كتاب صحيفة الأبرار

 

ميرزا محمد التقي الشريف

 

 

المجلد الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله الذي أشرق نوره من صبح الأزل، فلاح على هياكل التوحيد آثاره، وفتق ظهوره أجواء المثل، فانبسطت في آفاق القوابل أنواره، توحد بالإبداع والإنشاء وأظهر آثار قدرته على يدي من يشاء، والصلاة والسلام على النور الأقدم والتجلي الأعظم مبدأ خير الوجود ومنتهى سير الصعود النبي الممجد والرسول المسدد؛ الذي اشتق الله اسمه من اسمه، فالله المحمود وهو محمد ص، وآله خلفاء الدين وحلفاء اليقين، أسرار الله المودعة في الهياكل البشرية، وظلاله الممدودة على رؤوس سائر البرية، صلوات الله عليهم وعلى أشياعهم وأتباعهم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد فيقول العبد الضعيف محمد بن محمد بن الحسين المدعو بالتقي الشريف: هذا القسم الثاني من كتابنا صحيفة الأبرار في مناقب المعصومين الأطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار، نذكر فيه ما ظهر منهم من غرائب الأفعال الخارقة للعادات، وهو يشتمل على خمسمائة حديث كالقسم الأول قضاء لتمام الألف إن شاء الله تعالى، ومن الله أسأل إتمامها على ما أريد وهو ولي التوفيق والتسديد .

وحيث إن المقصد الأصلي من وضع الكتاب ذكر مناقب أهل بيت النبي ص لم نتعرض لذكر معجزاته ص، بيد أنا نبدأ بذكر معجزة منها تبركا بذكره وتيمنا برسمه، ثم نشرع في ذكر معجزات أهل بيته على الترتيب، ونجعل معجزات كل منهم (عليهم السلام) بابا على حدة ليتميز ما يخص كلا منهم عن الآخر والسلام.

باب ذكر معجزة لرسول الله

معجزة انشقاق القمر

الحديث الأول: عن مجمع البيان قال ابن عباس : (اجتمع المشركونإلى رسول الله ص فقالوا: إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين فقال : لهم رسول الله ص إن فعلت تؤمنون قالوا : نعم وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله ص ربه أن يعطيه ما قالوا، فانشق القمر فرقتين ورسول الله ص ينادي يا فلان يا فلان اشهدوا).

حديث شق القمر على نحو آخر

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: روى القمي  في تفسيره حديث شق القمر على نحو آخر قال : حدثنا حبيب بن الحسن بن أبان الآجري قال : حدثني محمد بن هشام عن محمد قال : حدثني يونس قال: (قال لي أبو عبد الله ع: اجتمعوا أربعة عشر رجلا، أصحاب العقبة ليلة أربع عشرة من ذي الحجة، فقالوا للنبي ص: ما من نبي إلا وله آية فما آيتك في ليلتك هذه، فقال النبي ص: ما الذي تريدون فقالوا: إن يكن لك عند ربك قدر، فأمر القمر أن ينقطع قطعتين، فهبط جبرئيل ع وقال: يا محمد إن الله يقرؤك السلام ويقول لك : إني قد أمرت كل شيء بطاعتك، فرفع رأسه فأمر القمر أن ينقطع قطعتين، فانقطع قطعتين، فسجد النبي ص شكرا لله وسجد شيعتنا، ثم رفع النبي ص رأسه ورفعوا رءوسهم، ثم قالوا : يعود كما كان فعاد كما كان، ثم قالوا: ينشق رأسه، فأمره فانشق، فسجد النبي ص شكرا لله وسجد شيعتنا، فقالوا : يا محمد حين تقدم سفارنا من الشام واليمن فنسألهم ما رأوا في هذه الليلة فإن يكونوا رأوا مثل ما رأينا علمنا أنه من ربك وإن لم يروا مثل ما رأينا علمنا أنه سحر سحرتنا به، فأنزل الله ﴿اقتربت الساعة﴾إلى آخر السورة.

وهو كما ترى مغاير للحديث الأول سندا ومتنا، وهذا مؤيد لما روي عن التبيان عن ابن عباس وابن مسعود، ورواه بعض علماء العامة أيضا؛ من أن شق القمر وقع له ص مرتين، وعليه فما قال المحدث الكاشاني في تفسيره بعد ذكر رواية الطبرسي ورواه القمي، عن الصادق ع بنحو آخر وفيه ما فيه، على إنه يمكن أن يكون هذا الطلب من أصحاب العقبة قبل ظاهر إسلامهم، فلا ينافي رواية طلب المشركين ذلك لكونهم في ذلك الوقت منهم.

 

نعم الغريب ما رواه الحسين بن حمدان الخصيبي في كتابه الهداية في حديث سقط صدره في نسختي، والذي بقي منه هو (إن الكفار طلبوا النبي ص أن يأمر القمر فينزل من السماء، وينقسم قسمين، فيقع قسم على المشعر، وقسم على الصفا، فقال رسول الله ص: الله أكبر إن وفيت بالعهد، فهل أنتم موفون بما قلتم إنكم تؤمنون بالله ورسوله؟ فقالوا : نعم يا محمد، وتسامع الناس، ثم تواعدوا إلى سواد الليل، وأقبل الناس يهرعون إلى البيت وحوله حتى أقبل الليل واسود وطلع القمر، وإذا رأوا النبي ص وأمير المؤمنين ع ومن آمن معه يصلون خلف رسول الله ص ويطوفون بالبيت، وأقبل أبو لهب وأبو جهل وأبو سفيان على النبي ص وقالوا: الآن يبطل سحرك وكهانتك وحيلتك هذا القمر، أوف بوعدك، فقال النبي ص: قم يا أبا الحسن وقف بجانب الصفا، وهرول إلى المشعرين، وناد نداء ظاهرا، وقل في ندائك: اللهم رب هذا البيت الحرام والبلد الحرام وزمزم والمقام ومرسل هذا الرسول التهامي، ثم أشر إلى القمر أن ينشق وينزل إلى الأرض فيقع نصفه إلى الصفا ونصفه إلى المشعرين، فقد سمعت سرنا ونجوانا وأنت بكل شيء عليم، قال: فتضاحك قريش وقالوا : إن محمدا يستشفع بعلي لأنه لم يبلغ الحلم ولا ذنب له، وقال أبو لهب: أشمتنى الله بك يا ابن أخي في هذه الليلة، فقال:رسول الله ص: إخسأ يا من تب الله يديه، ولم ينفعه ماله، وهوى مقعده في النار، فقال أبو لهب: لأفضحنك في هذه الليلة بالقمر وشقه، وإنزاله إلى الأرض وإلا ألفت كلامك هذا غدا وجعلته سورة وقلت هذا: أوحى الله إلي في أبي لهب، فقال النبي ص: امض يا علي لما أمرتك واستعذ بالله من الجاهلين، وهرول علي صلوات الله عليه من الصفا إلى المشعرين، ونادى وأسمع ودعا بالدعاء، فما استتمه حتى كادت الأرض أن تسيخ بأهلها، والسماء أن تقع على الأرض فقالوا: يا محمد حيث أعجزك شق القمر، أتيتنا بسحرك لتفتننا به، فقال النبي ص: إن هان عليكم ما دعوت الله، فإن السماء والأرض لا يهون عليهما ذلك ولا تطيقان سماعه، فقفوا بأمانكم وانظروا إلى القمر، ثم أن القمر انشق نصفين؛ نصف وقع على الصفا ونصف وقع على المشعرين فأضاءت دواخل مكة وأوديتها وشعابها، وصاح الناس من كل جانب آمنا بالله ورسوله، وصاح المنافقون أهلكتنا يا محمد بسحرك، فافعل ما تشاء فلن نؤمن لك بما جئتنا به، ثم رجع القمر إلى منزله من الفلك، وأصبح الناس يلوم بعضهم بعضا ويقولون لكبرائهم: والله لتؤمنن بمحمد أو ليقاتلكم ولنقاتلكم معه مؤمنين به، فقد سقطت الحجة وتبينت الأعذار، و أنزل الله في ذلك اليوم سورة أبي لهب، واتصلت به فقال: آه بمحمد نظر ما قلته له يؤلف هذا الكلام إلى أن قال: فوحق اللات والعزى لو أتى محمد بما يملأ الأفق في من مدح ما آمنت، وحسبي أن أباين محمدا من أهل بيته فيما جاء به ولو عذبني رب الكعبة بالنار، وآمن في ذلك اليوم ستمائة وإثنى عشر بشرا يستر أكثرهم إيمانه وكتمه إلى أن هاجر رسول الله ص، ومات أبو لهب على كفره، وقتل أبو جهل وأسر أبو سفيان ومعاوية وعتبة يوم فتح مكة والعباس ويزيد بن الخطاب وعقيل بن أبي طالب، وآمن كثير منهم تحت القتل ثمانون رجلا، وكانوا طلقاء ولم ينفعهم إيمانهم، وهم ينظرون وكان هذا من دلائله)، انتهى حديث ابن حمدان.

وهذا كما ترى غريب غير معهود، غير أنك قد عرفت التكليف في أمثال هذا الخبر في مقدمات الكتاب، وأنه لا سبيل إلى الطرح ما لم يعارضه محكم من الكتاب أو السنة أو قياس تعرف العقول عدله أي دليل عقلي ضروري، ومن البين أن هذا الخبر ليس كذلك، فلا وجه لإنكاره لإمكان كونه واقعة أخرى غير ما هو المعروف من شق القمر، كما وقع نظيره في رد الشمس لأمير المؤمنين ع، فإن المشهور أنها ردت له مرتين. وقد نقل الشيخ الجليل محمد بن علي بن شهر آشوب  في مناقبه (أنها ردت له ع مرارا ثم عد ستة عشر موضعا، الذي رواه سلمان، ويوم البساط، ويوم الخندق، ويوم حنين، ويوم خيبر، ويوم قرقيسينا، ويوم بيراثا، ويوم الغاضرية، ويوم النهروان، ويوم بيعة الرضوان، ويوم صفين وفي النجف ،وفي بني ماذر، وبوادي العقيق وبعد أحد، ومسجد الفضيخ من المدينة الذي رواه الكليني ).

باب معجزات أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله عليه وآله

والعدد يبنى على السابق

ميلاد أمير المؤمنين علي ع

الثاني: فضائل شاذان بن جبرائيل قال : أخبرنا الشيخ الإمام العالم الورع الناقل ضياء الدين شيخ الإسلام أبو العلاء الحسن بن أحمد بن يحيى العطار الهمداني - قدس الله روحه ونور ضريحه في همدان في مسجده- في الثاني والعشرين من شعبان سنة ثلاث وثلاثين وستمائة قال: حدثنا الإمام ركن الدين أحمد بن محمد بن إسماعيل الفارسي قال: حدثنا عمر بن روق الخطابي قال: حدثنا الحجاج بن منهال عن الحسن بن عمران عن شاذان بن العلاء قال: حدثنا عبد العزيز عن بن عبد الصمد، عن سالم، عن خالد بن السري، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (سألت رسول الله ص عن ميلاد علي بن أبي طالب ع فقال: آه آه سألت عجبا يا جابر عن خير مولود ولد بعدي على سنة المسيح، إن الله تعالى خلقه نورا من نوري، وخلقني نورا من نوره، وكلانا من نور واحد، وخلقنا من قبل أن يخلق سماء مبنية وأرضا مدحية، ولا كان  طول ولا عرض ولا ظلمة ولا ضياء ولا بحر ولا هواء بخمسين ألف عام، ثم إن الله عز وجل سبح نفسه فسبحناه، وقدس ذاته فقدسناه، ومجد عظمته فمجدناه، فشكر الله تعالى ذلك لنا فخلق من تسبيحي السماء فمسكها، والأرض فبطحها والبحار فعمقها، وخلق من تسبيح علي الملائكة المقربين، فجميع ما سبحت الملائكة لعلي وشيعته، يا جابر إن الله تعالى عز وجل نقلنا فقذف بنا في صلب آدم ع، فأما أنا فاستقررت في جانبه الأيمن، وأما علي فاستقر في جانبه الأيسر، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم ع في الأصلاب الطاهرة، فما نقلني من صلب إلا نقل عليا معي، فلم نزل كذلك حتى أطلعنا الله تعالى من ظهر طاهر وهو ظهرعبد المطلب، ثم نقلني من ظهر طاهر وهو ظهر عبد الله واستودعني خير رحم وهي آمنة، فلما ظهرت ارتجت الملائكة وضجت وقالت: إلهنا وسيدنا ما بال وليك علي لا نراه مع النور الأزهر -يعنون بذلك محمدا ص- فقال الله عز وجل : إني أعلم بوليي وأشفق عليه منكم، فأطلع الله عز وجل عليا من ظهر طاهر من بني هاشم، فمن قبل أن يصير في الرحم كان رجل في ذلك الزمان، وكان زاهدا عابدا يقال له المثرم بن زغيب الشيقبان، وكان من أحد العباد قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأله حاجة إلا أجابه، حتى أن الله -عز وجل- أسكن في قلبه الحكمة، وألهمه بحسن طاعته لربه، فسأل الله تعالى أن يريه وليا له، فبعث الله تعالى أبا طالب [إليه، فلما بصر به المثرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال : لهمن أنت يرحمك الله تعالى؟ فقال : رجل من تهامة، قال: أي تهامة؟ فقال : من عبد مناف، ثم قال : من هاشم، فوثب العابد وقبل رأسه ثانية، وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني وليه، ثم قال: أبشر يا هذا فإن العلي الأعلى ألهمني إلهاما فيه بشارتك، فقال أبو طالب: وما هو؟ قال : ولد يولد من ظهرك هو ولي الله عز وجلو  إمام المتقين ووصي رسول رب العالمين، فإن أنت أدركت ذلك الولد من ظهرك فأقرئه مني السلام، وقل له إن المثرم يقرأ عليك السلام ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ص به تتم النبوة وبعلي تتم الوصية، قال  فبكى أبو طالب وقال: ما اسم هذا المولود؟ قال: اسمه علي، قال : أبو طالب إني لا أعلم حقيقة ما تقول إلا ببرهان مبين ودلالة واضحة، قال المثرم: ما تريد؟ قال: أريد أن أعلم [أن ما تقوله حق من رب العالمين ألهمك ذلك، قال : فما تريد، تريد أن أسأل لك الله تعالى أن يطعمك في مكانك هذا، قال أبو طالب: أريد طعاما من الجنة في وقتي هذا، قال : فدعا الراهب ربه، قال جابر: قال رسول الله ص: فما استتم المثرم دعاءهحتى أوتي بطبق عليه فاكهة من الجنة وعذق رطب وعنب ورمان، فجاء به المثرم إلى أبي طالب، فتناول منه رمانة، ثم نهض من ساعته إلى فاطمة بنت أسد  فلما إنه  استودعها النور ارتجت الأرض وتزلزلت بهم سبعة أيام حتى أصاب قريشا من ذلك شدة، ففزعوا فقالوا: مروا بآلهتكم إلى ذروة جبل أبي قبيس حتى نسألهم يسكنون لنا ما نزل بنا وحل بساحتنا قال: فلما اجتمعوا على جبل أبي قبيس وهو يرتج ارتجاجا ويضطرب اضطرابا، فتساقطت الآلهة على وجهها، فلما نظروا إلى ذلك قالوا : لا طاقة لنا، ثم صعد أبو طالب الجبل، وقال لهم: أيها الناس اعلموا أن الله تعالى قد أحدث في هذه الليلة حادثا، وخلق فيها خلقا، فإن لم تطيعوه وتقروا له بالطاعة وتشهدوا له بالإمامة المستحقة وإلا لم يسكن ما بكم حتى لا يكون بتهامة سكن، قالوا : يا أبا طالب إنا نقول بمقالتك فبكى ورفع يديه وقال : إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية المحمودة والعلوية العالية والفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة، قال جابر : قال رسول الله ص : فو الله الذي خلق الحبةوبرأ النسمة قد كانت العرب تكتب هذه الكلمات، فيدعون بها عند شدائدهم في الجاهلية، وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها حتى ولد علي بن أبي طالب ع، فلما كان في الليلة التي ولد فيها ع أشرقت الأرض، وتضاعفت النجوم فأبصرت [قريشمن ذلك عجبا فصاح بعضهم في بعض، وقالوا :إنه قد حدث في السماء حادث ألا ترون إشراق السماء وضياءها، وتضاعف النجوم بها، قال: فخرج أبو طالب وهو يتخلل سكك مكة ومواقعها  وأسواقها، وهو يقول لهم: أيها الناس ولد الليلة في الكعبة حجة الله تعالى وولي الله، فبقي الناس يسألونه عن علة ما يرون من إشراق السماءوتضاعف النجوم بها فقال لهم : أبشروا فقد ولد في هذه الليلة ولي من أولياء الله عز وجل، يختم به جميع الخير ويذهب به جميع الشر - أقول: وفي الرواية من غير طريق شاذان بعد قوله جميع الشر وهو إمام المتقين وأمير المؤمنين وناصر الدين وقامع المشركين وغيظ المنافقين وزين العابدين ووصي رسول رب العالمين إمام الهدى ونجم العلا وطود النهى ومصباح الدجى؛ يحكم بالحق والصدق وهو مقنن اليقين ورأس الدين ومبيد الشرك والشبهات، رجعنا إلى رواية شاذان، قال :- ويتجنب الشرك والشبهات ولم يزل يذكر هذه الألفاظ حتى أصبح، فدخل الكعبة وهو يقول هذه الأبيات:

يا رب رب الغسق الدجي

والقمــر المنبــلج المضي‏

بين لنا من حكمك المقضي

ماذا ترى لي في اسم ذا الصبي‏؟

فسمع هاتفا يقول :

خصصتما بالــولد الزكي

والطــاهر المطـهـر المرضي‏

إن اسمـه مــن شامخ علي

علي اشتــق مــن العــلي‏

فلما سمع هذا خرج من الكعبة وغاب عن قومه أربعين صباحا قال جابر: فقلت: يا رسول الله عليك السلام أين غاب؟ قال: مضى إلى المثرم ليبشره بمولد علي بن أبي طالب ع، وكان المثرم قد مات في جبل لكام  لأنه عهد إليه إذا ولد هذا المولود أن يقصد جبل لكام  فإن وجده حيا بشره، وإن وجده ميتا أنذره، فقال جابر : يا رسول الله فكيف يعرف قبره؟ وكيف ينذره؟ فقال: يا جابر اكتم ما تسمع فإنه من سرائر الله تعالى المكنونة وعلومه المخزونة؛ إن المثرم كان قد وصف لأبي طالب كهفا في جبل لكام، وقال له:إنك تجدني هناك حيا أو ميتا، فلما أن مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف ودخله فإذا هو بالمثرم ميتا جسده ملفوف في مدرعتين مسجى بهما وإذا بحيتين إحداهما أشد بياضا من القمر، والأخرى أشد سوادا من الليل المظلم، وهما يدفعان عنه الأذى، فلما أبصرتا أبا طالب غابتا في الكهف فدخل أبو طالب وقال: السلام عليك يا ولي الله ورحمة الله وبركاته فأحيا الله تعالى بقدرته المثرم فقام قائما وهو يمسح وجهه وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ص وأن عليا ولي الله وهو الإمام من بعده، ثم قال له المثرم : بشرني يا أبا طالب فقد كان قلبي متعلقا حتى من الله تعالى علي [بك وبقدومك، فقال له أبو طالب: أبشر فإن عليا طلع إلى الأرض قال : فما كان علامة الليلة التي ولد فيها حدثني بأتم ما رأيت في تلك الليلة قال أبو طالب : نعم أخبرك بما شاهدته لما مر من الليل الثلث أخذ فاطمة بنت أسد ع ما يأخذ النساء عند ولادتها، فقرأت عليها الأسماء التي فيها النجاة فسكن بإذن الله تعالى، فقلت لها : أنا آتيك بنسوة من أحبائك ليعينوك على أمرك، قالت: الرأي لك، فاجتمعن النسوة عندها فإذا بهاتف يهتف من وراء البيت: أمسك عنهن يا أبا طالب، فإن ولي الله لا تمسه إلا يد مطهرة، فلم يتم الهاتف كلامه حتى أتى محمد بن عبد الله بن أخي فطرد تلك النسوة وأخرجهن منوراء] البيت، وإذا أنا بأربع نسوة قد دخلن عليها وعليهن ثياب [من]  حرير بيض، وإذا روائحهنأطيب من المسك الأذفر، فقلنلها: السلام عليك يا ولية الله، فأجابتهن بذلك، فجلسن بين يديها ومعهن جونة من فضة، فما كان إلا قليلا حتى ولد أمير المؤمنين ع، فلما أن ولد بينهنفإذا أنا به قد طلع ع، فسجد على الأرض وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له]وأشهد أن محمدا رسول الله تختم به النبوة وتختم بي الوصية، فأخذته إحداهن من الأرض ووضعته في حجرها، فلما حملته نظر إلى وجهها ونادى بلسان طلق يقول: السلام عليك يا أماه، فقالت: وعليك السلام يا بني، فقال: كيف والدي؟ قالت: في نعم الله عز وجل، فلما أن سمعت ذلك لم أتمالك أن قلت: يا بني أ و لست [أنا]أباك فقال: بلى، ولكن أنا وأنت من صلب آدم، فهذه أمي حواء فلما سمعت ذلك غضضت وجهي ورأسي وغطيته بردائي، وألقيت نفسي [في زاوية البيت  حياء منها ع ثم دنت أخرى، ومعها جونة مملوءة من المسك، فأخذت عليا ع فلما نظر إلى وجهها قال : السلام عليك يا أختي، فقالت: وعليك السلام يا أخي، فقال : ما خبرعمي؟ قالت: بخير فهو يقرأ عليك السلام، فقلت: يا بني من هذه؟ ومن عمك؟ فقال: هذه مريم ابنة عمران ع وعمي عيسى ع فضمخته بطيب كان معهامن الجنة، ثم أخذته أخرى فأدرجته في ثوب كان معها، فقال أبو طالب: لو طهرناه كان أخف عليه- وذلك أن العرب تطهر مواليدها في يوم ولادتهم- فقلن: إنه ولد طاهرا مطهرا؛ لأنه لا يذيقه الله حر الحديد إلا على يدي رجل يبغضه الله تعالى وملائكته والسماوات والأرض والجبال، وهو أشقى الأشقياء، فقلت لهن: من هو؟ قلن : هو [عبدالرحمن بن ملجم -لعنه الله تعالى- وهو قاتله بالكوفة سنة ثلاثين من وفاة محمد ص قال أبو طالب: فأنا كنت أستمعقولهن، ثم أخذه محمد بن عبد الله أخي من أيديهن، ووضع يده في يده وتكلم معه وسأله عن كل شيء، فخاطب محمد ص علياع وخاطب علي محمدا بأسرار كانت بينهما، ثم غابت النسوة فلم أرهن، فقلت في نفسي: ليتني كنت أعرف الامرأتين الأخيرتين، وكان علي ع أعلم بذلك، فسألته عنهن فقال لي : يا أبت أما الأولى فكانت أمي حواء، وأما الثانية التي ضمختني بالطيب فكانت مريم ابنة عمران، وأما التي أدرجتني في الثوب فهي آسية، وأما صاحبة الجونة فكانت أم موسى ع، ثم قال علي ع : إلحق بالمثرم يا أبا طالب وبشره وأخبره بما رأيت، فإنك تجده في كهف كذا في موضع كذا وكذا، فلما فرغ من المناظرة مع محمد ابن أخي ومن مناظرتي عاد إلى طفوليته الأولى فأنبأتك وأخبرتك، ثم شرحت لك القصة بأسرها بما عاينت يا مثرم، قال أبو طالب: فلما سمع المثرم ذلك مني بكى بكاء شديدا في ذلك وفكر ساعة، ثم سكن وتمطى، ثم غطى رأسه وقال: [بل غطني بفضل مدرعتي، فغطيته بفضل مدرعته، فتمدد فإذا هو ميت كما كان، فأقمت عنده ثلاثة أيام أكلمه فلم يجبني فاستوحشت لذلك، فخرجت الحيتان، وقالتا: إلحق بولي الله فإنك أحق بصيانته وكفالته من غيرك، فقلت لهما : من أنتما؟ قالتا : نحن عمله الصالح، خلقنا الله عز وجل على الصورة التي ترى؛ لنذب عنه الأذى ليلا ونهارا إلى يوم القيامة، فإذا قامت الساعة كانت إحدانا قائدته والأخرى سائقته ودليلته إلى الجنة، ثم انصرف أبو طالب إلى مكة، قال جابر بن عبد الله: قالليرسول الله ص : قد شرحت لك ما سألتني ووجب عليك له الحفظ، فإن لعلي عند الله من المنزلة الجليلة، والعطايا الجزيلة ما لم يعط أحد من الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين، وحبه واجب على كل مسلم، فإنه قسيم الجنة والنار، ولا يجوز أحد على الصراط إلا ببراءة من  علي ع، تم الخبر والحمد لله رب العالمين).

وروى المجلسي  في التاسع من البحار، عن كتاب روضة الواعظين مثله بأدنى مغايرة، ورواه مقتصرا على بعض الحديث علي بن طاووس في كتاب اليقين في الباب الثالث والأربعين، عن كتاب مولد أمير المؤمنين ع للصدوق، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، عن الحسين بن عطا، عن شاذان بن العلاء، عن يحيى بن أبي يحيى، عن عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مسلم بن خالد المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، ثم ساق الحديث إلى موضع الحاجة منه.

رواية أخرى في ذكر ولادة علي

الثالث: عن أمالي الطوسي  قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان، قال: حدثني أحمد بن محمد بن أيوب، قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضي، قال : حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبو حبيبة، قال : حدثني سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عائشة . (ح) قال محمد بن أحمد بن شاذان : وحدثني سهل بن أحمد، قال : حدثنا أحمد بن عمر الربيعي، قال :حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا أبو داود، قال حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب (ح) قال ابن شاذان: وحدثني إبراهيم بن علي، بإسناده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهم السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: (كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين ع، وكانت حاملة بأمير المؤمنين ع لتسعة أشهر، وكان يوم التمام، قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت: أي رب، إني مؤمنة بك، وبما جاء به من عندك الرسول، وبكل نبي من أنبيائك، وبكل كتاب أنزلته، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل، وإنه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي، قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب: لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله تعالى، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام، قال : وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدث المخدرات في خدورهن، قال : فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي ع على يديها، ثم قالت : معاشر الناس، إن الله عز وجل اختارني من خلقه، وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، و إنمريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسر عليها ولادة عيسى، فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا، وإن الله تعالى اختارني وفضلني عليهما، وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين، لأني ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال : يا فاطمة، سميه عليا، فأنا العلي الأعلى، وإني خلقته من قدرتي، وعز جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدبته بأدبي، وفوضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أول من يؤذن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظمني ويمجدني ويهللني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه، قال: فلما رآه أبو طالب سره، وقال علي ع: السلام عليك يا أبه، ورحمة الله وبركاته . قال: ثم دخل رسول الله ص، فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين ع وضحك في وجهه، وقال : السلام عليك، يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، قال : ثم تنحنح بإذن الله تعالى، وقال: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم * قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ إلى آخر الآيات . فقال رسول الله ص: قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآيات إلى قوله﴿أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون﴾ فقال رسول الله ص: أنت والله أميرهم، تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون، ثم قال رسول الله ص لفاطمة : اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به، فقالت : فإذا خرجت أنا، فمن يرويه ؟ قال: أنا أرويه، فقالت فاطمة : أنت ترويه؟ قال : نعم، فوضع رسول الله ص لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، قال : فسمي ذلك اليوم يوم التروية، فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من علي ع إلى عنان السماء، قال: ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط، قال : فأخذت فاطمة قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط، ثم جعلته في قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلها، فجعلته ستة من ديباج وواحدا من الأدم فتمطى فيها فقطعها كلها بإذن الله، ثم قال: بعد ذلك يا أمه لا تشدي يدي، فإني أحتاج إلى أن أبصبص لربي بإصبعي . قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأن ونبأ . قال : فلما كان من غد دخل رسول الله ص على فاطمة، فلما بصر علي ع برسول الله ص سلم عليه، وضحك في وجهه، وأشار إليه أن خذني إليك واسقني مما سقيتني بالأمس. قال : فأخذه رسول الله ص، فقالت فاطمة: عرفه ورب الكعبة، قال: فلكلام فاطمة سمي ذلك اليوم يوم عرفة يعني أن أمير المؤمنين ع عرف رسول الله ص فلما كان اليوم الثالث، وكان العاشر من ذي الحجة، أذن أبو طالب في الناس أذانا جامعا، وقال: هلموا إلى وليمة ابني علي، قال: ونحر ثلاث مائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم، واتخذ وليمة عظيمة، وقال: معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا وطوفوا بالبيت سبعا [سبعا، وادخلوا وسلموا على ولدي علي فإن الله شرفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر). 

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: هذا الخبر يعطي بظاهره أن ولادة أمير المؤمنين ع كان في ذي الحجة، وهو خلاف المعروف بين أهل الحديث والسير، ويمكن أن يكون محمولا على النسيىء ووجه موافقته عليه يحتاج إلى بسط وتطويل لا يقتضيه الوقت لخوفي من حدوث العوائق المانعة عن إتمام الكتاب، ولقد بسطنا القول في ذلك وبينا وجه الموافقة بوجوه عديدة في كتابنا (الأربعين) المسمى (بميقات العارفين في مناقب أمير المؤمنين) في ذيل ذكر هذا الحديث بعينه، وهو الحديث الأول منه وفقنا الله لإتمامه وإتمام هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، فلنكتف بما هناك والسلام.

الرسول يبين منزلة علي الرفيعة

الرابع: فضائل شاذان بن جبرائيل بحذف الإسناد، عن سلمان والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر العنسي وأبي ذر الغفاري وحذيفة بن اليمان وأبي الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنهم: (أنهم دخلوا على النبي ص، فجلسوا بين يديه والحزن ظاهر في وجوههم، فقالوا: نفديك يا رسول الله بأموالنا وأولادنا وأنفسنا وبالآباء والأمهات إنا نسمع في أخيك علي بن أبي طالب ع ما يحزننا أتأذن لنا بالرد عليه، فقال ص: وما عساهم أن يقولوا في أخي [علي؟ فقالوا:يا رسول الله يقولون أي فضل لعلي بن أبي طالب في سبقه [إلى الإسلام، وإنما أدركه طفلا ونحو ذلك، فهذا يحزننا، فقال النبي ص : هذا يحزنكم قالوا: نعم يا رسول الله فقال :بالله عليكم هل علمتم من الكتب المتقدمة أن إبراهيم الخليل ع أذنب أبوه، وهو حمل في بطن أمه فخافت عليه من النمرود بن كنعان - لعنه الله - لأنه كان يقتل الأولاد ويبقر بطون الحوامل، فجاءت به فوضعته بين أثلاث بشاطئ نهر يتدفق يقال له خرزان بين غروب الشمس إلى [إقبال الليل، فلما وضعته واستقر على وجه الأرض قام من تحتها يمسح وجهه ورأسه ويكثرمن الشهادة بالوحدانية ، ثم أخذ ثوبا فاتشح به وأمه ترى ما يصنع، وقد ذعرت منه ذعرا شديدا، فهرول من يدها مادا عينيه إلى السماء وكان منه أنه عندما نظر الكواكب سبح الله وقدسه، وقال: سبحان الملك القدوس، فقال الله فيه: ﴿وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض﴾ الآية، وعلمتم أن موسى بن عمران كان قريبا من فرعون وكان فرعون في طلبه، وكان يبقر بطون الحوامل من أجله، فلما ولدته أمه فزعت عليه [فزعا  شديدا فأخذته من تحتها وطرحته في التابوت، وقال لها: يا أمي ألقيني في اليم، فقالت له وهي مذعورة من كلامه: إني أخاف عليك الغرق قال لها: لا تخافي ولا تحزني إن الله تعالى رادي عليك ثم ألقته في اليم كما ذكر لها ثم بقي في اليم لا يطعم طعاما ولا يشرب شرابا معصوما مدة إلى أن رد على أمه، وقيل [أنهبقي سبعين يوما، فأخبر الله تعالى عنه ﴿إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على‏ من يكفله﴾ الآية وعيسى بن مريم إذ تكلم مع أمه عند ولادته وقصته مشهورة ﴿فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا﴾ الآية ﴿والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا﴾، وقد علمتم جميعا أني أفضل الأنبياء [و  قد خلقت أنا وعلي من نور واحد وإن نورنا كان يسمع تسبيحه من أصلاب آبائنا وبطون أمهاتنا في كل عصر وزمن إلى عبد المطلب، فكان نورنا يظهر في [وجوه آبائنا فلما وصل إلى عبد المطلب، انقسم النور نصفين نصفا إلى عبد الله ونصفا إلى أبي طالب عمي، وإنهما كانا إذا جلسا في ملإ من الناس يتلألأ نورنا في وجهيهما من دونهم حتى أن السباع والهوام كانت تسلم عليهما لأجل نورنا؛ حتى خرجنا إلى دار الدنيا، وقد نزل [عَلَي] جبرئيل عند ولادة ابن عمي علي وقال: يا محمد ربك يقرؤك السلام  ويقول لك: الآن ظهرت نبوتك وإعلان وحيك، وكشف رسالتك إذ أيدك الله تعالى بأخيك وخليفتك ووزيرك من بعدك والذي شد به أزرك وأعلن به ذكرك على أخيك وابن عمك، فقم إليه واستقبله بيدك اليمنى فإنه من أصحاب اليمين وشيعته من  الغر المحجلين قال: فقمت فوجدت أمه بين النساء والقوابل من حولها وإذا بحجاب قد ضربه جبرئيل بيني وبين النساء وقال فإذا هي قد وضعته فاستقبلته، قال: ففعلت ما أمرني به [جبرئيل]  ومددت يدي اليمنى نحو أمه، فإذا بعلي [قد أقبل]على يدي واضعا يده اليمنى في أذنه يؤذن، ويقيم بالحنفية ويشهد بالوحدانية لله وبرسالتي، ثم انثنى إلي وقال: السلام عليك يا رسول الله، فقلت له: [وعليك السلام يا أمير المؤمنين اقرأ يا أخي فوالذي نفسي بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله تعالى على آدم وأقام بها [ابنه شيث، فتلاها من أولها إلى آخرها حتى لو حضر آدم لأقر له أنه [ألفظ] لها منه، ثم تلا صحف نوح ثم صحف إبراهيم، ثم [تلا] التوراة حتى لو حضر موسى [لشهد له أنه أحفظ لها منه] ، ثم قرأ الإنجيل حتى لو حضر عيسى لأقر له أنه أحفظ لها منه، ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله علي من أوله إلى آخره، ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب به الأنبياء أوصيائهم، ثم عاد إلى [حال طفوليته وهكذا أحد عشر إماما من نسله يفعل في ولادته مثل ما فعل الأنبياء (عليهم السلام)، فما يحزنكم وما عليكم من قول أهل الشرك بالله تعالى، هل تعلمون أني أفضل الأنبياء، وأن وصيي أفضل الأوصياء، وأن أبي آدم لما رأى اسمي واسم أخي وأسماء فاطمة والحسن والحسين مكتوبات على ساق العرش بالنور فقال: إلهي هل خلقت خلقا قبلي هو أكرم عليك مني فقال الله تعالى: يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولولاهم لما خلقتك، [فلما وقع آدم في الخطيئة فقال : إلهي وسيدي فبحقهم عليك إلا غفرت لي خطيئتي ونحن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، فقال : أبشر يا آدم فإن هذه الأسماء من ولدك وذريتك فعند ذلك حمد الله تعالى آدم ع وافتخر على الملائكة [فإذا كان هذا فضلنا عند الله إنه لم يعط نبيا شيئا من الفضل إلا أعطاه لنا [فما بالكم حزنون على قول بعض أهل الشرك، فقام سلمان وأبو ذر ومن معهما وهم يقولون: نحن الفائزون، فقال ع: أنتم الفائزون ولكم خلقت الجنة ولعدوكم خلقت النار).

أقول: وروى المجلسي  في التاسع من البحار وغيره عن روضة الواعظين مثله، والحسين بن حمدان في كتابه ما يقرب منه معنى.

وقال السيد التوبلي : في مدينة المعاجز (وروى هذا الحديث الشيخ الطوسي في مصباح الأنوار في مناقب الأئمة الأطهار ببعض التغيير، وفي روايته في ميلاد موسى قال: وروي أن المدة كانت سبعين، وروى سنة وفي ميلاد أمير المؤمنين، ثم قرأ القرآن من أوله إلى آخره، فوجدته يحفظ كحفظي من قبل أن يسمع منه مني حرفا ولا آية)، هي.

علي يخاطب الشمس وتثني عليه

الخامس: عن تفسير محمد بن العباس بن مروان، عن محمد بن سهل العطار، عن أحمد بن محمد، عن أبي زرعة عبد الله بن عبد الكريم، عن قبيصة بن عقبة، عن سفيان بن يحيى، عن جابر بن عبد الله قال: (لقيت عمارا في بعض سكك المدينة، فسألته عن النبي ص، فأخبر أنه في مسجده في ملإ من قومه، وأنه لما صلى الغداة أقبل علينا فبينا نحن كذلك وقد بزغت الشمس إذ أقبل علي بن أبي طالب ع، فقام إليه النبي ص فقبل ما بين عينيه وأجلسه إلى جنبه حتى مست ركبتاه ركبتيه، ثم قال: يا علي قم للشمس فكلمها فإنها تكلمك، فقام أهل المسجد وقالوا : أترى عين الشمس تكلم عليا، وقال بعض: لا يزال يرفع حسيسة ابن عمه وينوه باسمه إذ خرج علي ع فقال للشمس: كيف أصبحت يا خلق الله؟ فقالت : بخير يا أخا رسول الله يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شيء عليم فرجع علي ع إلى النبي [فتبسم النبي ص  فقال: يا علي تخبرني أو أخبرك؟ فقال: منك أحسن يا رسول الله، فقال النبي ص: أما قولها لك يا أول فأنت أول من آمن بالله، وقولها يا آخر فأنت آخر من يعاينني على مغسلي، وقولها: يا ظاهر فأنت آخر من يظهر على مخزون سري، وقولها: يا باطن فأنت المستبطن لعلمي، وأما العليم بكل شيء فما أنزل الله [تعالى علما من الحلال والحرام والفرائض والأحكام والتنزيل والتأويل والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمشكل إلا وأنت به عليم، فلولا أن تقول فيك طائفة من أمتي ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك مقالا لا تمر بملإ إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفون به، قال جابر: فلما فرغ عمار من حديثه أقبل سلمان، فقال عمار: وهذا سلمان كان معنا، فحدثني سلمان كما حدثني عمار).

يقول مصنف هذا الكتاب: روى صاحب عيون المعجزات وشاذان بن جبرائيل في مناقبه حديثا يقرب من هذا معنى وذكرا فيه (إن المنافقين لما سمعوا هذه الأوصاف من الشمس أتوا رسول الله ص وقالوا : أنت تقول إن عليا بشر مثلنا، وقد خاطبته الشمس بما خاطب به الباري نفسه، ولما أخبر النبي ص بالتأويل المذكور قاموا، وقالوا لقد أوقعنا محمد في طخياء).

وأقول: يريدون أنه أظلم علينا الأمر وكتمه وأعطانا من جراب النورة، وهو كذلك فإنه ص أخبرهم بظاهر ما أرادته الشمس من المعاني لعدم تحملهم لباطنه؛ لزعمهم أن هذه الأسماء لا يجوز إطلاقها على الغير غفلة منهم أن أولية المخلوق وآخريته، وكذلك بطونه وظهوره على غير ما يوصف به الله، فإن أمير المؤمنين أول ما خلق الله لأن نوره ونور النبي ص كانا واحدا في الابتداء، وقد تقرر أن الأول في البدء هو الآخر في العود وكذا هو باطن لأنه استبطن لعلمه جميع خفيات الأشياء، فلا يعزب عنه شيء وهو ظاهر لأنه ظهر على جميع الأشياء لعلو مكانه، وهو بكل شيء عليم لأنه الإمام المبين الذي أحصى الله فيه علم كل شيء، فقد أعطيت الشمس وكذا النبي ص كلا ما يحتمله من العلم من غير تناف في البين لكون كلا المعنيين مرادين، هذا وفي المقام معنى آخر وراء ما ذكروا الإشارة إليه على الإجمال أن حقيقة النبي والولي عين أسماء الله الحسنى الكونية وصفاته العليا كذلك، كما أن ألفاظ تلك الأسماء أسماؤه اللفظية، والمسمى والموصوف بتلك الأسماء والصفات هو الله تعالى، فليس فيه إطلاق لتلك الأسماء على غيره تعالى، فافهم وتدبر تقف على كنز لا يفنى .

ثم إن صاحب ثاقب المناقب ذكر أن الشمس كلمته ثلاث مرات، ولكن الذي يظهر من تتبع الأخبار أنه أكثر من ذلك، هذا وروى ابن شهر آشوب في مناقبه عن الصادق ع أن الشمس كلمته سبع مرات، وذكر الألفاظ التي قالته الشمس في تلك المرات السبع، ولكن أكثرها مخالفة لما في أخبار كلام الشمس التي وقفنا عليها، فيحتمل أنه  لم يرد الحصر وإنما أراد مجرد تعداد المرات السبع. وعلى أي حال فنحن نكتفي بواحد منها، ومن أراد الإطلاع على جل الأخبار فهي مذكورة في كتب الأخبار والمناقب من العامة والخاصة كأمالي الصدوق وثاقب المناقب وعيون المعجزات وكتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل ومناقب الخوارزمي وهداية الحسين بن همدان ومناقب ابن شهر آشوب عن عدة من كتب العامة والخاصة وصاحب روضة الواعظين محمد الفتال النيشابوري وغيرهم، وبالجملة قل من ألف في المناقب كتابا ولم يذكر حديث كلام الشمس.

ليس كل من رأى معاجز أمير المؤمنين ثبت على دينه

السادس: منتخب البصائر، عن جماعة، عن الصدوق ، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن فضيل الرسان، عن أبي جعفر ع : (أن رجلا قال لعلي ع : يا أمير المؤمنين لو أريتنا ما نطمئن به مما أنهى إليك رسول الله ص، قال: لو رأيتم عجيبة من عجائبي لكفرتم وقلتم أني ساحر كذاب وكاهن، وهو من أحسن قولكم، قالوا : ما منا أحد إلا وهو يعلم أنك ورثت رسول الله ص وصار إليك علمه، قال: علم العالم شديد لا يحتمله إلا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان وأيده بروح منه ثم قال : إذا أبيتم إلا أن أريكم بعض عجائبي وما آتاني الله من العلم فاتبعوا أثري إذا صليت العشاء الآخرة، فلما صلاها أخذ طريقه إلى ظهر الكوفة فاتبعه سبعون رجلا كانوا في أنفسهم خيار الناس من شيعته، فقال لهم علي ع : إني لست أريكم شيئا حتى آخذ عليكم عهد الله وميثاقه ألا تكفروا بي ولا ترموني بمعضلة، فوالله ما أريكم إلا ما علمني رسول الله ص فأخذ عليهم العهد والميثاق أشد ما أخذ الله على رسله من عهد وميثاق، ثم قال: حولوا وجوهكم عني حتى أدعو بما أريد، فسمعوه جميعا يدعو بدعوات لا يعرفونها، ثم قال: حولوا وجوهكم فحولوها، فإذا هم بجنات وأنهار وقصور من جانب وسعير تتلظى من جانب، حتى أنهم ما شكوا أنها الجنة والنار، فقال أحسنهم[قولا: إن هذا لسحر عظيم ورجعوا كفارا إلا رجلين، فلما رجع مع الرجلين قال لهما: قد سمعتما مقالتهم وأخذي عليهم العهود والمواثيق ورجوعهم يكفرونني؛ أما والله إنها لحجتي عليهم غدا عند الله، فإن الله يعلم أني لست بساحر ولا كاهن، ولا يعرف هذا لي ولا لآبائي، ولكنه علم الله وعلم رسوله أنهاه إلى رسوله وأنهاه رسوله إلي [وأنهيته إليكم، فإذا رددتم علي رددتم فعلالله، حتى إذا صار إلى مسجد الكوفة دعا بدعوات يسمعان، فإذا حصى المسجد در وياقوت، فقال لهما: ماذا تريان؟ قالا: هذا در وياقوت، فقال : صدقتما، لو أقسمت على ربي فيما هو أعظم من هذا لأبر قسمي، فرجع أحدهما كافرا وأما الآخر فثبت، فقال ع: إن أخذت [منه  شيئا ندمت، وإن تركت ندمت، فلم يدعه حرصه حتى أخذ درة فصرها في كمه حتى إذا أصبح نظر إليها فإذا هي درة بيضاء لم ينظر الناس إلى مثلها قط، فقال: يا أمير المؤمنين إني أخذت من ذلك الدر واحدة وهي معي، قال : وما دعاك إلى ذلك؟ قال: أحببت أن أعلم أحق هو أم باطل، قال: إنك إن رددتها إلى موضعها الذي أخذتها منه عوضك الله منها الجنة، وإن أنت لم تردها عوضك الله منها النار، فقام الرجل فردها إلى موضعها الذي أخذها منه، فحولها الله حصاة كما كانت، قال بعض الناس: كان هذا ميثم التمار، وقال بعضهم: عمرو بن الحمق).

أقول: وفي الخرائج بحذف الإسناد عن أبي جعفر ع مثله بأدنى مغايرة في الألفاظ.

ما من أحد كفر بوصي رسول الله صلوات الله عليهما إلا وعذب بالنار

السابع: تأويل الآيات قال : روي بحذف الإسناد عن جابر بن عبدالله  (قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وهو خارج من الكوفة، فتبعته من ورائه حتى صارإذا إلى جبانة اليهود ووقف في وسطها ونادى: يا يهود [يا يهود، فأجابوه من جوف القبور: لبيك لبيك مطلاع، يعنون بذلك يا سيدنا، فقال: كيف ترون العذاب؟ فقالوا : بعصياننا لك كهارون، فنحن ومن عصاك في العذاب إلى يوم القيامة، ثم صاح صيحة كادت السماوات ينقلبن، فوقعت مغشيا على وجهي من هول ما رأيت، فلما أفقت رأيت أمير المؤمنين ع على سرير من ياقوتة حمراء على رأسه إكليل من الجوهر، وعليه حلل خضر وصفر ووجهه كدائرة القمر، فقلت: يا سيدي هذا ملك عظيم، قال : نعم يا جابر إن ملكنا أعظم من ملك سليمان بن داود، وسلطاننا أعظم من سلطانه، ثم رجع ودخلنا الكوفة ودخلت خلفه إلى المسجد، فجعل يخطو خطوات وهو يقول: لا والله لا فعلت لا والله لا كان ذلك أبدا فقلت: يا مولاي لمن تكلم ولمن تخاطب وليس أرى أحدا، فقال: يا جابر كشف لي عن برهوت، فرأيت شينبويه وحبتر  وهما يعذبان في جوف تابوت في برهوت، فنادياني: يا أبا الحسن يا أمير المؤمنين ردنا إلى الدنيا نقر بفضلك ونقر بالولاية لك، فقلت : لا والله لا فعلت لا والله لا كان ذلك أبدا، ثم قرأ هذه الآية ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون﴾ يا جابر وما من أحد خالف وصي نبي إلا حشره الله أعمى يتكبكب في عرصات القيامة).

