عليه السلام) : يا أعرابي إن من البيض ما يمرقن، فقال الأعرابي: أنت صبي محدق محرر في علم الله مغرق ، ولو جاز أن يكون ما أقوله قلته، إنك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال له الحسن (عليه السلام): يا أعرابي أنا الخلف من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبي أمير المؤمنين (عليه السلام) الخليفة، فقال الأعرابي: وأبو بكر ماذا ؟ قال الحسن (عليه السلام) : سلهم يا أعرابي ، فكبر القوم وعجبوا مما سمعوا من الحسن (عليه السلام)، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : الحمد لله الذي جعل في وفي ابني هذا ما جعله في داود وسليمان ، إذ يقول الله عز من قائل : ففهمناها سليمان).

 

أبو عبد الله يقضي في أمر رجل حفر جزءاً من عشر قامات.

الثلاثون الكافي عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن معاوية بن حكيم، عن أبي شعيب المحاملي الرفاعي قال : (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قبل رجلا أن يحفر له بئرا عشر قامات بعشرة دراهم ، فحفر له قامة ثم عجز ، قال : يقسم عشرة على خمسة وخمسين جزءا ، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى ، والاثنان للثانية ، والثلاثة للثالثة ، على هذا الحساب إلى عشرة).

تحقيق لطيف في بعض العمليات الحسابية

أقول : وروى هذا الحديث فيه بسند آخر عن الرفاعي المذكور إلا أن فيه أنه (عليه السلام) قال له : جزء من خمسة وخمسين جزء من العشرة دراهم، هي.

والمعنى في الخبرين واحد توضيح ذلك أن كل قامة من القامات العشرة تزيد عن سابقتها في مئونة العمل على السواء ، فكلما يفرض للأولى من الأجرة يكون الثانية ضعفه ، وللثالثة ثلاثة أمثاله وهكذا، وإذا جمعنا تلك الأجزاء على الجمع الطبيعي بلغت خمسة وخمسين ، وقاعدة استخراجه أن تزيد واحدا على آخر العدد المطلوب جمعه ، ثم تضرب المجموع في نصف الآخر فيكون هو حاصل الجمع الطبيعي ، ففيما نحن فيه تزيد على العشرة واحد ، وتضرب الأحد عشر في نصف العشرة ، وهو الخمسة يبلغ ما ذكر فيكون له إذا حفر قامة جزء من خمسة وخمسين جزء من الأجرة المعينة ، وإذا حفر قامتين ثلاثة أجزاء بإضافة أجرة القامة الأولى التي هي جزء واحد إلى أجرة القامة الثانية التي هي جزءان ، وإذا حفر ثلاث قامات ستة أجزاء بإضافة ما سبقها إلى الثلاثة التي هي قسط تلك القامة من الأجرة ، وللأربع عشر لعين تلك العلة ، وللخمسة خمسة عشر ، وللست أحد وعشرون، وللسبع ثمانية وعشرون ، وللثمان ستة وثلاثون ، وللتسع خمسة وأربعون، وللعشرة خمسة وخمسون ، فافهم وتدبر فإنه من الأحكام التي لا تسبق إلى الأذهان قبل الوقوف على الخبرين المذكورين.

أمير المؤمنين عليه السلام يرد على سائل معاوية

الحادي والثلاثون الاحتجاج لأحمد بن أبي طالب الطبرسي  روى محمد بن قيس عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال : (بينا أمير المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون ، فمن بين مستفت ومن بين مستعد إذ قام إليه رجل فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، من أنت ؟ قال: أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك ، فقال له : ما أنت برعيتي وأهل بلادي ، ولو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي،  فقال :الأمان يا أمير المؤمنين فقال :هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا ؟قال :لا ، قال : فلعلك من رجال الحرب، قال : نعم ، قال : إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس ، قال : أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك ؛ أسألك عن شيء بعث به ابن الأصفر إليه ، وقال له : إن كنت أحق بهذا الأمر - والخليفة بعد محمد - فأجبني عما أسألك ، فإنك إن فعلت ذلك اتبعتك وبعثت إليك بالجائزة ، فلم يكن عنده جواب ، وقد أقلقه ، فبعثني إليك لأسألك عنها ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :قاتل الله ابن آكلة الأكباد ، وما أضله وأعماه ، ومن معه حكم الله بيني وبين هذه الأمة، قطعوا رحمي ، وأضاعوا أيامي ، ودفعوا حقي ، وصغروا عظيم منزلتي،  وأجمعوا على منازعتي ، يا قنبر علي بالحسن والحسين ومحمد ، فأحضروا فقال : يا شامي ، هذان ابنا رسول الله ، وهذا ابني ، فاسأل أيهم أحببت ، فقال: أسأل ذا الوفرة - يعني الحسن (عليه السلام) - فقال له الحسن (عليه السلام) : سلني عما بدا لك، فقال الشامي : كم بين الحق والباطل ؟ وكم بين السماء والأرض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وما قوس قزح ؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين ؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض ؟ فقال الحسن (عليه السلام) : بين الحق والباطل أربع أصابع ، فما رأيته بعينك فهو الحق ، وقد تسمع بأذنك باطلا كثيرا ، فقال الشامي : صدقت ، قال : وبين السماء والأرض دعوة المظلوم، ومد البصر، فمن قال لك غير هذا فكذبه ، قال :صدقت يا ابن رسول الله ، قال : وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس ، تنظر إليها حين تطلع من مشرقها، وتنظر إليها حين تغيب في مغربها ، قال : صدقت، فما قوس قزح ؟ قال : ويحك ، لا تقل قوس قزح ، فإن قزح اسم الشيطان ، وهو قوس الله وهذه علامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين ، فهي عين يقال لها برهوت ، وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى ، وأما المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر أم أنثى ، فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم ، وإن كان أنثى حاضت وبدا ثديها ، وإلا قيل له بل على الحائط ، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر ، وإن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة ، وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض ، فأشد شيء خلقه الله الحجر ، وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر ، وأشد من الحديد النار تذيب الحديد ، وأشد من النار الماء يطفئ النار، وأشد من الماء السحاب يحمل الماء ، وأشد من السحاب الريح تحمل السحاب ، وأشد من الريح الملك الذي يرسلها ، وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك ، وأشد من ملك الموت ، الموت الذي يميت ملك الموت ، وأشد من الموت أمر الله الذي يميت الموت ، فقال الشامي : أشهد أنك ابن رسول الله حقا، وأن عليا أولى بالأمر من معاوية ، ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية ، فبعثها إلى ابن الأصفر ، فكتب إليه ابن الأصفر : يا معاوية تكلمني بغير كلامك ، وتجيبني بغير جوابك ، أقسم بالمسيح ما هذا جوابك ، وما هو إلا من معدن النبوة ، وموضع الرسالة ، وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك).

 

الإمام الجواد يرد على يحيى بن الأكثم قبل تزويجه بابنة المأمون.

الثاني والثلاثون وفيه عن الريان بن شبيب قال : (لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ، بلغ ذلك العباسيين ، فغلظ عليهم ذلك ، واستنكروا منه ، وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا (عليه السلام) ، فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه ، فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا (عليه السلام) ، فإنا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله، وينتزع منا عزا قد ألبسناه الله ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا (عليه السلام) ما عملت ، وكفانا الله المهم من ذلك ، فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا ، واصرف رأيك عن ابن الرضا (عليه السلام) ، واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره ، فقال لهم المأمون : أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ، ولو أنصفتم القوم لكان أولى بكم ، وأما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، ووالله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا ، ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى ، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه ، والأعجوبة فيه بذلك ، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه ، فيعلموا أن الرأي ما رأيت ، فقالوا : إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه ، فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك ، فقال لهم : ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم ، وإن هذا من أهل بيت علمهم من الله تعالى ، ومواده وإلهامه ، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال ، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله ، قالوا : لقد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه ، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة ، فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في حقه، وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه ، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه ، فقال لهم المأمون : شأنكم وذلك متى أردتم ، فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم ، وهو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك وعادوا إلى المأمون،  فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع ، فأجابهم إلى ذلك ، واجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، وحضر معهم يحيى بن أكثم ، وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست، ويجعل له فيه مسورتان ، ففعل ذلك وخرج أبو جعفر (عليه السلام) - وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر - فجلس بين المسورتين ، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، فقام الناس في مراتبهم ، والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (عليه السلام) ، فقال يحيى بن أكثم للمأمون: تأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة ، فقال المأمون : استأذنه في ذلك ، فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : سل إن شئت ، فقال يحيى : ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : قتله في حل أو حرم ، عالما كان المحرم أو جاهلا ، قتله عمدا أو خطأ، حرا كان المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا ، مبتدئا بالقتل أو معيدا ، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها من صغار الصيد أم من كباره ، مصرا على ما فعل أو نادما، في الليل كان قتله للصيد أم بالنهار ، محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما ، فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج ؛ حتى عرف جماعة أهل المجلس عجزه فقال المأمون : الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ، ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم : أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ، ثم أقبل إلى أبي جعفر فقال له :أتخطب يا أبا جعفر ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك ، فقد رضيتك لنفسي ، وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي، وإن رغم أنوف قوم لذلك ، فقال أبو جعفر: الحمد لله إقرارا بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته ، وصلى الله على سيد بريته والأصفياء من عترته، أما بعد ، فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه ﴿وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم﴾  ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون ، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد (عليه السلام) ، وهو خمسمائة درهم جيادا، فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور ؟ فقال المأمون :نعم قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور ، فهل قبلت النكاح؟ قال أبو جعفر (عليه السلام) : نعم قد قبلت ذلك ، ورضيت به فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم من الخاصة والعامة ، قال الريان : ولم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه الملاحين في محاوراتهم ، فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة تشد بالحبال من الإبريسم على عجلة مملوة من الغالية، فأمر المأمون أن تخضب لحى الخاصة من تلك الغالية [ففعلوا ذلك ثم مدت إلى دار العامة فتطيبوا بها ، ووضعت الموائد فأكل الناس ، وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم ، فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك ، إن رأيت أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم ، لنعلمه ونستفيده ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : نعم إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل ، وكان الصيد من ذوات الطير ، وكان من كبارها فعليه شاة، وإن أصابه في الحرم ، فعليه الجزاء مضاعفا ، وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن ، فإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ ، فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة ، وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبيا فعليه شاة ، فإن كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة ، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه ، وكان إحرامه للحج نحره بمنى ، وإن كان إحرام بعمرة نحره بمكة ، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء ، وفي العمد عليه المأثم، وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفارة على الحر في نفسه ، وعلى السيد في عبده ، والصغير لا كفارة عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة ، فقال المأمون: أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك ، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك ، فقال أبو جعفر ليحيى : أسألك ؟ قال : ذلك إليك جعلت فداك ، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه ، فلما ارتفع النهار حلت له ، فلما زالت الشمس حرمت عليه ، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه ، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه ، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة ؟وبم حلت له ، وحرمت عليه ؟ فقال له يحيى بن أكثم: لا والله لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال ، ولا أعرف الوجه فيه ، فإن رأيت أن تفيدنا، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار ، فكان نظره إليها حراما عليه ، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له ، فلما كان عند الظهر أعتقها ، فحرمت عليه ، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له ، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه ، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له ، فلما كان نصف الليل طلقها تطليقة واحدة فحرمت عليه ، فلما كان عند الفجر راجعها ، فحلت له، قال : فأقبل المأمون على من حضر من أهل بيته، وقال لهم : هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب؟ أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال، قالوا : لا والله إن أمير المؤمنين أعلم بما رأى ، فقال : ويحكم إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل ، وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال ، أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدع أحدا في سنه غيره ، وبايع الحسن والحسين (عليه السلام) وهما دون الست سنين، ولم يبايع صبيا غيرهما ، أولا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم، وأنهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم ، قالوا : صدقت يا أمير المؤمنين ثم نهض القوم ، فلما كان من الغد حضر الناس، وحضر أبو جعفر (عليه السلام) ، وصار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وأبي جعفر (عليه السلام) ، فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة ؛ فيها بنادق مسك وزعفران معجون في أجواف تلك البنادق ، ورقاع مكتوبة بأموال جزيلة، وعطايا سنية وإقطاعات ، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته ، فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها ، والتمسه فأطلق له ، ووضعت البدر، فنثر ما فيها على القواد وغيرهم، وانصرف الناس ، وهم أغنياء بالجوائز والعطايا، وتقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين ، ولم يزل مكرما لأبي جعفرمعظما لقدره مدة حياته يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته)، هي.

يقول مصنف هذا الكتاب : إن قضايا أمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين وأجوبتهم عن المسائل المعضلة كثيرة جدا ، مذكورة في أصول الأصحاب وكتب المناقب وغيرها من أرادها فليطلبها من مظانها ، وإنما اقتصرنا في هذا الكتاب على أغربها وأعجبها في الأنظار لتكون أنموذجا من الباقي ؛ لأن كتابنا هذا مقصور على عدد مخصوص لا يسعنا التجاوز عنه ، فإذا استوفينا الأخبار الواردة في باب واحد ربما يفوتنا ما سواهم من ذلك والسلام.

 

أمير المؤمنين فسَّر قول الناقوس الذي ضربه الديراني.

الثالث والثلاثون معاني الأخبار حدثنا صالح بن عيسى العجلي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي الفقيه قال : حدثنا أبو نصر الشعراني في مسجد حميد قال : حدثنا سلمة بن [صالح الوضاح ، عن أبيه ، عن أبي إسرائيل ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن عاصم بن ضمرة، عن الحارث الأعور قال : (بينا أنا أسير مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الحيرة ، إذا نحن بديراني يضرب بالناقوس ، قال: فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : يا حارث أتدري ما يقول هذا الناقوس ؟ قلت الله ورسوله وابن عم رسوله أعلم ، قال : إنه يضرب مثل الدنيا وخرابها ، ويقول : لا إله إلا الله حقا حقا صدقا صدقا ، إن الدنيا قد غرتنا وشغلتنا واستهوتنا واستغوتنا ، يا بن الدنيا مهلا مهلا ، يا بن الدنيا دقا دقا ، يا ابن الدنيا جمعا جمعا ، تفني الدنيا قرنا قرنا ، ما من يوم يمضي عنا إلا وهن منا ركنا ، قد ضيعنا دارا تبقى ، واستوطنا دارا تفنى، لسنا ندري ما فرطنا فيها إلا لو قد متنا ، قال الحارث: يا أمير المؤمنين ، النصارى يعلمون ذلك ؟ قال : لو علموا ذلك لما اتخذوا المسيح إلها من دون الله عز وجل ، قال : فذهبت إلى الديراني ، فقلت له: بحق المسيح عليك لما ضربت بالناقوس على الجهة التي تضربها ، قال : فأخذ يضرب وأنا أقول حرفا حرفا حتى بلغ إلى قوله إلا لو قد متنا ، فقال : بحق نبيكم ، من أخبرك بهذا ؟ قلت : قال الرجل الذي كان معي أمس ، قال : وهل بينه وبين النبي من قرابة ؟ قلت : هو ابن عمه ؟ قال : بحق نبيكم ، أسمع هذا من نبيكم ؟ قال : قلت : نعم ، فأسلم ، ثم قال لي : والله إني وجدت في التوراة أنه يكون في آخر الأنبياء نبي ، وهو يفسر ما يقول الناقوس)، هي.

 

يسلم على يد أمير المؤمنين الديراني وصحبه

الرابع والثلاثون عن كتاب أحسن الكبار للقشري ، عن ابن عباس وعمار ابن ياسر وجابر بن عبد الله ومالك الأشتر والمقداد بن الأسود Q قالوا: (بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) متوجه إلى الشام إذ عرج يوما عن الطريق إلى البيداء ، فسأله الأصحاب عن ذلك ، فقال : إني أرى ما لا ترون ، إن في هذا القاع ديرانيا على دين المسيح قد علق عليه الزنار، وجعل يضرب بالناقوس، فأريد أن أهديه ، وأقطع زناره ، وأكسر ناقوسه ، وإن أردتم مرافقتي فسيروا معي، وإلا فاثبتوا هاهنا فصحبه أصحابه حتى إذا قربوا من الدير تطلع الديراني، ورأى أمير المؤمنين (عليه السلام) كالبدر يضيء من بين النجوم ، فأقبل عليه وقال: أيها الفتى ، من أين وإلى أين ؟ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :جئت من المدينة وأريد الشام للغزاة، قالوا : فسطع نور الإيمان في قلب الديراني من بركة رؤية أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال : فأنت من الملائكة أم من الآدميين ؟ فقال علي (عليه السلام) : لست من الملائكة، ولكني مقتدى الإنس والجان والملائكة ، فقال الديراني: إني لأقرأ في الإنجيل اسم طاب طاب ، فأنت هو ؟ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنما طاب طاب اسم محمد المصطفى ، واسمي في الإنجيل شنطيا ، فقال الديراني : إني أقرأ في التوراة ميد ميد ، فأنت هو؟ قال :لا إنما ميد ميد هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، واسمي في التوراة إيليا ، قال : فأنت المسيح ، وقد نزلت من السماء لتزيل التعب والعناء عن أهل الإيمان ، قال : لست بالمسيح ولكن المسيح من شيعتي وموالي ، قال : فأنت موسى ، وقد جئت بالعصا واليد البيضاء لتري الناس الآيات والمعجزات ، فقال : لست بموسى، ولكن موسى من شيعتي وممن يواليني ، فقال الديراني : فبحق المعبود إلا ما أخبرتني من أنت ؟ وما اسمك؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن لي عند كل قوم لإسما ، فاسمي عند العرب هل أتى ، وعند أهل الطائف تحميد ، وعند أهل المكة باب البلد ، وعند أهل السماء أحد، وعند الترك إيليا ، وعند الزنج مجيلان ، وعند الإفرنج حامي عيسى ، وعند أهل الخطا بوليا ، وعند أهل العراق أمير النحل ، وعند أهل خراسان حيدر، وفي السماء الأولى عبد الحميد ، وفي الثانية عبد الصمد، وفي الثالثة عبد المجيد ، وفي الرابعة ذو العلا ، وفي الخامسة المزكى ، وفي السادسة رب العلا ، وفي السابعة العلي الأعلى سماني الله عز وجل بأمير المؤمنين، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأبي تراب ، وأبي بأبي الحسن ، وأمي بأبي العشر ، قالوا : فلما سمع الديراني ذلك أخذ يضرب الناقوس ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) :تدري ما يقول هذا الناقوس؟ قال الديراني: وأنى لي بذلك ! فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن سليمان كان يعلم منطق الطير والنمل ، وأنا وصي محمد المصطفى، فليس ببدع أن أفسر لك ما يقول ناقوسك ، ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنه يقول : سبوح قدوس رؤوف، أنت حق أنت حق ، ثم علمه تسبيحا من لسان الناقوس ، فلما رأى الديراني هذه الآية الباهرة من أمير المؤمنين (عليه السلام) ؛ ألقى نفسه من أعلى الدير إليه ، فأمر الله ملكا فقبضه في الهواء ، ووضعه على الأرض ، ولما وصل إلى الأرض شهق شهقة ، فاجتمع إليه أربعمائة نصراني ممن كانوا معه في الدير ، وسألوه عما جرى عليه فقال: إني قرأت في الإنجيل أن فتى صبيح الوجه يقدم هذا الدير ؛ من آمن به نجا، ومن عصاه هوى في النار ، قالوا : فلما سمع النصارى ذلك منه أسرعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأسلموا على يديه ، والحمد لله على دين الإسلام).

 

علة سماع الرسول صوت علي في السماوات عند عروجه إليها

الخامس والثلاثون مدينة المعاجز للسيد العلامة التوبلي  عن عمر ابن إبراهيم الأوسي قال : روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : (لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء وقف جبرئيل في مقامه ، وغبت عن تحية كل ملك وكلامه ، وصرت بمقام انقطعت عني فيه الأصوات ، وتساوى عندي الأحياء والأموات ؛ اضطرب قلبي ، وتضاعفت كربي، فسمعت مناديا ينادي بلغة علي بن أبي طالب (عليه السلام) : قف يا محمد فإن ربك يصلي ، فقلت : كيف يصلي وهو غني عن الصلاة لأحد ؟ كيف بلغ علي هذا المقام ؟ فقال الله تعالى : اقرأ يا محمد : هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ، وصلاتي رحمة لك ولأمتك ، فأما سماعك صوت علي ، فإن أخاك موسى لما جاء الجبل الطور ، وعاين ما عاين من [عظيم الأمور أذهله ما رآه عما يلقى إليه ، فشغلته عن الهيبة بذكر [الله أحب الأشياء إليه ؛ وهي العصا إذ قلت له : وما تلك بيمينك يا موسى ، ولما كان علي أحب الناس إليك ناديناك بلغته وكلامه ؛ ليسكن ما بقلبك من الرعب ولتفهم ما يلقى إليك ، قال : ولي فيها مآرب أخرى ، بها ألف معجزة ليس هذا موضع ذكرها).

 

الحق يهنئ أمير المومنين بعد تناوله الرطب من يد رسول الله

السادس والثلاثون عن كتاب مجمع البحرين في فضائل السبطين قال: روي عن الصحابة الصادقين (أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أبوك اليوم ضيفك ، فقالت فاطمة (عليه السلام) : الحسن والحسين يطالبان بشيء من الزاد ، ولم يكن في منزلي شيء من القوت ، فدخل أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) فجلسوا عنده ، فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء ساعة وإذا بجبرئيل (عليه السلام) قد نزل من السماء ، فقال : يا رسول الله العلي الأعلى يقرؤك السلام ، ويخصك بالتحية والإكرام ، ويقول لك : قل لعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) أي شيء تطلبون من فواكه الجنة تحضر بين أيديكم ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي ويا فاطمة ويا حسن ويا حسين ، أي شيء تشتهون من فواكه الجنة تحضر بين أيديكم؟ فأمسكوا ، فقال الحسين (عليه السلام) : عن إذنك يا رسول الله ، وعن إذنك يا أمير المؤمنين، وعن إذنك يا سيدة نساء العالمين ، وعن إذنك يا حسن ، أنا أختار ، فقالوا جميعا : نعم قل يا حسين مما شئت، فقال : أريد رطبا فوافقوا على ذلك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : قومي يا فاطمة واعبري المخدع فاحضري ما فيه ، فإذا فيه مائدة من موائد الجنة ، وعليه سندسة خضراء، وفيه رطب جني في غير أوان الرطب ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة وهي حاملة المائدة : من أين لك هذا؟ قالت : هو من عند الله ، فأخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقدمه بين يديه وسمى ، وأخذ رطبة واحدة فوضعها في في الحسين (عليه السلام) ، وقال : هنيئا يا حسين ، ثم أخذ رطبة ثانية فوضعها في في الحسن (عليه السلام) وقال : هنيئا يا حسن ، ثم أخذ رطبة ثالثة فوضعها في في فاطمة وقال : هنيئا يا فاطمة ، ثم أخذ الرابعة فتركها في في أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ثم قال : هنيئا يا أمير المؤمنين ، ثم وثب قائما ، ثم جلس، ثم أخذ رطبة ثانية فوضعها في في أمير المؤمنين وقال : هنيئا لأمير المؤمنين، ثم وثب قائما ، ثم جلس ، ثم أخذ رطبة ثالثه فوضعها في في أمير المؤمنين ثم قال: هنيئا لأمير المؤمنين ، ثم وثب قائما وقعد ، ثم أكلوا جميعا وارتفعت المائدة إلى السماء ، فقالت فاطمة (عليه السلام) : لقد رأيت يا رسول الله منك اليوم عجبا، فقال : يا فاطمة أما الرطبة الأولى التي وضعتها في في الحسين سمعت ميكائيل وإسرافيل يقولان : هنيئا يا حسين ، فقلت موافقا لهما : هنيئا يا حسين ، ثم أخذت الرطبة الثانية فوضعتها في في الحسن ، فسمعت جبرئيل وميكائيل يقولان : هنيئا يا حسن ، فقلت موافقا لهما : هنيئا يا حسن ، ثم أخذت الرطبة الثالثة، فوضعتها في فيك ، فسمعت الحور العين مشرفين من الجنان وهن يقلن: هنيئا يا فاطمة ، فقلت موافقا لهن : هنيئا لك يا فاطمة ، ثم أخذت الرطبة الرابعة فتركتها في فم أمير المؤمنين فسمعت صوت النداء من الحق تعالى يقول : هنيئا يا علي فقمت إجلالا لله تعالى ، ثم ثانية ، ثم ثالثة ، وأسمع صوت الحق يقول : هنيئا يا علي ، فقمت إجلالا لله تعالى ثلاث مرات ، فسمعت الحق يقول : وعزتي وجلالي لو ناولت عليا من الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت هنيئا هنيئا).

أقول ورواه المجلسي  في البحار ، عن بعض مؤلفات أصحابنا بأيسر مغايرة لفظية ، وكذا الطريحي في المنتخب ، والسيد التوبلي في مدينة المعاجز، وفي روايتهم جميعا هنيئا مريئا في جميع المواضع، هي.

عندما خلق الله عز وجل نبيه محمد ووصيه أمير المؤمنين

السابع والثلاثون مدينة المعاجز عن أبي مخنف بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مولد علي (عليه السلام) ، قال: يا جابر، سألت عجيبا عن خير مولود، اعلم أن الله تعالى لما أراد أن يخلقني ويخلق عليا (عليه السلام) قبل كل شئ ؛ خلق درة عظيمة أكبر من الدنيا عشر مرات، ثم إن الله تعالى استودعنا في تلك الدرة، فمكثنا فيها مائة ألف عام نسبح الله تعالى ونقدسه، فلما أراد إيجاد الموجودات نظر إلى الدرة بعين التكوين، فذابت وانفجرت نصفين، فجعلني ربي في النصف الذي احتوى على النبوة، وجعل عليا (عليه السلام) في النصف الذي احتوى على الإمامة. ثم خلق الله تعالى من تلك الدرة مائة بحر، فمن بعضه بحر العلم، وبحر الكرم، وبحر السخاء، وبحر الرضا، وبحر الرأفة، وبحر الرحمة، وبحر العفة، وبحر الفضل، وبحر الجود، وبحر الشجاعة، وبحر الهيبة، وبحر القدرة، وبحر العظمة، وبحر الجبروت، وبحر الكبرياء، وبحر الملكوت، وبحر الجلال، وبحر النور، وبحر العلو، وبحر العزة، وبحر الكرامة، وبحر اللطف، وبحر الحكم، وبحر المغفرة، وبحر النبوة، وبحر الولاية، فمكثنا في كل بحر من البحور سبعة آلاف عام ، ثم إن الله تعالى خلق القلم وقال له: اكتب. قال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب توحيدي، فمكث القلم سكرانا من قول الله عز وجل عشرة آلاف عام، ثم أفاق بعد ذلك، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب لا إله إلا الله ، محمد رسول الله، علي ولي الله، فلما فرغ القلم من كتابة هذه الأسماء، قال: رب، ومن هؤلاء الذين قرنت اسمهما باسمك؟ قال الله تعالى: يا قلم، محمد نبيي وخاتم أوليائي وأنبيائي، وعلي وليي وخليفتي على عبادي وحجتي عليهم، وعزتي وجلالي لولاهما ما خلقتك، ولا خلقت اللوح المحفوظ، ثم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال:اكتب صفاتي وأسمائي، فكتب القلم، فلم يزل يكتب ألف عام حتى وصل عن ذلك إلى يوم القيامة، ثم إن الله تعالى خلق من نوري السماوات والأرض، والجنة والنار ، والكوثر والصراط ، والعرش والكرسي ، والحجب والسحاب، وخلق من نور علي بن أبي طالب الشمس والقمر والنجوم قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) بألفي عام، ثم إن الله تبارك وتعالى أمر القلم أن يكتب في كل ورقة من أشجار الجنة، وعلى كل باب من أبوابها وأبواب السماوات والأرض والجبال والشجر لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، ثم إن الله تعالى أمر نور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونور علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يدخلا في حجاب العظمة، ثم حجاب العزة، ثم حجاب الهيبة، ثم حجاب الكبرياء، ثم حجاب الرحمة، ثم حجاب المنزلة، ثم حجاب الرفعة، ثم حجاب السعادة، ثم حجاب النبوة، ثم حجاب الولاية، ثم حجاب الشفاعة، فلم يزالا كذلك من حجاب إلى حجاب، فكل حجاب يمكثان فيه ألف عام، ثم قال: يا جابر، اعلم أن الله تعالى خلقني من نوره، وخلق عليا من نوري، وكلنا من نور واحد، وخلقنا الله تعالى ولم يخلق سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا ولا ظلمة ولا ضياء ولا برا ولا بحرا ولا هواء، وقبل أن يخلق آدم (عليه السلام) بألفي عام، ثم إن الله تعالى سبح نفسه فسبحنا، وقدس نفسه فقدسنا، فشكر الله لنا ذلك ، وقد خلق الله السماوات والأرضين من تسبيحي، والسماء رفعها، والأرض سطحها، وخلق من تسبيح علي بن أبي طالب الملائكة، فجميع ما سبحت الملائكة لعلي بن أبي طالب وشيعته إلى يوم القيامة، ولما نفخ الله الروح في آدم (عليه السلام) قال الله: وعزتي وجلالي، لولا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك، قال آدم (عليه السلام): إلهي وسيدي ومولاي هل يكونان مني أم لا؟ قال: بلى يا آدم، ارفع رأسك وانظر، فرفع رأسه فإذا على ساق العرش مكتوب لا إله إلا الله، محمد رسول الله نبي الرحمة، وعلي مقيم الحجة، من عرفهما زكا وطاب، ومن جهلهما لعن وخاب، ولما خلق الله آدم (عليه السلام) ونفخ فيه من روحه ؛ نقل روح حبيبه ونبيه ونور وليه في صلب آدم (عليه السلام)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما أنا فاستقريت في الجانب الأيمن، وأما علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الأيسر، وكانت الملائكة يقفون وراءه صفوفا. فقال آدم (عليه السلام): يا رب، لأي شيء تقف الملائكة ورائي؟ فقال الله تعالى: لأجل نور ولديك اللذين هما في صلبك ؛ محمد بن عبد الله وعلي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، ولولاهما ما خلقت الأفلاك، وكان يسمع في ظهره التقديس والتسبيح. قال: يا رب، اجعلهما أمامي حتى تستقبلني الملائكة، فحولهما تعالى من ظهره إلى جبينه، فصارت الملائكة تقف أمامه صفوفا، فسأل ربه أن يجعلهما في مكان يراه، فنقلنا الله من جبينه إلى يده اليمنى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما أنا كنت في إصبعه السبابة، وعلي في إصبعه الوسطى، وابنتي فاطمة في التي تليها، والحسن في الخنصر، والحسين في الإبهام، ثم أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام) ، فسجدوا تعظيما وإجلالا لتلك الأشباح، فتعجب آدم من ذلك فرفع رأسه إلى العرش، فكشف الله عن بصره فرأي نورا، فقال : إلهي وسيدي ومولاي، وما هذا النور؟ فقال: هذا نور محمد صفوتي من خلقي، فرأى نورا إلى جنبه ، فقال: إلهي وسيدي ومولاي، وما هذا النور؟ فقال : هذا نور علي بن أبي طالب (عليه السلام) وليي وناصر ديني ، فرأى إلى جنبهما ثلاثة أنوار، فقال: إلهي، وما هذه الأنوار؟ فقال : هذا نور فاطمة، فطم محبيها من النار، وهذان نورا ولديهما الحسن والحسين ، فقال : أرى تسعة أنوار قد أحدقت بهم، فقيل: هؤلاء الأئمة من ولد علي بن أبي طالب وفاطمة (عليهم السلام) فقال: إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلا ما عرفتني التسعة من ولد علي (عليه السلام)، فقال: علي بن الحسين، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، ثم موسى الكاظم، ثم علي الرضا، ثم محمد الجواد، ثم علي الهادي، ثم الحسن العسكري، ثم الحجة القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين. فقال: إلهي وسيدي، إنك قد عرفتني بهم فاجعلهم مني، ويدل على ذلك قوله تعالى﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾ ).

أقول: قد مضى بعض الأخبار في كيفية خلقة نور النبي وأنوار الأئمة الطاهرين سلام الله عليه وعليهم أجمعين ، ويأتي بعض آخر منها أيضا في مولد أمير المؤمنين (عليه السلام) في القسم الثاني من الكتاب إن شاء الله العزيز، وهي كما ترى مختلفة ظاهرا في الكيفية ، ومدد التقدم ، والسبق على الخلق أو على آدم خاصة أو على سائر النبيين ، وغير ذلك من الأمور، وليس من باب التناقض كما يحسبه القاصرون ، وإنما ذلك من باب الاعتبارات والحيثيات التي تختلف في أمر واحد ، ومن جهة الإجمال في بعض والتفصيل في آخر وأمثال ذلك، ومنه اختلاف مدد التقدم ، فإن الهادين (عليهم السلام) ربما يعبرون عن تقدم شيء على شيء بيوم واحد ويريدون به خمسين ألف سنة ؛ لكون امتداد ذلك اليوم بتلك المدة وهكذا، فباختلاف الاعتبارات تختلف العبارات عن مدة واحدة بتعبيرات مختلفة من الأيام والأسابيع والشهور والأعوام، وكذا مسافات البعيد والقريب بين شيئين. هذا وليكن عندك معلوما أن كثيرا من المدد والمسافات الواردة في الآيات والأخبار ؛ ليس المراد بها المدد الزمانية والأبعاد المكانية الحسيتين ، وإنما المراد بها التقدمات الذاتية والرتبية والشرفية الدهرية والسرمدية والأبعاد والمسافات كذلك ، وليس لقلبي الآن إقبال على شرح ذلك مفصلا ؛ لحاجته إلى مقدمات عديدة طويلة أكثرها خفية على أهل الزمان ، والقلب عن ذلك عليل ، واللسان كليل لدواع وأسباب جاذبة للهموم ، ليس يرجى الخلاص منهن إلا بذمام من سيد الرسل طه، وإنما أشرنا إلى شيء من ذلك تنبيها للطالب المرتاد ليطلبه من مظانه ، ومن له مراجعة وأنس بكتب الحكماء في الطبيعي المكتوم ، واختلاف تعبيراتهم عن عمل واحد بعبارات مختلفة ، ومدد في درجات العمل متفاوتة يعرف وجوه اختلاف الأخبار فيما ذكرناه وفي غيره من المقامات ، والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.

 

علة تسمية الحسن عليه السلام بالحسن.

الثامن والثلاثون عن مناقب ابن شاذان بسنده ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (سمي الحسن حسنا لأن بإحسان الله قامت السماوات والأرض ، والحسن مشتق من الإحسان، وعلي والحسن اسمان مشتقان من أسماء الله تعالى ، والحسين تصغير الحسن).

 

إن الله يناجي ويوصي بأمير المومنين .

التاسع والثلاثون عن الاختصاص علي بن محمد بن علي بن سعد، عن حمدان بن سليمان النيسابوري قال : حدثني عبد الله بن محمد اليماني، عن منيع ، عن يونس ، عن علي بن أعين ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي رافع قال: (لما بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ببراءة مع أبي بكر ؛ أنزل الله تبارك وتعالى عليه تترك من ناجيته غير مرة وتبعث من لم أناجه ، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ البراءة منه ، ودفعها إلى علي (عليه السلام) ، فقال له علي (عليه السلام) : أوصني يا رسول الله ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الله يوصيك ويناجيك ، فناجاه يوم البراءة من قبل صلاة الأولى إلى صلاة العصر).

 

الله يناجي علياً يوم غسل الرسول

الأربعون وعنه بهذا الإسناد عن أبي رافع (أن الله ناجى عليا (عليه السلام) يوم غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ).

أقول : إن أخبار المناجاة قد تكررت في كتب الخاصة والعامة ، وقد أوردنا بعضا منها مضافا إلى ما هنا في الجزء الأول من الكتاب والمذكوران  هاهنا غير تلك ، فليس من باب التكرار. 

 

رأى النبي ليلة المعراج في السماء أهل الكساء

الحادي والأربعون مدينة المعاجز للسيد التوبلي  عن الحافظ البرسي في كتابه عن ابن عباس (أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة المعراج رأى عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) في السماء فسلم عليهم وقد فارقهم في الأرض). 

 

الأمين جبرائيل يهبط على النبي بجام من البلور الأحمر

الثاني والأربعون أمالي الشيخ  قال: أخبرنا الحفار، قال: حدثنا علي بن أحمد الحلواني، قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن القاسم المقرئ، قال: حدثنا الفضل بن حباب الجمحي، قال حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن أبان، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، قال : (كنا جلوسا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ هبط عليه الأمين جبرئيل (عليه السلام) ومعه جام من البلور الأحمر مملوءة مسكا وعنبرا، وكان إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام) وولداه الحسن والحسين (عليهم السلام) فقال له: السلام عليك، الله يقرأ عليك السلام، ويحييك بهذه التحية، ويأمرك أن تحيي بها عليا وولديه. قال ابن عباس: فلما صارت في كف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هللت ثلاثا، وكبرت ثلاثا، ثم قالت بلسان ذرب طلق - يعني الجام -: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾، فاشتمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  وحيا بها عليا (عليه السلام)، فلما صارت في كف علي (عليه السلام) قالت: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾، فاشتمها علي (عليه السلام) وحيا بها الحسن (عليه السلام)، فلما صارت في كف الحسن قالت: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون﴾، فاشتمها الحسن (عليه السلام) وحيا بها الحسين (عليه السلام)، فلما صارت في كف الحسين (عليه السلام) قالت: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور﴾ ، ثم ردت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الله نور السماوات والأرض﴾. قال ابن عباس: فلا أدري إلى السماء صعدت ، أم في الأرض توارت بقدرة الله عز وجل).

 

تُرد حسنات أعداء أهل البيت إلى شيعتهم .