عرضت ولاية أمير المؤمنين على سكان السماوات والأرض وما بينهما

الثامن: تفسير فرات في تفسير سورة الجن قال : حدثنا الحسن ابن علي بن رحيم معنعنا، عن جابر بن عبد الله الأنصاري  قال: (افتقدت أمير المؤمنين ع، لم أره بالمدينة أياما، فغلبني شوق محبته، فأتيت أم سلمة المخزومية، فوقفت بالباب فخرجت وهي تقول: من بالباب؟ فقلت: أنا جابر بن عبد الله، فقالت: يا جابر ما حاجتك؟ قلت: إني فقدت سيدي أمير المؤمنين ع، لم أره بالمدينة مذ أيام فغلبني الشوق إليه أتيتك لأسألك ما فعل أمير المؤمنين ع ؟ فقالت: يا جابر أمير المؤمنين في السفر، فقلت: في أي سفر؟ فقالت : يا جابر علي ع في برجات منذ ثلاث، فقلت: في أي برجات فأجافت بالباب دوني فقالت : يا جابر ظننتك أعلم مما أنت فيه‏  صر إلى مسجد النبي ص، فإنك سترى عليا ع، فأتيت المسجد فإذا أنا بساجد من نور وسحاب من نور ولا أرى عليا ع فقلت : يا عجبا غرتني أم سلمة، فلبثت‏ قليلا إذ تطامن السحاب وانشقت، ونزل منها أمير المؤمنين ع، وفي كفه سيف يقطر دما فقام إليه الساجد فضمه إليه وقبل بين عينيه وقال : الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي نصرك على أعدائك وفتح على يديك، لك إلي حاجة، قال: حاجتي إليك تقرئ ملائكة السماوات مني السلام، وتبشرهم بالنصر، ثم ركب السحاب فطار، فقمت إليه وقلت: يا أمير المؤمنين إني لم أرك بالمدينة أياما، فغلبني الشوق إليك، فأتيت أم سلمة المخزومية لأسألها عنك، فوقفت بالباب فخرجت وهي تقول: من بالباب؟ فقلت : أنا جابر بن عبد الله الأنصاري، فقالت: ما حاجتك يا أخا الأنصار؟ فقلت: إني فقدت أمير المؤمنين ع ولم أره بالمدينة فأتيتك لأسألك ما فعل أمير المؤمنين، فقالت: يا جابر اذهب إلى المسجد فإنك ستراه، فأتيت المسجد فإذا أنا بساجد من نور وسحاب من نور ولا أراك، فلبثت قليلا إذ تطامن السحاب وانشق، ونزلت وفي يدك سيف يقطر دما، فأين كنت يا أمير المؤمنين؟ قال : يا جابر كنت في برجات منذ ثلاث، فقلت: وأيش صنعت في برجات؟ فقال لي: يا جابر ما أغفلك أما علمت أن ولايتي عرضت على أهل السماوات ومن فيها، وأهل الأرض ومن فيها، فأبت طائفة من الجن ولايتي؛ فبعثني حبيبي محمد ص بهذا السيف، فلما وردت الجن افترقت الجن ثلاث فرق، فرقة طارت بالهواء فاحتجبت مني، وفرقة آمنت بي وهي الفرقة التي نزلت فيها الآية من ﴿قل أوحي﴾ وفرقة جحدتني حقي فجادلتها بهذا السيف سيف حبيبي محمد ص حتى قتلتها عن آخرها، فقلت : الحمد لله يا أمير المؤمنين، فمن كان الساجد؟ فقال: لي يا جابر كان إن‏ الساجد أكرم الملائكة على الله صاحب الحجب، وكله الله تعالى‏ بي إذا كان أيام الجمعة يأتيني بأخبار السماوات، والسلام من الملائكة، ويأخذ السلام من ملائكة السماوات إلي).

رسول الله أعلم بمنزلة أمير المومنين

التاسع: مشارق الأنوار، عن كتاب المقامات مرفوعا إلى ابن عباس (قال:رأيت عليا ع يوما في سكك المدينة يسلك طريقا لم يكن له منفذ، فجئت فأعلمت رسول الله ص فقال : إن عليا علم الهدى والهدى طريقه، قال:فمضى على ذلك ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الرابع أمرنا أن ننطلق في طلبه، قال ابن عباس: فذهبت في الدرب الذي رأيته فيه، وإذا بياض درعه في ضوء الشمس، قال: فأتيت فأعلمت رسول الله ص بقدومه، فقام إليه فلاقاه واعتنقه، وحل عنه الدرع بيده، وجعل يتفقد جسده، فقال له عمر: كأنك يا رسول الله توهم أنه كان في الحرب، فقال له النبي ص: مه يا بن الخطاب والله لقد ولي على أربعين ألف ملك، وقتل أربعين ألف عفريت، وأسلم على يده أربعون ألف قبيلة من الجن، وأن الشجاعة عشرة أجزاء، تسعة منها في علي وواحدة في سائر الناس، والفضل والشرف عشرة أجزاء، تسعة منها في علي وواحدة في سائر الناس، وأن عليا مني بمنزلة الذراع من اليد، وهو زري في قميصي ويدي التي أصول بها، وسيفي الذي أجالد به الأعداء. وأن المحب له مؤمن، والمخالف له كافر، والمقتفي لأثره لاحق).

الخيبري يقسم باسم وصي رسول الله

العاشر: وفيه عن كتاب عيون الأخبار قال: (إن أمير المؤمنين ع مر في طريق فسايره خيبري، فمر بواد قد سال فركب الخيبري مرطه وعبر على الماء، ثم نادى إلى أمير المؤمنين ع يا هذا لو عرفت كما عرفت لجزت كما جزت، فقال له أمير المؤمنين ع : مكانك، ثم أومأ بيده إلى الماء، فجمد فمر عليه، فلما رأى الخيبري ذلك أكب على قدميه، وقال: يا فتى ما قلت حتى حولت الماء حجرا ؟ فقال له أمير المؤمنين ع :فما قلت أنت حتى عبرت على الماء؟ فقال الخيبري : أنا دعوت الله باسمه الأعظم، فقال له أمير المؤمنين ع : وما هو؟ قال : سألته باسم وصي محمد ص فقال أمير المؤمنين ع :أنا وصي محمد ص، فقال الخيبري : إنه لحق، ثم أسلم). 

أبطل أمير المؤمنين مكيدة المنافقين له

الحادي عشر: تفسير الإمام ع قال علي بن محمد (عليهم السلام): (وقد كان نظير هذا لأمير المؤمنين لما رجع من صفين، وسقى القوم من الماء الذي تحت الصخرة التي قلبها ذهب ليقعد إلى حاجته، فقال بعض منافقي عسكره: سوف أنظر إلى سوأته وإلى ما يخرج منه فإنه يدعي مرتبة النبي ص لأخبر أصحابي بكذبه، فقال علي ع لقنبر: يا قنبر اذهب إلى تلك الشجرة، وإلى التي تقابلها -وقد كان بينهما أكثر من فرسخ- فنادهما إن وصي محمد ص يأمركما أن تتلاصقا، فقال قنبر: يا أمير المؤمنين، أويبلغهما صوتي؟ قال علي ع: إن الذي يبلغ بصر عينك إلى السماء وبينك وبينها مسيرة خمسمائة عام سيبلغهما صوتك، فذهب فنادى فسعت إحداهما إلى الأخرى سعي المتحابين طالت غيبة أحدهما عن الآخر واشتد إليه شوقه، وانضمتا، فقال قوم من منافقي العسكر: إن عليا يضاهي في سحره رسول الله ابن عمه ما ذاك رسول الله، ولا هذا إمام وإنما هما ساحران لكنا سندور من خلفه لننظر إلى عورته، وما يخرج منه، فأوصل الله عز وجل ذلك إلى أذن علي من قبلهم فقال جهرا: يا قنبر إن المنافقين أرادوا مكايدة وصي رسول الله ص، وظنوا أنه لا يمتنع منهم إلا بالشجرتين، فارجع إليهما -يعني الشجرتين- فقل لهما: إن وصي رسول الله ص يأمركما أن تعودا إلى مكانكما، ففعل ما أمره به، فانقلعتا وعدت كل واحدة تفارق الأخرى كهزيمة الجبان من الشجاع البطل، ثم ذهب علي ع ورفع ثوبه ليقعد، وقد مضى من المنافقين جماعة لينظروا إليه، فلما رفع ثوبه أعمى الله تعالى أبصارهم فلم يبصروا شيئا، فولوا عنه وجوههم فأبصروا كما كانوا يبصرون، ثم نظروا إلى جهته فعموا، فما زالوا ينظرون إلى جهته ويعمون ويصرفون عنه وجوههم ويبصرون إلى أن فرغ علي ع وقام ورجع، وذلك ثمانون مرة من كل واحد منهم، ثم ذهبوا ينظرون ما خرج عنه، فاعتقلوا في مواضعهم فلم يقدروا [على أن يروها، فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف أصابهم ذلك مائة مرة حتى نودي فيهم بالرحيل فرحلوا، وما وصلوا إلى ما أرادوا من ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا عتوا وطغيانا وتماديا في كفرهم وعنادهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا إلى هذا العجب من هذه آياته ومعجزاته، ويعجز عن معاوية وعمرو ويزيد فأوصل الله عز وجل ذلك من قبلهم إلى أذنه فقال علي ع: يا ملائكة ربي ائتوني بمعاوية وعمرو ويزيد، فنظروا في الهواء فإذا ملائكة كأنهم الشرط السودان قد علق كل واحد منهم بواحد، فأنزلوهم إلى حضرته فإذا أحدهم معاوية والآخر عمرو والآخر يزيد، فقال علي ع: تعالوا فانظروا إليهم، أما لو شئت لقتلتهم ولكني أنظرهم كما أنظر الله عز وجل إبليس إلى يوم الوقت المعلوم، إن الذي ترونه بصاحبكم ليس بعجز ولا ذل، ولكنه محنة من الله عز وجل لكم؛ لينظر كيف تعملون ولئن طعنتم على علي فلقد طعن الكافرون المنافقون قبلكم على رسول رب العالمين، فقالوا: إن من طاف ملكوت السماوات والجنان في ليلة ورجع، كيف يحتاج إلى أن يهرب ويدخل الغار ويأتي إلى المدينة من مكة في أحد عشر يوما، وإنما هو من الله إذا شاء أراكم القدرة لتعرفوا صدق أنبياء الله وأوصيائهم، وإذاشاء امتحنكم بما تكرهون لينظر كيف تعملون، وليظهر حجته عليكم).

عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وبأمره يعملون

الثاني عشر: كتاب محمد بن المثنى بن القاسم الحضرمي رواية هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي علي محمد بن همام، عن حميد بن زياد الدهقان، عن أبي جعفر أحمد بن زيد بن جعفر الأزدي البزاز، عن محمد بن المثنى قال : سمعت أصحابنا يذكرونه عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبدالله ع: (لما عسكر أمير المؤمنين ع بالنخيلة تقدم إليه رجلان فاختصما إليه، فأفحش أحدهما على صاحبه، قال: فقال له أمير المؤمنين ع: اخسأ فإذا رأسه رأس كلب، قال: فأقبل بإصبعه يلوذ إلى أمير المؤمنين ع قال: فأخذ بشفته العليا وقلبها، فإذا رأسه قد عاد كما كان، فقال له أصحابه وهم حوله: يا أمير المؤمنين أنت هكذا وأنت تسير إلى معاوية، قال: فقال أمير المؤمنين ع : لو أشاء أن أضع رجلي هذه الصغيرة في صدره لفعلت، ولو أشاء أن أوتي به على سريره لفعلت، ولكنا عباد مكرمون لا نسبقه بالقول ونحن بأمره نعمل).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: هذا الخبر من الأخبار المشهورة، وقد روته كثير من العامة فضلا عن الخاصة، وإنما خصصنا الكتاب المذكور بالرواية عنه لكونه أصلا من أصول أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، فهو أقدم من غيره .

أمير المؤمنين يضرب صدر معاية

الثالث عشر: الهداية لابن حمدان، عن عقيل بن يحيى، عن زيد بن الحسين، عن أبي كثير المدائني، عن جعفر بن محمد الحلاب، عن حمران بن أعين، عن ميثم التمار قال: (خطب بنا أمير المؤمنين ع في جامع الكوفة فأطال في خطبته، وأعجب الناس تطويلها، وحسن وعظها، ورغبتها ورهبتها، وإذ دخل نذير من ناحية الأنبار مستغيثا يقول: الله الله يا أمير المؤمنين في رعيتك وشيعتك، هذه خيل معاوية قد شنت علينا الغارة في سواد الفرات، ما بين هيت والأنبار، فقطع أمير المؤمنين ع الخطبة وقال: وإن بعض خيل معاوية قد دخل الدسكرة التي تلي جدران الأنبار، فقتلوا فيها تسع نسوة وسبعة من الأطفال ذكرانا وسبعة إناثا وشهروا بهم، ووطئوهم بحوافر خيلهم، وقالوا هذه مراغمة أبي تراب، فقام إبراهيم بن الحسين الأزدي بين يدي المنبر، فقال:يا أمير المؤمنين هذه القدرة التي رأيت بها وأنت على منبرك أن في دارك خيل معاوية بن آكلة الأكباد، وما فعل بشيعتك ولم يعلم بها غيرك، ولم تقصر عن معاوية، فقال له أمير المؤمنين ع : ويحك يا إبراهيم ﴿ليهلك من هلك عن بينة ويحيى‏ من حي عن بينة﴾ فصاح الناس من جوانب المسجد: يا أمير المؤمنين فإلى متى يهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة وشيعتك تهلك؟ فقال ع لهم﴿ ليقضي الله أمرا كان مفعولا﴾ فصاح يزيد بن كثير المرادي وقال: يا أمير المؤمنين تقول بالأمس وأنت متجهز إلى معاوية وتحرضنا على قتاله، ويحتكم إليك الرجلان في الفعل، فيعجل عليك أحدهما بالكلام، فتجعل رأسه رأس الكلب فيستجير بك فترده بشرا سويا، ونقول لك ما بال هذه القدرة لا تبلغ معاوية فتكفينا شره، فتقول لنا: وفالق الحبة وبارئ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة صدر معاوية وأقلبه على أم رأسه لفعلت، فما بالك لا تفعل ما تريد؟ إلا أن تضعف نفوسنا فنشك فيك فندخل النار، فقال أمير المؤمنين ع : لأفعلن ذلك ولأعجلنه على ابن هند، فمد رجله على منبره فخرجت عن أبواب المسجد وردها إلى فخذه، وقال معاشر الناس أقيموا تاريخ الوقت وأعلموه، فقد ضربت برجلي هذه الساعة صدر معاوية فقلبته عن سريره على أم رأسه، فظن أنه قد أخبط به، فصاح: يا أمير المؤمنين فأين النظرة؟ فرددت رجلي عنه وتوقع الناس ورود الخبر من الشام، وعلموا أن أمير المؤمنين ع لا يقول إلا حقا فوردت الأخبار والكتب بتاريخ تلك الساعة بعينها من ذلك اليوم بعينه أن رجلا جاءت من ناحية الكوفة ممدودة متصلة، فدخلت من إيوان معاوية والناس ينظرون حتى ضربت صدره، فقلبته عن سريره على أم رأسه فصاح: يا أمير المؤمنين فأين النظرة؟ وردت تلك الرجل عنه، وعلم الناس أن ما قال أمير المؤمنين ع حق وكان هذا من دلائله).

أمير المؤمنين وعمار يعتلون السحابة إلى الصين

الرابع عشر المجلد الرابع عشر من بحار الأنوار من بعض مؤلفات القدماء من القاضي أبي الحسن الطبري، عن سعيد بن يونس المقدسي، عن المبارك، عن خالص بن أبي سعيد، عن وهب الجمال، عن عبد المنعم ابن سلمة، عن وهب الرائدي، عن يونس بن ميسرة، عن الشيخ المعتمر الرقي رفعه إلى أبي جعفر ميثم التمار قال: (كنت بين يدي مولاي أمير المؤمنين ع إذ دخل غلام وجلس في وسط المسلمين، فلما فرغ ع من الأحكام نهض إليه الغلام وقال: يا أبا تراب أنا إليك رسول، جئتك برسالة تزعزع لها الجبال، من رجل حفظ كتاب الله من أوله إلى آخره، وعلم علم القضايا والأحكام، وهو أبلغ منك في الكلام، وأحق منك بهذا المقام فاستعد للجواب، ولا تزخرف المقال، فلاح الغضب في وجه أمير المؤمنين ع وقال لعمار: اركب جملك وطف في قبائل الكوفة، وقل لهم أجيبوا عليا ليعرفوا الحق من الباطل والحلال والحرام والصحة والسقم، فركب عمار فما كان إلا هنيهة حتى رأيت العرب كما قال الله تعالى﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم من الأجداث إلى‏ ربهم ينسلون﴾ فضاق جامع الكوفة وتكاثف الناس تكاثف الجراد على الزرع الغض في أوانه، ونهض العالم الأروع والبطل الأنزع ورقى المنبر وراقى، ثم تنحنح فسكت جميع من في الجامع فقال: رحم الله من سمع فوعى، أيها الناس من يزعم أنه أمير المؤمنين، والله لا يكون الإمام إماما حتى يحيي الموتى، أو ينزل من السماء مطرا، أو يأتي بما يشاكل ذلك مما يعجز عنه غيره، وفيكم من يعلم أني الآية الباقية، والكلمة التامة والحجة البالغة، ولقد أرسل إلي معاوية جاهلا من جاهلية العرب عجرف في مقاله، وأنتم تعلمون لو شئت لطحنت عظامه طحنا، ونسفت الأرض من تحته نسفا، وخسفتها عليه خسفا، ألا إن احتمال الجاهل صدقة، ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ص، وأشار بيده إلى الجو فدمدم وأقبلت غمامة وعلت سحابة وسمعنا منها نداء يقول:السلام عليك يا أمير المؤمنين، ويا سيد الوصيين، ويا إمام المتقين، ويا غياث المستغيثين، ويا كنز المساكين، ومعدن الراغبين، وأشار إلى السحابة فدنت، قال ميثم: فرأيت الناس كلهم قد أخذتهم السكرة، فرفع رجله وركب السحابة، وقال لعمار: اركب معي وقل: ﴿بسم الله مجراها ومرساها﴾ فركب عمار وغابا عن أعيننا، فلما كان بعد ساعة أقبلت سحابة حتى أظلت جامع الكوفة، فالتفت فإذا مولاي جالس على دكة القضاء وعمار بين يديه والناس حافون به، ثم قام وصعد المنبر وأخذ بالخطبة المعروفة بالشقشقية، فلما فرغ اضطرب الناس وقالوا فيه أقاويل مختلفة، فمنهم من زاده الله إيمانا ويقينا، ومنهم من زاده كفرا وطغيانا قال عمار: قد طارت بنا السحابة في الجو، فما كان إلا هنيهة حتى أشرفنا على بلد كبير حواليها أشجار وأنهار، فنزلت بنا السحابة وإذا نحن في مدينة كبيرة، والناس يتكلمون بكلام غير العربية، فاجتمعوا عليه ولاذوا به، فوعظهم وأنذرهم بمثل كلامهم، ثم قال: يا عمار اركب، ففعلت ما أمرني، فأدركنا جامع الكوفة، ثم قال لي: يا عمار تعرف البلدة التي كنت فيها، قلت: الله أعلم ورسوله ووليه، قال كنا في الجزيرة السابعة من الصين أخطب كما رأيتني، إن الله تبارك وتعالى أرسل رسوله ص إلى كافة الناس، وعليه أن يدعوهم ويهدي المؤمنين منهم إلى الصراط المستقيم، واشكر ما أوليتك من نعمة، واكتم من غير أهله، فإن لله تعالى ألطافا خفية في خلقه لا يعلمها إلا هو، ومن ارتضى من رسول، ثم قالوا أعطاك الله هذه القدرة الباهرة]وأنت تستنهض الناس لقتال معاوية، فقال: إن الله تعبدهم بمجاهدة الكفار والمنافقين والناكثين والقاسطين والمارقين، والله لو شئت لمددت يدي هذه القصيرة في أرضكم هذه الطويلة، وضربت بها صدر معاوية بالشام، وأجذب بها من شاربه -أو قال من لحيته- فمد يده وردها، وفيها شعرات كثيرة، فتعجبوا من ذلك، ثم وصل الخبر بعد مدة أن معاوية سقط من سريره في اليوم الذي كان ع مد يده، وغشي عليه ثم أفاق وافتقد من شاربه ولحيته شعرات).

أقول: الظاهر إن الكتاب المنقول منه هذا الحديث كتاب عيون المعجزات، كما يظهر من مدينة المعاجز للسيد التوبلي ، ثم إن هذه الواقعة غير الواقعة التي مرت في الخبر السابق، فلا تحسبن أنهما متحدتان رويتا باختلاف .

اطلع سلمان على مكانة من أقر بالولاية

الخامس عشر وفيه عن كتاب نوادر المعجزات لبعض قدماء أصحابنا بإسناده إلى الصدوق، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن زكريا، عن أبي المعافا، عن وكيع، عن زاذان، عن سلمان قال: (كنا مع أمير المؤمنين ع ونحن نذكر شيئا من معجزات الأنبياء (عليهم السلام)، فقلت له: يا سيدي أحب أن تريني ناقة ثمود وشيئا من معجزاتك، قال: أفعل، ثم وثب فدخل منزله وخرج إلي، وتحته فرس أدهم، وعليه قباء أبيض، وقلنسوة بيضاء، ونادى: يا قنبر أخرج إلي ذلك الفرس، فأخرج فرسا أغر أدهم، فقال لي: اركب يا أبا عبد الله، قال سلمان: فركبته فإذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه، فصاح به الإمام ع فتحلق في الهواء، وكنت أسمع خفيق أجنحة الملائكة تحت العرش، ثم خطرنا على ساحل بحر عجاج مغطمط الأمواج، فنظر إليه الإمام شزرا، فسكن البحر، فقلت: يا سيدي سكن البحر من غليانه من نظرك إليه، فقال : يا سلمان حسبني أني آمر فيه بأمر، ثم قبض على يدي وسار على وجه الماء والفرسان يتبعاننا لا يقودهما أحد، فوالله ما ابتلت أقدامنا ولا حوافر الخيل، فعبرنا ذلك البحر ووقعنا إلى جزيرة كثيرة الأشجار والأثمار والأطيار والأنهار، وإذا شجرة عظيمة بلا ثمر بل ورد وزهر، فهزها بقضيب كان في يده فانشقت، وخرج منها ناقة طولها ثمانون ذراعا وعرضها أربعون ذراعا خلفها فصيل، فقال لي: ادن منها واشرب من لبنها، فدنوت وشربت حتى رويت، وكان أعذب من الشهد، وألين من الزبد، وقد اكتفيت، قال: هذا حسن، قلت:حسن يا سيدي، قال: تريد أن أريك أحسن منها؟ فقلت: نعم يا سيدي، قال:يا سلمان ناد اخرجي يا حسناء، فناديت فخرجت ناقة طولها مائة وعشرون ذراعا، وعرضها ستون ذراعا من الياقوت الأحمر، وزمامها من الياقوت الأصفر، وجنبها الأيمن من الذهب، وجنبها الأيسر من الفضة، وضرعها من اللؤلؤ الرطب، فقال : يا سلمان اشرب من لبنها، قال سلمان: فالتقمت الضرع فإذا هي تحلب عسلا صافيا محضا، فقلت: يا سيدي هذه لمن؟ قال : هذه لك ولسائر الشيعة من أوليائي، ثم قال لها: ارجعي، فرجعت من الوقت، وسار بي في تلك الجزيرة حتى ورد بي إلى شجرة عظيمة، وفي أصلها مائدة عظيمة عليها طعام تفوح منه رائحة المسك، وإذا بطائر في صورة النسر العظيم، قال: فوثب ذلك الطير، فسلم عليه ورجع إلى موضعه، فقلت: يا سيدي ما هذه المائدة؟ قال: هذه منصوبة في هذا الموضع للشيعة من موالي إلى يوم القيامة، فقلت : ما هذا الطائر؟ فقال : ملك موكل بها، فقلت: وحده يا سيدي؟ فقال: يجتاز به الخضر في كل يوم مرة، ثم قبض على يدي فسار بي إلى بحر ثان فعبرنا، وإذا بجزيرة عظيمة فيها قصر لبنة من الذهب ولبنة من الفضة البيضاء، وشرفه العقيق الأصفر، وعلى كل ركن من القصر سبعون صنفا من الملائكة، فجلس الإمام ع على ذلك الركن، وأقبلت الملائكة تأتي وتسلم عليه، ثم أذن لهم فرجعوا إلى مواضعهم، قال سلمان: ثم دخل ع إلى القصر فإذا فيه أشجار وأنهار وأطيار وألوان النبات، فجعل الإمام ع يمشي فيه حتى وصل إلى آخره، فوقف على بركة كانت في البستان، ثم صعد إلى سطحه، فإذا كراسي من الذهب الأحمر، فجلس عليه وأشرفنا منه فإذا بحر أسود يغطمط بأمواجه كالجبال الراسيات، فنظر إليه شزرا فسكن من غليانه حتى كان كالمذيب فقلت: يا سيدي سكن البحر من غليانه لما نظرت إليه، قال : حسبني أني آمر فيه بأمر، أتدري يا سلمان أي بحر هذا؟ فقلت: لا يا سيدي فقال: هذا البحر الذي غرق فيه فرعون وقومه، إن المدينة حملت على معاقل جناح جبرئيل، ثم رمى بها في هذا البحر فهويت لا تبلغ قراره إلى يوم القيامة، فقلت: يا سيدي هل سرنا فرسخين؟ فقال : يا سلمان لقد سرت خمسين ألف فرسخ، ودرت حول الدنيا عشرين مرة، فقلت: يا سيدي وكيف هذا؟ فقال: يا سلمان إذا كان ذو القرنين طاف شرقها وغربها، وبلغ إلى سد يأجوج ومأجوج، فأنى يتعذر علي وأنا أخو سيد المرسلين وأمين رب العالمين وحجته على خلقه أجمعين، يا سلمان أما قرأت قول الله تعالى حيث قال﴿عالم الغيب فلا يظهر على‏ غيبه أحدا إلا من ارتضى‏ من رسول﴾ فقلت: بلى يا سيدي، فقال : يا سلمان أنا المرتضى من الرسول الذي أظهره على غيبه، أنا العالم الرباني، أنا الذي هون الله علي الشدائد وطوى لي البعيد، قال سلمان: فسمعت صائحا يصيح في السماء، نسمع الصوت ولا نرى الشخص، يقول: صدقت صدقت أنت الصادق المصدق، ثم وثب فركب الفرس وركبت معه وصاح به، فتحلق في الهواء، ثم حضرنا بأرض الكوفة، هذا وما مضى من الليل ثلاث ساعات فقال: يا سلمان الويل ثم الويل على من لا يعرفنا حق معرفتنا، وأنكر ولايتنا، يا سلمان أيما أفضل محمد أم سليمان بن داود؟ قلت: بل محمد ص، فقال: يا سلمان فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين، وعنده علم من الكتاب ، ولا أفعل ذلك وعندي علم مائة ألف كتاب وأربعة وعشرين ألف كتاب أنزل منها على شيث بن آدم خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة، والتوراة والإنجيل والزبور، فقلت: صدقت يا سيدي، قال الإمام ع: اعلم يا سلمان إن الشاك في أمورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا، وقد فرض الله عز وجل ولايتنا في كتابه وبين فيه ما أوجب العمل به وهو غير مكشوف).

تحقيق لطيف حول عدد المرات التي دار فيها سلمان حول الأرض مع الإمام

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب عفا الله عنه: وروى هذا الخبر عن الكتاب المذكور الشيخ عبدالله بن نور الله البحراني في المجلد السابع والعشرين من كتابه العوالم، وهو مجلد السماء والعالم، ورواه أيضا عن الكتاب المذكور -أعني نوادر المعجزات- بعض إخواننا المعاصرين وفقه الله لمراضيه في كتاب له سماه نفس الرحمن في فضائل سلمان، ثم استظهر أن مؤلف النوادر المذكور أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الشيعي كما يظهر من صدر جملة من أسانيده، ثم أورد إشكالا حاصله أنه ع قال: (لقد سرت خمسين ألف فرسخ ودرت حول الدنيا عشرين ألف مرة) كما في نسختي من الكتاب، أو عشرين مرة كما في البحار، أو عشر مرات كما رأيته بخط المحدث الفاضل علم الهدى ابن المولى محسن الكاشاني في كتابه درر البحار، وشيء منها لا ينطبق على مساحة الأرض؛ لأن مقدار محيط الدائرة العظمى من الأرض ثمانية آلاف فرسخ عند القدماء، وستة آلاف وثمانمائة فرسخ عند المتأخرين بناء على اختلافهم في مقدار الدرجة الأرضية، فعلى الأول يكون مقدار المسير على النسخة الأولى مائة وستين ألف ألف فرسخ، وعلى الثانية مائة وستين ألف فرسخ، وعلى الثالثة ثمانين ألف فرسخ، وعلى الثاني، فعلى الأولى مائة ألف وستة وثلاثين ألف ألف فرسخ، وعلى الثانية مائة ألف وستة وثلاثين ألف فرسخ، وعلى الثالثة ثمانية وستين ألف فرسخ، وتلك القواعد مبنية على براهين حسية لا يتطرق إليها الهندسة .

ثم نقل عن بعض أفاضل السادة أنه أجاب عن الإشكال بأنه لا يفهم من هذا الكلام أن جميع العشرين ألف دورة؛ كانت في هذه الخمسين ألف فرسخ بل ربما كان المراد الإخبار بوقوع كل منهما لا وقوعها فيها، ولو سلم فليس ما ذكروه من الضروريات حتى لا يجوز خلافه، وأيضا ربما كانت مسيرة فرسخ في قوة مسيرة عدة فراسخ على أنه لم يخصص المسير بالأرض، بل الحديث دال على أن المسير شامل للأرض وغيرها، لأن تلك الجزائر والقصور وما أعد الله فيها ليست في الأرض، ويؤيده قوله (ودرت حول الدنيا عشرين ألف دورة) ثم قال صاحب الكتاب أيده الله تعالى في دفع الإشكال، وأقول إن الدورة لا تلزم أن تكون على الدائرة العظمى، بل يحتمل أن تكون على بعض الدوائر الصغار الموازية لها، ومقدار مسافة تلك الدوائر يقل شيئا فشيئا، فإن مقدار الدرجة طولا في خط الاستواء سبعة وستون ميلا على رأي القدماء، وفي عرض ينقص أربعة أميال، وفي لام عشرة أميال وفي م ستة عشر ميلا، وفي أنه أحدا وعشرين ميلا، وفي س ينقص بقدر نصفها، وفي ع يبقى ثلثها  فيمكن تطبيق الخبر على ما ذكروه في بعض تلك العروض، انتهى ملخص ما ذكره أدام الله تأييده .

وأنا أقول: إن بعض تلك الأجوبة بناء على الجمود على الظاهر فيه مقنع لدفع الإشكال وبعضها على خلاف المطلوب أدل، وهو قول السيد المذكور أنه لم يخصص المسير بالأرض..إلخ ؛ لأن الإشكال إنما نشأ من كون الخمسين ألف فرسخ، لا نفي لمقدار الدوران حول الدنيا بالعدد المذكور لو خصصنا الدوران بحول الأرض الظاهرة فقط، فكيف بما يزيد عليها فتدبر هذا، ولكن التحقيق بعد ذلك كله أن العوالم المذكورة في هذا الخبر وما في معناه من الأخبار كحديث البساط الكبير وغيره مما ذكر أو سيذكر ليست من عوالم ظاهر الأرض، بل من العوالم الباطنة وهي من ملكوت تلك السماوات والأرضين الظاهرة، ومن المحقق بالبراهين الحكمية أن الباطن أقرب إلى المبدأ من الظاهر، كما أن من المحقق أن كل ما كان أقرب إلى المبدأ كان ألطف وأوسع بالنسبة إلى ما تحته في الرتبة، فربما يكون ما هو تحته رتبة مع ما له من سعة الدائرة بالنسبة إلى سعة فضائه كحلقة ملقاة في فلاة، ومن المعلوم أن فرسخ كل عالم أيضا يكون بحسبه وعليه، فربما يكون فرسخ واحد من فراسخ بعض تلك العوالم الباطنة يساوي مجموع مقدار محيط الدائرة العظمى من هذه الأرض الظاهرة، بل وجميع عالم الدنيا بسماواتها وأراضيها، فكيف بالفراسخ وليست النسبة بين تلك العوالم وبين هذه الأرض الظاهرة نسبة وضعية كنسبة الأجسام بعضها إلى بعض؛ حتى يكون كل فرسخ منها وإن بلغ ما بلغ يحاذي جزء من أجزاء كرة الأرض أو كرة عالم الجسم برمته كما هو حال نسبة درجات الفلك الأعظم وما بعده من الأفلاك إلى درجات كرة الأرض إذا قسمنا كلا من تلك الأكر على ثلاثمائة وستين درجة مثلا، فإن السائر على دائرة الفلك الأعظم إذا قطع درجة واحدة منها ونسبنا سيره ذلك إلى ما لا أزيد، وإنما النسبة بينهما نسبة الروح والجسد، فمكان تلك العوالم روح هذه الأمكنة الجسمانية وامتداداتها الوقتية روح هذه الامتدادات الزمانية، فالآن الواحد منها مستوعب لجميع أجزاء الزمان الذي هو ظرف امتداد الأجسام، وكذا محلها بالنسبة إلى محل الأجسام وهو قوله تعالى ﴿وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون﴾وإن أردت تصور ذلك فانظر في حال نفسك بالنسبة إلى حال جسمك، فإن نفسك تتصور من الدائرة المفروضة على كرة الأرض قطع منها أيضا درجة جميع أجزاء الزمان الماضية والمستقبلة بتصور واحد في لحظة واحدة، ولا يصل جسمك إلى تلك الأجزاء إلا بالتدريج شيئا بعد شيء في مدة متطاولة، وإن هو إلا لكون نفسك جوهرة ملكوتية مجردة عن الحدود الزمانية الجسمانية، فتحيط بأول الزمان وآخره بالتفاتة واحدة، ونظر واحد، بخلاف جسمك فإنه محدود بالحدود الزمانية فلا يقطعها إلا بالتدريج، نعم لو بلغ الجسم في اللطافة بمعونة سحق التأديبات الشرعية إلى حد الكمال الذي هو ممكن فيه شابه الروح وحكى أفعالها فصار حكمه حكم الروح في طي الأزمنة والأمكنة وما أشبه ذلك من الأحكام الروحية هذا في سائر الناس، وأما المعصومون (عليهم السلام) ولا سيما محمد وآله الطاهرون صلى الله عليه وعليهم أجمعين، فهذا حال أجسامهم الشريفة من بدو الأمر بمقتضى بدء شأنهم، ولا تمنع الأعراض الزائلة التي كانوا أخذوها لأنفسهم لأجل تكميل الخلق عن ظهور الآثار الخارقة للعادة من أجسامهم الشريفة لعدم كونهم مقهورين تحت تلك الأعراض كسائر الناس، ألا ترى رأس مولاك الحسين سيد الشهداء روحي له الفداء كيف كان يقرأ القرآن على السنان مع أنه صلوات الله عليه قد كان فارقت روحه جسده الشريف؛ وإن هو إلا لأن جسده الشريف كان بحكم الروح ينطق ويشعر ويعقل ويتحرك حركة إرادية بنفسه من دون معونة من الروح، وكيف لا يكون كذلك وقد خلقت أفئدة الأنبياء من شعاع تلك الأجسام الشريفة بحكم مدلول الأخبار الصحيحة والعقول المستنيرة بنور الله، فإذا تبين عندك حال تلك العوالم ونسبتها إلى هذا العالم الظاهري انحل عندك الإشكال من غير حاجة إلى ما ذكر والحمد لله رب العالمين . ثم إن شيخنا المجلسي  استغرب هذا الخبر بعد نقله وهو غريب؛ لأنه إن كان من جهة وجود عالم بهذا الوصف، فقد ملأ هو نفسه كتابه البحار ولا سيما كتاب (السماء والعالم) منه من ذكر أخبار مأخوذة من كتب وأصول معتبرة تدل على وجود عوالم متعددة، واشتمالها على أمور أغرب مما ذكر في هذا الخبر، وإن كان من جهة سير أمير المؤمنين ع وتسييره لمن معه إلى تلك العوالم، فهل المعجز إلا مثل هذه الأمور، فالمستغرب لذلك يجب أن يستغرب جميع المعجزات في حق أصحاب المعاجز مع أن حديث البساط وأصحاب الكهف مما لا يمكن إنكاره لاستفاضته بين الخاصة والعامة، وأي فرق بينه وبين هذه الواقعة في المؤدى على أن معراج رسول الله ص والتفاصيل الواقعة فيه في مدة يسيرة لا تسع في الظاهر جزء من مائة ألف ألف جزء من معشارها، وأستغفر الله عن التحديد بالقليل لم يترك في أمثال هذه المعجزات لذي مقال مقالا ولا سيما على مذهب الشيعة القائلين بكون الولاية تالي النبوة إلا في خواص معدودة، فلا حاجة إلى التجسم في الاستدلال في كل خبر خبر، والالتفات إلى أمثال هذه الاستغرابات.

الأرض تحدث أمير  المؤمنين ويحادثها

السادس عشر: عن إقبال الأعمال لابن طاووس   أخبرني به الشيخ محمد بن النجار أجازه لي من كتاب تذييله على تاريخ الخطيب، أخبرنا أبو علي ضياء بن أحمد بن أبي علي وأبو حامد عبد الله بن مسلم بن ثابت ويوسف بن الميال بن كامل، قالوا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد البرسي، قال: حدثني حلبي القاضي أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف السامري، حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد الشاهد المعروف بالدلا ل‏، أخبرنا محمد بن أحمد المعروف بالأطروش أخبرنا أبو عمرو سليمان بن أبي معشر الجرابي، أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن أسماء بنت واثلة بن الأسقع، قال: (سمعت أسماء بنت عميس الخثعمية تقول : سيدتي فاطمة ع تقول: ليلة دخل بي علي بن أبي طالب ع أفزعني في فراشي، قلت : و بم أفزعك‏ يا سيدة النساء؟ قالت: سمعت الأرض تحدثه ويحدثها، فأصبحت وأنا فزعة، فأخبرت والدي ص، فسجد سجدة طويلة، ثم رفع رأسه فقال: يا فاطمة أبشري بطيب النسل، فإن الله فضل بعلك على سائر خلقه، وأمر الأرض تحدثه بأخبارها وما يجري على وجهها من شرقها إلى غربها).

أقول: وفي كشف الغمة للأربلي  عن محمد بن محمود بن الحسن النجار المذكور في كتابه عن رجاله، وفي المحتضر بحذف الإسناد مثله.

أمير المؤمنين معلم جبرائيل

 السابع عشر: روضة العارفين للسيد العلامة السيد هاشم بن سليمان التوبلي البحراني ، عن (حياة القلوب) لقطب الدين محمد ابن علي بن عبد الوهاب الأشكوري ، عن كتاب (بستان الكرام):(إن جبرائيل ع كان جالسا عند النبي ص، فدخل علي ع فقام له جبرائيل، فقال النبي ص: أتقوم لهذا الفتى؟ فقال جبرائيل: نعم، إن له علي حق التعليم، فقال: كيف ذلك التعليم يا جبرائيل؟ فقال : خلقني الله فسألني: من أنت؟ وما اسمك؟ ومن أنا؟ وما اسمي؟ فتحيرت في الجواب، ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار وعلمني الجواب فقال: قل أنت الرب الجليل، واسمك الجميل، وأنا العبد الذليل، واسمي جبرائيل، فلهذا قمت وعظمته . فقال ص: كم عمرك يا جبرائيل؟ فقال: نجم يطلع من العرش في كل ثلاثين ألف سنة مرة واحدة، وقد شاهدته طالعا ثلاثين ألف مرة، فقال رسول الله ص: إذا رأيت ذلك النجم تعرفه؟ فقال : كيف لا أعرفه؟ فقال : يا علي خذ العمامة من جبهتك، فلما كشفها رآه في جبهة علي ع).

أقول: وهذا الخبر من مشهورات الأخبار نقله غير واحد من أصحابنا في كتبهم، وإلى هذا الخبر أشار محمد كاظم الأزري البغدادي  في قصيدته الهائية حيث قال :

واسأل الأنبياء تنبئك عنـه

أنه سرهـا الـذي نباهـا

وهو علامة الملائك فاسأل

روح جبرائيل عنه كيف هداها

أمير المؤمنين يطلع سلمان عن خبر الأسد وطاقة الورد

الثامن عشر عن أحسن الكبائر للقشيري قال: (كان أمير المؤمنين ع قاعدا على سطح بيت يأكل الرطب، وهو إذ ذاك ابن سبع وعشرين وسلمان قاعد في صحن الدار يرقع خرقة له، فرماه علي ع بنواة من رطب، فقال سلمان: تمازحني يا علي، وأنا شيخ كبير، وأنت شاب حدث السن، فقال علي ع: يا سلمان حسبت نفسك كبيرا ورأيتني صغيرا، أنسيت دشت أرزن ومن خلصك هناك من الأسد، قال : ولما سمع سلمان ذلك فزع وقال: أخبرني كيف ذلك؟ فقال علي ع: إنك كنت واقفا في وسط الماء تفزع من الأسد، فعند ذلك رفعت يدك بالدعاء وسألت الله عز وجل أن ينجيك منه فاستجيبت دعوتك، وقد كنت أنا إذ ذاك أمر في تلك الصحراء، فأنا ذلك الفارس الذي كان درعه على كتفه والسيف بيده، فجردت السيف وضربت الأسد فقسمته نصفين وخلصتك منه. فقال سلمان: إن لذلك علامة أخرى، قال: فمد أمير المؤمنين ع يده وأخرج من كمه طاقة ورد طري، وقال: هذه هديتك التي أهديتها لذلك الفارس في ذلك المكان، قال: فلما رأى سلمان ذلك ازداد تحيرا، وإذا بهاتف يناديه: يا شيخ امض إلى رسول الله ص واقصص عليه قصتك، قال: فمضى سلمان  إلى رسول الله ص، وجعل يقص عليه قصته، ويقول: يا رسول الله إني قرأت نعتك في الإنجيل، ورسخ حبك في قلبي، وتركت جميع الأديان غير دينك، وكنت أخفي ذلك من أبي، ولما وقف على ذلك مني أراد قتلي لكن منعه عن ذلك إشفاقه على أمي وكان يدبر الحيلة في قتلي، فكان يكلفني الأعمال الصعبة ويأمرني بها، ففررت منه لذلك إلى أن وقعت في بادية أرزنة، فنمت به ساعة وعرض لي احتلام، ولما انتبهت سرت إلى عين هناك ونزعت ثيابي ودخلت الماء لأغتسل من الجنابة، وإذا أنا بأسد قد طلع من ناحية وجاء حتى وقف على ثيابي، ولما رأيت ذلك فزعت منه وجعلت أدعو وأتضرع وأسأل النجاة من الأسد، وإذا أنا بفارس قد طلع فضرب الأسد بسيفه، فقده بنصفين، فخرجت أنا من الماء وانكببت على ركابه أقبله، وكان الفصل فصل الربيع والصحراء مشتملة على الورد والرياحين، فعمدت إلى طاقة ورد وأهديتها له، ولما أخذها مني غاب عني، فلم أر منه بعد ذلك عينا ولا أثرا، وقد جاءت على هذه الواقعة بضع وثلاثمائة سنة ولم أقصصه عند أحد، وقد أخبرني الآن بذلك ابن عمك علي بن أبي طالب ع، فقال رسول الله ص: يا سلمان إنه ليس بعجب من أخي، فإني قد رأيت منه أعجب من ذلك، يا سلمان لما أسري بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى تخلف عني جبرئيل، فعرجت إلى عرش ربي، فبينا يناجيني الله تعالى وأنا أناجيه وإذا أنا بأسد واقف قدامي، فنظرت وإذا هو علي بن أبي طالب، ولما رجعت إلى الأرض دخل علي وسلم علي وهنأني بمواهب ربي وعناياته لي، ثم جعل يخبرني بجميع ما جرى بيني وبين ربي من الكلام، اعلم يا سلمان أنه ما ابتلي أحد من الأنبياء والأولياء منذ عهد آدم إلى الآن ببلاء؛ إلا كان علي ع هو الذي نجاه من ذلك).

تحقيق لطيف في تصرفهم في الوجود

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: إن الضعفاء يستوحشون من أمثال هذا الحديث وما قبله، ولا يكادون يذعنون بها لقصور أفهامهم عن معرفة أسرار أولياء الله مع أنهم مذعنون بحكم تواتر الأخبار من الفريقين بسبق خلق أنوارهم على سائر الخلق بدهور كثيرة، وأنهم هم الذين علموا الملائكة التسبيح والتهليل عند ابتداء خلقهم،  فليت شعري ما المانع لمن خلق قبل الخلق أن يظهر فيما شاء من الزمان لمن شاء سوى توهم أنه إذ ذاك نطفة في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، فكيف يظهر مع ذلك رجلا سويا وهو من أقبح التوهمات عند أصحاب الألباب؛ إذ أدنى ما يقال في الجواب عن ذلك إن الله الذي جعله نطفة في الأصلاب والأرحام بعد أن كان نورا تام الخلقة في عالم الأنوار يسبح الله ويقدسه بألسنة قدسية، أليس بقادر على أن يمثله بشرا سويا حيث يشاء، فما لكم كيف تحكمون . على أنا قد قدمنا الإشارة إلى أن أنوارهم الطاهرة لا تقاس بسائر الناس، فإنها فوق الحدود البشرية تلبسوا بها ليكمل الخلق فلا يمنعهم طور عن طور، وحد عن حد، ومكان عن مكان؛ لكونهم مهيمنين على تلك الحدود فيظهرون بأي حد شاؤوا وفي أي حد شاؤوا، في أي مكان شاؤوا ولا يشغلهم شأن عن شأن . فهم حال كونهم نطفا في الأصلاب والأرحام إن شاؤوا ظهروا في ألف مكان من غير أن تخلوا منهم تلك الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة، لأن تلك الحدود كلها خلقت من فاضل أنوارهم، فلا يجري عليهم ما هم أجروه فلا يكونون مأمورين في أسر قيد واحد بحيث لا يقدرون على فكه؛ لأن جميع القيود ملكهم وبيدهم لأنهم يد الله الذي بيده ملكوت كل شيء، والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء، وبالجملة وجودهم (عليهم السلام) بالنسبة إلى تلك الحدود وجود هيولائي غير مقيد بصورة مخصوصة لا يتعداها إلى غيرها كما هو حال سائر الخلق الواقعين تحت أسر تلك الحدود؛ ولذا كان أمير المؤمنين ع يحضر بعد موته عند جنازته مع كون السرير غير خال عنه أيضا، وما كان ذلك بجسد مثالي على المعنى الذي زعمته طائفة من أهل الظاهر، فافهم وتبصر، ولا تقدر عظمة الله بقدر عقلك فتكون من الهالكين، واعلم أن الكشف عن حقيقة تلك الأسرار بحيث تكون مشرعة لأكثر الخائضين يستدعي تقديم مقدمات وتمهيد كلمات لا يسعها أمثال هذا الكتاب الموضوع لجمع الأخبار، وإنما نشير إلى بعض البيان في بعض المقامات فتحا لباب التفكر لأرباب الاستعداد، وأما الجهال فلا يزيدون بسماع أمثال هذه الكلمات إلا وحشة ونفورا كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، وكأني بهم بعدما سمعوا هذه الكلمات قد شهروا سيف العناد وسلقوني بألسنة حداد، وظلوا يرمون صاحبها بالارتفاع في حق آل الرسول،  وأنا أتمثل في ذلك وأقول :

علي تحت القوافي من مواضعها

وما علي إذا لم يفهم البقر

عمر يتبع أمير المؤمنين ويمكث حيث لحق به أسبوعا

التاسع عشر المحتضر للشيخ الصالح الحسن بن سليمان  قال: وذكر بعض العلماء في كتابه، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (إن أمير المؤمنين ع كان يخرج في كلليلة جمعة إلى ظاهر المدينة ولا يعلم أحد أين يمضي، قال: فبقي على ذلك برهة من الزمان، فلما كان في بعض الليالي، قال عمر بن الخطاب: لا بد من أن أخرج وأبصر أين يمضي علي ابن أبي طالب ع، قال: فقعد له عند باب المدينة حتى خرج ومضى على عادته، فتبعه عمر، وكان كلما وضع علي ع قدمه في موضع وضع عمر رجله مكانها، فما كان إلا قليلا حتى وصل إلى بلدة عظيمة ذات نخل وشجر ومياه غزيرة، ثم إن أمير المؤمنين ع دخل إلى حديقة بها ماء جار فتوضأ ووقف بين النخل يصلي إلى أن مضى من الليل أكثره، وأما عمر فإنه نام فلما قضى أمير المؤمنين ع وطره من الصلاة عاد ورجع إلى المدينة حتى وقف خلف رسول الله ص وصلى معه الفجر، فانتبه عمر فلم يجد أمير المؤمنين ع في موضعه، فلما أصبح رأى موضعا لا يعرفه وقوما لا يعرفهم ولا يعرفونه، فوقف على رجل منهم، فقال له الرجل:من أين أنت؟ ومن أين أتيت؟ فقال عمر: من يثرب مدينة رسول الله ص، فقال الرجل : يا شيخ تأمل أمرك وأبصر[أي شيئ ما تقول؟ فقال : هذا الذي أقوله لك . قال الرجل: متى خرجت من المدينة؟ قال : البارحة. قال له: اسكت، لا يسمع الناس منك هذا فتقتل، أو يقولون هذا مجنون. فقال: الذي أقول حق. فقال: لهالرجل : حدثني كيف حالك ومجيئك إلى هاهنا؟ فقال عمر كان علي بن أبي طالب في كل ليلة جمعة يخرج من المدينة ولا نعلم أين يمضي، فلما كان في هذه الليلة تبعته وقلت أريد أن أبصر أين يمضي، فوصلنا إلى هاهنا، فوقف يصلي ونمت ولا أدري ما صنع . فقال له الرجل: ادخل هذه المدينة وأبصر الناس، واقطع أيامك إلى ليلة الجمعة، فما لك من يحملك إلى موضع الذي جئت منه إلا الرجل الذي جاء بك، فبيننا وبين المدينة أزيد من مسيرة سنتين، فإذا رأينا من يرى المدينة ورأى رسول الله ص نتبرك به ونزوره، وفي الأحيان نرى من أتى بك فنقول أنت قد جئت في بعض ليلة من المدينة، فدخل عمر إلى المدينة فرأى الناس كلهم يلعنون ظالمي أهل بيت محمد ص ويسموهم بأسمائهم واحدا واحدا، وكل صاحب صناعة يقول كذلك وهو على صناعته، فلما سمع عمر ذلك ضاقت عليه الأرض بما رحبت وطالت عليه الأيام حتى جاء ليلة الجمعة، فمضى إلى ذلك المكان فوصل أمير المؤمنين ع إليه كعادته، فكان عمر يترقبه حتى مضى معظم الليل وفرغ من صلاته وهم بالرجوع، فتبعه عمر حتى وصلا الفجر المدينة، فدخل أمير المؤمنين ع المسجد وصلى خلف رسول الله ص وصلى عمر أيضا، ثم التفت النبي ص إلى عمر، فقال: يا عمر أين كنت أسبوعا لا نراك عندنا؟ فقال عمر: يا رسول الله ص كان من شأني.. كذا وكذا، وقص عليه ما جرى له، فقال النبي ص : لا تنس ما شاهدت بنظرك، فلما سأله من سأله عن ذلك، فقال: نفذ في سحر بني هاشم).

جن من قوم إبليس يرتضون بأمير المؤمنين حكما بينهم

العشرون تفسير فرات  قال : حدثني أبو القاسم عبد الله بن محمد بن هاشم الدوري معنعنا عن محمد بن علي عن آبائه ع قال : (هبط جبرئيل ع على النبي ص وهو في بيت أم سلمة، فقال : يا محمد إن ملأ من ملائكة السماء الرابعة يجادلون في شيء حتى كثر بينهم الجدال فيه، وهم من الجن من قوم إبليس الذين قال الله في كتابه ﴿ كان من الجن ففسق عن أمر ربه﴾ فأوحى الله تعالى‏ إلى الملائكة: قد كثر جدالكم، فتراضوا بحكم من الآدميين يحكم بينكم، قالوا: قد رضينا بحكم من أمة محمد ص، فأوحى الله إليهم بمن ترضون من أمة محمد؟ قالوا: قد رضينا بعلي بن أبي طالب ع، فأهبط الله ملكا من ملائكة سماء الدنيا ببساط وأريكتين، فأهبط على النبي ص، فأخبره بالذي جاء فيه، فدعا النبي ص بعلي بن أبي طالب ع وأقعده على البساط ووسده بالأريكتين، ثم تفل في فيه، ثم قال: يا علي ثبت الله قلبك وصير حجتك بين عينيك، ثم عرج به إلى السماء فإذا  نزل‏ قال: يا محمد إن‏ الله يقرؤك السلام ويقول لك ﴿نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم﴾)

ما من ملك في السماء يخطو إلا بإذن أمير المؤمنين

الحادي والعشرون: شرح الجامعة لشيخنا الأمجد العلامة الإحسائي بحذف الإسناد، عن المقداد بن الأسود قال: (قال لي مولاي يوما: إئتني بسيفي، فأتيته به فوضعه على ركبته، ثم ارتفع إلى السماء وأنا أنظر إليه حتى غاب عن عيني، فلما قرب الظهر نزل وسيفه يقطر دما، فقلت: يا مولاي أين كنت؟ فقال: إن نفوسا في الملأ الأعلى اختصمت فصعدت فطهرتها، فقلت: يا مولاي وأمر الملأ الأعلى إليك، فقال: يا ابن الأسود أنا حجة الله على خلقه من سماواته وأرضه، وما في السماء ملك يخطو قدما على قدم إلا بإذني وفي يرتاب المبطلون)هي.

اليهودي يقر بولاية أمير المؤمنين ع بعدما استدل على إرثه

الثاني والعشرون: مدينة المعاجز عن الحافظ البرسي  عن الرضا عن آبائه الطاهرين (عليهم السلام): (أن يهوديا جاء إلى أبي بكر في ولايته، وقال: إن أباه قد مات، وقد خلف كنوزا ولم يذكر أين هي، فإن أظهرتها كان لك ثلثها، وللمسلمين ثلث آخر، ولي ثلث وأدخل في دينك، فقال أبو بكر: لا يعلم الغيب إلا الله، فجاء إلى عمر فقال له مقالة أبي بكر، ثم دله على علي ع فجاء فسأله فقال له: رح إلى بلد اليمن واسأل عن وادي برهوت بحضرموت، فإذا حضرت الوادي فاجلس هناك إلى غروب الشمس فسيأتيك غرابان سود مناقيرهما تنعب، فاهتف باسم أبيك وقل له: يا فلان أنا رسول وصي رسول الله إليك كلمني، فإنه يكلمك، واسأله عن الكنوز فإنه يدلك على أماكنها . فمضى اليهودي إلى اليمن، واستدل على الوادي وقعد هناك، وإذا بالغرابين قد أقبلا فنادى أباه فأجابه، وقال: ويحك ما أقدمك على هذا الموطن وهو من مواطن النار، فقال: قد جئت أسألك عن الكنوز أين هي؟ فقال: في موضع كذا وكذا في حائط كذا، وقال له: ويلك اتبع دين محمد فهو النجاة، ثم انصرف الغرابان ورجع اليهودي فوجد كنزا من ذهب وكنزا من فضة، فأوقر بعيرا وجاء به إلى أمير المؤمنين ع وهو يقول :أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك  وصي رسول الله وأخوه وأمير المؤمنين حقا كما سميت، وهذه الهدية فاصرفها حيث شئت، فأنت وليه في العالمين).

أمير المؤمنين ليلة الهجرة

الثالث والعشرون: تفسير الإمام قال رسول الله ص: (اتقوا الله] عباد الله، واثبتوا على ما أمركم به رسول الله ص من توحيد الله، ومن الإيمان بنبوة محمد رسول الله، ومن الاعتقاد بولاية علي ولي الله، ولا يغرنكم صلاتكم وصيامكم وعبادتكم السالفة، إنها لا تنفعكم إن خالفتم العهد والميثاق فمن وفى وفي له، وتفضل بالإفضال عليه، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، والله ولي الانتقام منه، وإنما الأعمال بخواتيمها) هذه وصية رسول الله ص لكل أصحابه، وبها أوصى حين صار إلى الغار فإن الله تعالى أوحى إليه: يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، ويقول  لك :إن أبا جهل والملأ من قريش قد دبروا يريدون قتلك، وآمرك أن تبيت عليا في موضعك، وقال لك : إن منزلته منزلة إسماعيل الذبيح من إبراهيم الخليل يجعل نفسه لنفسك فداء، وروحه لروحك وقاء، وآمرك أن تستصحب أبا بكر، فإنه إن آنسك وساعدك ووازرك وثبت على ما يعاهدك ويعاقدك، كان في الجنة من رفقائك، وفي غرفاتها من خلصائك، فقال رسول الله ص لعلي ع: أرضيت أن أطلب فلا أوجد وتوجد، فلعله أن يبادر إليك الجهال ليقتلوك، قال : بلى يا رسول الله رضيت أن تكون روحي ونفسي فداء لأخ لك أو قريب أو لبعض الحيوانات تمتهنها، وهل أحب الحياة إلا لخدمتك، والتصرف بين أمرك ونهيك، ولمحبة أوليائك، ونصرة أصفيائك، ومجاهدة أعدائك لولا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة، فأقبل رسول الله ص على علي ع وقال له: يا أبا حسن قد قرأ علي كلامك هذا الموكلون باللوح المحفوظ، وقرءوا علي ما أعد الله لك من ثوابه في دار القرار ما لم يسمع بمثله السامعون، ولا رأى مثله الراءون، ولا خطر مثله ببال المتفكرين، ثم قال رسول الله ص  لأبي بكر: أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعيه، فتحمل عني أنواع العذاب، قال أبو بكر: يا رسول الله أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل علي موت مريح، ولا فرج متيح  وكان في ذلك محبتك؛ لكان ذلك أحب إلي من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع ممالك ملوكها في مخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلا فداؤك، فقال رسول الله ص: لا جرم أن اطلع الله على قلبك ووجد ما فيه موافقا لما جرى على لسانك، جعلك مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد، وبمنزلة الروح من البدن، كعلي الذي هو مني كذلك، وعلي فوق ذلك لزيادة فضائله وشريف خصاله، يا أبا بكر إن من عاهد الله ثم لم ينكث ولم يغير، ولم يبدل ولم يحسد من قد أبانه الله بالتفضيل فهو معنا في الرفيق الأعلى، وإذا أنت مضيت على طريقة يحبها منك ربك، ولم تتبعها بما يسخطه، ووافيته بها إذا بعثك بين يديه، كنت لولاية الله مستحقا، ولمرافقتنا في تلك الجنان مستوجبا، انظريا أبا بكر فنظر في آفاق السماء، فرأى أملاكا من نار على أفراس من نار، بأيديهم رماح من نار، كل ينادي يا محمد مرنا بأمرك في مخالفيك نطحطحهم، ثم قال: تسمع على الأرض، فتسمع فإذا هي تنادي: يا محمد مرني بأمرك في أعدائك أمتثل أمرك، ثم قال تسمع على الجبال، فتسمعها تنادي: يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نهلكهم، ثم قال تسمع على البحار، فأحضرت البحار بحضرته، وصاحت أمواجها تنادي: يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نمتثله، ثم سمع السماء والأرض والجبال والبحار كل يقول: يا محمد ما أمرك ربك بدخول الغار لعجزك عن الكفار، ولكن امتحانا وابتلاء ليتخلص الخبيث من الطيب من عباده وإمائه بأناتك وصبرك وحلمك عنهم، يا محمد من وفى بعهدك فهو من رفقائك في الجنان، ومن نكث فعلى نفسه ينكث وهو من قرناء إبليس اللعين في طبقات النيران، ثم قال رسول الله ص لعلي ع : يا علي أنت مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد، والروح من البدن، حببت إلي كالماء البارد إلى ذي الغلة الصادي، ثم قال له يا أبا حسن تغش ببردتي، فإذا أتاك الكافرون يخاطبونك، فإن الله يقرن بك توفيقه، وبه تجيبهم . فلما جاء أبو جهل، والقوم شاهرون سيوفهم، قال لهم أبو جهل: لا تقعوا به وهو نائم لا يشعر، ولكن ارموه بالأحجار لينتبه بها، ثم اقتلوه. فرموه بأحجار ثقال صائبة . فكشف عن رأسه، قال: ماذا شأنكم؟ وعرفوه، فإذا هو علي ع، فقال لهم أبو جهل : أما ترون محمدا كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به وينجو محمد ؟ لا تشتغلوا بعلي المخدوع لينجو بهلاكه محمد، وإلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربه يمنع عنه كما يزعم، فقال علي ع : أَلي تقول هذا يا أبا جهل؟ بل الله تعالى قد أعطاني من العقل ما لو قسم على جميع حمقاء الدنيا ومجانينها لصاروا به عقلاء، ومن القوة ما لو قسم على جميع ضعفاء الدنيا لصاروا به أقوياء، ومن الشجاعة ما لو قسم على جميع جبناء الدنيا لصاروا به‏ شجعانا، ومن الحلم ما لو قسم على جميع سفهاء الدنيا لصاروا به حلماء ، ولولا أن رسول الله ص أمرني أن لا أحدث حدثا حتى ألقاه لكان لي ولكم شأن، ولأقتلنكم قتلا، ويلك يا أبا جهل إن محمدا ص قد استأذنه في طريقه السماء والأرض والبحار والجبال في إهلاككم فأبى إلا أن يرفق بكم، ويداريكم ليؤمن من في علم الله أنه يؤمن منكم، ويخرج مؤمنون من أصلاب وأرحام كافرين وكافرات أحب الله تعالى أن لا يقطعهم عن كرامته باصطلامهم، ولولا ذلك لأهلككم ربكم، إن الله هو الغني وأنتم الفقراء، لا يدعوكم إلى طاعته وأنتم مضطرون، بل مكنكم مما كلفكم فقطع معاذيركم، فغضب أبو البختري بن هشام فقصده بسيفه، فرأى الجبال قد أقبلت لتقع عليه والأرض قد انشقت لتخسف به، ورأى أمواج البحار نحوه مقبلة لتغرقه في البحر، ورأى السماء انحطت لتقع عليه، فسقط سيفه وخر مغشيا عليه واحتمل، ويقول أبو جهل: دير به لصفراء هاجت به، يريد أن يلبس على من معه أمره. فلما التقى رسول الله ص مع علي ع قال : يا علي إن الله رفع صوتك في مخاطبتك أبا جهل إلى العلو، وبلغه إلى  الجنان، فقال: من فيها من الخزان والحور الحسان من هذا المتعصب لمحمد إذ قد كذبوه وهجروه قيل لهم: هذا النائب عنه، والبائت على فراشه يجعل نفسه لنفسه وقاء، وروحه لروحه فداء . فقال الخزان والحور الحسان : يا ربنا فاجعلنا خزانه . وقالت الحور : فاجعلنا نساءه، فقال الله تعالى : أنتم له، ولمن يختاره هو من أوليائه ومحبيه يقسمكم عليهم بأمر الله على من هو أعلم به من الصلاح، أرضيتم قالوا بلى ربنا وسيدنا).

الفرق الثلاثة ترى حجج الله وأبو جهل يكفر بها

الرابع والعشرون: وفيه إنه قيل لأمير المؤمنين ع : ( يا أمير المؤمنين هل كان لمحمد ص آية مثل آية موسى في رفعه الجبل فوق رءوس الممتنعين عن قبول ما أمروا به ؟ فهل كان لمحمد آية مثلها  ؟ فقال أمير المؤمنين ع : إي والذي بعثه بالحق نبيا، ما من آية كانت لأحد من الأنبياء من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمد ص، إلا وقد كان لمحمد مثلها وأفضل منها، ولقد كان لرسول الله ص نظير هذه الآية إلى آيات أخر ظهرت له، وذلك أن رسول الله ص لما أظهر بمكة دعوته، وأبان عن الله عز وجل مراده رمته العرب عن قسي عداوتها بضروب إمكانهم، ولقد قصدته يوما لأني كنت أول الناس إسلاما، بعث يوم الاثنين، وصليت معه يوم الثلاثاء، وبقيت معه أصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الإسلام وأيد الله تعالى دينه من بعد، فجاءه قوم من المشركين فقالوا له: يا محمد تزعم أنك رسول رب العالمين، ثم إنك لا ترضى بذلك حتى تزعم أنك سيدهم وأفضلهم، ولئن كنت نبيا فأتنا بآية كما تذكره عن الأنبياء قبلك مثال نوح الذي جاء بالغرق، ونجا في سفينته [مع] المؤمنين، وإبراهيم الذي ذكرت أن النار جعلت عليه بردا وسلاما، وموسى الذي زعمت أن الجبل رفع فوق رءوس أصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين، وعيسى الذي كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وصار هؤلاء المشركون فرقا أربعة هذه تقول أظهر لنا  آية نوح ع، وهذه تقول أظهر لنا آية موسى ع، وهذه تقول أظهر لنا آية إبراهيم ع، وهذه تقول أظهر لنا آية عيسى ع، فقال رسول الله ص إنما أنا نذير مبين، أتيتكم بآية مبينة هذا القرآن الذي تعجزون أنتم والأمم وسائر العرب عن معارضته، وهو بلغتكم فهو حجة الله وحجة بينة عليكم وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربي، فما على الرسول إلا ﴿البلاغ المبين﴾ إلى المقرين بحجة صدقه، وآية حقه، وليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون، فجاء جبرئيل ع فقال: يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، ويقول إني سأظهر لهم هذه الآيات، وإنهم يكفرون بها إلا من أعصمه منهم، ولكني أريهم زيادة في الإعذار والإيضاح لحججك، فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح امضوا إلى جبل أبي قبيس، فإذا بلغتم سفحه فسترون آية نوح، فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان بين يديه، وقل للفريق [الثاني]‏ المقترحين لآية إبراهيم ع امضوا إلى حيث تريدون من ظاهر مكة، فسترون آية إبراهيم في النار، فإذا غشيكم البلاء فسترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة، وترد عنكم النار، وقل للفريق الثالث [و]المقترحين لآية موسى، امضوا إلى ظل الكعبة، فأنتم سترون آية موسى ع، وسينجيكم هناك عمي حمزة، وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبو جهل وأنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك أخبار هؤلاء الفرق الثلاثة، فإن الآية التي اقترحتها أنت تكون بحضرتي، فقال أبو جهل للفرق الثلاثة: قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد فذهبت الفرقة الأولى إلى جبل أبي قبيس، فلما صاروا في الأرض] إلى جانب الجبل نبع الماء من تحتهم، ونزل من السماء من فوقهم من غير غمامة ولا سحاب، وكثر حتى بلغ أفواههم فألجمها، وألجأهم إلى صعود الجبل إذ لم يجدوا ملجأ سواه، فجعلوا يصعدون الجبل والماء يعلو من تحتهم إلى أن بلغوا ذروته وارتفع الماء حتى ألجمهم وهم على قلة الجبل، وأيقنوا بالغرق إذ لم يكن لهم مفر، فرأوا عليا ع واقفا على متن الماء فوق قلة الجبل، وعن يمينه طفل وعن يساره طفل، فناداهم علي ع خذوا بيدي أنجيكم، أو بيد من شئتم من هذين الطفلين، فلم يجدوا بدا من ذلك فبعضهم أخذ بيد علي ع، وبعضهم أخذ بيد أحد الطفلين، وبعضهم أخذ بيد الطفل الآخر، وجعلوا ينزلون بهم من الجبل والماء ينزل وينحط من بين أيديهم حتى أوصلوهم إلى القرار، والماء يدخل بعضه في الأرض، ويرتفع بعضه إلى السماء حتى عادوا كهيئتهم إلى قرار الأرض، فجاء علي ع بهم‏ إلى رسول الله ص وهم يبكون ويقولون: نشهد أنك سيد المرسلين، وخير الخلق أجمعين، رأينا مثل طوفان نوح وخلصنا هذا وطفلان كانا معه لسنا نراهما الآن، فقال رسول الله ص : أما إنهما سيكونان هما الحسن والحسين سيولدان لأخي هذا، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما، اعلموا أن الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها خلق كثير، وأن سفينة نجاتها آل محمد علي هذا وولداه اللذان رأيتموهما سيكونان وسائر أفاضل أهلي فمن ركب هذه السفينة نجا، ومن تخلف عنها غرق، ثم قال رسول الله ص: وكذلك الآخرة حميمها ونارها كالبحر، وهؤلاء سفن أمتي يعبرون بمحبيهم وأوليائهم إلى الجنة، ثم قال رسول الله ص: أما سمعت  هذا يا أبا جهل؟ قال : بلى حتى أنظر إلى‏ الفرقة الثانية والثالثة، وجاءت الفرقة الثانية يبكون ويقولون: نشهد أنك رسول رب العالمين، وسيد الخلق أجمعين، مضينا إلى صحراء ملساء، ونحن نتذاكر بيننا قولك، فنظرنا إلى السماء قد تشققت بجمر النيران تتناثر عنها، ورأينا الأرض قد تصدعت ولهب النيران يخرج منها، فما زالت كذلك حتى طبقت الأرض وملأتها، ومسنا من شدة حرها حتى سمعنا لجلودنا نشيشا من شدة حرها، وأيقنا بالاشتواء والاحتراق وعجبنا بتأخر رؤيتنا بتلك النيران، فبينا نحن كذلك إذ رفع لنا في الهواء شخص امرأة قد أرخت خمارها، فتدلى طرفه إلينا بحيث تناله أيدينا، وإذا مناد من السماء ينادينا : إن أردتم النجاة فتمسكوا ببعض أهداب هذا الخمار، فتعلق كل واحد منا بهدبة من أهداب ذلك الخمار، فرفعنا في الهواء ونحن نشق جمر النيران ولهبها لا يمسنا شررها ولا يؤذينا حرها ولا نثقل على الهدبة التي تعلقنا بها، ولا تنقطع الأهداب في أيدينا على دقتها، فما زالت كذلك حتى جازت بنا تلك النيران، ثم وضع كل واحد منا في صحن داره سالما معافى، ثم خرجنا فالتقينا، فجئناك عالمين بأنه لا محيص عن دينك، ولا معدل عنك، وأنت أفضل من لجأ إليه، واعتمد بعد الله عليه، صادق في أقوالك حكيم في أفعالك . فقال رسول الله ص لأبي جهل: هذه الفرقة الثانية قد أراهم الله آية إبراهيم، قال أبو جهل: حتى أنظر إلى الفرقة الثالثة وأسمع مقالتها، قال رسول الله ص  لهذه الفرقة الثانية لما آمنوا: يا عباد الله إن الله أغاثكم بتلك المرأة، أتدرون من هي؟ قالوا: لا، قال: تلك تكون ابنتي فاطمة، وهي سيدة النساء ، إن الله تعالى إذا بعث الخلائق من الأولين والآخرين نادى منادي ربنا من تحت عرشه: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين على الصراط، فيغض الخلائق كلهم أبصارهم، فتجوز فاطمة على الصراط لا يبقى أحد في القيامة إلا غض بصره عنها إلا محمد وعلي والحسن والحسين والطاهرون من أولادهم فإنهم محارمها، فإذا دخلت الجنة بقي مرطها ممدودا على الصراط، طرف منه بيدها وهي في الجنة، وطرف في عرصات القيامة، فينادي منادي ربنا: يا أيها المحبون لفاطمة تعلقوا بأهداب مرط فاطمة سيدة نساء العالمين، فلا يبقى محب لفاطمة إلا تعلق بهدبة من أهداب مرطها، حتى يتعلق بها أكثر من ألف فئام وألف فئام و ألف فئام‏، قالوا : وكم فئام واحد يا رسول الله؟ قال: ألف ألف من الناس، قال : ثم جاءت الفرقة الثالثة باكين يقولون : نشهد يا محمد أنك رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين، وأن عليا أفضل الوصيين، وأن آلك أفضل آل النبيين، وصحابتك خير صحابة المرسلين، وأن أمتك خير الأمم أجمعين، رأينا من آياتك ما لا محيص لنا عنها، ومن معجزاتك ما لا مذهب لنا سواها. قال رسول الله ص: وما الذي رأيتم؟ قالوا : كنا قعودا في ظل الكعبة نتذاكر أمرك، ونهزأ بخبرك، وأنك ذكرت أن لك مثل آية موسى، فبينا نحن كذلك إذ ارتفعت الكعبة عن موضعها، وصارت فوق رؤوسنا فركدنا في مواضعنا ولم نقدر أن نريمها، فجاء عمك حمزة وقام بزج رمحه هكذا تحتها، فتناولها واحتبسها على عظمها فوقنا في الهواء، ثم قال لنا : اخرجوا. فخرجنا من تحتها، فقال: ابعدوا. فبعدنا عنها، ثم أخرج سنان الرمح من تحتها، فنزلت إلى موضعها واستقرت، فجئناك بذلك مسلمين. فقال رسول الله ص  لأبي جهل: هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك وأخبرتك بما شاهدت، فقال أبو جهل : لا أدري أصدق هؤلاء أم كذبوا؟ أم حقق لهم، أم خيل إليهم، فإن رأيت ما أنا أقترحه عليك من نحو آيات عيسى ابن مريم فقد لزمني الإيمان بك وإلا فليس يلزمني تصديق هؤلاء . فقال رسول الله ص:يا أبا جهل فإن كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم وشدة تحصيلهم، فكيف تصدق بمآثر آبائك وأجدادك، ومساوئ أسلاف أعدائك، وكيف تصدق عن الصين والعراق والشام إذا حدثت عنها، هل المخبرون عنها إلا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات مع سائر من شاهدها منهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يخرصونه إلا كان بإزائهم من يكذبهم ويخبر بضد أخبارهم؛ ألا وكل فرقة من هؤلاء محجوجون بما شاهدوا، وأنت يا أبا جهل محجوج بما سمعت ممن شاهد، ثم أقبل رسول الله ص على الفرقة الثالثة فقال لهم: هذا حمزة عم رسول الله ص، بلغه الله تعالى المنازل الرفيعة والدرجات العالية، وأكرمه بالفضائل لشدة حبه لمحمد وعلي بن أبي طالب ع، أما إن حمزة عم محمد لينحي جهنم يوم القيامة]عن محبيه كما نحى عنكم اليوم الكعبة أن تقع عليكم، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله ص : إنه ليرى يوم القيامة إلى جانب الصراط جم كثير من الناس لا يعرف عددهم إلا الله تعالى، هم كانوا محبي حمزة، وكثير منهم أصحاب الذنوب والآثام، فتحول حيطان بينهم وبين سلوك الصراط والعبور إلى الجنة، فيقولون يا حمزة : قد ترى ما نحن فيه، فيقول حمزة لرسول الله ولعلي بن أبي طالب (عليهم السلام) : قد تريان أوليائي كيف يستغيثون بي، فيقول محمد رسول الله ص لعلي ولي الله : يا علي أعن عمك على إغاثة أوليائه واستنقاذهم من النار. فيأتي علي بن أبي طالب ع بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله تعالى في الدنيا، فيناوله إياه ويقول : يا عم رسول الله وعم أخي رسول الله ذد الجحيم عن أوليائك برمحك هذا كما كنت تذود به عن أولياء الله في الدنيا أعداء الله. فيتناول حمزة الرمح بيده، فيضع زجه في حيطان النار الحائلة بين أوليائه وبين العبور إلى الجنة على الصراط، ويدفعها دفعة فينحيها مسيرة خمسمائة عام، ثم يقول: لأوليائه والمحبين الذي كانوا له في الدنيا اعبروا، فيعبرون على الصراط آمنين سالمين، قد انزاحت عنهم النيران وبعدت عنهم الأهوال، ويردونإلى الجنة غانمين ظافرين، ثم قال رسول الله ص لأبي جهل: يا أبا جهل هذه الفرقة الثالثة قد شاهدت آيات الله ومعجزات رسول الله وبقي الذي لك، فأي آية تريد؟ قال أبو جهل: آية عيسى ابن مريم كما زعمت أنه كان يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فأخبرني بما أكلت اليوم، وما ادخرته في بيتي، وزدني على ذلك بأن تحدثني بما صنعته بعد أكلي لما أكلت، كما زعمت أن الله زادك في المرتبة فوق عيسى، فقال رسول الله ص: أما ما أكلت وما ادخرت فأخبرك به، وأخبرك بما فعلته في خلال أكلك، وما فعلته بعد أكلك، وهذا يوم يفضحك الله عز وجل فيه لاقتراحك، فإن آمنت بالله لم تضرك هذه الفضيحة، وإن أصررت على كفرك أضيف لك إلى فضيحة الدنيا وخزيها خزي الآخرة الذي لا يبيد ولا ينفد ولا يتناهى، قال :وما هو؟ قال رسول الله ص : قعدت يا أبا جهل تتناول من دجاجة مسمنة استطبتها، فلما وضعت يدك عليها استأذن عليك أخوك أبو البختري بن هشام، فأشفقت عليه أن يأكل منها وبخلت، فوضعتها تحت ذيلك، وأرخيت عليها ذيلك حتى انصرف عنك، فقال أبو جهل : كذبت يا محمد، ما من هذا قليل ولا كثير، ولا أكلت من دجاجة ولا ادخرت منها شيئا، فما الذي فعلته بعد أكلي الذي زعمت  قال رسول الله ص : كان عندك ثلاثمائة دينار لك، وعشرة آلاف دينار ودائع الناس عندك المائة، والمائتان والخمسمائة، والسبعمائة، والألف، ونحو ذلك إلى تمام عشرة آلاف، مال كل واحد في صرة، وكنت قد عزمت على أن تختانهم وقد كنت جحدتهم ومنعتهم، واليوم لما أكلت من هذه الدجاجة أكلت زورها  وادخرت الباقي، ودفنت هذا المال أجمع مسرورا فرحا باختيانك عباد الله، وواثقا بأنه قد حصل لك، وتدبير الله في ذلك خلاف تدبيرك، فقال أبو جهل : وهذا أيضا يا محمد، فما أصبت منه قليلا ولا كثيرا، ما دفنت شيئا، ولقد سرقت تلك العشرة آلاف [دينار الودائع التي كانت عندي، فقال رسول الله ص : يا أبا جهل ما هذا من تلقائي فتكذبني، وإنما هذا جبرئيل الروح الأمين يخبرني به عن رب العالمين، وعليه تصحيح شهادته وتحقيق مقالته، ثم قال رسول الله ص :هلم يا جبرئيل بالدجاجة التي أكل منها. فإذا بالدجاجة بين يدي رسول الله ص. فقال رسول الله ص : أتعرفها يا أبا جهل؟ فقال أبو جهل : ما أعرفها وما أخبرت عن شيء، ومثل هذه الدجاجة المأكول بعضها في الدنيا كثير. فقال رسول الله ص : يا أيتها الدجاجة إن أبا جهل قد كذب محمدا على جبرئيل، وكذب جبرئيل على رب العالمين، فاشهدي لمحمد بالتصديق، وعلى أبي جهل بالتكذيب، فنطقت وقالت: أشهد يا محمدأنك رسول الله وسيد الخلق أجمعين، وأن أبا جهل هذا عدو الله المعاند الجاحد للحق الذي يعلمه، أكل مني هذا الجانب، وادخر الباقي وقد أخبرته بذلك، وأحضرتنيه فكذب به، فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين فإنه مع كفره بخيل، استأذن عليه أخوه فوضعني تحت ذيله إشفاقا من أن يصيب مني أخوه، فأنت يا رسول الله أصدق الصادقين من الخلق أجمعين، وأبو جهل الكاذب المفتري اللعين، فقال رسول الله ص: أما كفاك ما شاهدت، آمن لتكون آمنا من عذاب الله عز وجل . قال أبو جهل: إني لأظن أن هذا تخييل وإيهام. فقال رسول الله ص : فهل تفرق بين مشاهدتك لهذا وسماعك لكلامها، وبين مشاهدتك لنفسك ولسائر قريش والعرب وسماعك لكلامهم، قال أبو جهل : لا. قال رسول الله ص: فما يدريك أن جميع ما تشاهد وتحس بحواسك تخييل، قال أبو جهل: ما هو تخييل . قال رسول الله ص: ولا هذا بتخييل، وإلا فكيف تصحح إنك ترى في العالم شيئا أوثق منه؟‏ ثم وضع رسول الله ص يده على الموضع المأكول من الدجاجة، فمسح يده عليها، فعاد اللحم عليه أوفر ما كان . ثم قال رسول الله ص: يا أبا جهل أرأيت هذه الآية؟ قال: يا محمد قد توهمت شيئا، ولا أوقنه، قال رسول الله ص :يا جبرئيل فأتنا بالأموال التي دفنها هذا المعاند للحق لعله يؤمن. فإذا هو بالصرر بين يديه كلها ما كان رسول الله ص قاله إلى تمام عشرة آلاف وثلاثمائة دينار، فأخذ رسول الله ص وأبو جهل ينظر إليه صرة منها، فقال: ائتوني بفلان بن فلان. فأتي به وهو صاحبها فقال ص :هاكها يا فلان هذاما قد اختانك فيه أبو جهل. فرد عليه ماله، ودعا بآخر، ثم بآخر حتى رد العشرة آلاف كلها على أربابها، وفضح عندهم أبو جهل، وبقيت الثلاثمائة الدينار بين يدي رسول الله ص. فقال رسول الله: الآن آمن لتأخذ الثلاثمائة دينار، ويبارك الله لك فيها حتى تصير أيسر قريش. فقال: لا أومن، ولكن آخذها وهي مالي، فلما ذهب ليأخذها صاح النبي ص بالدجاجة: دونك أبا جهل، فكفيه عن الدنانير، وخذيه. فوثبت الدجاجة على أبي جهل، فتناولته بمخالبها ورفعته في الهواء، وطارت به إلى سطح بيته فوضعته عليه، ودفع رسول الله ص تلك الدنانير إلى بعض فقراء المؤمنين، ثم نظر رسول الله ص إلى أصحابه فقال لهم: معاشر أصحاب محمد هذه آية أظهرها ربنا عز وجل لأبي جهل، فعاند، وهذا الطير الذي حيي يصير من طيور الجنة الطيارة عليكم فيها، فإن فيها طيورا كالبخاتي عليها من جميع‏ أنواع المواشي تطير بين سماء الجنة وأرضها، فإذا تمنى مؤمن محب للنبي وآله الأكل من شيء منها، وقع ذلك بعينه بين يديه، فتناثر ريشه وانسمط وانشوى وانطبخ، فأكل من جانب منه قديدا ومن جانب منه مشويا بلا نار، فإذا قضى شهوته ونهمته وقال الحمد لله رب العالمين، عادت [كانت كما كانت، فطارت في الهواء، وفخرت على سائر طيور الجنة، تقول:«من مثلي وقد أكل مني ولي الله عن أمر الله).انتهى موضع الحاجة من الحديث الشريف.

الحجارة التي رماها أبو لهب خلف النبي ووصيه  تنطق

الخامس والعشرون: وفيه (إن رسول الله ص كان يمشي بمكة، وأخوه علي ع يمشي معه، وعمه أبو لهب خلفه يرمي عقبه بالأحجار، وقد أدماه ينادي: معاشر قريش هذا ساحر كذاب فافقدوه واهجروه واجتنبوه، وحرش عليه أوباش قريش، فتبعوهما يرمونهما بالأحجار فما منها حجر أصابه إلا أصاب عليا ع، فقال بعضهم : يا علي ألست المتعصب لمحمد ص والمقاتل عنه، والشجاع الذي لا نظير لك مع حداثة سنك، وأنك لم تشاهد الحروب، ما بالك لا تنصر محمدا ولا تدفع عنه، فناداهم علي ع : معاشر أوباش قريش لا أطيع محمدا بمعصيتي له، لو أمرني لرأيتم العجب، وما زالوا يتبعونه حتى خرج من مكة فأقبلت الأحجار على حالها تتدحرج، فقالوا : الآن تشدخ هذه الأحجار محمدا وعليا ونتخلص منهما، وتنحت قريش عنه خوفا على أنفسهم من تلك الأحجار، فرأوا تلك الأحجار قد أقبلت على محمد وعلي (عليهم السلام)، كل حجر منها ينادي: السلام عليك يا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، السلام عليك يا علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، السلام عليك يا رسول رب العالمين، وخير الخلق أجمعين، السلام عليك يا سيد الوصيين ويا خليفة رسول رب العالمين، وسمعها جماعات قريش فوجموا فقال عشرة من مردتهم وعتاتهم: ما هذه الأحجار تكلمهما ؟ ولكنهم رجال في حفرة بحضرة الأحجار، قد خبأهم محمد تحت الأرض فهي تكلمهما ليغرنا ويخدعنا فأقبلت عند ذلك أحجار عشرة من تلك الصخور، وتحلقت وارتفعت فوق العشرة المتكلمين بهذا الكلام، فما زالت تقع بهاماتهم وترتفع وترضضها حتى ما بقي من العشرة أحد إلا سال دماغه ودماؤه من منخريه، وقد تخلخل رأسه وهامته ويافوخه، فجاء أهلوهم وعشائرهم يبكون ويضجون، يقولون: أشد من مصابنا بهؤلاء تبجح محمد وتبذخه بأنهم قتلوا بهذه الأحجار آية له ودلالة ومعجزة، فأنطق الله عز وجل جنائزهم فقالت:‏ صدق محمد وما كذب، وكذبتم وما صدقتم، واضطربت الجنائز، ورمت من عليها، وسقطوا على الأرض ونادت ما كنا لننقاد ليحمل علينا أعداء الله إلى عذاب الله. فقال أبو جهل لعنه الله: إنما سحر محمد هذه الجنائز كما سحر تلك الأحجار والجلاميد والصخور، حتى وجد منها من النطق ما وجد، فإن كانت قتل هذه الأحجار هؤلاء لمحمد آية له وتصديقا لقوله، وتبيينا  لأمره، فقولوا له: يسأل من خلقهم أن يحييهم. فقال رسول الله ص : يا أبا الحسن قد سمعت اقتراح الجاهلين، وهؤلاء عشرة قتلى، كم جرحت بهذه الأحجار التي رمانا بها القوم يا علي؟ قال علي ع : جرحت أربع جراحات، وقال رسول الله ص : قد جرحت أنا ست جراحات، فليسأل كل واحد منا ربه أن يحيي من العشرة بقدر جراحاته، فدعا رسول الله ص لستة منهم فنشروا، ودعا علي ع لأربعة منهم فنشروا، ثم نادى المحيون: معاشر المسلمين إن لمحمد وعلي شأنا عظيما في الممالك التي كنا فيها، لقد رأينا لمحمد ص مثالا على سرير عند البيت المعمور، وعند العرش، ولعلي ع مثالا عند البيت المعمور وعند الكرسي، وأملاك السماوات والحجب وأملاك العرش يحفون بهما ويعظمونهما ويصلون عليهما، ويصدرون عن أوامرهما، ويقسمون على الله عز وجل لحوائجهم إذا سألوه بهما، فآمن منهم سبعة نفر، وغلب الشقاء على الآخرين).

قوة أمير المؤمنين علي في ساحة المعركة

 السادس والعشرون: عن أنيس السمراء وكتاب المجلي للشيخ محمد بن الحسن بن علي بن أبي جمهور الإحسائي ، كلاهما عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال :( شهدت البصرة مع أمير المؤمنين ع والقوم قد جمعوا مع المرأة سبعين ألفا، فما رأيت منهم منهزما إلا وهو يقول: هزمني علي، ولا مجروحا إلا ويقول: جرحني علي، ولا من يجود بنفسه إلا وهو يقول: قتلني علي، ولا كنت في الميمنة إلا وسمعت صوت علي، ولا في الميسرة إلا وسمعت صوت علي، ولا في القلب إلا وسمعت صوت علي ع. ولقد مررت بطلحة وهو يجود بنفسه وفي صدره نبلة، فقلت له: من رماك بهذه النبلة ؟ فقال : علي بن أبي طالب، فقلت : يا حزب بلقيس ويا جند إبليس إن عليا لم يرم بالنبل وما بيده إلا سيفه. فقال: يا جابر أما تنظر إليه كيف يصعد في الهواء تارة، وينزل إلى الأرض أخرى، ويأتي من قبل المشرق مرة، ومن قبل المغرب أخرى، وجعل المغارب والمشارق بين يديه شيئا واحدا فلا يمر بفارس إلا طعنه ولا يلقى أحدا إلا قتله أو ضربه أو كبه لوجهه أو قال له: مت يا عدو الله فيموت فلا يفلت منه أحد، فتعجبت مما قال ولا عجب من أسرار أمير المؤمنين وغرائب فضائله وباهر معجزاته).

أقول : ويواطي هذا الخبر ويصدقه ما رواه ابن شهر آشوب في مناقبه، عن المفيد في العيون والمحاسن في حديث بدر، عن الصادق ع أنه قال: (لقد كان يسأل الجريح من المشركين فيقال له : من جرحك، فيقول : علي بن أبي طالب ع، فإذا قالها مات).

تحقيق لطيف في معنى الولاية الكلية

ونقول: وبالله التوفيق إن من عرف معنى الولاية الكلية الإلهية الكلية الكبرى والبرزخية العظمى، أعني محمدا وآله الذين أقامهم الله في سائر عالمه في الأداء مقامه، إذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار، ولا تمثله غوامض الظنون في الأسرار، لا إله إلا هو الملك الجبار؛ عرف أنه لا تتحرك ذرة في السماوات ولا في الأرض إلا بتحريكه وتصرفه وأن بيده ملكوت كل شيء، وهو الخيط القيومي الذي به قام كل شيء قيام تحقق بل وقيام صدور، لكونهم (عليهم السلام) تراجمة مشيته وألسن إرادته، فجميع الأسباب المؤثرة إنما صارت أسبابا بكونها مرتبطة بذلك الخيط وقائمة به، فإن كانت أسباب خير فمن جهة العناية، وإن كانت أسباب شر فمن جهة الطبع والتخلية .

كقطر الماء في الأصداف در

وفي بطون الأفاعي صار سما

﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا﴾ وبالجملة كل ما سوى الواجب الحق ممكن، والممكن لا يستغني عن مؤثره طرفة عين أبدا، وإلا لخرج في ذلك الحين عن الممكنية وهو خلاف الفرض، فالأشياء كلها قائمة دائما بفعل الحق عز وجل، وأمره قيام صدور كل على حسب ما تقتضيه قابلية الإمكانية، وحامل ذلك الفعل الكلي الأولي الذي لا يفوته شأن من الشؤون هو صاحب الولاية الكلية المطلقة، وحامل الاسم الأعظم المهيمن على جميع الأسماء كلها الذي به قوام سائر الأسماء وحياتها؛ لأنه روحها ولذا كان غيبا فيها فافهم. وهو سيد الأولين والآخرين محمد ص ثم من بعده أمير المؤمنين الذي اشتق الله نوره كالضوء من الضوء لا كالشعاع من الضوء، ثم من بعده أولاده الأئمة الأحد عشر وفاطمة الزهراء المخلوقون جميعا من سنخ نوره وطينته، فلهم الهيمنة الكبرى والسلطنة العظمى على جميع ما في الوجود من ذات أو صفة أو جوهر أو عرض، وهم أصحاب القبض والبسط في جميع ممالك الإمكان؛ لأنهم يد الله الباسطة فيها بدلالة النقول المتواترة التي مرت عليك شرذمة منها في طي أخبار هذا الكتاب، ويد الله لا يخرج منها شيء ولا تعطيل لها في كل مكان، كما قالت اليهود المنكرون لفضل محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ﴿يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء﴾ ولما كانت هذه الدار دار التكليف دار أعراض وأغشية تحقيقا للابتلاء من باب قوله تعالى ﴿إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى﴾ خفيت المعاينة لتلك الهيمنة التامة على العامة، وكلفوا بالإقرار بها من سبيل الإخبار والاعتبار، وإذا انتقلوا من هذه الدار إلى محل القرار كشفت عن أعينهم الأغطية، فيطابق العين الأثر والخبر المخبر، فإن كان المعاين مؤمنا كان نور الله، وإن كان كافرا كان حجة عليه، وقد سبق التصريح بذلك في خبر العسكري ع المذكور قبل هذا الخبر بغير فصل في قوله ع : (ثم نادى المحيون معاشر المسلمين إن لمحمد وعلي شأنا عظيما في الممالك التي كنا فيها، لقد رأينا لمحمد ص ولعلي ع مثالا عند البيت المعمور وعند الكرسي وأملاك السماوات والحجب، وأملاك العرش يحفون بهما ويعظمونهما ويصلون عليهما، ويصدرون عن أوامرهما) الحديث، نعم قد تقتضي حال بعض المؤمنين الكاملين أو المنكرين كذلك إظهار شيء من هذا الشأن لهم في هذه الدار على سبيل المشاهدة والمعاينة؛ إتماما للحجة وإيضاحا للمحجة، كما في حديث البساط الكبير -الذي يأتي ذكره إن شاء الله تعالى فيما بعد- وكذا سائر ما في معناه من الأخبار التي مر ذكر بعضها ويأتي ذكر بعض آخر في طي الأخبار الآتية إن شاء الله العزيز، ومن هذا الباب هذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه، فإنه ع كشف عن أعين هؤلاء القوم، ولا سيما طلحة الغطاء فبصرهم اليوم حديد، فانقطع نظرهم عن الأسباب الظاهرة، واتصل بالمؤثر الأول الذي بأمره قام كل شيء فرأوه ع لا يهزم أحدا إلا هو ولا يجرح أحدا إلا هو ولا يقتل أحدا إلا هو، وقد جعل المشرق والمغرب بيده شيئا واحدا بحكم قوله تعالى ﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله﴾، وقول الحجة (عج)  في دعاء رجب المروي في مصباح الشيخ: (ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان، يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك، فتقها ورتقها بيدك، بدؤها منك، وعودها إليك أعضاد وأشهاد ومناة وأذواد وحفظة ورواد، فبهم ملأت سماءك وأرضك حتى ظهر أن لا إله إلا أنت‏)الدعاء.