الثالث والأربعون العلل أبي  قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن أحمد عن أحمد بن محمد السياري قال : حدثنا محمد بن عبد الله ابن مهران الكوفي قال : حدثني حنان بن سدير عن أبيه عن أبي إسحاق الليثي قال : (قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يا ابن رسول الله أخبرني عن المؤمن المستبصر إذا بلغ في المعرفة وكمل هل يزني؟، قال: اللهم لا، قلت: فيلوط، قال: اللهم لا، قلت: فيسرق، قال: لا، قلت: فيشرب الخمر، قال: لا، قلت: فيأتي بكبيرة من هذه الكبائر أو فاحشة من هذه الفواحش، قال: لا، قلت: فيذنب ذنبا، قال: نعم هو مؤمن مذنب ملم،قلت: ما معنى ملم، قال: الملم بالذنب لا يلزمه ولا يصير عليه، قال فقلت: سبحان الله ما أعجب هذا لا يزني ولا يلوط ولا يسرق ولا يشرب الخمر ولا يأتي بكبيرة من الكبائر ولا فاحشة، فقال: لا عجب من أمر الله إن الله تعالى يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فمم عجبت يا إبراهيم سل ولا تستنكف ولا تستحي فإن هذا العلم لا يتعلمه مستكبر ولا مستحي، قلت: يا ابن رسول الله إني أجد من شيعتكم من يشرب الخمر ويقطع الطريق ويخيف السبيل ويزني ويلوط ويأكل الربا ويرتكب الفواحش ويتهاون بالصلاة والصيام والزكاة ويقطع الرحم ويأتي الكبائر، فكيف هذا؟ ولم ذاك؟ فقال: يا إبراهيم هل يختلج في صدرك شي‏ء غير هذا؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله أخرى أعظم من ذلك، فقال: وما هو يا أبا إسحاق؟ قال فقلت: يا ابن رسول الله وأجد من أعدائكم ومناصبيكم من يكثر من الصلاة ومن الصيام ويخرج الزكاة ويتابع بين الحج والعمرة ويحرص على الجهاد ويؤثر على البر وعلى صلة الأرحام ويقضي حقوق إخوانه ويواسيهم من ماله ويتجنب شرب الخمر والزناء واللواط وسائر الفواحش فمم ذاك؟ ولم ذاك؟ فسره لي يا ابن رسول الله وبرهنه وبيّنه فقد والله كثر فكري وأسهر ليلي وضاق ذرعي، قال: فتبسم الباقر - صلوات الله عليه - ثم قال: يا إبراهيم خذ إليك بيانا شافيا فيما سألت وعلما مكنونا من خزائن علم الله وسره، أخبرني يا إبراهيم كيف تجد اعتقادهما؟ قلت: يا ابن رسول الله أجد محبيكم وشيعتكم على ما هم فيه مما وصفته من أفعالهم لو أعطي أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهبا وفضة أن يزول عن ولايتكم ومحبتكم إلى موالاة غيركم وإلى محبتهم ما زال ولو ضربت خياشيمه بالسيوف فيكم ولو قتل فيكم ما ارتدع ولا رجع عن محبتكم وولايتكم، وأرى الناصب على ما هو عليه مما وصفته من أفعالهم لو أعطي أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهبا وفضة أن يزول عن محبة الطواغيت وموالاتهم إلى موالاتكم ما فعل ولا زال ولو ضربت خياشيمه بالسيوف فيهم ولو قتل فيهم ما ارتدع ولا رجع وإذا سمع أحدهم منقبة لكم وفضلا اشمأز من ذلك وتغير لونه ورئي كراهية ذلك في وجهه بغضا لكم ومحبة لهم، قال: فتبسم الباقر (عليه السلام) ثم قال: يا إبراهيم هاهنا هلكت العاملة الناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ومن أجل ذلك قال تعالى ﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا﴾ ويحك يا إبراهيم أتدري ما السبب والقصة في ذلك وما الذي قد خفي على الناس منه؟ قلت: يا ابن رسول الله فبينه لي واشرحه وبرهنه، قال: يا إبراهيم إن الله تبارك وتعالى لم يزل عالما قديما خلق الأشياء لا من شيء ومن زعم أن الله تعالى خلق الأشياء من شيء فقد كفر، لأنه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الأشياء قديما معه في أزليته وهويته كان ذلك الشيء أزليا، بل خلق الله تعالى الأشياء كلها لا من شيء فكان مما خلق الله تعالى أرضا طيبة ثم فجر منها ماء عذبا زلالا فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام طبقها وعمها ثم أنضب ذلك الماء عنها فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا فجعله طين الأئمة (عليهم السلام) ثم أخذ ثفل ذلك الطين فخلق منه شيعتنا ولو ترك طينتكم يا إبراهيم على حاله كما ترك طينتنا لكنتم ونحن شيئا واحدا، قلت: يا ابن رسول الله فما فعل بطينتنا؟ قال: أخبرك يا إبراهيم خلق الله تعالى بعد ذلك أرضا سبخة خبيثة منتنة ثم فجر منها ماء أجاجا آسنا مالحا فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فلم تقبلها فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها ثم نضب ذلك الماء عنها ثم أخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغاة وأئمتهم ثم مزجه بثفل طينتكم ولو ترك طينتهم على حالها ولم يمزج بطينتكم لم يشهدوا الشهادتين ولا صلوا ولا صاموا ولا زكوا ولا حجوا ولا أدوا الأمانة ولا أشبهوكم في الصور وليس شيء أكبر على المؤمن من أن يرى صورة عدوه مثل صورته، قلت: يا ابن رسول الله فما صنع بالطينتين؟ قال مزج بينهما بالماء الأول والماء الثاني ثم عركها عرك الأديم ثم أخذ من ذلك قبضة فقال: هذه إلى الجنة ولا أبالي، وأخذ قبضة أخرى وقال: هذه إلى النار ولا أبالي، ثم خلط بينهما فوقع من سنخ المؤمن وطينته على سنخ الكافر وطينته ووقع من سنخ الكافر وطينته على سنخ المؤمن وطينته، فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك صلاة أو صوم أو حج أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه لأن من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر، وما رأيت من الناصب من مواظبته على الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وأبواب البر فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد مزج فيه لأن من سنخ المؤمن وعنصره وطينته اكتساب الحسنات واستعمال الخير واجتناب المآثم، فإذا عرضت هذه الأعمال كلها على الله تعالى قال: أنا عدل لا أجور ومنصف لا أظلم وحكم لا أحيف ولا أميل ولا أشطط، ألحقوا الأعمال السيئة التي اجترحها المؤمن بسنخ الناصب وطينته وألحقوا الأعمال الحسنة التي اكتسبها الناصب بسنخ المؤمن وطينته ردوها كلها إلى أصلها فإني أنا الله لا إله إلا أنا عالم السر وأخفى وأنا المطلع على قلوب عبادي لا أحيف ولا أظلم ولا ألزم أحدا إلا ما عرفته منه قبل أن أخلقه، ثم قال الباقر (عليه السلام):اقرأ يا إبراهيم هذه الآية، قلت: يا ابن رسول الله أية آية؟ قال: قوله تعالى ﴿قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون﴾ هو في الظاهر ما تفهمونه، هو والله في الباطن هذا بعينه، يا إبراهيم إن للقرآن ظاهرا وباطنا ومحكما ومتشابها وناسخا ومنسوخا، ثم قال: أخبرني يا إبراهيم عن الشمس إذا طلعت وبدا شعاعها في البلدان أهو بائن من القرص؟ قلت: في حال طلوعه بائن، قال: أليس إذا غابت الشمس اتصل ذلك الشعاع بالقرص حتى يعود إليه؟ قلت: نعم، قال: كذلك يعود كل شيء إلى سنخه وجوهره وأصله ،فإذا كان يوم القيامة نزع الله تعالى سنخ الناصب وطينته مع أثقاله وأوزاره من المؤمن فيلحقها كلها بالناصب وينزع سنخ المؤمن وطينته مع حسناته وأبواب بره واجتهاده من الناصب فيلحقها كلها بالمؤمن، أفترى هاهنا ظلما أو عدوانا؟ قلت: لا يا ابن رسول الله، قال: هذا والله القضاء الفاصل والحكم القاطع والعدل البين لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، هذا يا إبراهيم الحق من ربك فلا تكن من الممترين هذا من حكم الملكوت، قلت: يا ابن رسول الله وما حكم الملكوت؟ قال: حكم الله حكم أنبيائه وقصة الخضر وموسى (عليهم السلام) حين استصحبه فقال ﴿إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا﴾افهم يا إبراهيم واعقل أنكر موسى على الخضر واستفظع أفعاله حتى قال له الخضر: يا موسى ما فعلته عن أمري إنما فعلته عن أمر الله تعالى من هذا ويحك يا إبراهيم قرآن يتلى وأخبار تؤثر عن الله تعالى من رد منها حرفا فقد كفر وأشرك ورد على الله تعالى، قال الليثي: فكأني لم أعقل الآيات وأنا أقرأها أربعين سنة إلا ذلك اليوم، فقلت: يا ابن رسول الله ما أعجب هذا، تؤخذ حسنات أعدائكم فترد على شيعتكم وتؤخذ سيئات محبيكم فترد على مبغضيكم، قال: إي والله الذي لا إله إلا هو فالق الحبة وبارئ النسمة وفاطر الأرض والسماء ما أخبرتك إلا بالحق وما أنبأتك إلا الصدق وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد وإن ما أخبرتك لموجود في القرآن كله، قلت: هذا بعينه يوجد في القرآن، قال: نعم يوجد في أكثر من ثلاثين موضعا في القرآن أتحب أن أقرأ ذلك عليك؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله، فقال: قال الله تعالى ﴿وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم﴾ الآية، أزيدك يا إبراهيم؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله، قال: ﴿ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون﴾ أتحب أن أزيدك؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله قال: ﴿فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما﴾ يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات ويبدل الله حسنات أعدائنا سيئات وجلال الله إن هذا لمن عدله وإنصافه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو السميع العليم، ألم أبين لك أمر المزاج والطينتين من القرآن؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله، قال: اقرأ يا إبراهيم ﴿الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض﴾ يعني من الأرض الطيبة والأرض المنتنة ﴿فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى﴾ يقول لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته وصيامه وزكاته ونسكه لأن الله تعالى أعلم بمن اتقى منكم، فإن ذلك من قبل اللمم وهو المزاج، أزيدك يا إبراهيم؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله، قال: ﴿كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله﴾ يعني أئمة الجور دون أئمة الحق ﴿ويحسبون أنهم مهتدون﴾ خذها إليك يا أبا إسحاق فو الله إنه لمن غرر أحاديثنا وباطن سرائرنا ومكنون خزائننا، وانصرف ولا تطلع على سرنا أحدا إلا مؤمنا مستبصرا فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك).

 

تحقيق لطيف في طينة المؤمن وطينة الكافر

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: إن مسألة الخلط واللطخ من أمهات مسائل المبدأ والمعاد وقد وردت فيها أخبار عن أهل البيت (عليهم السلام) وهذا أحدها غير أنها مستورة المعنى عند كثير من أهل الفضل فطالما بحث عنها الباحثون ولم يرجعوا إلا بخفي حنين ولو أنا رمنا إيراد ماقاله الناس في المقام وبيان ما يرد عليها من النقض والإبرام خرجنا عن اقتضاء المقام مع عدم فائدة مهمة يترتب عليه فلنبين ما هو حقيقة الأمر وببيانه يبطل كلما هو على خلافه فنقول وبالله التوفيق:

إن الله عز وجل خلق نفوس الخلق متساوين في الصلوح بقبول التكليف وإنكاره بسر ما أودع فيهم من صلوح الأمرين وجمعهم  تحت النور الأخضر وكلفهم بالإقرار له بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة ولأمير المؤمنين وأولاده الطاهرين بالولاية فمنهم من آمن ومنهم من كفر فمن آمن منهم خلقه بمقتضى إيمانه خلقا ثانيا من الطينة الطيبة -طينة الإيمان- وأجرى عليها من ماء الولاية، ومن كفر خلقه بمقتضى كفره خلقا ثانيا من الطينة الخبيثة -طينة الكفر والجحود- وأجرى عليها من الماء الأجاج ماء إنكار الولاية، ولما أراد أن ينقلهم من ذلك العالم إلى عالم الأجسام دار التكليف الثاني أخذت طينة السعداء في النزول من عليين وهو مبدؤها الذي أخذت منه وطينة الأشقياء في الصعود من سجين وهو مبدؤها الذي أخذت منه فاختلط كل من الطينتين بالآخر في الطبيعة الجسمانية إلى أن اجتمعوا في الدنيا، وذلك ما ترى من اختلاط طينة جميع الناس في غيوب الأفلاك والعناصر والمعادن والنبات والحيوان فإن نطف الخلق لما نزلت من عالم الملكوت استجنت في خزائن تلك الأشياء المذكورة إلى أن استقرت في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات بواسطة المآكل والمشارب فهذا هو معنى الخلط بين الطينتين ومن هنا يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن وهو تأويل قوله تعالى ﴿يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي﴾.

هذا ومن البين أن المجاورة والمصاحبة والممازجة بين شيئين مما يوجب التأثير والتأثر من طبع كل منهما في الآخر بشرط وجود الاستعداد لذلك في طبع المنفعل، فبمقدار استعداده ينفعل من طبع ما يجاوره ويمازجه ومثاله الماء المنفعل من الأراييح الطيبة والخبيثة ونظائر ذلك ولما كانت طينة الأنبياء والأوصياء والممتحنين من المؤمنين في كمال قوة الإجابة الموجبة لانضعاف جهة ظلمة الإنية فيهم بحيث لا تقتضي العصيان لا بنفسها ولا بمعونة مجاورة الغير لها لم يؤثر فيها هذا الخلط والممازجة فبقيت على الصرافة الأصلية، وكذا طينة رؤساء الكفار والمنافقين في جانب العكس. وأما سائر الخلق من الفريقين فحيث إن طينتهم ضعيفة الإجابة وذلك موجب لا محالة لبقاء شيء من أحكام ظلمة الإنية في المؤمنين ونور الوجود في المنكرين وهو يوجب استعداد الانفعال من لطخ طينة المجاور فلا جرم تأثرت تلك الطين - بكسر الطاء وفتح الياء - بعضها من طبع بعض عند النزول والامتزاج في الخزائن العلوية والسفلية فصار المؤمن الضعيف في دار الدنيا مصدر القبائح والشرور والكافر مصدرا للحسنات والخيرات، مع أن طينة المؤمن نورانية لا تقتضي بالذات الشرور وطينة الكافر ظلمانية لا تقتضي بالذات الخيرات، فالمؤمن من حيث هو لو خلي وطبعة لم يفعل إلا الخير وإن كان قادرا على الشر كونا، والكافر من حيث هو لو خلي وطبعه لم يفعل إلا الشر وإن كان قادرا على الخير كونا، لكن المجاورة أثرت في كل منهما حتى صارا بالعرض منشأين لما لا يقتضي طبعهما الشرعي وإن كانا بالطبع الكوني قادرين مختارين، فإذا أخذ كل من الفريقين في العود يقتضي حكم العدل أن يرجع أثر كل شيء إلى أصله فيلحق الله الأعمال الحسنة التي صدرت عن الكافر بالمؤمن والسيئة التي صدرت عن المؤمن بالكافر كما نطق به الحديث الشريف وما في معناه من الأخبار.

فإن قيل متقضى هذا التفصيل هو أن لا يعذب المؤمن المسيء بأعماله السيئة أبدا لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة، وكذا لا يخفف عن الكافر ولا يجازى بالأعمال الحسنة في شيء من الدور الثلاث أبدا وكلا الأمرين خلاف المعروف من المذهب، وأيضا إذا كان كل من الحسنة والسيئة يلحق بأصله فما الفائدة في هذا الخلط واللطخ؟

قلنا: هذا الحرف هو الذي خفي على كثير من الناس فتاهوا في بيداء الخيال والوسواس وكشف الحيرة بأن طينة المؤمن وإن كانت لو خليت وطبعها لم تمل إلى المعصية ولا تكون مصدرا لها، وكذا طينة الكافر في العكس لكن قد أشرنا في طي الكلام إلى أنه لا بد في كل من الطينتين في قبول أثر اللطخ من وجود استعداد قريب لذلك بحيث إذا لحقه معين جعله منشأ للأثر الحاصل من اللطخ والخلط بالفعل، وذلك الاستعداد منشؤه ضعف الإجابة في المؤمن وضعف الإنكار في الكافر وكلا الضعفين ناشئان منهما باختيارهما، فالسيئة في المؤمن لها منشآن أحدهما ذاتي وهو اللطخ ولذا يخلد بها الكافر في النار والآخر عرضي وهو ذلك النقص الموجود في المؤمن الموجب لتعلق اللطخ به ومن جهة كون ذلك النقص منشأ لتلك المعصية بالعرض لا يكون المؤمن بها مخلدا في العذاب بل يؤول مآله إلى النعيم وكذا الحسنة في الكافر حذو النعل بالنعل، وحيث عرفت هذا التفصيل عرفت أنه لا تنافي بين لحوق كل من الحسنة والسيئة بأصله وبين تعذيب المؤمن بعصيانه مدة منقطعة إن لم تلحقه شفاعة شافع وتخفيف العذاب من الكافر كذلك وكذا عرفت أن فائدة الخلط واللطخ إبراز ما في كمون كل من المؤمن والكافر مما هو مستعد بطبعه له ليتم التكليف والجزاء على النحو الأتم فافهم واغتنم.

وأحب نقل كلامين لشيخنا الأعظم العلام الإحسائى أنار الله برهانه في المقام لاشتمالهما على دفع الإشكالين المذكورين وزيادة.

قال أعلى الله مقامه في شرح الجامعة في شرح قوله (عليه السلام) : (وجعل صلواتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم ...إلخ) ما هذا عبارته: وكفارة لذنوبهم ؛ لأن قبولهم الولاية دخولهم في الرحمة التي هي تلك الصلوات التي جعلها الله منهم عليهم تزكية لهم ، فلم يكن في حقيقتهم ظلمة تقتضي مقارنة الذنوب، ولكن حين كسروا بعد التكليف الأول، ورجعوا إلى الطين أصابهم لطخ من مجاورة أهل النار ، وبذلك اللطخ قارنوا الذنوب ، ولما كانت هذه الذنوب ليست من حقيقتهم ، وإنما هي من لطخ طينة أعداء أئمتهم (عليهم السلام) ؛ اقتضت الحكمة أن ترجع تلك الذنوب إلى أولئك الأعداء ؛ لأنها من طينتهم كما هو شأن العدل.

نعم إن ذلك اللطخ إنما جاز أن يتعلق بالمؤمن الذي حقيقته من نور، مع أن ذلك اللطخ ظلمة ، لأن في المؤمن شيئا من الظلمة وهو الذي تقوّم به وجوده، وهو وإن كان قد استولى عليه نور الوجود بحيث لا يقتضي من نفسه الذنوب إلا بمعونة غيره ، إلا إنه قد بقيت فيه شائبة الظلمة والسواد ، فلهذا يكون لونه أزرق ، وهذه الزرقة من لون تلك الظلمة المشوبة بالنور ، فكان بينه وبين ذلك اللطخ مناسبة ، فتعلق به اللطخ المقتضي للمعصية ، فكان ذلك الشيء بضمه إلى ذلك اللطخ صالحا للمعصية ، فكانت هذه الذنوب وقعت بمقتضيين : مقتضى ذاتي وهو اللطخ ، ومقتضى عرضي وهو ذلك الشيء من المؤمن ، فما كان من الذاتي رجع إلى الكافر ، وما كان من العرضي رجع إلى المؤمن، فلما انبسط على المؤمن من نور الولاية وتخلله ماء المحبة زال عنه ذلك العرضي ، لأنه كالثوب لما أصابته نجاسة من بول الغير وأصابه الماء الجاري زالت عنه النجاسة ، رجع الثوب إلى أصله من الطهارة). انتهى ما أردنا نقله من الكتاب المذكور.

وقال أعلى الله مقامه في بعض إفاداته في بيان أسرار تألم أهل النار  وتنعم أهل الجنة، قال : بقي هنا إشكالان يردان على ظاهر ما قررناه، أحدهما: أن الأخبار قد تواترت معنى أن حسنات أعداء الدين ترجع إلى المؤمنين، لأنها مقتضى الخلط الذي هو من سنخهم وسيئاتهم ترجع إلى الأعداء، لأنها مقتضى اللطخ الذي هو من سنخهم ، كما دلت عليه أحاديث الطينة وأنتم تقولون بذلك... إلى أن قال : والجواب عن الأول يعرف من ملاحظة أصل، وهو أن الشيء إذا ضم إلى آخر كان عنه أثران: أحدهما ذاتي هو مقتضى ذاته ، والثاني عرضي يحدث عنه بالانضمام إلى الآخر ، وأثر ذلك اللطخ لأهل الجنة وأهل النار من هذا القبيل، فالأثر الذاتي من لطخ أهل الجنة في أهل النار يرجع إلى أهل الجنة لأنه أثر سنخهم ، والأثر العرضي منه يلزم أهل النار، لأن ما كان بالانضمام ليس من أهل الجنة ، لأنه عارض لسنخهم من أهل النار ، وإن كان لا يكون بدونه. وكذلك الأثر الذاتي من لطخ أهل النار في أهل الجنة يرجع إلى أهل النار لأنه أثر سنخهم ، والعرضي يلزم أهل الجنة فيعذبون به في الحظيرة حتى يطهروا. فإذا قيل أهل الجنة يعذبون في الحظائر بمعاصيهم  فالمراد بها عرضية لطخ أهل النار ، وإذا قيل إن سيئاتهم ترد على أهل النار لأنها منهم من سنخهم ، فالمراد بها ذاتية اللطخ وهكذا حكم أهل النار في العكس فافهم، انتهى كلامه زيد مقامه.

واعلم أن هذه المسألة العويصة لم تنفتح أقفالها إلا بمفتاح لسان هذا الحبر العظيم الشأن، فاشكر ما أهداه إليك لئلا تكون من الكافرين بنعمة الله. وإن أردت تحقيق ما قلنا فالق هذا الإشكال إلى من شئت ممن جانبوا هذا المشرب العذب حتى ترى تصديق ما نقول ، فإنك تجدهم يتكلمون بأضغاث أحلام لا تحتمل التأويل عند من له فهم قليل وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ثم إن الكلام على جمع شؤون هذه المسألة ودقائقها ، مما يستدعى تأليف كتاب منفرد في شأنه ، ولذا اكتفينا منها في هذا الكتاب الذي ليس موضوعا لهذا الشأن بأخصر البيان إيقاظا لمن له عينان ، وفصلنا البيان فيها في الجملة، مع الإشارة إلى بعض ما يبتني عليه فهم المسألة بتقريب جر إليه الكلام في كتاب لنا موسوم بمفاتح الغيب في بيان علم الأئمة (عليهم السلام)  والأصل في ذلك كله البيانات المتفرقة الصادرة عن هذا البحر الزاخر والعلم الباهر إن وفقت بفهم دقائق كلامه والله ولي التوفيق.

 

ليلة عروج الرسول إلى السماء مع جبرائيل

الرابع والأربعون كتاب اليقين لابن طاووس  ، عن تفسير الثقة الجليل محمد بن العباس بن مروان المذكور قال : حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم المعروف بماجيلويه ، قال: حدثنا محمد ابن الحسين بن أبي الخطاب ، قال : وحدثنا محمد بن حماد الكوفي ، قال: حدثنا نصر بن مزاحم ، عن أبي داود الطهوي ، عن ثابت بن أبي صخرة [عن الرعلي ، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وإسماعيل بن أبان ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن علي قالا : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : كنت نائما في الحجر إذ أتاني جبرئيل ، فحركني تحريكا لطيفا ، ثم قال لي : عفا الله عنك يا محمد ، قم واركب ، فأفد إلى ربك ، فأتاني بدابة دون البغل وفوق الحمار، خطوها مد البصر ، له جناحان من جوهر، يدعى البراق ، قال: فركبت حتى طعنت في الثنية ، إذا أنا برجل قائم متصل شعره‏ إلى كتفيه ، فلما نظر إلي قال: السلام عليك يا أول ، السلام عليك يا آخر ، السلام عليك يا حاشر،  قال: فقال لي جبرئيل : رد عليه يا محمد ، قال : فقلت : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، قال : فلما أن جزت الرجل ، فطعنت في وسط الثنية ، إذا أنا برجل أبيض الوجه، جعد الشعر ، فلما نظر إلي قال : السلام عليك، مثل تسليم الأول ، فقال جبرئيل : رد عليه يا محمد، فقلت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال : فقال لي : يا محمد احتفظ بالوصي -ثلاث مرات - علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، المقرب من ربه، قال: فلما جزت الرجل، وانتهيت إلى بيت المقدس ، إذا أنا برجل أحسن الناس وجها  وأتم الناس جسما، وأحسن الناس بشرة ، قال : فلما نظر إلي قال: السلام عليك يا نبي، والسلام عليك يا أول ، مثل تسليم الأول، قال: فقال لي جبرئيل: يا محمد رد عليه ، فقلت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، قال ، فقال: يا محمد احتفظ بالوصي - ثلاث مرات - علي بن أبي طالب المقرب من ربه ، الأمين على حوضك ، صاحب شفاعة الجنة، قال : فنزلت عن دابتي عمدا، قال: فأخذ جبرئيل بيدي ، فأدخلني المسجد، فخرق بي الصفوف ، والمسجد غاص بأهله ، قال : فإذا بيد من فوقي : تقدم يا محمد ، قال: فقدمني جبرئيل، فصليت بهم ، قال : ثم وضع لنا منه سلم إلى السماء الدنيا من لؤلؤ ، فأخذ بيدي جبرئيل فخرق بي إلى السماء، فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا، قال : فقرع جبرئيل الباب، فقالوا له : من هذا ؟ قال : أنا جبرئيل ، قالوا :من معك ؟ قال: معي أخي محمد، قالوا : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قال: ففتحوا لنا، ثم قالوا : مرحبا بك من أخ ، ومن خليفة فنعم الأخ، ونعم الخليفة، ونعم المختار ، خاتم النبيين لا نبي بعده ، ثم وضع لنا منها سلم من ياقوت ، موشح بالزبرجد الأخضر ، قال : فصعدنا إلى السماء الثانية، فقرع جبرئيل الباب ، فقالوا مثل القول الأول ، وقال جبرئيل مثل القول الأول ، ففتح لنا ، ثم وضع لنا سلم من نور محفوف حوله بالنور ، قال: فقال لي جبرئيل : يا محمد تثبت واهتد هديت ، ثم ارتفعنا إلى الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة بإذن الله ، فإذا بصوت وصيحة شديدة ، قال: قلت: يا جبرئيل ما هذا الصوت ؟ فقال لي : يا محمد هذا صوت طوبى ، قد اشتاقت إليك ، قال : فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : فغشيني عند ذلك مخافة شديدة ، قال : ثم قال لي جبرئيل : يا محمد تقرب إلى ربك ، فقد وطئت اليوم مكانا - بكرامتك على الله عز وجل -ما وطئته قط ، ولولا كرامتك لأحرقني هذا النور الذي بين يدي ، قال : فتقدمت ، فكشف لي عن سبعين حجابا ، قال : فقال لي : يا محمد، فخررت ساجدا وقلت : لبيك رب العزة لبيك ، قال : فقيل لي: يا محمد ارفع رأسك وسل تعط ، واشفع تشفع ، يا محمد أنت حبيبي وصفيي ورسولي إلى خلقي ، وأميني في عبادي من خلفت في قومك حين وفدت إلي ؟ قال : فقلت : من أنت أعلم به مني ، أخي وابن عمي وناصري ووزيري وعيبة علمي ومنجز وعداتي ، فقال لي ربي: وعزتي وجلالي وجودي ومجدي وقدرتي على خلقي ، لا أقبل الإيمان بي ولا بأنك نبي إلا بالولاية له ، يا محمد أتحب أن تراه في ملكوت السماء ؟ قال : فقلت: ربي وكيف لي به وقد خلفته في الأرض ؟ قال : فقال لي : يا محمد ارفع رأسك ، قال : فرفعت رأسي ، وإذا أنا به مع الملائكة المقربين مما يلي السماء الأعلى ، قال : فضحكت حتى بدت نواجدي ، قال : فقلت : يا رب اليوم قرت عيني ، قال : ثم قيل لي : يا محمد ، قلت : لبيك ذا العزة لبيك، قال : إني أعهد إليك في علي عهدا فاسمعه ، قال : قلت : ما هو يا رب ؟ قال: علي راية الهدى ، وإمام الأبرار ، وقاتل الفجار، وإمام من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، أورثته علمي وفهمي ، فمن أحبه فقد أحبني ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، إنه مبتلى ومبتلى به ، فبشره بذلك يا محمد ، قال : ثم أتاني جبرئيل ، قال : فقال لي : يقول الله لك يا محمد ﴿وألزمهم كلمة التقوى‏ ، وكانوا أحق بها وأهلها ﴾ولاية علي بن أبي طالب ، تقدم بين يدي يا محمد ، فتقدمت فإذا أنا بنهر حافتاه قباب الدرر واليواقيت ، أشد بياضا من الفضة، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك الأذفر،  قال : فضربت بيدي ، فإذا طينه مسكة ذفرة ، قال : فأتاني جبرئيل فقال لي : يا محمد أي نهر هذا ؟ قال : قلت : أي نهر هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا نهرك، وهو الذي يقول الله عز وجل : ﴿إنا أعطيناك الكوثر ﴾إلى موضع ﴿الأبتر﴾، عمرو بن العاص هو الأبتر، قال : ثم التفت ، فإذا أنا برجال يقذف بهم في نار جهنم ، قال : فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال لي : هؤلاء المرجئة والقدرية والحرورية وبنو أمية والناصب لذريتك العداوة ، هؤلاء الخمسة لا سهم لهم في الإسلام ، قال : ثم قال لي : أرضيت عن ربك ما قسم لك؟ قال: فقلت: سبحان ربي اتخذ إبراهيم خليلا ، وكلم موسى تكليما ، وأعطى سليمان ملكا عظيما ، وكلمني ربي واتخذني خليلا ، وأعطاني في علي (عليه السلام) أمرا عظيما ، يا جبرئيل من الذي لقيت في أول الثنية ؟ قال : ذاك أخوك موسى بن عمران ، قال السلام عليك يا أول ، فأنت مبشر أول البشر، والسلام عليك يا آخر ، فأنت تبعث آخر النبيين ، والسلام عليك يا حاشر ، فأنت على حشر هذه الأمة ، قال : فمن الذي لقيت في وسط الثنية ؟ قال: ذاك أخوك عيسى ابن مريم ، يوصيك بأخيك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فإنه قائد الغر المحجلين وأمير المؤمنين ، وأنت سيد ولد آدم ، قال : فمن الذي لقيت عند الباب باب المقدس ؟ قال : ذاك أبوك آدم ، يوصيك بوصيك ابنه علي بن أبي طالب خيرا ، ويخبرك أنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين، قال: فمن الذي صليت بهم ؟ قال : أولئك الأنبياء والملائكة كرامة من الله أكرمك بها يا محمد ، ثم هبط بي الأرض ، قال : فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إلى أنس ابن مالك فدعاه ، فلما جاءه قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ادع لي عليا ، فأتاه فقال : يا علي أبشرك ؟ قال : بماذا ؟ قال : لقيت أخاك موسى ، وأخاك عيسى ، وأباك آدم صلوات الله عليهم ، فكلهم يوصي بك، قال : فبكى علي (عليه السلام)  ، وقال : الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيا، ثم قال : يا علي ألا أبشرك ؟ قال : قلت : بشرني يا رسول الله ، قال : يا علي صوبت بعيني إلى عرش ربي جل وعز ، فرأيت مثلك في السماء الأعلى ، وعهد إلي فيك عهدا، قال :بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أوكل ذلك كانوا يذكرون إليك ؟ قال : فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الملأ الأعلى ليدعون لك وإن المصطفين الأخيار ليرغبون إلى ربهم جل وعز أن يجعل لهم السبيل إلى النظر إليك ، وإنك تشفع يوم القيامة ، وإن الأمم كلهم موقوفون على جرف جهنم ، قال : فقال علي (عليه السلام) : يا رسول الله فمن الذين كانوا يقذف بهم في نار جهنم ؟ قال : أولئك المرجئة والحرورية والقدرية وبنو أمية ومناصبيك العداوة ، يا علي هؤلاء الخمسة ليس لهم في الإسلام نصيب).

 

ما رآه الرسول بعد سدرة المنتهى في عروجه للسماء

الخامس والأربعون: وفيه عن التفسير المذكور، قال : حدثنا محمد ابن همام بن سهيل ، عن محمد بن إسماعيل العلوي ، عن عيسى بن داود النجار ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جده (عليهم السلام) في قوله جل وعز ﴿ذو مرة فاستوى﴾‏ إلى قوله ﴿إذ يغشى السدرة ما يغشى﴾‏فإن النبي لما أسري به إلى ربه جل وعز ، قال : (وقف جبرئيل عند شجرة عظيمة لم أر مثلها ، على كل غصن منها ملك ، وعلى كل ورقة منها ملك ، وعلى كل ثمرة منها ملك ، وقد كللها نور من نور الله عز وجل، فقال جبرئيل (عليه السلام) : هذه سدرة المنتهى ، كان ينتهي الأنبياء من قبلك إليها ثم لا يجاوزونها وأنت تجوزها - إن شاء الله - ليريك من آياته الكبرى ، فاطمئن أيدك الله بالثبات حتى تستكمل كرامات الله ، وتصير إلى جواره، ثم صعد بي حتى صرت تحت العرش ، فدلي لي رفرف أخضر ما أحسن أصفه ، فرفعني الرفرف - بإذن الله- إلى ربي، فصرت عنده ، وانقطع عني أصوات الملائكة ودويهم، وذهبت عني المخاوف والروعات ، وهدأت نفسي واستبشرت ، وظننت أن جميع الخلائق قد ماتوا أجمعين ، ولم أر عندي أحدا من خلقه ، فتركني - ما شاء الله - ثم رد علي روحي ، فأفقت فكان توفيقا من ربي عز وجل أن غمضت عيني وكل بصري ، وغشي عن النظر ، فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني بل أبعد وأبلغ ، فذلك قوله جل وعز ﴿ما زاغ البصر وما طغى‏ *لقد رأى‏ من آيات ربه الكبرى﴾‏وإنما كنت أرى في مثل مخيط الإبرة ، ونور بين يدي ربي لا تطيقه الأبصار، فناداني ربي جل وعز فقال تبارك وتعالى : يا محمد ، قلت : لبيك ربي وسيدي وإلهي لبيك، قال : هل عرفت قدرك عندي ومنزلتك وموضعك ؟ قلت: نعم يا سيدي، قال : يا محمد هل عرفت موقفك مني وموضع ذريتك ؟ قلت :نعم يا سيدي ، قال : فهل تعلم يا محمد فيما اختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت : يا رب أنت أعلم وأحكم ، وأنت علام الغيوب، قال : اختصموا في الدرجات والحسنات، فهل تدري ما الدرجات والحسنات ؟ قلت : أنت أعلم يا سيدي وأحكم ، قال : إسباغ الوضوء في المكروهات ، والمشي على الأقدام إلى الجمعات معك ومع الأئمة من ولدك ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، وإفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والتهجد بالليل والناس نيام ، قال ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه﴾ قلت : نعم يا رب ﴿والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ﴾قال : صدقت يا محمد ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾ وأغفر لهم ، وقلت ﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ﴾إلى آخر السورة ، قال : ذلك لك ولذريتك يا محمد، قلت: ربي وسيدي وإلهي ، قال : أسألك عما أنا أعلم به منك، من خلفت في الأرض بعدك ؟ قلت: خير أهلها لها أخي وابن عمي وناصر دينك يا رب ، والغاضب لمحارمك إذا استحلت ولنبيك غضب النمر إذا جدل علي بن أبي طالب ، قال : صدقت يا محمد إني اصطفيتك بالنبوة، وبعثتك بالرسالة، وامتحنت عليا بالبلاغ والشهادة إلى أمتك ، وجعلته حجة في الأرض معك وبعدك ، وهو نور أوليائي ، وولي من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، يا محمد وزوجته فاطمة ، وإنه وصيك ووارثك ووزيرك وغاسل عورتك ، وناصر دينك، والمقتول على سنتي وسنتك ، يقتله شقي هذه الأمة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثم أمرني ربي بأمور وأشياء ، أمرني أن أكتمها ، ولم يؤذن لي في إخبار أصحابي بها ، ثم هوى بي الرفرف ، فإذا أنا بجبرئيل فتناولني منه حتى صرت إلى سدرة المنتهى ، فوقف بي تحتها ، ثم أدخلني إلى جنة المأوى ، فرأيت مسكني ومسكنك يا علي فيها ، فبينا جبرئيل يكلمني إذ تجلى لي نور من نور الله جل وعز ، [فنظرت إلى مثل مخيط الإبرة إلى مثل ما كنت نظرت إليه في المرة الأولى، فناداني ربي جل وعز‏ : يا محمد قلت لبيك ربي وسيدي وإلهي ، قال: سبقت رحمتي غضبي لك ولذريتك، أنت مقربي من خلقي ، وأنت أميني وحبيبي ورسولي ، وعزتي وجلالي لو لقيني جميع خلقي يشكون فيك طرفة عين ، أو يبغضون صفوتي من ذريتك ، لأدخلنهم ناري ولا أبالي، يا محمد علي أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم ، أبو السبطين سيدي شباب أهل جنتي المقتولين ظلما، ثم حرض على الصلاة وما أراد تبارك وتعالى ، وقد كنت قريبا منه في المرة الأولى مثل ما بين كبد القوس إلى سيته ، فذلك قوله جل وعز :  ﴿قاب قوسين أو أدنى‏﴾ من ذلك ، ثم ذكر سدرة المنتهى فقال : ﴿ولقد رآه نزلة أخرى‏ عند سدرة المنتهى*‏ عندها جنة المأوى‏* إذ يغشى السدرة ما يغشى*‏ ما زاغ البصر وما طغى‏ ﴾ يعني ما غشي السدرة من نور الله وعظمته).

 

النبي يبين مقام أمير المؤمنين علي قبل زواجه من فاطمة .

السادس والأربعون وفيه عن كتاب أخبار الزهراء للصدوق  ، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن سعيد الهاشمي ، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن علي الهمداني ، قال : حدثنا بو الحسن بن خلف بن موسى بن الحسن الواسطي بواسط ، قال: حدثنا عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : (لما زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) فاطمة (عليه السلام) ؛ تحدثن نساء قريش وغيرهن وعيرنها وقلن : زوجك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من عائل لا مال له ، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا فاطمة، أما ترضين أن الله تبارك وتعالى اطلع اطلاعة إلى الأرض ، فاختار منها رجلين أحدهما أبوك والآخر بعلك يا فاطمة، كنت أنا وعلي نورين بين يدي الله عز وجل، مطيعين من قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق آدم قسم ذلك النور جزئين جزء أنا وجزء علي، ثم إن قريشا تكلمت في ذلك وفشى الخبر ، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر بلالا فجمع الناس ، وخرج إلى مسجده ورقي منبره يحدث الناس بما خصه الله تعالى من الكرامة وبما خص به عليا وفاطمة (عليهم السلام)، فقال: يا معشر الناس، إنه بلغني مقالتكم، وإني محدثكم حديثا فعوه واحفظوه مني واسمعوه، فإني مخبركم بما خص به أهل البيت ، وبم خص به عليا من الفضل والكرامة وفضله عليكم، فلا تخالفوه فتنقلبوا على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ، وسيجزي الله الشاكرين. [معاشر الناس إن الله قد اختارني من خلقه فبعثني إليكم رسولا، واختار لي عليا خليفة ووصيا. معاشر الناس، إني لما أسري بي إلى السماء وتخلف عنى جميع من كان معي من ملائكة السماوات، وجبرئيل والملائكة المقربين، ووصلت إلى حجب ربي ، دخلت سبعين ألف حجاب، بين كل حجاب إلى حجاب من حجب العزة والقدرة والبهاء والكرامة والكبرياء والعظمة والنور والظلمة والوقار، حتى وصلت إلى حجاب الجلال، فناجيت ربي تبارك وتعالى وقمت بين يديه، وتقدم إلي عز ذكره بما أحبه وأمرني بما أراد، لم اسأله لنفسي شيئا في علي (عليه السلام) إلا أعطاني، ووعدني الشفاعة في شيعته وأوليائه، ثم قال لي الجليل جل جلاله: يا محمد، من تحب من خلقي؟ قلت: أحب الذي تحبه أنت يا ربي. قال لي جل جلاله: فأحب عليا فإني أحبه وأحب من يحبه. فخررت لله ساجدا مسبحا شاكرا لربي تبارك وتعالى. فقال لى: يا محمد، علي وليي وخيرتي بعدك من خلقي، اخترته لك أخا ووصيا ووزيرا وصفيا وخليفة وناصرا لك على أعدائي. يا محمد، وعزتي وجلالي، لا يناوي عليا جبار إلا قصمته، ولا يقاتل عليا عدو من أعدائي إلا هزمته وأبدته، يا محمد إني اطلعت على قلوب عبادي فوجدت عليا أنصح خلقي لك وأطوعهم لك، فاتخذه أخا وخليفة ووصيا وزوجه ابنتك، فإني سأهب لهما غلامين طيبين طاهرين تقيين نقيين. فبي حلفت وعلى نفسي حتمت، أنه لا يتولين عليا وزوجته وذريتهما أحد من خلقي إلا رفعت لواءه إلى قائمة عرشي وجنتي وبحبوحة كرامتي، وسقيته من حظيرة قدسي ولا يعاديهم أحد ويعدل عن ولايتهم يا محمد إلا سلبته ودي ، وباعدته من قربي، وضاعفت عليهم عذابي ولعنتي. يا محمد، إنك رسولي إلى جميع خلقي، وإن عليا وليي وأمير المؤمنين ، وعلى ذلك أخذت ميثاق ملائكتي وأنبيائي [وجميع خلقي من قبل أن أخلق خلقا في سمائي وأرضي ؛ محبة مني لك يا محمد  ولعلي ولولدكما ولمن أحبكما وكان من شيعتكما ، ولذلك خلقتهم من خليقتكما. فقلت: إلهي وسيدي، فاجمع الأمة عليه. فأبى عليّ وقال: يا محمد ، إنه المبتلي والمبتلى به، وإني جعلتكم محنة لخلقي ، امتحن بكم جميع عبادي وخلقي في سمائي وأرضي وما فيهن ، لأكمل الثواب لمن أطاعني فيكم. وأحل عذابي ولعنتي على من خالفني فيكم وعصاني، وبكم أميز الخبيث من الطيب. يا محمد وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت آدم، ولولا علي ما خلقت الجنة؛ لأني بكم أجزي العباد يوم المعاد بالثواب والعقاب ، وبعلي وبالأئمة من ولده انتقم من أعدائي في دار الدنيا، ثم إلى المصير للعباد والمعاد وأحكمكما في جنتي وناري، فلا يدخل الجنة لكما عدو ، ولا يدخل النار لكما ولي، وبذلك أقسمت على نفسي. ثم انصرفت فجعلت لا أخرج من حجاب من حجب ربي ذي الجلال والإكرام إلا سمعت في النداء ورائي: يا محمد قدم عليا، يا محمدا استخلف عليا ، يا محمد أوص إلى علي، يا محمد وآخ عليا، يا محمد أحب من يحب عليا، يا محمد استوص بعلي وشيعته خيرا. فلما وصلت إلى الملائكة جعلوا يهنئونني في السماء ويقولون : هنيئا لك يا رسول الله بكرامة لك ولعلي. معاشر الناس، علي أخي في الدنيا والآخرة ووصيي وأميني على سري وسر رب العالمين ، ووزيري وخليفتي عليكم في حياتي وبعد وفاتي. لا يتقدمه أحد غيري ، وخير من أخلف بعدي. ولقد أعلمني ربى تبارك وتعالى أنه سيد المسلمين ، وإمام المتقين ، وأمير المؤمنين ، ووارثي ووارث النبيين ، ووصي رسول رب العالمين ، وقائد الغر المحجلين من شيعته وأهل ولايته إلى جنات النعيم بأمر رب العالمين. يبعثه الله يوم القيامة مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون، بيده لوائي لواء الحمد يسير به أمامي، وتحته آدم وجميع من ولد من النبيين والشهداء والصالحين إلى جنات النعيم، حتما من الله محتوما من رب العالمين، وعد وعدنيه ربي فيه ولن يخلف الله وعده وأنا على ذلك من الشاهدين).

 

الأسقف الذي أسلم على يد الدابة

السابع والأربعون مدينة المعاجز ، عن كتاب بستان الواعظين ، قال: روي عن محمد بن إدريس، قال : (رأيت بمكة أسقفا وهو يطوفبالكعبة، فقلت [له]: ما الذي رغب بك عن دين آبائك؟ فقال: تبدلت خيرا منه، فقلت له: كيف ذلك؟ قال: ركبت البحر، فلما توسطنا البحر انكسر بنا المركب، فعلوت لوحا، فلم تزل الأمواج تدفعني حتى رمتني في جزيرة من جزائر البحر، فيها أشجار كثيرة، ولها ثمر أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وفيها نهر جار عذب ، فحمدت الله على ذلك، وقلت: آكل من الثمر وأشرب من هذا النهر حتى يأتيني الله بالفرج. فلما ذهب النهار خفت على نفسي من الدواب، فعلوت شجرة من تلك الأشجار، فنمت على غصن منها، فلما كان في جوف الليل، فإذا بدابة على وجه الماء تسبح الله، وتقول: لا إله إلا الله العزيز الجبار، محمد رسول الله النبي المختار، علي بن أبي طالب سيف الله على الكفار، فاطمة وبنوها صفوة الجبار، على مبغضيهم لعنة الله الجبار، ومأواه جهنم وبئس القرار. فلم تزل تكرر هذه الكلمات حتى طلع الفجر، ثم قالت: لا إله إلا الله صادق الوعد والوعيد، محمد رسول الله الهادي الرشيد، علي ذو البأس الشديد، وفاطمة وبنوها خيرة الرب الحميد، فعلى مبغضيهم لعنة الرب المجيد. فلما وصلت البر، فإذا رأسها رأس نعامة، ووجهها وجه إنسان، وقوائمها قوائم بعير ،وذنبها ذنب سمكة. فخشيت على نفسي الهلكة، فهربت بنفسي أمامها فوقفت، ثم قالت لي: إنسان، قف وإلا هلكت، فقالت: ما دينك؟ فقلت: النصرانية، فقالت: ويحك ارجع إلى دين الإسلام، فقد حللت بفناء قوم من مسلمي الجن لا ينجو منهم إلا من كان مسلما. قلت: وكيف الإسلام؟ قالت: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقلتها، فقالت: تمم إسلامك بموالاة علي بن أبي طالب وأولاده، والصلاة عليهم، والبراءة من أعدائهم. قلت: ومن أتاكم بذلك؟ فقالت: قوم منا حضروا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعوه يقول إذا كان يوم القيامة تأتي الجنة، فتنادي بلسان طلق: يا إلهي قد وعدتني تشد أركاني وتزيني، فيقول الجليل جل جلاله: قد شددت أركانك، وزينتك بابنة حبيبي فاطمة (الزهراء)، وبعلها علي ابن أبي طالب، وابنيها الحسن والحسين، والتسعة من ذرية الحسين (عليهم السلام). ثم قالت الدابة: المقام تريد، أم الرجوع إلى أهلك؟ قلت لها: الرجوع. قالت: اصبر حتى يجتاز مركب، وإذا مركب يجري، فأشارت إليهم فدفعوا إليها زورقا فلما علوت معهم، فإذا في المركب اثنا عشر رجلا كلهم نصارى، فأخبرتهم خبري، فأسلموا عن آخرهم).