 فافهم قوله (عج)  : (لا تعطيل لها في كل مكان) وقوله (فبهم ملأت سماءك وأرضك..إلخ). ورأوا أن تلك الأسباب الظاهرة كلها هياكل أفعاله، وظلال ظهوراته الفعلية لا الذاتية، كما زعمته أصحاب الحلول والاتحاد، وأنه أولى بها منها بأنفسها؛ لأن المالك أولى بملكه منه بنفسه وهو قوله تعالى ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ وهذا لا إشكال فيه إذا كانت الأفعال والآثار الصادرة عن تلك الأسباب أفعالا وآثارا حسنة مرضية (إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه)، وأما إذا كانت قبيحة مبغوضة فهي أيضا قائمة بأمره ومستمدة منه؛ غير أن ذلك على حد قوله تعالى ﴿بل طبع الله عليها بكفرهم‏﴾ فإن الله تعالى كما لا يفرق في الإيجاد بين المؤمن والكافر مع أن وجود الكافر شر محض، لأن هذا مقتضى الحكمة البالغة وإعطاء كل ذي حق حقه، كذلك لا يفرق بينهما في الإمداد فيحفظ فعل كل منهما له وعليه بأمره القيومي إيجابا لسؤال كل منهما بلسان قابليته وعمله، فأمر الله القيومي الذي به حفظ كل شيء على ما هو عليه وحمله وليه القائم مقامه في الأداء ليس فيه شر أصلا ،وإنما الشر في جهة القابل المغير لخلق الله لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى، فليس خلق الكافر من الله تعالى بمذموم وكذا إمداده بما تقتضيه قابليته الكونية والشرعية، بل خلاف ذلك خلاف العدل، لأنه منع للمستحق عما يستحقه وموجب لتهافت الصنع وكونه على خلاف ما ينبغي من مقتضى الحكمة، وإنما المذموم كونه كافرا باختياره وكونه منشأ لأعمال الشر كذلك، فصورة الولاية المطلقة قائمة على جميع الأشياء بالتربية والقيومية كالشمس المشرقة على جميع ما في العالم من الأجسام الطيبة والخبيثة، وهو معنى كتابة أسمائهم (عليهم السلام) على جميع الأشياء، غير أنها في المؤمن صورة رحمة، وهي لها بالذات، وفي الكافر صورة غضب، وهي لها بالعرض لكون مقتضى الغضب غير مراد بالأصالة، سبقت رحمتي غضبي ﴿فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب﴾ فأثبت الرحمة للباطن والعذاب للظاهر، فافهم. وتلك الصورة الولوية الأنزعية هي التي يتراءى بها أمير المؤمنين ع للأموات، فإن كان مؤمنا فبصورة الرحمة، وإن كان كافرا أو منافقا فبصورة الغضب، السلام على نعمة الله على الأبرار ونقمته على الفجار، أشداء على الكفار رحماء بينهم.

فإذا تأملت في هذه الحقائق المضنون بها عن الأغيار، عرفت حل إشكال يستشكل في قول طلحة (رماني علي) مع كون الرامي له بالنبلة مروان بن الحكم، وهو ملعون مطرود، فكيف يظهر أمير المؤمنين ع لطلحة من تلك المرآة السوءى لكون باطنه خبيثا، وإن كان ظاهره على صورة الإنسانية بالعرض، وكيف يظهر فعله على يديه، وحل الإشكال بما قدمنا من كون الصورة الولوية قائمة على كل نفس بما كسبت، وهي الصورة التي تراها تلك النفس حين الموت عند رأسها كافرة كانت أو مؤمنة، كما قال ع للحارث الهمداني ونظمه السيد الحميري بقوله:

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

وقد مرت أخبار هذا الباب في القسم الأول من الكتاب، فلا ضير في كون مروان مرآة سوء بوجه، وقد قال تعالى ﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا﴾ الآية، وقال الإمام ع : ( ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه ). فكما أن تلك المعية مع كونها عامة للمؤمن والكافر لا تضر في حق الله تعالى؛ لأنها معية قيومية لا معية حلول أو اتحاد كذلك تلك المعية من صاحب الولاية الذي هو مثل الله الأعلى في السماوات والأرض بل هي هي بعينها، وكما لا ضير في ذلك كذلك لا ضير في كونه في صدور ذلك الفعل آلة لصاحب الولاية، فإن الله تعالى قد يجري فعله على يدي من لا يحبه كما أجرى تعذيب بني إسرائيل والانتقام منهم على يدي بخت النصر الكافر، ولذا لم يكن بخت النصر مأجورا ومثابا في ذلك مع كون الفعل في نفسه مطلوبا لله تعالى، وفي الحديث عنهم (عليهم السلام) (إن لنا أوعية سوء نملأها علما لتنقله إلى شيعتنا وليست لها بأهل، فخذوه وصفوه ونكبوا الأوعية فإنها أوعية سوء) هي.. نقلته بالمعنى.

فحاصل الكلام وملخص المرام أن صاحب الولاية الكلية قد ملأ بظهوره القيومي آفاق القوابل فيظهر لمن يشاء فيما يشاء من المرايا الكونية من غير أن يشوب ظهوره ذلك شيء من شوب تلك المرايا، مثاله صورة الشمس الواقعة على الزجاجات الملونة بالألوان المختلفة فإن البصير لا يرى في نور الشمس تغييرا لأنها ألوان للقابل الذي هو الزجاجة لا للشمس ولا لنورها، فالقوابل المعوجة التي هي وجودات الكفار والمنافقين لا تؤثر تغييرا في الوجه الربوبي المتعلق بها من المبدأ الأعلى؛ لأنه لم يحلل فيها، فيقال هو فيها كائن، وإنما تعلق بها تعلق تدبير، فهو معها معية قيومية لا معية حواية، فظهوره ع على طلحة من تلك المرآة السوءى التي هي هيكل مروان، ورميه له بالنبلة بتوسطه إنما هو على هذا النحو لا على نحو الحلول أو الاتحاد، كما يزعمه من ظاهر الحديث من في قلبه زيغ من أهل الإلحاد ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وكما زعمه بعض الجاهلين الناقصين عن فهم الحقائق الإلهية في بعض عبارات مشايخنا في هذا الباب، فنسبوا إليه القول بما يليق بمثله لا بمثل ذلك العالم النحرير الذي ما دار سور الدهر بعديله ولا سمح الزمان بمثله وبديله، وحاشاه عن ذلك حاشاه فإنه لم يرد إلا نحو ما قررناه، ولكن كثير من الناس عينه في عمى عن إدراك دقائق كلمات الحكمة الحقة، فلا يتأملون في نكات ما يسمعون من الكلام؛ لأن همهم الرد والاعتراض من أول الأمر، مع أن تلكم أمثال هؤلاء في مثل تلك المقامات والمراتب العالية أشبه شيء بالمثل السائر أن الخنفس رأت الخيل يحذونها فمدت يدها، ولنعم ما قال صاحب الشذور في قصيدة له طويلة :

إذا كنت من سر الجواهر خاليا        

فما أنت من علم الصناعة حاليا

تمنى رجال من ذوي الجهل علمنا

ما كل ذي علم ينال الأمانيا

فاحرم ساع طالب من طباعه

معاني لم تطبع لهن معانيا 

فلا يفتكر في كتبنا غير عالم

ليبدي منها في التفكر خافيا

أعد نظرا فالظن كالعين لا ترى

من البعد أجرام الجسوم كما هيا

فأبعد مرجوا إذا كان جاهلا

بألفاظنا أن يستبين المعانيا

هي الصنعة المضروب من دون نيلها      

من الرمز اسواد تشيب النواصيا

ولكنها أدنى إذاكان عالما   

إلى المرء من حبل الوريد تدانيا

وإني لأستحيي من المرء يرتمي

به الظن في فك الرموز المراميا

ولم نجعل العلم الرياضي روضة

وكان عن العلم الإلهي لاهيا

أبالظن والتخمين يدرك سرنا

وقد بلغت فيه النفوس التراقيا

إليك فما في الشرط أن يبلغ المنى

بإدراكه من كان للعلم قاليا

وممتلي غيظا كان بقلبه

من الغم جمرا للجوانح كاويا

يسيء بنا ظنا لإشكال كتبنا

عليه فما ينفك فيها مماريا

وكان يرى من غرة أن درسها

يعرفه ألغاز نار الأحاجيا

ونيل الثريا منه أدنى من التي

يظل بها من شدة الشوق هاذيا

أبى الله إلا أن يواصل واصلا

يقلده أو عالما متناهيا

ولو راض بالعلم الطبيعي نفسه

لما كان بالتقليد في العلم راضيا

فيا طالبا من كنت من أجل قلبه

نظمت المعاني واقتفيت القوافيا

أظنك تنأى عن كلامي بجانب

خفاء وتنبو عنه جنبا تجافيا

ويعلم من سوى السماوات سبعها       

بأيد وأرسى الشامخات الرواسيا

حقيقة تضحى في المقال وإن أرى

به العز قولا للطباع معاديا

فإن قلت فيم النظم والنثر إن يكن

كلامكم فيها عن القصد نائيا

فإن جوابي عنه أن مرادنا          

بها رجل لا يبرح الدهر حانيا

تحل له الأرماز صرم عقدها

ويبلغه الإيماء منها الأقاصيا

كان له منها عليها دلالة

ومن رمزها فيما يضلل هاديا

فطلحة وكذا سائر المقتولين والمجروحين والمنهزمين على أيدي عسكر أمير المؤمنين ع إنما رأوا أمير المؤمنين ع لأنهم كشف عنهم الغطاء لموت أو مصلحة اقتضت ذلك، فلم يجدوا الوسائط والمرايا في البين. وإنما وجدوا وجه الله الذي ملأ أركان كل شيء وأظهر نفسه في كل نور وفيء بحكم قوله تعالى ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾ وهم تلك الآية المرئية، ولقد أجاد محمد كاظم الأزري في مدحه ع حيث قال:

وهو الآية المحيطة بالكون

ففي عين كل شيء تراها

وإنما ظهر لطلحة في تلك المرآة خاصة لاقتضاء قابلية طلحة ذلك دون سائر المجالي، كما يظهر ملك الموت لبعض المحتضرين في صورة منكرة وهي ليست صورة له، لأن صورته في غاية الحسن والجمال، وإنما تلك الصورة مرآة ومجلى له، فلا يلحقه شيء من نكارة تلك الصورة، كما مثلنا بالشمس والزجاجات، فافهم وتبصر، فإن المسلك دقيق جدا وإنما أطلنا الكلام في بيان هذا المرام رجاء أن يعرف من يقف عليه معنى ظهورهم (عليهم السلام) بصور متعددة، وأن لا يتوهم متوهم من هذا الحديث الشريف أن ظهور أمير المؤمنين ع في تلك المجالي على سبيل ما ذهب إليه أهل القول بوحدة الوجود في حق الحق تعالى، فيتخذه سلما إلى ذلك، والسلام على من اتبع الهدى.

وصف أمير المؤمنين في معركة صفين

السابع والعشرون من مدينة المعاجز عن عيون المعجزات قال: روى أصحاب الحديث عن عبد الله بن العباس أنه قال : (عقمت النساء أن يأتين بمثل علي بن أبي طالب ع، فوالله ما سمعت وما رأيت رئيسا يوازن به، والله لقد رأيته بصفين وعلى رأسه عمامة بيضاء، وكأن عينيه سراج سليط أو عينا أرقم، وهو يقف على شرذمة من أصحابه يحثهم على القتال، إلى أن انتهى إلي وأنا في كنف من الناس، وقد خرج خيل لمعاوية المعروفة بالكتيبة الشهباء عشرون ألف دارع على عشرين ألف أشهب متسربلين الحديد، متراصين كأنهم صفيحة واحدة، ما يرى منهم إلا الحدق تحت المغافر، فاقشعر أهل العراق لما عاينوا ذلك، فلما رأى أمير المؤمنين ع هذه الحالة منهم، قال: مالكم يا أهل العراق إن هي إلا جثث مائلة، فيها قلوب طائرة، ورجل جراد دفت بها ريح عاصف، وشداة الشيطان ألجمتهم والضلالة، وصرخ بهم ناعق البدعة ففتنهم، ماهم إلا جنود البغاة وقحقحة المكاثرة، لو مستهم سيوف أهل الحق تهافتوا تهافت الفراش في النار، ولرأيتموهم كالجراد في يوم الريح العاصف، ألا فاستشعروا الخشية، وتجلببوا السكينة، وادرعوا اللامة، وقلقوا الأسياف في الأغماد قبل السل، وانظروا الخزر، واطعنوا الشزر وتنافحوا بالظبى، وصلوا السيوف بالخطا، والرماح بالنبل، وعادوا أنفسكم الكر، واستحيوا من الفر، فإنكم بعين الله، ومع ابن عم رسول الله ووصيه فإنه عار باق في الأعقاب عند ذوي الأحساب، وفي الفرار النار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم نفسا، واطووا عن حياتكم كشحا، وامشوا إلى الموت قدما وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرواق المطنب، واضربوا ثبجه فإن الشيطان راقد في كسره، نافخ خصييه، مفترش ذراعيه، قد قدم للوثبة يدا، وأخر للنكوص عقبا، فاصدموا له صدما حتى ينجلي الباطل عن الحق وأنتم الأعلون. ألا فاثبتوا في المواكب، وعضوا على النواجد فإنه أبنى للسيوف عن الهام، فاضربوا بالصوارم فشدوا، فها أنا ذا شاد، محمل على الكتيبة، وحملهم حتى خلطهم، فلما دارهم دور الرحى المسرعة، وثار العجاج فما كنت أرى إلا رؤوسا بادرة، وأبدانا طافحة، وأيدي طائحة، وقد أقبل أمير المؤمنين ع وسيفه يقطر دما وهو يقول: قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون، وروي أن من نجا منهم رجعوا إلى عند معاوية، فلامهم على الفرار بعد أن أظهر التحسر والحزن على ماحل بتلك الكتيبة، فقال كل واحد منهم : كيف كنت [لو رأيت عليا وقد حمل علي، وكلما التفت ورائي وجدته يقفو أثري . فتعجب معاوية وقال لهم : ويلكم إن عليا لواحد، كيف كان وراء جماعة متفرقين ).

أمير المؤمنين يوم الخندق

الثامن والعشرون عن كتاب الواحدة عن المقداد بن الأسود قال: (كان أمير المؤمنين ع يوم الخندق عندما قتل عمرو بن عبد ود العامري -لعنه الله- واقفا على الخندق، يمسح الدم عن سيفه ويحيله  في الهواء، والقوم قد افترقوا سبع عشر فرقة، وهو في أعقابهم يحصدهم بسيفه). أقول وعن ابن أبي جمهور في المجلي مثله معنى.

الملائكة تختار أمير المؤمنين حكما بينها

التاسع والعشرون مدينة المعاجز عن الاختصاص أحمد بن عبد الله، عن عبد الله بن محمد العبسي قال : أخبرني حماد بن سلمة، عن الأعمش، عن زياد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود قال : (أتيت فاطمة صلوات الله عليها فقلت لها : أين بعلك؟ فقالت : عرج به جبرئيل ع إلى السماء فقلت: في ماذا؟ فقالت : إن نفرا من الملائكة تشاجروا في شيء فسألوا حكما من الآدميين، فأوحى الله تعالى إليهم أن تخيروا، فاختاروا علي بن أبي طالب ع).

أمير المؤمنين يدرك الرسول بعدما انكسر جيشه

الثلاثون: وفيه عن كتاب درر المطالب قال : (خرج رسول الله ص إلى غزاة تبوك، وخلف علي بن أبي طالب ع على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف المنافقون وقالوا : ما خلفه إلا استثقالا به، فلما سمع ذلك أخذ سلاحه وخرج إلى النبي ص وهو نازل بالحدق، فقال : يا رسول الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني استثقالا بي. فقال : كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. فرجع ع إلى المدينة ومضى رسول الله ص لسفره، قال : وكان من أمر الجيش أنه انكسر، فهزم الناس عن رسول الله ص، فنزل جبرئيل وقال: يا نبي الله إن الله يقرئك السلام ويبشرك بالنصر، ويخبرك إن شئت أنزلت الملائكة ويقاتلون، وإن شئت عليا فادعه يأتك، فاختار النبي عليا، فقال جبرئيل : أدر وجهك نحو المدينة وناد: يا أبا الغيث أدركني يا علي أدركنييا علي أدركني. وقال سلمان: كنت مع من تخلف مع علي ع، فخرج ذات يوم يريد الحديقة فخرجت معه فصعد النخلة ينزل كربا وهو ينثر وأنا أجمع إذ سمعته يقول: لبيك لبيك ها أنا جئتك، ونزل والحزن ظاهر عليه ودمعه ينحدر، فقلت: ما شأنك يا أبا الحسن، قال: يا سلمان جيش رسول الله ص قد انكسر، وهو يدعوني ويستغيث بي، ثم مضى فدخل منزل فاطمة الزهراء فأخبرها، وخرج وقال: يا سلمان ضع قدمك على موضع قدمي لا تخرم منه شيئا، قال سلمان: فاتبعته حذو النعل بالنعل سبع عشرة خطوة، ثم عاينت الجيشين والجيوش والعساكر، فصرخ الإمام ع صرخة تهند لها الجيشان وتفرقوا، ونزل جبرئيل إلى رسول الله ص فرد عليه السلام، وابتشر به ثم عطف الإمام على الشجعان، فانهزم الجمع وولوا الدبر ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسطوته وهمته وعلاه، وأبان الله عز وجل من معجزه في هذا الموطن ما عجز عنه جميع الأمة).

أمير المؤمنين قادر على التواجد في أكثر من مكان في آن واحد

الحادي والثلاثون عن فتوحات القدس عن سلمان  قال :( لما رجع أمير المؤمنين ع من قتال النهروان اعترض له طريقان، نهر عيسى ونهر آخر، أحدهما قفر والآخر عامر، فاتخذ أمير المؤمنين ع بعسكره الطريق القفر، فغلب العطش على العسكر من شدة الحر، فأخذ المنافقون في التعيير وضاق صدر المؤمنين من ذلك، فشكوا ذلك إلى أمير المؤمنين ع واستغاثوا من شدة العطش. فأمر ع بإحضار العسكر وكانت قبال خيمته شجرة فأمر قنبر وسلمان بحفر ما تحتها، ولما حفرا ذراعين ظهرت صخرة عظيمة فنحاها أمير المؤمنين ع بنفسه، فظهرت تحتها درج، فأمر سلمان بالنزول إليها، فنزل سلمان وخرج وأخبر عليا ع أنه لما نزل خمسا وثلاثين درجة ظهر باب مقفل بقفل من حديد، ولم يعرف أين مفتاحه. قال : فأخرج أمير المؤمنين ع مفتاحا من عمامته وأعطاه إياه وقال: انزل وافتح الباب وائتنا بالماء، فلما نزل سلمان وفتح الباب وجد حوضا مملوا من الماء، وإذا بعلي ع واقف على حافته، فتحير سلمان من ذلك، فأخذ أمير المؤمنين ع الجام وملأه من الحوض، وقال: يا سلمان خذ هذا الجام وارجع إلى العسكر واسقهم منه، فأخذ سلمان الجام وخرج إليهم، فوجد أمير المؤمنين ع واقفا عندهم على ما كان، فأراد سلمان أن يبوح بما رآه فعض علي ع على شفته وقال: أنسيت واقعة دشت أرزن فمماذا تعجب؟ فسكت سلمان، ثم أخذ أمير المؤمنين ع ذلك الجام وسقى به جميع العسكر والماء على حاله لم ينقص منه شيئا).

اليهودي الشاك في معجزة الكوز يوم معراج النبي

الثاني والثلاثون: وعنه (أن أمير المؤمنين ع كان يخطب يوما على المنبر، فذكر معراج النبي ص وأنه ص حين أراد الخروج من البيت وقع ثوبه على كوز ماء، فانكفأ الكوز ورجع من المعراج والماء لم يفرغ من الكوز، ولم يبرد فراشه الذي كان نائما فيه، قال وكان هناك رجل من اليهود فأنكر ذلك في قلبه وقام من المسجد وذهب إلى داره، فوجد امرأته قد هيأت دقيقا لتعجنه فلما رأت المرأة زوجها أعطته كوزا وقالت له: ائتني بماء أعجن هذا الدقيق، فأخذ الرجل الكوز، وأتى عينا وملأ الكوز ووضعه على حافته ونزع ثيابه لينزل في الماء، فوقع ثوبه على الكوز، وانكفأ الماء ونزل هو وارتمس في الماء، ولما رفع رأسه نظر إلى نفسه، وإذا هو جارية جميلة عريانة على ساحل بحر، فبقيت متحيرة في أمرها، فأخذت طريقا على ساحل البحر، فإذا هي بامرأة فلما رأتها الإمرأة عريانة أخذتها الرأفة عليها، وأعطتها ثوبا من ثيابها، فلبست الثوب ودخلت بلدة كانت هناك، فكل من وقع نظره عليها مال إليها لفرط ما لها من الحسن والجمال، فعقدها رجل من أهل الثروة وأتى بها إلى داره، وبقيت على ذلك مدة ست سنين، وأتت منه بخمسة أولاد، فخرجت يوما إلى ساحل البحر، ونزلت في الماء وأغمست رأسها فيه، ولما أخرجت رأسها نظرت وإذا هي على هيئتها الأولى على حافة العين، وثيابه على الصخرة كما وضعها عليها، ووجد ماء الكوز بعد لم يفرغ، فلبس ثيابه وأخذ الكوز وتوجه إلى داره، فوجد امرأته على الهيئة التي فارقها عليها، فأعطاها الكوز وأخذ طريق المسجد، فوجد أمير المؤمنين ع على المنبر وهو بعد لم يفرغ من الخطبة، فأتى أمير المؤمنين ع وأظهر عنده التوبة والندامة على ما خطر بباله من الشك والإنكار في معراج رسول الله ص، فقال أمير المؤمنين ع:  يا فلان لم تصدقنا إلا بعدما أتيت بخمسة أولاد).

تحقيق لطيف في بعض أسرار عالم الملكوت

أقول : هذا الحديث رواه محمد صالح الحسيني الترمذي في كتابه المسمى بالمناقب المرتضوية، عن الكتاب المذكور، وهو من علماء العامة والقصة من القصص المشهورة من أسرار أمير المؤمنين ع، وفي رواية الشيعة أن اسم ذلك اليهودي زفر والله أعلم، ثم إن هذا الخبر من مشكلات الأخبار التي حارت في معناها عقول ذوي الألباب ولا بد لنا من كشف ما فيه من السر المكنون على سبيل الاختصار، فنقول وبالله التوفيق قد عرفت في ذيل حديث نوادر المعجزات، ونعيد هنا أن عالم الملكوت الذي هو روح عالم الملك وغيبه، عالم وسيع لا يقاس بعالم الملك في الفسحة والسعة لما ألقي به من المبدأ وطهارته من الكثافات والتصادمات الملكية التي هي علة الضيق اعتبر في ذلك بحال جسمك هذا الظاهري، فإنه لكونه محدودا بحدود عالم الناسوت، ومقيدا بقيودها لا يقطع أجزاء الزمان والمكان إلا بالتنقل التدريجي شيئا بعد شيء، وأما نفسك فهي لكونها دهرية مجردة عن المواد الجسمية تحيط بأول الزمان وآخره بنظر واحد من غير تدريج وانتقال حسي فيكون الحال والماضي والاستقبال عندها على حد سواء، وإن هو إلا لأن وقتها روح تلك الأوقات الزمانية، وكذا محلها بالنسبة إلى هذه الأمكنة، ومن البين أن الروح المجرد لم يقع في طرف من الجسم حتى يمنعه عن الإحاطة بأطرافه في النظر الواحد، كما هو حال الأجسام بعضها بالنسبة إلى بعض، نعم إذا طهر الجسم من الكثائف بمعونة التأديبات الشرعية شابه الروح في التجرد وفعل فعله فلا يكون فرق بينه وبين الروح في السعة والإحاطة، وذلك إذا كشطت أعراض سماواته ونسفت جبال إنياته، وصارت أرضا قابلية قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، فإنه حينئذ يحصل في فضاء وسيع ليس فيه من تلك الموانع أثر ولا عين، فيكون الدخول منه في أسر الحجب والموانع والخروج منها باختيار منه، فافهم فإنك إذا فهمت هذه المسألة سهل عندك التصديق بالحديث المشهور الذي روته العامة والخاصة: ( أن أمير المؤمنين ع كان إذا وضع رجله في الركاب افتتح القرآن وإذا وضع رجله الأخرى فيه ختمه، وفي بعض الروايات  أنه يختمه إذا استوى جالسا ) هي. وقد رواه غير واحد منهم المولى المقدس أحمد بن محمد الأردبيلي في الحديقة، ومنهم الحسين الكاشفي في كتابه روضة الشهداء، ومنهم صاحب المناقب المرتضوية، كلهم عن شواهد النبوة لعبد الرحمن الجامي. وذلك أن الجسم إذا كان بحكم الروح كانت حركته أسرع من ذلك وأعظم، وآية ذلك حركة الفلك الأعظم، فقد قال بعضهم: يسير الفلك الأعظم بقدر ما يقول القائل واحد ألفا وسبعمائة واثنين وثلاثين فرسخا من مقعره، والله تعالى يعلم ما يسير من محدبه، وما ذلك إلا لكونه ألطف من سائر الأجسام أو قريبا من لطافة الأرواح، فإذا كان عالم الملكوت بهذه السعة كانت أوقاته أيضا على حسبه فربما يساوي الآن الواحد منه عدة سنين من سني هذا العالم، فإذا حصل شخص في ذلك العالم ومضى عليه فيه آن واحد من آناته، فقد مضى عليه مقدار يساوي عدة سنين من سني هذا العالم قال تعالى﴿وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون﴾ وقد نطق الكتاب المجيد بأن مقدار يوم القيامة خمسون ألف سنة، وذلك للطافة أجسام سماوات الآخرة وأراضيها، وأجسام من فيها، وقربها من لطافة الأرواح الدهرية، كما عرفت الإشارة إليه، ولذا تسع أرض المحشر الأولين والآخرين.

ومثال ما سمعت التقريبي حالة المنام بالنسبة إلى حالة اليقظة، فإنك ربما تنام ساعة واحدة، ومع ذلك تسير في تلك الحالة إلى بلاد بعيدة وتمضي عليك فيها مدد طويلة، فإذا انتبهت وجدت أنه لم تمض عليك من أوقات هذا العالم إلا ساعة واحدة وذلك للطافة عالم المنام الذي هو من عالم المثال؛ مع أنه ليس في لطافة الدهر الصرف وإنما هو برزخ بين الدهر والزمان، فبوجهه الأعلى ناظر إلى الدهر، وبوجهه الأسفل ناظر إلى الزمان فكيف بعالم الدهر البحت، فإذا عرفت هذا التفصيل فلنرجع إلى حل إشكال الخبر، فنقول إن أمير المؤمنين ع لما أراد إيضاح الحجة على ذلك اليهودي على سبيل المعاينة تمم بفاضل لطيفته الإعجازية نقصه؛ فنقله إلى ملكوت الأجسام وأقامه فيه تلك المدة، ثم رجعه إلى ما كان فيه ليعرفه سر المعراج وسرعة السير الواقع فيه وأنه لا بعد فيما سمع بوجه لكون جسمه ص متحدا مع روحه في اللطافة والأحكام، فافهم يا أخي ما أهديناه إليك من حكم آل الرسول في هذه الكلمات القليلة تنفتح لك أبواب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، فإن أكثر أخبار المعاجز وخوارق العادة المنقولة مبنية على هذا الأصل الأصيل وحسبنا الله ونعم الوكيل.

نمرود من عهد نبي الله سليمان يتعرف على أمير المؤمنين

الثالث والثلاثون عن المجلي للشيخ الأجل محمد بن أبي جمهور الأحسائي عن أهل الأخبار قالوا : (دخل مسجد رسول الله ص وقت الفجر شخص مهيب عظيم الخلقة له قامة كالنخلة وصوت جهوري وعيناه كالجمرتين، قال : فدخل أهل المسجد منه رعب عظيم، فبينا هو عند رسول الله ص يتكلم معه ويسأله حوائجه إذ دخل أمير المؤمنين ع ولما رآه ذلك الشخص دهش من سطوته وذهل عقله وجعل يزعر زعرا عجيبا، فقال له رسول الله ص : اثبت لا بأس عليك وقص علي قصتك وما جرى بينك وبين هذا الشاب، فقال : يا رسول الله إني كنت من نماردة الشياطين وفراعنتهم في عهد سليمان بن داوود، فخرجت ليلة من الليالي مع أصحابي ونحن عشرون نمرود وأنا رئيسهم، فصعدنا إلى السماء لاستراق السمع فلما دنونا منها نزل إلينا هذا الشاب في الهواء وبيده شهاب يتوقد، فحمل علينا فهربنا منه وتفرقنا، وأردت أنا أن أغوص في البحر، ولما قربت منه اعترضني هذا الشاب وقطع علي الطريق وصاح بي صيحة، ثم رماني بالشهاب الذي كان بيده، فوقعت في قعر البحر قال الراوي : فكشف عن ساقه وإذا هو كنهر أو خندق عظيم وأثر الجراحة ظاهر عليه، قال : فتبسم رسول الله ص حتى بدت نواجذه، ثم قال : إن الله عز وجل قد وكل علي بن أبي طالب لحفظ أهل الأرض وأهل السماء، فأقبل أمير المؤمنين ع وجلس بين يدي رسول الله ص وذلك الجني ينظر إليه نظر الخائف ويرتعد من هيبته، فقال له رسول الله ص : لا بأس عليك سل حاجتك، فقضى رسول الله ص حاجته ثم قام ومضى) .

و جني آخر منذ عهد آدم

الرابع والثلاثون: مشارق الأنوار قال : (إن جنيا كان عند النبي ص جالسا،  فأقبل أمير المؤمنين ع، فجعل الجني يتصاغر لديه تعظيما له وخوفا منه، فقال: يا رسول الله إني كنت أطير مع المردة إلى  السماء قبل خلق آدم بخمسمائة عام فرأيت هذا في السماء، فأخرجني وألقاني إلى الأرض، فهويت إلى السابعة منها، فرأيته هناك كما رأيته في السماء).

و جني آخر منذ عهد نوح

الخامس والثلاثون لوامع الأنوار للحافظ البرسي ، وهو غير مشارق الأنوار : (أن رسول الله ص كان جالسا وعنده جني يسأله عن قضايا مشكلة، فأقبل أمير المؤمنين ع فتصاغر الجني حتى صار كالعصفور، ثم قال : أجرني يا رسول الله فقال : ممن ؟ قال من هذا الشاب المقبل، فقال النبي ص: وما ذاك ؟ فقال الجني : أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان، فلما تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثم أخرج يده وهي مقطوعة فقال له النبي ص : وهو كذلك).

و جني آخر متمرد على سليمان

السادس والثلاثون: وفيه أيضا (أن جنيا كان جالسا عند رسول الله ص، فأقبل أمير المؤمنين ع فاستغاث الجني وقال : أجرني يا رسول الله من هذا الشاب المقبل، قال: وما فعل بك ؟ قال : تمردت على سليمان فأرسل إلي من الجن جماعة فطلت عليهم، فجاءني هذا وهو فارس فأسرني وجرحني وهذا مكان الضربة إلى الآن لم يندمل).

أقول: وفي بعض المجاميع عن كتب درر المطالب، وغرر المناقب مثل الخبرين الأخيرين، وروى الأخير خاصة السيد المحقق السيد نعمة الجزائري  في كتابه الأنوار وزاد في آخره (أن النبي ص قال له: ادن من علي حتى يطيب جراحتك وتؤمن به وتكون من شيعته، ففعل)، هي .

تحقيق لطيف في ظهورهم في الأزمنة الماضية

أقول: لا غرابة في هذه الأخبار الأربعة بوجه لتظافر الأخبار من الفريقين أن أنوار النبي والأئمة (عليهم السلام) قد خلقت قبل خلق آدم بدهور طويلة، وهذا السبق والتقدم وإن كان ليس المراد به السبق الزماني العرضي وإنما المراد به السبق الذاتي، ولكنه مستلزم للعالي أنوارهم عن حدود هذه الأزمنة الظاهرية، فيكونون مع الأولين في الأول ومع الآخرين في الآخر، وهو السر فيما ورد من الرواية المشهورة ورواها السيد المذكور في كتابه عن كتاب القدسيات لبعض محققي علماء الجمهور (عن النبي ص  أنه قال لعلي ع : يا علي إن الله تعالى قال لي: يا محمد بعثت عليا مع الأنبياء باطنا ومعك ظاهرا).

ثم قال السيد  : هذا الذي رواه من بعث علي باطنا قد روي مضمونه في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) عن علي ع، وهو إشارة إلى سر إلهي في الغاية القصوى من التحقيق، وهو أنه قد روي عنه ع أنه قال في جواب من سأله عن فضله وفضل من تقدمه من الأنبياء (عليهم السلام) مع أنهم حازوا غاية الإعجاز، أما إبراهيم فقد نجاه الله تعالى من نار النمرود وجعلها عليه بردا وسلاما، ونوح قد أنجاه الله من الغرق، وموسى من فرعون وآتاه الله التوراة وعلمه إياها، وعيسى آتاه النبوة في المهد وأنطقه بالحكمة والنبوة، وسليمان الذي سخر له الريح والجن والإنس وجميع المخلوقات فقال ع : (والله كنت مع إبراهيم في النار، وأنا الذي جعلتها عليه بردا وسلاما، وكنت مع نوح في السفينة فأنجيته من الغرق، وكنت مع موسى فعلمته التوراة، وأنطقت عيسى في المهد وعلمته الإنجيل، وكنت مع يوسف في الجب فأنجيته من كيد إخوته، وكنت مع سليمان على البساط وسخرت له الرياح) انتهى كلام السيد .

وروى الشريف فتح الله الكاشاني في تفسيره خلاصة المنهج، عن الثعلبي بسنده، عن عبد الله بن سلام: (أنه سأل النبي ص عن الذي أتى بعرش بلقيس من سبأ وأحضره عند سليمان، فقال النبي ص : أحضره علي بن أبي طالب ع باسم من أسماء الله العظام)، ثم قال صاحب الحديث ما يؤيد هذا المعنى «قال النبي ص لعلي ع: يا علي كنت مع الأنبياء سرا ومعي جهرا»، وما ثبت من الأخبار أنه ع كان في الأزمنة السابقة يتمثل بأي صورة شاء وتظهر منه أمور عجيبة، ثم قال: ومن هذا الباب قصة دشت أرزنة مع سلمان الفارسي، انتهى.

فلا وجه لرمي الشيخ الحافظ البرسي  بالغلو والارتفاع بنقل أمثال هذه الأخبار والقول بمضامينها كما اشتهر بين القاصرين بل لو كان لأمثال هؤلاء بصيرة نافذة في مراتب أهل بيت الرسول ص وما خصهم الله تعالى به من المقامات السامية التي لا يدانيها ملك مقرب ولا نبي مرسل لوجدوا الشيخ المذكور بعد قاصرا أو مقصرا في حقهم فضلا عن كونه غاليا، فإن مقدار معرفته بالأئمة إن كان ما زبره في كتبه من المشارق واللوامع وغيرهما، فبضاعته مزجاة جدا حام حول الحمي، ولم يرتع في مراتعه، ولبس ثوبا عريضا ولم يأخذ بمجامعه، وورد منهلا ولم يغص في حياضه، ووصل ساحل البحر ولم يخض في مخاضه ؛ نعم هو من أهل التسليم على الإجمال، وبهذا تميز عن بعض أبناء جنسه حيث أنهم فاتهم هذا المقدار أيضا فتكلموا في مراتب آل محمد صلى الله عليه وعليهم بما إِنْ بني الأمر عليه لم يبق لهم فضل على سائر الناس إلا لكونهم لا يتركون الصلاة ولا يمنعون الزكاة، ويداومون على المستحبات ولا يرتكبون المحرمات والمكروهات، ذلك مبلغهم من العلم فاعتبروا يا أولي الأبصار.

حديث بئر ذات العلم

السابع والثلاثون عن كنز الواعظين لبعض المشايخ المعاصرين، عن بعض الكتب، عن الشيخ أبي الحسن البكري صاحب الأنوار، عن أبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان قالا: (لما رجع النبي ص من غزاة السكاسك والسكون مؤيدا منصورا متوجا محبورا قد فتح الله على يديه وأقر بالنصر عينيه؛ إذ دخل أرضا مقفرة، وبراري مغبرة ذات طرق دارسة، وأشجار يابسة، وأنهار طامسة ليس فيها حسيس ولا أنيس إلا زعيق الجان وعوي الغيلان، ولا يوجد فيها راهب ولا يهدى فيها ذاهب، فاشتد على المسلمين الحر، وعظم عليهم الأمر، وقل منهم الصبر، فعند ذلك قال النبي ص : معاشر الناس من منكميعرف هذه الأرض ؟ فقام إليه عمرو بن أمية الضيمري وقال : أنا أعرف هذه الأرض تسمى وادي الكثيب الأزرق يضل فيها الدليل ولا يوجد فيها ظل ولا ظليل، و لا يدخلها ركب إلا برك ولا جيش إلا هلك، لا يدري أين طريقها خلية من الإنس، عامرة بالجن، يقوى فيها الغيلان، ويتحير الإنسان ، قال : فلما سمع النبي ص ذلك وسمع المسلمون أيقنوا بالهلاك، ثم لاذوا برسول الله ص مستجيرين به وقد حمى الهجير واسود البر من عظم وهج الحر، فقال ص : من يعرف فيها بئر أيها المسلمون وأضمن له على الله الجنة ؟ فعندها قال عمر بن أمية الضيمري: ها هنا يا رسول الله بئر يقال لها بئر ذات العلم وفيه ماء أبرد من الثلج، إلا أنه لا يقدر عليه أحد، لأنه بئر معمور من الجن والعفاريت المتمردين على سليمان بن داود ع، يمنعون الماء على الناس بلهيب النيران وعواصف الدخان، ما نزل به ركب إلا أهلكوه ولا جيش إلا أحرقوه، وقد نزل به التبع اليماني فأحرقوا من عسكره عشرة آلاف فارس، ونزل به برهام بن فارس فهلك من عسكره خلق كثير، ونزل به سعد بن برزق فأهلك من عسكره بقدر عشرين ألف فارس، وأن جماجم القتلى حوله يا رسول الله كبيض النعام، فقال رسول الله ص: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ثم إنه نزل وأمر المسلمون [بالنزل فنزلوا وضربوا خيامهم والأرض ما تزداد إلا حرا وهم مع ذلك عطاش، فعند ذلك نادى رسول الله ص وقال: معاشر الناس والمسلمين من يمضي إلى هذا البئر ويكشف لنا خبره وأضمن له على الله تعالى  الجنة ؟ فقام أبو العاص بن الربيع فقال : يا رسول الله صلى الله عليك إني به عارف وقد نزلت عليه ونحن في خلق كثير فلم نقدر عليه وخرجت علينا عفاريته، فما سلم منا إلا من سبق به جواده، ولكنا ذلك اليوم كنا نعبد الأصنام، واليوم قد هدانا الله بك يا خير الأنام، فقال له النبي ص : أنت لها يا أبا العاص شكر الله لك مقالتك وقوى لك عزيمتك ، ثم أمر له بالمسير وضم إليه عشرة من أصحابه، منهم أبو دجانة الأنصاري وقيس بن سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وعبادة بن بشير وثابت بن نحيس وعمرو بن أمية الضيمري وغيرهم، ثم ساروا وأخذوا معهم عشرين من المطايا عليها القرب والروايا، ودنوا من البئر وهم يكبرون الله  ويهللونه ويصلون على النبي ص، فلما قربوا من البئر وإذا بعفريت قد خرج إليهم كأنه النخلة السحوق  وعيناه تتقدان كأنهما جمرتان والنيران تخرج منها، ثم إنه تطاول حتى بلغ السحاب وصاح صيحة أعظم من الرعد فتزلزلت لها الأرض، قال: فعرضنا  على أن نهرب لما دخلنا من الرعب، فقال لنا أبو العباس : يا إخواني من الموت تفرون  وأنتم إلى الله صائرون، ارجعوا إلى رحالكم ودعوني [أنا  وهذا العفريت، فإن ظفرت به فهو المراد وإن ظفر  بي ] فانجوا لأنفسكم سالمين وأبلغوا سلامي على رسول الله ص، ثم إن أبا العاص جرد سيفه ودنى من العفريت وأنشأ يقول :

نحن سلالات المعالي والكرم      

وأولياء الرحمن  سكان الحرم

أرسلنا محمد تاج الأمم              

المصطفى المختار مصباح الظلم

لنستقي من بئركم ذات العلم      

ونقتل الجان وعباد الصنم

فعند ذلك نادى العفريت أما علمت أن في هذا البئر الملوك العاتيةوالعفاريت المقردة، أما علمت أن سليمان بن داود تمردنا عليه، وقتلنا قوم عاد وغيرهم من الأمم السالفة ! وما مر علينا أحد إلا أهلكنا، فقال له أبو العاص : يا ويلك ليس نحن كمن لاقيت، نحن أنصار الله وأحزاب محمد  رسول الله ص، فارجع -يا ويلك- خائبا مدحورا، فلا بد من ورود هذا البئر وشرب مائه، فإن أجبتم طائعين وإلا أجبتم كارهين، وأنشأ أبياته ، فما استتم أبو العاص من كلامه، حتى صرخ به العفريت صرخة عظيمة رجفت منها القلوب وارتعدت منها الفرائص، ثم إنه أرخى عليه كلكه، فكان أبو العاص كالعصفور في مخلاب الباز فأحرقه ، قال قيس بن سعد : فسمعنا أبا العاص يقول: بلغوا سلامي رسول الله ص قال عمر  فولينا هاربين، فلما سمعنا العفريت عاد إلى البئر، دنونا من أبي العاص وإذا هو فحمة سوداء فوقفنا نبكي عليه، وإذا نحن بأصوات هائلة وإذا بدخان قد غشاها من البئر! وأحاطت بنا شهب النيران وخرج إلينا أصناف السنور قال عمرو: فولينا هاربين ونقرأ القرآن حين  بعدنا من البئر، ثم سرنا حتى أشرفنا على المسلمين، فأتينا إلى النبي ص وهو يبكي على أبي العاص، [وكان قد نزل عليه جبرئيل وأخبره بهلاكه وأمر أن يبعث إليه علي بن أبي طالب ع قال عمرو : فناديت : عظم الله أجوركم في أبي العاص، فقال النبي ص: والذي روحي بيده إن روح أبي العاص في حوصلة طير أخضر يرتع بها في رياض الجنة، قال : فتمنينا أن نكون مكانه، وكان الإمام ع قد تأخر عن العسكر في حاجة عرضت لرسول الله ص، فلما أقبل استقبله عمرو بن أمية الضيمري وقال له : عظم الله لك الأجر  في أبي العاص قد حرقه عفريت من عفاريت بئر ذات العلم . قال عمرو : فهملت عينا أمير المؤمنين ع بالدموع حتى نزل عن جواده، وأقبل حتى نزل بجانب النبي ص، فقالله النبي ص: هذا سلفك أبو العاص إسفي عليه التراب، فقال له الإمام ع: قد عطشت أكباد المسلمين، مرني  بالمسير إليه ؟ فقال النبي: يا أبا الحسن سر إليه، فإن الله حافظك وناصرك، ولكن خذ معك القوم الذين كانوا مع أبي العاص ؟ ثم دفع إليه الراية وقام إليه مشيعا، ثم رفع يديه إلى السماء وأقبل يدعو الله، ثم رجع النبي ص وسار الإمام ع معه ، فلما بان عن المسلمين أخذ الراية ونشرها على رأسه ورؤوسنا، ثم إن الإمام علي بن أبي طالب أنشأ يقول :

حباني رسول الله منه براية       

وأمرني أسعى إلى كل ذي كفر

أقاتلهم حتى يقروا بربهم       

إليهم  المعبود في السر والجهر

وإني علي وابن عم محمد      

نبي أتى بالدين لله بالنصر

قال عمرو : ثم أن الإمام ع سار وسرنا حتى أشرفنا على البئر ونزلنا حوله ونحن نقرأ القرآن، فعند ذلك كبر الإمام ع بأعلى صوته وقال : قد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. قال عمرو : فماجت الجن في البئر وإذا نحن بالعفريت الذي قتل أبا العاص قد طلع علينا في صورة  ثم تقدم نحو الإمام ع وناداه: من أنت أيها النازل علينا القادم إلينا ولم تستأذن أحد؟ أما علمت أنه لا يطمع فينا طامع ولا يرتع حولنا راتع، ثم أنشأ يقول :

نحن جنود الجن والسعالي

من جند إبليس لنا المعالي

قال : فعند ذلك نادى الإمام ع: أيها الشيطان المتعمد والجني المتمرد اقصر عن هذا الكلام فلست أنا كمن لاقيت من قبل، أنا النور الذي لا يطفى، أنا صاحب الأهوال، ومبيد الأبطال يوم النزال، أنا هازم الكتائب، أنا فاجع الجنائب، أنا مظهر العجائب، أنا علي بن أبي طالب، ثم أن الإمام ع أنشأ يقول:

 يا أيها الكاذب في المقال    

ارجع خزاك الله عن قتال 

أنا علي كاشف الأهوال    

أنا ابن عم المصطفى المفضال

فلما سمع العفريت ذلك حمل على الإمام ع وأراد يفعل به مثل ما فعل بابن العاص  قال : فالتفت به الإمام ع وزعق به الزعقة الهاشمية المعروفة عند الغضب، فقلنا إنه صاعقة نزلت من السماء حتى جاوبته الأصوات من كل جانب فأذهله، ثم بادره بذي الفقار وضربه ضربة وجعله شطرين وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار، ثم إن الإمام ع نادى: هلموا إلي بالقرب والروايا . قال قيس بن سعد: فنادانا الإمام ع وقد قام العرق الهاشمي بين عينيه وقد ملئ غيظا وحنقا، وإذا نحن هايل ودخان قد علا من البئر والنيران تطير علينا منه والإمام يقول: « كوني بردا وسلاما كما كنت على إبراهيم بردا وسلاما» ، قال عمرو : فخرج جميع الأصناف بصور مختلفة وهي عدة كثيرة، فنظر إلينا الإمام ع ونحن نرتعد من الخوف  وخرج من باب البئر شهاب عظيم عال بالجو إلى عنان السماء وعلا الصراخ واشتد بناالصياح، حتى لم يسمع أحد منا صاحبه وغشانا الدخان ولا ندري من أين تلتقي النار فينا ، فعزمنا على الفرار من شدة ما لحقنا، فلم يدعنا الإمام ع، فعند ذلك ناداهم أمير المؤمنين ع: ( يا معشر الجن والشياطين أتطاولون علي باختلاف صوركم، الله أمركم بهذا أم على الله تفترون عزمت عليكم  بـ ﴿الصافات صفا * والزاجرات زجرا * والتاليات ذكرا * إن إلهكم لواحد * رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق والمغارب * إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب * يا معشر الجن والإنس إن استطعتم آن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ولا تنفذون إلا بسلطان * يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران * وبالطور وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور * والسقف المرفوع *والبحر المسجور * إن عذاب ربك لواقع * ما له من دافع﴾ عزمت عليكم يا معشر الجن والشياطين بأسماء الله العظام وبـ ﴿قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا أحد﴾  وبـ ﴿قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد﴾، وبـ ﴿قل أعوذ برب الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس﴾ ، قال قيس بن سعد وعمرو بن أمية الضيمري : فما استتم كلامه ع حتى خمدت النيران وغاب الدخان، فعندها تقدم الإمام ع ونحن خائفون ومعنا القرب، حتى وصلنا  ووقفنا قرب البئر، ثم استدعى بالدلو فأخذه وأدلاه، فلما صار في قرار البئر وإذا بالدلو قد انقطع ورمي خارج البئر، فغضب الإمام ع ونادى : من منكم رمى بالدلو فليبرز إلي ؟  قال : فخرج إليه العفريت الذي قطع الدلو وهو يقول :

جاء الهمام الممنع لعمركم مقطع   

معود خوض اللقاغضنفر سميدع

قال : فلم يدعه الإمام ع يتم شعره دون أن هجم عليه وبادره بضربة فوقع  مجدلا وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار، ثم أن الإمام ع أخذ الدلو وأدلاه ثانية وهو ينشد ويقول مصليا على طه الرسول  :

أنا علي أنزع البطين

أضرب هامات العدا بالسيف

إن تقطعوا الدلو لنا  ثانيا

أضربكم ضربا بغير حيف

فأجابه عفريت من عفاريت البئر وهو يقول :

يا صاحب القول الكذوب الأقطع

ما لك في مشربنا من مطمع

امض عن البئر ولا تصدع

وخل عن هذا المكان الأقطع

تأكلك الطير ووحش البلقع

من قبل أن تكفى صريع مصرع

 فلما سمع الإمام ع كلام العفريت رد عليه مقاله وأنشأ يقول :

يا صاحب الشعر اللعين الكاذب

سوف ترى من العذاب الواصب

إن كنت لا تعرفني عند اللقا

أنا علي هازم الكتائب

 إن رجع الدلو إلي خاليا

أنزل في البئر بسيف واصب

ثم إن الإمام ع أرسل الدلو في البئر، فلما أن وصل إلى الماء انقطع الدلو ورمي ! فقال ع: يا معشر الجن والشياطين أيكم قطع الدلو في البئر فليبرز إلي فلم يبرز إليه أحد، فأخذ الإمام الدلو وألقاه ثالثة، وإذا بعفريت من البئر يقول :

يا صاحب الدلو العلي الشأن

والرجل المذكور من عدنان

إن أنت قد أدليت دلوا ثانيا 

 رميت في البئر بلا تواني

قال  فلما سمع الإمام ع كلامه قام عرق الغضب بين عينيه ونادى: يا معشر الجن والشياطين تخوفوني بالنزول إليكم فاشتدوا لقالي واعتدوا لبرازي، ثم إنه ربط الرشا في وسطه وقال لأصحابه أدلوني إليهم ؟ قال عمرو : فأقبلنا إليه  وقلنا له: إن هذا البئر بعيد المدى واسع الفضاء قد ترى ما حل بنا من النيران منهم وعواصف الدخان ونحن خارج البئر، فكيف يا أبا الحسن إذا صرت في قعره وأحاطت بك العفاريت يرمونكبشهب النيران، قال: فعند ذلك قال لهم : بحق ابن عمي رسول الله إلا ما أنزلتموني إليهم ؟ . قال عمرو : فلما أقسم علينا برسول الله ص علمنا أن نحن منعناه عن النزول رمى بنفسه إلى قرار البئر . قال قيس بن سعد : فدنينا إلى أن صار في وسط البئر، فإذا بالرشا قد قطع، فرمى الإمام ع بنفسه إلى قعر البئر وذو الفقار بيده مسلول وبيده درقة عمه حمزة، قال عمرو : فلما انقطع الحبل ضججنا بالبكاء والنحيب وأيقنا بالهلاك وقلنا: اللهم لا تفجع به قلوبنا ولا قلب نبيك، قال : فبينما نحن كذلك وإذا بضجة عظيمةوكثر الصياح وعلا الصراخ، نظرنا في البئر وإذا شهب النيران كأنها الكواكب إذا رجمت بها الشياطين وهي تختلف في قعر البئر من كل جانب] ومكان، فنادينا : يا أبا الحسن، فلم يجبنا أحد فاشتد علينا ذلك، فأخذنا بالبكاء والعويل وأيسنا من الإمام ع وبقينا زمانا طويلا وعزمنا على الانصراف، قال : فبينما نحن كذلك وإذا بزعقات الإمام ع كصواعق من السماء، فطابت أنفسنا وفرحنا، وإذا بقائل يقول: يابن أبي طالب أعطنا الأمان والذمام، فقال: والله ما لكم أمان ولا ذمام حتى تقولوا قولا مخلصا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتعطوني العهود والمواثيق أن لا تمنعوا واردا ورد هذا البئر، قال عمرو: فبقى الإمام ع في البئر وانقطع عنا خبره وكنا نركن إلى صوت فبقينا متحيرين ما ندري ما نصنع، فأصغينا ولم نسمع صوته، فبينما نحن كذلك وإذا برسول الله ص في نفر قليل وهو يبكي وينادي: يابن عماه، فلم يزل كذلك حتى وقف على البئر، فظننا أنه قد نزل عليه الوحي من الله تعالى بهلاك علي ع فجعلنا نقبل يديه ورجليه ونبكي لبكائه، إذ هبط عليه جبرئيل من قبل الجبار وقال: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول لك: ما هذا الجزع فزع الذي أراه فيك من قبل ابن عمك، ناده فهو يجيبك، وقد أيده الله تعالى بالنصر وأحاطت به ملائكتي، فهم بين يديه وعن يمينه، وعن شماله ولو أن ملكا من الملائكةالذين معه أراد هلاك الجن قبض أرواحهم في ساعة واحدة لأمكنهم ذلك، ولكن أحببت أن يكون لابن عمك الذكر إلى يوم القيامة، فنادى النبي ص: يا أبا الحسن، فأجابهبالتلبية لبيك لبيك يا رسول الله صلى الله عليك أبشر بالنصر، ثم قلنا: ندلي عليك بعض الأرشية حتى تصعد، فلم نشعر إلا وهو معنا، قال: فعانقه النبي ص وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه، ثم قال: أتحدثني أم أحدثك بما جرى عليك؟ فقال له علي ع: من فمك أحلى بأبي أنت وأمي، قال قيس بن سعد: سمعت بعض النفر الذين كانوا معه يقول: كان] الساعة تبكي وتصيح والآن تضحك ! وتريد أن تحدثه بما جرى عليه، قال عمرو : وأقبل رسول الله ص يحدثنا بما جرى على الإمام وما لاقاه من أعداء الله في البئر، فقال أمير المؤمنين ع: صدقت يا رسول الله، قد كان ذلك قال : ومن جملة ما حدثنا به رسول الله ص : أن الإمام قتل منهم في البئر زهاء عشرين ألف عفريت وأسلمت على يديه أربعة وعشرون قبيلة من طوائفهم الذين بقوا إلى الآن ومن أطراف العجائب الذين يحدثون بها إلى آخر الزمان، قال عمرو: وقام رسول الله ص وأمر بالنزول قريب البئر فسقوا مطاياهم، وأقام النبي ص وأصحابهعلى ذلك البئر يومهم]واستراحوا حتى باتوا ليلتهم، ثم ارتحل النبي ص من الغد ورحل المسلمون إلى المدينة الطيبة الطاهرة الأبنية وقد فتح الله بالنصر والظفر) هي .

أمير المؤمنين يذهب مع عرفطة إلى قومه

الثامن والثلاثون كتاب اليقين عن كتاب الأربعين لمحمد بن مسلم بن أبي الفوارس، قال: أخبرنا الشيخ الإمام العالم جمال الدين علي بن الحسين الطوسي قال: أخبرنا الشيخ الإمام تاج الدين مسعود بن محمد الغزنوي ببخارى قال: حدثنا الشيخ أبو علي الحسن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا الطبراني قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال: حدثنا تليد بن سليمان عن أبي الجحاف، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري  قال: (كان النبي ص ذات يوم جالسا بالأبطح وعنده جماعة من أصحابه وهو مقبل علينا بالحديث، إذ نظر إلى زوبعة قد ارتفعت فأثارت الغبار، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقعت  بحذاء النبي ص فسلم على رسول الله ص شخص فيها ثم قال: يا رسول الله إني وافد قومي وقد استجرنا بك فأجرنا، وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا، فإن بعضهم قد بغوا علينا ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وكتابه، وخذ علي العهود والمواثيق المؤكدة أني أرده إليك سالما في غداة إلا أن يحدث علي حادثة من قبل الله، فقال له النبي ص: من أنت ومن قومك ؟ قال : أنا عرفطة بن سمراخ أحد بني كاخ من الجن المؤمنين   أنا وجماعة من أهلي كنا نسترق السمع، فلما منعنا ذلك وبعثك الله نبيا آمنا بك وصدقنا قولك، وقد خلفنا بعض القوم مؤمنين وبعضهم أقاموا على ما كانوا عليه فوقع بيننا وبينهم الخلاف وهم أكثر منا عددا وقوة وهمقد غلبوا على الماء والمراعي وأضروا بنا وبدوابنا فابعث معي من يحكم بيننا بالحق، فقال له النبي ص: اكشف لنا وجهك حتى نراك على هيئتك التي أنت عليها، فكشف لنا عن صورته، فنظرنا إلى شخص عليه شعر كثير، وإذا رأسه طويل، طويل العينين، عيناه في طول رأسه، صغير الحدقتين، في فيه أسنان كأسنان السبع، ثم إن النبي ص أخذ عليه العهد والميثاق على أن يرد عليه في غد من يبعث معه به، فلما فرغ من ذلك التفت إلى أبي بكر وقال: سر مع أخينا عرفطة وتشرف على قومه وتنظر إلى ما هم عليه فاحكم بينهم بالحق فقال: يا رسول الله وأين هم؟ قال : هم تحت الأرض، فقال أبو بكر: وكيف أطيق النزول في الأرض، وكيف أحكم بينهم، ولا أحسن كلامهم، فالتفت إلى عمر بن الخطاب، وقال له مثل قول أبي بكر، فأجاب بمثل جواب أبي بكر، ثم استدعى بعلي ع فقال له: يا علي سر مع أخينا عرفطة وتشرف على قومه، وتنظر إلى ما هم عليه، وتحكم بينهم بالحق، فقام علي ع مع عرفطة وقد تقلد بسيفه وتبعه أبو سعيد الخدري وسلمان الفارسي c قالا:  نحن اتبعناها إلى أن صارا إلى واد فلما توسطاه نظر إلينا علي ع فقال: قد] شكر الله سعيكما فارجعا، فقمنا ننظر إليهما فانشقت الأرض ودخلا فيها وعادت إلى ما كانت ورجعنا وقد تداخلنا من الحسرة والندامة ما الله أعلم به كل ذلك تأسفا على علي ع وأصبح النبي ص وصلى بالناس الغداة ثم جاء وجلس على الصفا وحف به أصحابه وتأخر علي ع وارتفع النهار وأكثر الناس الكلام إلى أن زالت الشمس وقالوا: إن الجني احتال على النبي  ص وقد أراحنا الله من أبي تراب وذهب عنا افتخاره بابن عمه علينا، وأكثروا الكلام إلى أن صلى النبي ص صلاة الأولى وعاد إلى مكانه وجلس على الصفا، وما زال أصحابه في الحديث إلى أن وجبت صلاة العصر وأكثر القوم الكلام، وأظهروا اليأس من أمير المؤمنين ع وصلى بنا النبي ص صلاة العصر، وجاء وجلس على الصفا، وأظهر الفكر في علي ع وظهرت شماتة المنافقين بعلي ع، فكادت الشمس تغرب وتيقن القوم أنه هلك، إذ انشق الصفا وطلع علي ع منه وسيفه يقطر دما ومعه عرفطة، فقام النبي ص فقبل ما بين عينيه وجبينه، فقال له: ما الذي حبسك عني إلى هذا الوقت؟ فقال: صرت إلى خلق كثير قد بغوا على عرفطة وقومه الموافقين ودعوتهم إلى ثلاث خصال، فأبوا علي ذلك، دعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى، والإقرار بنبوتك ورسالتك فأبوا، فدعوتهم إلى الجزية فأبوا، وسألتهم أن يصالحوا عرفطة وقومه فيكون بعض المرعى لعرفطة وقومه وكذلك الماء فأبوا، فوضعت سيفي فيهم، وقتلت منهم رهطا ثمانين ألفا، فلما نظر القوم إلى ما حل بهم طلبوا الأمان والصلح ثم آمنوا وصاروا إخوانا وزال الخلاف بينهم، وما زلت معهم إلى الساعة، فقال عرفطة: يا رسول الله جزاك الله وعليا خيرا وانصرف). 

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: هذا الخبر من مشهورات الأخبار المروية من طرق الفريقين وقد نقله غير واحد من أصحابنا في مؤلفاتهم باختلاف يسير في بعض الألفاظ منهم الشيخ الجليل شاذان بن جبرائيل في كتابي الفضائل والروضة ، ومنهم صاحب عيون المعجزات ، كما نقل عنه المجلسي  في كتاب السماء والعالم من البحار ،  ومنهم السعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الأردبيلي أو أربلي من علماء العامة في كتابه الأربعين على نحو الاختصار، وإنما اخترنا رواية الكتاب المذكور لجلالة قدر مصنفه -أجل الله شأنه- وشدة تنقيره في إيراد الأخبار جزاه الله عن أجداده الطاهرين خير الجزاء.

أمير المومنين مبتعث من قبل رسول الله إلى وادي كفار الجن

التاسع والثلاثون إرشاد المفيد  عن محمد بن أبي السري التميمي، عن أحمد بن الفرج، عن الحسن بن موسى النهدي، عن أبيه عن وبرة بن الحارث، عن ابن عباس  قال: (لما خرج النبي ص إلى بني المصطلق جنب عن الطريق، فأدركه الليل، فنزل بقرب واد وعر، فلما كان في آخر الليل هبط عليه جبرئيل ع يخبره: أن طائفة من كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشر بأصحابه عند سلوكهم إياه، فدعا أمير المؤمنين ع فقال له: اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجن من يريدك، فادفعه بالقوة التي أعطاك الله عز وجلإياها وتحصن منه  بأسماء الله عز وجل التي خصك بعلمها، وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس وقال لهم : كونوا معه وامتثلوا أمره، فتوجه أمير المؤمنين ع إلى الوادي فلما قرب شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئا حتى يؤذن لهم، ثم تقدم فوقف على شفير الوادي وتعوذ بالله من أعدائه وسمى الله عز اسمه، وأومأ إلى القوم الذين اتبعوه أن يقربوا منه، فقربوا وكان بينهم وبينه فرجة مسافتها غلوة، ثم رام الهبوط إلى الوادي فاعترضته ريح عاصف كاد أن يقع القوم على وجوههم لشدتها ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هول الخصم ومن هول ما لحقهم، فصاح أمير المؤمنين ع: أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وصي رسول الله وابن عمه اثبتوا إن شئتم، فظهر للقوم أشخاص على صورة الزط يخيل في أيديهم شعل النيران قداطمأنوا وأطافوا بجنبات الوادي، فتوغل أمير المؤمنين ع بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يمينا وشمالا، فما لبث الأشخاص حتى صارت كالدخان الأسود وكبر أمير المؤمنين ع، ثم صعد من حيث هبط فقام مع القوم الذين اتبعوه حتى أسفر الموضع عما اعتراه، فقال له أصحاب رسول الله ص: ما لقيت يا أبا الحسن فلقد كدنا أن نهلك خوفا وأشفقنا عليك أكثر مما لحقنا، فقال لهم ع: أنه لما تراءى لي العدو جهرت فيهم بأسماء الله عز وجل، فتضاءلوا وعلمت ما حل بهم من الجزع، فتوغلت الوادي غير خائف منهم ولو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم، وقد كفى الله كيدهم وكفى المؤمنين شرهم وستسبقني بقيتهم إلى النبي ص فيؤمنون به، وانصرف أمير المؤمنين بمن تبعه إلى رسول الله ص وأخبره الخبر فسري عنه ودعا له بخير، وقال له : قد سبقك إلي يا علي من أخافه الله بك وأسلم وقبلت إسلامه، ثم ارتحل بجماعة المسلمين حتى قطعوا الوادي آمنين غير خائفين)

قال المفيد  بعد نقل الخبر: (وهذا الحديث قد روته العامة كما روته الخاصة ولم يتناكروا شيئا منه)، هي.

أقول: وكيف يتناكرون أمثال هذا الخبر وقد بعث الله النبي ص على الجن كما بعثه على الإنس، وأمير المؤمنين وصيه وخليفته ومن لا يقدر على من بعث عليهم، كيف يكون حجة عليهم.

التوسل بعلي يلين الحديد

الأربعون مناقب الشيخ الجليل محمد بن علي بن شهر آشوب السردي  قال: روى جماعة عن خالد بن الوليد أنه قال: (رأيت عليا يسرد حلقات درعه بيده ويصلحها، فقلت: هذا كان لداود ع! فقال: يا خالد بنا لان الله الحديد لداود، فكيف لنا).

أقول: وسيأتي في هذا الكتاب من قصة خالد ما يشيد هذا الخبر فارتقب.

أمير المؤمنين علم سليمان منطق الطير

الحادي والأربعون مدينة المعاجز مرسلا عن سلمان  قال: (كنت يوما جالسا عند مولانا أمير المؤمنين ع بأرض قفراء، فرأى دراجا فكلمه ع فقال له: مذ كم أنت في هذه البرية؟ ومن أين مطعمك ومشربك؟ فقال: يا أمير المؤمنين منذ أربعمائة سنة أنا في هذه البرية، ومطعمي ومشربي إذا جعت فأصلي عليكم فأشبع، وإذا عطشت فأدعوا على ظالميكم فأروى، قلت: يا أمير المؤمنين -صلوات الله وسلامه عليك- هذا شيء عجيب ما أعطي منطق الطير إلا سليمان بن داود ع فقال: يا سلمان أما علمت أني أعطيت سليمان ذلك، يا سلمان أتريد أن أريك شيئا أعجب من هذا؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين ويا خليفة رسول رب العالمين، قال: فرفع رأسه إلى الهواء وقال: يا طاووس اهبط، فهبط ثم قال: يا صقر، اهبط، فهبط، ثم قال: يا باز اهبط، فهبط ثم قال:يا غراب اهبط، فهبط، ثم قال: يا سلمان اذبحهم وانتف ريشهم، وقطعهم إربا إربا، واخلط لحومهم، ففعلت مما أمرني مولاي، وتحيرت في أمره، ثم التفت إلي وقال: ما تقول؟ فقلت: يا مولاي أطيار تطير في الهواء لم أعرف لهم ذنبا أمرتني بذبحها، قال: يا سلمان أتريد أن أحييها الساعة؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين فنظر إليها شزرا وقال: طيري بقدرة الله، فطارت الطيور جميعا بإذن الله تعالى قال: فتعجبت من ذلك، وقلت : يا مولاي هذا أمر عظيم، قال : يا سلمان لا تعجب من أمر الله فإنه قادر على ما يشاء فعال لما يريد، يا سلمان إياك أن يجول بوهمك شيء، أنا عبد الله وخليفته، أمري أمره، ونهيي نهيه، وقدرتي قدرته وقوتي قوته).

أقول: ووجدت هذا الحديث في بعض المجامع منقولا عن كتاب درر المطالب، وغرر المناقب نقلا عن كتاب نوادر الأخبار، هي.

آتى الله نبيه محمد ووصيه عليا ما لم يؤت أحدا من الأنبياء بأسرهم

الثاني والأربعون: وفيه عن عيون المعجزات قال: وحدثني أبو علي احمد بن زيد بن دارا  قال: حدثني بالبصرة أبو عبد الله الحسين بن محمد بن جمعة القمي  قال: حدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أيوب بالإسناد إلى رسول الله ص أنه قال: (حضر يوما عند أصحابه فقالوا له: يا رسول الله إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وكلم موسى تكليما، وكان عيسى بن مريم يحيي الموتى، فما صنع بك ربك؟ فقال ص: إن كان سبحانه اتخذ إبراهيم خليلا فقد اتخذني حبيبا، وإن كان كلم موسى من وراء حجاب فقد رأيت جلال ربي وكلمني مشافهة، وإن كان عيسى يحيي الموتى بإذن الله فإن شئتم أحييت لكم موتاكم بإذن الله، فقالوا: لقد شئنا فأرسل معهم أمير المؤمنين ع بعد أن ردأه ببردة له يقال لها المستجاب وجعل طرفيه على كتفيه ورأسه، ثم أمره أن يقدمهم إلى المقابر [وأمرهم باتباعه فاتبعوه، فلما توسط الجبانة فسعوا فلما أتوا المقابر سلم على أهل القبور ودعا وتكلم بكلام لم يفهموه،فاضطربت الأرض ومادت وارتجت وقامت الموتى وقالوا بأجمعهم: على رسول الله ص ثم على أمير المومنين ع السلام   فتداخلهم ذعر شديد فقالوا: حسبك يا أبا الحسن أقلنا أقالك الله، فأمسك عن استتمام كلامه ودعائه، ورجع إلى رسول الله ص فقالوا له: اقلنا، فقال لهم: إنما رددتم على الله لا أقالكم الله يوم القيامة ).

أقول: وفي فضائل شاذان بحذف الإسناد ،هي.

أمير المومنين قادر على إحياء الموتى بإذن الله

الثالث والأربعون مناقب ابن شهر آشوب، عن كتاب العلوي البصري: (أن جماعة من اليمن أتوا إلى النبي ص فقالوا: نحن من بقايا الملل المتقدمة من آل نوح، وكان لنبينا وصي اسمه سام وأخبر في كتابه أن لكل نبي معجزا وله وصي يقوم مقامه، فمن وصيك؟ فأشار ص بيده  نحو علي ع، فقالوا: يا محمد إن سألناه أن يرينا سام بن نوح فيفعل، فقال ص: نعم بإذن الله، وقال: يا علي قم معهم إلى داخل المسجد واضرب برجلك الأرض عند المحراب، فذهب علي ع وبأيديهم صحف إلى أن دخل محراب رسول الله ص داخل المسجد، فصلى ركعتين، ثم قام وضرب برجله الأرض فانشقت الأرض، وظهر لحد وتابوت، فقام من التابوت شيخ يتلألأ وجهه مثل القمر ليلة البدر، وينفض التراب من  رأسه وله لحية إلى سرته وصلى على علي ع وقال:أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله سيد المرسلين وأنك علي وصي محمد سيد الوصيين وأنا سام بن نوح، فنشروا أولئك صحفهم فوجدوه كما وصفوه في الصحف، ثم قالوا: نريد أن يقرأ من صحفه سورة فأخذ في قراءته حتى تمم السورة، ثم سلم على علي ع ونام كما كان، فانضمت الأرض، وقالوا بأسرهم: ﴿إن الدين عند الله الإسلام ﴾ وأنزل الله﴿أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى﴾إلى قوله ﴿أنيب﴾).

أقول: إن إحياء أمير المؤمنين ع للموتى وقع مرارا كثيرة؛ غير إنا نكتفي ببعض منها لكون كتابنا محصورا في عدد مخصوص فلو أردنا استيفاء نوع واحد من المعاجز فاتنا كثير من سائر الأنواع منها؛ فرأينا الحري أن نورد من كل من الأنواع شيئا ليكون أنموذجا من الباقي والسلام.

وصي موسى يحضر عند أمير المؤمنين

الرابع والأربعون بصائر الصفار ، عن محمد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى عمن أخبره، عن عباية الأسدي قال: (دخلت على أمير المؤمنين ع وعنده رجل رث الهيئة، وأمير المؤمنين ع مقبل عليه بكلمة، فلما قام الرجل قلت: يا أمير المؤمنين ع من هذا الذي أشغلك عنا؟ قال: هذا وصي موسى ع)().

أقول: وعن مناقب ابن شهر آشوب، عن عباية بن ربعي الأسدي المذكور مثله.

حديث البساط

الخامس والأربعون: عن المجموع الرائق من أزهار الحدائق للسيد هبة الله بن الحسن  مرفوعا، عن أبي عبدالله بن زكريا بن دينار، عن أبي جبير الأسود، عن محمد بن عبد الله الصائغ يرفعه إلى سلمان الفارسي (ح)، عن بعض علمائنا الإمامية في كتاب له سماه منهج التحقيق إلى سواء الطريق قال فيه: روي عن سلمان الفارسي واللفظ للأخير مع الإشارة إلى بعض مواضع الاختلاف بين الروايتين- قال : (كنا جلوسا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع بمنزله لما بويع عمر بن الخطاب قال كنت أنا والحسن والحسين (عليهم السلام) ومحمد بن الحنفية ومحمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود الكندي رضي الله عنهم، فقال له ابنه الحسن ع: يا أمير المؤمنين إن سليمان بن داود سأل ربه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك، فهل ملكت ما ملك سليمان بن داودشيئا] ؟ فقال ع: والذي فلق الحبة وبرء النسمة إن سليمان ابن داود]سأل ربه تبارك وتعالى الملك فأعطاه، وإن أباك ملك ما لم يملكه بعد جدك رسول الله ص أحد قبله ولا يملكه أحد بعده، فقال[له]الحسن ع: نريد أن ترينا مما فضلك الله عز وجل به من الكرامة، فقال ع: أفعل إن شاء الله، فقام أمير المؤمنين ع وتوضأ وصلى ركعتين، ودعا الله عز وجل بدعوات لم نفهمها، ثم أومأ بيده إلى جهة المغرب، فما كان بأسرع من أن جاءت سحابة فوقفت على الدار وإلى جانبها سحابة أخرى، فقال أمير المؤمنين ع: أيتها السحابة اهبطي بإذن الله، فهبطت وهي تقول: أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك خليفة الله ووصيه، من شك فيك فقد هلك، ومن تمسك بك سلك سبيل النجاة، قال: ثم انبسطت السحابة في الأرض حتى] كأنها بساط موضوع، فقال أمير المؤمنين ع: اجلسوا على الغمامة، فجلسنا وأخذنا مواضعنا، فأشار إلى السحابة الأخرى، فهبطت وهي تقول كمقالة الأولى، فجلس أمير المؤمنين ع عليها منفردا، ثم تكلم بكلام وأشار إليها بالمسير نحو المغرب، وإذا بالريح قد دخلت تحت السحابتين، فرفعتها رفعا رفيقا فتأملت نحو أمير المؤمنين ع، وإذا به على كرسي والنور يسطع من وجهه فيكاد يخطف الأبصار).

أقول: وفي رواية المجموع الرائق هكذا: (فإذا نحن بأمير المؤمنين ع في تلك السحابة على كرسي من نور عليه ثوبان أصفران وعلى رأسه تاج من ياقوتة صفراء وفي رجليه نعلان شراكها من ياقوت يتلألأ وفي يده خاتم من درة بيضاء يكاد نور وجهه يذهب بالأبصار) هي.

رجعنا إلى رواية المحتضر فقال له الحسن ع: يا أمير المؤمنين إن سليمان كان مطاعا بخاتمه، فبماذا أمير المؤمنين مطاع؟ فقال ع: أنا عين الله في أرضه، أنا لسان الله الناطق في خلقه، أنا نور الله الذي لا يطفى، أنا باب الله الذي يؤتى منه وحجته على عباده، ثم قال ع : أتحبون أن أريكم خاتم سليمان بن داود؟ قلنا : نعم، فأدخل يده إلى جيبه فاخرج خاتما من ذهب فصه من ياقوتة حمراء عليه مكتوب محمد وعلي، قال سلمان : فعجبنا من ذلك فقال: من أي شئ تعجبون؟ وما العجب من مثلي أنا، أريكم اليوم ما لا ترون أبدا، فقال الحسن ع : أريد أن تريني يأجوج ومأجوج والسد الذي بيننا وبينهم، فسارت السحابة فوق الريحفسمعنا لها دويا كدوي الرعد، وعلت في الهواء وأمير المؤمنين ع يقدمنا حتى انتهينا إلى جبل شامخ فيالعلو، وإذا شجرة جافة قد تساقطت أوراقها وجفت أغصانها، فقال الحسن ع : ما بال هذه الشجرة قد يبست؟ فقال ع له: سلها فإنها تجيبك، فقال الحسن ع: أيها الشجرة مالك قد حدث بك ما نراه من الجفاف؟ فلم تجبه، فقال أمير المؤمنين ع : بحقي عليك إلا ما أجبته، قال الراوي: فوالله لقد سمعتها تقول: لبيك لبيك يا وصي رسول الله وخليفته، ثم قالت: يا أبا محمد إن أمير المؤمنين ع كان يجيئني في كل ليل وقت السحر، ويصلى عندي ركعتين ويكثر من التسبيح، فإذا فرغ من دعائه جاءته غمامة بيضاء ينفح منها ريح المسك وعليها كرسي فيجلس عليه وتسير به، وكنتأعيش ببركته، فانقطع عني منذ أربعين يوما فهذا سبب ما تراه مني، فقام أمير المؤمنين ع وصلى ركعتين ومسح بكفه عليها، فاخضرت وعادت إلى حالها، ثم أمر الريح فسارت بنا وإذا نحن بملك يده في المغرب وأخرى بالمشرق، فلما نظر الملك إلى أمير المؤمنين قال: أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأشهد أنك وصيه وخليفته حقا وصدقا، فقلنا: يا أمير المؤمنين من هذا الذي يده في المغرب والأخرى في المشرق؟ فقال ع : هذا الملك الذي وكله الله عز وجل بالليل والنهار، فلا يزول إلى يوم القيامة، وأن الله تعالى جعل أمر الدنيا إلي، وأن أعمال الخلائق تعرض [في كل يوم علي، ثم ترفع إليه تبارك وتعالى) أقول: وفي رواية المجموع الرائق تعد قصة الشجرة هكذا: (ثم عاد ع إلى موضعه وقال للريح: سيري بنا، فدخلت الريح تحت السحابة ورفعتنا حتى رأينا الأرض مثل دو الترس، ورأينا في الهواء ملكا رأسه تحت الشمس ورجلاه في قعر البحر ويده في المغرب والأخرى في المشرق، فلما جزنا به قال: لا إله إلا الله، محمد عبده ورسوله، وإنك وصيه حقا لا شك فيه، فمن شك فهو كافر، فقلنا: يا أمير المؤمنين من هذا الملك؟ وما بال يده في المغرب والآخرى في المشرق؟ فقال ع : أنا أقمته بإذن الله هاهنا، ووكلته بظلمات الليل وضوء النهار، ولا يزال كذلك إلى يوم القيامة، وإني أدبر أمر الدنيا وأصنع ما أريد بإذن الله وأمره، وأعمال الخلائق إلي، وأنا أرفعها إلى الله عز وجل) هي. رجعنا إلى رواية المحتضر (ثم سرنا حتى وقفنا على سد يأجوج ومأجوج فقال أمير المؤمنين ع : للريح اهبطي بنا مما يلي هذا الجبل وأشاربيده إلى جبل شامخ في العلو وهو جبل الخضر ع فنظرنا إلى السد وإذا ارتفاعه مد البصر وهو أسود كقطعة ليل دامس يخرج من أرجائه الدخان، فقال أمير المؤمنين ع: يا أبا محمد أنا صاحب هذا الأمر على هؤلاء العبيد، قال سلمان: فرأيت أصناما ثلاثة طول أحدها مائة وعشرون ذراعا، والثاني طوله أحد وسبعون والثالث مثله ولكنه يفرش إحدى أذنيه تحته ويلتحف بالأخرى، ثم إن أمير المؤمنين ع أمر الريح فسارت بنا إلى جبل قاف فانتهينا إليه، وإذا هو من زمردة خضراء وعليها ملك على صورة النسر، فلما نظر إلى أمير المؤمنين ع قال الملك: السلام عليك يا وصي رسول الله وخليفته، أتأذن لي في الكلام فرد ع وقال له: إن شئت فتكلم  وإن شئت أخبرتك عما تسألني عنه، فقال الملك: بل تقول أنت يا أمير المؤمنين، فقال: تريد أن آذن لك أن تزور الخضر ع، قال: نعم، قال: قد أذنت لك، فأسرع الملك بعد أن قال : بسم الله الرحمن الرحيم، ثم مشينا على الجبل هنيئة؛ فإذا الملك قد عاد إلى مكانه بعد زيارة الخضر، فقلت: يا أمير المؤمنين رأيت الملك ما زار حتى أخذ الإذن، فقال ع: يا سلمانوالذي رفع السماء بغير عمد لو أن أحدهم رام أن يزول من مكانه بقدر نفس واحد لما زال حتى آذن له، وكذلك يصير حال ولدي الحسن بعدي ثم الحسين بعده ثم تسعة من ولد الحسين تاسعهم قائمهم، فقلنا: ما اسم الملك الموكل بقاف؟ فقال : برجائيل، فقلنا: يا أمير المؤمنين، كيف تأتي كل ليلة إلى هذا الموضع وتعود؟ فقال ع: كما أتيت بكم، والذي فلق الحبة وبرء النسمة أني لأملك من ملكوت السماوات والأرض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم، إن الاسم الأعظم على اثنين وسبعين حرفا، وكان عند آصف بن برخيا حرف واحد فتكلم به، فخسف الله عز وجل الأرض ما بينه وبين عرش بلقيس حتى تناول السرير، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، وعندنانحنوالله اثنان وسبعون حرفا وحرف واحد استأثر الله عزوجل به في علم الغيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عرفنا من عرفنا وأنكرنا من أنكرنا).

أقول: وفي رواية المجموع الرائق بعد قصة الملك هكذا: (ثم سار بنا حتى وقفنا على سد يأجوج ومأجوج، فقال للريح: اهبطي تحت هذا الجبل وأشار بيده إلى جبل شامخ إلى قرب السد ارتفاعه مد البصر، وإذا به سواد كأنه قطعة ليل يفور منه دخان، فقال ع: أنا صاحب هذا السد على هؤلاء القبيل، قال سلمان: فرأيتهم ثلاثة أصناف، صنف طوله مائة وعشرون في عرض ستين ذراعا، والصنف الثاني طوله مائة وسبعون في عرض مثله، والصنف الثالث أحدهم يفرش أحد أذنيه تحته والأخرى فوقه يلتحف بها، ثم قال للريح: سيري بنا إلى قاف فسارت بنا إلى جبل من ياقوتة خضراء وهو محيط بالدنيا عليه ملك في صورة بني آدم وهذا الملك موكل بقاف، فلما نظر الملك إلى أمير المؤمنين ع قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الكلام فرد عليه السلام، وقال: أنا أخبرك بما تريد أن تتكلم به وتسألني عنه أم أنت؟ فقال الملك: بل أنت يا أمير المؤمنين، قال: تريد أن آذن لك في زيارة صاحبك فقد أذنت لك، فأسرع الملك وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم طار إلى أن غاب عن أعيننا، قال سلمان: وقطعنا ذلك الجبل حتى انتهينا إلى شجرة جافة أجف من الشجرة الأولى، فقلنا: يا أمير المؤمنين ما بال هذه الشجرة قد جفت؟ فقال ع: سلوها، قال الحسن ع :فقمت ودنوت أنا وأبي منها، فقلت لها: أقسمت عليك بحق أمير المؤمنين ع أن تخبرينا ما بالك وأنت في هذا المكان؟ قال سلمان: فتكلمت بلسان طلق وهي تقول: يا أبا محمد إني كنت أفتخر الأشجار، فصارت الأشجار تفتخر علي وذلك أن أباك كان يجيئني في كل ليلة عند الثلث الأول من الليل فيستظل بي ساعة يصلي ويسبح الله عز وجل، ثم يأتيه فرس أدهم فيركبه ويمضي فلا أراه إلى وقته، وكنت أعيش من رائحته وأفتخر به فقطعني منذ أربعين ليلة، فغمني ذلك فصرت كما ترى، فقلنا: يا أمير المؤمنين اسأل الله تعالى في ردها كما كانت فمسح يده المباركة بها، ثم قال: يا شاه شاهان، فسمعنا لها أنينا وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك أمير هذه الأمة ووصي رسولها؛ من تمسك بك نجا ومن تخلف عنك هوى، ثم اخضرت وأورقت فجلسنا تحتها ساعة وهي خضرة نضرة، فقلنا: يا أمير المؤمنين أين ذهب ذلك الملك الموكل بقاف؟ فقال ع : كنت بالأمس على جبل الظلمة، فسألني الملك الموكل بها في زيارة هذا الملك، فأذنت له فاستأذنني هذا الملك في هذا اليوم على أن يكافئه فأذنت له، فقلنا: يا أمير المؤمنين ما يزولون عن مواضعهم إلا بإذنك، قال: والذي رفع السماء بغير عمد ما أظن أحدا منهم يزول عن مواضعه بغير إذني بقدر نفس واحد إلا احترق، فقلنا: يا أمير المؤمنين أليس كنت بالأمس جالسا معنا في منزلك، ففي أي وقت كنت في ذلك الجبل؟ فقال: أغمضوا أعينكم فغمضنا، ثم قال: افتحوا ففتحنا فإذا نحن قد بلغنا مكة، فقال: لقد بلغنا مكة ولم يشعر أحد منكم، فكذلك كنت بقاف ولم يشعر بي أحد، فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا شيء عجيب، فقال: والله إني أملك من الملكوت ما لو عاينتموه لقلتم أنت أنت وأنا عبدالله مخلوق من الخلائق آكل وأشرب).

رجعنا إلى رواية المحتضر (ثم قام ع وقمنا، فإذا بشاب في الجبل يصلي بين قبرين، قلنا: يا أمير المؤمنين من هذا الشاب؟ فقال: صالح النبي وهذان القبران لأمه وأبيه وإنه يعبد الله تعالى بينهما، فلما نظر إليه الشاب لم يملك  نفسه حتى بكى، وأومأ بيده إلى أمير المؤمنين ع وأعادها إلى صدره وهو يبكي، فوقف أمير المؤمنين (عليه السلام) عنده حتى فرغ من صلاته، فقلنا له: ما بكاؤك؟ فقال:  إن أمير المؤمنين كان يمر بي عند كل غداة فيجلس فتزداد عبادتي بنظري إليه فانقطع عنيمدة عشرة أيام فأقلقني ذلك فعجبنا، فقال (عليه السلام) :أتريدون أن أريكم سليمان بن داود؟ قلنا: نعم ،فقام ونحن معه حتى دخل بستانا ما رأينا أحسن منه، وفيه من جميع الفواكه والأعناب تجري فيه الأنهار وتتجاوب الأطيار على الأشجار، فلما رأته الأطيار  أتت ترفرف حوله حتى توسطنا البستان، وإذا سرير عليه شاب ملقى على ظهره واضع يده على صدره، فأخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) الخاتم من جيبه وجعله في إصبع سليمان فنهض قائما، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ووصى رسول رب العالمين أنت والله الصديق الأكبر والفاروق الأعظم قد أفلح من تمسك بك وقد خاب وخسر من تخلف عنك، وأني سألت الله بكم أهل البيت، فأعطيت ذلك الملك، قال سلمان: فلما سمعت كلام سليمان بن داود لم أملك نفسي أن  وقعت على أقدام أمير المؤمنين أقبلها، وحمدت الله على جزيل عطائه بهدايته إلى ولاية أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ففعل أصحابي كما فعلت، ثم سألنا أمير المؤمنين (عليه السلام) ما وراء قاف، فقال (عليه السلام): وراءه ما لا يصل إليكم علمه، فقلنا: أتعلم ذلك؟ فقال (عليه السلام): علمي بما ورائه كعلمي بحال هذه الدنيا وما فيها، وأني الحفيظ الشهيد عليها بعد رسول الله ص، وكذلك الأوصياء من ولدي بعدي، ثم قال (عليه السلام): إني لأعرف بطرق السماوات مني بطرق الأرض، نحن الاسم المخزون المكنون، نحن الأسماء الحسنى التي إذا سأل الله عز وجل بها أجاب، نحن الأسماء المكتوبة على العرش، ولأجلنا خلق الله السماوات والأرض والعرش والكرسي والجنة والنار، ومنا تعلمت الملائكة التسبيح والتقديس والتوحيد والتهليل والتكبير، ونحن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه.

أقول: وفي رواية المجموع الرائق بعد قصة سليمان (عليه السلام) هكذا: ثم نام سليمان، وقمنا ندور في قاف، فسألته عما وراء قاف، فقال (عليه السلام): وراءه أربعون دنيا كل دنيا مثل هذه الدنيا أربعين مرة، فقلنا: كيف علمك بذلك؟ قال: كعلمي بهذه الدنيا ومن فيها، وأنا الحفيظ الشهيد عليها بعد رسول الله وكذلك الأوصياء من ولدي بعدي، ثم قال: إني لأعرف بطرق السماوات مني بطرق الأرضين، وفي بعض المواضع: أعلم ذلك بالاسم الأعظم الذي إذا كتب على ورق الزيتون وألقي في النار لم يحترق، يا سلمان أسماؤنا كتبت على الليل فأظلمه، وعلى النهار فأضاء، أنا المحنة الواقعة على الأعداء، وأنا الطامة الكبرى، أسماؤنا كتبت على العرش حتى استندوا على السماوات فقامت، وعلى الأرض فسكنت، وعلى الرياح فذرت، وعلى البرق فلمع، وعلى النور فسطع، وعلى الرعد فخشع، وأسماؤنا مكتوبة على جبهة إسرافيل الذي جناحه في المشرق والآخر في المغرب وهو يقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح.

رجعنا إلى رواية المحتضر]  ثم قال (عليه السلام): أتريدون أن أريكم عجبا؟ قلنا: نعم، قال (عليه السلام): غضوا أعينكم،  ففعلنا، ثم قال: افتحوها ففتحنا، فإذا نحن في مدينة ما رأينا أكبر منها، فيها أسواق قائمة، وفيها أناس ما رأينا أعظم من خلقهم على طول النخل، فقلنا: يا أمير المؤمنين من هؤلاء؟ قال (عليه السلام): بقية قوم عاد كفار لا يؤمنون بالله عز وجل أحببت أن أريكم إياهم، وهذه المدينة وأهلها أريد أن أهلكهم وهم لا يشعرون.

أقول: وفي رواية المجموع الرائق قال: (هؤلاء بقية قوم عاد وهم كفار لا يؤمنون بيوم المعاد وبمحمد ص، فأحببت أن أريكم إياهم في هذا الموضع، ولقد مضيت بقدرة الله تعالى واقتلعت مدينتهم، وهي من مدائن المشرق وأتيتكم بها وأنتم لا تشعرون، وأحببت أن أقاتل بين أيديكم.

رجعنا إلى رواية المحتضر، فقلنا: (يا أمير المؤمنين أتهلكهم بغير حجة! قال (عليه السلام): لا بل بحجة عليهم، ثم دنا منهم وتراءى إليهم فهموا أن يقتلوه ونحن نراهم وهم لا يروننا، ثم تباعد عنهم ودنا منا ومسح بيده على صدورنا وأبداننا وتكلم بكلمات لم نفهمها، وعاد إليهم ثانية حتى صار بإزائهم، وصعق فيهم صعقةقال سلمان: لقد ظننا فكأن الأرض قد انقلبت بنا، والسماء قد سقطت علينا، وظننا أن الصواعق من فيه  قد خرجت من فيه فأهلكوا ولم يبق منهم في تلك الساعة أحد، فقلنا: يا أمير المؤمنين ما صنع الله بهم؟ قال: هلكوا وصاروا كلهمإلى النار، فقلنا: هذا معجز ما رأينا ولا سمعنا بمثله، فقال (عليه السلام): أتريدون أن أريكم أعجب من ذلك؟ فقلنا: لا نطيق [بأسرنا علىاحتمال شيء آخر فعلى من لا يتولاك ويؤمن بفضلك وعظيم قدرك عند الله تعالى لعنة الله ولعنة اللاعنين من الملائكة والخلق أجمعينإلى يوم الدين، ثم سألناه الرجوع إلى أوطاننا، فقال (عليه السلام) :أفعل إن شاء الله، ثم أشار إلى السحابتين فدنتا منا، فقال: خذوا مواضعكم فجلسنا على السحابة وجلس (عليه السلام) على الأخرى، وأمر الريح فحملتنا حتى صرنا في الجو، ورأينا الأرض كالدرهم، ثم حطتنا في دار أمير المؤمنين (عليه السلام) في أقل من طرفة عين، وكان وصولنا إلى المدينة وقت الظهر والمؤذن يؤذن، وكان خروجنا منه وقت ارتفاع الشمس فقلنا: يا لله العجب كنا في جبل قاف مسيرة خمس سنين وعدنا في خمس ساعات، فقال (عليه السلام): لو أنى أردت أن أخرق الدنيا بأسرها والسماوات السبع وأرجع في أقل من طرفة عين لفعلت لما عندي من اسم الله الأعظم، قلنا: يا أمير المؤمنين أنت والله الآية العظمى والمعجز الباهر بعد أخيك وابن عمك رسول الله ص)(.