 

الرسول يخبر عائشة وابن عباس عن سر تقبيل فاطمة واشتمامها

الثامن والأربعون وفيه عن كتاب عيون المعجزات ، عن الغلابي ، عن   عمار بن عمران قال : أخبرني جبلة المكي، عن طاووس اليماني، عن ابن عباس قال : (دخلت على عائشة بنت أبي بكر قالت : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقبل فاطمة ويشمها فقالت: أتحبها يا رسول الله؟ قال: إنه لما عرج بي إلى السماء الرابعة أذن جبرئيل ، وأقام ميكائيل (عليهم السلام) ، ثم قيل لي إدن يا محمد ، فقلت: أتقدم وأنت بحضرتي. قال: نعم، إن الله تعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضلك أنت خاصة عليهم وعلى جميع الأنبياء ، فدنوت وصليت بأهل السماء الرابعة ، ثم التفت إلى يميني فإذا أنا بإبراهيم (عليه السلام) في روضة من رياض الجنة ، وقد اكتنفه جماعة من الملائكة، ثم التفت إلى يساري فإذا أنا بأخي علي (عليه السلام) في روضة من رياض الجنة ، وقد اكتنفه جماعة من الملائكة، ثم إني صرت إلى السماء السادسة فنوديت: نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك ووزيرك علي بن أبي طالب ، فلما صرت إلى الحجب أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة ، فإذا أنا بشجرة من نور في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل ، فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذه الشجرة؟ فقال: هذه الشجرة لأخيك ووصيك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهذان الملكان يطويان الحلي والحلل إلى يوم القيامة. ثم نظرت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد، وبتفاحة رائحتها أطيب من المسك ، فأخذت رطبة وتفاحة فأكلتهما فتحولتا ماء في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض أودعته خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة حورية إنسية ، فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة (عليه السلام) ، قال ابن عباس: فدخلت على رسول الله فسألته عن فاطمة (عليه السلام) ، فحدثني بما حدثتني به عائشة ).

أقول : قال السيد  بعد نقل الحديث عن عيون المعجزات : (وروى هذا الحديث عن ابن عباس بعض المصنفين أيضا).

 

بمعرفة أهل البيت تتم العبادة.

التاسع والأربعون عن أمالي الطوسي  بإسناده ، عن زرعة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( قلت له: أي الأعمال هو أفضل بعد المعرفة؟ قال: ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة، ولا بعد المعرفة والصلاة شيء يعدل الزكاة، ولا بعد ذلك شيء يعدل الصوم، ولا بعد ذلك شيء يعدل الحج، وفاتحة ذلك كله معرفتنا، وخاتمته معرفتنا).

 

الحلف بأهل البيت

الخمسون الكشي عن محمد بن مسعود ، عن عبد الله بن محمد ، عن الوشاء ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لنا خادمة لا تعرف ما نحن عليه، فإن أذنبت ذنبا وأرادت أن تحلف بيمين قالت: لا وحق الذي إذا ذكرتموه بكيتم، قال : فقال: رحمكم الله من أهل بيت).

من الذين افترض الله ولايتهم وطاعتهم؟

الحادي والخمسون كتاب اليقين ، عن كتاب أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد الكوفي الدلال قال: أخبرنا الحسن بن عبد الواحد الخزاز قال: حدثنا يحيى بن الحسن ابن فرات القرار قال: حدثنا عامر بن كثير السراج قال: وحدثنا الحسن بن سعيد قال: حدثنا زياد بن المنذر قال: ( سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) وهو يقول: نحن شجرة أصلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفرعها أمير المؤمنين علي، وأغصانها فاطمة بنت محمد ، وثمرتها الحسن والحسين (عليهم السلام) ، فإنها شجرة النبوة ، ونبت الرحمة ، ومفتاح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وموضع سر الله ووديعته، والأمانة التي عرضت على السماوات والأرض ، وحرم الله الأكبر ، وبيت الله العتيق وحرمه ، عندنا علم المنايا والبلايا والوصايا ، وفصل الخطاب ، ومولد الإسلام ، وأنساب العرب. كانوا نورا مشرقا حول عرش ربهم ، فأمرهم فسبحوا ، فسبح أهل السماوات بتسبيحهم، ثم أهبطوا إلى الأرض ، فأمرهم فسبحوا ، فسبح أهل الأرض بتسبيحهم، فإنهم لهم الصافون ، وإنهم لهم المسبحون. فمن أوفى بذمتهم فقد أوفى بذمة الله ، ومن عرف حقهم فقد عرف حق الله ، هم ولاة أمر الله ، وخزان وحي الله ، وورثة كتاب الله، وهم المصطفون بسر الله، والأمناء على وحي الله. وهؤلاء أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة، والمستأنسون بخفق أجنحة الملائكة بمن كان ، يغدوهم جبرئيل من الملك الجليل خبر التنزيل وبرهان التأويل ، هؤلاء أهل بيت أكرمهم الله بسره، وشرفهم بكرامته ، وأعزهم بالهدى ، وثبتهم بالوحي، وجعلهم أئمة هدى ونورا في الظلم للنجاة، واختصهم لدينه ، وفضلهم بعلمه ، وأتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، وجعلهم عمادا لدينه ، ومستودعا لمكنون سره، وأمناء على وحيه، نجباء من خلقه وشهداء على بريته، اختارهم وحباهم وخصهم واصطفاهم وفضلهم وارتضاهم وانتجبهم وانتقاهم ، وجعلهم للبلاد والعباد عمارا، وأدلاء للأمة على الصراط، فهم أئمة الهدى، والدعاة إلى التقوى ، وكلمة الله العليا ، وحجة الله العظمى، وهم النجاة والزلفى، هم الخيرة الكرام، هم الأصفياء الحكام، هم النجوم الأعلام، هم الصراط المستقيم، هم السبيل الأقوم. الراغب عنهم مارق، والمقصر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق. نور الله في قلوب المؤمنين، والبحار السائغة للشاربين أمن لمن التجأ إليهم، وأمان لمن تمسك بهم. إلى الله يدعون وله يسلمون ، وبأمره يعملون وبكتابه يحكمون. منهم بعث الله رسوله، وعليهم هبطت ملائكته، وفيهم نزلت سكينته، وإليهم بعث الروح الأمين منا من الله عليهم، فضلهم به وخصهم. وأصول مباركة، مستقر قرار الرحمة، خزان العلم وورثة الحلم، وأولوا التقى والنهى والنور والضياء، وورثة الأنبياء وبقية الأوصياء. منهم الطيب ذكره والمبارك اسمه محمد، والمصطفى المرتضى ورسوله النبي الأمي، ومنهم الملك الأزهر والأسد المرسل حمزة، ومنهم المستسقى به يوم الزيارة العباس بن عبد المطلب عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصنو أبيه ، ومنهم ذو الجناحين وذو الهجرتين والقبلتين والبيعتين من الشجرة المباركة ، صحيح الأديم وواضح البرهان. ومنهم حبيب محمد وأخوه ، والمبلغ عنه من بعده البرهان والتأويل ومحكم التفسير، أمير المؤمنين وولي المؤمنين ووصي رسول رب العالمين علي بن أبي طالب، عليه من الله الصلوات الزكية والبركات السنية. فهؤلاء الذين افترض الله مودتهم وولايتهم على كل مسلم ومسلمة، فقال في محكم كتابه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا، إن الله غفور شكور﴾فقال أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام): اقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت).

 

النبي يفسر قوله (عمَّ يتساءلون..)

الثاني والخمسون وفيه عن تفسير محمد بن مؤمن النيشابوري بإسناده يرفعه قال : (أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا محمد ، هذا الأمر لنا من بعدك أم لمن ؟ قال: يا صخر،  الأمر من بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى. فأنزل الله تعالى ﴿عم يتساءلون﴾ يعني : يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب. ﴿عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون﴾ منهم المصدق بولايته وخلافته ومنهم المكذببها . ﴿كلا﴾[ردع ورد عليهم﴿سيعلمون﴾ سيعرفون خلافته بعدك إنها حق يكون﴿ثم كلا سيعلمون﴾ سيعرفون خلافته وولايته إذ يسألون عنها في قبورهم، فلا يبقى ميت في شرق ولا في غرب ولا في بر ولا في بحر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية علي أمير المؤمنين بعد الموت، يقولان للميت: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك ؟).

 

نور محمد ونور علي من أصل واحد

الثالث والخمسون عن كتاب الإمامة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الشيعي قال : حدثنا القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا بن يحيى ابن حميد بن حماد الحريري قال : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج قال: حدثنا عيسى بن مهران قال : حدثني منذر السراج قال : حدثنا إسماعيل ابن علية قال : أخبرني أسلم بن ميسرة العجلاني، عن سعيد، عن أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : (إن الله عز وجل خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام. قلت: فأين كنتم يا رسول الله ؟ قال : قدام العرش نسبح الله ونحمده ونقدسه ونمجده، قال : قلت : على أي مثال؟ قال: أشباح نور حتى إذا أراد الله عز وجل أن يخلق صورنا، صيرنا عمود نور، ثم قذفنا في صلب آدم، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، لا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر ليسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون. فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب، أخرج ذلك النور فشقه نصفين، فجعل نصفه في عبد الله، ونصفه في أبي طالب، ثم أخرج النصف الذي لي إلى آمنة بنت وهب والنصف الآخر إلى فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة ، وأخرجت فاطمة عليا. ثم أعاد عز وجل العمود إلي فخرجت مني فاطمة، ثم أعاد عز وجل العمود إليه فخرج الحسن والحسين، يعني من النصفين جميعا فما كان من نور علي صار في ولد الحسن وما كان من نوري صار في ولد الحسين فهو ينتقل في الأئمة من ولده إلى يوم القيامة).

 

قطار جمال تحت سدرة المنتهي في السماء السابعة.

الرابع والخمسون تحفة الملوك للسيد الولي نعمة الله الحسيني الرضوي، مرفوعا عن ابن عباس ، عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) (أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عرج إلى السماء السابعة رأى قطار جمال تحت سدرة المنتهى فقال : حبيبي جبرئيل مذ كم عام هذا القطار؟ فقال : أخي محمد من مقدار أربعة آلاف عام ، فقال : يا حبيبي جبرئيل أي شيء حمل هذا القطار ؟ فقال : يا محمد ما أعلم ، وإذا بنداء من قبل الله تعالى : برك يا محمد جملا ، وانظر ما حمل هذا القطار، قال الراوي لهذا الحديث : فبرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جملا ، فإذا هي صناديق كتب فضائل علي بن أبي طالب صلوات الله عليه).

 

إن لله علماً لرسوله و لأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم

الخامس والخمسون بصائر الدرجات حدثنا أحمد بن محمد عن الحسن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن سدير قال : (سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى ﴿بديع السماوات والأرض﴾ قال أبو جعفر: إن الله ابتدع الأشياء كلها على غير مثال كان قبله ، وابتدع السماوات والأرض ولم يكن قبلهن سماوات ولا أرضون أما تسمع لقوله تعالى ﴿وكان عرشه على الماء﴾؟ فقال له حمران بن أعين: أرأيت قوله ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا﴾، فقال له أبو جعفر (عليه السلام) :﴿إلا من ارتضى من رسول﴾ فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا، وكان والله محمد ممن ارتضى، وأما قوله ﴿عالم الغيب﴾ فإن الله تبارك وتعالى عالم بما غاب عن خلقه، فما يقدر من شيء ويقضيه في علمه [قبل أن يخلقه ، وقبل أن يقبضه إلى الملائكة فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه ، فأما العلم الذي يقدره الله ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم إلينا).

كيف عرف أهل الصين أهل البيت

السادس والخمسون مدينة المعاجز بحذف الإسناد روي عن محمد بن سنان قال: (دخلت على الصادق (عليه السلام) فقال لي: من بالباب؟ قلت: رجل من الصين، قال: فأدخله، فلما دخل قال له أبو عبد الله (عليه السلام): هل تعرفونا بالصين؟ قال: نعم يا سيدي، قال: وبماذا تعرفوننا؟ قال: يا بن رسول الله إن عندنا شجرة تحمل كل سنة وردا يتلون كل يوم مرتين، فإذا كان أول النهار نجد مكتوبا عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله وإذا كان آخر النهار فإنا نجد مكتوبا عليه لا إله إلا الله علي خليفة رسول الله ).

 

أهل الهند يعرفون محمد وعلي

السابع والخمسون وفيه عن مناقب ابن شهر آشوب ، عن كليب ابن وائل قال : (رأيت ببلاد الهند شجرا له ورد أحمر فيه مكتوب: محمد رسول الله، علي أخوه، وكثيرا ما يوجد على الأشجار والأحجار نقش محمد وعلي).

 

 

سفير الروس يعثر على أثر يشهد لأمير المؤمنين علي

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : من غريب الحكايات في هذا الباب ما حكى لنا سفير الروس الذي كان يسمى خانيقوف ، وكان على دين النصرانية ، وكان قارئا لكتبنا ، عالما بلغاتنا من العجمية والعربية ، مطلعا على أحاديثنا وأخبارنا ، مأمورا من قبل دولتهم بالسياحة في البلاد، وضبط ما فيها من الآثار العجيبة ، فحكى لنا حين كان مقيما ببلدنا تبريز قال: دخلت أيام سياحتي بعض بلاد ما وراء أرس، وأظنه قال : أوردوباد ، فأخبرت هناك أن بقرب البلد جبلا من صخر صلد صعب المسلك والمرتقى، مكتوب على موضع من صخرة بخط جلي يا علي ، قال : فاشتقت إلى رؤية ذلك عيانا ، فأصبحت ومعي فعلة ومعاول ، فرحلت إليه فنظرت فإذا المكتوب كما أخبرت على صخر قريب من أعلى الجبل وكان لون الخط مخالفا للون الصخرة ، فقلت في نفسي : يمكن أن يكون هذا أمرا مصنوعيا، فأمرت الفعلة فأخذوا المعاول وصعدوا إليه بتعب وكد شديد ، ثم أمرتهم بجوب ظاهر الصخر الذي عليه الخط ، فجابوه وكسروه بالمعاول ، فكان كلما كسروا ظاهر الصخر ؛ ظهر تحته خط مثله فعلمت عند ذلك أنه ليس من صنع الصناعين ، وإنما هو أمر خلقي من صنع الله تعالى ، هذا ما سمعته منه من غير زيادة ولا نقيصة وكان الرجل ممن لا يجازف في الكلام ، وكان سماعي منه في دارنا في سنة إحدى وسبعين بعد المائتين والألف .

 

أهلي جابلقا وجابرسا .

الثامن والخمسون عن كتاب الواحدة للحسن بن محمد بن جمهور العمي، عن الصادق (عليه السلام) قال : (إن لله مدينتين إحداهما بالمغرب والأخرى بالمشرق يقال لهما جابلقا وجابرسا، طول كل مدينة منهما اثني عشر ألف فرسخ في كل فرسخ باب، يدخلون في كل يوم من كل باب سبعون ألفا، ويخرج منها مثل ذلك ولا يعودون إلى يوم القيامة ، لا يعلمون أن الله خلق آدم ولا إبليس ولا شمس ولا قمر ، هم والله أطوع لنا منكم، يأتونا بالفاكهة في غير أوانها موكلون بلعنة فرعون وهامان وقارون).

 

مدينة خلف البحر تدعو للإسلام ونبيه .

التاسع والخمسون البصائر حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين ،قال: حدثني أحمد بن إبراهيم ، عن عمار ، عن إبراهيم بن الحسين ، عن بسطام، عن عبد الله بن بكير ، قال : حدثني عمر بن يزيد ، عن هشام الجواليقي، عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال : (إن لله مدينة خلف البحر ، سعتها مسيرة أربعين يوما ، فيها قوم لم يعصوا الله قط ، ولا يعرفون إبليس ، ولا يعلمون خلق إبليس، نلقاهم في كل حين ، فيسألونا عما يحتاجون إليه، ويسألونا الدعاء فنعلمهم، ويسألونا عن قائمنا حتى يظهر ، وفيهم عبادة واجتهاد شديد ، ولمدينتهم أبواب ما بين المصراع إلى المصراع مائة فرسخ ، لهم تقديس واجتهاد شديد، لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم ، يصلى الرجل منهم شهرا لا يرفع رأسه من سجوده ، طعامهم التسبيح ، ولباسهم الورق ، ووجوههم مشرقة بالنور ، إذا رأوا منا واحدا لحسوه واجتمعوا إليه ، وأخذوا من أثره إلى الأرض يتبركون به ، لهم دوي إذا صلوا أشد من دوي الريح العاصف، فيهم جماعة لم يضعوا السلاح منذ كانوا ، ينتظرون قائمنا ، يدعون أن يريهم إياه، وعمر أحدهم ألف سنة، إذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة ، وطلب ما يقربهم إليه ، إذا حبسنا ظنوا أن ذلك من سخط ، يتعاهدون الساعة التي نأتيهم فيها، لا يسئمون ولا يفترون ، يتلون كتاب الله كما علمناهم ، وأن فيما نعلمهم ما لو تلي على الناس لكفروا به ولأنكروه ، يسألوننا عن الشيء إذا ورد عليهم من القرآن ولا يعرفونه ، فإذا أخبرناهم به انشرحت صدورهم لما يسمعون منا، ويسألوا الله طول البقاء وأن لا يفقدونا ، ويعلمون أن المنة من الله عليهم فيما نعلمهم عظيمة ، ولهم خرجة مع الإمام إذا قام ، يسبقون فيها أصحاب السلاح منهم ، ويدعون الله أن يجعلهم ممن ينتصر به لدينهم، فيهم كهول وشبان وإذا رأى شاب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبد لا يقوم حتى يأمره ، لهم طريق أعلم به من الخلق إلى حيث يريد الإمام، فإذا أمرهم الإمام بأمر قاموا عليه أبدا حتى يكون هو الذي يأمرهم بغيره، لو أنهم وردوا على ما بين المشرق والمغرب من الخلق لأفنوهم في ساعة واحدة ، لا يختل الحديد فيهم، ولهم سيوف من حديد غير هذا الحديد ، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلا لقده حتى يفصله ، يغزو بهم الإمام الهند والديلم والكرك والترك والروم وبربر وما بين جابرسا إلى جابلقا ، وهما مدينتان واحدة بالمشرق وأخرى بالمغرب ، لا يأتون على أهل دين إلا دعوهم إلى الله وإلى الإسلام وإلى الإقرار بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن لم يسلم قتلوه حتى لا يبقى بين المشرق والمغرب وما دون الجبل أحد إلا أقر).

 

لدى أمير المؤمنين الاسم الأعظم.

الستون المشارق عن ابن عباس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : (إن من وراء قاف عالما لا يصل إليه أحد غيري ، وأنا المحيط بما وراءه، وعلمي به كعلمي بدنياكم هذه ، وأنا الحفيظ الشهيد عليها ، ولو أردت أن أجوب الدنيا بأسرها والسماوات السبع والأرضين في أقل من طرفة عين لفعلت لما عندي من الاسم الأعظم ، وأنا الآية العظمى ، والمعجز الباهر).

 

الذين يحملون العرش ومن حوله.

 الحادي والستون تأويل الآيات ، عن تفسير محمد بن العباس ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن أحمد بن الحسين العلوي ، عن محمد ابن حاتم، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال : (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في قوله تعالى﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله﴾ (يعني محمدا وعليا والحسن والحسين ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى) .

 

إذا غفا رسول الله لا يجدد وضوءه.

الثاني والستون عن كنز الكراجكي  عن الشيخ المفيد  بحذف الإسناد (عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه غفا ثم قام يصلي من غير تجديد الوضوء، فسئل عن ذلك فقال : إني لست كأحدكم تنام عيناي ولا ينام قلبي).

 

رسول الله إمام حياً وميتاً.

يقول محمد تقي الشريف عفا الله عنه : هذا الحديث يعطي أن أحوال النبي والأئمة (عليهم السلام) لا يقاس بحال سائر الناس كما يزعمه القاصرون، وأنهم إنما كانوا يجرون مع الناس في بعض الأحكام لتجري به السنة، كما صرح به الهادي (عليه السلام) في حديث غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد مضى في الجزء الثالث وهو الحديث الخامس منه ، ويؤيد ذلك أيضا أن من خصال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان إذا واجهته امرأة يحول وجهه عنها ، مع أن من خواص رسول الله - المجمع عليه - أنه كان يرى من خلفه كما كان يرى من بين يديه ، وربما كانوا يجرون على حكم الباطن إرشادا للناس إلى السر ، ويؤيده ما رواه الكليني  في الكافي بسنده، عن أبي مريم الانصاري ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قلت له : كيف كانت الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال : لما غسله أمير المؤمنين (عليه السلام) وكفنه سجاه، ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ، ثم وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في وسطهم فقال﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ فيقول القوم كما يقول ، حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي).  فإن هذا الحديث يعطي أنهم لم يستقبلوا القبلة في الصلاة بل داروا حوله ، وجعلوا رسول الله نائبا مناب القبلة في الاستقبال ، وأنهم ائتموا برسول الله في حال مماته ، كما يدل عليه صريحا ما رواه الكليني أيضا بسنده (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى العباس أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بقيع المصلى ، وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الناس فقال: يا أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إمام حيا وميتا وقال: إني ادفن في البقعة التي اقبض فيها، ثم قام على الباب فصلى عليه، ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون). فإن قوله (عليه السلام) ( رسول الله إمام حيا وميتا ) بعد إخبار العباس له أنهم يريدون أن يؤمهم رجل منهم صريح فيما قررناه ، فتفهم ولا تركن إلى بعض الأقوال فتصيبك فتنة أو يصيبك عذاب أليم.

 

أهل البيت أعلى من الملائكة.

الثالث والستون عن فضائل الشيعة للصدوق  بإسناده ، عن أبي سعيد الخدري قال : (كنا جلوسا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل إليه رجل فقال يا رسول الله أخبرني عن قوله عز وجل لإبليس﴿أستكبرت أم كنت من العالين﴾ فمن هو يا رسول الله الذين هو أعلى من الملائكة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، كنا في سرادق العرش نسبح الله وتسبح الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بألفي عام ، فلما خلق الله عز وجل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ، ولم يأمرنا بالسجود فسجد الملائكة كلهم إلا إبليس، فإنه أبى ولم يسجد فقال الله تبارك وتعالى﴿أستكبرت أم كنت من العالين﴾ عنى من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش ، فنحن باب الله الذي يؤتى منه ، بنا يهتدي المهتدي ، فمن أحبنا أحبه الله وأسكنه جنته ، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره ، ولا يحبنا إلا من طاب مولده).

 

من بغض علياً فهو ابن حيضة وزنية

الرابع والستون روضة العارفين للسيد التوبلي  عن كتاب كشف اليقين في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) للعلامة الحلي  قال : (كان لأبي دلف ولد فتحادث أصحابه في حب علي (عليه السلام) وبغضه ، فروى بعضهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : يا علي لا يحبك إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضك إلا ولد زنية أو حيضة، فقال ولد أبي دلف : ما تقولون في الأمير هل يؤتى في أهله ؟ فقالوا: لا ، فقال : والله إني لأشد الناس بغضا لعلي بن أبي طالب ، فخرج أبوه وهم في التشاجر فقال : والله إن هذا الخبر لحق والله إنه لولد زنية وحيضة معا ، إني كنت مريضا في دار أخي في حمى ثلاث، فدخلت علي جارية لقضاء حاجة،  فدعتني نفسي إليها فأبت وقالت : إني حائض فكابرتها على نفسها فوطئتها فحملت بهذا الولد فهو لزنية وحيضة معا).

 

امرأة تؤكد على طهارة منبت من أحب عليا

أقول قصة أبي دلف هذه من القصص المشهورة ، ويعضدها ما نقله السيد أيضا عن العلامة في كتابه المذكور ، قال : وحكى والدي  قال: مررت يوما في بعض درب بغداد مع أصحابي ، فأصابني عطش، فقلت لبعض أصحابي : أطلب ماء من بعض الدرب ، فمضى يطلب الماء ، ووقفت وباقي أصحابي ننتظر الماء ، وصبيان يلعبان أحدهما يقول لآخر بأن الإمام عليا أمير المؤمنين ، والآخر يقول إنه فلان، فقلت صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال : يا علي لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا ولد حيضة فخرجت امرأة وقالت: بالله يا سيدي أسمعني ما قلت، فقلت: حديث رويته عن النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) لا حاجة إلى ذكره فذكرت، فكررت السؤال فرويته لها ، فقالت : والله يا سيدي إنه لخبر صدق إن هذين ولداي ، الذي يحب عليا ولد الطهر ، والذي يبغضه حملته في الحيضة ، جاء والده إلي فكابرني على نفسي حالة الحيض ، ونال مني فحملت بهذا الذي يبغض عليا. فهاتان القصتان من الوجدانيات التي تصدق ما ورد في هذا الباب من الأخبار من طريق الفريقين والسلام.

 

جعل الله لكل نبي أو رسول اثني عشر نقيبا

الخامس والستون مقتضب الأثر لأحمد بن عباس عن أحمد بن محمد ابن جعفر الصولى البصري قال : حدثنا عبد الرحمن بن صالح بن رعيدة قال : حدثنى الحسين بن حميد بن الربيع  قال : حدثنا الأعمش ، عن محمد ابن خلف الطاطري ، عن زاذان عن سلمان قال : (دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فلما نظر إلي قال: يا سلمان إن الله عز وجل لم يبعث نبيا ولا رسلا إلا جعل له إثنى عشر نقيبا قال: قلت له: يا رسول الله! لقد عرفت هذا من أهل الكتابين، قال: يا سلمان فهل عرفت من نقبائي الإثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي؟ فقلت: الله ورسوله أعلم! قال: يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته، وخلق من نوري نور علي (عليه السلام) فدعاه إلى طاعته فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه، فسمانا الله عز وجل بخمسة أسماء من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن ، والله المحسن وهذا الحسين ، ثم خلق منا ومن نور الحسين تسعة أئمة، فدعاهم فأطاعوا قبل أن يخلق الله عز وجل سماء مبنية، أو أرضا مدحية، أو هواء أوماء أوملكا أو بشرا، وكنا بعلمه أنوارا نسبحه ونسمع له ونطيع ، فقال سلمان قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، ما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم، فوالى وليهم وتبرأ من عدوهم فهو والله منا يرد حيث نرد ، ويسكن حيث نسكن، قال قلت: يا رسول الله فهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم فقال: لا يا سلمان ، فقلت: يا رسول الله فأنى لي لجنابهم ؟ قال: قد عرفت إلى الحسين، قال: ثم سيد العابدين علي ابن الحسين، ثم ولده محمد بن علي باقر علم الأولين والآخرين من النبيين و المرسلين ثم جعفر بن محمد لسان الله الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله، ثم علي بن موسى الرضا لأمر الله، ثم محمد بن علي الجواد المختارمن خلق الله، ثم علي بن محمد الهادي إلى الله، ثم الحسن بن علي الصامت الأمين على دين الله العسكري، ثم ابنه حجة الله فلان سماه باسمه ابن الحسن المهدي ، والناطق القائم بحق الله. قال سلمان: فبكيت ، ثم قلت: يا رسول الله فأنى لسلمان بإدراكهم؟ قال: يا سلمان إنك مدركهم وأمثالك ومن تولاهم بحقيقة المعرفة، قال سلمان : فشكرت الله كثيرا ، ثم قلت: يا رسول الله، إني مؤجل إلى عهدهم قال : يا سلمان اقرأ ﴿فإذا جاء وعد أوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا﴾ قال سلمان: فاشتد بكائي وشوقي وقلت: يا رسول الله ، بعهد منك ؟ فقال: إي والذي أرسل محمدا إنه لبعهد مني وبعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة أئمة، وكل من هو منا ومظلوم فينا، إي والله يا سلمان، ثم ليحضرن إبليس وجنوده وكل من محض الإيمان محضا، ومحض الكفر محضا، حتى يؤخذ بالقصاص والأوتار والتراث ولا يظلم ربك أحدا، ويجري تأويل هذه الآية﴿ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾ قال سلمان : فقمت من بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يبالي سلمان متى لقي الموت أو لقيه. قال الشيخ أبو عبد الله بن عياش: سألت أبا بكر محمد بن عمر الجعابي الحافظ عن محمد بن خلف الطاطري؟ فقال: هو محمد بن خلف بن موهب الطاطري ثقة مأمون) .

أقول : الموجود في نسختي من المقتضب شاذان عن سلمان وكذا في المنقول عنه في سائر المواضع والأصح زاذان - بالزاي المنقوطة - مكان الشين وشاذان تصحيف من الرواة، والسلام.

أشباح آل البيت

السادس والستون: عن تفسير محمد بن العباس قال : حدثنا عبد العزيز ابن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عمر بن يونس الحنفي اليماني، عن داود ابن سليمان المروزي ، عن الربيع بن عبد الله الهاشمي ، عن أشباح من آل علي ابن أبي طالب قالوا : (قال علي (عليه السلام) في بعض خطبه إنا آل محمد كنا أنوارا حول العرش، فأمرنا الله تعالى بالتسبيح فسبحنا ، وسبحت الملائكة بتسبيحنا ، ثم أهبطنا إلى الأرض ، فأمرنا الله بالتسبيح فسبحنا ، فسبحت أهل الأرض بتسبيحنا ، فإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون).

 

جنب الله

السابع والستون: عن المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال : يروى عن أبي بكر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (خلقت أنا وأنت يا علي من جنب الله تعالى، فقال : يا رسول الله ، ما جنب الله ؟ قال: سر مكنون ، وعلم مخزون، لم يخلق الله منه سوانا ، فمن أحبنا وفى بعهد الله ، ومن أبغضنا فأنه يقول في آخر نفس : يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) .

 

علم أهل البيت

الثامن والستون البصائر حدثنا علي بن إسماعيل ، عن محمد بن عمرو الزيات ، عن أبيه ، عن الفيض بن المختار قال : (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن سليمان بن داود قال : علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شي‏ء ، وقد والله علمنا منطق الطير وعلم كل شيء).

 

الشيعة تكفر عن ذنوبهم قبل وفاتهم

التاسع والستون نهج المحجة في الإمامة للشيخ الأجل الشيخ علي بن شيخنا العلام الإحسائي  بحذف الإسناد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إن رجلا قال: له : إن بعض شيعتك يرتكب المحارم ويأتي الكبائر فقال (عليه السلام): لعله يتوب ويتدارك ذنوبه، فقال : قد يخرج من الدنيا من غير توبة؟ قال: إن الله يكفرها بالأمراض ، ونقص الأموال والأولاد ، وغير ذلك . قال : قد لا يكون ذلك ، قال: إن الله يكفرها بسلطان جور يظلم فيهم ، فيكون كفارة لذنوبهم. قال : قد لا يكون ذلك. قال : لعله يكفرها بجار سوء يؤذيهم. قال : قد لا يكون ذلك. قال : قد يكفرها بامرأة سوء وهي أشق من الكل عليه. قال : قد لا يكون ذلك. فغضب (عليه السلام) وقال تدركهم شفاعتنا رغما على أنفك).

 

أكرم الله تعالى أهل البيت بعلمه

السبعون عن عيون المعجزات - الذي يأتي تحقيق مصنفه في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى- عن عمر بن فرج الرخجي قال : (قلت لأبي جعفر(عليه السلام)-يعني الجواد- : إن شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه ، وكنا على شاطئ دجلة ، فقال (عليه السلام) لي : يقدر الله تعالى أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا ؟ قلت : نعم يقدر ، فقال: أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه).

أقول : وهذه حجة قاطعة على المنكرين لكثير من مناقبهم لا يحيد عنها إلا من لا يؤمن بالله أو ينكر قدرته المطلقة سبحانه وتعالى عما يصفون والسلام.

 

الحوار الذي دار بين هشام بن عبد الملك وأبي جعفر عليه السلام

الحادي والسبعون عن دلائل الطبري الإمامي  قال : روى الحسن بن معاذ الرضوي قال : حدثنا لوط بن يحيى الأزدي ، عن عمارة بن زيد الواقدي قال : (حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر (عليهم السلام) ، فقال جعفر بن محمد (عليهم السلام) : الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا ، وأكرمنا به فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده وخلفاؤه، فالسعيد من اتبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا ، قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهم السلام): فأخبر مسلم أخاه بما سمع ، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق ، وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي فأشخصنا، فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثا، ثم أذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا، وإذا هو قد قعد على سرير الملك وجنده وخاصته وقوف ، على أرجلهم سماطان متسلحان، وقد نصب البرجاس حذاه وأشياخ قومه يرمون ، فلما دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه فنادى أبي وقال : يا محمد ارم مع أشياخ قومك الغرض. فإنما أراد أن يهتكك بأبي ، وظن منه أنه يقصر فلا يصيب الغرض لكبر سنه فيشتفي منه، فاعتذر أبي وقال : إني قد كبرت، فإن رأيت أن تعفيني، فلم يقبل وقال: لا والذي أعزنا بدينه ونبيه، ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك، فتناولها منه أبي وتناول منه الكنانة، فوضع سهما في كبد القوس فرمى وسط الغرض، فأثبته فيه ، ثم رمى الثاني فشق فوق السهم الأول إلى نصله، ثم تابع حتى شق تسعة أسهم ، فصار بعضها في جوف بعض، وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر، فأنت أرمى العرب، والعجم زعمت أنك قد كبرت ، كلا ، ثم ندم على مقالته وتكنيته له وكان من تكبره لا يكني أحدا في خلافته، فأطرق إطراقة يرتئي فيه رأيا، وأبي واقف إزاءه ومواجه له وأنا وراء أبي، فلما طال الوقوف غضب أبي، وكان إذا نظر السماء نظر غضبان يتبين الغضب في وجهه، فلما نظر هشام ذلك من أبي قال: اصعد يا محمد فصعد أبي السرير وصعدت، فلما دنا من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، وأقبل على أبي بوجهه وقال: يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك، ولله درك من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ فقال أبي: قد علمت أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي، ثم تركته فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت إليه، فقال: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت، وما ظننت أن أحدا في أهل الأرض يرمي مثل هذا، فأين رمي جعفر من رميك؟ فقال إنا نتوارث الكمال والتمام والدين إذ أنزل الله تعالى على نبيه قوله ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾يعني ورضيت لكم الإسلام دينا، فالأرض ممن يكمل دينه لا تخلو، فكان ذلك علامة هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا، فلما سمع ذلك انقلبت عينه اليمنى فأحولت، واحمر وجهه، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب، ثم أطرق هنيهة ورفع رأسه إلى أبي وقال: ألسنا بني عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي: ونحن كذلك، ولكن الله جل ثناؤه اختصنا بمكنون سره، وخالص علمه ما لم يختص أحدا غيرنا، فقال: أليس الله بعث محمدا من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها؟ فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة؟ ومن أين أورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولما أنتم أنبياء؟ فقال أبي: من قوله تعالى ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به﴾فالذي أبداه فهو للناس كافة، والذي لم يحرك به لسانه أمر الله تعالى أن يخصنا به دون غيرنا، فلذلك كان يناجي به أخاه عليا دون أصحابه، وأنزل الله تعالى قرآنا فقال ﴿وتعيها أذن واعية﴾فقال له رسول الله بين أصحابه: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، ولذلك قال علي بالكوفة: علمني رسول الله ألف باب من العلم، ينفتح من كل باب ألف باب خصه رسول الله من مكنون علمه ما خصه الله به؛ فصار إلينا وتوارثناه من دون قومنا، فقال له هشام: إن عليا كان يدعي علم الغيب، والله لم يطلع على غيبه أحدا، فكيف ادعى ذلك؟ ومن أين؟ فقال أبي: إن الله أنزل على نبيه كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى وموعظة للمتقين﴾وفي قوله تعالى ﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾وفي قوله﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾وفي قوله ﴿وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين﴾وأوحى إلى نبيه أن لا يبقى في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا ناجاه به، وأمر أن يؤلف القرآن من بعده، ويتولى غسله وتحنيطه وتكفينه من دون قومه، وقال لأهله وأصحابه حرام أن تنظروا إلى عورتي غير أخي علي، فهو مني وأنا منه، له ما لي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني، ومنجز وعدي، وقال لأصحابه: علي يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي، ولذلك قال لأصحابه: أقضاكم علي، وقال عمر بن الخطاب: لو لا علي لهلك عمر، أفيشهد له عمر ويجحد غيره؟ فأطرق هشام ثم رفع رأسه وقال: سل حاجتك، فقال: خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي، فقال: قد آمن الله وحشتهم برجوعك إليهم، فلا تقم أكثر من يومك، فاعتنقه أبي وودعه، وفعلت فعله، ونهض ونهضت، وخرجنا إلى بابه، فإذا على بابه ميدان وفيه أناس قعود في آخره، فسأله عنهم أبي فقال الحجاب: هؤلاء القسيسون والرهبان، وهذا عالم لهم يقعد لهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم، فلف أبي رأسه بفاضل رداءه وفعلت فعله، وأقبل حتى قعد عندهم وقعدت وراء أبي، فرفع الخبر إلى هشام، فأمر بعض غلمانه أن يحضره وينظر ما يصنع، فأتى ومعه عددا من المسلمين فأحاطوا بنا، وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بعصابة صفراء فتوسطنا، وقام إليه جميع الحاضرين مسلمين، فتوسط صدر المجلس قعد فيه وأحاطوا به، وأبي وأنا بينهم فأدار نظره فيهم فقال لأبي: أمنا أم من هذه الأمة المرحومة؟ فقال أبي: بل من هذه الأمة المرحومة، فقال: أمن علمائها أم من جهالها؟ فقال أبي: لست من جهالها، فاضطرب وقال: أسألك؟ فقال: سل، قال: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون، ولا يحدثون ولا يبولون، وما الدليل؟ وهل من شاهد لا يجهل؟ قال أبي: الدليل الذي لا ينكر مشاهدة الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث، فاضطرب اضطرابا شديدا وقال: كلا زعمت أنك لست من علمائها، فقال أبي: قلت لست من جهالها، قال: فأسألك عن مسألة أخرى؟ قال: سل، قال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية؟ وما الدليل من المشاهدات؟ قال: إن الفرات غض طري موجود غير معدوم لا ينقطع، فاضطرب اضطرابا شديدا وقال: كلا زعمت أنك لست من علمائها، فقال أبي: قلت لست من جهالها، فقال: أسألك عن مسألة أخرى؟ قال: سل، قال: أسألك عن ساعة من ساعات الدنيا ليست من الليل ولا من النهار؟ قال: أبي هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيها الساهر، ويفيق فيها المغمى عليه، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين، وفي الآخرة للعاملين، وجعلها دليلا واضحا، وحجة بالغة على الجاحدين والتاركين، فصاح صيحة ثم قال: بقيت مسألة واحدة لأسألنك عنها ولا تهتدي إلى الجواب عنها أبدا، قال أبي: فسل إنك حانث في قولك، فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد، وماتا في يوم واحد؛ عمر أحدهما مائة وخمسين سنة، والآخر خمسين سنة في الدنيا؟ فقال أبي: ذلك عزير وعزرة، ولدا في يوم واحد، ولما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاما؛ مر عزير على حماره بقرية في أنطاكية وهي خاوية على عروشها، فقال: أنى يحيى الله هذه بعد موتها؟ وكان الله قد اصطفاه وهداه، فلما قال ذلك غضب الله عليه وأماته مائة عام، ثم بعثه على طعامه وحماره وشرابه ، وعاد إلى داره وأخوه عزرة لا يعرفه فاستضافه، وبعث إلى أولاده وأحفاده وقد شاخوا، وعزير شاب في سن خمس وعشرين، وهو يذكر عزرة بنفسه فيقول له: ما رأيت شابا أعلم بعزير منك، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض؟ فقال عزير لأخيه: أنا عزير، سخط الله تعالى علي بقول قلته فأماتني مائة سنة، ثم بعثني ليزدادوا بذلك يقينا إن الله على كل شي‏ء قدير، وهذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده لي كما كان بقدرته، فأعاشه الله بينهم تمام الخمسين، وقبضه الله وأخاه في يوم واحد، فنهض عند ذلك عالم النصارى وقاموا معه، فقال: جئتموني بأعلم مني فأقعدتموه بينكم ليفضحني، ويعلم المسلمون بأن لهم من يحيط بعلومنا، وعنده ما لا نحيط به فلا والله لا كلمتكم، ولا قعدت لكم إن عشت سنة، فتفرقوا وأبي قاعد مكانه، ورفع ذلك الرجل الخبر إلى هشام، فإذا رسوله بالجائزة والأمر بانصرافنا إلى المدينة من وقتنا، فلا نبقى لأن أهل الشام ماجوا وهاجوا فيما جرى بين أبي وعالم النصارى، فركبنا دوابنا منصرفين، وقد سبقنا بريد هشام إلى عامل مدين في طريقنا إلى المدينة، يذكر له :(أن ابن أبي تراب الساحر محمد بن علي وابنه جعفر الكذابين فيما يظهران من الإسلام قد وردا علي، فلما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان، وتقربا إليهم بالنصرانية، فكرهت النكال بهما لقرابتهما، فإذا مر بانصرافهما عليكم فليناد في الناس برئت الذمة ممن بايعهما وشاراهما وصافحهما وسلم عليهما، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام)، فلما ورد البريد إلى مدين وشارفناها بعده قدم أبي غلمانه؛ ليشتروا لدوابنا علفا ولنا طعاما، فلما قربوا من المدينة أغلق أهلها الباب في وجوههم وشتموهم، وذكروا بالشتم عليا وقالوا لهم: لا نزول لكم عندنا، ولا بيع ولا شراء، فأنتم كفار مشركون، فوقف غلماننا إلى الباب حتى انتهينا إليهم، فكلمهم أبي ولين لهم القول قال: اتقوا الله فلسنا كما بلغكم، فأجابوه بمثل ما أجابوا الغلمان، فقال لهم أبي: هبونا كما قلتم فافتحوا الباب، وبايعونا كما تبايعون اليهود والنصارى والمجوس، فقالوا: أنتم أشر منهم؛ لأن هؤلاء يؤدون الجزية، وأنتم لا تؤدون، فقال لهم أبي: افتحوا الباب وخذوا منا الجزية كما تأخذونها منهم، فقالوا: لا نفتح ولا كرامة حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا، وتموت دوابكم تحتكم فوعظهم أبي فازدادوا عتوا، فثنى أبي رجله عن سرجه وقال لي: مكانك يا جعفر لا تبرح، فصعد الجبل المطل على مدينة مدين، وهم ينظرون ما يصنع فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة، ووضع إصبعيه في أذنيه ونادى: ﴿وإلى‏ مدين أخاهم شعيبا﴾إلى قوله ﴿بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين﴾نحن والله بقية الله في أرضه، فأمر الله تعالى ريحا سوداء مظلمة، فهبت واحتملت صوته فألقته في أسماع الرجال والنساء والصبيان والإماء، فما بقي أحد من أهل مدين إلا صعد السطح من الفزع، وفيمن صعد شيخ كبير السن، فلما نظر الجبل صرخ بأعلى صوته: اتقوا الله يا أهل مدين، فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب حين دعا على قومه، فإن لم تفتحوا له الباب نزل بكم العذاب، وقد أعذر من أنذر، ففتحوا لنا الباب، وأنزلونا وكتب العامل بجميع ذلك إلى هشام، فارتحلنا من مدين إلى المدينة في اليوم الثاني، وكتب هشام إلى عامله بأن يأخذوا الشيخ ويدفنوه في حفيرة، ففعلوا وحملوه ، وكتب أيضا إلى عامله بالمدينة أن يحتالوا في سم أبي بطعام أو شراب ،ومضى هشام ولم يتهيأ له).

 

رسول الله يتحدث عن منزلة وفضل علي

الثاني والسبعون أمالي الصدوق  حدثنا أبي  قال : حدثنا إبراهيم ابن عمروس الهمداني بهمدان قال : حدثنا أبو علي الحسن بن إسماعيل القحطبي قال : حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم ، عن أبيه عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن مرة عن سلمة بن قيس قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : علي (عليه السلام) في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض، وفي السماء الدنيا كالقمر بالليل في الأرض، أعطى الله عليا من الفضل جزءا لو قسم على أهل الأرض لوسعهم ، وأعطاه الله من الفهم جزءا لو قسم على أهل الأرض لوسعهم، شبهت لينه بلين لوط ، وخلقه بخلق يحيى، وزهده بزهد أيوب ، وسخاه بسخاء إبراهيم، وبهجته ببهجة سليمان بن داود، وقوته بقوة داود، له اسم مكتوب على كل حجاب في الجنة، بشرني به ربي وكانت له البشارة عندي، علي محمود عند الحق، مزكى عند الملائكة، وخاصتي وخالصتي وظاهرتي ومصباحي وجنتي ورفيقي، آنسني به ربي فسألت ربي أن لا يقبضه قبلي، وسألته أن يقبضه شهيدا بعدي، أدخلت الجنة فرأيت حور علي أكثر من ورق الشجر، وقصور علي كعدد البشر، علي مني وأنا من علي، من تولى عليا فقد تولاني، حب علي نعمة واتباعه فضيلة، دان به الملائكة، وحفت به الجن الصالحون، لم يمش على الأرض ماش بعدي إلا كان هو أكرم منه عزا وفخرا ومنهاجا، لم يك فظا عجولا، ولا مسترسلا لفساد، ولا متعندا ، حملته الأرض فأكرمته، لم يخرج من بطن أنثى بعدي أحد كان أكرم خروجا منه، ولم ينزل منزلا إلا كان ميمونا، أنزل الله عليه الحكمة، ورداه بالفهم، تجالسه الملائكة ولا يراها، ولو أوحي إلى أحد بعدي لأوحي إليه، فزين الله به المحافل، وأكرم به العساكر، وأخصب به البلاد، وأعز به الأجناد، مثله كمثل بيت الله الحرام يزار ولا يزور، ومثله كمثل القمر إذا طلع أضاء الظلمة، ومثله كمثل الشمس إذا طلعت أنارت، وصفه الله في كتابه ومدحه بآياته، ووصف فيه آثاره، وأجرى منازله، فهو الكريم حيا والشهيد ميتا).

 

الإمام أبو جعفر يسأل الإعرابي عن عالم أهل اليمن.

الثالث والسبعون بصائر الدرجات حدثنا علي بن خالد، عن يعقوب بن يزيد، عن العباس الوراق ،عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان قال: حدثني ليث المرادي (عن سدير يحدث فأتيته فقلت: إن ليث المرادي حدثني عنك بحديث فقال: وما هو؟ قلت: أخبرني عنك أنك كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) في سقيفة بابه؛ إذ مر أعرابي من أهل اليمن، فسأله أبو جعفر (عليه السلام) : من عالم أهل اليمن؟ فأقبل يحدث عن الكهنة والسحرة وأشباههم، فلما قام الأعرابي قال له أبو جعفر: ولكن أخبرك عن عالم أهل المدينة أنه يذهب إلى مطلع الشمس ويجي‏ء في ليلة، وأنه ذهب إليها ليلة فأتاها، فإذا رجل معقول برجل، وإذا عشرة موكلون به، أما في البرد فيرشون عليه الماء البارد ويروحونه، وأما في الصيف فيصبون على رأسه الزيت ويستقبلون به عين الشمس، فقال للعشرة: ما أنتم وما هذا ؟ فقالوا : لا ندري إلا أنا موكلون، فإذا مات منا واحد خلفه آخر، فقال للرجل: ما أنت ؟ فقال: إن كنت عالما فقد عرفتني، وإن لم تكن عالما فلست أخبرك، فلما انصرف من فراتكم، فقلت : فراتنا فرات الكوفة قال: نعم فراتكم فرات الكوفة، ولولا أني كرهت أن أشهرك رفعت عليك بابك، فسكت).

 

الأئمة يعلمون بكل حدث فينا.

الرابع والسبعون وفيه حدثنا محمد بن عيسى، عن أبي عبد الله المؤمن، عن حكم بن الحسين الحناط، عن الحارث بن المغيرة وأبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (ما يحدث فيكم حدث إلا علمناه، قلت: وكيف ذاك؟ قال: يأتينا به راكب يضرب).

 

الإمام أبو جعفر يتحدث عن صفة أهل البيت

الخامس والسبعون تفسير فرات حدثني الفضل بن يوسف القصباني معنعنا ، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) أنه قال: (أيها الناس إن أهل بيت نبيكم شرفهم الله بكرامته، وأعزهم بهداه ، واختصهم لدينه، وفضلهم بعلمه، واستحفظهم وأودعهم علمه، وأطلعهم على غيبه، عماد لدينه، شهداء عليه، وأوتاد في أرضه، وقوام بأمره، براهم قبل خلقه، أظلة عن يمين عرشه، نجباء في علمه، اختارهم وانتجبهم وارتضاهم واصطفاهم، فجعلهم علما لعباده، وأدلاء لهم على صراطه، فهم الأئمة والدعاة، والقادة الهادية، والقضاة الحكام، والنجوم الأعلام، والأسوة المتخيرة، والعترة المطهرة، والأمة الوسطى، والصراط الأعلم، والسبيل الأقوم، زينة النجباء ، وورثة الأنبياء، وهم الرحم الموصولة، والكهف الحصين للمؤمنين، ونور أبصار المهتدين، وعصمة لمن لجأ إليهم، وأمن لمن استجار بهم، ونجاة لمن تبعهم، يغتبط من والاهم، ويهلك من عاداهم، ويفوز من تمسك بهم، والراغب عنهم مارق، واللازم لهم لاحق، وهم الباب المبتلى به، من أتاه نجا، ومن أباه هوى، حطة لمن دخله، وحجة على من تركه، إلى الله يدعون، وبأمره يعملون، وبكتابه يحكمون، وبآياته يرشدون، فيهم نزلت رسالته، وعليهم هبطت ملائكته، وإليهم بعث الروح الأمين فضلا منه ورحمة، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، فعندهم والحمد لله ما يلتمسون، ويفتقر إليه ويحتاج إليه من العلم الشاق، والهدى من الضلالة، والنور عند دخول الظلم، فهم الفروع الطيبة، والشجرة المباركة، ومعدن العلم، ومنتهى الحلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، فهم أهل بيت الرحمة والبركة، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).

 

النبي يطلع أمير المؤمنين على موضع قبره.

السادس والسبعون فرحة الغري للسيد السليل عبدالكريم بن أحمد بن طاوس  قال: رأيت في كتاب عن الحسن بن الحسين بن طحال المقدادي قال: روى الخلف عن السلف ، عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام) : (يا علي إن الله عز وجل عرض مودتنا أهل البيت على السماوات (والأرض)، فأول من أجاب منها السماء السابعة، فزينها(فشرفها) بالعرش والكرسي، ثم السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سماء الدنيا فزينها بالنجوم، ثم أرض الحجاز فشرفها بالبيت الحرام، ثم أرض الشام فشرفها ببيت المقدس، ثم أرض طيبة فشرفها بقبري، ثم أرض كوفان فشرفها بقبرك يا علي، فقال: يا رسول الله، أقبر بكوفان العراق؟ فقال: نعم يا علي، تقبر بظاهرها قتلا بين الغريين والذكوات البيض، يقتلك شقي هذه الأمة عبد الرحمن بن ملجم، فو الذي بعثني بالحق نبيا ما عاقر ناقة صالح عند الله بأعظم عقابا منه، يا علي ينصرك من العراق مائة ألف سيف).

 

فضل زيارة النبي والأئمة

السابع والسبعون الكافي عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن زيد الشحام قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما لمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال: كمن زار الله عز وجل فوق عرشه ، قال : قلت : فما لمن زار أحدا منكم؟ قال : كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)).

 

عهد الأولياء لشيعتهم.

الثامن والسبعون وفيه أبو علي الأشعري ، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي الوشاء قال: ( سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد ، وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم، وتصديقا بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة).

 

زيارتهم في حياتهم أو بعد مماتهم

التاسع والسبعون وفيه أبو علي الأشعري،عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن سنان ، عن محمد بن علي رفعه قال: ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي، أو زارك في حياتك أو بعد موتك، أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما، ضمنت له يوم القيامة أن أخلصه من أهوالها وشدائدها، حتى أصيره معي في درجتي).

 

أمير المؤمنين أفضل عند الله من الأئمة

الثمانون وفيه محمد بن يحيى ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد الله بن محمد اليماني ، عن منيع بن الحجاج ، عن يونس بن أبي وهب القصري قال: ( دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) ، فقلت : جعلت فداك ، أتيتك ولم أزر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال :بئس ما صنعت ، لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ، ويزوره الأنبياء ، ويزوره المؤمنون ، قلت : جعلت فداك ، ما علمت ذلك ، قال: اعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أفضل عند الله من الأئمة كلهم ، وله ثواب أعمالهم ، وعلى قدر أعمالهم فضلوا).

 

فضل زيارة الحسين

الحادي والثمانون وفيه محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن بشير الدهان قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) :ربما فاتني الحج ، فأعرف عند قبر الحسين (عليه السلام) ؟ فقال: أحسنت يا بشير ، أيما مؤمن أتى قبر الحسين (عليه السلام) عارفا بحقه في غير يوم عيد؛ كتب الله له عشرين حجة ، وعشرين عمرة مبرورات مقبولات، وعشرين حجة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل ، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائة حجة ، ومائة عمرة ، ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل ، قال: قلت له: كيف لي بمثل الموقف؟ قال: فنظر إلي شبه المغضب ثم قال لي : يا بشير إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، واغتسل من الفرات، ثم توجه إليه؛ كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها ، ولا أعلمه إلا قال وغزوة).

 

فضل زيارة قبر أبي عبد الله يوم عاشوراء

الثاني والثمانون التهذيب عن جعفر بن محمد قولويه ، وعنه قال: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( من زار قبر أبي عبد الله (عليه السلام) يوم عاشوراء ؛ عارفا بحقه ، كان كمن زار الله تعالى في عرشه).

 

لا تحصىفضائل زيارة الحسين يوم عرفة.

الثالث والثمانون وفيه عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان ، عن أبي إسماعيل القماط ، عن بشار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (من كان معسرا فلم يتهيأ له حجة الإسلام ، فليأت قبر أبي عبد الله (عليه السلام)، وليعرف عنده فذلك يجزيه عن حجة الإسلام ، أما إني لا أقول يجزي ذلك عن حجة الإسلام إلا لمعسر ، فأما الموسر إذا كان قد حج حجة الإسلام فأراد أن يتنفل بالحج والعمرة ، فمنعه عن ذلك شغل دنيا أو عائق، فأتى الحسين بن علي (عليه السلام) في يوم عرفة ؛ أجزأه ذلك عن أداء حجته وعمرته، وضاعف الله له بذلك أضعافا مضاعفة ، قلت: كم تعدل حجة ؟ وكم تعدل عمرة ؟ قال :لا يحصى ذلك ، قلت : مائة ، قال : ومن يحصي ذلك ؟ قلت: ألف ، قال : وأكثر ، ثم قال : وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها).

 

فضل زيارة الحسين يوم عرفة.

 الرابع والثمانون عن كامل الزيارات لابن قولويه قال: حدثني أبي وأخي وجماعة من مشايخي رحمهم الله ، عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس عن حمدان بن سليمان النيسابوري ، عن عبد الله بن محمد اليماني، عن منيع بن الحجاج ، عن يونس ، عن صفوان الجمال قال : (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) لما أتى الحيرة : هل لك في قبر الحسين (عليه السلام) ؟ قلت : وتزوره جعلت فداك ؟ قال : وكيف لا أزوره ، والله يزوره في كل ليلة جمعة، يهبط مع الملائكة إليه ، والأنبياء والأوصياء ، ومحمد أفضل الأنبياء ، ونحن أفضل الأوصياء ، فقال صفوان : جعلت فداك ، فتزوره في كل جمعة حتى تدرك زيارة الرب ؟ قال : نعم يا صفوان ، الزم ذلك يكتب لك زيارة قبر الحسين (عليه السلام) وذلك تفضيل(وتكسب ذلك الفضل)‏. 

الباكون على الحسين

الخامس والثمانون وعنه حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن علي بن عثمان ، عن عبد الجبار النهاوندي ، عن أبي سعيد ، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة ويونس بن ظبيان وأبي سلمة السراج والمفضل بن عمر كلهم قالوا : (سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن أبا عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) لما مضى ؛ بكت عليه السماوات السبع ، والأرضون السبع ، وما فيهن وما بينهن ، ومن ينقلب عليهن ، والجنة والنار ، وما خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى).

 

بكاء المخلوقات على الحسين

السادس والثمانون وعنه ، عن محمد بن جعفر الرزاز القرشي قال: حدثني خالي محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن يحيى بن معمر العطار ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر قال : (بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين بن علي (عليه السلام) حتى ذرفت دموعها).

 

السماوات والأرض تبكي على الحسين

السابع والثمانون وعنه قال حدثني أبي ، عن سعد بن عبد الله وعبد الله ابن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن البرقي محمد بن خالد ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن الحسن بن الحكم النخعي، عن كثير بن شهاب الحارثي قال : (بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرحبة ، إذ طلع الحسين (عليه السلام) عليه ، فضحك علي (عليه السلام) ضحكا حتى بدت نواجده ، ثم قال : إن الله ذكر قوما وقال : (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليقتلن هذا ولتبكين عليه السماء والأرض).

 

أبو ذر يخبر عن قتل الحسين

الثامن والثمانون وعنه حدثني أبو الحسين محمد بن عبد الله بن علي الناقد قال: حدثني عبد الرحمن الأسلمي ، عن عبد الله بن الحسين ، عن عروة ابن الزبير قال : (سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس: يا أبا ذر ، أبشر فهذا قليل في الله تعالى، فقال: ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي (عليه السلام) قتلا ؟ أو قال : ذبح ذبحا ، والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة أعظم قتلا منه بعد قتل الحسين أعظم قتلا منه‏ ، وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا، ويبعث ناقما قائما من ذريته فينتقم من الناس ، وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام، وأهل السماء من قتله،  لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم ، وما من سماء يمر به روح الحسين (عليه السلام) إلا فزع له سبعون ألف ملك ؛ يقومون قياما ، ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة، وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله ، وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيلتقيان).

 

أرض كربلاء أفضل من أرض مكة

التاسع والثمانون كتاب أبي سعيد عباد العصفري وهو من الأصول، عن عمر بن يزيد بياع السابري ، عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال : (إن أرض الكعبة قالت : من مثلي ،وقد جعل بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق ، وجعلت حرم الله وأمنه ؟ فأوحى الله إليها: أن كفي وقري، فوعزتي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلا إلا بمنزلة إبرة غمست في البحر ، فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة كربلا ما فضلت، ولولا ما تضمنت أرض كربلا ما خلقتك ، ولا خلقت البيت الذي به أفتخرت ، فقري وأستقري ، وكوني دنيا متواضعا ذليلا مهينا غير مستنكف ولا مستكبر على أرض كربلا ، وإلا أسخط بك فهويت في نار جهنم).

 

خلقت أرض كربلاء قبل أرض مكة

التسعون وفيه عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ( خلق الله أرض كربلا قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدسها وبارك عليها ، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة، لا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة ، وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنة).

 

ترفع أرض كربلاء إلى الجنة

الحادي والتسعون وفيه ، عن رجل ، عن أبي الجارود قال: (قال علي بن الحسين (عليهم السلام) : اتخذ الله أرض كربلا حرما آمنا مباركا قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وإنها إذا بدل الله الأرضين رفعها كما هي برمتها نورانية صافية ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة ، لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون ، أو قال : أولوا العزم من الرسل ، وإنها لتزهر من رياض الجنة كما تزهر الكواكب الدري من الكواكب لأهل الأرض ، يغشى نورها نور أبصار أهل الجنة جميعا، وهي تنادي: أنا أرض الله المقدسة ، والطينة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وشباب أهل الجنة).

 

لموضع قبر الحسين حرمة معلومة

الثاني والتسعون الكافي عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاق بن عمار قال : (سمعته يقول: لموضع قبر الحسين (عليه السلام) حرمة معلومة ، من عرفها واستجار بها أجير، قلت: صف لي موضعها ، قال : امسح من موضع قبره اليوم(إلى) خمسة وعشرين ذراعا من قدامه ، وخمسة وعشرين ذراعا عند رأسه ، وخمسة وعشرين ذراعا من ناحية رجليه ، وخمسة وعشرين ذراعا من خلفه ، وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنة ، ومنه معراج يعرج منه بأعمال زواره إلى السماء ، وليس من ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين (عليه السلام) ، ففوج ينزل وفوج يعرج).

 

عظمة أجر زيارة الأئمة

الثالث والتسعون وفيه محمد بن يحيى عن حمدان القلانسي ، عن علي ابن محمد الحضيني ، عن علي بن عبد الله بن مروان ، عن إبراهيم بن عقبة قال : (كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن زيارة أبي عبد الله الحسين، وعن زيارة أبي الحسن وأبي جعفر (عليه السلام) أجمعين ، فكتب إلي أبو عبد الله (عليه السلام) المقدم ، وهذا أجمع وأعظم أجرا).

تحقيق في تفضيل زيارة الكاظميين على زيارة الحسين عليهم السلام

أقول المراد بأبي الحسن وأبي جعفر الكاظم والجواد (عليهم السلام) ، والعلة في تفضيل زيارتهما على زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) ؛ أن الزيارة لقبورهم (عليهم السلام) لها غاية داخلة وغاية خارجة ، أما الداخلة فهي تكميل النفس بالتوجه إليهم والاستفاضة منهم ، وأما الخارجة فهي إظهار الموالاة للمزور ، والبراءة من أعدائه ، وهو أمر مرغوب فيه إذا لم يكن هنا مانع شرعي لكونه موجبا لتشهير أعلام الحق ، وهذا المقصود أبلغ حصولا في زيارتهما منه في زيارة الحسين (عليه السلام) ، لأن كل من يواليهما ويقول بإمامتهما فهو موال، وقائل بإمامة كل من قبلهما من الأئمة بخلاف الحسين (عليه السلام) ؛ فإنه غير مستلزم لذلك ، فإن من القائلين بإمامته وولايته ظاهرا من لا يقول بإمامة كثير ممن بعده من الأئمة : كالكيسانية والواقفية والفطحية والإسماعيلية وغيرهم من الطوائف المختلفة من الشيعة ، وهو وجه كون زيارتهما أجمع ، ومنه يعلم كونه أعظم أجرا أيضا ، وقد أشار إلى هذا السر الجواد (عليه السلام) في حديث آخر حين سئل عن زيارة الحسين (عليه السلام) وزيارة الرضا (عليه السلام) ، أيهما أفضل فقال (عليه السلام): زيارة أبي أفضل ، وذلك إن أبا عبد الله (عليه السلام) يزوره أناس وأبي لا يزوره إلا الخواص من الشيعة ، هي. هذا واعلم أن الأفضلية في الزيارة من هذا الجهة لا تستلزم الأفضلية على الإطلاق، فيمكن أن يكون لكل من الزيارات وجه فضيلة على الأخرى من جهة مخصوصة هي مفقودة في الأخرى فلا تناقض بين الأخبار ولا اختلاف .

 

فضل زيارة الرضا عليه السلام

الرابع والتسعون وفيه محمد بن يحيى ، عن علي بن الحسين النيسابوري، عن إبراهيم بن أحمد ، عن عبد الرحمن بن سعيد المكي، عن يحيى بن سليمان المازني ، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، قال : ( من زار قبر ولدي علي كان له عند الله كسبعين حجة مبرورة ، قال : قلت : سبعين حجة قال : نعم وسبعين ألف حجة ، قال : قلت : سبعين ألف حجة ، قال : رب حجة لا تقبل، من زاره وبات عنده ليلة ، كان كمن زار الله في عرشه ، فقلت : كمن زار الله في عرشه ! قال : نعم إذا كان يوم القيامة كان على عرش الرحمن أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين، فأما الأربعة الذين هم من الأولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام)، وأما الأربعة من الآخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، ثم يمد المضمار(الطعام) فيقعد معنا من زار قبور الأئمة (عليه السلام) ، ألا أن أعلاهم درجة وأقربهم حبوة زوار قبر ولدي علي (عليه السلام) ).

 

أعمال زيارة الحسين عليه السلام

الخامس والتسعون وفيه عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن الحسين بن ثوير ، قال: (كنت أنا ويونس بن ظبيان والمفضل بن عمر وأبو سلمة السراج جلوسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) ، وكان المتكلم منا يونس ، وكان أكبرنا سنا ، فقال له:جعلت فداك إني أحضر مجلس هؤلاء القوم -يعني ولد العباس- فما أقول؟ فقال : إذا حضرت فذكرتنا ، فقل : اللهم أرنا الرخاء والسرور ، فإنك تأتي على ما تريد ، فقلت : جعلت فداك إني كثيرا ما أذكر الحسين (عليه السلام) فأي شي‏ء أقول ؟ فقال : قل صلى الله عليك يا أبا عبد الله ، تعيد ذلك ثلاثا فإن السلام يصل إليه من قريب ومن بعيد ، ثم قال : إن أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) لما قضى؛ بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ، ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى بكى على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه ، قلت : جعلت فداك وما هذه الثلاثة الأشياء ؟ قال : لم تبك عليه البصرة ولا دمشق ولا آل عثمان عليهم لعنة الله ، قلت : جعلت فداك إني أريد أن أزوره فكيف أقول؟ وكيف أصنع ؟ قال : إذا أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فاغتسل على شاطئ الفرات، ثم البس ثيابك الطاهرة، ثم امش حافيا ، فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله،  وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والتعظيم لله عز وجل كثيرا، والصلاة على محمد وأهل بيته ، حتى تصير إلى باب الحير(الحسين) ثم تقول: السلام عليك يا حجة الله وابن حجته ، السلام عليكم يا ملائكة الله وزوار قبر ابن نبي الله ، ثم اخط عشر خطوات ، ثم قف وكبر ثلاثين تكبيرة ، ثم امش إليه حتى تأتيه من قبل وجهه ، فاستقبل وجهك بوجهه ، وتجعل القبلة بين كتفيك، ثم قل : السلام عليك يا حجة الله وابن حجته ، السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله ، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ، السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض ، أشهد أن دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلة العرش ، وبكى له جميع الخلائق ، وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ؛ وما يرى وما لا يرى ، أشهد أنك حجة الله وابن حجته ، وأشهد أنك قتيل الله وابن قتيله ، وأشهد أنك ثائر(ثار) الله وابن ثائره(ثاره) ، وأشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات والأرض ، وأشهد أنك قد بلغت ونصحت ووفيت وأوفيت وجاهدت في سبيل الله ، ومضيت للذي كنت عليه شهيدا ومستشهدا وشاهدا ومشهودا ، أنا عبد الله ومولاك وفي طاعتك والوافد إليك، ألتمس كمال المنزلة عند الله ، وثبات القدم في الهجرة إليك والسبيل الذي لا يختلج دونك من الدخول في كفالتك التي أمرت بها، من أراد الله بدأ بكم ، بكم يبين الله الكذب ، وبكم يباعد الله الزمان الكلب، وبكم فتح الله ، وبكم يختم الله ، وبكم يمحو ما يشاء ، وبكم يثبت ، وبكم يفك الذل من رقابنا ، وبكم يدرك الله ترة كل مؤمن يطلب بها ، وبكم تنبت الأرض أشجارها ، وبكم تخرج الأشجار أثمارها ، وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها ، وبكم يكشف الله الكرب ، وبكم ينزل الله الغيث ، وبكم تسيخ الأرض التي تحمل أبدانكم ، وتستقر جبالها عن مراسيها ، إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم ، وتصدر من بيوتكم ، والصادر عما فصل من أحكام العباد، لعنت أمة قتلتكم وأمة خالفتكم وأمة جحدت ولايتكم وأمة ظاهرت عليكم وأمة شهدت ولم تستشهد ، الحمد لله الذي جعل النار مثواهم ، وبئس ورد الواردين ، وبئس الورد المورود ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله عليك يا أبا عبد الله ، أنا إلى الله ممن خالفك بري‏ء -ثلاثا - ثم تقوم فتأتي ابنه عليا (عليه السلام) ، وهو عند رجليه فتقول : السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن علي أمير المؤمنين ، السلام عليك يا ابن الحسن والحسين ، السلام عليك يا ابن خديجة وفاطمة ، صلى الله عليك ، لعن الله من قتلك ، تقولها ثلاثا :أنا إلى الله منهم بري‏ء -ثلاثا - ثم تقوم فتومئ بيدك إلى الشهداء ، وتقول: السلام عليكم - ثلاثا - فزتم والله فزتم والله ، فليت أني معكم فأفوز فوزا عظيما ، ثم تدور فتجعل قبر أبي عبد الله (عليه السلام) بين يديك ، فصل ست ركعات وقد تمت زيارتك فإن شئت فانصرف).

 

قصة الحصاة المنقوشة

السادس والتسعون عن كتاب السيد الجليل الأمير محمد حسين بن الأمير محمد صالح سبط المجلسي  ما هذا لفظه : (فائدة من وقائع نيف وتسعين أنه وجدت حصاة في سيل واد من بلدة تستر منقوش عليها هذه الكلمات بخط أحمر ، فأرسلها حاكم تلك البلدة إلى حضرة السلطان المبرور المغفور السلطان سليمان - حشره الله مع أجداده الطاهرين - وهو أرسلها إلى جدي العلامة - رفع الله مقامه - يعني المجلسي ، وقد رآه أكثر الحذاق من الحكاكين والصاغة وأصحاب الصناعات وأهل الفطانة ، وبالجملة شاهدها أكثر الناس ، وتأملوا في نقشها ، فلم يجدوها إلا مجبولة على تلك الحال ، بحيث لم يكن لتصنع الصانعين فيها مجال ، والكلمات المكتوبة عليها هذه : (بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله، علي ولي الله ، قتل الإمام الشهيد المظلوم الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب ، وكتب بدمه بإذن الله وحوله على كل أرض وحصاة ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). قال : ثم أمر السلطان بنصبها على الفضة ، وتزيينها ببعض الزينة ليعلقها على عضده ).

 

قصة الدر في أرض كربلاء

السابع والتسعون يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب :ويواطئ هذا النقل ما نقل شيخنا البهائي عن والده رحمهما الله ، أنه قال وجد در في أرض كربلا مكتوب عليه :

أنا در مـن السمــاء نثــرونــي        

يوم تـــزويج والـــد السبطين

كنت أصفى من اللجين بياضا     

صبـغتـني دمـاء نـحر الحسين

 

كف جبرائيل بكف الحسين

الثامن والتسعون عن مناقب ابن شهر آشوب ، عن كتاب التخريج، عن العامري بالإسناد ، عن هبيرة بن بريم(مريم) ، عن ابن عباس قال: (رأيت الحسين قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة ، وكف جبرئيل في كفه، وجبرئيل ينادي : هلموا إلى بيعة الله عز وجل).

يقول مصنف هذا الكتاب لما قادنا قائد التوفيق ، وهو خير رفيق حتى بلغنا هذا المقام اعترضنا اليوم التاسع من ربيع الأول ، فأحببت أن أورد حديثا في فضل هذا اليوم ، فأكون بذلك منسلكا في سلك المتعيدين ، ويكون تسلية لخلان الوفاء ؛ عما قرع سمعهم من الأخبار المشتملة على تذكير مصائب أهل البيت صلوات الله عليهم قبيل هذا فنقول:

 

التاسع من ربيع أول هو عيد تقبل فيه الأعمال.

التاسع والتسعون عن المحتضر للحسن بن سليمان قال : (نقلت من خط الشيخ الفقيه علي بن مظاهر الواسطي، بإسناد متصل، عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن محمد بن جريح البغدادي، قالا: (تنازعنا في فلان فاشتبه علينا أمره، فقصدنا جميعا أحمد بن إسحاق القمي صاحب أبي الحسن العسكري (عليه السلام) بمدينة قم، وقرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا (من داره) صبية عراقية من داره، فسألناها عنه، فقالت : هو مشغول بعيده فإنه يوم عيد ، فقلنا : سبحان الله الأعياد أعياد الشيعة أربعة الأضحى والفطر ويوم الغدير ويوم الجمعة، قالت : فإن أحمد بن إسحاق يروي عن سيده أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليهم السلام) أن هذا اليوم هو يوم عيد، وهو أفضل الأعياد عند أهل البيت (عليهم السلام) وعند مواليهم. قلنا فاستأذني لنا بالدخول عليه، وعرفيه بمكاننا، فدخلت عليه وأخبرته بمكاننا، فخرج علينا وهو متزر بمئزر له (يفوح مسكا وهو) محتبي بكسائه يمسح وجهه، فأنكرنا ذلك عليه، فقال : لا عليكما، فإني كنت اغتسلت للعيد. قلنا أوهذا يوم عيد. قال: نعم، وكان يوم التاسع من شهر ربيع الأول، قالا جميعا: فأدخلنا داره وأجلسنا على سرير له، وقال : إني قصدت مولانا أبا الحسن العسكري (عليه السلام) مع جماعة إخوتي كما قصدتماني بسر من رأى، فاستأذنا بالدخول عليه فأذن لنا، فدخلنا عليه صلوات الله عليه في مثل هذا اليوم وهو يوم التاسع من شهر ربيع الأول ، وسيدنا (عليه السلام) قد أوعز إلى كل واحد من خدمه أن يلبس ما يمكنه من الثياب الجدد، وكان بين يديه مجمرة يحرق العود بنفسه، قلنا : بآبائنا أنت وأمهاتنا يا ابن رسول الله هل تجدد لأهل البيت في هذا اليوم فرح؟ فقال : وأي يوم أعظم حرمة عند أهل البيت من هذا اليوم. ولقد حدثني أبي (عليه السلام) أن حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم وهو التاسع من شهر ربيع الأول على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال حذيفة : رأيت سيدي أمير المؤمنين مع ولديه الحسن والحسين (عليهم السلام) يأكلون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يتبسم في وجوههم (عليهم السلام) ويقول لولديه الحسن والحسين (عليهم السلام) كلا هنيئا لكما ببركة هذا اليوم، فإنه اليوم الذي يهلك الله فيه عدوه وعدو جدكما، ويستجيب فيه دعاء أمكما. كلا فإنه اليوم الذي يقبل الله فيه أعمال شيعتكما ومحبيكما. كلا فإنه اليوم الذي يصدق فيه قول الله : (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) ، كلا فإنه اليوم الذي يتكسر فيه شوكة مبغض جدكما ، كلا فإنه يوم يفقد فيه فرعون أهل بيتي وظالمهم وغاصب حقهم ، كلا فإنه اليوم الذي يقدم الله فيه إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباء منثورا ، قال حذيفة : فقلت : يا رسول الله وفي أمتك وأصحابك من ينتهك هذه الحرمة ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم يا حذيفة جبت من المنافقين يترأس عليهم ويستعمل في أمتي الرياء، ويدعوهم إلى نفسه، ويحمل على عاتقه درة الخزي، ويصد الناس عن سبيل الله، ويحرف كتابه، ويغير سنتي ، ويشتمل على إرث ولدي، وينصب نفسه علما ، ويتطاول على إمامه من بعدي ، ويستحل أموال الله من غير حلها، وينفقها في غير طاعته، ويكذبني ويكذب أخي ووزيري، وينحي ابنتي عن حقها، وتدعو الله عليه ويستجيب الله دعاءها في مثل هذا اليوم. قال حذيفة: قلت : يا رسول الله لم لا تدعو ربك عليه ليهلكه في حياتك. قال : يا حذيفة لا أحب أن أجترئ على قضاء الله لما قد سبق في علمه، لكني سألت الله أن يجعل اليوم الذي يقبضه فيه فضيلة على سائر الأيام ليكون ذلك سنة يستن بها أحبائي وشيعة أهل بيتي ومحبوهم، فأوحى إلي جل ذكره ، فقال لي : يا محمد كان في سابق علمي أن تمسك وأهل بيتك محن الدنيا وبلاؤها، وظلم المنافقين والغاصبين من عبادي من نصحتهم وخانوك، ومحضتهم وغشوك، وصافيتهم وكاشحوك، وأرضيتهم وكذبوك، وانتجيتهم وأسلموك، فإني بحولي وقوتي وسلطاني لأفتحن على روح من يغصب بعدك عليا حقه ألف باب من النيران من سفال الفيلوق ، ولأصلينه وأصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه ، ولأجعلن ذلك المنافق عبرة في القيامة لفراعنة الأنبياء وأعداء الدين في المحشر، ولأحشرنهم وأولياءهم وجميع الظلمة والمنافقين إلى نار جهنم زرقا كالحين أذلة خزايا نادمين، ولأخلدنهم فيها أبد الآبدين، يا محمد لن يوافقك وصيك في منزلتك إلا بما يمسه من البلوى من فرعونه وغاصبه الذي يجترئ علي ويبدل كلامي، ويشرك بي ويصد الناس عن سبيلي، وينصب من نفسه عجلا لأمتك، ويكفر بي في عرشي، إني قد أمرت ملائكتي في سبع سماواتي لشيعتكم ومحبيكم أن يتعيدوا في هذا اليوم الذي أقبضه إلي، وأمرتهم أن ينصبوا كرسي كرامتي حذاء البيت المعمور ، ويثنوا علي ويستغفروا لشيعتكم ومحبيكم من ولد آدم، وأمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلهم ثلاثة أيام من ذلك اليوم ، ولا أكتب عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لك ولوصيك، يا محمد إني قد جعلت ذلك اليوم عيدا لك ولأهل بيتك ، ولمن تبعهم من المؤمنين وشيعتهم، وآليت على نفسي بعزتي وجلالي وعلوي في مكاني لأحبون من تعيد في ذلك اليوم محتسبا ثواب الخافقين، ولأشفعنه في أقربائه وذوي رحمه، ولأزيدن في ماله إن وسع على نفسه وعياله فيه، ولأعتقن من النار في كل حول في مثل ذلك اليوم ألفا من مواليكم وشيعتكم، ولأجعلن سعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا، وأعمالهم مقبولة. قال حذيفة : ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل إلى بيت أم سلمة، ورجعت عنه وأنا غير شاك في أمر فلان، حتى ترأس بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتيح الشر وعاد الكفر، وارتد عن الدين، وتشمر للملك، وحرف القرآن، وأحرق بيت الوحي، وأبدع السنن، وغير الملة، وبدل السنة، ورد شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذب فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واغتصب فدكا، وأرضى المجوس واليهود والنصارى، وأسخن قرة عين المصطفى ولم يرضها، وغير السنن كلها، ودبر على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأظهر الجور، وحرم ما أحل الله، وأحل ما حرم الله، وألقى إلى الناس أن يتخذوا من جلود الإبل دنانير، ولطم وجه الزكية، وصعد منبر رسول الله غصبا وظلما، وافترى على أمير المؤمنين (عليه السلام) وعانده وسفه رأيه. قال حذيفة : فاستجاب الله دعاء مولاتي (عليه السلام) على ذلك المنافق، وأجرى قتله على يد قاتله رحمة الله عليه، فدخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) لأهنئه بقتل المنافق ورجوعه إلى دار الانتقام. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا حذيفة أتذكر اليوم الذي دخلت فيه على سيدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا وسبطاه نأكل معه، فدلك على فضل ذلك اليوم الذي دخلت عليه فيه، قلت : بلى يا أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال : هو والله هذا اليوم الذي أقر الله به عين آل الرسول، وإني لأعرف لهذا اليوم اثنين وسبعين اسما، قال حذيفة قلت : يا أمير المؤمنين أحب أن تسمعني أسماء هذا اليوم، وكان يوم التاسع من شهر ربيع الأول فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : هذا يوم الاستراحة، ويوم تنفيس الكربة، ويوم الغدير الثاني، ويوم تحطيط الأوزار، ويوم الخيرة، ويوم رفع القلم، ويوم الهدو، ويوم العافية، ويوم البركة، ويوم الثارات، ويوم عيد الله الأكبر، ويوم يستجاب فيه الدعاء، ويوم الموقف الأعظم، ويوم التوافي، ويوم الشرط، ويوم نزع السواد، ويوم ندامة الظالم، ويوم انكسار الشوكة، ويوم نفي الهموم، ويوم القنوع، ويوم عرض القدرة، ويوم التصفح، ويوم فرح الشيعة، ويوم التوبة، ويوم الإنابة، ويوم الزكاة العظمى، ويوم الفطر الثاني، ويوم سيل النغاب(البغاة)، ويوم تجرع الريق، ويوم الرضا، ويوم عيد أهل البيت، ويوم ظفرت به بنو إسرائيل، ويوم يقبل الله أعمال الشيعة، ويوم تقديم الصدقة، ويوم الزيارة، ويوم قتل المنافق، ويوم الوقت المعلوم، ويوم سرور أهل البيت، ويوم الشاهد ويوم المشهود، ويوم يعض الظالم على‏ يديه، ويوم القهر على العدو، ويوم هدم الضلالة، ويوم التنبيه، ويوم التصريد، ويوم الشهادة، ويوم التجاوز عن المؤمنين، ويوم الزهرة، ويوم العذوبة، ويوم المستطاب به، ويوم ذهاب سلطان المنافق، ويوم التسديد، ويوم يستريح فيه (فيه تفريح) المؤمن، ويوم المباهلة، ويوم المفاخرة، ويوم قبول الأعمال، ويوم التبجيل، ويوم إذاعة السر، ويوم نصر المظلوم، ويوم الزيارة، ويوم التودد، ويوم التحبب، ويوم الوصول، ويوم التزكية ويوم كشف البدع، ويوم الزهد في الكبائر، ويوم التزاور، ويوم الموعظة، ويوم العبادة، ويوم الاستسلام قال حذيفة : فقمت من عنده يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقلت في نفسي: لو لم أدرك من أفعال الخير وما أرجو به الثواب إلا فضل هذا اليوم لكان مناي. قال محمد بن العلاء الهمداني، ويحيى بن محمد بن جريح : فقام كل واحد منا وقبل رأس أحمد بن إسحاق بن سعيد القمي، وقلنا : الحمد لله الذي قيضك لنا حتى شرفتنا بفضل هذا اليوم، ورجعنا عنه، وتعيدنا في ذلك اليوم).

 

الله عز وجل أشهد نبيه بعلي في سبعة مواطن

الحديث المائة عن مجالس الطوسي  وعنه، قال : أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن عبد الله الموسوي في داره بمكة سنة ثمان وعشرين ثلاثمائة، قال : حدثني مؤدبي عبد الله بن أحمد بن نهيك الكوفي، قال : حدثنا محمد بن زياد بن أبي عمير، قال: حدثنا علي بن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهم السلام)، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام)، قال : ( قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي، إنه لما أسري بي إلى السماء تلقتني الملائكة بالبشارات في كل سماء حتى لقيني جبرئيل (عليه السلام) في محفل من الملائكة، فقال : يا محمد، لو اجتمعت أمتك على حب علي، ما خلق الله عز وجل النار. يا علي، إن الله تعالى أشهدك معي في سبعة مواطن حتى أنست بك ، أما أول : ذلك فليلة أسري بي إلى السماء، قال لي جبرئيل (عليه السلام): أين أخوك يا محمد ؟ فقلت : يا جبرئيل خلفته ورائي، فقال : ادع الله عز وجل فليأتك به، فدعوت الله فإذا مثالك معي ، وإذا الملائكة وقوف صفوفا ، فقلت : يا جبرئيل، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يباهي الله عز وجل بهم يوم القيامة، فدنوت فنطقت بما كان وبما يكون إلى يوم القيامة. والثاني: حين أسري بي إلى ذي العرش عز وجل، فقال لي جبرئيل: أين أخوك يا محمد ؟ فقلت : خلفته ورائي. قال : ادع الله عز وجل فليأتك به ، فدعوت الله عز وجل فإذا مثالك معي، وكشط لي عن سبع سماوات حتى رأيت سكانها وعمارها وموضع كل ملك منها. والثالث : حيث بعثت للجن فقال لي جبرئيل (عليه السلام) أين أخوك ؟ فقلت : خلفته ورائي. فقال : ادع الله عز وجل فليأتك به، فدعوت الله عز وجل فإذا أنت معي، فما قلت لهم شيئا ولا ردوا علي شيئا إلا سمعته ووعيته. والرابع : خصصنا بليلة القدر وأنت معي فيها، وليست لأحد غيرنا. والخامس : ناجيت الله عز وجل ومثالك معي، فسألت فيك خصالا أجابني إليها إلا النبوة ، فإنه قال خصصتها بك، وختمتها بك. والسادس : لما طفت بالبيت المعمور، كان مثالك معي. والسابع: هلاك الأحزاب على يدي، وأنت معي. يا علي، إن الله أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين، ثم اطلع الثالثة فاختار فاطمة على نساء العالمين، ثم اطلع الرابعة فاختار الحسن والحسين والأئمة من ولدهما على رجال العالمين. يا علي، إني رأيت اسمك مقرونا باسمي في أربعة مواطن، فأنست بالنظر إليه إني لما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء، وجدت على صخرتها لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته بوزيره ونصرته به فقلت : يا جبرئيل ومن وزيري ؟ قال : علي بن أبي طالب (عليه السلام). فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى، وجدت مكتوبا عليها لا إله إلا أنا وحدي، ومحمد صفوتي من خلقي، أيدته بوزيره ونصرته به فقلت : يا جبرئيل ومن وزيري ؟ فقال : علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فلما جاوزت السدرة وانتهيت إلى عرش رب العالمين، وجدت مكتوبا على قائمة من قوائم العرش : أنا الله لا إله إلا أنا وحدي، محمد حبيبي وصفوتي من خلقي، أيدته بوزيره وأخيه ونصرته به ، يا علي إن الله عز وجل أعطاني فيك سبع خصال ؛ أنت أول من ينشق القبر عنه معي، وأنت أول من يقف معي على الصراط، فيقول للنار : خذي هذا فهو لك وذري هذا فليس هو لك، وأنت أول من يكسى إذا كسيت ويحيا إذا حييت، وأنت أول من يقف معي عن يمين العرش، وأول من يقرع معي باب الجنة، وأول من يسكن معي عليين ، وأول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

الحمد لله الذي وفقنا لختم هذا القسم بهذا الحديث الشريف ليكون ختامه مسكا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

فرغ من تأليف الجزء الخامس من الكتاب ، وبتمامه تم القسم الأول منه بيد مؤلفه المذنب الضعيف محمد بن محمد بن الحسين المدعو بالتقي الشريف.