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: إن حديث الغمامة هذا من جملة المعجزات المشهورة المنقولة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد نقله كثير من أصحابنا في مصنفاتهم العربية والعجمية منهم الشيخ الجليل الحسن بن سليمان الحلي  في كتابه المحتضر، والسيد الجليل السيد هبة الله في كتابه المجموع الرائق كما سمعت، والمولى المقدس الجليل أحمد بن محمد الأردبيلي  في كتابه حديقة الشيعة، والحكيم المتوغل الماهر القاضي سعيد القمي وقد نقله وكتب عليه شرحا وافيا سلك فيه مسلك التأويل والمعاني الباطنة، وشرحه معروف بين أهل العلم والسيد السند العلامة السيد هاشم التوبلي البحراني  في كتابه مدينة المعاجز، والشيخ المحدث القاضي الشيخ عبدالله بن نور الله البحراني في كتاب الإمامة من كتابه عوالم العلوم، والشيخ العارف الصمداني عبد الصمد الهمداني في كتابه بحر المعارف، وغيرهم من أهل الحديث، غير أن الأصل في تلك الروايات كلها كتاب المحتضر والمجموع الرائق، وزاد القاضي القمي  كتاب بحر المناقب، وهو كتاب معروف نقل عنه الخاصة والعامة، غير أني لم أتحقق من مصنفه إلى الآن ولم يصرح هو أيضا بمصنفه، ولما كان كتاب المحتضر حاضرا عندنا حال النقل جعلنا روايته أصلا في كتابنا هذا وأشرنا إلى بعض مواضع الاختلاف بين روايتي الكتابين لا كلها لكون البعض الباقي راجعا إلى الاختلاف في اللفظ فقط غالبا، وأما رواية بحر المناقب فقد ذكر المولى القمي  أنه موافق لرواية المحتضر هذا، واعلم أن كل من نقل هذه الرواية عن المجموع الرائق عزى الكتاب المذكور إلى الصدوق  بعضهم على سبيل القطع وبعضهم على سبيل الاستظهار كالمقدس الأردبيلي،وليس بسديد فالظاهر أنه للسيد المذكور آنفا على ما حققه بعض نقاد الحديث من إخواننا المعاصرين -وفقه الله- وكتب إلي فيما كتب وأنهى فيه أنه من معاصري العلامة  غير أني لم أقف على حاله بعد، فإن وفقت عليه بعد ذلك ذكرته إن شاء الله في خاتمة الكتاب.

وبالجملة الكتاب المذكور لا يلائم مسلك الصدوق  بوجه، ولم يعده المعتنون بضبط أحواله وكتبه من جملة مؤلفاته أصلا فنسبة الكتاب عليه كنسبة عيون المعجزات إلى الشريف المرتضى  كما اشتهر، فإن من لاحظ أخبار الكتاب المذكور عرف على سبيل الجزم أنه خارج عن مسلك السيد ومذاقه بمراحل بعيدة.

أمير المومنين (عليه السلام) يأمر مالك الأشتر بالأخذ من ماء الفرات

السادس والأربعون مناقب ابن شهر آشوب، عن سهل بن حنيف في حديثه أنه: (لما أخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر أن يقول لمن على جانب الفرات: يقول لكم علي اعدلوا عن الماء، فلما قال ذلك عدلوا عنه، فورد قوم أمير المؤمنين الماء وأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضرهم وقال لهم في ذلك، فقالوا : إن عمرو بن العاص جاء وقال إن معاوية يأمركم أن تفرجوا عن الماء، فقال معاوية لعمرو: إنك لتأتي أمرا ثم تقول ما فعلته، فلما كان من غد وكّل معاوية حجل ابن عتاب النخعي في خمسة آلاف، فأنفذ أمير المؤمنين (عليه السلام) مالكا فنادى مثل الأول، فمال حجل عن الشريعة فأورد أصحاب علي وأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضر حجلا وقال له في ذلك فقال له : إن ابنك يزيد أتاني، فقال : إنك أمرت بالتنحي عنه فقال ليزيد في ذلك فأنكر، فقال معاوية: فإذا كان غدا فلا تقبل من أحد ولو أتيتك حتى تأخذ خاتمي، فلما كان يوم الثالث أمر أمير المؤمنين لمالك مثل ذلك فرأى حجل معاوية، وأخذ منه خاتمه وانصرف عن الماء وبلغ معاوية فدعاه، وقال له في ذلك فأراه خاتمه، فضرب معاوية يده على يده فقال : نعم وإن هذا من دواهي علي) .

أمير المؤمنين (عليه السلام) يذهب بأبي هريرة إلى أهله في طرفة عين

السابع والأربعون وفيه (شكا أبو هريرة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) شوق أولاده، فأمره (عليه السلام) بغض الطرف فلما فتحها كان في المدينة في داره فجلس فيها هنيئة، فنظر إلى علي (عليه السلام) في سطحه وهو يقول: هلم ننصرف وغض طرفه، فوجد نفسه في الكوفة فاستعجب أبو هريرة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن آصف أورد تختا من مسافة شهرين بمقدار طرفة عين إلى سليمان، وأنا وصي رسول الله ص)(.

أقول: ووجدت في كتاب راحة الأرواح ومؤنس الأشباح للشيخ المحدث الحسن السبزواري، وفي بعض مناقب العامة عن كتاب مصابيح القلوب أن ذلك الرجل هبيرة بن عبد الرحمن، ولعله الأصح فإن هبيرة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وخواصه قتل بصفين، فهو الذي يليق بحاله مثل هذه الرأفة والكرامة من أمير المؤمنين (عليه السلام) لا أبو هريرة، والله أعلم.

أمير المؤمنين (عليه السلام) يري عمر السارية في نهاوند

الثامن والأربعون كتاب الهداية، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كنا بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد رسول الله ص إذ دخل عمر بن الخطاب، فلما جلس قال للجماعة: إن لنا سرا فخففوا رحمكم الله، فاشمأزت وجوهنا وقلنا له: هكذا كان يفعل بنا رسول الله ص، ولقد كان يأتمننا على سره، فما بالك أنت لما وليت أمور المسلمين تستريب بثقات رسول الله ص، فقال لنا: أسرار لا يمكن إعلانها بين الناس، فقمنا مغضبين وخلا بأمير المؤمنين (عليه السلام) مليا، ثم قاما من مجلسهما حتى رقيا منبر رسول الله ص جميعا، فقلنا: الله أكبر أترى ابن حنتمة رجع عن غيه وطغيانه ورقى المنبر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ليخلع نفسه ويثبته له، فرأينا أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد مسح بيده على وجهه، ورأينا عمر يرتعد ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم صاح ملء صوته: يا سارية الجبل الجبل، ثم لم يلبث أن قبل صدر أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزلا وهو ضاحك، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يقول له: يا عمر افعل ما زعمت أنك فاعله، وإن كان لا عهد لك ولا وفاء، فقال له: أمهلني يا أبا الحسن حتى أنظر ما يرد من خبر سارية، وهذا الذي رأيته صحيح أم لا، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : ويحك إذا صح ووردت أخباره عليك بتصديق ما عاينت ورأيت، وأنهم قد سمعوا صوتك ولجأوا إلى الجبل كما رأيت هل أنت مسلم ما ضمنت، قال: لا يا أبا الحسن ولكني أضيف هذا إلى ما رأيت منك ومن رسول الله، والله يفعل ما يشاء ويختار، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا عمر إن الذي تقول أنت وحزبك الضالون أنه سحر وكهانة ليس منهما، فقال له عمر: يا أبا الحسن ذلك قول من مضى والأمر فينا في هذا الوقت ونحن أولى بتصديقكم في أفعالكم، وما نراه من عجائبكم إلا أن الملك عقيم، فخر لله أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلقيناه فقلنا له: يا أمير المؤمنين ما هذه الآية العظيمة؟ وهذا الخطاب الذي سمعناه؟ فقال: قد علمهم أولهم، فقلنا: ما علمناه يا أمير المؤمنين ولا نعلمه إلا منك، قال: إن هذا ابن الخطاب، قال لي أنه حزين القلب باكي العين على جيوشه التي في فيح الجبل في نواحي نهاوند، فإنه يحب أن يعلم صحة أخبارهم وكيف هم مع ما رفعوا إليه من كثرة جيوش الجبل، وأن عمرو بن معدي كرب قتل ودفن بنهاوند، وقد ضعف جيشه واختل بقتل عمرو فقلت له: ويحك يا عمر أتزعم أنك الخليفة في الأرض والقائم مقام رسول الله ص وأنت لا تعلم وراء أذنك وتحت قدمك والإمام يعلم الأرض وما فيها ولا يخفى عليه من أعمالهم شيء، فقال: يا أبا الحسن فأنت بهذه الصورة فأي شيء خبر سارية الساعة، وأين هو؟ ومن معه؟ وكيف صورتهم؟ فقلت له: يا ابن الخطاب إن قلت لك لم تصدقني، ولكني أريك جيشك وأصحابك وساريتك، وقد كمن لهم جيش الجبل في واد قفر بعيد الأقطار كثير الأشجار، فإن سار إليهم جيشك يسيرا أحاطوا به فيقتل أول جيشك وآخره، فقال لي: يا أبا الحسن ما لهم من ملجأ ولا مخرج من ذلك الوادي، فقلت: بلى لو لحقوا إلى الجبل الذي إلى الوادي يسلموا وأهلكوا جيش الجبل، فقلق وأخذ بيدي وقال: الله الله يا أبا الحسن في جيوش المسلمين، إما أن ترينهم كما ذكرت أو تحذرهم إن قدرت ولك ما تشاء ولو خلع نفسي من هذا الأمر ورده إليك، فأخذت عليه عهد الله وميثاقه إن رقيت به المنبر، وكشفت له عن بصره، وأريته جيشه في الوادي وأنهم يصيح بهم فيسمعون منه ويلجأون إلى الجبل، فيسلمون ويظفرون أن يخلع نفسه من الخلافة، ويسلم حقي إلي، فقلت له: قم يا شقي فوالله لا وفيت بهذا العهد والميثاق كما لم تف لله ولرسوله ولي بما أخذناه عليك من الميثاق والبينة في جميع المواطن، فقال لي: بلى والله، فقلت له: ستعلم أنك من الكاذبين، ورقيت المنبر، ودعوت بدعوات، وسألت الله أن يريه ما قلت له، ومسحت يدي على عينيه، وقلت له: أنظر وكشفت عنه غطاءه ونظر إلى سارية وساير الجيش وجيش الجبل وما بقي إلا الهزيمة لجيشه، وقلت له: صح يا عمر إن شئت، فقال: وأسمع، قلت له: وتسمع ويتأدى صوتك إليهم فصاح الصيحة التي سمعتموها: يا سارية الجبل الجبل، وسمعوا صوته ولجأوا إلى الجبل، فسلموا وظفروا، ونزل ضاحكا كما رأيتموه، وخاطبته وخاطبني بما قد سمعتم، قال جابر: فآمنا وصدقنا، وشك آخرون إلى أن ورد البريد بحكاية ما حكاه أمير المؤمنين (عليه السلام) ورآه عمر ونادى بأعلى صوته، فكان أكثر العوام المتردين لابن الخطاب جعلوا هذا الحديث له منقبة، والله ما كان إلا مثلنا).

أمير المؤمنين (عليه السلام) أحق بأن يرد عهد رسول الله ص

التاسع والأربعون عن ثاقب المناقب قال: حدثني شيخي أبو جعفر محمد بن الحسين بن جعفر الشوهاني  في داره بمشهد الرضا (عليه السلام)، بإسناده يرفعه إلى عطاء، عن ابن عباس قال :( قدم أبو الصمصام العبسي على رسول الله ص وأناخ ناقته على باب المسجد ودخل وسلم وأحسن التسليم، ثم قال: أيكم الفتى الغوي الذي يزعم أنه نبي؟ فوثب إليه سلمان الفارسي ، فقال: يا أخا العرب، أما ترى صاحب الوجه الأقمر، والجبين الأزهر، والحوض والشفاعة والقرآن والقبلة، والتاج واللواء، والجمعة والجماعة والتواضع والسكينة، والمسكنة والإجابة، والسيف والقضيب، والتكبير والتهليل، والأقسام والقضية، والأحكام الحنيفة، والنور والشرف، والعلو والرفعة، والسخاء، والشجاعة، والنجدة، والصلاة المفروضة، والزكاة المكتوبة، والحج، والإحرام، وزمزم، والمقام، والمشعر الحرام، واليوم المشهود، والمقام المحمود، والحوض المورود، والشفاعة الكبرى، ذلك سيدنا] ومولانا محمد رسول الله ص، فقال الأعرابي : إن كنت نبيا فقللي] متى تقوم الساعة ؟ ومتى يجيء المطر؟ وأي شئ في بطن ناقتي هذه؟ وأي شئ أكتسب غدا؟ ومتى أموت؟ فبقي النبي ص ساكتا لا ينطق بشيء، فهبط الأمين جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا محمد، اقرأ هذه الآية ﴿إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير﴾ قال الأعرابي: مد يدك فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأقر أنك محمد رسول الله، فأي شيء لي عندك إن أتيتك بأهلي وبني عمي مسلمين؟ فقال له النبي ص: «لك عندي ثمانون ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز» ، ثم التفت النبي ص إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: اكتب يا أبا الحسن« بسم الله الرحمن الرحيم، أقر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف، وأشهد على نفسه في صحة عقله وبدنه، وجواز أمره، [أن]لأبي الصمصام العبسي عليه، وعنده وفي ذمته ثمانين ناقة، حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز» وأشهد عليه جميع أصحابه، وخرج أبو الصمصام إلى أهله، فقبض النبي ص، فقدم أبو الصمصام وقد أسلم بنو العبس كلهم، فقال أبو الصمصام: يا قوم، ما فعل رسول الله ص؟ قالوا: قبض، قال: فمن الوصي بعده؟ قالوا : ما خلف فينا أحدا، قال : فمن الخليفة من بعده؟ قالوا: أبو بكر، فدخل أبو الصمصام المسجد فقال: يا خليفة رسول الله، إن لي على رسول الله ص دينا ثمانين ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فقال أبو بكر: يا أخا العرب، سألت ما فوق العقل، والله ما خلف فينا رسول الله ص لا صفراء ولا بيضاء، وخلف فينا] بغلته الدلدل، ودرعه الفاضلة، فأخذها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وخلف فينا فدكا فأخذناها نحن، ونبينا محمد لا يورث، فصاح سلمان الفارسي : كردى ونكردى وحق أمير ببردى يا أبا بكر باز كذار إين كار بكسى كه حق أوست، فقال : رد العمل إلى أهله، ثم ضرب يده على يدي أبي الصمصام، فأقامه إلى منزل علي (عليه السلام) - وهو يتوضأ وضوء الصلاة - فقرع سلمان الباب، فنادى علي (عليه السلام): ادخل أنت وأبو الصمصام العبسي، فقال أبو الصمصام : أعجوبة ورب الكعبة، من هذا الذي سماني باسمي ولم يعرفني! فقال سلمان : هذا وصي رسول الله ص، هذا الذي قال له رسول الله ص: « أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب» . هذا الذي قال رسول الله ص: (علي خير البشر فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر) . هذا الذي قال الله تعالى فيه﴿وجعلنا لهم لسان صدق عليا﴾ هذا الذي قال الله تعالى فيه﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون عند الله﴾ هذا الذي قال الله تعالى فيه﴿أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله﴾ هذا الذي قال الله تعالى فيه﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾ الآية، هذا الذي قال الله تعالى فيه﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم ﴾ هذا الذي قال الله تعالى فيه﴿لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون﴾ هذا الذي قال الله فيه﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ﴾ هذا الذي قال الله تعالى فيه﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون﴾ ادخل يا أبا الصمصام وسلم عليه، فدخل وسلم عليه ثم قال: إن لي على رسول الله ص ثمانين ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق  عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فقال علي (عليه السلام): أمعك حجة؟ قال: نعم، ودفع الوثيقة إليه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أخرج يا سلمان ناد في الناس، ألا من أراد أن ينظر إلى قضاء دين رسول الله ص فليخرج غدا إلى خارج المدينة، فلما كان بالغداة  خرج الناس، وقال المنافقون: كيف يقضي الدين وليس معه شيء! غدا يفتضح، ومن أين له ثمانون ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليهامن] طرائف اليمن ونقط الحجاز، فلما كان الغد اجتمع الناس، وخرج علي (عليه السلام) في أهله ومحبيه وجماعة من أصحاب رسول الله ص، وأسر إلى ابنه الحسن سرا لم يدر أحد ما هو، ثم قال: يا أبا الصمصام امض مع ابني الحسن إلى كثيب الرمل، فخرج الحسن] (عليه السلام)  ومضى معه أبو الصمصام، وصلى ركعتين على الكثيب، فكلم الأرض بكلمات لا يدرى ما هي، وضرب الأرض - أي ضرب الكثيب - بقضيب رسول الله ص فانفجر الكثيب عن صخرة ململمة مكتوب عليها سطران [من نور  السطر الأول بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وعلى الآخر: لا إله إلا الله علي ولي الله، وضرب الحسن تلك الصخرة بالقضيب، فانفجرت عن خطام ناقة، قال الحسن (عليه السلام): قد يا أبا الصمصام، فقاد فخرج منها ثمانون ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، ورجع إلى علي (عليه السلام) فقال له:  استوفيت حقك يا أبا الصمصام، فقال: نعم، قال: سلم الوثيقة فسلمها إليه، فخرقها ثم قال: هكذا أخبرني أخي وابن عمي ص، إن الله عز وجل خلق هذه النوق في هذه الصخرة قبل أن يخلق الله ناقة صالح بألفي عام، ثم قال المنافقون : هذا من سحر علي قليل).

أقول: وروى هذه الرواية ابن شهر آشوب  في مناقبه عن محمد بن الحسن الشوهاني ملخصا كما هو دأبه في كتابه ذلك، هذا ثم اعلم أن خبر النوق قد تكرر في كتب أصحابنا الإمامية وغيرهم، فقد أورده الحسين بن حمدان في هدايته، وشاذان بن جبرائيل في كتابيه الفضائل والروضة، والراوندي في الجرائح، والشريف الرضي  في الخصائص، وصاحب ثاقب المناقب  بطريق آخر هذا ما وقفنا عليه، وما فاتنا أكثر، ولكن بين الأخبار اختلاف في الكيفية وعدد النوق، ويظهر من بعضها تعدد القضية كرواية شاذان، فإن فيها أن السائل كان حبرا من أحبار اليهود، وأنه سأل سبع نوق حمراء، وهي صريحة في المغايرة، وأما غيرها فهي ظاهرة في ذلك والله أعلم.

وأما حديث الأشياء الخمسة التي سألها أبو الصمصام فقد مضى شرح ذلك في القسم الأول من كتابنا هذا في ذيل الحديث الخامس والستين من الجزء الأول فراجع، هي.

سلمان يرى مع الأمير (عليه السلام) حال شيعته وحال منكريه بعد موتهم

الخمسون: كتاب الأنوار للسيد المحدث الجزائري  عن البحار بسنده عن سلمان  أنه قال يوما لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد موت عمر ابن الخطاب: (يا أمير المؤمنين إني حزين من فوت رسول الله ص إلى هذا اليوم وأريد أن تروحني هذا اليوم، وتريني من كراماتك علي ما يزيل عني هذا الغم، فقال (عليه السلام): علي بالبغلتين المتين من رسول الله ص، فلما أتي بهما ركب هو واحدة وركب سلمان الأخرى، قال سلمان: فلما خرجنا من المدينة فإذا لكل بغلة جناحان فطارتا في الهواء وارتفعتا، فتعجبت غاية التعجب، فقال: يا سلمان هل ترى المدينة؟ فقلت: أما المدينة فلا ولكن أرى آثار الأرض، فأشار إلى البغلتين فارتفعتا في الجو لحظة، فنظرت ولم أر شيئا في الأرض، وإذا أنا أسمع أصوات التسبيح والتهليل، فقلت: يا أمير المؤمنين الله أكبر إن ههنا بلد راقد وصلنا إليها، فقال: يا سلمان هذه أصوات الملائكة بالتسبيح والتهليل وهذه هي السماء الدنيا، فقد وصلنا إليها، فأشار إلى البغلتين، وحرك شفتيه فانحطتا طائرتين نحو الأرض، وكان وقوعهما على بحر عريض كثير الأمواج كأن أمواجه الجبال، فنظر إلى ذلك البحر مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) فسكنت أمواجه، فنزل (عليه السلام) ومشى على وجه الماء، ونزلت أنا والبغلتان تمشيان خلفنا، فلما خرجنا من ذلك البحر فإذا هو تتلاطم أمواجه كهيئته الأولى، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذا البحر؟ فقال (عليه السلام): هذا البحر الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه فهو يضطرب خوفا من الله تعالى من ذلك اليوم إلى يوم القيامة، فلما نظرت إليه خاف مني فسكن، وهاهو راجع إلى حالته الأولى، قال سلمان: فلما خرجنا من ذلك البحر ومشينا رأيت جدارا أبيضا مرتفعا في الهواء ليس يدرك أوله ولا آخره، فلما قربنا منه فإذا هو جدار من ياقوت أو نحوه، وإذا بباب عظيم، فلما دنى منه أمير المؤمنين (عليه السلام) انفتح فدخلنا، فرأيت أشجارا وأنهارا وبيوتا ومنازل عالية فوقها غرف، وإذا في تلك البستان أنهار من خمر، وأنهار من لبن، وأنهار من عسل، وإذا فيها أولاد وبنات، وكل ما وصفه الله تعالى في الجنة على لسان نبيه رأيت فيها، فرأيت أولادا وبناتا أقبلوا إلى أمير المؤمنين يقبلون يديه وأقدامه، فجلس على كرسي ووقف الأولاد والبنات حوله، فقالوا: يا أمير المؤمنين ما هذا الهجران الذي هجرتنا؟ هذا سبعة أيام ما رأيناك فيها يا أمير المؤمنين! فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذه المنازل في هذا المكان؟ فقال (عليه السلام): يا سلمان هذه منازل شيعتنا بعد الموت، تريد يا سلمان أن تنظر إلى منزلك؟ فقلت: نعم، فأمر واحدا فأخذني إلى منزل عال بني من الياقوت والزبرجد واللؤلؤ وفيه كل ما تشتهيه الأنفس، فأخذت رمانة من ثماره، وأتيت إليه، فقلت: يا أمير المؤمنين هذا منزلي ولا أخرج منه، فقال (عليه السلام): يا سلمان هذا منزلك بعد الموت، وهذه منازل شيعتنا بعد الموت، وهذه جنة الدنيا تأتي إليها شيعتنا بعد الموت، فيتنعمون بها إلى يوم القيامة حتى ينتقلوا منها إلى جنة الآخرة، فقال (عليه السلام): يا سلمان تعال حتى نخرج، فلما خرج ودعه أهل تلك الجنة، فخرجنا فانغلق الباب فمشينا، فقال (عليه السلام) : يا سلمان أتحب أن أريك صاحبك؟ فقلت: نعم، فحرك شفتيه، فرأيت ملائكة غلاظ شداد يأتون برجل قد جعلوا في عنقه سلاسل الحديد والنار تخرج من منخريه، وحلقه إلى عنان السماء، والدخان قد أحاط بتلك البرية وملائكة خلفه تضربه حتى يمشي، ولسانه خارج من حلقه من شدة العطش، فلما قرب إلينا قال لي: تعرفه؟ فنظرته فإذا زفر، فقال: يا أمير المؤمنين أغثني فأنا عطشان معذب، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ضاعفوا عليه العذاب، فرأيت السلاسل تضاعفت والملائكة والنيران تضاعفت، فأخذوه ذليلا صاغرا، فقال (عليه السلام): يا سلمان هذا زفر وهذا حاله، وما من يوم يمضي من يوم موته إلى هذا اليوم إلا وتأتي الملائكة به وتعرضه علي، فأقول لهم: ضاعفوا عذابه فيضاعف عليه العذاب إلى يوم القيامة، قال سلمان: فركبنا، فقال لي: يا سلمان غض عينيك فغمضت عيني، فقال لي: افتحها، وإذا أنا بباب المدينة، فقال لي: يا سلمان مضى من النهار سبع ساعات وطفنا في هذا اليوم البراري والقفار والبحار وكل الدنيا وما فيها).

أمير المؤمنين (عليه السلام) سار مع شيخ الجن ليدعوهم إلى الإسلام

الحادي والخمسون مناقب ابن شهر آشوب، عن كتاب هواتف الجان لمحمد بن إسحاق، عن يحيى بن عبد الله بن الحارث، عن أبيه قال: حدثني سلمان الفارسي في خبر: (كنا مع رسول الله ص في يوم مطير، ونحن ملتفتون نحوه، فهتف هاتف: السلام عليك يا رسول الله، فرد عليه السلام وقال: من أنت؟ قال: عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح، قال: اظهر لنا -رحمك الله- في صورتك، قال سلمان: فظهر لنا شيخ أزب أشعر قد لبس وجهه شعر غليظ متكاثف قد واراه، وعيناه مشقوقتان طولا، وفمه في صدره فيه أنياب بادية طوال، وأظفاره كمخالب السباع، فقال الشيخ: يا نبي الله ابعث معي من يدعو قومي إلى الإسلام، أنا أرده إليك سالما، فقال النبي ص : أيكم يقوم معه فيبلغ الجن عني، ولهعلي الجنة فلم يقم أحد، فقال ثانية وثالثة، فقال علي (عليه السلام) : أنا يا رسول الله، فالتفت النبي ص إلى الشيخ، فقال: وافني إلى الحرة في هذه الليلة؛ أبعث معك رجلا يفصل حكمي، وينطق بلساني، ويبلغ الجن عني، قال: فغاب الشيخ ثم أتى في الليل وهو على بعير كالشاة، ومعه بعير آخر كارتفاع الفرس، فحمل النبي ص عليا عليه، وحملني خلفه وعصب عيني وقال: لا تفتح عينيك حتى تسمع عليا يؤذن، ولا يروعك ما ترى فإنك آمن، فسار البعير فدفع سائرا يدف كدفيف النعام، وعلي يتلو القرآن فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر، أذن علي (عليه السلام)وأناخ البعير، وقال: انزل يا سلمان، فحللت عيني، ونزلت فإذا أرض قوراء، فأقام الصلاة وصلى بنا، ولم أزل أسمع الحس حتى إذا سلم علي(عليه السلام) التفت، فإذا خلق عظيم، وأقام علي(عليه السلام) يسبح ربه حتى طلعت الشمس، ثم قام خطيبا فخطبهم، فاعترضته مردة منهم، فأقبل علي (عليه السلام) فقال: أبالحق تكذبون، وعن القرآن تصدفون، وبآيات الله تجحدون، ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: اللهم بالكلمة العظمى، والأسماء الحسنى، والعزائم الكبرى، والحي القيوم، ومحيي الموتى، ومميت الأحياء، ورب الأرض والسماء، يا حرسة الجن، ورصدة الشياطين، وخدام الله الشرهاليين، وذوي الأرحام الطاهرة، اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ، والشهاب الثاقب، والشواظ المحرق، والنحاس القاتل بكهيعص، والطواسين، والحواميم، ويس، ون والقلم وما يسطرون، والذاريات، والنجم إذا هوى‏، والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور، والأقسام العظام، ومواقع النجوم لما أسرعتم إلىالانحدار إلى المردة المتولعين المتكبرين الجاحدين آثار رب العالمين، قال سلمان: فأحسست بالأرض من تحتي ترتعد وسمعت في الهواء دويا شديدا، ثم نزلت نار من السماء صعق كل من رآها من الجن، وخرت على وجوهها مغشيا عليها، وسقطت أنا على وجهي، فلما أفقت إذا دخان يفور من الأرض، فصاح بهم علي(عليه السلام): ارفعوا رؤوسكم فقد أهلك الله الظالمين، ثم عاد إلى خطبته، فقال: يا معشر الجن والشياطين والقيلان وبني شمراخ وآل نجاح وسكان الآجام والرمال والقفار وجميع شياطين البلدان، اعلموا أن الأرض قد ملئت عدلا كما كانت مملوءة جورا، هذا هو الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون، فقالوا: آمنا بالله ورسوله وبرسول رسوله، فلما دخلنا المدينة قال النبي ص  لعلي (عليه السلام):ماذا صنعت؟ قال: أجابوا وأذعنوا، وقص عليه خبرهم، فقال [النبي ص  : لا يزالون كذلك هائبين إلى يوم القيامة).

أقول: قد تقدم حكاية لعرفطة قبل هذا، والواقعتان متغايرتان كما ترى.

أمير المؤمنين عليه السلام يخاطب أهل الكهف ويخاطبونه

الثاني والخمسون عن عيون المعجزات، عن أبي علي بن همام يرفعه إلى الصادق، عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: (جرى بحضرة السيد محمد ص ذكر سليمان بن داود (عليه السلام) والبساط وحديث أصحاب الكهف، وأنهم موتى أو غير موتى، فقال ص : من أحب منكم أن ينظر باب الكهف ويسلم عليهم؟ فقال أبو بكر وعمر وعثمان: نحن يا رسول الله، فصاح ص : يا درجان بن مالك، وإذا بشاب قد دخل بثياب عطرة فقال له النبي ص : ائتنا ببساط سليمان (عليه السلام)، فذهب ووافى بعد لحظة ومعه بساط طوله أربعون في أربعين من الشعر الأبيض، فألقاه في صحن المسجد وغاب، فقال النبي ص لبلال وثوبان مولييه: أخرجا هذا البساط إلى باب المسجد وابسطاه، ففعلا ذلك وقام ص وقال لأبي بكر وعمر وعثمان وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسلمان : قوموا وليقعد كل واحد منكم على طرف من البساط، وليقعد أمير المؤمنين (عليه السلام) في وسطه، ففعلوا ونادى: يا منشية، فإذا بريح دخلت تحت البساط فرفعته حتى وضعته بباب الكهف الذي فيه أصحاب الكهف، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر: تقدم وسلم عليهم وإنك شيخ قريش، فقال: يا علي ما أقول؟ فقال (عليه السلام) : قل السلام عليكم أيها الفتية الذين آمنوا بربهم، السلام عليكم يا نجباء الله في أرضه، فتقدم أبو بكر إلى الكهف وهو مسدود فنادى بما قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاث مرات، فلم يجبه أحد فجاء وجلس، فقال: يا أمير المؤمنين ما أجابوني؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قم يا عمر ثم قل كما قاله صاحبك، فقام وقال مثل قوله ثلاث مرات، فلم يجب أحد مقالته، فجاء وجلس فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لعثمان: قم أنت وقل مثل قولهما، فقام وقال فلم يكلمه أحد فجاء وجلس، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لسلمان: تقدم أنت وسلم عليهم، فقام وتقدم فقال مثل مقالة الثلاثة، وإذا بقائل يقول من داخل الكهف: أنت عبد امتحن الله قلبك بالإيمان، وأنت من خير وإلى خير، ولكنا أمرنا أن لا نرد إلا على الأنبياء والأوصياء، فجاء وجلس فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: السلام عليكم يا نجباء الله في أرضه الوافين بعهده، نعم الفتية أنتم، وإذا بأصوات جماعة: وعليك السلام يا أمير المؤمنين وسيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، فاز والله من والاك وخاب من عاداك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :لم لم تجيبوا أصحابي؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا نحن أحياء محجوبون عن الكلام ولا نجيب إلا الأنبياء أو وصي نبي وعليك السلام وعلى الأوصياء من بعدك حتى يظهر حق الله على أيديهم ثم سكتوا وأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) المنشية فحملت البساط ثم ردته إلى المدينة وهم عليه كما كانوا وأخبروا رسول الله ص بما جرى [عليهم قال الله تعالى﴿إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾.  

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: قد روى الفريقان هذا الخبر بطرق متعددة مع مغايرة في الجملة، والذي وقفنا عليه من ذلك حال التأليف مع ضيق الوقت عن المراجعة؛ رواية علي بن أسباط في نوادره. ومحمد بن العباس بن مروان  في تفسيره، وابن شهر آشوب في المناقب، وشاذان بن جبرائيل في كتابيه الفضائل والروضة، والحسين بن حمدان في الهداية، وصاحب ثاقب المناقب فيه، والسيد الجليل علي بن طاووس في كتابه اليقين، وفي سعد السعود من طريقين، وذكر في اليقين أنه يروي هذا الحديث بعدة طرق اقتصر هناك بواحد، ومن العامة ابن المغازلي الشافعي في كتابه، وأسعد بن إبراهيم الأردبيلي في كتابه الأربعين.

وبالجملة الخبر من مشهورات الأخبار بين أهل الحديث، غير أن الروايات في الجالسين على البساط مختلفة، ويمكن أن يكون قد وقعت هذه الواقعة أكثر من مرة، والله أعلم وحججه (عليهم السلام).

أمير المؤمنين يري أحد أصحابه مدينة جابلقا

الثالث والخمسون: كتاب لبعض قدماء أصحابنا وأظنه لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي  صاحب كتاب المسلسلات كما يلوح من موضع منه قال: (روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه دخل عليه بعض خاصته، فسلم عليه ورد عليه السلام وجلس، ثم قال له (عليه السلام): يا مولاي أشكو إليك كثرة العيال وقلة ذات اليد، فقال: يا فلان ما نقدر لك على صفراء ولا على بيضاء، قال: فسكت ثم طرق الباب، فقال المولى: يا غلام أنظر من بالباب، فرجع الغلام فقال: بالباب شاعر فأمره بالدخول، فلما مثل الشاعر بين يديه قال: قد قلت فيكم أبياتا من الشعر، أفتأذن لي بإنشادها؟ فقال: أنشد يا أيها الشاعر فأنشد أبياتا، فقال: يا غلام ادفع إلى الشاعر عشرة آلاف درهم، قال: فأخرج الغلام بدرة فمثلها بين يديه، قال الشاعر: لم أقل ما قلت طلبا للدنيا، وإنما أردت به أمر الآخرة، فقال: يا غلام رد البدرة، فقال الشاعر: وقلت أيضا أبياتا، فقال: أنشد، فأنشد فقال: يا غلام ادفع إلى الشاعر عشرة آلاف درهم، فأخرج الغلام بدرة فمثلها بين يدي الشاعر، فقال الشاعر مثل القول الأول، ثم قال: وقد قلت أبياتا أيضا، فقال له: أنشد، فأنشده فقال: يا غلام ادفع إلى الشاعر عشرة آلاف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين إنما أردت بذلك عرض الآخرة، فأمر الغلام برد البدرة وانصرف الشاعر، قال: فأخذ بيدي وأدخلني بيتا، ثم قال: غمض عينيك، فغمضت عيني وفتحتها، فإذا أنا على شاطئ بحر تتغطمط أمواجه، فإذا أنا بسفينة وفيها ملاح أسود، فقال لي: اركب يا فلان، فركبت وركب، ثم سرنا مليا فقال لي: انظر ما ترى؟ فقلت: مولاي أرى مدينة عظيمة الارتفاع، فقال: أتدري أين أنت؟ وما اسم هذه المدينة؟ قلت: لا، قال: هذه جابلقا أول الدنيا، ثم قال: اخرج فادعهم إلي، فخرجت فقلت: هذا مولاكم، فلما رأوه خروا له سجدا، فقال: يا فلان هؤلاء أطوع لنا منكم، فقلت لبعضهم: من أين تعرفون هذا؟ فقالوا: هذا مولانا يجيء إلينا في كل أسبوع يعلمنا ويبصرنا، قلت: مولاي وأين إبليس عن هؤلاء؟ فقال: لا يعلمون أن الله خلق إبليس، ثم رجعت إلى السفينة فسرنا ساعة، ثم قال لي: أنظر ماذا ترى؟ قلت: مولاي أرى مدينة مثل تلك المدينة، فقال لي: أخرج إليهم وأعلمهم، فخرجت ودعوتهم إليه، فلما شاهدوه فعلوا مثل ما فعل أولئك، وسألتهم عنه فقالوا مثل قول أولئك، ثم رجعت إلى السفينة، والتقى مولاي راجعا، فلما توسطنا البحر أومأ بيده إلى البحر فاستخرج منه كفا من جواهر البحر ووضعه في حجري من أصناف الجوهر، ثم قبض قبضا آخر وآخر حتى قبض ثلاثا فقال: خذ يا فلان إن أردت الدنيا، أتدري كم فيه من هذه الجواهر؟ قلت: لا حاجة لي فيه يا مولاي ولا في الدنيا، وغمضت عيني وفتحتها فإذا نحن في مكاننا).

أمير المؤمنين يرجع مال اليهودي من الجن

الرابع والخمسون مناقب ابن شهر آشوب عن المعجزات والروضة ودلائل ابن عقدة، عن أبي إسحق السبيعي والحارث الأعور، قالا: (رأينا شيخا باكيا وهو يقول: أشرفت على المائة وما رأيت العدل إلا ساعة، فسئل عن ذلك فقال: أنا حجر الحميري، وكنت يهوديا أبتاع الطعام، قدمت يوما نحو الكوفة، فلما صرت بالقبة بالمسجد فقدت حميري، فدخلت الكوفة إلى الأشتر، فوجهني إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما رآني قال: يا أخا اليهود إن عندنا علم البلايا والمنايا، ما كان أو يكون أخبرك أم تخبرني؟ بماذا جئت؟ فقلت: بل تخبرني، فقال: اختلست الجن مالك في القبة، فما تشاء؟ قلت: إن تفضلت علي آمنت بك، فانطلق معي حتى إذا أتى القبة وصلى ركعتين ودعا بدعاء وقرأ﴿ يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران﴾ الآية ثم قال: يا عبيد الله ما هذا العبث؟ والله ما على هذا بايعتموني وعاهدتموني يا معشر الجن، فرأيت مالي يخرج من القبة فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا ص رسول الله، وأشهد أن عليا ولى الله، ثم إني لما قدمت الآن وجدته مقتولا) قال ابن عقدة: إن اليهودي من سورات المدينة   .

أقول: روى هذه الرواية الحسين بن حمدان في الهداية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي إسحق السبيعي وكذا الديلمي في الإرشاد على نحو البسط من ذلك، غير أنه ليس في الزيادة ما يزيد في المقصود شيئا، فلذا اخترنا رواية المناقب عليهما هذا مع ما لمصنفه من الوثاقة وجلالة القدر.

هارون الرشيد يروي فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام

الخامس والخمسون عن ثاقب المناقب ،عن محمد بن عمر الواقدي قال: (كان هارون الرشيد يقعد للعلماء في يوم عرفة، فقعد ذات يوم وحضره الشافعي، وكان هاشميا يقعد إلى جنبه، وحضر محمد بن الحسن وأبو يوسف، فقعدا بين يديه وغص المجلس بأهله، فيهم سبعون رجلا من أهل العلم كل منهم يصلح أن يكون إمام صقع من الأصقاع، قال الواقدي : فدخلت في آخر الناس فقال الرشيد : لم تأخرت؟ فقلت : ما كان لإضاعة حق ولكن شغلت بشغل عاقني عما أحببت، قال : فقربني حتى أقعدني بين يديه، وقد خاض الناس في كل فن من العلم، فقال الرشيد للشافعي : يا ابن عم كم تروي في فضائل علي بن أبي طالب؟ فقال : أربعمائة حديث وأكثر، فقال له : قل ولا تخف، قال: يبلغ خمسمائة أو يزيد، ثم قال لمحمد بن الحسن : كم تروي يا كوفي من فضائله؟ قال: ألف حديث أو أكثر، فأقبل على أبي يوسف فقال : كم تروي أنت يا كوفي من فضائله؟ أخبرني ولا تخش؟ قال: يا أمير المؤمنين لولا الخوف لكانت روايتنا في فضائله أكثر من أن تحصى، قال : ممن تخاف؟ قال: منك ومن عمالك وأصحابك، قال: أنت آمن فتكلم وأخبرني كم فضيلة تروي فيه، قال : خمس عشر ألف خبر مسند، وخمس عشر ألف حديث مرسل، قال الواقدي: فأقبل علي فقال: ما تعرف في ذلك؟ فقلت: مثل مقالة أبي يوسف، قال الرشيد: لكني أعرف له فضيلة رأيتها بعيني وسمعتها بأذني أجل من كل فضيلة تروونها أنتم وإني، لتائب إلى الله تعالى مما كان مني من أمر الطالبية ونسلهم فقلنا بأجمعنا : وفق الله أمير المؤمنين وأصلحه، إن رأيت أن تخبرنا بما عندك، قال: نعم، وليت عاملي يوسف بن الحجاج دمشق وأمرته بالعدل في الرعية والإنصاف في القضية، فاستعمل ما أمرته فرفع إليه أن الخطيب الذي يخطب بدمشق يشتم عليا (عليه السلام) في كل يوم وينقصه، قال: فأحضره وسأله عن ذلك فأقر له بذلك، فقال له: وما حملك على ما أنت عليه؟ قال: لأنه قتل آبائي وسبى الذراري، فلذلك الحقد له في قلبي، ولست أفارق ما أنا عليه فقيّده وغلّه، وحبسه وكتب إلي بخبره، فأمرته أن يحمله إلي على حالته من القيود، فلما مثل بين يدي زبرته وصحت به وقلت: أنت الشاتم لعلي بن أبي طالب؟ فقال: نعم قلت: ويلك قتل من قتل وسبى من سبى بأمر الله تعالى وأمر النبي ص، قال : ما أفارق ما أنا عليه ولا تطيب نفسي إلا به، فدعوت بالسياط والعقابين، فأقمته بحضرتي هاهنا وظهره إلي، فأمرت الجلاد فجلده مائة سوط، فأكثر الصياح والغياث، فبال في مكانه، فأمرت به فنحي عن العقابين، وأدخل ذلك البيت، وأومأ بيده إلى بيت في الإيوان، وأمرت أن يغلق الباب عليه ففعل ذلك، ومضى النهار وأقبل الليل ولم أبرح من موضعي هذا حتى صليت العتمة، ثم بقيت ساهرا أفكر في قتله وفي عذابه وبأي شيء أعذبه مرة أقول: أعذبه على علاوته، ومرة أقول: أقطع أمعاءه، ومرة أفكر في تغريقه أو قتله بالسياط، واستمر الفكر في أمره حتى غلبتني عيني في آخر الليل، فإذا أنا بباب السماء قد انفتح، وإذا بالنبي ص قد هبط وعليه خمس حلل، ثم هبط علي (عليه السلام) وعليه أربعة حلل، ثم هبط الحسن (عليه السلام) وعليه ثلاث حلل، ثم هبط الحسين (عليه السلام) وعليه حلتان، ثم هبط جبرئيل وعليه حلة واحدة، وإذا هو من أحسن الخلق في نهاية الوصف ومعه كأس فيه ماء كأصفى ما يكون من الماء وأحسنه، فقال النبي ص : اعطني الكأس، فأعطاه فنادى بأعلى صوته: يا شيعة محمد وآله، فأجابوه من حاشيتي وغلماني وأهل الدار أربعون نفسا أعرفهم كلهم، وكان في داري أكثر من خمسة آلاف إنسان، فسقاهم من الماء وصرفهم، ثم قال: أين الدمشقي؟ فكان الباب قد انفتح، فأخرج إليه فلما رآه علي (عليه السلام) أخذه وقال : يا رسول الله هذا يظلمني ويشتمني من غير سبب أوجب ذلك فقال: خله يا أبا الحسن، ثم قبض النبي ص على زنده بيده وقال: أنت الشاتم علي بن أبي طالب؟ فقال: نعم، فقال: اللهم امسخه وامحقه وانتقم منه، قال : فتحول وأنا أراه كلبا ورد إلى البيت كما كان، وصعد النبي ص وجبرئيل وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) ومن كان معهم، فانتبهت فزعا مذعورا، فدعوت الغلام فأمرت بإخراجه إلي، فأخرج وهو كلب فقلت له: كيف رأيت عقوبة ربك؟ فأومأ برأسه كالمعتذر، وأمرت برده وها هو ذا في البيت، وأمر بإخراجه عنا، فأخرج وقد أخذ الغلام بأذنه، فإذا بأذنه كأذن الإنسان وهو في صورة الكلب، فوقف بين أيدينا يلوك بلسانه ويحرك شفتيه، قال الشافعي للرشيد: هذا مسخ ولست آمن من أن يحل العذاب به، فأمر بإخراجه، فأمر به فرد إلى البيت، فما كان بأسرع من أن سمعنا وجبته وصيحته، فإذا صاعقة قد سقطت على سطح البيت فأحرقته وأحرقت البيت فصار رمادا، وعجل الله بروحه إلى نار جهنم قال الواقدي: فقلت للرشيد: يا أمير المؤمنين هذه معجزة وعظة وعظت بها، فاتق الله في ذرية هذا الرجل، قال الرشيد : أنا تائب إلى الله تعالى مما كان مني وأحسنت توبتي).