يوم الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الأول من شهور سنة ثمان وثمانين ومائتين بعد الألف من الهجرة المقدسة ، حامدا مصليا مستغفرا راجيا ، ويتلوه القسم الثاني منه إن شاء الله تعالى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 أعطاني الله تعالى خمسا وأعطى عليا خمسا

الحديث الأول عن أمالي الشيخ  عن المفيد ، عن أحمد بن محمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عبد الرحمن العرزمي، عن المعلى بن الهلال الكلبي ، عن أبي صالح ، عن عبدالله بن عباس (ح) ، فضائل شاذان بحذف الإسناد عن ابن عباس  بأيسر مغايرة لفظية واللفظ للثاني قال : (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أعطاني الله تعالى خمسا وأعطى عليا (عليه السلام) خمسا أعطاني جوامع الكلم وأعطى عليا جوامع العلم وجعلني نبيا وجعله وصيا وأعطاني الكوثر وأعطاه السلسبيل وأعطاني الوحي وأعطاه الإلهام وأسرى بي إليه وفتح له أبواب السماوات والحجب حتى نظر إلي ونظرت إليه، قال : ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقلت له : ما يبكيك يا رسول الله فداك أبي وأمي ، قال : يا ابن عباس إن أول ما كلمني به ربي قال يا محمد انظر تحتك فنظرت إلى الحجب قد انخرقت وإلى أبواب السماء قد انفتحت ونظرت إلى علي وهو رافع رأسه إلي فكلمني وكلمته وكلمني ربي { قال فقلت يا رسول الله بما كلمك ربك قال قال لي يا محمد إني جعلت عليا وصيك ووزيرك وخليفتك من بعدك فأعلمه فها هو يسمع كلامك فأعلمته وأنا بين يدي ربي { فقال لي قد قبلت وأطعت فأمر الله تعالى أن تسلم عليه ففعلت فرد عليهم السلام ورأيت الملائكة يتباشرون به وما مررت بملإ من ملائكة السماوات إلا هنئوني وقالوا يا محمد والذي بعثك بالحق نبيا لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف الله { ابن عمك ورأيت حملة العرش قد نكسوا رؤوسهم إلى الأرض فقلت يا جبرئيل لم نكس حملة العرش رؤوسهم قال يا محمد ما من ملك من الملائكة إلا وقد نظر إلى وجه علي بن أبي طالب (عليه السلام) استبشارا به ما خلا حملة العرش فإنهم استأذنوا الله {في هذه الساعة فأذن لهم فنظروا إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلما هبطت جعلت أخبره بذلك وهو يخبرني به فعلمت أني لم أطأ موطئا إلا وقد كشف لعلي عنه حتى نظر إليه فقال ابن عباس  : فقلت يا رسول الله أوصني ، فقال : عليك بمودة علي بن أبي طالب (عليه السلام) والذي بعثني بالحق نبيا لا يقبل الله تعالى من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو تعالى أعلم فمن مات على ولايته قبل عمله ما كان منه وإن لم يأت بولايته لا يقبل من عمله شيء ثم يؤمر به إلى النار يا ابن عباس والذي بعثني بالحق نبيا إن النار لأشد غضبا على مبغض علي (عليه السلام) منها على من زعم أن لله ولدا يا ابن عباس لو أن الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين اجتمعوا على بغض علي بن أبي طالب مع ما يقع من عبادتهم في السماوات لعذبهم الله تعالى في النار قلت : يا رسول الله وهل يبغضه أحد قال يا ابن عباس نعم يبغضه قوم يذكرون أنهم من أمتي لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيبا ، يا ابن عباس إن من علامة بغضهم له تفضيلهم لمن هو أدون منه] عليه والذي بعثني بالحق نبيا ما بعث الله نبيا أكرم عليه مني ولا وصيا أكرم عليه من وصيي ، قال ابن عباس : فلم أزل له كما أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصاني بمودته وإنه لأكبر عملي عندي ، قال ابن عباس : ثم مضى من الزمان ما مضى وحضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد دنا أجلك فما تأمرني ، قال : يا ابن عباس خالف من خالف عليا ولا تكونن لهم ظهيرا ولا وليا، قلت : يا رسول الله ولم لا تأمر الناس بترك مخالفته ، قال : فبكى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم قال : يا ابن عباس سبق فيهم علم ربي والذي بعثني بالحق نبيا لا يخرج أحد ممن خالفه من الدنيا وأنكر حقه حتى يغير الله تعالى ما به من نعمة ، يا ابن عباس إذا أردت أن تلقى الله تعالى وهو عنك راض فاسلك طريقة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومل معه حيث مال ارض به إماما وعاد من عاداه ووال من والاه يا ابن عباس احذر من أن يدخلك شك فيه فإن الشك في علي كفر بالله تعالى) .

 

الملك المخلوق من نور علي وعلى صورته في السماء الرابعة

الثاني من كفاية الطالب للحافظ الشافعي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (مررت ليلة أسري بي إلى السماء فإذا أنا بملك جالس على منبر من نور والملائكة تحدق به ، فقلت : يا جبرئيل من هذا الملك ، فقال : ادن منه فسلم عليه ، فدنوت منه وسلمت عليه فإذا أنا بأخي وابن عمي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت : يا جبرئيل سبقني علي بن أبي طالب إلى السماء الرابعة ، فقال : لا يا محمد ولكن الملائكة شكت حبها لعلي فخلق الله هذا الملك من نور علي وصورة علي فالملائكة تزوره في كل ليلة جمعة ويوم جمعة سبعين ألف مرة ويسبحون الله تعالى ويقدسونه ويهدون ثوابه لمحب علي (عليه السلام)).

 

فضل محبة أهل البيت وكيفية خلقهم واختيارهم حججا

الثالث كفاية الأثر في النصوص للشيخ الثقة السعيد علي بن محمد الخزاز القمي ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد ، قال: حدثنا أبو محمد هارون بن موسى  في شهر ربيع الأول سنة أحدى وثمانين وثلاثمائة، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثني عامر بن كثير البصري ، قال : حدثني الحسن بن محمد بن أبي شعيب الحراني ، قال : حدثنا مسكين بن بكير أبو بسطام، عن شعبة بن الحجاج ، عن هشام بن زيد ، عن أنس بن مالك، قال هارون : وحدثنا حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي ، قال : حدثني أبو النصر محمد بن مسعود العياشي ، عن يوسف بن المشحت البصري ، قال حدثنا إسحاق بن الحارث ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن هشام ابن زيد، عن أنس بن مالك قال : كنت أنا وأبو ذر وسلمان وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودخل الحسن والحسين (عليهم السلام)  فقبلهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقام أبو ذر فانكب عليهما وقبل أيديهما ثم رجع فقعد معنا فقلنا له سرا يا أبا ذر أنت شيخ  من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تقوم إلى صبيين من بني هاشم تنكب عليهما وتقبل أيديهما.

فقال : نعم لو سمعتم ما سمعت فيهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفعلتم بهما أكثر مما فعلت.

فقلنا : وماذا سمعت يا أبا ذر قال سمعته يقول لعلي (عليه السلام) ولهما يا علي والله لو أن رجلا صلى وصام حتى يصير كالشن البالي إذا ما نفع صلاته وصومه إلا بحبكم والبراءة من أعدائكم ، يا علي من توسل إلى الله {  بحبكم فحق على الله أن لا يرده يا علي من أحبكم وتمسك بكم فقد تمسك بالعروة الوثقى .

قال : ثم قام أبو ذر وخرج وتقدمنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلنا يا رسول الله أخبرنا أبو ذر عنك بكيت وكيت .

قال : صدق أبو ذر صدق والله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراءعلى ذي لهجة أصدق من أبي ذر .

قال ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ثم نقلنا إلى صلب آدم ثم نقلنا من صلبه في أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات .

فقلت : يا رسول الله فأين كنتم وعلى أي مثال كنتم .

قال : كنا أشباحا من نور تحت العرش نسبح الله تعالى ونمجده ، ثم قال (عليه السلام) لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ودعني جبرئيل (عليه السلام) ، فقلت : حبيبي جبرئيل أفي مثل هذا المقام تفارقني ، فقال : يا محمد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي ثم زج بي في النور ما شاء الله فأوحى الله إلي يا محمد إني اطلعت إلى الأرض ثانيا فاخترتك منها فجعلتك نبيا ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها عليا فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار يا محمد أتحب أن تراهم ، قلت : نعم يا رب فنوديت يا محمد ارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا  بأنوار علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر ابن محمد وموسى ابن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري ، فقلت : يا رب من هؤلاء ومن هذا ، قال : يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك وهو الحجة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ويشفي صدور قوم مؤمنين.

قلنا : بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله لقد قلت عجبا .

فقال (عليه السلام) : وأعجب من هذا أن أقواما يسمعون مني هذا ثم يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله ويؤذونني فيهم ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي)هي.

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب وأعجب من هذا حال طائفة ينتحلون ولايتهم فإذا سمعوا أخبار ظهورهم (عليهم السلام) في الأزمنة السابقة على ولادتهم الظاهرة وصدور الغرائب منهم قابلوها بالإنكار ونسبوا رواتها إلى الارتفاع وهم يمرون على مثل هذا الخبر وما في معناه من أخبار المعراج وهم عنها غافلون ووجه غفلتهم أنهم يتلقون هذه الأخبار بالقبول من غير نكير ولا يعلمون أن تلك الأخبار حجة عليهم فيما ينكرونه منها إذ لا فرق بين وجودهم قبل ولادتهم الدنياوية في العرش ووجودهم في الأرض وظهورهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وظهورهم في عصر سائر الأنبياء فتراهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض عصمنا الله وإخواننا من هفوات الجاهلية.

 

أسماء المعصومين (عليهم السلام) مكتوبة على العرش

الرابع وفيه حدثنا محمد بن عبد الله الشيباني  ، عن رجا بن يحيى العرآني الكاتب ، عن يعقوب بن إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس بن مالك  قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لما عرج بي إلى السماء رأيت على ساق العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيدته بعلي ونصرته به ورأيت اثني عشر اسما مكتوبا بالنور فهم علي بن أبي طالب وسبطاي وبعدهما تسعة أسماء عليا عليا عليا ثلاث مرات ومحمد ومحمد مرتين وجعفر وموسى والحسن والحجة يتلألأ من بينهم فقلت يا رب أسامي من هؤلاء فناداني ربي جل جلاله هم الأوصياء من ذريتك بهم أثيب وبهم أعاقب)هي.

 

أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل لا يعرفه إلا الله

الخامس لوامع الأنوار للحافظ البرسي  وهو غير كتاب مشارق الأنوار قال : ورد في كتاب البشائر (أن عمر دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجده يوما وبين يديه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال عمر : يا رسول الله ، قلت : أصدقكم لهجة أبو ذر ، فقال : هو كما قلت ، فقال : فما لي سألته عنك فقال هو في مسجده فقلت ومن عنده فقال رجل لا أعرفه وهذا علي ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : صدق أبو ذر يا عمر هذا رجل لا يعرفه إلا الله ورسوله).

مجلس الإمام الصادق (عليه السلام) مع أبي حنيفة في الكوفة

السادس عن كتاب الشيخ عيسى المصري ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الفتاح الطهطاني ، عن أبي النجا سالم بن محمد السنهوري ، عن الشمس محمد بن عبد الرحمن العلقمي ، عن الحافظ أبي الفضل السيوطي بسنده إلى الحافظ بن محمد الحارثي ، قال : حدثنا قبيصة بن الفضل ، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : سمعت سعد بن الصلت يقول: (قدم أبو عبد الله (عليه السلام) الكوفة يعني جعفر الصادق لحاجة عرضت له فحضره أبو حنيفة وأصحابه واستأذنوها عليه فأذن لهم فدخلوا عليه وسلموا وأخذوا مجالسهم وقعد أبو حنيفة كالمستوقر معظما له فلما رأى أصحابه جلوسه على تلك الحال جلسوا كجلوسه ورأى أبو عبد الله (عليه السلام) أصحاب أبي حنيفة يوقرونه ويلاحظونه بالتعظيم ولا يبادرونه بالكلام فقال لهم : من هذا الذي تعظمونه .

فقالوا : هذا أبو حنيفة الذي لا يوجد مثله فقها ودينا وصيانة .

فقال لهم : قد سمعت به ولكني لم أره ، يا أبا حنيفة هات ما عندك .

قال : جعلت فداك أخبرني بأي شيء فضلتم على الناس ولا تكثر علينا فننسى .

فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : لأن جميع الأمة تتمنى أنها منا ولا نتمنى أن نكون منهم .

فقال أبو حنيفة : كلام مفهوم موجز .

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : هات ما عندك أيضا .

قال له أبو حنيفة : جعلت فداك أخبرني عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم .

فقال له يا أبا حنيفة : ما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندك .

فقال له أبو حنيفة : جعلني الله فداك هو عندنا أن يرى الرجل آخر يعمل بما لا يرضاه الله فينهاه عنه ويأمره بطاعته والكف عن معصيته .

قال : ليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما ذكرت .

فقال : ما هو جعلني الله فداك .

قال المعروف يا أبا حنيفة المعروف في أهل السماء المعروف في أهل الأرض ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فسكت أبو حنيفة ، فقال له يا أبا حنيفة أسكوت رضا أم سكوت إنكار .

فقال أبو حنيفة : ومن يقدر أن ينكر هذا القول جعلني الله فداك .

فقال له : هات أخرى .

فقال: أخبرني عن قول الله تعالى ﴿ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم﴾ ما النعيم الذي يسأل عنه؟ .

قال : ما هو عندك يا أبا حنفية .

قال : الأمن في السرب وصحة البدن والقوت الحاضر .

فقال : يا أبا حنيفة لئن سألك الله عن كل أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولن عليك ذلك .

قال : فما هو جعلني الله فداك .

قال : نحن النعيم فبنا أنقذ الله الناس من الضلالة وبصرهم من العمى.

فقال أبو حنيفة : حكمة محكمة وقول مقبول .

قال : هات أخرى .

فقال له : أخبرني جعلني الله فداك ما بال سليمان تفقد الهدهد من بين الطير .

فقال له : إن الهدهد كان يرى الماء في بطن الأرض كما يرى الدهن في القارورة .

فقال له : جعلني الله فداك من أين يرى الهدهد الماء في بطن الأرض وهو لا يرى الفخ حتى يأخذ عنقه .

قال : يا أبا حنيفة إذا نزل القدر عمي البصر .

فقال : السلام عليك فقد أكثرنا ، فقام أبو حنيفة وأصحابه وخرجوا .

قال أبو عبد الله (عليه السلام) : أرى عنده علما ظاهرا وعندنا علم حقيقي.

تحقيق لطيف في إبطال بعض الأقوال الباطلة :

يقول مصنف الكتاب عفا الله عنه قد اشتهر بين الناس أن أبا حنيفة كان من تلامذة أبي عبد الله (عليه السلام) ولم أجد له إلى الآن مأخذا صحيحا بل هذا الخبر وما في سوقه من سائر أخبار العامة والخاصة يعطي أن ذلك من الشهرات التي لا أصل لها يظهر ذلك لمن تتبع السير والأخبار نعم ذكر بعض العامة منهم الشيخ عبد الحميد ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج في ذكر بعض فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) أن جل العلوم تنتهي إليه وتبتدئ منه ثم ذكر علم الكلام وقال في وجه انتهائه إليه (عليه السلام) (إن كبيرهم واصل بن عطاء المعتزلي وهو تلميذ أبي هشام عبد الله بن محمد بن الحنفية وأبو هشام تلميذ أبيه وأبوه تلميذ علي (عليه السلام)) ثم قال (وأما الأشعرية فإنهم ينتسبون إلى أبي الحسن علي بن أبي البشر الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي وأبو علي أحد مشايخ المعتزلة فالأشعرية بآخره ينتهون إلى أستاذ المعتزلة ومعلمهم وهو على بن أبي طالب) ثم ذكر علم الفقه. وقال في وجه انتهائه إليه (أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد وغيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة وأما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة وأما أحمد بن حنبل فقرأ على الشافعي ويرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد وقرء جعفر على أبيه ومنتهى الأمر إلى علي (عليه السلام)) ثم قال (وأما مالك بن أنس فقرأ على ربيعة الرأي وقرأ ربيعة على عكرمة وقرأ عكرمة على عبد الله بن عباس وقرأ عبد الله بن عباس على علي (عليه السلام) وإن شئت رددت إليه فقه الشافعي لقراءته على مالك كان ذلك لك فهؤلاء الفقهاء الأربعة وأما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر) إلى أن قال (ومن العلوم علم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوف وقد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون وعنده يقفون وقد صرح بذلك الشنبلي والجنيد وسرى وأبو يزيد بسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي وغيرهم ويكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم وكونهم يسندونها بإسناد متصل إليه (عليه السلام) ) انتهى ما أردنا نقله من كلامه.

وهو كما ترى صريح في تلمذ أبي حنيفة على الصادق (عليه السلام) والذي يتلجلج في خاطري أن هذا الشيخ وإخوانه من العامه قصدوا بذكر هذا التفصيل تصحيح طريقتهم بانتهائها إلى باب مدينة العلم الذي لم يختلف أحد من أهل الإسلام في حقية طريقته لانتهائها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغير نكير وإنما أخرجوه في صورة إثبات الفضل لأمير المؤمنين (عليه السلام) ليغتر به الشيعة فيتلقوه بالقبول فإذا نالوا من ذلك ما يريدون اعترضوا عليهم في رد مذاهب العامة وإبطالها كما اغتر بذلك بعض علمائنا عقله عن حقيقة الحال فذكروا ما يقرب من هذا التفصيل من كتبهم وزعموا أنهم أقاموا به الحجة على العامة ولم يعرفوا أنه لو صح ذلك فالحجة للعامة عليهم لا العكس.

فنقول أما كون أمير المؤمنين (عليه السلام) مبدأ جميع العلوم الحقة ومنتهاها فهو مما لا يجاوزه بر ولا فاجر وناهيك في تصديق ذلك قول النبي المجمع عليه بين الخاصة والعامة (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وأما انتهاء علوم المذكورين إليه فحاشا وكلا فإن الله ورسوله وأمير المؤمنين وعترته الطاهرين براء من طريقة هؤلاء أصولا وفروعا وقد فرغ علماء الشيعة شكر الله مساعيهم الجميلة عن إثبات ذلك في كتبهم الموضوعة لهذا الشأن ولم يدعوا شكا في مخالفة أصحاب هذه الطرق لله ورسوله وأوصياء رسوله لاسيما أبو حنيفة فإن فقهه كان بين قدماء العامة من أشنع المذاهب فكيف الخاصة وقد بلغ من سخافة آرائه في الفقه أن الأصمعي سأله يوما توضأت فقال أبو حنيفة نعم وصلأت (بالهمزة الساكنة بعد اللام) فقال الأصمعي أفسدت الفقه فلا تفسد اللغة .

وبالجملة لا فضل لأمير المؤمنين (عليه السلام) في انتهاء أمور باطلة إليه حتى تكون الشيعة يشكرون العامة في ذكرهم هذه الفضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) مع كون مرادهم في الباطن بترويج متاعهم الكاسد وتحقيق مذاهبهم الفاسدة والشيعة تصالحهم في ذلك على أن لا ينكرونهم الأخبار الصحيحة الواردة بلسانهم وطرقهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضائله (عليه السلام) ويذهبوا بهذه الفضيلة الواحدة ويسندونها إلى أئمتهم الثلاثة دون أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنهم أحق وأولى بذلك لأن تلك الطرق من كلامها وفقهها وتصوفها كلها من فروع أعمالهم ونتائج أقوالهم فإن أمير المؤمنين ما كان جبريا فينسب إليه الأشاعرة، ولا قدريا فينسب إليه المعتزلة، ولا مجوزا للزنا بلف الخرقة والسجود على خرء الكلب والوضوء بالنبيذ فينسب إليه أبو حنيفة، ولا مجوزا نكاح البنت من الزنا ولا الصلاة خلف الخوارج ولا عدم فساد الحج باللواط أو إتيان البهيمة فينسب إليه الشافعي، ولا مطهرا للعاب الكلب ولا مكرها للتسمية في الصلاة ولا قائلا بأن أكثر الحمل سبع سنين فينسب إليه مالك، ولا مجسما ولا قائلا بقدم القرآن ولا مانعا عن الصلاة على الشهيد ولا مجوزا للمسح على العمامة فينسب إليه ابن حنبل، ولا مجوزا للغناء والرقص واستعمال الدفوف والمزامير عند ذكر الله تعالى أو مجوزا للتفكه بالمردان لأنهم مظاهر الله أو مرخصا في ارتكاب معاصي الله وترك أوامره لأنها قيود خلين الطالب عن السلوك فينسب إليه أصحاب التصوف الملحدون، نعوذ بالله من نزعات الشياطين.

فنسبة أبي حنيفة إلى صحبة الصادق (عليه السلام) لعله من فلتات هؤلاء وإنما تبعهم بعض أصحابنا من غير تبين وإلا فالأخبار التي وردت من طرقنا في محاورات الرجل للصادق (عليه السلام) ومجالسته معه كثير منها صريح في تكذيب هذه النسبة وإنه ما كان معروفا عند الصادق (عليه السلام) في الظاهر وهو في ذلك الوقت مفتي بالعراق طاعن في السن ولو أغمضنا عن جميع ذلك فهو ممن عق معلمه لأنه كان يقول في فتياه بالرأي والقياس وأهل البيت (عليهم السلام) براء من ذلك فلا ينفعه انتسابه إليه شيئا.

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبكى الحسين (عليه السلام)

السابع كتاب الحسين بن حمدان  الخصيبي ، عن محمد بن يحيى الفارسي، عن زيد الرهاوي ، عن الحسن بن مسكان ، عن عتبة بن سنان ، عن جابر الجعفي قال : (دخلت على سيدي أبي جعفر الباقر (عليه السلام)  فقلت : يا مولاي حدثني مولاك خالد بسوق عكاظ، قال سمعت مولاي الحسين بن علي يقول دخلت على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رآني ضمني إليه وقبل بين عيني وتنفس الصعداء وانهملتا عيناه بالدموع ثم قال فديتك يا قتيل الفجرة وأبناء الفجرة إلى الله أشكو عظم مصيبتي فيك يا حسين قال وكان لي في ذلك الوقت ثلاث سنين فلما سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عرض لي البكاء فبكيت لما سمعت منه ولبكائه فقال لي لا تبك فديتك يا حسين قد أضحك الله سني فيك يا حسين لا يحزنك ما سمعت من قتلك فإن الله خلقك من نور لم يطف ولن يطفى ووجه لم يهلك ولن يهلك أبدا وخلق من صلبك تسعة أنوارا أئمة أبرارا وجعل فيك وفيهم حكم البداء والفناء والآخرة والأولى ونظام كل نظام وزمام كل زمام قال الحسين (عليه السلام)  فكشف الله عز وجل حزني وملأ قلبي سرورا فما حزنت منذ سمعت كلام جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)).

 

 تأويل قول الله إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا

الثامن وفيه حدثني علي بن الحسن الكوفي ، قال : حدثني وهب بن عبد الله ، عن محمد بن جبلة ، عن الحسن بن معمر ، عن خالد بن محمد ، عن جابربن يزيد الجعفي قال : (سألت سيدي الباقر محمد بن علي (عليه السلام) عن تأويل قول الله عز من قائل ﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم﴾ فتنفس سيدي الصعداء ثم قال يا جابر أما السنة فجدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهورها اثنا عشر شهرا فهم من جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الخلف المهدي (عليه السلام) من ولد الحسين اثنا عشر إماما والأربعة الحرم منها ذلك الدين القيم قال هم أئمة تحرموا باسم واحد علي أمير المؤمنين وأبي علي بن الحسين وعلي بن موسى وعلي بن محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) والإقرار بهؤلاء هو الدين القيم﴿فلا تظلموا فيهن أنفسكم﴾وقولوا بهم جميعا) .

 

 علي (عليه السلام) العصا وفاطمة (عليه السلام) الحجر

التاسع وفيه بهذا الإسناد عن جابر الجعفي قال : قال سيدي الباقر (عليه السلام) في قول الله عز وجل﴿وإذ استسقى موسى لقومه  فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنا عشر عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾ قال (عليه السلام) : (إن قوم موسى لما شكوا الجدب والعطش فاستسقوا بموسى فاستسقى لهم فسمعت ما قال الله لهم ومثل ذلك قال المؤمنون إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا له يا رسول الله تعرفنا من الأئمة من بعدك فما مضى نبي إلا وله وصي وأئمة من بعده وقد علمنا أن عليا وصيك فمن الأئمة من بعده فأوحى الله أني قد زوجت عليا بفاطمة في سمائي تحت ظل عرشي وجعلت جبرئيل خطيبا لها وميكائيل وكيلها وإسرافيل القابل عن علي وأمرت شجر طوبى فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب والدر والياقوت والزبرجد الأحمر والأخضر والأصفر ومناشير مخطوطة بالنور فيها أمان للملائكة من سخطي وعذابي فنثار فاطمة تلك المناشير في أيدي الملائكة يفتخرون بها إلى يوم القيامة وجعلت نحلتها من علي ونحلتها أعني خمس الدنيا وثلثي الجنة وجعلت نحلتها في الأرض أربعة أنهار في الأرض الفرات ونيل مصر وسيحان وجيحان فزوجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون أسوة بها لأمتك بابنتك فإذا زوجت فاطمة من علي فعلي العصا وفاطمة الحجر يخرج منها أحد عشر إماما من صلب علي يتم اثنا عشر إماما بعلي حياة لأمتك تهتدي كل أمة بإمامها في زمنه ويعلم كل قوم كما علم قوم موسى مشربهم فهذا تأويل هذه الآية وكان بين تزويج علي بفاطمة في السماء وتزويجها في الأرض أربعون يوما).

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يبشر أصحابه بما أعطاه ربه

العاشر وفيه عن أبى الحسن محمد بن يحيى الفارسي ، عن هارون بن زيد الطبرستاني ، عن المخول بن إبراهيم ، عن محمد بن خالد الكناسي الكوفي، عن يونس بن ظبيان ، عن المفضل بن عمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن حزام الأنصاري  قال : قال جابر بن عبد  الله : (بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سلمان الفارسي والمقداد بن الأسود الكندي وأبي ذر جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي الهيثم مالك بن التيهان وأبي الطفيل عامر بن واثلة وسويد بن غفلة وسهل وتميم ابني حنيف وبريدة الأسلمي فأحضرنا يوم الجمعة ضحى فلما اجتمعنا بين يديه وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن يمينه فأمر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يدخل أحد وكان أنس بن مالك خادمه في ذلك الوقت فأمره بالانصراف إلى منزله ثم أقبل علينا بوجهه الكريم على الله وقال لنا أبشروا فإن الله تفضل عليكم وعلم ما في نفوسكم من الإخلاص له والإيمان به والإقرار بوحدانيته وملائكته وكتبه ورسله وعلم وفاكم بما عاهدتموه وعاهدتموني عليه في سركم وجهركم فأمرني أن أضمن لكم عنده الجنة بغير حساب أنتم ومن كان على ما أنتم عليه ممن مضى وممن يأتي إلى يوم القيامة. قال جابر ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحدثنا ويبشرنا ودموعه تحادر ودموعنا تهطل لبكائه وتفضل الله علينا ورحمته لنا ورأفته بنا فسجدنا شكرا لله وأردنا الكلام فقطعتنا عنه الرقة والبكاء فقال لنا لئن بكيتم قليلا لتضحكن كثيرا وإني مبشركم بما أعلمه منكم تحبون مسألتي عنه ولو فقدتموني وسألتم أخي عليا لأخبركم بما أخبرتكم به فجهرنا بالبكاء والشكر والدعاء فقال لنا تحاولون مسألتي عن بدء كوني اعلموا رحمكم الله أن الله تقدس اسمه وجل ثناؤه كان ولا كون معه ولا شيء سواه أحدا في فردانيته فردا في وحدانيته صمدا في أزليته أزلا في قدمه منشئا لا شيء معه فلما شاء أن يخلق خلقا بمشيته وإرادته خلق نورا وقال لي كن فكنت نورا شعشعانيا أسمع وأبصر وأنطق بلا جسم ولا كيفية ثم خلق مني أخي عليا ومن علي فاطمة ثم خلق مني ومن علي ومن فاطمة الحسن والحسين وخلق منا ومن الحسين  ابنه عليا وخلق منه ابنه محمدا وخلق منه ابنه جعفرا وخلق منه ابنه موسى وخلق منه ابنه عليا وخلق منه ابنه محمدا وخلق منه ابنه عليا وخلق منه ابنه الحسن وخلق منه ابنه سميي وكنيي ومنجي أمتي ومحيي سنني ومعز ملتي ومن وعدني ربي أن يظهرني على الدين كله ويحق به الحق ويزهق به الباطل ويكون الدين لله واصبا فكنا أنوارا بلا أرواح وأسماع وأبصار ونطق وحس وعقل وكان الله الخالق ونحن المخلوقون والله المكون ونحن المكونون والله البارئ ونحن البرية موصولون لا منفصلون عنه فهلل نفسه فهللناه وكبر نفسه فكبرناه وسبح نفسه فسبحناه وقدس نفسه فقدسناه وحمد نفسه فحمدناه ولم نزل أنوارا نتعارف ونتناجى مسمين متباينين أزليين موجودين، منه بدأنا وإليه نعود أنوارا من نوره بمشيته وقدرته لا نسأم تسبيحه ولا نستكبر عن عبادته ثم شاء فمد الأظلة وخلق خلقه أطوار الملائكة وخلق الماء وكان بشرا وعرش عرشه على الأظلة وأخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا وكان يعلم ما في نفوسهم والخلق أشباح وأرواح في الأظلة يبصرون ويسمعون ويعقلون فأخذ عليهم الميثاق ليؤمنن به وبملائكته وكتبه ورسله ثم جلاني لهم وجلا عليا وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الأئمة من الحسين الذين سميتهم لكم فأخذ الله لي العهد على النبيين جميعا وهو في قوله الذي أكرمني به جل من قائل﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين﴾ وقد علمتم أن الميثاق أخذ لي على جميع النبيين وإني أنا الرسول الذي ختم الله بي الرسل وهو قوله جل وعلا﴿محمد رسول الله وخاتم النبيين﴾فكنت والله فيهم وبقيت بعدهم وأعطيت ما أعطوا فزادني ربي من فضله ما لم يعطه أحدا من خلقه غيري فمن ذلك أنه أخذ لي الميثاق على سائر النبيين ولم يأخذ ميثاقي لأحد منهم ومن ذلك أنه ما نبا نبيا ولا أرسل رسولا إلا أمره بالإقرار بي وأن يبشر أمته بمبعثي ورسالتي والشاهد لي بهذا قوله جل ذكره لموسى﴿الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون﴾ وتعلمون أنه لا نبي أمي أرسل رسولا غيري وفي الإنجيل قوله عز اسمه الذي حكاه فيما أنزله علي من خطابه لأخي عيسى ابن مريم﴿ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد﴾ وتعلمون أنه ما أرسل رسولا اسمه أحمد غيري وأن الله منحني اللواء في القيامة الذي يحمله أخي علي وآدم ومن بعده تحته يوم القيامة وأعطاني الشفاعة والحوض تفضلا منه علي وأعطاني مفاتيح الدنيا وكنوزها ونعيمها فلم أقبل زهدا فيه فعوضني منه مفاتيح الجنة والنار فجعلت كل ما أعطاني إياه ربي لأخي علي والأئمة منه فطوبى لهم وطوبى لمن تولاهم وحسن مآب فقمنا على أقدامنا وقلنا يا رسول الله إذ قد أنعم الله علينا بك وبأخيك علي وذريتك فنسأل الله قبضنا إليه الساعة الساعة لئلا يأتي أحد منا ببائقة تخرجه عن هذا الخطر العظيم فقال لنا  (صلى الله عليه وآله وسلم) كلا ولا تخافون فإنكم من الذين قال الله فيهم﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب﴾  قال جابر بن يزيد الجعفي قلت لجابر بن عبد الله لقد أسعدني الله بلقائك في هذا اليوم وهذا ببركة الله وبركة سيدي الباقر (عليه السلام) [وإمامك كذا أتاه] بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي جابر بن عبد الله خبر من لقيك من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بما سمعت مني فهذا ما عهد إلينا رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)).

 

آل محمد أفضل خلق الله ومعلمي الملائكة

الحادي عشر العيون والعلل حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي بالكوفة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة قال : حدثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني ، قال: حدثني أبو الفضل العباس بن عبد الله البخاري ، قال : حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال : حدثنا عبد السلام ابن صالح  الهروي ، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني قال علي (عليه السلام) فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا يا علي﴿الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ﴾ بولايتنا يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم (عليه السلام) ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقها بتوحيده وتمجيده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظمت أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه فقالوا لا إله إلا الله فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به فلما شاهدوا ما جعله لنا من العز والقوة فقلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أنه لا حول لنا ولا قوة إلا بالله فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة الحمد لله فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله عز وجل وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون وإنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ثم قال لي تقدم يا محمد فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليك قال نعم لأن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين وفضلك خاصة فتقدمت فصليت بهم ولا فخر فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل تقدم يا محمد وتخلف عني فقلت يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني فقال يا محمد إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جل جلاله فزخ بي في النور زخة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله عز وجل من علو ملكه فنوديت يا محمد فقلت لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت فنوديت يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعلي فتوكل فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي لك ولمن اتبعك خلقت جنتي ولمن خالفك خلقت ناري ولأوصيائك أوجبت كرامتي ولشيعتهم أوجبت ثوابي فقلت يا رب ومن أوصيائي فنوديت يا محمد أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي فقلت يا رب[أهؤلاء أوصيائي [من بعدي فنوديت يا محمد هؤلاء [أوليائي وأوصيائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها ولأسخرن له الرياح ولأذللن له السحاب الصعاب ولأرقينه في الأسباب ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى تعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ثم لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة ) هي.

 

إبليس اللعين يذكر لعلي (عليه السلام) حال الأشقياء في النار

الثاني عشر عن كتاب الاختصاص للمفيد  تعالى ما هذا صورته القاسم بن محمد الهمداني ، عن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الكوفي ، عن أبي الحسين يحيى بن محمد الفارسي ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : (خرجت ذات يوم إلى ظهر الكوفة وبين يدي قنبر فقلت : يا قنبر ترى ما أرى ، فقال : قد ضوأ الله لك يا أمير المؤمنين عما عمي عنه بصري ، فقلت : يا أصحابنا ترون ما أرى ، فقالوا : لا قد ضوأ الله لك يا أمير المؤمنين عما عمي عنه أبصارنا ، فقلت : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لترونه كما أراه ولتسمعن كلامه كما أسمع ، فما لبثنا أن طلع شيخ عظيم الهامة له عينان بالطول، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فقلت : من أين أقبلت يا لعين ، قال: من الآثام ، فقلت : وأين تريد قال الآثام ، فقلت : بئس الشيخ أنت فقال :لا تقل هكذا يا أمير المؤمنين فو الله لأحدثنك بحديث عني عن الله عز وجل ما بيننا ثالث ، فقلت : يا لعين عنك عن الله عز وجل ما بينكما ثالث ، قال : نعم ، قال إنه لما هبطت بخطيئتي إلى السماء الرابعة ناديت إلهي وسيدي ما أحسبك خلقت من هو أشقى مني فأوحى الله تبارك وتعالى إلي بلى قد خلقت من هو أشقى منك فانطلق إلى مالك يريكه فانطلقت إلى مالك وقلت السلام يقرأ عليك السلام ويقول أرني من هو أشقى مني فانطلق بي مالك إلى النار فرفع الطبق الأعلى فخرجت نار سوداء ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا فقال لها اهدئي فهدأت ثم انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نار هي أشد من تلك سوادا وأشد حمى فقال لها اخمدي فخمدت إلى أن انطلق بي إلى السابع وكل نار تخرج من طبق هي أشد من الأولى فخرجت نار ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا وجميع ما خلقه الله عز وجل فوضعت يدي على عيني وقلت مرها يا مالك تخمد وإلا خمدت فقال :أنت لم تخمد إلى يوم الوقت المعلوم فأمرها فخمدت فرأيت رجال في أعناقهم سلاسل النيران معلقين بها إلى فوق وعلى رؤوسهم قوم معهم مقامع النيران يقمعونهم بها فقلت يا مالك من هؤلاء فقال أوما قرأت في ساق العرش وكنت قبل قرأته قبل أن يخلق الله الدنيا بألفي عام لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيدته ونصرته بعلي فقال هؤلاء أعداء أولئك وظالموهم).

حديث عفراء وما رأته من حال إبليس

الثالث عشر الخصال حدثنا أبي  قال : حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الحميد العطار ، عن محمد بن راشد البرمكي، عن عمر بن سهل الأسدي ، عن سهيل بن غزوان البصري ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : (إن امرأة من الجن كان يقال لها عفراء وكانت تأتي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتسمع من كلامه فتأتي صالحي الجن فيسلمون على يديها وإنها فقدها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأل عنها جبرئيل فقال : إنها زارت أختا لها تحبها في الله ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  : طوبى للمتحابين في الله إن الله تبارك وتعالى خلق في الجنة عمودا من ياقوتة حمراء عليه سبعون ألف قصر في كل قصر سبعون ألف غرفة خلقها الله عز وجل للمتحابين في الله والمتزاورين في الله ، ثم قال : يا عفراء أي شي‏ء رأيت ، قالت : رأيت عجائب كثيرة ، قال : فأعجب ما رأيت ، قالت : رأيت إبليس في البحر الأخضر على صخرة بيضاء مادا يديه إلى السماء وهو يقول إلهي إذا بررت قسمك وأدخلتني نار جهنم فأسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا خلصتني منها وحشرتني معهم فقلت يا حارث ما هذه الأسماء التي تدعو بها قال لي رأيتها على ساق العرش من قبل أن يخلق الله آدم بسبعة آلاف سنة فعلمت أنهم أكرم الخلق على الله عز وجل فأنا أسأله بحقهم ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : والله لو أقسم أهل الأرض بهذه الأسماء لأجابهم).

إن لله عز وجل اثني عشر ألف عالم والأئمة الحجة عليهم

الرابع عشر وفيه حدثنا أبي  قال : حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني الحسين بن عبد الصمد ، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان ، قال : حدثنا العباد بن عبد الخالق عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن لله عز وجل اثني عشر ألف عالم كل عالم منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين ما يرى عالم منهم أن لله عز وجل عالما غيرهم وأنا الحجة عليهم).

آدم وحواء وكيفية خروجهما من الجنة

الخامس عشر معاني الأخبار حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيي بن زكريا القطان ، قال: حدثنا أبو محمد بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (إن الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال هؤلاء أحبائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمة بريتي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منهم ولمن تولاهم خلقت جنتي ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري فمن ادعى منزلتهم مني ومحلهم من عظمتي عذبته﴿عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين﴾ وجعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري ومن أقر بولايتهم ولم يدع منزلتهم مني ومكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جناتي وكان لهم فيها ما يشاؤون عندي وأبحتهم كرامتي وأحللتهم جواري وشفعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي فولايتهم أمانة عند خلقي فأيكم يحملها بأثقالها ويدعيها لنفسه دون خيرتي فأبت السماوات والأرض والجبال﴿يحملنها وأشفقن﴾ من ادعاء منزلتها وتمني محلها من عظمة ربها فلما أسكن الله عز وجل آدم وزوجته الجنة قال لهما ﴿وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة﴾ عنى شجرة الحنطة ﴿فتكونا من الظالمين﴾ فنظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم فوجداها أشرف منازل أهل الجنة فقالا يا ربنا لمن هذه المنزلة فقال الله جل جلاله ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي فرفعا رؤوسهما فوجدا اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبار جل جلاله فقالا يا ربنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك وما أحبهم إليك وما أشرفهم لديك فقال الله جل جلاله لولاهم ما خلقتكما هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سري إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنيا منزلتهم عندي ومحلهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني ﴿فتكونا من الظالمين﴾  قالا ربنا ومن الظالمون قال المدعون لمنزلتهم بغير حق قالا ربنا فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك فأمر الله تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النكال والعذاب وقال عز وجل مكان الظالمين لهم المدعين لمنزلتهم في أسفل درك منها﴿كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها﴾ و﴿كلما نضجت جلودهم﴾ بدلوا سواها﴿ليذوقوا العذاب﴾ يا آدم ويا حواء لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري وأحل بكماعذابي هواني﴿فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين﴾ وحملهما على تمني منزلتهم فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة فعاد مكان ما أكلا شعيرا فأصل الحنطة كلها مما لم يأكلاه وأصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين﴿وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور﴾ فقالا ﴿وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطآن لكما عدو مبين﴾ قال اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش فلما أراد الله عز وجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما إنكما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عز وجل إلى أرضه فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما فقالا اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام) إلا تبت علينا ورحمتنا فتاب الله عليهما ﴿إنه هو التواب الرحيم﴾ فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أممهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها وحملها الإنسان الذي قد عرف فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة ذلك قول الله {﴿إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا﴾).

 

سبب تكنية أمير المؤمنين (عليه السلام) بأبي تراب

السادس عشر وفيه أبي  قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن أبي قتادة القمي ، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ، وحدثنا أحمد بن الحسن القطان العدل ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، عن عباية بن ربعي ، قال : قلت لعبد الله بن العباس: ( لم كنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) أبا تراب، قال : لأنه صاحب الأرض وحجة الله على أهلها بعده وبه بقاؤها وإليه سكونها ولقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة قال يا ليتني كنت ترابا أي يا ليتني كنت من شيعة علي وذلك قول الله {﴿ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا﴾).

 

 الأوصياء (عليهم السلام) عين الله وأذنه ولسانه

السابع عشر وفيه أبي  قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان ابن عثمان ، عن محمد بن مسلم ، قال : (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن لله عز وجل خلقا خلقهم من نوره ورحمة من رحمته لرحمته فهم عين الله الناظرة وأذنه السامعة ولسانه الناطق في خلقه بإذنه وأمناؤه على ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة فبهم يمحو الله السيئات وبهم يدفع الضيم وبهم ينزل الرحمة وبهم يحيي ميتا ويميت حيا وبهم يبتلي خلقه وبهم يقضي في خلقه قضية قلت جعلت فداك من هؤلاء قال الأوصياء).

 

بنا أضاءت الأبصار وسمعت الآذان ووعت القلوب الإيمان

الثامن عشر عن دلائل الطبري  عن محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه ، عن محمد بن همام ، وعن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم ، عن أبيه ، عن بعض رجاله ، عن الحسن بن شعيب ، عن محمد بن سنان ، عن يونس بن ظبيان ، قال : (استأذنت على أبي عبد الله (عليه السلام) فخرج إلي معتب فأذن لي فدخلت ولم يدخل معي كما كان يدخل فلما أن صرت في الدار نظرت إلى رجل على صورة أبي عبد الله فسلمت عليه كما كنت أفعل قال من أنت يا هذا لقد وردت على كفر أو إيمان وكان بين يديه رجلان كأن على رؤوسهما الطير فقال ادخل فدخلت الدار الثانية فإذا رجل على صورته (عليه السلام) وإذا بين يديه خلق كثير كلهم صورهم واحدة فقال من تريد قلت أريد أبا عبد الله (عليه السلام) فقال قد وردت على أمر عظيم إما كفر أو إيمان ثم خرج من البيت رجل حين بدا به الشيب فأخذ بيدي وأوقفني على الباب وغشى بصري من النور فقلت السلام عليك يا بيت الله ونوره وحجابه فقال وعليك السلام يا يونس فدخلت البيت فإذا بين يديه طائران يحكيان فكنت أفهم كلام أبي عبد الله ولا أفهم كلامهما فلما خرجا قال يا يونس سل نحن محل النور في الظلمات ونحن البيت المعمور الذي من دخله كان آمنا نحن عترة الله وكبرياؤه قال قلت جعلت فداك رأيت شيئا عجيبا رأيت رجلا على صورتك قال يا يونس إنا لا نوصف ذلك صاحب السماء الثالثة يسأل أن أستأذن الله له أن يصير مع أخ له في السماء الرابعة قال قلت فهؤلاء الذين في الدار قال أصحاب القائم من الملائكة قال قلت فهذان قال جبرئيل وميكائيل نزلا إلى الأرض فلن يصعدا حتى يكون هذا الأمر إن شاء الله وهم خمسة آلاف يا يونس بنا أضاءت الأبصار وسمعت الآذان ووعت القلوب الإيمان)هي.

بيان موجز لبعض فقرات الحديث

أقول : قوله (على كفر أو إيمان) يعني إن أنكرت ما رأيت كفرت وإن قبلت كنت مؤمنا وقوله (نحن محل النور في الظلمات) كذا في النسخة ويحتمل أن يكون مجلى النور اسم فاعل من التجلية بالجيم، قوله (نزلا إلى الأرض فلن يصعدا.. إلخ) الضمير راجع إلى جبرئيل وميكائيل ويجول في خاطري أن يكون الصحيح نزلوا فلن يصعدوا بصيغة الجمع بأن يكون راجعا إلى الملائكة ويكون السؤال والجواب بينهما جملة معترضة ويؤيد ذلك قوله (عليه السلام) بعد ذلك (وهم خمسة آلاف) فإنه يعطي أن القول السابق أيضا وصف لحالهم والله أعلم وحججه (عليهم السلام) .

 

لا يجوز أحد على الصراط إلا بكتاب براءة بولاية أمير المؤمنين

التاسع عشر المعاني حدثنا أبي  قال حدثني سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عبيد الله بن موسى العبسي ، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (يا علي إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط فلم يجز أحد إلا من كان معه كتاب فيه براءة بولايتك).

مناجاة الله لموسى في فضل آل محمد عليهم السلام

العشرون وفيه حدثني أبي  قال حدثني سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث النخعي القاضي ،  عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (جاء إبليس إلى موسى بن عمران (عليه السلام) وهو يناجي ربه فقال له ملك من الملائكة ما ترجو منه وهو على هذه الحال يناجي ربه فقال أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم وهو في الجنة وكان فيما ناجاه أن قال له يا موسى لا أقبل الصلاة إلا ممن تواضع لعظمتي وألزم قلبه خوفي وقطع نهاره بذكري ولم يبت مصرا على الخطيئة وعرف حق أوليائي وأحبائي فقال يا رب تعني بأحبائك وأوليائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال هم كذلك يا موسى إلا أني أردت من من أجله خلقت آدم وحواء ومن من أجله خلقت الجنة والنار فقال موسى ومن هو يا رب فقال محمد أحمد شققت اسمه من اسمي لأني أنا المحمود فقال موسى يا رب اجعلني من أمته قال أنت يا موسى من أمته إذا عرفته وعرفت منزلته ومنزلة أهل بيته أن مثله ومثل أهل بيته ومن خلقت كمثل الفردوس في الجنان لا ييبس ورقها ولا يتغير طعمها فمن عرفهم وعرف حقهم جعلت له عند الجهل علما وعند الظلمة نورا وأجيبه قبل أن يدعوني وأعطيه قبل أن يسألني) ثم قال الصدوق   والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.          

 

أسماء أصحاب الكساء (عليهم السلام)

الحادي والعشرون وفيه حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا أبو محمد تميم بن بهلول ، عن أبيه عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال : (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم جالسا وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال والذي بعثني بالحق بشيرا ما على وجه الأرض خلق أحب إلى الله عز وجل ولا أكرم عليه منا إن الله تبارك وتعالى شق لي اسما من أسمائه فهو محمود وأنا محمد وشق لك يا علي اسما من أسمائه فهو العلي الأعلى وأنت علي وشق لك يا حسن اسما من أسمائه فهو المحسن وأنت حسن وشق لك يا حسين اسما من أسمائه فهو ذو الإحسان وأنت حسين وشق لك يا فاطمة اسما من أسمائه فهو الفاطر وأنت فاطمة ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم إني أشهدك أني سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم ومحب لمن أحبهم ومبغض لمن أبغضهم وعدو لمن عاداهم وولي لمن والاهم لأنهم مني وأنا منهم).

تحقيق لطيف في معنى اشتقاق أسمائهم من أسماء الله

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب ليس المراد بالاشتقاق الاشتراك في حروف الألفاظ فقط إذ ليس فيه ما يوجب الشرف والفخر وإنما المراد به ظهور معاني تلك الأسماء فيهم وبذلك صاروا مظاهر صفات الله العظمى وأمثاله العليا فافهم وتبصر.

 

مولد أمير المؤمنين (عليه السلام)

الثاني والعشرون وفيه حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق  ، قال حدثنا محمد بن جعفر الأسدي ، قال: حدثنا موسى بن عمران ، عن الحسين بن يزيد ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن ثابت ابن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال يزيد بن قعنب : (كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذا أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق فقالت رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وإنه بنى البيت العتيق فبحق النبي الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي قال يزيد بن قعنب فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهرهودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط فرمنا أن ينفتح لنا قفل البيت فلم ينفتح فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله { ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قالت إني فضلت على من تقدمني من النساء لأن آسية بنت مزاحم عبدت الله { سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا وأن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا فإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأوراقها فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف يا فاطمة سميه عليا فهو علي والله العلي الأعلى يقول إني شققت اسمه من اسمي وأدبته بأدبي وأوقفته على غامض علمي وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني فطوبى لمن أحبه وأطاعه وويل لمن أبغضه وعصاه).

 

القتل في ولاية علي وأولاده (عليهم السلام) هو القتل في سبيل الله

الثالث والعشرون وفيه أبي  قال حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد ابن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن المنخل، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (سألته عن هذه الآية في قول الله {﴿ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم﴾   قال فقال أ تدري ما سبيل الله قال قلت لا والله إلا أن أسمعه منك قال سبيل الله هو علي (عليه السلام) وذريته وسبيل الله من قتل في ولايته قتل في سبيل الله ومن مات في ولايته مات في سبيل الله).

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يزور قبر أبويه مع أمير المؤمنين (عليه السلام)

الرابع والعشرون وفيه حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري، قال : حدثنا أبو عبد الله عبد السلام بن محمد بن هارون الهاشمي، قال: حدثنا محمد بن محمد بن عقبة الشيباني، قال : حدثنا أبو القاسم الخضر بن أبان، عن أبي هدية إبراهيم بن هدية البصري، عن أنس بن مالك قال : (أتى أبو ذر يوما إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : ما رأيت كما رأيت البارحة ، قالوا : وما رأيت البارحة، قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ببابه فخرج ليلا فأخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخرجا إلى البقيع فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة فعدل إلى قبر أبيه فصلى عنده ركعتين فإذا بالقبر قد انشق وإذا بعبد الله جالس وهو يقول أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فقال له : من وليك يا أبة ، فقال: وما الولي يا بني ، فقال: هو هذا علي ، فقال : وإن عليا وليي ، قال : فارجع إلى روضتك ، ثم عدل إلى قبر أمه آمنة فصنع كما صنع عند قبر أبيه فإذا بالقبر قد انشق وإذا هي تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك نبي الله ورسوله ، فقال لها : من وليك يا أماه  قالت:  عليا وليي ، فقال : ارجعي إلى حفرتك وروضتك، فكذبوه ولببوه وقالوا يا رسول الله كذب عليك اليوم فقال وما كان من ذلك قالوا إن جندب حكى عنك كيت وكيت فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر).

أمير المؤمنين عليه السلام قسيم الجنة والنار

الخامس والعشرون بصائر الدرجات حدثنا أحمد بن الحسين، عن أحمد ابن إبراهيم ، عن محمد بن جمهور ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن سماعة بن مهران ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه الخلائق يصعده رجل يقوم ملك عن يمينه وملك عن شماله ينادى الذي عن يمينه يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) صاحب الجنة يدخلها من يشاء وينادي الذي عن يساره يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) صاحب النار يدخلها من يشاء).

الإمام عليه السلام يرى من ورائه كما يرى من أمامه

السادس والعشرون وفيه حدثنا أحمد بن موسى ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) يوما ونحن عنده جماعة من الشيعة : (قوموا تفرقوا عني مثنى وثلاث فإني أراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي فليسر عبد في نفسه ما شاء فإن الله يعرفنيه).

 

قنبر يصف مولاه أمير المؤمنين عليه السلام

السابع والعشرون رجال أبي عمرو الكشي  إبراهيم بن الحسين الحسيني العقيقي، رفعه، قال : سئل قنبر مولى من أنت ؟

فقال : أنا مولى من ضرب بسيفين وطعن برمحين وصلى القبلتين وبايع البيعتين وهاجر الهجرتين ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا مولى صالح المؤمنين ووارث النبيين وخير الوصيين وأكبر المسلمين ويعسوب المؤمنين ونور المجاهدين ورئيس البكاءين وزين العابدين وسراج الماضين وضوء القائمين وأفضل القانتين ولسان رسول رب العالمين وأول المؤمنين من آل ياسين، المؤيد بجبريل الأمين والمنصور بميكائيل المتين والمحمود عند أهل السماء أجمعين سيد المسلمين والسابقين وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين والمحامي عن حرم المسلمين ومجاهد أعدائه الناصبين ومطفئ نيران الموقدين وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من أجاب واستجاب لله أمير المؤمنين ووصي نبيه في العالمين وأمينه على المخلوقين وخليفة من بعث إليهم أجمعين سيد المسلمين]وقاتل الناكثين والقاسطين والسابقين ومبيد المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين ولسان كلمة العابدين، ناصر دين الله وولي الله ولسان كلمة الله وناصره في أرضه وعيبة علمه وكهف دينه إمام الأبرار من رضي عنه العلي الجبار، سمح سخي حيي بهلول سنحنحي زكى مطهر أبطحي باذل جري همام الصابر صوام مهدي مقدام، قاطع الأصلاب مفرق الأحزاب عالي الرقاب، أربطهم عنانا وأثبتهم جنانا وأشدهم شكيمة بازل باسل صنديد هزبر ضرغام حازم عزام حصيف خطيب محجاج ، كريم الأصل شريف الفضل فاضل القبيلة نقي العشيرة زكى الركانة مؤدي الأمانة، من بني هاشم وابن عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام مهدي الرشاد مجانب الفساد الأشعث الحاتم البطل الجماجم والليث المزاحم بدري مكي حنفي روحاني شعشعاني، من الجبال شواهقها ومن ذي الهضبات رؤوسها ومن العرب سيدها من الوغاء ليثها، البطل الهمام والليث المقدام والبدر التمام، محل المؤمنين ووارث المشعرين وأبو السبطين الحسن والحسين، والله أمير المؤمنين حقا حقا علي بن أبي طالب عليه من الله الصلوات الزكية والبركات السنية).

 

الصادق عليه السلام يبشر صاحبه بالجنة

الثامن والعشرون وفيه نصر بن الصباح ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن أبي عثمان سجادة ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، عن زيد الشحام، قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي : (يا زيد جدد التوبة وأحدث عبادة، قال قلت نعيت إلي نفسي، قال فقال لي يا زيد ما عندنا لك خير وأنت من شيعتنا إلينا الصراط وإلينا الميزان وإلينا حساب شيعتنا والله لأنا لكم أرحم من أحدكم بنفسه، يا زيد كأني أنظر إليك في درجتك من الجنة ورفيقك فيها الحارث بن المغيرة النصري).

من أحب محبي آل محمد عليهم السلام دخل الجنة

التاسع والعشرون كتاب الروضة من الكافي أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي اليسع ، عن أبي شبل، قال صفوان : ولا أعلم إلا أني قد سمعت من أبي شبل قال:  قال أبو عبد الله (عليه السلام) (من أحبكم على ما أنتم عليه دخل الجنة وإن لم يقل كما تقولون).

 

النجم الذي في الفلك السابع هو نجم أمير المؤمنين

الثلاثون وفيه عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي ابن عثمان ، قال : حدثني أبو عبد الله المدائني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (إن الله { خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد وسائر النجوم [الستة الجاريات من ماء حار وهو نجم الأنبياء والأوصياء وهو نجم أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها ويأمر بافتراش التراب وتوسد اللبن ولباس الخشن وأكل الجشب  وما خلق الله نجما أقرب إلى الله تعالى منه).

تأويل آيتين من القرآن المجيد

الحادي والثلاثون وفيه محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن زيد بن الوليد الخثعمي ، عن أبي الربيع الشامي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله {﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾ .

 قال : نزلت في ولاية علي (عليه السلام) .

قال : وسألته عن قول الله {﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾.

 قال : فقال الورقة السقط والحبة الولد وظلمات الأرض الأرحام والرطب ما يحيى من الناس واليابس ما يقبض وكل ذلك في إمام مبين).

 

الإمام الباقر يصف بعض مقاماتهم وخلقتهم عليهم السلام

الثاني والثلاثون عن كتاب المحتضر للحسن بن سليمان ومما رواه من كتاب منهج التحقيق، بإسناده عن محمد بن الحسين رفعه عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (إن الله تعالى خلق أربعة عشر نورا من نور عظمته قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا فقيل له يا ابن رسول الله عدهم بأسمائهم فمن هؤلاء الأربعة عشر نورا فقال محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين وتاسعهم قائمهم ثم عدهم بأسمائهم ثم قال نحن والله الأوصياء الخلفاء من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن المثاني التي أعطاها الله نبينا ونحن شجرة النبوة ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة ومصابيح العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله ووديعة الله جل اسمه في عباده وحرم الله الأكبر وعهده المسئول عنه فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفره فقد خفر ذمة الله وعهده عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا نحن الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا ونحن والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه إن الله تعالى خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه على عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزان علمه وتراجمة وحيه وأعلام دينه والعروة الوثقى والدليل الواضح لمن اهتدى وبنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار ونزل الغيث من السماء ونبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله ولولانا ما عرف الله وأيم الله لو لا وصية سبقت وعهد أخذ علينا لقلت قولا يعجب منه أو يذهل منه الأولون والآخرون)هي.

حديث الرسول في بيان خلقة أنوارهم وفضل ولايتهم

الثالث والثلاثون عن كتاب المحتضر المذكور مما رواه من كتاب المعراج عن الصدوق  ، عن الحسن بن محمد بن سعيد ، عن فرات بن إبراهيم، عن محمد بن ظهير ، عن أحمد بن عبد الملك ، عن الحسين بن راشد والفضل بن جعفر ، عن إسحاق بن بشير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : (لما أسري به إلى السماء السابعة ثم أهبط الأرض يقول لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)  يا علي إن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنا أمام عرش رب العالمين نسبح الله ونقدسه ونحمده ونهلله وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرضين فلما أراد أن يخلق آدم خلقني وإياك من طينة واحدة من طينة عليين وعجننا بذلك النور وغمسنا في جميع الأنوار وأنهار الجنة ثم خلق آدم واستودع صلبه تلك الطينة والنور فلما خلقه استخرج ذريته من ظهره فاستنطقهم وقررهم بربوبيته فأول خلق أقر له بربوبيته أنا وأنت والنبيون على قدر منازلهم وقربهم من الله عز وجل فقال الله تبارك وتعالى صدقتما وأقررتما يا محمد ويا علي وسبقتما خلقي إلى طاعتي وكذلك كنتما في سابق علمي فيكما فأنتما صفوتي من خلقي والأئمة من ذريتكما وشيعتكما ولذلك خلقتكم ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي فكانت الطينة في صلب آدم ونوري ونورك بين عينيه فما زال ذلك النور ينتقل بين أعين النبيين حتى وصل النور والطينة إلى صلب عبد المطلب فافترق نصفين فخلقني الله من نصفه واتخذني نبيا ورسولا وخلقك من النصف الآخر واتخذك خليفة على خلقه ووصيا ووليا فلما كنت من عظمة ربي جل جلاله كقاب قوسين أو أدنى قال لي يا محمد من أطوع خلقي لك فقلت علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال عز وجل فاتخذه خليفة ووصيا فقد اتخذته صفيا ووليا يا محمد كتبت اسمك واسمه على عرشي من قبل أن أخلق الخلق محبة مني لكما ولمن أحبكما وتوالاكما وأطاعكما فمن أحبكما وأطاعكما وتوالاكما كان عندي من المقربين ومن جحد ولايتكما وعدل عنكما كان عندي من الكافرين الضالين ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي فمن ذا يلج بيني وبينك وأنا وأنت من نور واحد وطينة واحدة فأنت أحق الناس بي في الدنيا والآخرة وولدك ولدي وشيعتك شيعتي وأولياؤك أوليائي وهم معك غدا في الجنة جيراني).

 

النبي يفسر ...من النبيين والصديقين والشهداء ...

الرابع والثلاثون من كتاب رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسي بحذف الأسانيد عن أنس بن مالك قال : (بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى صلاة الفجر ثم استوى في محرابه كالبدر في تمامه فقلنا يا رسول الله إن رأيت أن تفسر لنا هذه الآية قوله تعالى﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا﴾  فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أما النبيون فأنا وأما الصديقون فعلي بن أبي طالب وأما الشهداء فعمي حمزة وأما الصالحون فابنتي فاطمة وولداها الحسن والحسين فنهض العباس من زاوية المسجد إلى بين يديه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال يا رسول الله ألست أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من ينبوع واحد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) وما وراء ذلك يا عماه قال لأنك لم تذكرني حين ذكرتهم ولم تشرفني حين شرفتهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا عماه أما قولك أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من ينبوع واحد فصدقت ولكن خلقنا الله نحن حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا عرش ولا جنة ولا نار كنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس فلما أراد الله بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش فنور العرش من نوري ونوري من نور الله وأنا أفضل من العرش ثم فتق من نور ابن أبي طالب فخلق منه الملائكة فنور الملائكة من نور ابن أبي طالب ونور ابن أبي طالب من نور الله ونور ابن أبي طالب أفضل من الملائكة وفتق نور ابنتي فاطمة منه فخلق السماوات والأرض فنور السماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور فاطمة من نور الله وفاطمة أفضل من السماوات والأرض ثم فتق من نور الحسن فخلق منه الشمس والقمر فنور الشمس والقمر من نور الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر ثم فتق من نور الحسين فخلق منه الجنة والحور العين فنور الجنة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين ثم إن الله خلق الظلمة بالقدرة فأرسلها في سحائب البصر فقالت الملائكة سبوح قدوس ربنا مذ عرفنا هذه الأشباح ما رأينا سوءا فبحرمتهم إلا كشفت ما نزل بنا فهنالك خلق الله تعالى قناديل الرحمة وعلقها على سرادق العرش فقالت إلهنا لمن هذه الفضيلة وهذه الأنوار فقال هذا نور أمتي فاطمة الزهراء فلذلك سميت أمتي الزهراء لأن السماوات والأرضين بنورها زهرت وهي ابنة نبيي وزوجة وصيي وحجتي على خلقي أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها إلى يوم القيامة فعند ذلك نهض العباس إلى علي بن أبي طالب وقبل ما بين عينيه وقال يا علي لقد جعلك الله حجة بالغة على العباد إلى يوم القيامة).

 

أول ما خلق الله نور النبي وخلق منه كل خير

الخامس والثلاثون وعن الكتاب المذكور عن  جابر بن عبد الله قال : قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول شيء خلق الله تعالى ما هو ؟ فقال : (نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله أقساما فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ثم جعله أقساما فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله أجزاء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ثم جعله أجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ثم نظر إليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسها أرواح الأولياء والشهداء والصالحين ).

 

الإمام عليه السلام وكر لإرادة الله

السادس والثلاثون عن كتاب المحتضر نقلا عن كتاب منهج التحقيق يرفعه إلى ابن أبي عمير ، عن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (لو أذن لنا أن نعلم الناس حالنا عند الله ومنزلتنا منه لما احتملتم فقال له في العلم فقال العلم أيسر من ذلك إن الإمام وكر لإرادة الله عز وجل لا يشاء إلا ما يشاء الله).

الدنيا عند الإمام عليه السلام كراحته

السابع والثلاثون وعن الكتاب المذكور عن كتاب نوادر الحكمة، يرفعه إلى إسحاق القمي قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) لحمران بن أعين: (يا حمران إن الدنيا عند الإمام والسماوات والأرضين إلا هكذا وأشار بيده إلى راحته يعرف ظاهرها وباطنها وداخلها وخارجها ورطبها ويابسها ).

 

كل شيء مكتوب عليه الشهادات الثلاث

الثامن والثلاثون وعن كتاب المحتضر المذكور نقلا عن كتاب المعراج تأليف الشيخ الصالح أبي محمد الحسن ومنه، عن الصدوق، عن ابن الوليد عن الصفار ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر، عن عمرو  بن شمر عن جابر ، عن جابر الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ما بال أقوام يلومونني في محبتي لأخي علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فو الذي بعثني بالحق نبيا ما أحببته حتى أمرني ربي جل جلاله بمحبته ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :ما بال أقوام يلومونني في تقديمي لعلي بن أبي طالب؟ فو عزة ربي ما قدمته حتى أمرني عز اسمه بتقديمه وجعله أمير المؤمنين وأمير أمتي وإمامها أيها الناس إنه لما عرج بي إلى السماء السابعة وجدت على كل باب سماء مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ولما صرت إلى حجب النور رأيت على كل حجاب مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ولما صرت إلى العرش وجدت على كل ركن من أركانه مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين).

حديث آخر مثله

التاسع والثلاثون كتاب الاحتجاج للشيخ الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي  قال : وروى القاسم بن معاوية ، قال : (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما أسرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى على العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال : سبحان الله غيروا كل شي‏ء حتى هذا قلت نعم قال إن الله عز وجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الماء كتب في مجراه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب على قوائمه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل اللوح كتب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل إسرافيل كتب على جبهته لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل جبرئيل كتب على جناحيه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل السماوات كتب في أكنافها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الأرضين كتب في أطباقها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الجبال كتب في رءوسها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الشمس كتب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل القمر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين (عليه السلام)).

 

ما كتبه موسى عليه السلام على جبل بأرض البلقاء

الأربعون عن كتاب كنز الفوائد للكراجكي  حدثني الشريف طاهر بن موسى الحسيني بمصر سنة سبع وأربعمائة، عن عبد الوهاب بن أحمد الخلال ، عن أحمد بن محمد بن زياد، عن أبي الحسن الطهراني ، وحدثني محمد بن عبيد ، عن الحسين بن أبي بكر ، عن أبي الفضل ، عن أبي علي بن الحسن التمار ، كلاهما عن أبي سعيد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر قال : (أشخصني هشام ابن عبد الملك عن أرض الحجاز إلى الشام زائرا له فسرت فلما أتيت أرض البلقاء رأيت جبلا أسود وعليه مكتوب أحرفا لم أعلم ما هي فعجبت من ذلك ثم دخلت عمان قصبة البلقاء فسألت عن رجل يقرأ ما على القبور والجبال فأرشدت إلى شيخ كبير فعرفته ما رأيت فقال: اطلب شيئا أركبه لأخرج معك  فحملته معي على راحلتي وخرجنا إلى الجبل ومعي محبرة وبياض فلما قرأه قال لي ما أعجب ما عليه بالعبرانية فنقلته بالعربية فإذا هو باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلي ولي الله صلى الله عليهما وكتب موسى بن عمران بيده).

 

الكتابة التي على جناح الهدهد

الحادي والأربعون عن أمالي الطوسي هلال بن محمد بن عيسى المقرئ، قال : حدثنا سعيد بن أحمد البزاز ، عن المنذر بن محمد بن محمد ، عن أبيه عن الرضا (عليه السلام) عن أبائه عن علي صلوات الله عليهم قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ما من هدهد إلا وفي جناحه مكتوب بالسريانية آل محمد خير البرية).

 

من أراد أن يعرف موضعه من الله

الثاني والأربعون عن اختصاص المفيد أبو الفرج ، عن سهل ، عن رجل، عن ابن جبلة ، عن أبي المغرا ، عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: (سمعته يقول: من كانت له إلى الله حاجة وأراد أن يرانا وأن يعرف موضعه من الله فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا فإنه يرانا ويغفر له بنا ولا يخفى عليه موضعه قلت سيدي فإن رجلا رآك في منامه وهو يشرب النبيذ قال ليس النبيذ يفسد عليه دينه إنما يفسد عليه تركنا وتخلفه عنا إن أشقى أشقيائكم من يكذبنا في الباطن بما يخبر عنا ويصدقنا في الظاهر نحن أبناء نبي الله وأبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبناء أمير المؤمنين (عليه السلام) وأحباب رب العالمين نحن مفتاح الكتاب بنا نطق العلماء ولولا ذلك لخرسوا نحن رفعنا المنار وعرفنا القبلة نحن حجر البيت في السماء والأرض بنا غفر لآدم وبنا ابتلي أيوب وبنا افتقد يعقوب وبنا حبس يوسف وبنا رفع البلاء وبنا أضاءت الشمس نحن مكتوبون على عرش ربنا مكتوب محمد خير النبيين وعلي سيد الوصيين وفاطمة سيدة نساء العالمين‏).

 

كتاب الإمام العسكري عليه السلام في بعض فضائلهم

الثالث والأربعون المحجة البيضاء للمحدث الفيض الكاشاني  أنه وجد بخط مولانا أبي محمد العسكري (عليه السلام) : (أعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب ونسوا الله رب الأرباب والنبي وساقي الكوثر في مواقف الحساب ولظى والطامة الكبرى ونعيم دار الثواب فنحن السنام الأعظم وفينا النبوة والولاية والكرم ونحن منار الهدى والعروة الوثقى والأنبياء كانوا يقتبسون من أنوارنا ويقتفون آثارنا وسيظهر حجة الله على الخلق بالسيف المسلول لإظهار الحق وهذا خط الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين).

كتاب آخر له عليه السلام في بعض فضائلهم وجزاء شيعتهم

الرابع والأربعون وفيه أنه وجد أيضا بخطه (عليه السلام) ما صورته : (قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية ونورنا سبع طبقات أعلام الفتوى بالهداية فنحن ليوث الوغى وغيوث الندى وطعان العدى وفينا السيف والقلم في العاجل ولواء الحمد والحوض والعلم في الآجل وأسباطنا حلفاء الدين وخلفاء النبيين ومصابيح الأمم ومفاتيح الكرم فالكليم ألبس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وشيعتنا الفئة الناجية والفرقة الزاكية وصاروا لنا ردءا وصونا وعلى الظلمة إلبا وعونا وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام ألم حم وطه والطواسين من السنين وهذا الكتاب ذرة من جبل الرحمة وقطرة من بحر الحكمة وكتب الحسن بن علي العسكري في سنة أربع وخمسين ومائتين).

 

الأئمة عليهم السلام معلمي الشيعة والملائكة في عالم الأنوار

الخامس والأربعون كتاب جامع الأخبار الذي يأتي الكلام في مصنفه في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى عن الشيخ الصدوق قال : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن ضحاك ، قال : أخبرنا عزيز بن عبد الحميد ، عن إسماعيل بن طلحة ، عن كثير بن عمير ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، في كتاب المحتضرعن جابر بن عبد الله بأدنى مغايرة في اللفظ واللفظ الأول قال : (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من نور فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبحنا فسبحوا وقدسنا فقدسوا وهللنا فهللوا ومجدنا فمجدوا ووحدنا فوحدوا ثم خلق الله السماوات والأرضين وخلق الملائكة فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا ولا تمجيدا فسبحنا فسبحت شيعتنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا وقدسنا فقدست شيعتنا فقدست الملائكة لتقديسنا ومجدنا ومجدت شيعتنا فمجدت الملائكة لتمجيدنا ووحدنا فوحدت شيعتنا فوحدت الملائكة لتوحيدنا وكانت الملائكة لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا من قبل تسبيحنا وتسبيح شيعتنا فنحن الموحدون حين لا موحد غيرنا وحقيق على الله تعالى كما اختصنا واختص شيعتنا أن ينزلنا في أعلى عليين إن الله سبحانه وتعالى اصطفانا واصطفى شيعتنا من قبل أن تكون أجساما فدعانا وأجبنا فغفر لنا ولشيعتنا من قبل أن نسبق أن نستغفر الله).

لا يدخل النار موالي

السادس والأربعون روضة الكافي علي بن محمد ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن ميسر ، قال : (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال : كيف أصحابك ؟ فقلت : جعلت فداك لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، قال : وكان متكئا فاستوى جالسا ، ثم قال : كيف قلت ، قلت : والله لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، فقال : أما والله لا يدخل النار منكم اثنان لا والله ولا واحد والله إنكم الذين قال الله عز وجل﴿وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار * إن ذلك لحق تخاصم أهل النار﴾ ثم قال : طلبوكم والله في النار والله فما وجدوا منكم أحدا).

 

الله سماكم الرافضة

السابع والأربعون وفيه عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه أبو بصير وقد خفره النفس فلما أخذ مجلسه قاله له أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا محمد ما هذا النفس العالي؟

فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي مع أنني لست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا محمد وإنك لتقول هذا ؟!

قال: جعلت فداك وكيف لا أقول هذا؟!

فقال: يا أبا محمد أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم ويستحيي من الكهول؟

قال: قلت: جعلت فداك فكيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول؟

فقال: يكرم الله الشباب أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم.

قال: قلت: جعلت فداك هذا لنا خاصة أم لأهل التوحيد؟

قال: فقال: لا والله إلا لكم خاصة دون العالم.

قال: قلت: جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم.

قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام):الرافضة؟

قال: قلت: نعم.

قال: لا والله ما هم سموكم ولكن الله سماكم به أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى (عليه السلام) لما استبان لهم هداه فسموا في عسكر موسى الرافضة لأنهم رفضوا فرعون وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم حبا لموسى وهارون وذريتهما (عليهم السلام)  فأوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام) أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد سميتهم به ونحلتهم إياه، فأثبت موسى (عليه السلام) الاسم لهم ثم ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) وذهبتم حيث ذهبوا واخترتم من اختار الله لكم وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم أبشروا، فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم، من لم يأت الله عز وجل بما أنتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له عن سيئة، يا أبا محمد فهل سررتك ؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

فقال: يا أبا محمد إن لله عز وجل ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه وذلك قوله عز وجل﴿الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا﴾ استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق، يا أبا محمد فهل سررتك ؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا﴾  إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره﴿وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين﴾ يا أبا محمد فهل سررتك ؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني .

فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال﴿إخوانا على سرر متقابلين﴾ والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك ؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

فقال: يا أبا محمد﴿الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين﴾ والله ما أراد بهذا غيركم، يا أبا محمد فهل سررتك .

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

فقال: يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا وعدونا في آية من كتابه فقال عز وجل﴿هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب﴾  فنحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا هم أولوا الألباب، يا أبا محمد فهل سررتك ؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

فقال: يا أبا محمد والله ما استثنى الله عز وجل بأحد من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته فقال في كتابه وقوله الحق﴿يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون * إلا من رحم الله﴾ يعني بذلك عليا (عليه السلام) وشيعته، يا أبا محمد فهل سررتك؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول﴿يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم﴾  والله ما أراد بهذا غيركم، فهل سررتك يا أبا محمد ؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾ والله ما أراد بهذا إلا الأئمة  (عليهم السلام)  وشيعتهم، فهل سررتك يا أبا محمد؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا﴾ فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عز وجل، يا أبا محمد فهل سررتك؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوكم في النار بقوله﴿وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار﴾ والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون وفى النار تطلبون يا أبا محمد فهل سررتك ؟

قال: قلت: جعلت فداك زدني.

قال: يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدونا ومن خالفنا، فهل سررتك يا أبا محمد؟

قال: قلت: جعلت فداك، زدني.

فقال: يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس من ذلك براء يا أبا محمد فهل سررتك ؟ وفي رواية أخرى فقال: حسبي).

 

أمير المؤمنين يصف مقام الإمام لطارق بن شهاب

الثامن والأربعون لوامع أنوار التمجيد للحافظ البرسي  عن طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : (يا طارق الإمام كلمة الله وحجة الله ووجه الله ونور الله وحجاب الله وآية الله يختاره الله ويجعل فيه منه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه فهو وليه في سماواته وأرضه، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء. ويكتب على عضده﴿وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا﴾ فهو الصدق والعدل وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد، ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطلع على الغيب، ويعطى التصرف على الإطلاق، ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت، ويعطى منطق الطير عند ولادته. فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه ويؤيده بكلمته ويلقنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيته وينادى له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة ويحكم له بالطاعة وذلك لأن الإمامة ميراث الأنبياء ومنزلة الأصفياء وخلافة الله وخلافة رسول الله فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية لأنها تمام الدين ورجح الموازين وعز المؤمنين وشفاعة المذنبين ونجاة المحبين وفوز التابعين، لأنها رأس الإسلام وكمال الإيمان ومعرفة الحدود والأحكام وحد سنن الحلال والحرام، فهي رتبة لا ينالها إلا من اختاره الله وقدمه وولاه وحكمه. فالولاية هي حفظ الثغور وتدبير الأمور وتعديد الأيام والشهور الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى، الإمام المطهر من الذنوب، المطلع على الغيوب، الإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار فلا تناله الأيدي والأبصار وإليه الإشارة بقوله تعالى﴿ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين﴾  والمؤمنون علي وعترته، فالعزة للنبي وللعترة، والنبي والعترة لا يفترقان في العزة إلى آخر الدهر. فهم رأس دائرة الإيمان وقطب الوجود وسماء الجود وشرف الموجود وضوء شمس الشرف ونور قمره وأصل العز والمجد ومبدؤه ومعناه ومبناه، فالإمام هو السراج الوهاج والسبيل والمنهاج والماء الثجاج والبحر العجاج والبدر المشرق والغدير المغدق والمنهج الواضح للسالك، والدليل إذا عمت المسالك والسحاب الهاطل والغيث الهامل  والبدر الكامل والدليل الفاضل والسماء الظليلة والنعمة الجميلة الجليلة والبحر الذي لا ينزف والشرف الذي لا يوصف والعين الغزيرة والروضة المطيرة والزهر الأريج والبدر البهيج والنير اللائح والطيب الفائح والعمل الصالح والمتجر الرابح والمنهج الواضح والطبيب الرفيق والأب الشفيق مفزع العباد في الدواهي والحاكم والآمر والناهي، مهيمن الله على الخلائق، وأمينه على الحقائق حجة الله على عباده ومحجته في أرضه وبلاده، مطهر من الذنوب مبرأ من العيوب مطلع على الغيوب، ظاهره أمر لا يملك، وباطنه غيب لا يدرك، واحد دهره وخليفة الله في نهيه وأمره. لا يوجد له مثيل ولا يقوم له بديل. فمن ذا ينال معرفتنا أو يعرف درجتنا أو يشهد كرامتنا أو يدرك منزلتنا ؟ حارت الألباب والعقول وتاهت الأفهام فيما أقول تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء وكلت الشعراء وخرست البلغاء ولكنت الخطباء وعجزت الفصحاء وتواضعت الأرض والسماء عن وصف شأن الأولياء. وهل يعرف أو يوصف أو يعلم أو يفهم أو يدرك شأن من هو نقطة الكائنات وقطب الدائرات وسر الممكنات وشعاع جلال الكبرياء وشرف الأرض والسماء؟ جل مقام آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن وصف الواصفين ونعت الناعتين وأن يقاس بهم أحد من العالمين، كيف وهم النور الأول والكلمة العليا، والتسمية البيضاء، والوحدانية الكبرى التي أعرض عنها من أدبر وتولى، وحجاب الله الأعظم الأعلى. فأين الاختيار عن هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ ومن ذا عرف من عرفت أو وصف من وصفت ظنوا أن ذلك في غير آل محمد، كذبوا وزلت أقدامهم واتخذوا العجل ربا، والشياطين حزبا، كل ذلك بغضا لبيت الصفوة ودار العصمة وحسدا لمعدن الرسالة والحكمة، وزين لهم الشيطان أعمالهم، فتبا لهم وسحقا، كيف اختاروا إماما جاهلا عابدا للأصنام، جبانا يوم الزحام والإمام يجب أن يكون عالما لا يجهل، وشجاعا لا ينكل، لا يعلو عليه حسب ولا يدانيه نسب، فهو في الذروة من قريش، والشرف من هاشم، والبقية من إبراهيم والنهج من النبع الكريم، والنفس من الرسول، والرضا من الله، والقول عن الله. فهو شرف الأشراف والفرع من عبد مناف، عالم بالسياسة، قائم بالرئاسة، مفترض الطاعة إلى يوم الساعة، أودع الله قلبه سره، وأنطق به لسانه فهو معصوم موفق ليس بجبان ولا جاهل، فتركوه يا طارق واتبعوا أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله؟ والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي وأمر إلهي وروح قدسي ومقام علي ونور جلي وسر خفي، فهو ملكي الذات، إلهي الصفات، زائد الحسنات، عالم بالمغيبات خصا من رب العالمين، ونصا من الصادق الأمين وهذا كله لآل محمد لا يشاركهم فيه مشارك. لأنهم معدن التنزيل ومعنى التأويل وخاصة الرب الجليل ومهبط الأمين جبرئيل، وصفات الله وصفوته وسره وكلمته، شجرة النبوة ومعدن الفتوة عين المقالة، ومنتهى الدلالة، ومحكم الرسالة، ونور الجلالة وجنب الله ووديعته، وموضع كلمة الله ومفتاح حكمته، ومصابيح رحمة الله وينابيع نعمته والسبيل إلى الله والسلسبيل والقسطاس المستقيم والمنهاج القويم والذكر الحكيم والوجه الكريم والنور القديم، أهل التشريف والتقديم والتفضيل والتعظيم خلفاء النبي الكريم وأبناء الرؤوف الرحيم وأمناء العلي العظيم﴿ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم﴾  السنام الأعظم والطريق الأقوم، من عرفهم وأخذ عنهم فهو منهم، وإليه الإشارة بقوله﴿فمن تبعني فإنه مني﴾ خلقهم الله من نور عظمته وولاهم أمر مملكته فهم سر الله المخزون وأولياؤه المقربون وأمره بين الكاف والنون إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون. علم الأنبياء في علمهم وسر الأوصياء في سرهم وعز الأولياء في عزهم كالقطرة في البحر والذرة في القفر، والسماوات والأرض عند الإمام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ويعلم برها من فاجرها ورطبها من يابسها، لأن الله علم نبيه علم ما كان وما يكون وورث ذلك السر المصون الأوصياء المنتجبون، ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون يلعنه الله ويلعنه اللاعنون. وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض ؟ وإن الكلمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تنصرف إلى سبعين وجها، وكل ما في الذكر الحكيم والكتاب الكريم والكلام القديم من آية تذكر فيها العين والوجه واليد والجنب فالمراد منها الولي لأنه جنب الله ووجه الله، يعني حق الله وعلم الله وعين الله ويد الله فهم الجنب العلي والوجه الرضي والمنهل الروي والصراط السوي والوسيلة إلى الله والوصيلة إلى عفوه ورضاه. سر الواحد الأحد، فلا يقاس بهم من الخلق أحد، فهم خاصة الله وخالصته وسر الديان وكلمته، وباب الإيمان وكعبته وحجة الله ومحجته وأعلام الهدى ورايته وفضل الله ورحمته، وعين اليقين وحقيقته، وصراط الحق وعصمته، ومبدأ الوجود وغايته، وقدرة الرب ومشيته، وأم الكتاب وخاتمته، وفصل الخطاب ودلالته، وخزنة الوحي وحفظته، وآية الذكر وتراجمته، ومعدن التنزيل ونهايته فهم الكواكب العلوية والأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية في سماء العظمة المحمدية والأغصان النبوية النابتة في الدوحة الأحمدية والأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية، والذرية الزكية، والعترة الهاشمية الهادية المهدية أولئك هم خير البرية. فهم الأئمة الطاهرون والعترة المعصومون والذرية الأكرمون والخلفاء الراشدون والكبراء الصديقون والأوصياء المنتجبون والأسباط المرضيون والهداة المهديون والغر الميامين من آل طه ويس، وحجج الله على الأولين والآخرين. واسمهم مكتوب على الأحجار وعلى أوراق الأشجار وعلى أجنحة الأطيار وعلى أبواب الجنة والنار وعلى العرش والأفلاك وعلى أجنحة الأملاك وعلى حجب الجلال وسرادقات العز والجمال، وباسمهم تسبح الأطيار، وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار، وإن الله لم يخلق خلقا إلا وأخذ عليه الإقرار بالوحدانية والولاية للذرية الزكية والبراءة من أعدائهم وإن العرش لم يستقر حتى كتب عليه بالنور لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله).

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب هذا الحديث الشريف رواه المولى المجلسي  في البحار وتلميذه الشيخ عبد الله البحراني في العوالم عن كتاب مشارق الأنوار للشيخ البرسي  وهو سهو وإنما ذكره في الكتاب الذي ذكرناه وهو غير كتاب المشارق فإنه قال فيه بعد البسملة :(الحمد لله الواحد لا من قلة الموجود لا من علة والصلاة على المبعوث بأشرف ملة وآله النجوم الأهلة وبعد يقول المخلوق من الماء المهين العبد الفقير المسكين المستكين المؤمن بوحدانية رب العالمين المنزه له عن أقوال الظالمين وشبه الضالين وضلال المشبهين وإلحاد المبطلين وإبطال الملحدين الشاهد بصدق الأنبياء والمرسلين وعصمة الأولياء الصديقين والخلفاء الصادقين المصدق بيوم الدين رجب الحافظ صان الله إيمانه وأعطاه في الدارين أمانه هذه رسالة في أصول الكتاب سميتها لوامع أنوار التمجيد وجوامع أسراره ودعتها ديني واعتقادي وجعلتها زادي ليوم معادي قدمتها لوجوب تقديم التوحيد على سائر العلوم وأتبعتها كتابا سميته مشارق أنوار اليقين في إظهار أسرار حقائق أمير المؤمنين إلى آخر ما قال ثم ذكر في هذا الكتاب أسرار التوحيد والنبوة والإمامة وشيئا من معجزات المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) على الترتيب وبعض الأخبار الواردة في مناقبهم (عليهم السلام) على سبيل الاستشهاد ومنها حديث طارق بن شهاب ثم إن بعض الناسخين قد حذف ديباجة ذلك الكتاب أعني لوامع الأنوار وخلط باقيه بكتاب المشارق فجعلها ككتاب واحد ومن هنا اشتهر أن نسخ المشارق مختلفة جدا والظاهر أن هذا هو منشأ سهو هذين الفاضلين في نسبة الحديث المذكور إلى كتاب المشارق مع عدم كونه مذكورا فيه وحيث أن الله تعالى منّ علينا بنسخة كلا الكتابين ووجدنا الحديث في الكتاب المذكور في الصدر دون ذاك نسبناه إليه ونقلناه عنه وإنما أشرنا إلى هذا التفصيل لنكتة وهي أنه ربما يقف بعض الناس على كتاب المشارق مفردا ولا يجد هذا الخبر فيه فيختلج في قلبه شك من نقل هذين الفاضلين وربما يقع كتابنا هذا بيده فيزيل عنه شكه والله ولي التوفيق.