مصير من ادعى على أمير المؤمنين (عليه السلام) كذبا

السادس والخمسون وعنه عن جعفر بن محمد الدوريستي قال: (حضرت ببغداد سنة إحدى وأربعمائة في مجلس المفيد أبي عبد الله ، فجاءه علوي وسأله عن تأويل رؤيا رآها، فأجاب فقال: أطال الله بقاء سيدنا أقرأت علم التأويل؟ قال: إني قد بقيت في هذا العلم مدة ولي فيه كتب جمة، ثم قال: خذ القرطاس واكتب ما أملي عليك، قال: كان ببغداد رجل عالم من أصحاب الشافعي، وكان له كتب كثيرة ولم يكن له ولد، فلما حضرته الوفاة دعا رجلا يقال له جعفر الدقاق، وأوصى إليه وقال: فإذا فرغت من دفني فاذهب بكتبي إلى سوق البيعوبعها واصرف ما حصل من ثمنها في وجوه المصالح التي فصلتها، وسلم إليه التفصيل، ثم نودي في البلد من أراد أن يشتري الكتب فليحضر السوق الفلاني، فإنه يباع فيه من الكتب من تركة فلان، فذهبت إليه لأبتاع كتبا وقد اجتمع هناك خلق كثير، ومن اشترى شيئا من كتبه كتب عليه جعفر الدقاق الوصي ثمنه، وأنا قد اشتريت أربعة كتب في علم التعبير، وكتبت ثمنها على نفسي، وهو يشترط علي وعلى من ابتاع توفية الثمن في الأسبوع، فلما هممت بالقيام قال لي جعفر: مكانك يا شيخ فإنه جرى على يدي أمر لأذكره لك فإنه نصرة لمذهبك، ثم قال لي: إنه كان لي رفيق يتعلم معي، وكان في محلة باب البصرة رجل يروي الأحاديث والناس يسمعون منه يقال له أبو عبد الله المحدث، وكنت ورفيقي نذهب إليه برهة من الزمان ونكتب عنه الأحاديث، وكان كلما أملى حديثا في فضائل أهل البيت طعن فيه وفي روايته حتى كان يوما من الأيام، فأملى في فضائل البتول الزهراء وعلي صلوات الله عليهما ثم قال: وما تنفع [لنا هذه فضائل علي وفاطمة؟ فإن عليا كان يقتل المسلمين وطعن في فاطمة (عليه السلام)، وقال فيها كلمات منكرة، قال جعفر: فقلت لرفيقي: لا ينبغي لنا أن نأخذ من هذا الرجل، فإنه رجل لا دين له ولا ديانة، فإنه لا يزال يطول لسانه في علي وفاطمة وهذا ليس بمذهب المسلمين، فقال رفيقي: إنك لصادق فمن حقنا أن نذهب إلى غيره فلا نعود إليه، فرأيت في تلك الليلة كأني أمشي إلى المسجد الجامع، فالتفت فرأيت أبا عبدالله المحدث، ورأيت أمير المؤمنين راكبا حمارا مصريا يمشي إلى الجامع، فقلت: واويلاه الآن يضرب عنقه بسيفه، فلما قرب ضرب بقضيبه عينه اليمنى، وقال له: يا ملعون لم تسبني وفاطمة، فوضع المحدث يده على عينه اليمنى وقال: أوه أعميتني، قال جعفر: فانتبهت وهممت أن أذهب إلى رفيقي وأحكي له ما رأيت، فإذا هو قد جاءني متغير اللون وقال: تدري ما وقع؟ قلت له: قل، قال: رأيت البارحة رؤيا في أبي عبد الله المحدث، فذكرها فكان كما ذكرت من غير زيادة ولا نقصان، فقلت له: أنا رأيت مثل ذلك وهممت بإتيانك لأذكره لك، فاذهب بنا الآن مع المصحف إليه لنحلف أنا رأينا ذلك، ولم نتواطأ عليه ولننصح له في ذلك ليرجع عن هذا الاعتقاد، فقمنا ومشينا إلى باب داره، فإذا الباب مغلق فقرعناه، فجاءت جارية وقالت: لا يمكن أن يرى الآن، ورجعت ثم قرعنا الباب ثانية، فجاءت وقالت: لا يمكن ذلك، فقلنا: ما وقع له؟ فقالت: إنه وضع يده على عينه ويصيح من نصف الليل ويقول إن علي بن أبي طالب أعماني ويستغيث من وجع العين، فقلنا لها: افتحي الباب فإنا قد جئناه لهذا الأمر ففتحت فدخلنا فرأيناه [على أقبح هيئة يستغيث ويقول: ما لي ولعلي بن أبي طالب ما فعلت به؟ فإنه ضرب القضيب على عيني البارحة وأعماني، قال جعفر: وذكرنا له ما رأينا في المنام، وقلنا له ارجع عن اعتقادك الذي أنت عليه ولا تطول لسانك فيه، فأجاب وقال: لا جزاكم الله خيرا لو كان علي بن أبي طالب أعمى الأخرى لما قدمته على أبي بكر وعمر، فقمنا من عنده وقلنا ليس في هذا الرجل خير، ثم رجعنا إليه بعد ثلاثة أيام لنعلم ما حاله فلما دخلنا عليه وجدناه أعمى بالعين الأخرى، فقلنا له: ما تعتبر؟ فقال: لا والله لا أرجع عن هذا الاعتقاد، فليفعل علي بن أبي طالب ما أراد، فقمنا وخرجنا، ثم رجعنا إليه بعد أسبوع لنعلم ما وصل حاله، فقيل أنه دفن وارتد ابنه ولحق بالروم غضبا على علي بن أبي طالب، فرجعنا وقرأنا﴿فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين﴾.

قال صاحب الكتاب بعد نقل الحديث ما هذا لفظه: وقد نقلت من تلك النسخة التي انتسخها جعفر الدوريستي بخطه ونقلها من العربية إلى الفارسية في سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، ونحن نقلناها إلى العربية من الفارسية ثانيا ببلدة قاشان، والله الموفق مثل هذه السنة سنة ستين وخمسمائة).

رواية أخرى فيمن تجرأ على أمير المؤمنين (عليه السلام)

السابع والخمسون إرشاد الديلمي  قال: (روي أنه كان ببلد الموصل شيخ يقال له حمدان بن حمدون العدري، وكان شديد العناد كثير البغض لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فأراد بعض أعيان الموصل الحج فجاء إليه يودعه، وقال إنيقد عزمت على الخروج إلى الحج فإن كان لك حاجة هناك فعرفني حتى نجيبها لك فقال: إن لي إليك حاجة مهمة وهي عليك سهلة، فقال: قلها حتى أفعلها، قال: إذا وردت المدينة وزرت النبي ص [المكرم] فخاطبه عني وقل له: يا رسول الله ماذا أعجبك من علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى زوجته ابنتك؟ عظم بطنه أم دقة ساقيه أم صلعة رأسه، [وحلفه] وعزم عليه أن يبلغ هذا الكلام، فلما بلغ الرجل المدينة وقضى أمره نسي تلك الوصية، فرأى أمير المؤمنين (عليه السلام) في منامه وهو يقول: لم لا تبلغ وصية فلان؟ فانتبه ومضى لوقته إلى القبر الشريف، وخاطب رسول الله بما وصاه ذلك الرجل، ثم نام فرأى [في منامه أن أمير المؤمنين قد أخذه ومشى هو وإياه إلى منزل ذلك الرجل، وفتح الباب وأخذ مدية فذبحه أمير المؤمنين(عليه السلام)، ثم مسح المدية بملحفة كانت عليه، ثم جاء إلى سقف باب الدار فرفعه بيده ووضع المدية تحته وخرج، فانتبه الحاج منزعجا من ذلك، وكتب صورة المنام هو وأصحابه، وانتهى الخبر إلى سلطان الموصل في تلك الليلة، فأخذ الجيران والمتشبهين ورماهم في السجن وتعجب أهل الموصل من قتله حيث لم يجدوا نقبا ولا أثر تسلق على حائط ولا بابا مفتوحا، وبقي السلطان متحيرا في أمره ما يدري ماذا يصنع في قضيته ولم يزل الجيران وغيرهم في السجن حتى ورد الحاج من مكة فلقي الجيران في السجن فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: إن الليلة الفلانية وجد فلانا في داره فلم يعرف قاتله فكبر هو وأصحابه، وقال لأصحابه] أخرجوا صورة المنام المكتوبة عندكم فأخرجوها فوجدوا ليلة المنام هي ليلة القتل، ثم مضى هو وأصحابه إلى دار المقتول، وأمرهم بإخراج الملحفة وأخبرهم بالدم الذي كان فيها، فوجدوها كما قال، ثم أمر برفع السقف فرفع فوجدوا السكين تحته فعرفوا صدق منامه، فأخرج المحبوسين ورجع أهل المقتول وكثير من أهل البلد إلى الإيمان وكان ذلك من لطف الله تبارك وتعالى في حقهم، وهذه القصة مشهورة وهي من الغرائب فماذا تقول في فضل هذا الرجل وعظم شأنه، وارتفاع علو مكانه .

لا يسقى من حوضهم (عليهم السلام) إلا من كان محبا لهم لا يرضى بأذيتهم (عليهم السلام)

الثامن والخمسون مناقب ابن شهر آشوب، عن عثمان بن عفان السجستاني: أن محمد بن عباد قال: (كان في جواري رجل صالح فرأى النبي ص في منامه على شفير الحوض، والحسن والحسين (عليهم السلام) يسقيان الأمة، فاستسقيت أنا فأبيا علي، فأتيت النبي ص أسأله فقال: لا تسقوا فلانفي جواره رجل يلعن عليا(عليه السلام) فلم تمنعه، فقلت: يا رسول الله لا أقدرعلى منعه، فدفع إلي سكينا وقال: اذهب فاذبحه، قال: فخرجت وذبحته ثم رجعت ودفعت السكين إليه، فقال: يا حسين اسقه، فسقاني وأخذت الكأس بيدي، ولا أدري أشربت أم لا، فانتبهت وإذا أنا بولولة ويقولون: فلان ذبح على فراشه، وأخذ الشرط الجيران، فقمت إلى الأمير وقلت: أصلح الأمير الله هذا أنا فعلته، والقوم براء وقصصت عليه الرؤيا فقال: اذهب جزاك الله خيرا)

رسول الله ص يستجيب لشكاية أمير المؤمنين عليه السلام

التاسع والخمسون بصائر الدرجات للصفار ،عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن ربيع بن محمد المسلي عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لما أخرج بعلي (عليه السلام) ملببا وقف عند قبر النبي ص قال: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، قال: فخرجت يد من قبر رسول الله ص يعرفون أنها يده وصوت يعرفون أنه صوته نحو أبي بكر: يا هذا أكفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة ثم سواك رجلا؟ ).

أقول: وعن الاختصاص مثله سندا ومتنا هي.

أمير المؤمنين عليه السلام يرد على عمر بالبرهان

الستون عن الاختصاص، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن خالد بن ماد القلانسي ومحمد بن حماد، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لما استخلف أبو بكر أقبل عمر على علي (عليه السلام) فقال له: أما علمت أن أبا بكر قد استخلف؟ فقال له علي (عليه السلام) : فمن جعله لذلك؟ قال: المسلمون رضوا بذلك، فقال له علي (عليه السلام) : والله لأسرع ما خالفوا رسول الله ص ونقضوا عهده، ولقد سموه بغير اسمه، والله ما استخلفه رسول الله ص، فقال له عمر: كذبت فعل الله بك وفعل، فقال له: إن تشأ أن أريك برهان ذلك فعلت، فقال عمر: ما تزال تكذب على رسول الله ص في حياته وبعد موته، فقال له: انطلق بنا يا عمر لتعلم أينا الكذاب على رسول الله ص   في حياته وبعد موته، فانطلق معه حتى أتى القبر إذا كف فيها مكتوب: أكفرت يا عمر بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة ثم سواك رجلا، فقال له علي (عليه السلام) : أرضيت؟ والله لقد فضحك الله في حياته وبعد موته).

أقول: وفي البصائر عن عبد الله بن محمد بالإسناد المرفوع إلى أبي عبدالله (عليه السلام) مثله بأدنى مغايرة في الألفاظ.

أسلم اليهودي عندما تجلت له معجزة لأمير المؤمنين عليه السلام.

الحادي والستون: كتاب اليقين نقلا عن جزء عتق عليه من فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) رواية جعفر بن عبد الحسين بن الحسين بن عبدلويه فقال ما هذا لفظه وحدثني أيد الله تمكينه أيضا فقال: (حدثني في مشهد النيل صلوات الله على صاحبه مؤدب كان بالنعمانية من أهل السنة والجماعة، وكان حافظا متأدبا قد بلغ من العمر ثمانين سنة، فقال: حدثني والدي فقد كان على مثل صورته في العلم والأدب والحفظ والمعرفة، فقال: حدثني الرياحي بالبصرة عن شيوخه فقال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل يوما إلى منزله فالتمس شيئا من الطعام فأجابته الزهراء فاطمة (عليه السلام) فقالت: ما عندنا شيء، وإنني منذ يومين أعلل الحسن والحسين (عليهم السلام)، فقال: أعطنا مرطا نضعه عند بعض الناس على شيء، فأعطى فخرج له إلى يهودي كان في جيرانه فقال له: أخا تبع اليهود أعطنا على هذا المرط صاعا من شعير، فأخرج إليه اليهودي الشعير فطرحه في كمه ومشى (عليه السلام) خطوات، فناداه اليهودي: أقسمت عليك يا أمير المؤمنين إلا وقفت لأشافهك، فجلس ولحقه اليهودي] فقال له: إن ابن عمك يزعم أنه حبيب الله وخاصته وخالصته وأنه أشرف الرسل على الله تعالى، فقل له: أفلا سأل الله تعالى أن يغنيكم عن هذه الفاقة التي أنتم عليها، فأمسك (عليه السلام) ساعة ونكت بإصبعه الأرض وقال له: يا أخا تبع اليهود، والله إن لله عبادا لو أقسموا عليه أن يحول هذا الجدار ذهبا لفعل، قال: فاتقد الجدار ذهبا فقال له (عليه السلام): ما أعنيك إنما ضربتك مثلا، فأسلم اليهودي‏).

حب أمير المؤمنين علي عليه السلام ينجي من النار.

الثاني والستون تفسير فرات قال: حدثنا علي بن محمد بن مخلد الجعفي معنعنا عن الأعمش قال: (خرجت حاجا إلى مكة فلما انصرفت بعيدا رأيت عمياء على ظهر الطريق تقول: اللهم إني أسألك[‏ بحق محمد وآله رد علي بصري، قال: فتعجبت من قولها، وقلت لها: أي حق لمحمد وآله عليه، إنما الحق له عليهم، فقالت لي: مه يا لكع والله ما ارتضي هو حتى حلف بحقهم، فلو لم يكن لهم عليه حق ما حلف به، قال قلت: وأي موضع حلف؟ قالت:‏ قوله ﴿لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون﴾ والعمر في كلام العرب الحياة، قال: فقضيت حجتي ثم رجعت، فإذا بها مبصرة وهي تقول: أيها الناس حبوا عليا فحبه ينجيكم من النار، قال: فسلمت عليها وقلت: ألست العمياء بالأمس تقولين اللهم إني أسألك‏] بحق محمد وآله رد علي بصري؟ قالت: بلى، قلت: حدثيني بقضيتك، قالت: والله ما جزتني إذ وقف علي رجل فقال لي: إن رأيت محمدا وآله تعرفينه؟ قلت: لا ولكن بالدلائل التي جاءتنا، قالت: فبينا هو يخاطبني إذ أتاني رجل آخر متوكئا على رجلين فقال: ما قيامك معها؟ قال :إنها تسأل ربها بحق محمد وآله أن يرد عليها بصرها، فادع الله لها، قال: فدعا ربه ومسح على عيني بيده، فأبصرت فقلت: من أنتم؟ فقال: أنا محمد وهذا علي قد رد الله عليك بصرك، اقعدي في موضعك هذا حتى يرجع الناس، وأعلميهم أن حب علي ينجيهم من النار).

الحكمة من إظهار الخالق آياته للناس

الثالث والستون تفسير الإمام (عليه السلام) ( فإن رجلا من محبيه كتب إليه من الشام: يا أمير المؤمنين أنا بعيالي مثقل، وعليهم إن خرجت خائف، وبأموالي التي أخلفها إن خرجت ضنين، وأحب اللحاق بك، والكون في جملتك، والحفوف في خدمتك، فجد لي يا أمير المؤمنين،  فبعث إليه علي (عليه السلام): اجمع أهلك وعيالك وحصل عندهم مالك، وصل على ذلك كله على محمد وآله الطيبين، ثم قل: «اللهم هذه كلها ودائعي عندك بأمر عبدك ووليك علي بن أبي طالب» ثم قم وانهض إلي، ففعل الرجل ذلك، وأخبر معاوية بهربه إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فأمر معاوية أن يسبي عياله وأن يسترقوا، وأن ينهب ماله، فذهبوا فألقى الله تعالى عليهم شبه عيال معاوية وحاشيته، وأخص حاشية ليزيد بن معاوية يقولون: نحن أخذنا هذا المال وهو لنا، وأما عياله فقد استرققناهم وبعثناهم إلى السوق، فكفوا لما رأوا ذلك، وعرف الله عياله أنه قد ألقى عليهم شبه عيال معاوية، وعيال خاصة يزيد، فأشفقوا من أموالهم أن يسرقها اللصوص، فمسخ الله المال عقارب وحيات، كلما قصد اللصوص ليأخذوا منه لدغوا ولسعوا، فمات منهم قوم، وضنى آخرون، ودفع الله عن ماله بذلك إلى أن قال علي (عليه السلام) يوما للرجل: أتحب أن يأتيك عيالك ومالك؟ قال: بلى، قال علي (عليه السلام) : اللهم ائت بهم، فإذا هم بحضرة الرجل لا يفقد من جميع عياله وماله شيئا، فأخبروه بما ألقى الله تعالى من شبه عيال معاوية وخاصته وحاشية يزيد عليهم، وبما مسخه من أمواله عقارب وحيات تلسع اللص الذي يريدأن أخذ شيء منه، قال علي (عليه السلام): إن الله ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته، ولبعض الكافرين ليبالغ في الإعذار إليه).

عمر بن الخطاب يشهد مستنكرا فضائل لأمير المؤمنين عليه السلام.

الرابع والستون كتاب من البحار عن بعض كتب المناقب، عن المفضل بن عمر، عن الصادق (عليه السلام):( إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله بلغه عنعمر بعض شيء، فأرسل إليه سلمان الفارسي فقال: إنه بلغني عنك كيت وكيت وكرهت أن أفضحك، وجعلت كفارة ذلك فك رقبتك من المال الذي حمل إليك من خراسان الذي خنت فيه الله والمؤمنين، قال سلمان: فلما قلت ذلك له تغير وجهه وارتعدت فرائصه وأسقط في يديه، ثم قال بلسان كليل: يا أبا عبد الله أما الكلام فلعمري قد جرى بيني وبين أهلي وولدي، وما كانوا بالذي يفشون علي، فمن أين علم علي بن أبي طالب؟ وأما المال الذي ورد علي فو الله ما علم به إلا الرسول الذي أتى به، وإنما هو هدية، فمن أين علم يا أبا عبد الله؟ والله ثم والله.. (ثلاثا) إن علي بن أبي طالب ساحر عليم، قال سلمان: قلت بئس ما قلت يا عبد الله. فقال: ويحك اقبل مني ما أقوله، فو الله ما علم أحد بهذا الكلام ولا أحد عرف خبر هذا المال غيري، فمن أين علم؟ وما علم هو إلا من السحر، وقد ظهر لي من سحره غير هذا، قال سلمان: فتجاهلت عليه، فقلت: بالله ظهر لك منه غير هذا؟ قال: إي والله يا أبا عبد الله، قلت: فأخبرني ببعضه، قال: إذا والله أصدقك ولا أحرف قليلا ولا كثيرا مما رأيته منه، لأني أحب أن أطلعك على سحر صاحبك حتى تجتنبه وتفارقه، فو الله ما في شرقها وغربها أحد أسحر منه، ثم احمرت عيناه وقام وقعد، وقال: يا أبا عبد الله إني لمشفق عليك ومحب لك، على أنك قد اعتزلتنا ولزمت ابن أبي طالب، فلو ملت إلينا وكنت في جماعتنا لآثرناك وشاركناك في هذه الأموال، فاحذر ابن أبي طالب ولا يغرنك ما ترى من سحره، فقلت: فأخبرني ببعضه. قال: نعم، خلوت ذات يوم أنا وابن أبي طالب (عليه السلام) في شيء من أمر الخمس، فقطع حديثي وقال لي: مكانك حتى أعود إليك، فقد عرضت لي حاجة، فخرج، فما كان بأسرع منأن انصرف وعلى عمامته وثيابه غبار كثيرة، فقلت: ما شأنك يا أمير المؤمنين. قال: أقبلت على عساكر من الملائكة وفيهم رسول الله ص يريدون بالمشرق مدينة يقال لها صحور، فخرجت لأسلم عليه، فهذه الغبرة من ذلك، فضحكت تعجبا من قوله، وقلت: يا أبا الحسن رجل قد بلي في قبره وأنت تزعم أنك لقيته الساعة وسلمت عليه، هذا ما لا يكون أبدا. فغضب من قولي، ثم نظر إلي فقال: أ تكذبني؟ قلت: لا تغضب فإن هذا ما لا يكون، قال: فإن عرضته عليك حتى لا تنكر منه شيئا تحدث لله توبة مما أنت عليه، قلت: لعمر الله، فاعرضه علي، فقال: قم، فخرجت معه إلى طرف المدينة، فقال لي: يا شاك غمض عينيك، فغمضتها فمسحهما، ثم قال: يا غافل افتحهما، ففتحتهما فإذا أنا والله يا أبا عبد الله برسول الله ص مع الملائكة لم أنكر منه شيئا، فبقيت والله متعجبا أنظر في وجهه، فلما أطلت النظر إليه فعض الأنامل بالأسنان وقال لي: يا فلان بن فلان ﴿أ كفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا﴾، قال: فسقطت مغشيا على الأرض، فلما أفقت قال لي: هل رأيته وسمعت كلامه؟ قلت: نعم. قال: انظر إلى النبي ص فنظرت فإذا لا عين ولا أثر ولا خبر من الرسول ص ولا من تلك الخيول، فقال لي: يا مسكين فأحدث توبة من ساعتك هذه، فاستقر عندي في ذلك اليوم أنه أسحر أهل الأرض، وبالله لقد خفته في ذلك اليوم وهالني أمره، ولو لا أني وقفت يا سلمان على أنك تفارقه ما أخبرتك، فاكتم هذا وكن معنا لتكون منا وإلينا حتى أوليك المدائن وفارس، فصر إليهما ولا تخبر ابن أبي طالب (عليه السلام) بشيء مما جرى بيننا، فإني لا آمنه أن يفعل لي من كيده شيئا، قال: فضحكت وقلت: إنك لتخافه؟ قال: إي والله خوفا لا أخاف شيئا مثله، قال سلمان: فنشطت متجاهلا بما حدثني وقلت: يا عبد الله أخبرني عن غيره فوالله إنك أخبرتني عن أعجوبة، قال: إذا أخبرك بأعجب من هذا مما عاينته أنا بعيني، قلت: فأخبرني، قال: نعم، إنه أتاني يوما مغضبا وفي يده قوسه فقال لي: يا فلان عليك بشيعتك الطغاة ولا تتعرض لشيعتي، فإني خليق أن أنكل بك، فغضبت أنا أيضا ولم أكن وقفت على سحره قبل ذلك، فقلت: يا ابن أبي طالب مه، ما هذا الغضب والسلطنة؟ أتعرفني حق المعرفة؟ قال: نعم، فو الله لأعرفن قدرك، ثم رمى بقوسه الأرض، وقال: خذيه، فصارت ثعبانا عظيما مثل ثعبان موسى بن عمران ففغر فاه فأقبل نحوي ليبلعني، فلما رأيت ذلك طار روحي فرقا وخوفا وصحت وقلت: الله الله الأمان الأمان يا أمير المؤمنين، اذكر ما كان في خلافة الأول مني حين  وثب إليك، وبعد فاذكر ما كان مني إلى خالد بن الوليد الفاسق ابن الفاسق حين أمره الخليفة بقتلك، وبالله ما شاورني في ذلك فكان مني ما كان حتى شكاني ووقع بيننا العداوة، واذكر يا أمير المؤمنين ما كان مني في مقامي حين قلت إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، فارتاب الناس وصاحوا وقالوا: طعن على صاحبه، قد عرفت هذا كله، وبالله إن شيعتك يؤذونني ويشنعون علي، ولولا مكانك يا أمير المؤمنين لكنت نكلت بهم، وأنت تعلم أني لم أتعرض لهم من أجلك وكرامتك، فاكفف عني هذا الثعبان فإنه يبلعني. فلما سمع هذا المقال مني قال: أيها المسكين لطفت في الكلام، وإنا أهل بيت نشكر القليل، ثم ضرب بيده إلى الثعبان وقال: ما تقول؟ قلت: الأمان الأمان قد علمت أني لم أقل إلا حقا، فإذا قوسه في يده وليس هناك ثعبان ولا شي‏ء، فلم أزل أحذره وأخافه إلى يومي هذا، قال سلمان: فضحكت وقلت: والله ما سمعت بمثل هذه الأعجوبات، قال: يا أبا عبد الله هذا ما رأيته أنا بعيني هاتين، ولولا أني قد رفعت الحشمة فيما بيني وبينك ما كنت بالذي أخبرك بهذا، قال سلمان:فتجاهلت عليه، فقلت: هل رأيت منه سحرا غير ما أخبرتني به؟ قال: نعم، لو حدثتك لبقيت منه متحيرا، ولا تقل يا أبا عبد الله إن هذا السحر هو الذي أظهره، لا والله ولكن هو وراثة يرثونها. قلت: كيفذلك؟. قال: أخبرني أبي أنه رأى من أبيه أبي طالب ومن عبد الله سحرا لم يسمع بمثله، وذكر أبي أن أباه نفيلا أخبره أنه رأى من عبد المطلب سحرا لم يسمع بمثله، قال سلمان: فقلت حدثني بما أخبرك به أبوك، قال: نعم، أخبرني أبي أنه خرج مع أبي طالب (عليه السلام) في سفر يريدون الشام مع تجار قريش تخرج من السنة إلى السنة مرة واحدة فيجمعون أموالا كثيرة، ولم يكن في العرب أتجر من قريش، فلما كانوا ببعض الطرق إذا قوم من الأعراب قطاع [الطريق]شاكون في السلاح لا يرى منهم إلا الحدق، فلما ظهروا لنا هالنا أمرهم وفزعنا ووقع الصياح في القافلة، واشتغل كل إنسان بنفسه يريد أن ينجو بنفسه فقط، ودهمنا أمر جليل، واجتمعنا وعزمنا على الهرب، فمررنا بأبي طالب وهو جالس، فقلنا: يا أبا طالب ما لك؟ ألا ترى ما قد دهمنا؟ فانج بنفسك معنا، فقال: إلى أين نهرب في هذه البراري؟ قلنا: فما الحيلة؟ قال: الحيلة أن ندخل هذه الجزيرة فنقيم فيها ونجمع أمتعتنا ودوابنا وأموالنا فيها، قال: فبقينا متعجبين، وقلنا: لعله جن وفزع مما نزل به، فقلنا: ويحك ولنا هنا جزيرة؟ قال: نعم، قلنا: أين هي؟ قال: انظروا أمامكم، قال: فنظرنا إذا والله جزيرة عظيمة لم ير الناس أعظم منها ولا أحصن منها، فارتحلنا وحملنا أمتعتنا، فلما قربنا منها إذا بيننا وبينها واد عظيم من ماء لا يمكن أحدا أن يسلكه، فقال: ويحكم ألا ترون هذا الطريق اليابس الذي في وسطه؟ قلنا: لا، قال: فانظروا أمامكم وعن يمينكم، فنظرنا فإذا والله طريق يابس سهل المسلك ففرحنا، وقلنا: لقد من الله علينا بأبي طالب، فسلك وسلكنا خلفه حتى دخلنا الجزيرة فحططنا، فقام أبو طالب فخط خطا على جميع القافلة، ثم قال: يا قوم أبشروا فإن القوم لن يصلوا إليكم ولا أحد منهم بسوء، قال: وأقبلت الأعراب يتراكضون خلفنا، فلما انتهوا إلى الوادي إذا بحر عظيم قد حال بينهم وبيننا فبقوا متعجبين، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: يا قوم هل رأيتم قط هاهنا جزيرة أو بحرا؟ قالوا: لا، فلما كثر تعجبهم قال شيخ منهم قد مرت عليه التجارب: يا قوم أنا أطلعكم على بيان هذا الأمر الساعة. قالوا: هات يا شيخ فإنك أقدمنا وأكبرنا سنا وأكثرنا تجاربا، قال: نادوا القوم، فنادوهم، فقالوا: ما تريدون؟ قال الشيخ: قولوا لهم أفيكم أحد من ولد عبد المطلب؟ فنادوهم فقالوا: نعم، فينا أبو طالب بن عبد المطلب، قال الشيخ: يا قوم، قالوا: لبيك. قال: لا يمكننا أن نصل إليهم بسوء أصلا، فانصرفوا ولا تشتغلوا بهم، فوالله ما في أيديكم منهم قليل ولا كثير، فقالوا: قد خرفت أيها الشيخ، أتنصرف عنهم وتترك هذه الأموال الكثيرة والأمتعة النفيسة معهم؟ لا والله ولكن نحاصرهم أو يخرجون إلينا فنسلبهم، قال الشيخ: قد ﴿نصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين﴾، فاتركوا نصحكم وذروا، قالوا: اسكت يا جاهل فحطوا رواحلهم ليحاصروهم فلما حطوا أبصر بعضهم بالطريق اليابس، فصاح: يا قوم هاهنا طريق يابس، فأبصر القوم كلهم الطريق اليابس، وفرحوا وقالوا: نستريح ساعة ونعلف دوابنا ثم نرتحل إليهم فإنهم لا يمكنهم أن يتخلصوا، ففعلوا، فلما أرادوا الارتحال تقدمت طائفة منهم إلى الطريق اليابس فلما توسطوا غرقوا وبقي الآخرون ينظرون إليهم فأمسكوا وندموا فاجتمعوا إلى الشيخ، وقالوا: ويحك يا شيخ ألا أخبرتنا أمر هذا الطريق فإنه قد أغرق فيه خلق كثير. قال الشيخ: قد أخبرتكم ونصحت لكم فخالفتموني وعصيتم أمري حتى هلك منكم من هلك، قالوا له: ومن أين علمت ذاك يا شيخ؟ قال: ويحكم إنا خرجنا مرة قبل هذا نريد الغارة على تجارة قريش، فوقعنا على القافلة فإذا فيها من الأموال والأمتعة ما لا يحصى كثرة، فقلنا: قد جاء الغنى آخر الأبد، فلما أحسوا بنا ولم يكن بيننا وبينهم إلا قدر ميل قام رجل من ولد عبد المطلب يقال له عبد الله، فقال: يا أهل القافلة ما ترون؟ قالوا: ما ترى، قد دهمنا هذا الخيل الكثير، فسلوهم أن يأخذوا منا أموالنا ويخلوا سربنا فإنا إن نجونا بأنفسنا فقد فزنا، فقال عبد الله: قوموا وارتحلوا فلا بأس عليكم، فقلنا: ويحك وقد قرب القوم مناوإن ارتحلنا وضعوا علينا السيوف، فقال: ويحكم إنا لنا ربا يمنعنا منهم، وهو رب البيت الحرام والركن والمقام، وما استجرنا به قط إلا أجارنا، فقوموا وبادروا، قال: فقام القوم وارتحلوا، فجعلوا يسيرون سيرا رويدا، ونحن نتبعهم بالركض الحثيث والسير الشديد فلا نلحقهم، وكثر تعجبنا من ذلك، ونظر بعضنا إلى بعض وقلنا: يا قوم هل رأيتم أعجب من هذا إنهم يسيرون سيرا رويدا، ونحن نتراكض فلا يمكننا أن نلحقهم، فما زال ذلك دأبنا ودأبهم ثلاثة أيام ولياليها، كل يوم يخطون فيقوم عبد الله فيخط خطا حول القافلة ويقول لأصحابه: لا تخرجوا من الخط فإنهم لا يصلون إليكم فننتهي إلى الخط فلا يمكننا أن نتجاوزه، فلما كان بعد ثلاثة أيام كل يوم يسيرون سيرا رويدا ونحن نتراكض أشرفنا على هلاك أنفسنا وعطبت دوابنا وبقينا لا حركة بنا ولا نهوض، فقلنا: يا قوم هذا والله العطب والهلاك، فما ترون؟ قالوا: الرأي الانصراف عنهم، فإنهم قوم سحرة، فقال بعضهم لبعض: إن كانوا سحرة فالرأي أن نغيب عن أبصارهم ونوهمهم أنا قد انصرفنا عنهم، فإذا ارتحلوا كررنا عليهم كرة وهجمنا عليهم في مضيق، قالوا: نعم الرأي هذا، فانصرفنا عنهم وأوهمناهم أنا قد يئسنا، فلما كان من الغد ارتحلوا ومضوا فتركناهم حتى استبطنوا واديا فقمنا فأسرجنا وركبنا حتى لحقناهم، فلما أحسوا بنا فزعوا إلى عبد الله بن عبد المطلب، وقالوا: قد لحقونا، فقال: لا بأس عليكم، امضوا رويدا، قال: فجعلوا يسيرون سيرا رويدا، ونحن نتراكض ونقتل أنفسنا ودوابنا حتى أشرفنا على الموت مع دوابنا، فلما كان في آخر النهار قال عبد الله لأصحابه: حطوا رواحلكم، وقام فخط خطا، وقال: لا تخرجوا من الخط فإنهم لن يصلوا إليكم بمكروه، فانتهينا إلى الخط فو الله ما أمكننا أن نتجاوزه، فقال بعضنا لبعض: والله ما بقي إلا الهلاك أو الانصراف عنهم على أن لا نعود إليهم، قال: فانصرفنا عنهم فقد عطبت دوابنا وهلكت، وكانت سفرة مشومة علينا، فلما سمعوا ذلك من الشيخ قالوا: ألا أخبرتنا بهذا الحديث فكنا ننصرف عنهم ولم يغرق منا من غرق؟ قال الشيخ: قد أخبرتكم ونصحت لكم، وقلت لكم انصرفوا عنهم فليس لكم الوصول إليهم، وفيهم رجل من ولد عبد المطلب، وقلتم إني قد خرفت وذهب عقلي، فلما سمع أبي هذا الكلام من الشيخ وهو يحدث أصحابه على رأس الخطة نظر إلى أبي طالب، فقال: ويحك أما تسمع ما يقول الشيخ؟ قال: بلى يا خطاب أنا والله في ذلك اليوم مع عبدالله في القافلة وأنا غلام صغير، وكان هذا الشيخ على قعود له، وكان شائكا لا يرى منه إلا حدقته، وكانت له جمة قد أرخاها عن يمينه وشماله. فقال الشيخ: صدق والله كنت يومئذ على قعود، علي ذؤابتان قد أرسلتهما عن يميني وشمالي، قال الخطاب: فانصرفوا عنا، فقال أبو طالب: ارتحلوا، فارتحلنا، فإذا لا جزيرة ولا بحر ولا ماء، وإذا نحن على الجادة والطريق الذي لم نزل نسلكه فسرنا وتخلصنا بسحر أبي طالب حتى وردنا الشام فرحين مستبشرين، وحلف الخطاب أنه مر بعد بذلك الموضع بعينه أكثر من عشرين مرة إلى الشام فلم ير جزيرة ولا بحرا ولا ماء، وحلفت قريش على ذلك، فهل هذا يا سلمان إلا سحر مستمر؟ قال سلمان: قلت: والله ما أدري ما أقول لك إلا أنك تورد علي عجائب من أمر بني هاشم، قال: نعم، يا أبا عبد الله هم أهل بيت يتوارثون السحر كابرا عن كابر، قال سلمان: فقلت وأنا أريد أن أقطع الحديث: ما أرى أن هذا سحر، قال: سبحان الله يا أبا عبد الله ترى كذب الخطاب وأصحابه، أتراك ما حدثتك به مما عاينته أنا بعيني كذب؟ قال سلمان: فضحكت، فقلت: ويلك إنك لم تكذب ولا كذب الخطاب وأصحابه، وهذا كله صدق وحق، فقال: والله لا تفلح أبدا، وكيف تفلح وقد سحرك ابن أبي طالب. قلت: فاترك هذا.. ما تقول في فك الرقبة والمال الذي وافاك من خراسان؟ قال: ويحك يمكنني أن أعصي هذا الساحر في شيء يأمرني به، نعم أفكها على رغم مني وأوجه بالمال إليه، قال سلمان: فانصرفت من عنده، فلما بصر بي أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: يا سلمان طال حديثكما، قلت: يا أمير المؤمنين حدثني بالعجائب من أمر الخطاب وأبي طالب، قال: نعم يا سلمان قد علمت ذلك وسمعت جميع ما جرى بينكما، وما قال لك أيضا إنك لا تفلح. قال سلمان: والله الذي لا إله إلا هو ما حضر الكلام غيري وغيره، فأخبرني مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) بجميع ما جرى بيني وبينه، ثم قال: يا سلمان عد إليه فخذ منه المال وأحضر فقراء المهاجرين والأنصار في مسجد رسول الله ص وفرقه إليهم).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: وروى هذا الحديث صاحب عيون المعجزات، عن المفضل، عن الصادق (عليه السلام) والشيخ الجليل شاذان بن جبرائيل في كتابه الفضائل بحذف الإسناد أيضا عنه (عليه السلام) ببعض المغايرة في الألفاظ والمؤدى واحد في الكل، وكذا الحافظ البرسي في كتابه وأيضا أنه أيضا مأخوذ عن كتاب الفضائل لشاذان كما هو الحال في جل ما رواه في كتابيه المشارق واللوامع فإنها مأخوذة عن كتابي الفضائل والروضة للشيخ المذكور، وإن لم يصرح بالنسبة إلى هذا ولكنهم لم يذكروا ما ذكره عن أبيه الخطاب في حق أبي طالب وعبد الله، وإنما ذكروا ما يتعلق بأمير المؤمنين (عليه السلام) فقط، نعم قد ذكروا في آخره أنه قال: إنهم أهل بيت يتوارثون هذه الأعجوبة كابرا عن كابر ولقد كان أبو طالب وعبد الله يأتيان بمثل ذلك في الجاهلية، والظاهر أنهم اقتصروا على بعض الحديث لكون الباقي خارجا عن مقصودهم في الظاهر، وروى الشيخ الجليل قطب الدين سعيد بن وهبة الراوندي  في الخرائج عن سلمان نفس حكاية القوس وصيرورتها ثعبانا، ثم إرسال أمير المؤمنين (عليه السلام) له بعد ذلك إلى عمر من جهة المال، وحيث أنها مذكورة في ضمن هذا الحديث فلنكتف بذلك.

كاد أبو بكر يقر لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة لولا تدخل عمر

الخامس والستون: إرشاد القلوب للحسن بن أبي الحسن الديلمي  بحذف الإسناد، عن الصادق (عليه السلام): (أن أبا بكر لقي أمير المؤمنين (عليه السلام) في سكة بني النجار، فسلم عليه وصافحه وقال له: يا أبا الحسن أفي نفسك شيء من استخلاف الناس إياي وما كان من يوم السقيفة وكراهيتك للبيعة؟ والله ما كان ذلك من إرادتي إلا أن المسلمين أجمعوا على أمر لم يكن لي أن أخالفهم فيه؛ لأن النبي ص قال: لا تجتمع أمتي على الضلال، فقال له أمير المؤمنين: يا أبا بكر أمته الذين أطاعوه من بعده وفي عهده وأخذوا بهذا، وافوا بما عاهدوا الله عليه ولم يغيروا ولم يبدلوا، قال له أبو بكر: والله يا علي لو شهد عندي الساعة من أثق به أنك أحق بهذا الأمرمني ؛ سلمته إليك رضي من رضي وسخط من سخط، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا بكر هل تعلم أحدا أوثق من رسول الله؟ وقد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن وعلى جماعة منكم، وفيهم  عمر وعثمان في يوم الدار وفي بيعه الرضوان تحت الشجرة يوم جلوسه في بيت أم سلمة وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع، فقلتم بأجمعكم: سمعنا وأطعنا لله ولرسوله، فقال لكم: الله ورسوله عليكم من الشاهدين،  فقلتم بأجمعكم: الله ورسوله علينا من الشاهدين، فقال لكم: فليشهد بعضكم على بعض وليبلغ شاهدكم غائبكم، ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع، فقلتم: نعم يا رسول الله ص وقمتم بأجمعكم تهنون رسول الله وتهنوني بكرامة الله لنا، فدنا عمر وضرب على كتفي، وقال بحضرتكم: بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي  ومولى المؤمنين، فقال أبو بكر: لقد ذكرتني أمرا يا أبا الحسن لو يكون رسول الله ص شاهدا فأسمعه منه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): اللهورسوله عليك من الشاهدين يا أبا بكر إن رأيت رسول الله حيا يقول لك إنك ظالم لي  في أخذ حقي الذي جعله الله ورسوله لي دونك ودون المسلمين؛ أن تسلم هذا الأمر إلي وتخلع نفسك منه، فقال أبو بكر: يا أبا الحسن وهذا يكون! أرى رسول الله حيا بعد موته؟ فيقول لي ذلك، فقال له أمير المؤمنين: نعم يا أبا بكر، قال: فأرني إن كان ذلك حقا، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): والله ورسوله عليك من الشاهدين إنك تفي بما قلت، قال أبو بكر: نعم فضرب أمير المؤمنين على يده وقال: تسعى معي نحو مسجد قبا، فلما ورداه تقدم أمير المؤمنين فدخل المسجد وأبو بكر من ورائه فإذا هو برسول الله ص جالس في قبلة المسجد، فلما رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي عليه، فناداه رسول الله: ارفع رأسك أيها الضليل المفتون، فرفع أبو بكر رأسه وقال: لبيك يا رسول الله، أحياة بعد الموت يا رسول الله؟ فقال: ويلك يا أبا بكر إن الذي أحياها لمحيي الموتى، إنه على كل شيء قدير، قال: فسكت أبو بكر وشخصت عيناه نحو رسول الله ص، فقال: ويلك يا أبا بكر أنسيت ما عاهدت الله ورسوله عليه في المواطن الأربع لعلي (عليه السلام)؟ فقال: ما نسيتها يا رسول الله، فقال: ما بالك اليوم تناشد عليا فيها ويذكرك فتقول نسيت، وقص عليه رسول الله ما جرى بينه وبين علي بن أبي طالب إلى آخره فما نقص منه كلمة وما زاد فيه كلمة، فقال أبو بكر: يا رسول الله فهل من توبة، وهل يعفو الله عني إذا سلمت هذا الأمر إلى أمير المؤمنين؟ قال: نعم يا أبا بكر وأنا الضامن لك على الله ذلك إن وفيت، قال: وغاب رسول الله عنهما قال: فتشبث أبو بكر بعليوقال: الله الله في يا علي، سر معي إلى منبر رسول الله ص حتى أعلو المنبر، وأقص على الناس ما شاهدت ورأيت من أمر رسول الله ص وما قال لي، وما قلت له وأمرني به، وأخلع نفسي من هذا الأمر وأسلمه إليك فقال له  أمير المؤمنين(عليه السلام) : أنا معك إن تركك شيطانك، فقال أبو بكر: إن لم يتركني تركته وعصيته، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): إذا تطيعه ولا تعصيه وإنما رأيت ما رأيت لتأكيد الحجة عليك، وأخذ بيده وخرجا من مسجد قبا يريدان مسجد رسول الله ص ،وأبو بكر يخفق بعضه بعضا ويتلون ألوانا، والناس ينظرون إليه ولا يدرون ما الذي كان حتى لقيه عمر بن الخطاب، فقال له: يا خليفة رسول الله ما شأنك؟ وما الذي دهاك؟ فقال أبو بكر: خل عني يا عمر فو الله لا سمعت لك قولا، فقال له عمر: وأين تريد يا خليفة رسول الله؟ فقالله أبو بكر: أريد المسجد والمنبر، فقال: ليس هذا وقت صلاة ومنبر، فقال: خل عني فلا حاجة لي في كلامك، فقال عمر: يا خليفة الله أفلا تدخل قبل المسجد منزلك فتسبغ الوضوء؟ قال: بلى، ثم التفت أبو بكر إلى علي (عليه السلام) وقال له: يا أبا الحسن تجلس إلى جانب المنبر حتى أخرج إليك، فتبسم أمير المؤمنين ثم قال: يا أبا بكر قد قلت إن شيطانك لا يدعك أو يرديك]، ومضى أمير المؤمنين فجلس بجانب المنبر ودخل أبو بكر منزله وعمر معه، فقال له: يا خليفة رسول الله ص [لم لا تنبئني [عن أمرك وتحدثني بما دهاك به علي بن أبي طالب؟ فقال أبو بكر: ويحك يا عمر يرجع رسول الله بعد موته حيا فيخاطبني في ظلمي لعلي وأمرني]برد حقه عليه وخلع نفسي من هذا الأمر فقال له عمر]   : قص علي قصتك من أولها إلى آخرها، فقال له أبو بكر: ويحك يا عمر والله لقد قال لي علي إنك لا تدعني أخرج من هذه المظلمة، وإنك شيطاني فدعني، فلم يزل يرقبه إلى أن حدثه بحديثه كله، فقال له: بالله يا أبا بكر أنسيت شعرك في أول شهر رمضانالذي فرض الله علينا صيامه؛ حيث جاءك حذيفة بن اليمان وسهل بن حنيف ونعمان الأزدي وخزيمة بن ثابت في يوم جمعة إلىدارك ليتقاضونك دينا عليك، فلما انتهوا إلى باب الدار سمعوا لك صلصلة في الدار فوقفوا بالباب ولم يستأذنوا عليك، فسمعوا أم بكر زوجتك تناشدك وتقول: قد عمل حر الشمس بين كتفيك قم إلى داخل البيت، وابعد عن الباب لئلا يسمعك بعض أصحاب محمد ص فيهدروا دمك، فقد علمت أن محمدا ص قد أهدر دم من أفطر يوما من شهر رمضان من غير سفر ولا مرض خلافا على الله وعلى رسوله محمد، فقلت لها: هات لا أم لك فضل طعامي من الليل، واترعي الكأس من الخمر، وحذيفة ومن معه بالباب يسمعون محاورتكما، فجاءت بصحفة فيها طعام من الليل، وقعب مملوء خمرا، فأكلت من الصحفة، وكرعت الخمر في ضحى النهار، وقلت لزوجتك هذا الشعر:

ذريني أصطبح يا أم بكر

فإن الموت نقب عن هشام

ونفث عن أخيك وكان صعبا

من الأقوام شريب المدام

يقول لنا ابن كبشة سوف نحيا

وكيف حياة أشلاء وهام

ولكن باطل قد قال هذا

وإنه من زخاريف الكلام

ألا هل مبلغ الرحمن عني

بأني تارك شهر الصيام‏

وتارك كلما أوحى إلينا

محمد من أساطير الكلام‏

فقل لله يمنعني شرابي

وقل لله يمنعني طعامي‏

ولكن الحكيم رأى حميرا

      فألجمها فتاهت في اللجام‏

فلما سمعك حذيفة ومن معه تهجو محمدا قحموا عليك في دارك، فوجدوك وقعب الخمر في يدك وأنت تكرعها، فقالوا: مالك يا عدو الله خالفت الله ورسوله، وحملوك كهيئتك إلى مجمع الناس بباب رسول الله ص وقصوا عليه قصتك، وعادوا شعرك فدنوت منك وشاورتك، وقلت لك في ضجيج الناس: قل إني شربت الخمر ليلا فثملت فزال عقلي، فأتيت ما أتيته نهارا ولا علم لي بذلك، فعسى أن يدرأ عنك الحد، وخرج محمد ص فنظر إليك فقال: استيقظوه، فقلت: رأيناه وهو ثمل يا رسول الله لا يعقل، فقال: ويحك الخمر يزيل العقل تعلمون هذا من أنفسكم فأنتم تشربونها، فقلنا: نعم يا رسول الله وقد قال فيها إمرؤ القيس شعرا:

شربت الخمر حتى زال عقلي

كذاك الخمر يفعل بالعقول‏

ثم قال محمد: أنظروه إلى إفاقته من سكرته، فأمهلوك حتى أريتهم٣) ) أنك قد صحوت، فسألك محمدص، فأخبرته بما أوعزته إليك من شربك لها بالليل، فما بالك اليوم تؤمن بمحمد وبما جاء به وهو عندنا ساحر كذاب، فقال: ويلكيا أبا حفص لا شك عندي فيما قصصته علي، فاخرج إلى علي بن أبي طالب فاصرفه عن المنبر، قال فخرج عمر وأمير المؤمنين ع جالس بجنب  المنبر فقال: ما بالك يا علي قد تصديت [لها  هيهات هيهات دون الله ما تريد من علو هذا المنبر خرط القتاد، فتبسم أمير المؤمنين ع حتى بدت نواجذه ثم قال: ويلك منها والله يا عمر إذا أفضت إليك، والويل للأمة من بلائك، فقال عمر: هذه بشرى يا ابن أبي طالب، صدقت ظنونك وحق قولك، وانصرف أمير المؤمنين إلى منزله وكان هذا من دلائله).