حديث البيان والمعاني

التاسع والأربعون مشارق الأنوار عن جابر بن عبد الله عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : (يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال فقلت: وما البيان والمعاني؟ فقال (عليه السلام): أما البيان فهو أن تعرف الله سبحانه ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا وأما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وأمره وحكمه وكلمته وعلمه وحقه وإذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريده ونحن المثاني التي أعطاها الله نبينا ونحن وجه الله الذي نتقلب في الأرض بين أظهركم فمن عرفنا فأمامه اليقين ومن جهلنا فأمامه سجين ولو شئنا خرقنا الأرض وصعدنا السماء وإن إلينا إياب هذا الخلق ثم إن علينا حسابهم). 

 

أخذ العهد والميثاق على الخلق لمحمد وآله عليهم السلام

الخمسون عن كتاب رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسي بإسناده مرفوعا إلى جابر بن يزيد الجعفي قال (قال أبو جعفر محمد ابن علي الباقر (عليه السلام) يا جابر كان الله ولا شي‏ء غيره ولا معلوم ولا مجهول فأول ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس نسبح الله تعالى ونقدسه ونحمده ونعبده حق عبادته ثم بدا لله تعالى عز وجل أن يخلق المكان فخلقه وكتب على المكان لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ووصيه به أيدته ونصرته ثم خلق الله العرش فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك ثم خلق الله السماوات فكتب على أطرافها مثل ذلك ثم خلق الجنة والنار فكتب عليهما مثل ذلك ثم خلق الملائكة وأسكنهم السماء ثم تراءى لهم الله تعالى وأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالولاية فاضطربت فرائص الملائكة فسخط الله على الملائكة واحتجب عنهم فلاذوا بالعرش سبع سنين يستجيرون الله من سخطه ويقرون بما أخذ عليهم ويسألونه الرضا فرضي عنهم بعد ما أقروا بذلك وأسكنهم بذلك الإقرار السماء واختصهم لنفسه واختارهم لعبادته ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحنا  فسبحوا بتسبيحنا ولولا تسبيح أنوارنا ما دروا كيف يسبحون الله ولا كيف يقدسونه ثم إن الله عز وجل خلق الهواء فكتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين وصيه به أيدته ونصرته ثم خلق الله الجن وأسكنهم الهواء وأخذ الميثاق منهم [له بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالولاية فأقر منهم بذلك من أقر وجحد منهم من جحد فأول من جحد إبليس لعنه الله فختم له بالشقاوة وما صار إليه ثم أمر الله تعالى عز وجل أنوارنا أن تسبح فسبحت فسبحوا بتسبيحنا ولو لا ذلك ما دروا كيف يسبحون الله ثم خلق الله الأرض فكتب على أطرافها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين وصيه به أيدته ونصرته فبذلك يا جابر قامت السماوات بغير عمد وثبتت الأرض ثم خلق الله تعالى آدم (عليه السلام) من أديم الأرض فسواه ونفخ فيه من روحه ثم أخرج ذريته من صلبه فأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالولاية أقر منهم من أقر وجحد من جحد فكنا أول من أقر بذلك ثم قال لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعزتي وجلالي وعلو شأني لولاك ولو لا علي وعترتكما الهادون المهديون الراشدون ما خلقت الجنة والنار ولا المكان ولا الأرض ولا السماء ولا الملائكة ولا خلقا يعبدني يا محمد أنت خليلي وحبيبي وصفيي وخيرتي من خلقي أحب الخلق إلي وأول من ابتدأت إخراجه من خلقي ثم من بعدك الصديق علي أمير المؤمنين وصيك به أيدتك ونصرتك وجعلته العروة الوثقى ونور أوليائي ومنار الهدى ثم هؤلاء الهداة المهديون من أجلكم ابتدأت خلق ما خلقت وأنتم خيار خلقي [وأحبائي وكلماتي وأسمائي الحسنى وأسبابي وآياتي الكبرى وحجتي فيما بيني وبين خلقي خلقتكم من نور عظمتي واحتجبت بكم عمن سواكم من خلقي وجعلتكم أستقبل بكم وأسأل بكم فكل شي‏ء هالك إلا وجهي وأنتم وجهي لا تبيدون ولا تهلكون ولا يبيد ولا يهلك من توالاكم ومن استقبلني بغيركم فقد ضل وهوى وأنتم خيار خلقي وحملة سري وخزان علمي وسادة أهل السماوات وسادة أهل الأرض ثم إن الله تعالى هبط إلى الأرض في ظلل من الغمام والملائكة وأهبط أنوارنا أهل البيت معه وأوقفنا نورا صفوفا بين يديه نسبحه في أرضه كما سبحناه في سمائه ونقدسه في أرضه قدسناه في سمائه ونعبده في أرضه كما عبدناه في سمائه فلما أراد الله إخراج ذرية آدم (عليه السلام) لأخذ الميثاق سلك ذلك النور فيه ثم أخرج ذريته من صلبه يلبون فسبحناه فسبحوا بتسبيحنا ولولا ذلك لما دروا كيف يسبحون الله عز وجل ثم تراءى لهم بأخذ الميثاق منهم له بالربوبية وكنا أول من قال بلى عند قوله ﴿أ لست بربكم﴾ ثم أخذ الميثاق منهم بالنبوة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعلي (عليه السلام) بالولاية فأقر من أقر وجحد من جحد ثم قال أبو جعفر (عليه السلام)  فنحن أول خلق الله وأول خلق عبد الله وسبحه ونحن سبب خلق الخلق وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميين فبنا عرف الله وبنا وحد الله وبنا عبد الله وبنا أكرم الله من أكرم من جميع خلقه وبنا أثاب من أثاب وبنا عاقب من عاقب ثم تلا قوله تعالى﴿وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون﴾ قوله تعالى ﴿قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين﴾ فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من عبد الله تعالى وأول من أنكر أن يكون له ولد أو شريك ثم نحن بعد رسول الله ثم أودعنا بعد ذلك صلب آدم (عليه السلام) فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلب إلى صلب ولا استقر في صلب إلا تبين عن الذي انتقل منه انتقاله وشرف الذي استقر فيه حتى صار في صلب عبد المطلب فوقع بأم عبد الله فاطمة فافترق النور جزءين جزء في عبد الله وجزء في أبي طالب فذلك قوله تعالى ﴿وتقلبك في الساجدين﴾ يعني في أصلاب النبيين وأرحام نسائهم فعلى هذا أجرانا الله تعالى في الأصلاب والأرحام وولدنا الآباء والأمهات من لدن آدم (عليه السلام)).

يقول مصنف هذا الكتاب عفا الله عنه، قوله (عليه السلام) (ثم تراءى لهم) وقوله (ثم أن الله تعالى هبط إلى الأرض) يعني ظهر لهم بأمره فألقى في هويتهم مثاله وهبط إلى الأرض يعني وجه إرادته وإشراقه الفعلي إلى الأرض يصنع ما يريد فيها فأمثال هذه الكلمات من باب قوله سبحانه﴿وجاء ربك والملك صفا صفا﴾  فافهم وتبصر.

 

اصطفاء الله المعصومين عليهم السلام من الخلق

الحادي والخمسون مقتضب الأثر حدثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي المعدل ، عن أحمد بن محمد الخليلي الأملي ، قال : حدثنا محمد ابن صالح الهمداني ، قال : حدثنا سليمان بن أحمد ، قال : أخبرني الريان ابن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن جابر قال سمعت سلام بن أبي عمرة قال : (سمعت أبا سلمى راعي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ليلة أسري بي إلى السماء قال العزيز جل ثناؤه﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه﴾ قلت:﴿والمؤمنون﴾، قال: صدقت يا محمد من خلفت لأمتك قلت خيرها قال علي بن أبي طالب قلت نعم قال يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا وذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد ثم اطلعت فاخترت منها عليا وشققت له اسما من أسمائي فأنا [العلي الأعلى وهو علي يا محمد إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين من شبح نوري وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرضين فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين يا محمد لو أن عبدا من عبادي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له أو يقر بولايتكم يا محمد تحب أن تراهم قلت نعم يا رب فقال لي التفت عن يمين العرش فالتفت وإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي (عليه السلام) والمهدي في ضحضاح من نور قياما يصلون وهو في وسطهم يعني المهدي كأنه كوكب دري فقال يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي) .

 

الإمام الصادق عليه السلام يصف مقام الإمام من الله عز وجل

الثاني والخمسون كتاب كمال الدين للصدوق  حدثنا أبي  قال: حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف ، عن عبد الله بن عبد الرحمن البصري ، عن أبي المغراء حميد بن المثنى العجلي ، عن أبي بصير ، عن خيثمة الجعفي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سمعته يقول : (نحن جنب الله ونحن صفوته ونحن خيرته ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن أمناء الله عز وجل ونحن حجة الله ونحن أركان الإيمان ونحن دعائم الإسلام ونحن رحمة الله على خلقه ونحن مَن بنا يفتح وبنا يختم ونحن أئمة الهدى ونحن مصابيح الدجى ونحن منار الهدى ونحن السابقون ونحن الآخرون ونحن العلم المرفوع للخلق من تمسك بنا لحق ومن تأخر عنا غرق ونحن قادة الغر المحجلين ونحن خيرة الله ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله عز وجل ونحن نعمة الله عز وجل على خلقه ونحن المنهاج ونحن معدن النبوة ونحن موضع الرسالة ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة ونحن السراج لمن استضاء بنا ونحن السبيل لمن اهتدى بنا ونحن الهداة إلى الجنة ونحن عرى الإسلام ونحن الجسور والقناطر من مضى عليها لم يسبق ومن تخلف عنها محق ونحن السنام الأعظم ونحن الذين بنا ينزل الله عز وجل الرحمة وبنا تسقون الغيث ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمن عرفنا وأبصرنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا وإلينا).

 

تفسير قوله تعالى وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون

الثالث والخمسون إرشاد الديلمي مرفوعا إلى أبي بزرة قال : قال سأل ابن مهروان عبد الله بن عباس إلى آخر ما يأتي ، (ح) كتاب تأويل الآيات عن تفسير محمد بن العباس مرفوعا عن محمد بن زياد قال : سأل ابن مهروان عبد الله بن عباس عن تفسير قوله تعالى﴿وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون﴾ فقال ابن عباس واللفظ لكتاب الإرشاد : (إنا كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلما رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تبسم في وجهه وقال مرحبا بمن خلقه الله قبل أبيه آدم بأربعين ألف عام فقلت يا رسول الله أكان الابن قبل الأب فقال نعم إن الله تعالى خلقني وخلق عليا قبل أن يخلق آدم بهذه المدة خلق نورا قسمه نصفين فخلقني من نصفه وخلق عليا من النصف الآخر قبل الأشياء ثم خلق الأشياء فكانت مظلمة فنورها من نوري ونور علي ثم جعلنا عن يمين العرش ثم خلق الملائكة فسبحنا وسبحت الملائكة فهللنا فهللت الملائكة وكبرنا فكبرت الملائكة وكان ذلك من تعليمي وتعليم علي وكان ذلك في علم الله السابق أن الملائكة تتعلم منا التسبيح والتهليل والتكبير وكل شي‏ء يسبح لله ويكبره ويهلله بتعليمي وتعليم علي وكان في علم الله السابق أن لا يدخل النار محب لي ولعلي وكذا كان في علمه أن لا يدخل الجنة مبغض لي ولعلي ألا وإن الله تعالى خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللجين مملوة من ماء الجنة من الفردوس فما أحد من شيعة علي إلا وهو طاهر الوالدين تقي نقي أمن مؤمن بالله فإذا أراد أبو أحدهم أن يواقع أهله جاء ملك من الملائكة الذين بأيديهم أباريق الجنة فقطر من ذلك الماء في إنائه الذي يشرب به فيشرب هو ذلك الماء و ينبت الإيمان في قلبه كما ينبت الزرع فهم على بينة من ربهم ومن نبيهم ومن وصيي علي ومن ابنتي فاطمة الزهراء ثم الحسن ثم الحسين والأئمة من ولد الحسين قلت يا رسول الله ومن هم قال أحد عشر مني أبوهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمد لله الذي جعل محبة علي والإيمان سببين).

تفسير قوله تعالى وإن من شيعته لإبراهيم

الرابع والخمسون تأويل الآيات عن الشيخ محمد بن الحسن ، عن محمد بن وهبان ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن رحيم ، عن العباس ابن محمد ، قال : حدثني أبي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، قال حدثني أبي عن أبي بصير يحيى بن القاسم قال : (سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن تفسير هذه الآية﴿وإن من شيعته لإبراهيم﴾   فقال (عليه السلام) إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم كشف له عن بصره فنظر فرأى نورا إلى جنب العرش فقال إلهي ما هذا النور فقيل له هذا نور محمد صفوتي من خلقي ورأى نورا إلى جنبه فقال إلهي وما هذا النور فقيل له هذا نور علي بن أبي طالب (عليه السلام) ناصر ديني ورأى إلى جنبيهما ثلاثة أنوار فقال إلهي وما هذه الأنوار فقيل له هذا نور فاطمة فطمت محبيها من النار ونور ولديها الحسن والحسين فقال إلهي وأرى تسعة أنوار قد حفوا بهم قيل يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة فقال إبراهيم إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلا عرفتني من التسعة قيل يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي وابنه الحسن والحجة القائم ابنه فقال إبراهيم إلهي وسيدي أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت قيل يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال إبراهيم وبما تعرف شيعته قال بصلاة إحدى وخمسين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والقنوت قبل الركوع والتختم في اليمين فعند ذلك قال إبراهيم اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين قال فأخبر الله تعالى في كتابه فقال﴿وإن من شيعته لإبراهيم﴾).

تبرأوا من فعله ولا تبرأوا منه

الخامس والخمسون كتاب زيد النرسي وهو من الأصول برواية الشيخ الجليل الثقة أبي محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، عن جعفر بن عبد الله العلوي، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي قال : (قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): الرجل من مواليكم يكون عارفا يشرب الخمر ويرتكب الموبق من الذنب نتبرأ منه؟ فقال: تبرأوا من فعله ولا تبرأوا منه أحبوه وأبغضوا عمله، قلت: فيسعنا أن نقول فاسق فاجر؟ فقال: لا الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا الناصب لأوليائنا، أبى الله أن يكون ولينا فاسقا فاجرا وإن عمل ما عمل ولكنكم تقولون فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس خبيث الفعل طيب الروح والبدن والله ما يخرج ولينا من الدنيا إلا والله ورسوله ونحن عنه راضون يحشره الله على ما فيه من الذنوب مبيضا وجهه مستورة عورته آمنة روعته لا خوف عليه ولا حزن، وذلك أنه لا يخرج من الدنيا حتى يصفى من الذنوب إما بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض وأدنى ما يصفى به ولينا أن يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزينا لما رأى فيكون ذلك كفارة له أو خوفا يرد عليه من أهل دولة الباطل أو يشدد عليه عند الموت فيلقى الله طاهرا من الذنوب آمنا روعته بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ثم يكون أمامه أحد الأمرين رحمة الله الواسعة التي هي أوسع من ذنوب أهل الأرض جميعا وشفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) إن أخطأته رحمة ربه أدركته شفاعة نبيه وأمير المؤمنين (عليهم السلام) فعندها تصيبه رحمة ربه الواسعة).

 

ملك على صورة علي في بطنان العرش

السادس والخمسون العيون حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي ، قال : حدثني أحمد بن الفضل ، قال : حدثني بكر بن أحمد القصري ، قال : حدثني أبو محمد الحسن بن علي بن موسى، عن أبيه (عليه السلام) عن آبائه عن الحسين بن علي(عليه السلام) قال : (سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ليلة أسرى بي ربي عز وجل رأيت في بطنان العرش ملكا بيده سيف من نور يلعب به كما يلعب علي بن أبي طالب (عليه السلام) بذي الفقار وإن الملائكة إذا اشتاقوا إلى علي ابن أبي طالب (عليه السلام) نظروا إلى وجه ذلك الملك فقلت يا رب هذا أخي علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وابن عمي فقال يا محمد هذا ملك خلقته على صورة علي يعبدني في بطنان عرشي تكتب حسناته وتسبيحه وتقديسه لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى يوم القيامة).

رب الأرض إمام الأرض

السابع والخمسون تفسير علي بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله ، قال حدثنا جعفر بن محمد ، قال : حدثني القاسم بن الربيع ، قال : حدثني صباح المدائني ، قال : حدثنا المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قوله﴿وأشرقت الأرض بنور ربها﴾ قال : (رب الأرض يعني إمام الأرض، فقلت فإذا خرج يكون ماذا قال إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزون بنور الإمام).

الحق هو القائم عليه السلام

الثامن والخمسون تأويل الآيات عن تفسير محمد بن العباس بن مروان   قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك ، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن إبراهيم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾ قال﴿في الآفاق﴾ انتقاص الأطراف عليهم﴿وفي أنفسهم﴾ بالمسخ ﴿حتى يتبين لهم أنه الحق﴾ أي أنه القائم (عليه السلام)).

 

لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد

التاسع والخمسون مشكاة الأنوار في التفسير للشيخ المحدث الشيخ الجليل أبي الحسن الشريف الناطي  عن تفسير العياشي عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : (﴿لا تتخذوا إلـهين اثنين إنما هو إله واحد﴾   يعني بذلك ولا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد). 

 

قوله تعالى أ إله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون

الستون وفيه عن كنز الفوائد للكراجكي  عن علي بن أسباط، عن إبراهيم الجعفري ، عن أبي الجارود عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى﴿أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون﴾ قال : (أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد) .

تحقيق لطيف في كون الشرك بولاية أمير المؤمنين شرك بالله.

أقول وأنا الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب كأني بالضعفاء يستعظمون هذين الحديثين ولا يقبلونهما بل ينسبون رواتهما إلى الارتفاع والغلو وهم في غفلة عن الحقائق الإلهية، فإن الأخبار قريبة من حد التواتر في أن الشرك بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) شرك بالله والكفر به كفر بالله وأن من اتخذ من دونه إماما فقد اتخذ مع الله إلها، ووجه المشاركة والمشابهة بين الأمرين أن النبي والإمام لا سيما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين وأولاده الطاهرون (عليهم السلام) خلفاء الله في أرضه وظاهره في بريته أقامهم مقامه في الأداء إذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ولا تمثله غوامض الظنون في الأسرار ولذا جعل الله تعالى طاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) طاعته حيث قال﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ ويجري لأوصيائه من الطاعة ما جرى له.

وكذا جعل معرفتهم معرفته ومعصيتهم معصيته وحكمهم حكمه وأمرهم أمره وهكذا لأنهم ظهوره تعالى بهم للخلق والظاهر في ظهوره أظهر من نفس الظهور، أما ترى إلى لفظ الجلالة فإنه نقش من النقوش المكتوبة وليس بذات الله القديم تعالى ومع ذلك فمن أهانه فقد أهان الله ومن توجه به فقد توجه إلى الله ومن عرف معناه فقد عرف الله لأنه حامل المعنى من الله تعالى ليس ذلك المعنى موجودا في أسماء الخلق فمن اتخذ مع لفظ الجلالة اسما آخر من أسماء سائر الخلق كزيد وعمرو وبكر ودعا الله عز وجل به فقد أشرك بالله لأن تلك الأسماء ليست أسماء الله تعالى وإنما هي أسماء لغير الله، وقد قال تعالى ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾  وقال﴿وذروا الذين يلحدون في أسمآئه﴾  فإذا كان هذا حكم النقوش المكتوبة بالمداد والأسماء الملفوظة باللسان فما ظنك بأسماء الله الحسنى الكونية وكلماته التامات المكتوبة بمداد النور المأخوذ من الدواة الأولى في صفائح الآفاق والألواح العينية فارجع البصر هل ترى من فطور ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور، ولعمري إن من هجم على حقيقة ما كشفناه من السر المكنون لم يبق عنده خبر من أخبار فضائل آل الله إلا وينكشف عنده معناه فيخرج عن حدي الإفراط والتفريط ويلزم الطريق الوسط في كل ما يرد عليه ولا يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ولا ينسب أعاظم الأصحاب من حملة الأخبار إلى الغلو والارتفاع بمجرد سماع رواية عنهم ثقيلة على الضعفاء لقصور عقولهم عن إدراك وجه التأويل فيها والله ولي التوفيق.

 

جزاء محبي علي ومبغضيه يوم القيامة

الحادي والستون تفسير الإمام عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لعلي (يا أبا الحسن إن الله عز وجل قد أوجب لك بذلك من الفضائل والثواب ما لا يعرفه غيره. ينادي مناد يوم القيامة أين محبوا علي ابن أبي طالب فيقوم قوم من الصالحين، فيقال لهم خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة فأدخلوهم الجنة، فأقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل. ثم ينادي مناد أين البقية من محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيقوم قوم مقتصدون فيقال لهم تمنوا على الله عز وجل ما شئتم. [فيتمنون فيفعل بكل واحد منهم ما تمنى، ثم يضعف له مائة ألف ضعف. ثم ينادي مناد أين البقية من محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيقوم قوم ظالمون لأنفسهم معتدون عليها. فيقال أين المبغضون لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فيؤتى بهم جم غفير، وعدد عظيم كثير، فيقال: اجعلوا كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليدخلوا الجنة فينجي الله عز وجل محبيك [ياعلي، ويجعل أعداءك فداءهم).

 

الإمام علم الله وقلب الله

الثاني والستون البصائر حدثنا عبد الله بن محمد عن محمد بن إسماعيل النيشابوري ، عن أحمد بن الحسن الكوفي ، عن إسماعيل بن نصر وعلي بن عبد الله الهاشمي ، عن عبد المزاحم بن كثير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول أنا علم الله وأنا قلب الله الواعي ولسان الله الناطق وعين الله الناظرة وأنا جنب الله وأنا يد الله).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب لما وقع بلوغنا هذا المقام في اليوم التاسع من المحرم فأحب أن أورد أخبارا في خصوص فضيلة مولانا أبي عبد الله (عليه السلام) تقربا إلى حضرته العلية وسدته السنية.

 

خطاب الله للملائكة بعد قتل الحسين عليه السلام

الثالث والستون الكافي في باب النص على الإثني عشر علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن ابن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن كرام قال: (حلفت فيما بيني وبين نفسي ألا آكل طعاما بنهار أبدا حتى يقوم قائم آل محمد فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) قال : فقلت له: رجل من شيعتكم جعل لله عليه ألا يأكل طعاما بنهار أبدا حتى يقوم قائم آل محمد ، قال : فصم إذا يا كرام ولا تصم العيدين ولا ثلاثة التشريق ولا إذا كنت مسافرا ولا مريضا فإن الحسين (عليه السلام) لما قتل عجت السماوات والأرض ومن عليهما والملائكة فقالوا يا ربنا ائذن لنا في هلاك الخلق حتى نجدهم عن جديد الأرض بما استحلوا حرمتك وقتلوا صفوتك فأوحى الله إليهم يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي اسكنوا ثم كشف حجابا من الحجب فإذا خلفه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واثنا عشر وصيا له (عليه السلام) وأخذ بيد فلان القائم من بينهم فقال يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي بهذا أنتصر لهذا قالها ثلاث مرات).

 

الملائكة يزورون صورة علي والحسين ويلعنون قاتليهما

الرابع والستون العاشر من البحار قال روى الحسن بن سليمان من كتاب المعراج بإسناده عن الصدوق ، عن بكر بن عبد الله ، عن سهل ابن عبد الوهاب ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ليلة أسري بي إلى السماء فبلغت السماء الخامسة نظرت إلى صورة علي بن أبي طالب فقلت حبيبي جبرئيل ما هذه الصورة فقال جبرئيل يا محمد اشتهت الملائكة أن ينظروا إلى صورة علي فقالوا ربنا إن بني آدم في دنياهم يتمتعون غدوة وعشية بالنظر إلى علي بن أبي طالب حبيب حبيبك محمد وخليفته ووصيه وأمينه فمتعنا بصورته قدر ما تمتع أهل الدنيا به فصور لهم صورته من نور قدسه عز وجل فعلي (عليه السلام) بين أيديهم ليلا ونهارا يزورونه وينظرون إليه غدوة وعشية.

قال : فأخبرني الأعمش عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم السلام) قال: فلما ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه صارت تلك الضربة في صورته التي في السماء فالملائكة ينظرون إليه غدوة وعشية ويلعنون قاتله ابن ملجم فلما قتل الحسين بن علي (عليه السلام) هبطت الملائكة وحملته حتى أوقفته مع صورة علي في السماء الخامسة فكلما هبطت الملائكة من السماوات من علا وصعدت ملائكة السماء الدنيا فمن فوقها إلى السماء الخامسة لزيارة صورة علي والنظر إليه وإلى الحسين بن علي مشحطا بدمه لعنوا يزيد وابن زياد ومن قاتلوا الحسين بن علي (عليه السلام) إلى يوم القيامة قال الأعمش قال لي جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) هذا من مكنون العلم ومخزونه لا تخرجه إلا إلى أهله) .

 

نفس المهموم لظلمنا تسبيح

الخامس والستون عن أمالي الشيخ ، عن المفيد ، عن ابن قولويه، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن البرقي ، عن سليمان بن مسلم الكندي، عن ابن غزوان ، عن عيسى بن أبي منصور ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (نفس المهموم لظلمنا تسبيح وهمه لنا عبادة وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب).

 

الله سبحانه يخبر النبي بما أعده للحسين

السادس والستون عن كامل الزيارات للشيخ الثقة جعفر بن محمد ابن قولويه، عن أبيه ، عن سعد اليقطيني ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سعيد القماط ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال: (بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منزل فاطمة (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) في حجره إذ بكى وخر ساجدا ثم قال: يا فاطمة يا بنت محمد إن العلي الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ساعتي هذه في أحسن صورة وأهيأ هيأة وقال لي يا محمد أتحب الحسين فقلت: نعم قرة عيني وريحانتي وثمرة فؤادي وجلدة ما بين عيني فقال لي يا محمد ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام) بورك من مولود عليه بركاتي وصلاتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناواه ونازعه ، أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة وسيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين وأبوه أفضل منه وخير فأقرئه السلام وبشره بأنه راية الهدي ومنار أوليائي وحفيظي وشهيدي على خلقي وخازن علمي وحجتي على أهل السماوات وأهل الأرضين والثقلين الجن والإنس).  

تفسير قوله تعالى كنتم خير أمة

السابع والستون عن كتاب رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسي بحذف الإسناد ما رواه جابر بن عبد الله في تفسير قوله تعالى ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾ قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته فأقبل يطوف بالقدرة حتى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة ثم سجد لله تعظيما ففتق منه نور علي (عليه السلام) فكان نوري محيطا بالعظمة ونور علي محيطا بالقدرة ثم خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار ونور الأبصار والعقل والمعرفة وأبصار العباد وأسماعهم وقلوبهم من نوري ونوري مشتق من نوره فنحن الأولون ونحن الآخرون ونحن السابقون ونحن المسبحون ونحن الشافعون ونحن كلمة الله ونحن خاصة الله ونحن أحباء الله ونحن وجه الله ونحن جنب الله ونحن عين الله ونحن أمناء الله ونحن خزنة وحي الله وسدنة غيب الله ونحن معدن التنزيل ومعنى التأويل وفي أبياتنا هبط جبرئيل ونحن محال قدس الله ونحن مصابيح الحكمة ونحن مفاتيح الرحمة ونحن ينابيع النعمة ونحن شرف الأمة ونحن سادة الأئمة ونحن نواميس العصر وأخيار الدهر ونحن سادة العباد ونحن ساسة البلاد ونحن الكفاة والولاة والحماة والسقاة والرعاة وطريق النجاة ونحن السبيل والسلسبيل ونحن النهج القويم والصراط المستقيم من آمن بنا آمن بالله ومن رد علينا رد على الله ومن شك فينا شك في الله ومن عرفنا عرف الله ومن تولى عنا تولى عن الله ومن أطاعنا أطاع الله ونحن الوسيلة إلى الله والوصلة إلى رضوان الله ولنا العصمة والخلافة والهداية وفينا النبوة والولاية والإمامة ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة وشجرة العصمة ونحن كلمة التقوى والمثل الأعلى والحجة العظمى والعروة الوثقى التي من تمسك بها نجا).

 

تحقيق لطيف في أول ما خلق الله

أقول الأخبار في أول ما خلق الله مختلفة ظاهرا فمنها أنه نور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها أنه العقل ومنها أنه القلم ومنها أنه الماء إلى غير ذلك، ووجه الجمع في الظاهر أن المراد بالأولية في بعضها الإضافية فلا تناقض وفي الحقيقة المراد بكلها نور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عبر عنه بعبارات مختلفة باعتبارات متعددة فإن له (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنسبة إلى كل شأن من الشؤون اسما خاصا يناسب ذلك الشأن وعلى كل تقدير ليس المراد بالقلم القضيب المعروف ولا بالماء الماء العنصري المشروب، فإن المراد بالأول على الاحتمال الأول العقل الذي به ابتدأ الله سائر الوجودات المفيدة لأنه النور الأبيض الذي هو ركن العرش الأعلى الأيمن وهو الذي أمره الله فكتب ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وبالثاني الوجود الذي هو نور الأنوار وعنصر العناصر واستقس الاستقسات ومنه جعل الله كل شيء حي وهو مفتاح العمل كما بين في الطبيعي المكتوم، وقد ترك بعض محدثينا هذه الأمور على ظاهر ما يفهمه العوام فوقع في تكلفات لا يليق بأهل العلم أن ينطق بمثلها ولم يعرف أنه ليس المراد بجميع الأخبار هذا القشر الظاهر فإن فيها رموز أخرجوها لأهلها وحظ العوام منها تركها في سنبلها ليأتي أهلها فيستنبطها منها بالنظر الثاقب.

 

كنه صفة المؤمن لا تعرف

الثامن والستون كتاب المؤمن للحسين بن سعيد الأهوازي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (فكما لا تقدر على كنه صفة الله عز وجل فكذلك لا تقدر على كنه صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكما لا تقدر على كنه صفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك لا تقدر على كنه صفة الإمام (عليه السلام) وكما لا تقدر على كنه صفة الإمام (عليه السلام) كذلك لا يقدرون على كنه صفة المؤمن).

 

شيعتنا أزكى وأطهر من أن يجري للشيطان في أمعائهم رسيس

التاسع والستون كتاب التمحيص للشيخ الجليل أبي محمد الحسن ابن علي بن الحسين بن شعبة الحراني صاحب كتاب تحف العقول ، عن فرات بن أحنف قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من هؤلاء الملاعين فقال : والله لأسوأنه من شيعته ، فقال : يا أبا عبد الله أقبل إلي فلم يقبل إليه فأعاد فلم يقبل إليه ثم أعاد الثالثة ، فقال : ها أنا ذا مقبل فقل ولن تقول خيرا ، فقال : إن شيعتك يشربون النبيذ ، فقال : وما بأس بالنبيذ أخبرني أبي عن جابر بن عبد الله أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يشربون النبيذ ، فقال : ليس أعنيك النبيذ إنما أعنيك المسكر ، فقال : شيعتنا أزكى وأطهر من أن يجري للشيطان في أمعائهم رسيس وإن فعل ذلك المخذول منهم فيجد ربا رؤوفا ونبيا بالاستغفار له عطوفا ووليا له عند الحوض ولوفا وتكون وأصحابك ببرهوت عكوفا  قال فأفحم الرجل وسكت ثم قال ليس أعنيك المسكر إنما أعنيك الخمر فقال أبو عبد الله (عليه السلام) سلبك الله لسانك ما لك تؤذينا في شيعتنا منذ اليوم أخبرني أبي عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل عن الله تعالى أنه قال يا محمد إني حظرت الفردوس على جميع النبيين حتى تدخلها أنت وعلي وشيعتكما إلا من اقترف منهم كبيرة فإني أبلوه في ماله أو بخوف من سلطانه حتى تلقاه الملائكة بالروح والريحان وأنا عليه غير غضبان فيكون ذلك حلا لما كان منه فهل عند أصحابك هؤلاء شيء من هذا فلم أودع).

سلمان بحر لا ينزف

السبعون كتاب الحسين بن حمدان الخصيبي ، عن صالح بن أحمد الشيشي ، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد ابن سنان الزاهري عن المفضل بن عمر قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام) يقول: (سلمان بحر لا ينزف أعطي العلم الأول والآخر وما مثله في علم محمد وأمير المؤمنين إلا بمنزلة بحر يمده من بعده سبعة أبحر، قال المفضل وسأله سائل عن علم محمد وعلي فقرأ﴿ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله﴾ وهي كلمات محمد وعلي لأنهما لسان الله الناطق عنه بإذنه).

 

ما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسمعه في المعراج

الحادي والسبعون عن كتاب المحتضر للحسن بن سليمان الحلي مما رواه من كتاب المعراج بإسناده عن الصدوق ، عن أحمد بن محمد بن الصقر، عن عبد الله بن محمد المهلبي ، عن أبي الحسين بن إبراهيم، عن علي بن صالح ، عن محمد بن سنان ، عن أبي حفص العبدي، عن محمد بن مالك الهمداني ، عن زاذان ، عن سلمان الفارسي  قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (لما عرج بي إلى السماء الدنيا إذا أنا بقصر من فضة بيضاء على بابه ملكان فقلت يا جبرئيل سلهما لمن هذا القصر فسألهما فقالا لفتى من بني هاشم ، فلما صرت في السماء الثانية إذا أنا بقصر من ذهب أحمر أحسن من الأول على بابه ملكان فقلت يا جبرئيل سلهما لمن هذا القصر فسألهما فقالا لفتى من بني هاشم ، فلما صرت إلى السماء الثالثة إذا أنا بقصر من ياقوتة حمراء على بابه ملكان فقلت يا جبرئيل سلهما لمن هذا القصر فسألهما فقالا لفتى من بني هاشم، فلما صرت في السماء الرابعة إذا أنا بقصر من درة بيضاء على بابه ملكان فقلت يا جبرئيل سلهما لمن هذا القصر فسألهما فقالا لفتى من بني هاشم ، فلما صرت إلى السماء الخامسة فإذا أنا بقصر من درة صفراء على بابه ملكان فقلت يا جبرئيل سلهما لمن هذا القصر فسألهما فقالا لفتى من بني هاشم ، فلما صرت إلى السماء السادسة إذا أنا بقصر من لؤلؤة رطبة مجوفة على بابه ملكان فقلت يا جبرئيل سلهما فسألهما لمن هذا القصر فقالا لفتى من بني هاشم ، فلما صرت إلى السماء السابعة إذا أنا بقصر من نور عرش الله تبارك وتعالى على بابه ملكان فقلت يا جبرئيل سلهما لمن هذا القصر فسألهما فقالا لفتى من بني هاشم ، فسرنا فلم نزل ندفع من نور إلى ظلمة ومن ظلمة إلى نور حتى وقفت على سدرة المنتهى فإذا جبرئيل (عليه السلام) ينصرف قلت خليلي جبرئيل في مثل هذا المكان أو في مثل هذه السدرة تخلفني وتمضي فقال حبيبي والذي بعثك بالحق نبيا إن هذا المسلك ما سلكه نبي مرسل ولا ملك مقرب أستودعك رب العزة ، وما زلت واقفا حتى قذفت في بحار النور فلم تزل الأمواج تقذفني من نور إلى ظلمة ومن ظلمة إلى نور حتى أوقفني ربي الموقف الذي أحب أن يقفني عنده من ملكوت الرحمن فقال عز وجل يا أحمد قف فوقفت منتفضا مرعوبا فنوديت من الملكوت يا أحمد فألهمني ربي فقلت لبيك ربي وسعديك ها أنا ذا عبدك بين يديك ، فنوديت يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام قال فقلت هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام ثم نوديت ثانية يا أحمد فقلت لبيك وسعديك سيدي ومولاي قال يا أحمد﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملآئكته وكتبه﴾ فألهمني ربي فقلت﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملآئكته وكتبه ورسله﴾  فقلت قد﴿سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾   فقال الله عز وجل ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾  فقلت﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾ فقال الله عز وجل قد فعلت فقلت﴿ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا﴾  فقال قد فعلت فقلت﴿ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين﴾  فقال الله عز وجل قد فعلت فجرى القلم بما جرى فلما قضيت وطري من مناجات ربي نوديت أن العزيز يقول لك من خلفت في الأرض فقلت خيرها خلفت فيهم ابن عمي فنوديت يا أحمد من ابن عمك قلت أنت أعلم علي بن أبي طالب فنوديت من الملكوت سبعا متواليا يا أحمد استوص بعلي بن أبي طالب ابن عمك خيرا ثم قال التفت فالتفت عن يمين العرش فوجدت على ساق العرش الأيمن مكتوبا لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي محمد رسولي أيدته بعلي يا أحمد شققت اسمك من اسمي أنا الله المحمود الحميد وأنا الله العلي وشققت اسم ابن عمك علي من اسمي يا أبا القاسم امض هاديا مهديا نعم المجي‏ء جئت ونعم المنصرف انصرفت وطوباك وطوبى لمن آمن بك وصدقك وثم قذفت في بحار النور فلم تزل الأمواج تقذفني حتى تلقاني جبرئيل (عليه السلام) في سدرة المنتهى فقال لي خليلي نعم المجي‏ء جئت ونعم المنصرف انصرفت ماذا قلت وما ذا قيل لك قال فقلت بعض ما جرى فقال لي وما كان آخر الكلام الذي ألقي إليك فقلت له نوديت يا أبا القاسم امض هاديا مهديا رشيدا طوباك وطوبى لمن آمن بك وصدقك فقال لي جبرئيل (عليه السلام) أفلم تستفهم ما أراد بأبي القاسم قلت لا يا روح الله فنوديت يا أحمد إنما كنيتك أبا القاسم لأنك تقسم الرحمة مني بين عبادي يوم القيامة فقال جبرئيل (عليه السلام) هنيئا مريئا يا حبيبي والذي بعثك بالرسالة واختصك بالنبوة ما أعطى الله هذا آدميا قبلك ثم انصرفنا حتى جئنا إلى السماء السابعة فإذا القصر على حاله فقلت حبيبي جبرئيل سلهما من الفتى من بني هاشم فسألهما فقالا علي بن أبي طالب ابن عم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فما نزلنا إلى سماء من السماوات إلا والقصور على حالها فلم يزل جبرئيل يسألهم عن الفتى الهاشمي ويقول كلهم علي بن أبي طالب) .

حديث الكساء

الثاني والسبعون منتخب الطريحي وكتاب نهج المحجة للشيخ الجليل الثقة النبيل علي ابن شيخنا الأجل العلام الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامهما قالا : روي عن فاطمة الزهراء (عليه السلام)  قالت : (دخل علي أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض الأيام فقال يا فاطمة إنى لأجد في بدني ضعفا. فقالت له فاطمة: أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف، فقال: يا فاطمة إيتيني بالكساء اليماني فغطيني به. قالت فاطمة: فغطيته به، وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ نورا كأنه البدر ليلة تمامه. قالت فاطمة: فما كان إلا ساعة وإذا بولدي الحسن (عليه السلام) قد أقبل وقال: السلام عليك يا أماه، فقلت: وعليك السلام يا قرة عيني وثمرة فؤادي، فقال: يا أماه إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت له: إن جدك نائم تحت الكساء، فدنا منه وقال: السلام عليك يا جداه السلام عليك يا رسول الله أتأذن لي أن أدخل معك تحت هذا الكساء؟ فقال: قد أذنت لك، فدخل معه. فما كان إلا ساعة وإذا بالحسين الشهيد (عليه السلام) قد أقبل وقال: السلام عليك يا أماه، إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله، قلت: نعم يا بني إن جدك وأخاك تحت الكساء، فدنا الحسين (عليه السلام) وقال: السلام عليك يا جداه السلام عليك يا من اختاره الله أتأذن لي أن أكون معك تحت الكساء؟ فقال:قد أذنت لك يا حسين، فدخل معه. قالت فاطمة (عليه السلام): فأقبل عند ذلك أبو الحسن على بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: السلام عليك يا ابنة رسول الله، فقلت: وعليك السلام، قال: إني أشم رائحة طيبة كأنها رائحة أخي وابن عمى رسول الله، فقلت: نعم هاهو مع ولديك تحت الكساء، فأقبل نحو الكساء وقال: السلام عليك يا رسول الله أتأذن لي أن أدخل معكم تحت هذا الكساء؟ قال: نعم قد أذنت لك فدخل علي (عليه السلام) تحت الكساء. ثم أقبلت فاطمة (عليه السلام) فقالت: السلام عليك يا أبتاه السلام عليك يا رسول الله أتأذن لي أن أدخل معكم تحت الكساء ؟ فقال: نعم قد أذنت لك، فدخلت فاطمة معهم، فلما اكتملوا جميعا تحت الكساء. قال الله: يا ملائكتي وسكان سماواتي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرائيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال: أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها. فقال جبرائيل: يا رب أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادسا؟ فقال الله: نعم قد أذنت لك. فهبط الأمين جبرائيل فقال: السلام عليك يا رسول الله، العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك: وعزتي وجلالي ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية، ولا قمرا  ولا شمسا مضيئة، ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلا لأجلكم، وقد أذن لي أن أدخل تحت الكساء ، فهل تأذن لي أن أدخل معكم؟ فقال: قد أذنت لك، فدخل جبرائيل معهم تحت الكساء، وقال لهم إن الله قد أوحى إليكم يقول ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾. فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): يا رسول الله أخبرني ما لجلوسنا تحت هذا  الكساء من الفضل عند الله تعالى؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا إلا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة، واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا. فقال علي (عليه السلام): إذن والله فزنا وفازت شيعتنا ورب الكعبة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم إلا وفرج الله همه، ولا مغموم إلا وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلا وقضى الله حاجته فقال على (عليه السلام): إذن والله فزنا وسعدنا وشيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة).      

 

جبرئيل يفخر على أملاك السماء أنه من أصحاب العباء

الثالث والسبعون تفسير الإمام (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى﴿وآتينا عيسى بن مريم البينات﴾ قال (عليه السلام) : (وأما تأييد الله عز وجل لعيسى (عليه السلام) بروح القدس، فإن جبرئيل هو الذي لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو قد اشتمل بعباءته القطوانية على نفسه وعلى علي وفاطمة والحسين والحسن (عليهم السلام) وقال اللهم هؤلاء أهلي، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم،  محب لمن أحبهم، ومبغض لمن أبغضهم، فكن لمن حاربهم حربا، ولمن سالمهم سلما، ولمن أحبهم محبا، ولمن أبغضهم مبغضا. فقال الله { قد أجبتك إلى ذلك يا محمد. فرفعت أم سلمة جانب العباءة لتدخل، فجذبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لست هناك وإن كنت في خير وإلى خير. وجاء جبرئيل (عليه السلام) مدثرا وقال يا رسول الله اجعلني منكم قال أنت منا. قال أفأرفع العباءة وأدخل معكم قال بلى. فدخل في العباءة، ثم خرج وصعد إلى السماء إلى الملكوت الأعلى، وقد تضاعف حسنه وبهاؤه. وقالت الملائكة قد رجعت بجمال خلاف ما ذهبت به من عندنا قال وكيف لا أكون كذلك وقد شرفت بأن جعلت من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته قالت الأملاك في ملكوت السماوات والحجب والكرسي والعرش حق لك هذا الشرف أن تكون كما قلت. وكان علي (عليه السلام) معه جبرئيل عن يمينه في الحروب، وميكائيل عن يساره وإسرافيل خلفه، وملك الموت أمامه).

 

القتل في سبيل الله هو القتل في سبيل علي عليه السلام

الرابع والسبعون منتخب البصائر عن سعد بن عبد الله ، عن محمد ابن حسين بن أبي الخطاب ، عن عبد الله بن المغيرة ، عمن حدثه عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سئل عن قول الله عز وجل ﴿ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم﴾   فقال : (يا جابر أ تدري ما سبيل الله ، قلت : لا والله إلا إذا سمعت منك ، فقال : القتل في سبيل علي (عليه السلام) وذريته فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله وليس أحد يؤمن بهذه الآية إلا وله قتلة وميتة إنه من قتل ينشر حتى يموت ومن مات ينشر حتى يقتل).

 

 أبو طالب شفيع المذنبين يوم القيامة

الخامس والسبعون تأويل الآيات عن الشيخ في أماليه بإسناده عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : (كان ذات يوم جالسا في الرحبة والناس حوله مجتمعون فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك يعذب في النار ، فقال : له فض الله فاك والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم أبي يعذب بالنار وابنه قسيم النار ثم قال والذي بعث محمدا بالحق إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار نور محمد ونوري ونور فاطمة ونور الحسن و الحسين ومن ولده من الأئمة لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله عز وجل من قبل خلق آدم بألفي عام).

آل الكساء يهبون حسناتهم لشيعة علي عليه السلام

السادس والسبعون إرشاد الديلمي عن كتاب بشارة المصطفى لمحمد بن علي الطبري  بحذف الإسناد قال : (دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على علي المرتضى (عليه السلام) مستبشرا فسلم عليه فرد عليه السلام فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله ما رأيتك أقبلت علي مثل هذا اليوم ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): جئت أبشرك، اعلم أن في هذه الساعة نزل علي جبرئيل (عليه السلام) وقال لي: الحق يقرؤك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك بشر عليا أن شيعته الطائع والعاصي منهم من أهل الجنة، فلما سمع مقالته خر ساجدا ثم رفع رأسه ويده إلى السماء ، ثم قال: اشهدوا علي أني قد وهبت لشيعتي نصف حسناتي، فقالت فاطمة (عليه السلام) كذلك، فقال الحسن والحسين (عليهم السلام) كذلك، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أنتم بأكرم مني اشهدوا علي أني قد وهبت لعلي وشيعة علي نصف حسناتي، فأوحى الله عز وجل أني غفرت لشيعة علي ومحبيه ذنوبهم جميعا).

يقول مصنف هذا الكتاب وفي غاية المرام عن كتاب تحفة الإخوان عن بشارة المصطفى مثله بأدنى مغايرة لفظية وزاد في آخره بعد قوله ذنوبهم جميعا ولو كانت مثل زبد البحر ورمل البر وورق الشجر.

 

الرعد والبرق بأمر أمير المؤمنين عليه السلام

السابع والسبعون عن اختصاص المفيد  عن المعلى بن محمد البصري، عن سليمان بن سماعة ، عن عبد الله بن القاسم ، عن سماعة بن مهران ، قال : (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأرعدت السماء وأبرقت، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : أما إنه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنه من أمر صاحبكم ، قلت : من صاحبنا؟ ، قال : أمير المؤمنين (عليه السلام) ).

 

ما نقش على فص العقيق

الثامن والسبعون عن المناقب الفاخرة للرضي  قال : حدث الشيخ الواعظ أبو المجد بن رشادة ، قال : حدثني شيخي الغزالي، قال : (لما انتهي إلى النجاشي ملك الحبشة بخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأصحابه: إني لمختبر هذا الرجل بهدايا أنفذها إليه فأعد تحفا فيها فصوص ياقوت وعقيق، فلما وصلت الهدايا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قسمها على أصحابه ولم يأخذ لنفسه سوى فص عقيق أحمر فأعطاه لعلي (عليه السلام) وقال له امض إلى النقاش واكتب عليه ما أحب سطرا واحدا لا إله إلا الله فمضى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأعطاه النقاش وقال له: اكتب عليه ما يحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا إله إلا الله وما أحب أنا محمد رسول الله سطرين فلما جاء بالفص إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجده وإذا عليه ثلاثة أسطر فقال لعلي (عليه السلام) أمرتك أن تكتب عليه سطرا واحدا كتبت عليه ثلاثة أسطر فقال وحقك يا رسول الله ما أمرت أن يكتب عليه إلا ما أحببت وما أحب أنا محمد رسول الله سطرين فهبط جبرئيل وقال يا محمد رب العزة يقرئك السلام ويقول لك أنت أمرت بما أحببت وعلي (عليه السلام) أمر بما أحب وأنا كتبت ما أحب علي ولي الله)  .

 

علي الصراط المستقيم

التاسع والسبعون تفسير علي بن إبراهيم قال : وحدثني أبي عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله﴿الصراط المستقيم﴾ قال : (هو أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعرفته والدليل على أنه أمير المؤمنين قوله﴿وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم﴾ وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) في أم الكتاب وفي قوله ﴿الصراط المستقيم﴾ ).

 

تفسير قوله تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك

الثمانون وفيه حدثنا جعفر بن أحمد ، عن عبد الكريم بن عبد الرحيم، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)﴿لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾  قال تفسيرها لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي (عليه السلام) من بعدك ﴿ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾).

تفسيرقوله تعالى إذا دعي الله وحده كفرتم

الحادي والثمانون وفيه أخبرنا الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور ، عن جعفر بن بشير ، عن الحكم بن زهير، عن محمد بن حمدان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله﴿إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير﴾ يقول إذا ذكر[الله وحده بولاية من أمر الله بولايته كفرتم وإن يشرك به من ليست له ولاية تؤمنوا بأن له ولاية).

 

ما عرض في نفس النبي عند البيت المعمور

الثاني والثمانون وفيه أبي عن عمرو بن سعيد الراشدي ، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (لما أسري برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء وأوحى الله إليه في علي (عليه السلام) ما أوحى من شرفه ومن عظمته عند الله ورد إلى البيت المعمور وجمع له النبيين وصلوا خلفه عرض في نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من عظم ما أوحى إليه في علي (عليه السلام) فأنزل الله﴿فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك﴾ يعني الأنبياء فقد أنزلنا عليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك﴿لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين * ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين﴾  فقال الصادق (عليه السلام) فوالله ما شك وما سأل).

تحقيق لطيف في بعض مراتب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب هذا الحديث من الأحاديث المستصعبة التي لا يحتملها إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ووجه الصعوبة عروض شيء في نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق ما أوحاه الله في أمير المؤمنين (عليه السلام) واستعظامه لذلك ولا بد لنا من الكشف عن حقيقة .ذلك فأقول معتصما بالله عز وجل من شر الأوهام المعوجة. اعلم أن الله سبحانه خلق وجود نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل جميع المخلوقات ذاتا ورتبة، وأقامه في مقام القرب حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا حس ولا محسوس، ثم اشتق من نوره نور وصيه الذي هو بمنزلة نفسه كالضوء من الضوء ومن نوره أنوار سائر المعصومين الأربعة عشر كذلك كما هو مدلول أخبار متواترة بمعنى بل ولفظا ثم أنه تعالى خلق من شعاع نورهم سائر الخلق على ترتيب الأشرف فالأشرف كأنوار الأنبياء (عليهم السلام) فإنها أشرف من سائر الخلق، فكان قبولهم للوجود أسبق من حيث الذات والرتبة، ثم أن الله تعالى أنزل نور نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رتبة الأنبياء بأن أعطاه لباسا من سنخ رتبتهم فصار أحد الأنبياء وأخا لهم، ولذا تراه (صلى الله عليه وآله وسلم) يعبر عن الأنبياء بالأخوة فيقول أخي موسى وأخي عيسى وأخي سليمان وهكذا، ثم منه إلى رتبة البشر والملائكة وغيرهم، فكان في ذلك المقام يقول أخي جبرائيل وهكذا وأمثال هذه الخطابات من لوازم رتبة التنزل، وإلا فهو في رتبة ذاته لا ذكر فيها لشيء من هؤلاء المذكورين حتى يتحقق هناك معنى الأخوة والمجالسة فافهم. وكلما نزل إلى مقام من تلك المقامات النازلة اصطفى من سنخ ذلك المقام أشرف الألبسة وأكملها ليسع ذلك اللباس لتحمل أعباء إشراقات حقيقته المقدسة ولا يندك عند الظهور ولا كذلك سائر الأنبياء فإنهم لا يحتملون ظهور حقيقته المقدسة على التمام لكون حقائقهم جزئية بالنسبة إلى سيد الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما يرشح عليهم ما يطفح منه على حسب درجاتهم في تلك المرتبة فإن أولي العزم منهم يحتملون من ذلك الظهور ما لا يحتمله غيرهم﴿ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي﴾ أي ترك﴿ولم نجد له عزما﴾ فالله تعالى يرقبهم في مقامات ظهور الولاية الأحمدية المطلقة بالسير الجوهري، فربما لا يكادون يحتملون ما ظهر في الابتداء لصعوبة المسلك، ثم يقبلونه على التسليم ثم على طريق اليقين ثم على طريق المعرفة والشهود كما سمعت من قصة أيوب وعدم تحمله في بدو الأمر لذلك ثم تسليمه وإنابته إلى الله تعالى، افهم ما أقول فإنه من مكنون العلم ومخزونه، ألا ترى كليم الله موسى على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام لما تجلى له حقيقته التي هي جذوة من نور الخلق الأول الذي هو نور الله المشرق من صبح الأزل أعني أنوار محمد وآله الطاهرين جعل جبل طبيعته دكا وخر موسى صعقا. فقس على ذلك حال جميع الأنبياء. فكل سافل لولا معونة من الله وحفظ له يكاد يتلاشى ويفنى عند ظهور نور المرتبة الأعلى له، ومثال ذلك مشاهد في العلم المكتوم الذي هو أصح العلوم، فإن الأرواح في بدو العمل لا تكاد تستقر في الأجساد إذا وصل إليها نار التدبير إلا بصعوبة شديدة ولطف في العمل وقص أجنحتها بالتدريج وكثرة التكرار في النزول والصعود، ولذا قال بعض الحكماء (عود حجرك على النار وذلك لا يحصل إلا بالتكرار).

ولباس نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لما كان أكمل الألبسة في مقام النزول احتمل نور الولاية الكلية التي هي نور حقيقته وحقيقة أوصيائه المخلوقين من طينته وهي الولاية الإلهية على ما ينبغي، ولم يشك ولم يتوقف بل أدى لوازمها على طور لا يمكن في الإمكان طور أكمل منه وكذا أوصياؤه المعصومون القائمون مقامه، ولذا قالوا (عليهم السلام) (إن في الصراط عقبات كؤودا لا يقطعها بسهولة إلا محمد وآله)، فافهم.

ولكن مع ذلك كله الرتبة الأدنى وإن بلغ ما بلغ لا ينفك عن استثقال أعباء المرتبة الأعلى في ابتداء التجلي واستعظامها في أول النظر ثم يتعودها شيئا فشيئا، ومثال ذلك حال من يصب عليه ماء بارد فإن حرارة بدنه لا تلائم برودة الماء فيقشعر بدنه من ذلك في ابتداء الانصباب ثم يتعوده بعد هنيئة فيلتذ من برودة الماء، ومن هنا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد استنزال الوحي بغير توسط الأسباب والروابط العادية كجبرئيل وغيره كان يعرق جبينه ويقول زملوني دثروني وربما كان تعرضه غشية كما روي الصدوق  في كمال الدين عن الحسن بن أحمد بن أدريس ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن محمد بن الحسين بن زيد ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن ثابت ، عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الغشية التي كانت تأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكانت تكون عند هبوط جبرئيل (عليه السلام) فقال : (لا إن جبرئيل كان إذا أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يدخل عليه حتى يستأذنه وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد وإنما ذلك عند مخاطبة الله عز وجل إياه بغير ترجمان وواسطة) .

وفي التوحيد عن أبيه  عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن سنان ، عن إبراهيم والفضل ابني محمد الأشعريين ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : (جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أنزل عليه الوحي فقال ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد ذاك إذا تجلى الله له قال ثم قال تلك النبوة يا زرارة وأقبل بتخشع) انتهى.

وذلك كله لعظم التجليات العلوية القدسية وعدم تحمل اللباس الذي تلبسه لتلك التجليات في ابتداء الظهور إلا بتعب وكد شديد فلما صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مقام أو أدنى الذي هو مقامه الأصلي ورأى من آيات ربه الكبرى وهو تجلي الولاية العلوية له بغير حجاب ثم أخذ في النزول إلى أن وصل إلى مقام الأنبياء وهو مقام إمامة لهم في البيت المعمور وإقامة للصلاة التي هي الولاية في الباطن فيهم عرض في نفسه المجانسة من سنخ الأنبياء التي هي أول مقام من مقامات تنزله شيء مما أوحي إليه في أمر الولاية لعظم ما تجلى له منها في العالم الأول كعروض القشعريرة لمن يصب عليه الماء البارد في ابتداء الورود فقواه الله سبحانه بقوله﴿فإن كنت في شك مما أنزلنا﴾ رفعا لتلك القشعريرة التي هي من لوازم المرتبة فما شك وما سأل لأنه كان مجرد استثقال عرض له فارتفع ولم يستقر إلا كمثل وميض البرق كما كان  يعرض لبشريته عند استنزال الوحي من حقيقته فالعارض الذي عرضه في الرتبة التنزيلية ما كان شكا ولا ريبا في أمر الولاية كما يتوهمه من لا أنس له بلحن كلمات أمناء الوحي فإن درجة النبوة المحمدية أعلى من ذلك وأرفع وكيف يشك الأعلى في شأن من هو دونه رتبة وقوله تعالى على طريق الفرض﴿فإن كنت في شك﴾ الآية إنما هو كقوله تعالى﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾، فافهم وتبصر أمرك فإن المقام لا يسع تفصيلا أزيد من ذلك، وإنما ذكرنا ما سمعت دفعا لوساوس الأوهام المعوجة ﴿فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة﴾ وإلا فالكتاب ليس بموضوع لكشف أمثال هذه الأسرار ولنذكر خبرا واحدا في المقام رفعا لغبار الأوهام في قوله تعالى﴿فإن كنت في شك﴾ وإيضاحا لأن أمثال هذه الفروض لا ينافي جلالة شأن المخاطب وفيه إيماء إلى رفعة مقام سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها بما يحيي قلوب أهل الولاية. ففي البحار عن مناقب ابن شهر آشوب عن صحيح الدارقطني (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بقطع لص فقال اللص يا رسول الله قدمته في الإسلام وتأمره بالقطع فقال لو كانت ابنتي فاطمة فسمعت فاطمة فحزنت فنزل جبرئيل بقوله﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾  فحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزل﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ فتعجب النبي من ذلك فنزل جبرئيل فقال كانت فاطمة حزنت من قولك فهذه الآيات لموافقتها لترضى). وذكر أهل التحقيق في بيانه وهو المراد في الظاهر أن هذه الآيات نزلت إيذانا لفاطمة (عليه السلام) إن مثل هذا الكلام المشروط لا ينافي جلالة المخاطب والمسند إليه وبراءته لوقوع مثل ذلك بالنسبة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى الله عز وجل هذا وكأني بالضعفة يحملون ما ذكرناه من تأويل الحديث على التكلف، وأنا أقول يا أخي ليس هذا بتكلف بل هو تلطف وغور وتصرف في وجوه كلمات آل الله يمن الله به على من يشاء من كثرة المزاولة والممارسة لتصفح كلماتهم وأخبارهم والتأمل في دقائق أقوالهم وآثارهم ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

علي نحت القوافي من مـواضعها

ومـا علـي إذا لم يفهـــم البقـــر

ومن لا يرتضي ذلك فليأت بأحسن من ذلك وأتقن.

فاطمة عليها السلام إحدى الكبر

الثالث والثمانون وفيه أخبرنا الحسين بن محمد ، عن المعلى بن محمد، عن الحسين بن علي الوشاء ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى ﴿إنها لإحدى الكبر * نذيرا للبشر﴾   قال يعني فاطمة (عليه السلام) ).

 

أعداء الولاية وجزاؤهم في القرآن

الرابع والثمانون وفيه حدثنا جعفر بن أحمد ، عن عبد الله بن موسى،  عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه والحسين  بن أبي العلا وعبد الله بن وضاح وشعيب العقرقوفي جميعهم ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى﴿قل إنما أنا بشر مثلكم﴾.

قال : يعني في الخلق أنه مثلهم مخلوق ﴿أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ ، قال: لا يتخذ مع ولاية آل محمد ولاية غيرهم وولايتهم العمل الصالح فمن أشرك بعبادة ربه فقد أشرك بولايتنا وكفر بها وجحد أمير المؤمنين (عليه السلام) حقه وولايته .

قلت : قوله ﴿الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري﴾.

 قال : يعني بالذكر ولاية علي (عليه السلام) وهو قوله﴿ذكري﴾.

قلت : قوله﴿لا يستطيعون سمعا﴾.

 قال : كانوا لا يستطيعون إذا ذكر علي (عليه السلام) عندهم إن يسمعوا ذكره لشدة بغض له وعداوة منهم له ولأهل بيته .

قلت : قوله﴿أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا﴾ .

قال(عليه السلام) : يعنيهما وأشياعهما الذين اتخذوهما من دون الله أولياء وكانوا يرون أنهم بحبهم إياهما أنهما ينجيانهم من عذاب الله وكانوا بحبهما كافرين.

قلت : قوله﴿إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا﴾ أي منزلا فهي لهما ولأشياعهما عتيدة عند الله، قلت قوله﴿نزلا﴾ قال : مأوى ومنزلا).

تفسير قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر

الخامس والثمانون وفيه حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا محمد ابن أحمد، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن النعمان ، عن علي بن أيوب، عن عمر بن يزيد بياع السابري، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله في كتابه﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾، قال: (ما كان له من ذنب ولا هم بذنب ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له).

 

تحقيق لطيف في تحميل النبي ذنوب الشيعة

يقول مصنف هذا الكتاب وورد في عدة أخبار أنه حمله ذنوب شيعة علي (عليه السلام) والمعنى واحد لأن المغفور له الذنب فرقة واحدة وهي الفرقة الناجية وهم التابعون لأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين ثم أقول إن هذا الخبر وما في معناه من الأخبار لم يزل في حجاب الخفاء لم يكشف عن وجهه الغطاء فإني أرى الناس يروون ويسمعون أن الله حمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذنوب شيعته أو شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ويكتفون بمجرد سماع ذلك ويسكتون عليه ولم أجد إلى الآن أحدا يسأل ما معنى تحمل ذنب الغير على الغير وكيف يتعقل هذا حتى يبلغ الأمر إلى أن ينسبه الله تعالى إلى رسوله المعصوم صريحا ويكون ذلك أحد أسباب تشنيع الملل الخارجة على الإسلام، فنقول في بيان هذه النكتة على وجه الاختصار والله ولي الهداية، لقد علم المستحفظون من حملة الآثار أن الله تعالى أول ما ابتدأ في خلق الوجود خلق نور نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم خلق من أشعة نوره الشعشعاني وجودات سائر الخلق بمعنى أن من قبل منه خلقه في الخلق الثاني التكليفي من شعاع نوره ومن أنكر خلقه في الخلق المذكور من ظل نوره وذلك بعد ما كانوا في الخلق الأول الكوني متساوين في الخلق أمة واحدة كلهم من أثر نوره المشرق في العالم منحصر في وجود الصادر الأول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع من خلق من سنخ نوره وحقيقته وهم المعصومون الثلاثة عشر وما صدر عنهم من الآثار إما على سبيل الإقبال وإما على نحو الإدبار. أما المدبرون فهم مطرودون عن بابه ومحجوبون عن جنابه لا نسب بينه وبينهم لأنهم منسوبون إلى قوله تعالى﴿إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح﴾.

وأما المقبلون وهم شيعته بالمعنى الأعم فهم منسوبون إليه قد وصلوا نسبهم بنسبه وسببهم بسببه فهم كشعاع الشمس بالنسبة إليها يدورون معه حيثما دار لأنهم آخذون بحجزة أهل بيته وأهل بيته آخذون بحجزته والحجزة النور وقد ورد أن كل نسب منقطع يوم القيامة إلا نسب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فافهم، فالشيعة ليست بأجنبية عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن تكون بينهم وبينه بينونة عزلة كما أن الأشعة ليست بأجنبية من الشمس لأنها أشعتها صادرة عن إشراقها والشيعة إنما سميت شيعة لأنهم من شعاع نور أئمتهم صلوات الله عليهم وأصل ذلك النور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي الحقيقة ما بالديار سواه لابس مغفر.

وإذا تبينت هذا فنقول إن الأمور المضافة إلى الشيء على قسمين قسم هو من آثاره بغير واسطة كالأفعال الصادرة منه نفسه ،و قسم هو من آثار آثاره وهو أيضا قد يضاف إليه في النسبة لأن الآثار واقعة في ملكه وليست بأجنبية عنه مثاله الأدران العارضة للشخص فإنها قد تعرض جسده فتنسب إليه بغير إشكال وقد تعرض ثوبه الذي هو ملكه ومع ذلك ينسب إليه فإنه قد يقال اغسل درنك وطهره بالماء ويراد به الدرن العارض لجسده، وقد يقال اغسل درنك ويراد به الدرن العارض لثوبه ومثل هذه النسبة شائع بين أهل العرف لا ينكره أحد وكلتاهما عند أهل الحقيقة حقيقة غير أن الأولى حقيقة أولية والثانية حقيقة ثانوية ووجه كون الثانية نسبة حقيقته هو أنها وأمثالها نسب عارضة للشخص في مقام ظهوره بالمالكية حقيقة وإن كان في مقام تجرده الذاتي منزها عنها فافهم. ولا أظنك تفهم لكن لكل إشارة أهل يفهمها والكلام معه والقوم حيث حرموا عن رحيق التحقيق جعلوا أمثال هذه النسب من النسب المجازية ولا وجه لذلك ما دام الحمل على الحقيقة ممكنا والمقام منه، ونظير ذلك ما ينسب إلى الشخص من حيث هو هو وما ينسب إليه من حيث عروض إضافة له ككونه أبا لشخص أو ابنا له إلى غير ذلك من الإضافات وكلتا النسبتين حقيقة ليست من المجاز في شيء كما يقال زيد وارث عمرو فإنه إنما يقال عليه من حيث كونه ابنا له لا من حيث كونه زيدا من حيث هو زيد فافهم، ومع ذلك الحمل حمل حقيقي لا مجازي.

وإذا تقرر هذا فنقول إن نسبته الذنب في الآية إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من القسم الثاني بمعنى أن الله تعالى نسب ذنوب شيعته إليه وحملها إياه لكونها صادرة عن أشعته من باب عروض الوسخ لثوبك الذي أنت لابسه ونسبته إليك في التعبير فإنك حامل لذلك الوسخ بواسطة الثوب وإن كنت في نفسك طيبا طاهرا لا وسخ فيك وإنما غفرها الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنها ليست ناشئة من ذوات أشعته من حيث هي أشعة وإنما هي أعراض عارضة من لطخ طينة الأعداء ومجاورتها نظيره أيضا الثوب فإنه قد يكون نجس العين كالمنسوج من شعر خنزير مثلا وهذا لا يطهر بالغسل وقد يكون طاهر العين وتعرضه النجاسة من خارج كالأثواب المتنجسة وهذا يطهر بالغسل لا محالة، وذنوب الشيعة من القسم الثاني ولذا طهرها الله تعالى بفاضل نورانية نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو بمنزلة الماء لها فافهم وتبصر وانتظر لمزيد البيان في اللطخ في حديث أبي إسحق الليثي إن شاء الله تعالى.

 

الجارية التي رآها آدم وحواء في الفردوس

السادس والثمانون عن كتاب الآل، لابن خالويه ، عن أبي عبد الله الحنبلي، عن محمد بن أحمد بن قضاعة ، عن عبدان بن محمد ، عن أبي محمد العسكري عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لما خلق الله آدم وحواء  تبخترا في الجنة فقال آدم لحواء ما خلق الله خلقا هو أحسن منا فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل أن ائت بعبدي الفردوس الأعلى فلما دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنة وعلى رأسها تاج من نور وفي أذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من حسن وجهها فقال آدم حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها فقال هذه فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي من ولدك يكون في آخر الزمان قال فما هذا التاج الذي على رأسها قال بعلها علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال فما القرطان اللذان في أذنيها قال ولداها الحسن والحسين قال آدم حبيبي جبرئيل أخلقوا قبلي قال هم موجودون في غامض علم الله عز وجل قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة). أقول وروي في المحتضر مثله.

 

حديث سلسلة الذهب

السابع والثمانون أمالي الصدوق  حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل  ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يوسف بن عقيل ، عن إسحاق بن راهويه ، قال : لما وافى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) نيسابور وأراد أن يرحل منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له : (يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك وقد كان قعد في العمارية فأطلع رأسه وقال سمعت أبي موسى بن جعفر يقول سمعت أبي جعفر بن محمد يقول سمعت أبي محمد بن علي يقول سمعت أبي علي بن الحسين يقول سمعت أبي الحسين بن علي يقول سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول سمعت جبرئيل يقول سمعت الله عز وجل يقول لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها).

 

ولاية علي بن أبي طالب حصني

الثامن والثمانون وفيه حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني قال حدثني محمد بن إبراهيم بن محمد الفزاري قال حدثني عبد الله بن يحيى الأهوازي قال حدثني أبو الحسن علي بن عمرو قال حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور قال حدثني علي بن بلال عن علي بن موسى الرضا عن موسى ابن جعفر عن جعفر بن محمد عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن الحسين ابن علي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم قال يقول الله تبارك وتعالى ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن ناري).

 أقول نقل عن بعض أهل العلم أنه قال لو قرء هذا الحديث بهذا السند على مصروع لبرأ وفي هذا السند ومثله قال الشاعر:

لئن شئت أن ترضى لنفسك مذهبـا   

ينجيك يوم الحشر  مــن لهب النــار

فدع عنك قول الشــافعي ومالك    

وأحمد المـروي عن كعب الأحبـار

ووال أناسـا قولـهـم وحديثـهـم       

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

 

الإمام الصادق عليه السلام يصف مقام الإمام للمنصور

التاسع والثمانون وفيه حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال حدثني أبي عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال حدثني جعفر ابن عبد الله النما الناونجي عن عبد الجبار بن محمد عن داود الشعيري عن الربيع صاحب المنصور قال بعث المنصور إلى الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يستقدمه لشي‏ء بلغه عنه فلما وافى بابه خرج إليه الحاجب فقال أعيذك بالله من سطوة هذا الجبار فإني رأيت جوره عليك شديدا فقال الصادق (عليه السلام) علي من الله جنود واقية تعينني عليه إن شاء الله استأذن لي عليه فاستأذن فأذن له فلما دخل سلم فرد عليه السلام ثم قال له يا جعفر قد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأبيك علي بن أبي طالب (عليه السلام) لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك قولا لا تمر بملإ إلا أخذوا من تراب قدميك يستشفون به وقال علي (عليه السلام) يهلك في اثنان ولا ذنب لي محب غال ومفرط قال قال ذلك اعتذارا منه إنه لا يرضى بما يقول فيه الغالي والمفرط ولعمري إن عيسى ابن مريم (عليه السلام) لو سكت عما قالت فيه النصارى لعذبه الله ولقد تعلم ما يقال فيك من الزور والبهتان وإمساكك عن ذلك ورضاك به سخط الديان زعم أوغاد الحجاز ورعاع الناس أنك حبر الدهر وناموسه وحجة المعبود وترجمانه وعيبة علمه وميزان قسطه ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى ضياء النور وأن الله لا يقبل من عامل جهل حدك في الدنيا عملا ولا يرفع له يوم القيامة وزنا فنسبوك إلى غير حدك وقالوا فيك ما ليس فيك فقل فإن أول من قال الحق جدك وأول من صدقه عليه أبوك وأنت حري أن تقتص آثارهما وتسلك سبيلهما فقال الصادق (عليه السلام) أنا فرع من فروع الربوبية وقنديل من قناديل بيت النبوة وأديب السفرة وربيب الكرام البررة ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور وصفو الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر فالتفت المنصور إلى جلسائه فقال هذا قد أحالني على بحر مواج لا يدرك طرفه ولا يبلغ عمقه يحار فيه العلماء ويغرق فيه السباحون ويضيق بالسابح عرض الفضاء هذا الشجا المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يجوز نفيه ولا يحل قتله ولو لا ما يجمعني وإياه شجرة طاب أصلها وبسق فرعها وعذب ثمرها وبوركت بالذر وقدست في الزبر لكان مني إليه ما لا يحمد في العواقب لما يبلغني عنه من شدة عيبه لنا وسوء القول فينا فقال الصادق (عليه السلام) لا تقبل في ذي رحمك وأهل الرعاية من أهل بيتك قول من حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار فإن النمام شاهد زور وشريك إبليس في الإغراء بين الناس فقد قال الله تعالى﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾ ونحن لك أنصار وأعوان ولملكك دعائم وأركان ما أمرت بالمعروف والإحسان وأمضيت في الرعية أحكام القرآن وأرغمت بطاعتك لله أنف الشيطان وإن كان يجب عليك في سعة فهمك وكثرة علمك ومعرفتك بآداب الله أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك فإن المكافي ليس بالواصل إنما الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها فصل رحمك يزد الله في عمرك ويخفف عنك الحساب يوم حشرك فقال المنصور قد صفحت عنك لقدرك وتجاوزت عنك لصدقك فحدثني عن نفسك بحديث أتعظ به ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات فقال الصادق (عليه السلام) عليك بالحلم فإنه ركن العلم واملك نفسك عند أسباب القدرة فإنك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظا أو تداوى حقدا أو يحب أن يذكر بالصولة واعلم بأنك إن عاقبت مستحقا لم تكن غاية ما توصف به إلا العدل ولا أعرف حالا أفضل من حال العدل والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر فقال المنصور وعظت فأحسنت وقلت فأوجزت فحدثني عن فضل جدك علي بن أبي طالب (عليه السلام) حديثا لم تؤثره العامة فقال الصادق (عليه السلام) حدثني أبي عن أبيه عن جده قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري بي إلى السماء عهد إلي ربي جل جلاله في علي (عليه السلام) ثلاث كلمات فقال يا محمد فقلت لبيك ربي وسعديك فقال عز وجل إن عليا إمام المتقين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين فبشره بذلك فبشره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فخر علي (عليه السلام) ساجدا شكرا لله عز وجل ثم رفع رأسه فقال يا رسول الله بلغ من قدري حتى أني أذكر هناك قال نعم وإن الله يعرفك وإنك لتذكر في الرفيق الأعلى فقال المنصور ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).

غسل النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته

التسعون وفيه حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدثنا محمد ابن حمدان الصيدلاني ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الواسطي ، قال : حدثنا محمد بن هارون ، قال : أخبرنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن زيد الجرمي عن ابن عباس قال : (لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده أصحابه قام إليه عمار بن ياسر  فقال له : فداك أبي وأمي يا رسول الله من يغسلك منا إذا كان ذلك منك ، قال : ذاك علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأنه لا يهم بعضو من أعضائي إلا أعانته الملائكة على ذلك ، فقال له : فداك أبي وأمي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن يصلي عليك منا إذا كان ذلك منك ، قال : مه رحمك الله ثم قال لعلي (عليه السلام) يا ابن أبي طالب إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني وأنق غسلي وكفني في طمري هذين أو في بياض مصر وبرد يمان ولا تغال كفني واحملوني حتى تضعوني على شفير قبري فأول من يصلي علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه ثم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل ثم الحافون بالعرش ثم سكان أهل سماء فسماء ثم جل أهل بيتي ونسائي الأقربون فالأقربون يومون إيماء ويسلمون تسليما لا تؤذوني بصوت نادية ولا مرنة).  أقول والحديث طويل أخذنا موضع الحاجة منه .

الملك الذي على صورة ديك في الأرض السابعة

الحادي والتسعون تفسير القمي  حدثني أبي عن بعض أصحابه يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (إن لله ملكا في صورة الديك الأملح الأشهب براثينه في الأرض السابعة وعرفه تحت العرش له جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب فأما الجناح الذي بالمشرق فمن ثلج وأما الجناح الذي بالمغرب فمن نار فكلما حضر وقت الصلاة قام الديك على براثينه ورفع عرفه من تحت العرش ثم أمال أحد جناحيه على الأرض يصفق بهما كما يصفق الديك في منازلكم فلا الذي من الثلج يطفئ النار ولا الذي من النار يذيب الثلج ثم ينادي بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وأن وصيه خير الوصيين سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فلا يبقى في الأرض ديك إلا أجابه وذلك قوله ﴿والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه﴾).

 

ما لله نبأ أعظم مني وما لله آية أكبر مني

الثاني والتسعون وفيه قال حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قوله﴿عم يتساءلون * عن النبإ العظيم * الذي هم فيه مختلفون﴾ قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (ما لله نبأ أعظم مني وما لله آية أكبر مني، وقد عرض فضلي على الأمم الماضية على اختلاف ألسنتها فلم تقر بفضلي).

أقول : الظاهر أن لفظ تقر بفتح التاء من القرار أي إنها لم تحتمل فضلي والله أعلم.

بم يعرف الإمام  عليه السلام

الثالث والتسعون معاني الأخبار حدثنا إبراهيم بن هارون العبسي ، قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا جعفر بن عبد الله ، قال : حدثنا كثير بن عياش ، عن أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) بم يعرف الإمام ؟ قال : (بخصال أولها نص من الله تبارك وتعالى عليه ونصبه علما للناس حتى يكون عليهم حجة لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نصب عليا (عليه السلام) وعرفه الناس باسمه وعينه وكذلك الأئمة (عليهم السلام) ينصب الأول الثاني وأن يسأل فيجيب وأن يسكت عنه فيبتدئ ويخبر الناس بما يكون في غد ويكلم الناس بكل لسان ولغة).

 

كنا أشباح نور حول العرش

الرابع والتسعون تفسير فرات قال : حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا ، عن قبيصة بن يزيد الجعفي قال : (دخلت على الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) وعنده البوس بن أبي الدوس وابن ظبيان والقاسم الصيرفي فسلمت وجلست وقلت : يا ابن رسول الله قد أتيتك مستفيدا ، قال : سل وأوجز ، قلت : أين كنتم قبل أن يخلق الله سماء مبنية وأرضا مدحية وطودا أو ظلمة ونورا ، قال : يا قبيصة لم سألتنا عن هذا الحديث في مثل هذا الوقت أما علمت أن حبنا قد اكتتم وبغضنا قد فشا وإن لنا أعداء من الجن يخرجون حديثنا إلى أعدائنا من الإنس وأن الحيطان لها آذان كآذان الناس ، قال : قلت قد سألت عن ذلك ، قال : يا قبيصة كنا أشباح نور حول العرش نسبح الله قبل أن يخلق آدم بخمسة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم أفرغنا في صلبه فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى رحم مطهر حتى بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فنحن عروة الله الوثقى من استمسك بنا نجا ومن تخلف عنا هوى لا ندخله في باب ردى ولا نخرجه من باب هدى ونحن رعاة دين  الله ونحن عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن القبة التي طالت أطنابها واتسع فناؤها  من ضوى إلينا نجا إلى الجنة ومن تخلف عنا هوى إلى النار ،  قلت : لوجه ربي الحمد أسألك عن قول الله تعالى ﴿إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم﴾ ، قال : فينا التنزيل، قال : قلت إنما أسألك عن التفسير ، قال : نعم يا قبيصة إذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شيعتنا علينا فما كان بينهم وبين الله استوهبه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من الله وما كان فيما بينهم وبين الناس من المظالم أداه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهم وما كان فيما بيننا وبينهم وهبناه لهم حتى يدخلون الجنة بغير حساب).

 

تفسير قول الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك

الخامس والتسعون وفيه قال حدثني محمد بن الحسن بن إبراهيم الأويسي ‏ معنعنا عن جابر قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾ ، قال : (يا جابر إن الله لا يغفر أن يشرك بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)‏ وطاعته و أما قوله‏﴿ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾  فإنه ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولايته‏).

 

يا علي إن فيك مثل من عيسى بن مريم

السادس والتسعون وفيه حدثني عبيد بن كثير معنعنا ، عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (يا علي إن فيك مثل من عيسى ابن مريم (عليه السلام) قال الله تعالىوإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا﴾  يا علي إنه لا يموت رجل يفتري على عيسى ابن مريم (عليه السلام) حتى يؤمن به قبل موته ويقول فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئا وإنك على مثله لا يموت عدوك حتى يراك عند الموت فتكون عليه غيظا وحزنا حتى يقر بالحق من أمرك ويقول فيك الحق ويقر بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئا وأما وليك فإنه يراك عند الموت فتكون له شفيعا ومبشرا وقرة عين).

 

وصف الله تعالى لآل محمد عليهم السلام

السابع والتسعون وفيه حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إن الله تعالى خلقني وأهل بيتي من طينة  لم يخلق الله منها أحدا غيرنا ومن ضوى إلينا  فكنا أول من ابتدأ من خلقه فلما خلقنا فتق بنورنا كل طينة طيبة وأحيا بنا كل طينة طيبة ثم قال الله تعالى هؤلاء خيار خلقي وحملة عرشي وخزان علمي وسادة أهل السماء وسادة أهل الأرض هؤلاء هداة المهتدين والمهتدي بهم من جاءني بولايتهم أوجبتهم جنتي وأبحتهم كرامتي ومن جاءني بعداوتهم أوجبتهم ناري وبعثت عليهم عذابي ثم قال (عليه السلام) نحن أصل الإيمان بالله وملائكته وتمامه ومنا الرقيب على خلق الله وبه إسداد أعمال الصالحين ونحن قسم الله الذي يسأل به ونحن وصية الله في الأولين ووصيته في الآخرين وذلك قول الله جل جلاله﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾ ).

 

مصارعة إبليس لأمير المؤمنين عليه السلام

الثامن والتسعون وفيه حدثنا إسماعيل بن إسحاق‏ بن إبراهيم الفارسي  معنعنا ، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي ،  قال : لبيك ، قال له : أتى الشيطان الوادي فأت الوادي فانظر من فيه فأتى الوادي فدار فيه فلم ير أحدا حتى إذا صار على بابه لقي شيخا فقال : ما تصنع هنا ، قال : أرسلني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال : تعرفني ، قال: ينبغي أن تكون أنت هو يا ملعون، قال : نعم ، قال :‏ لا بد من أن أصارعك ، قال: لا بد منه فصارعه فصرعه علي (عليه السلام)‏ ، قال : قم عني يا علي حتى أبشرك فقام عنه ، فقال: بم تبشرني يا ملعون ، قال : إذا كان يوم القيامة صار الحسن عن يمين العرش والحسين عن يسار العرش يعطون شيعتهم الجوائز من النار ، قال : فقام إليه فقال : أ لا أصارعك ، قال :‏ مرة أخرى ، قال : نعم فصرعه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال : قم عني حتى أبشرك فقام عنه ، فقال : لما خلق الله آدم (عليه السلام) أخرج‏ ذريته من ظهره مثل الذر قال فأخذ ميثاقهم فقال أ لست بربكم قالوا بلى قال فأشهدهم على أنفسهم فأخذ ميثاق محمد وميثاقك فعرف وجهك الوجوه وروحك الأرواح فلا يقول لك أحد أحبك إلا عرفته ولا يقول لك أحد أبغضك إلا عرفته ، قال : قم صارعني ، قال : ثالثة ، قال: نعم فصارعه فأعرقه ثم صرعه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال : يا علي لا تبغضني قم عني حتى أبشرك ، قال : بلى وأبرئ منك وألعنك ، قال : والله يا ابن أبي طالب ما أحد يبغضك إلا أشركت في رحم أمه وفي ولده فقال له‏ أما قرأت كتاب الله﴿وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا  ﴾ ).

 

تفسير قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا

التاسع والتسعون وفيه قال حدثني جعفر بن أحمد معنعنا ، عن سلمان الفارسي  عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلام ذكره في علي فذكر سلمان لعلي فقال: (والله يا سلمان لقد حدثني بما أخبرك به ثم قال يا علي لقد خصك الله بالحلم والعلم والغرفة التي قال الله تعالى ﴿أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما﴾  والله إنها لغرفة ما دخلها أحد قط ولا يدخلها أحد أبدا حتى تقوم على ربك وإنه ليحف بها في كل يوم سبعون ألف ملك ما يحفون بها إلى يومهم ذلك إلا في إصلاحها والمرمة لها حتى تدخلها ثم يدخل الله عليك فيها أهل بيتك والله يا علي إن فيها لسرير من نور ما يستطيع أحد من الملائكة أن ينظر إليه مجلس لك يوم تدخلها فإذا دخلته يا علي أقام الله جميع أهل السماء على أرجلهم حتى يستقر بك مجلسك ثم لا يبقى في السماء ولا في أطرافها ملك واحد إلا أتاك بتحية من الرحمن‏).

 

شجرة طوبى تقول واشوقاه إليك يا علي بن أبي طالب

المائة وفيه حدثني إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل‏ الفارسي معنعنا ، عن أبي جعفر محمد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لما أسري بي إلى السماء فصرت في سماء الدنيا حتى صرت في السماء السادسة فإذا أنا بشجرة لم أر شجرة أحسن منها ولا أكبر منها فقلت لجبرئيل يا حبيبي ما هذه الشجرة قال هذه طوبى يا حبيبي قال فقلت ما هذا الصوت العالي الجهوري قال هذا صوت طوبى قلت أي

شيء يقول قال يقول واشوقاه إليك يا علي بن أبي طالب (عليه السلام)‏ ) .

تم الجزء الثاني من الكتاب بيد مؤلفه الضعيف محمد بن محمد بن الحسين المدعو بالتقي الشريف ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله تعالى.