أقول: قد روى هذه القصة بهذه الطول الحسين بن حمدان في كتاب الهداية، وزاد فيها تفصيل المواطن الأربعة التي ذكرها أمير المؤمنين لأبي بكر، ولم أجد هذه الرواية بهذا التفصيل إلا في هذين الكتابين، وأما صدر الحديث وهو حديث مسجد قبا وإرادة الأول في الظاهر رد الأمر إلى أمير المؤمنين ع، وردع الثاني له عن ذلك على الإجمال بقوله: إنه من سحر بني هاشم، فهو مما قد تتابعت الروايات فيه في كتب أخبار أصحابنا، فقد رواه الصفار  في بصائر الدرجات بعدة طرق، وشيخنا الكليني في الكافي والمفيد في الاختصاص أيضا  بطرق عديدة، والشريف الرضي في الخصائص، وصاحب عيون المعجزات، وصاحب درر المطالب، والراوندي في الخرائج، وابن شهر آشوب في المناقب وغيرهم من أهل الحديث.

علقت فاطمة بنت أسد بعلي ع عندما أكلت الرطب من رسول الله ص

السادس والستون: مناقب ابن شهر آشوب عن شيخ السنة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل (أن فاطمة بنت أسد رأت النبي ص يأكل تمرا له رائحة تزداد على كل الأطائب من المسك والعنبر من نخلة لا شماريخ لها، فقالت: ناولني أنل منها، قال ص : لا تصلح إلا أن تشهدي معي أن لا إله إلا الله، وأني محمد رسول الله، فشهدت الشهادتين فناولها فأكلت، فازدادت رغبتها وطلبت أخرى لأبي طالب، فعاهدها أن لا تعطيه إلا بعد الشهادتين، فلما جن عليها الليل أشتم أبو طالب نسما ما أشتم مثله قط، فأظهرت ما معها، فالتمسه منها فأبت عليه إلا أن يشهد الشهادتين، فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين غير أنه سألها أن تكتم عليه لئلا تعيره قريش، فعاهدته على ذلك فأعطته ما معها وآوى إلى زوجته فعلقت بعلي في تلك الليلة، ولما حملت بعلي ازداد حسنها فكان يتكلم في بطنها، فكانت في الكعبة فتكلم علي ع مع جعفر فغشي عليه، فألقيت الأصنام خرت على وجوهها فمسحت على بطنها وقالت: يا قرة العين سجدتك الأصنامفرأت الأصنام داخلا، فكيف شأنك خارجا، وذكرت لأبي طالب ذلك فقال: هوالذي] قال لي: أسد في طريق الطائف).

أمير المؤمنين ع يقتل الحية وهو في المهد

السابع والستون: وفيه عن أنس، عن عمر بن الخطاب: (أن عليا رأى حية تقصده وهو في مهده، وقد شدت يداه في حال صغره، فحول نفسه فأخرج يده وأخذ بيمينه عنقها، وغمزها غمزة حتى أدخل أصابعه فيها، وأمسكها حتى ماتت، فلما رأت ذلك أمه نادت واستغاثت، فاجتمع الحشم، ثم قالت: كأنك حيدرة اللبوة إذا غضبت من قبل أذى أولادها.)

أمير المؤمنين ع يرفض التقرب من الأصنام حتى وهو في بطن أمه

الثامن والستون: خرائج الراوندي  بحذف الإسناد: (أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد: وكان علي ع صبيا رأيته يكسر الأصنام، فخفت أن تعلم كفار قريش ذلك، فقالت: يا عجبا أنا أخبرك بأعجب من هذا وهو أني اجتزت بالموضع الذي كانت أصنامهم فيه منصوبة – وعلي ع في بطني - فوضع رجليه في جوفي شديدا لا يتركني أقرب من ذلك الموضع الذيكانت فيه أصنامهم، وأنا كنت أطوف بالبيت لعبادة الله لا الأصنام‏).

أمير المؤمنين عع يعلم ما بالأرحام

التاسع والستون: عن عيون المعجزات قال: حدثني هذا قال: حدثني هذا الشيخ- يعني أبا الحسن علي ابن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الطيب المصري المعروف بأبي التحف- قال : حدثني العلا بن طيب بن سعيد المغازلي البغدادي ببغداد، قال : حدثني نصر بن مسلم بن صفوان بن الجمال المكي قال : حدثني أبو هاشم المعروف بابن أخي طاهر بن زمعة، عن أصهب بن جنادة، عن بصير بن مدرك، قال : حدثني عمار بن ياسر ذو الفضل والمآثر قال : (كنت بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع، وكان يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من صفر، وإذا بزعقة قد ملأت المسامع، وكان علي ع على دكة القضاء، فقال : يا عمار ائت بذي الفقار - وكان وزنه سبعة أمنان وثلثا من بالمكي - فجئت به، فصاح من عمده ، وتركه وقال : يا عمار هذا يوم أكشف فيه لأهل الكوفة جميعا الغمة، ليزداد المؤمن وفاقا، والمخالف نفاقا، يا عمار ائت بمن على الباب، قال عمار: فخرجت وإذا بالباب امرأة في قبة على جمل وهي تصيح: يا غياث المستغيثين، ويا غاية الطالبين، ويا كنز الراغبين، ويا ذا القوة المتين، ويا مطعم اليتيم، ويا رازق العديم، ويا محيي كل عظم رميم، ويا قديما سبق قدمه كل قديم، يا عون من لا عون له، ويا طود من لا طود له، وكنز من لا كنز له، إليك توجهت، وإليك توسلت، بيض وجهي، وفرج عني كربي، قال: وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة، قوم لها وقوم عليها، فقلت: أجيبوا أمير المؤمنين ع، فنزلت عن الجمل ونزل القوم معها ودخلوا المسجد، فوقعت المرأة بين يدي أمير المؤمنين ع، وقالت: يا علي إياك قصدت، فاكشف ما بي، إنك ولي ذلك، والقادر عليه، فقال أمير المؤمنين ع: يا عمار ناد في الكوفة لينظروا إلى قضاء أمير المؤمنين ع، قال عمار : فناديت، فاجتمع الناس حتى صار القدم عليه أقدام كثيرة، ثم قام أمير المؤمنين ع وقال: سلوا عما بدا لكم يا أهل الشام، فنهض من بينهم شيخ أشيب عليه بردة أتحمية، وحلة عدنية، وعلى رأسه عمامة خز سوية، فقال: السلام عليك يا كنز الضعفاء، ويا ملجأ اللهفاء، يا مولاي هذه الجارية ابنتي وما قربتها ببعل قط، وهي عاتق حامل، وقد فضحتني في عشيرتي، وأنا معروف بالشدة والنجدة  والبأس والسطوة والشجاعة والبراعة، والنزاهة والقناعة، أنا قلمس بن غفريس وليث عسوس، ووجهه على الأعداء عبوس، لا تخمد لي نار، ولا يضام لي جار، عزيز عند العرب بأسي ونجدتي وسطواتي ، أنا من أقوام بيت آبائهم في بيت مجد في السابعة، فينا كل عبوس لا يرعوي، وكل حجاج عن الحرب لا ينتهي، وقد بقيت يا علي حائر في أمري، فاكشف هذه الغمة فهذه عظيمة لا أجد أعظم منها، فقال أمير المؤمنين ع : ما تقولين يا جارية فيما قال أبوك؟ قالت: أما قوله إني عاتق فقد صدق فيما يقول، وأما قوله إني حامل، فوالله ما أعلم من نفسي خيانة قط يا أمير المؤمنين، وأنت أعلم به مني، وتعلم أني ما كذبت فيما قلت ففرج عني غمي يا عالم السر وأخفى، فصعد أمير المؤمنين ع المنبر وقال: الله أكبر ﴿جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا﴾ فقال ع: علي بداية الكوفة، فجاءت امرأة يقال لها لبنا، وكانت قابلة نساء الكوفة، فقال: اضربي بينك وبين الناس حجابا، وانظري هذه الجارية أعاتق حامل؟ ففعلت ما أمرها أمير المؤمنين ع وقالت : نعم يا أمير المؤمنين، عاتق أم حامل؟ فقال: يا أهل الكوفة أين الأئمة الذين ادعوا منزلتي؟ أين من يدعي في نفسه أن له مقام الحق فيكشف هذه الغمة ؟ فقال عمرو بن حريث كالمستهزئ: ما لها غيرك يا بن أبي طالب، واليوم تثبت لنا إمامتك، فقال أمير المؤمنين ع لأبي الجارية: يا أبا الغضب، ألستم من أعمال دمشق؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين قال: من قرية يقال لها: إسعاد طريق بانياس الجولة؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين، فقال: هل فيكم من يقدر على قطعة من الثلج؟ فقال أبو الغضب: الثلج في بلادنا كثير، قال أمير المؤمنين ع : بيننا وبين بلادكم مائتا فرسخ وخمسون فرسخا، قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال عمار : فمد ع يده وهو على منبر الكوفة، وردها وفيها قطعة من الثلج تقطر ماء، ثم قال لداية الكوفة: ضعي هذا الثلج مما يلي فرج هذه الجارية، سترمي علقة وزنها خمس وخمسون درهما ودانقان، قال: فأخذتها وخرجت بها من الجامع وجاءت بطشت ووضعت الثلج على الموضع منها، فرمت علقة كبيرة فوزنتها الداية فوجدتها كما قال ع، وكان قد أمسك المطر عن الكوفة منذ خمس سنين، فقال أهل الكوفة: استسق لنا يا أمير المؤمنين، فأشار بيده قبل السماء فدمدم الجو وأسجم وحمل مزنا، وسال الغيث وأقبلت الداية مع الجارية فوضعت العلقة بين يديه، فقال: وزنتها؟ فقالت: نعم يا أمير المؤمنين وهي كما ذكرت، فقال ع: وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين، ثم قال: يا أبا الغضب خذ ابنتك فوالله ما زنت، ولكن دخلت الموضع فدخلت فيها هذه العلقة وهي بنت عشر سنين، فربت في بطنها إلى وقتنا هذا، فنهض أبوها وهو يقول: أشهد أنك تعلم ما في الأرحام وما في الضمائر).

أمير المؤمنين ع يرفع ما نزل من بلاء

السبعون وفيه عن الكتاب المذكور، عن أبي التحف مرفوعا إلى حذيفة بن اليمان قال : (كنا بين يدي رسول الله ص إذ حفنا صوت عظيم، فقال ص: انظروا ما دهاكم ونزل بكم؟ فخرجنا إلى ظاهر المدينة فإذا بأربعين راكبا على أربعين ناقة بأربعين موكبا من العقيق، على كل واحد منهم بدنة من اللؤلؤ، وعلى رأس كل واحد منهم قلنسوة مرصعة بالجواهر الثمينة، يقدمهم غلام لا نبات بعارضيه، كأنه فلقة قمر وهو ينادي الحذار الحذار، البدار البدار، إلى محمد المختار، المبعوث في الأقطار، قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله ص وأخبرته، فقال: يا حذيفة انطلق إلى حجرة كاشف الكرب، وهازم العرب، وجمرة بني عبد المطلب، الليث الهصور، واللسان الشكور، والطرف النائي الغيور، والبطل الجسور، والعالم الصبور، الذي جرى اسمه في التوراة والإنجيل والزبور. قال حذيفة: فأسرعت إلى حجرة مولاي ع أريده فإذا به قد لقيني، وقال: يا حذيفة جئتني لتخبرني بقوم أنا بهم عالم منذ خلقوا وولدوا. قال حذيفة: وأقبل سائرا وأنا خلفه حتى دخل المسجد والقوم حافون برسول الله ص، فلما رأوه نهضوا له قياما، فقال ع: كونوا على أماكنكم، فلما استقر به المجلس قام الغلام الأمرد قائما دون أصحابه وقال: أيكم الراهب إذا انسدل الظلام، أيكم المنزه عن عبادة الأوثان والأصنام، أيكم الساتر عورات النسوان، أيكم الصابر يوم الضرب والطعان، أيكم قاتل الأقران، ومهدم البنيان، وسيد الإنس والجان، أيكم أخو محمد المصطفى المختار، ومبدد المارقين في الأقطار، أيكم لسان الحق الصادق، ووصيه الناطق، أيكم المنسوب إلى أبي طالب بالولد، والقاعد للظالمين بالمرصد. فقال رسول الله ص: يا علي أجب الغلام، وقم بحاجته. فقال ع: أنا يا غلام، ادن مني، فإني أعطيك سؤلك، وأشفي غليلك بعون الله سبحانه وتعالى ومشيته، فانطق بحاجتك لأبلغك أمنيتك، ليعلم المسلمون أني سفينة النجاة، وعصى موسى، والكلمة الكبرى، والنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، والصراط المستقيم الذي من حاد عنه ضل وغوى. فقال الغلام : إن لي أخا مولعا بالصيد والقنص فخرج في بعض الأيام يتصيد، فعارضته بقرات وحش عشر، فرمى أحدها فقتلها، فانفلج نصفه في الوقت، وقل كلامه حتى لا يكلمنا إلا إيماء، وقد بلغنا أن صاحبكم يرفع عنه ما نزل به يا أهل المدينة، وأنا القحقاح بن الحلاحل بن أبي الغضب بن سعد بن المقنع بن عملاق بن ذاهل بن صعب، ونحن من بقايا قوم عاد، نسجد للأصنام، ونقتسم بالأزلام، فإن شفى صاحبكم أخي آمنا على يده، ونحن تسعون ألفا، فينا البأس والنجدة والقوة والشدة، ولنا الكنوز من العندح والعسجد والبندح والديباج والذهب والفضة والخيل والإبل، ولنا المضارب العانية والمغالب، نحن سباق جلاد، سواعدنا شداد، وأسيافنا حداد، وقد أخبرتكم بما عندي. فقال أمير المؤمنين ع: وأين أخوك يا غلام؟ فقال: سيأتي في هودج. فقال ع: إذا جاء أخوك شفيت علته فالناس على مثل ذلك إذ أقبلت امرأة عجوز تحت محمل على جمل، فأنزلته بباب المسجد، فقال الغلام: يا علي جاء أخي، فنهض ع ودنا من المحمل، وإذا فيه غلام له وجه صبيح، فلما نظر إليه أمير المؤمنين ع بكى الغلام وقال بلسان ضعيف: إليكم الملجأ والمشتكى يا أهل المدينة، فقال أمير المؤمنين ع: اخرجوا الليلة إلى البقيع فستجدون من علي عجبا. قال حذيفة: فاجتمعوا الناس من العصر في البقيع إلى أن هدأ الليل، ثم خرج إليهم أمير المؤمنين ع وقال لهم: اتبعوني، فاتبعوه، وإذا بنارين متفرقة قليلة وكثيرة، [فدخل في النار القليلة، قال حذيفة : فسمعنا زمجرة كزمجرة الرعد، فقلبها على النار الكثيرة ودخل فيها، ونحن بالبعد وننظر إلى النيران إلى أن أسفر الصبح، ثم طلع منها وقد كنا آيسنا منه، فجاء وبيده رأس دوره سبعة إصبع، له عين واحدة في جبهته، فأقبل إلى المحمل الذي فيه الغلام وقال: قم بإذن الله يا غلام، فما عليك من بأس، فنهض الغلام ويداه صحيحتان، ورجلاه سالمتان، فانكب على رجله يقبلها، وأسلم وأسلم القوم الذين كانوا معه والناس متحيرون لا يتكلمون، فالتفت إليهم وقال: أيها الناس هذا رأس العمرو بن الأخيل بن لاقيس ابن إبليس كان في اثني عشر فيلق من الجن، وهو الذي فعل بالغلام ما فعل، فقاتلتهم وضربتهم بالاسم المكتوب على عصى موسى ع التي ضرب بها البحر فانفلق البحر اثني عشر طريقا فماتوا كلهم، فاعتصموا بالله تعالى وبنبيه ووصيه ).

أمير المؤمنين ع يحيي الميت ببعض منه

الحادي والسبعون: وفيه عن كتاب عيون المعجزات، قال: حدثني أبو التحف علي بن محمد بن إبراهيم المصري [الجزار] قال: حدثني الأشعث بن مرة، عن المثنى بن سعيد، عن هلال بن كيسان الكوفي الجزار، عن الطيب الغراجري، عن عبد الله بن سلمة المفنجي، عن شقادة بن الأصيد العطار البغدادي، قال: حدثني عبد المنعم بن الطيب القدوري، قال: حدثني العلاء بن وهب، عن قيس، عن الوزير أبي محمد بن سايلويه  فإنه كان من أصحاب أمير المؤمنين العارفين، وروى جماعتهم، عن أبي جرير ، عن أبي الفتح المغازلي ، عن أبي جعفر ميثم التمار - آنس الله به قلوب العارفين - قال: (كنت بين يدي مولاي أمير النحل جلت معالمه، وثبتت كلمته بالكوفة وجماعة من وجوه العرب حافون به كأنهم الكواكب اللامعة في السماء الصاحية، إذ دخل علينا من الباب رجل عليه قباء خز أدكن، قد اعتم بعمامة اتحمية صفراء، وقد تقلد بسيفين، فنزل من غير سلام، ولم ينطق بكلام، فتطاول إليه الناس بالأعناق، ونظروا إليه بالآماق، ووقفت إليه الناس من جميع الآفاق، ومولانا أمير المؤمنين ع لم يرفع رأسه إليه، فلما هدأت من الناس الحواس، فصح عن لسان كأنه حسام صيقل جذب من غمده، وقال: أيكم المجتبى في الشجاعة، والمعمم بالبراعة، والمدرع بالقناعة؟ أيكم المولود في الحرم، والعالي في الشيم، والموصوف بالكرم؟ أيكم أصلع الرأس، والثابت بالأساس، والبطل الدعاس، والمضيق الأنفاس، والآخذ بالقصاص؟ أيكم غصن أبي طالب الرطيب، وبطله المهيب، والسهم المصيب، والقاسم المجيب ؟ أيكم الذي نصر به محمد في زمانه، واعتز به سلطانه، وعظم به شأنه؟ أيكم قاتل العمروين وآسر العمروين ، العمروان اللذان قتلهما عمرو بن عبد ود وعمرو بن الاشعث المخزومي، والعمروان اللذان أسرهما فأبو ثور عمرو بن معدي كرب وعمرو بن سعيد الغساني أسره في يوم بدر . قال أبو جعفر ميثم التمار - أسعده الله برضوانه - قال أمير المؤمنين ع: أنا يا سعيد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن الصليب بن الأشعث بن أبي السمعمع بن الأحيل بن فزارة بن دهيل بن عمرو الدويني، قال: لبيك يا علي. فقال ع: سل عما بدا لك فأنا كنز الملهوف، وأنا الموصوف بالمعروف، أنا الذي قرعتني الصم الصلاب، وهلل بأمري صوت السحاب، وأنا المنعوت في الكتاب، أنا الطود ذو الأسباب، أنا ق والقرآن المجيد، أنا النبأ العظيم، أنا الصراط المستقيم، أنا البارع، أنا العشوش، أنا القلمس، أنا العفوس، أنا المداعس، أنا ذو النبوة والسطوة، أنا العليم، أنا الحكيم، أنا الحفيظ، أنا الرفيع، بفضلي نطق كل كتاب، وبعلمي شهد ذو الألباب، أنا علي  أخو رسول الله ص وزوج ابنته. فقال الأعرابي: لا بتسميتك ولا رمزك. فقال ص: اقرأ يا أخا العرب ﴿لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون﴾. ثم قال الأعرابي: بلغنا عنك أنك تحيي الموتى، وتميت الأحياء، وتفقر وتغني وتقضي في الأرض وتمضي، وليس لك مطاول يطاولك، ولا مصاول فيصاولك، أ فهو كما بلغنا يا فتى قومه؟ فقال ع: قل ما بدا لك، فقال: إني رسول إليك من ستين ألف رجل يقال لهم العقيمة، وقد حملوا معي ميتا قد مات منذ مدة، وقد اختلفوا في سبب موته، وهو على باب المسجد، فإن أحييته علمنا أنك صادق نجيب الأصل، وتحققنا أنك حجة الله في أرضه، وإن لم تقدر على ذلك رددته إلى قومه، وعلمنا أنك غير الصواب، وتظهر من نفسك ما لا تقدر عليه، فقال - صلوات الله عليه وآله - : يا أبا جعفر ميثم، اركب بعيرا وطف في شوارع الكوفة ومحالها، وناد : من أراد أن ينظر إلى ما أعطى الله عليا أخا رسول الله ص، وبعل فاطمة  من الفضل وما أودعه رسول الله ص من العلم فليخرج إلى النجف غدا، فلما رجع ميثم - قدس الله سره - فقال له أمير المؤمنين: يا أبا جعفر خذ الأعرابي إلى ضيافتك فغداة غد سيأتيك الله بالفرج. فقال أبو جعفر ميثم: فأخذت الأعرابي ومعه محمل فيه الميت، وأنزلته منزلي، وأخدمته أهلي، فلما صلى أمير المؤمنين ع صلاة الفجر خرج وخرجت معه، ولم يبق في الكوفة بر ولا فاجر إلا وقد خرج إلى النجف، ثم قال الامام ع: ائت يا أبا جعفر بالأعرابي وصاحبه الميت، وهو راجل بجنب القبة التي فيها الميت، فأتيت به النجف، ثم قال أمير المؤمنين ع جلت نعمته: يا أهل الكوفة قولوا فينا ما ترونه منا، وارووا عنا ما تسمعونه منا، ثم قال ع: أبرك يا أعرابي جملك، ثم قال: لتخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين. فقال ميثم : فاخرج من التابوت عصب ديباج أصفر، فأحل، فإذا تحته عصب ديباج أخضر، فأحل، فإذا تحته بدنةمن اللؤلؤ فيها غلام تم إعذاره بذوائب كذوائب المرأة الحسناء، فقال ع: كم لميتك هذا؟ فقال: أحد وأربعين يوما. قال: فما كانت ميتته؟ فقال الأعرابي: إن أهله يريدون أن تحييه ليعلموا من قتله؛ لأنه بات سالما وأصبح مذبوحا من أذنه إلى أذنه، فقال ع: ومن يطلب بدمه؟ فقال: خمسون رجلا من قومه يقصد بعضهم بعضا في طلب دمه، فاكشف الشك والريب يا أخا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. فقال ع: قتله عمه لأنه زوجه بابنته فخلاها وتزوج غيرها، فقتله حنقا عليه. فقال: لسنا نرضى بقولك فإنما نريد أن يشهد الغلام بنفسه عند أهله من قتله، فيرتفع من بينهم السيف والفتنة، فقام ع فحمد الله تعالى، وأثنى عليه وصلى على النبي ص. ثم قال: يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل بأجل من علي أخي رسول الله ص، وأنها أحيت ميتا بعد سبعة أيام، ثم دنا ع من الميت وقال: (إن بقرة بني إسرائيل ضرب بعضها الميت فعاش، وإني لأضربه ببعضي لأن بعضي عند الله خير من البقرة، ثم هزه برجله وقال: قم بإذن الله يا مدركة بن حنظلة بن غسان بن بحير بن قهر بن سلامة بن طيب بن الأشعث بن الأحوص بن ذاهلة بن عمرو بن الفضل بن حباب، قم فقد أحياك علي بإذن الله تعالى. فقال أبو جعفر ميثم - رفع الله درجته - : فنهض غلام أحسن من الشمس ومن القمر أوصافا، وقال: لبيك يا محيي العظام وحجة الله في الأنام، والمتفرد بالفضل والإنعام، لبيك يا علي يا علام. فقال أمير المؤمنين ع: من قتلك يا غلام ؟ فقال: عمي حريث بن زمعة بن شكال بن الأصم، ثم قال ع للغلام : أتمضي إلى أهلك؟ فقال: لا حاجة لي في القوم، فقال ع: ولم؟ قال: أخاف أن يقتلني ثانيا ولا تكون أنت، فمن يحييني؟ فالتفت ع إلى الأعرابي فقال: امض أنت إلى أهلك وأخبرهم بما رأيت. فقال: أنا أيضا معك ومعه إلى أن يأتي اليقين، لعن الله من اتجه له الحق ووضح، وجعل بينه وبينه سترا، وكانا مع أمير المؤمنين إلى أن قتلا بصفين - رحمهما الله-، فصار أهل الكوفة إلى أماكنهم، واختلفوا في أمير المؤمنين ع، واختلفت أقاويلهم فيه ع).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: عفا الله عنه قد روى هذه الأخبار الثلاثة: الشيخ الجليل شاذان بن جبرائيل القمي  في كتابي الفضائل، والروضة ببعض المغايرة في بعض المواضع والمؤدى واحد وفيهما مكان قوله (حريث بن ربعة ..ألخ) (الحارث بن غسان) ولعله الأصح لوجوب الإتفاق بين العم وابن الأخ في الجدود، ولو صح ما هنا فوجهه كون المذكور أخا أبيه لأمه والله أعلم. وروى الحديث الأخير الشيخ المحدث الجليل حسن الإمامي السبزواري  في كتابه راحة الأرواح، قال: أخبرنا السيد الإمام الأجل الأفضل علم الدين شهاب الإسلام افتخار العترة سيد الأشراف العلماء الحسين بن محمد بن الحسين بن مهدي الحسيني دام شرفه وسيادته ومجده، قال: حدثنا الشيخ الأجل العالم كافي الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أبي نزار الواسطي بمدينة الموصل في السابع عشر من شهر شوال سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، قال: أخبرني الفقيه سديد الدين أبو الفضل شاذان بن جبرائيل ابن إسماعيل القمي، عن محمد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي، عن السيد أبي محمد إبراهيم بن علي بن محمد العلوي الحسيني الموسوي، عن الشيخ العارف شهريار بن تاج الفارسي، عن القاضي أبي القاسم أحمد بن طاهر السوري، عن الإمام أبي المختار الحسن بن عبد الوهاب، عن أبي التحف علي بن إبراهيم المصري، عن الأشعث بن محمد المرة، عن المثنى بن سعيد عن هلال بن كيسان الكوفي، عن الطيب القواصيري، ثم ساق السند مطابقا لما في عيون المعجزات إلى عمار بن ياسر. ومنه يظهر أن في سند عيون المعجزات حذفا فيما بين أبي التحف وبين الطيب القواصيري، كما يظهر ذلك من كتاب اليقين لابن طاووس أيضا في الحديث الذي يأتي فيما بعد إن شاء الله، وهو حديث الجمل والمرأة، كما أن بعد ملاحظة هذا السند وما يأتي هناك يمكن أن يستظهر أن مؤلف عيون المعجزات هو أبو المختار الحسن بن عبد الوهاب والله أعلم فتدبر.

 جبرائيل يجيب أمير المؤمنين ع و يأتيه بالماء ليتوضأ

الثاني والسبعون: وفيه عن ثاقب المناقب، عن عاصم بن شريك، عن ابن أبي البختري، عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) قال: (أتى أمير المؤمنين ع منزل عائشة فنادى: يا فضة إيتينا بشيء من الماء نتوضأ، فلم يجبه أحد ونادى ثلاثا، فلم يجبه أحد، فولى عن الباب يريد منزل الموفقة السعيدة الحوراء الإنسية فاطمة الزهراء ع، فإذا هو بهاتف يهتف ويقول: يا أبا الحسن دونك الماء فتوضأ به، فإذا هو بإبريق من ذهب مملوء ماء عن يمينه فتوضأ، ثم عاد الإبريق إلى مكانه، فلما نظر إليه رسول الله ص قال: يا علي ما هذا الماء الذي أراه يقطر كأنه الجمان قال: بأبي وأمي أتيت منزل عائشة فدعوت فضة تأتينا بماء للوضوء، فلم يجبني أحد، فوليت فإذا بهاتف يهتف وهو يقول: يا علي دونك الماء فتوضأ، فالتفت فإذا أنا بإبريق من ذهب مملوء ماء فقال: يا علي أتدري من الهاتف؟ ومن أين كان الإبريق؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال: أما الهاتف فحبيبي جبرئيل، وأما الإبريق فمن الجنة، وأما الماء فثلث من المشرق، وثلث من المغرب، وثلث من الجنة فهبط جبرئيل، وقال: يا رسول الله الله يقرئك السلام، ويقول لك: أقرئ عليا مني السلام، وقل إن فضة كانت حائضا فقال النبي ص: منه السلام وإليه يرد السلام، وإليه يعود طيب الكلام، ثم التفت إلى علي ع وقال: حبيبي علي هذا جبرئيل أتانا من عند رب العالمين، وهو يقرئك السلام، ويقول: إن فضة كانت حائضا، فقال علي ع : اللهم بارك لنا في فضتنا).

أقول: ووقفت على هذه الخبر في بعض المجاميع، وفيه «أن جبرئيل نزل وقال: إن الله عز وجل صلى وسلم على علي بن أبي طالب وقال: إن فضة كانت حائضا، فلم نحب أن تأتي لك بالماء، فأمرنا جبرئيل أن يأتي بإبريق من الجنة فلما سمع علي ع ذلك حمد الله وأثنى عليه، وقال: إليه يرد السلام، وإليه يعود طيب الكلام، ثم قال: اللهم بارك لنا في فضتنا»

أمير المؤمنين ع يلف الرحى حول عنق خالد

الثالث والسبعون: راحة الأرواح للشيخ الجليل الحسن الإمامي السبزواري، عن الشيخ أبي علي الحسن بن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن أبيه، عن الحسين بن عبد الرحمن، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، عن محمد بن أحمد بن مخزوم المقري مولى بني هاشم، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن علي القرشي، عن محمد بن يسار الجعفي، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن المسيب المخزومي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن العباس (ح) إرشاد الديلمي بحذف الإسناد، عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن العباس -واللفظ للإرشاد-  قالا: (كنا جلوسا عند أبي بكر في ولايته و قد أضحى النهار، وإذا بخالد بن الوليد المخزومي قد وافى في جيش قام غباره، وكثر صهيل أهل خيله، و إذا بقطب رحى ملوي في عنقه قد فتل فتلا، فأقبل حتى نزل عن فرسه  ودخل المسجد، ووقف بين بأزاء أبي بكر، فرمقه الناس بأعينهم فهالهم منظره. ثم قال: أ عدل يا ابن أبي قحافة حيث جعلك الناس في هذا الموضع الذي ليس له أنت بأهل، وما ارتفعت إلى هذا المكان إلا كما يرتفع الطافي من السمك على الماء، و إنما يطفو ويعلو حين لا حراك به، ما لك وسياسة الجيوش وتقديم العساكر، وأنت بحيث أنت، من لعين  الحسب، ومنقوص النسب، وضعف القوى، وقلة التحصيل، لا تحمي ذمارا، ولا تضرم نارا، فلا جزى الله أخا ثقيف وولد ضحاك  خيرا. إني رجعت منكفئا من الطائف إلى جدة في طلب المرتدين، فرأيت علي بن‏أبي طالب ومعه رهط عتاة من الدين، شزرات أعينهم من حسدك بدرت حنقا عليك، وقرحت آماقهم لمكانك. منهم ابن ياسر، والمقداد، وابن جنادة، وابن العوام، وغلامان أعرف أحدهما بوجهه، وغلام أسمر لعله من ولد عقيل أخيه. فتبين لي المنكر في وجوههم، والحسد في احمرار أعينهم، وقد توشح علي بدرع رسول الله ص، ولبس رداءه السحاب، ولقد أسرج له دابته العقاب، وقد نزل علي على عين ماء اسمها روية. فلما رآني اشمأز وبربر، وأطرق موحشا يقبض على لحيته. فبادرته بالسلام استكفاء شرية واتقاء وحشته، فاستغنمت سعة المناخ وسهولة المنزل، فنزلت ومن معي بحيث نزلوا اتقاء عن مراوغته.فناداني ابن ياسر بقبيح لفظه ومحض عداوته، فقرعني هزوا بما تقدمت به إلي بسوء رأيك. فالتفت إلي الأصلع الرأس، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد أو كقعقعة الرعد، فقال لي بغضب منه: أو كنت فاعلا يا أبا سليمان؟ فقلت له: إي والله، لو أقام على رأيه لضربت الذي فيه عيناك. فأغضبه قولي إذ صدقته، وأخرجه إلي طبعه الذي أعرفه به عند الغضب، فقال: يا ابن اللخناء أو مثلك ممن يقدر على مثلي لو يجسر  أو يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة  ويلك إني لست من قتلاك  ولا من قتلى صاحبك، وإني لأعرف بمنيتي منك بنفسك. ثم ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسي، وجعل يسوقني، فدعا إلى رحى للحارث بن كلدة الثقفي، فعمد إلى القطب الغليظ فمد عنقي بكلتا يديه و أداره في عنقي، ينفتل له كالعلك المسخن. وأصحابي هؤلاء وقوف حولي، ما أغنوا عني سطوته، ولا كفوا عني شرته، فلا جزاهم الله عني خيرا، فإنهم لما نظروا إليه كأنهم نظروا إلى ملك موتهم. فو الذي رفع السماء بلا أعماد، لقد اجتمع على فك هذا القطب مائة رجل أو يزيدون من أشد العرب فما قدروا على فكه، فدلني عجز الناس عن فتحه أنه سحر منه أو قوة ملك قد ركبت فيه. ففكه الآن عني إن كنت فاكه، وخذ لي بحقي إن كنت آخذه، وإلا لحقت بدار عزي ومستقر مكرمتي، قد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت به ضحكة لأهل الديار. فالتفت أبو بكر إلى عمر وقال: ما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل؟ كأن ولايتي ثقل على كاهله، وشجا في صدره. فالتفت إليه عمر فقال فيه دعابة: لا تدعه حتى تورده فلا تصدره، وجهل وحسد قد استحكما في خلده، فجريا منه مجرى الدماء لا يدعانه حتى يهينا منزلته، ويورطاه ورطة الهلكة. ثم قال أبو بكر لمن حضر: أدعوا إلي قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، فليس لفك هذا القطب غيره - وكان قيس رجلا طويلا، طوله ثمانية عشر شبرا في عرض خمسة أشبار، وكان أشد الناس في زمانه بعد أمير المؤمنين ع. فحضر قيس فقال له: يا قيس إنك من شدة البدن بحيث أنت، ففك هذا القطب من عنق أخيك خالد، فقال قيس: ولم لا يفكه خالد عن عنقه، قال: فما لا يقدر عليه أبو سليمان وهو نجم عسكركم، وسيفكم على أعدائكم كيف أقدر عليه أنا. قال عمر: دعنا من مزحك وهزلك وخذ فيما حضرت له، فقال: أحضرت لمسألة تسألونها طوعا، أو كرها تجبروني عليه، فقال له: إن كان وإلا فكها، قال قيس: يا ابن صهاك خذل الله من يكرهه مثلك، إن بطنك لعظيمة وإن كرشك لكبير، فلو فعلت أنت ذلك ما كان منك بعجيب، فخجل عمر من كلام قيس بن سعد، وجعل ينكث أسنانه بأنامله. فقال أبو بكر: دع عنك ما بدأ لك به أقصد لما سألت، فقال قيس: والله لو أقدر على ذلك لما فعلت، فدونكم وحدادي المدينة، فإنهم أقدر على ذلك مني. فأتوا بجماعة من الحدادين، فقالوا: لا ينفتح حتى نحميه بالنار. فالتفت أبو بكر إلى قيس مغضبا فقال: و الله ما بك من ضعف عن فكه، ولكنك لا تفعل فعلا يعيب عليك فيه إمامك وحبيبك أبو الحسن، وليس هذا بأعجب من أن أباك رام الخلافة ليبتغي الإسلام عوجا، فحصد الله شوكته، وأذهب نخوته، وأعز الإسلام بوليه، وأقام دينه بأهل طاعته، وأنت الآن في حال كيد وشقاق. قال: فاستشاط قيس بن سعد غضبا وامتلأ غيظا، فقال: يا ابن أبي قحافة إن لك عندي جوابا حميا، بلسان طلق، وقلب جري، ولولا البيعة التي لك في عنقي لسمعته مني، والله لئن بايعتك يدي لم يبايعك قلبي ولا لساني، ولا حجة لي في علي بعد يوم الغدير، ولا كانت بيعتي لك﴿إلا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا﴾، أقول قولي هذا غير هائب منك ولا خائف من معرتك، ولو سمعت هذا القول منك بداة لما فتح لك مني صلحا. إن كان أبي رام الخلافة فحقيق من يرومها بعد من ذكرته، لأنه رجل لا يقعقع باللسان ولا يغمز جانبه كغمز التبنة، ضخم صنديد، وسمك منيف، وعز بازخ أشوس بخلافك والله أيتها النعجة العرجاء والديك النافش، لا عن صميم، ولا حسب كريم، وأيم الله لئن عاودتني في أبي لألجمنك بلجام من القول يمج فوك منه دما، فدعنا نخوض في عمايتك، ونتردى في غوايتك، على معرفة منا بترك الحق واتباع الباطل. وأما قولك إن عليا إمامي، فوالله ما أنكر إمامته ولا أعدل عن ولايته، وكيف أنقض وقد أعطيت الله عهدا بإمامته وولايته يسألني عنه، فأنا إن ألقى الله بنقض بيعتك أحب إلي أن أنقض عهدالله وعهد رسوله وعهد وصيه وخليله، وما أنت إلا أمير قومك، إن شاءوا تركوك وإن شاءوا عزلوك. فتب إلى الله مما اجترمته، وتنصل إليه مما ارتكبته، وسلم الأمر إلى من هو أولى منك بنفسك، فقد ركبت عظيما بولايتك دونه، وجلوسك في موضعه، وتسميتك باسمه، وكأنك بالقليل من دنياك وقد انقشع عنك كما ينقشع السحاب، وتعلم أي الفريقين ﴿شر مكانا و أضعف جندا﴾. وأما تعييرك إياي بإنه مولاي، فهو والله مولاي ومولاك ومولى المؤمنين والمسلمين أجمعين، آه آه أنَّى لي بثبات قدم، أو تمكن وطء حتى ألفظك لفظ المنجنيق الحجرة، ولعل ذلك يكون قريبا، ونكتفي بالعيان عن الخبر. ثم قام ونفض ثوبه ومضى، فندم أبو بكر عما أسرع إليه من القول إلى قيس، وجعل خالد يدور في المدينة و القطب في عنقه أياما. ثم أتى آت إلى أبي بكر فقال له: قد وافى علي بن أبي طالب الساعة من سفره، وقد عرق جبينه، واحمر وجهه، فأنفذ إليه أبو بكر الأقرع بن سراقة الباهلي والأشوس بن الأشجع الثقفي يسألانه المضي إلى أبي بكر في مسجد رسول الله ص.فأتياه فقالا: يا أبا الحسن إن أبا بكر يدعوك لأمر قد أحزنه، وهو يسألك أن تصير إليه في مسجد رسول الله ص، فلم يجبهما، فقالا: يا أبا الحسن ما ترد علينا فيما جئناك له؟ فقال: بئس والله الأدب أدبكم، أليس يجب على القادم أن لا يصير إلى الناس في حوائجهم إلا بعد دخوله في منزله؟ فإن كان لكم حاجة فأطلعوني عليها في منزلي حتى أقضيها إن كانت ممكنة إن شاء الله تعالى. فصار إلى أبي بكر فأعلماه بذلك، فقال أبو بكر: قوموا بنا إليه، ومضى الجمع بأسرهم إلى منزله، فوجدوا الحسين ع على الباب يقلب سيفا ليبتاعه، قال له أبو بكر: يا أبا عبد الله إن رأيت أن تستأذن لنا على أبيك، فقال: نعم. فاستأذن للجماعة فدخلوا و معهم خالد بن الوليد، فبادر الجمع بالسلام، فرد عليهم السلام، فلما نظر إلى خالد قال: نعمت‏صباحا يا أبا سليمان، نعم القلادة قلادتك. فقال خالد: والله يا علي لا نجوت مني إن ساعدني الأجل. فقال له علي ع: أف لك يا ابن وسيمة، إنك والذي فلق الحبة وبرأ النسمة عندي لأهون، وما روحك في يدي لو أشاء إلا كذبابة وقعت على إدام حار فطفقت منه، فاغن عن نفسك غنائها، ودعنا بحالنا حلما، وإلا لألحقنك بمن أنت أحق بالقتل منه، ودع عنك يا أبا سليمان ما مضى، وخذ فيما بقي، والله لا تجرعت من الجرار المختمة إلا علقمها، فوالله لقد رأيت منيتي ومنيتك وروحي وروحك، فروحي في الجنة وروحك في النار. قال: وحجز الجميع بينهما وسألوه قطع الكلام. فقال أبو بكر لعلي ع : إنا ما جئناك لما تناقض به أبا سليمان، وإنما حضرنا لغيره، وأنت لم تزل يا أبا الحسن مقيما على خلافي والاجتراء على أصحابي، وقد تركناك فاتركنا، و لا تردنا فيرد عليك منا ما يوحشك ويزيدك تنويما إلى تنويمك. فقال علي ع :لقد أوحشني الله منك ومن أصحابك ، وآنس بي كل مستوحش، وأما ابن الوليد الخاسر، فإني أقص عليك نبأه، إنه لما رأى تكاثف جنوده وكثرة جمعه زها في نفسه، فأراد الوضع مني في موضع رفع ومحل ذي جمع، ليصول بذلك عند أهل الجهل، فوضعت منه عندما خطر بباله، وهم بي وهو عارف بي حق معرفته، وما كان الله ليرضى بفعله، فقال له أبو بكر: فنضيف هذا إلى تقاعدك عن نصرة الإسلام، وقلة رغبتك في الجهاد، أ فبهذا أمرك الله ورسوله، أم من نفسك تفعل هذا؟ فقال علي ع :يا أبا بكر وعلى مثلي يتفقه الجاهلون، إن رسول الله ص أمركم ببيعتي، وفرض عليكم طاعتي، وجعلني فيكم كبيت الله الحرام يؤتى ولا يأتي، فقال لي: يا علي ستغدر بك أمتي من بعدي كما غدرت الأمم بعد مضي الأنبياء بأوصيائها إلا قليل، وسيكون لك ولهم بعدي هناة، فاصبر، أنت كبيت الله من دخله كان آمنا ومن رغب عنه كان كافرا، قال الله عز و جل ﴿و إذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا﴾، وإني وأنت سواء إلا النبوة، فإني خاتم النبيين و أنت خاتم الوصيين، وأعلمني عن ربي سبحانه بأني لست أسل سيفا إلا في ثلاثة مواطن بعد وفاته، فقال: تقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين، ولم يقرب أوان ذلك بعد، فقلت: فما أفعل يا رسول الله بمن ينكث بيعتي منهم ويجحد حقي؟ قال: فاصبر حتى تلقاني، وتستسلم لمحنتك حتى تلقى ناصرا عليهم. فقلت: أ فتخاف علي منهم أن يقتلونني؟ فقال: تالله لا أخاف عليك منهم قتلا ولا جراحا، وإني عارف بمنيتك وسببها، وقد أعلمني ربي، ولكني خشيت أن تفنيهم بسيفك فيبطل الدين وهو حديث، فيرتد القوم عن التوحيد. ولولا أن ذلك كذلك، وقد سبق ما هو كائن، لكان لي فيما أنت فيه شأن من الشأن، ولرويت أسيافا، وقد ظمئت إلى شرب الدماء، وعند قراءتك صحيفتك تعرف نبأ ما احتملت من وزري، ونعم الخصم محمد ص والحكم الله عز وجل. فقال أبو بكر: يا أبا الحسن إنا لم نرد هذا كله، ونحن نأمرك أن تفتح الآن من عنق خالد هذه الحديد، فقد آلمه بثقله وأثر في حلقه بحمله، وقد شفيت غليل صدرك منه. فقال علي ع: لو أردت أن أشفي غليل صدري لكان السيف أشفى للداء وأقرب للفناء، ولو قتلته والله ما فديته برجل ممن قتلهم يوم فتح مكة وفي كرته هذه، وما يخالجني الشك في أن خالدا ما احتوى قلبه من الإيمان على قدر جناح بعوضة، و أما الحديد الذي في عنقه فلعلي لا أقدر على فكه، فليفكه خالد عن نفسه أو فكوه أنتم عنه، فأنتم أولى به إن كان ما تدعونه صحيحا. فقام إليه بريدة الأسلمي وعامر بن الأشجع فقالا: يا أبا الحسن والله لا يفكه عن عنقه إلا من حمل باب خيبر بفرد يد، ودحا به وراء ظهره، حمله وجعله جسرا تعبر الناس عليه وهو فوق زنده، وقام إليه عمار بن ياسر فخاطبه أيضا فيمن خاطبه، فلم يجب أحدا، إلى أن قال له أبو بكر: سألتك بالله و بحق أخيك المصطفى رسول الله إلا ما رحمت خالدا وفككته من عنقه. فلما سأله بذلك استحيى، وكان ع كثير الحياء، فجذب خالدا إليه، وجعل يجذب من الطوق قطعة قطعة ويفتلها في يده، فانفتل كالشمع. ثم ضرب بالأولى رأس خالد، ثم الثانية، فقال: آه يا أمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنين ع:قلتها على كره منك، ولو لم تقلها لأخرجت الثالثة من أسفلك، ولم يزل يقطع الحديد جميعه إلى أن أزاله عن عنقه. وجعل الجماعة يكبرون ويهللون ويتعجبون من القوة التي أعطاها الله سبحانه أمير المؤمنين ع، وانصرفت شاكرين).

أقول : قال المجلسي  في البحار ورأيت هذا الخبر في بعض الكتب القديمة بأدنى تغيير، وذكر مواضع المغايرة، ولما كانت مما ليس مغيرا للمعنى ولا فيه مزيد فائدة لم نتعرض نحن لذكرها، ونقله أيضا ملخصا ابن شهر آشوب في مناقبه عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عباس، ورواه السيد العلامة التوبلي في مدينة المعاجز عن المناقب وقال في آخره: إنه من مشاهير الأخبار، ذكره السيد الرضي - قدس الله سره - في المناقب الفاخرة وغيره من المصنفين وهو طويل.

أمير المؤمنين ع له التصرف لما في السماوات وما بينهما وما تحتها

الرابع والسبعون: عن عيون المعجزات على ما يظهر من بعض المواضع، عن أبي علي محمد بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن محمد بن صدقة، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي خالد الكابلي قال: (قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) لما سألناه عن هذه الآية ﴿ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين﴾ قال: إن قنبرا مولى علي ع أتى منزله يسأل عنه وخرجت إليه جارية يقال لها فضة، قال قنبر: فقلت لها: أين علي بن أبي طالب؟ وكانت جاريته فقالت: في البروج، قال قنبر- وأنا لا أعرف لأمير المؤمنين ع بروجا- فقلت: وما يصنع في البروج؟ قالت: هو في البروج الأعلى يقسم الأرزاق، ويعين الآجال، ويخلق الخلق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، قال قنبر: فقلت: والله لأخبرن مولاي أمير المؤمنين بما سمعت من هذه الكافرة، فبينا نحن كذلك إذ طلع أمير المؤمنين ع، وأنا متعجب من مقالتها فقال لي: يا قنبر ما هذا الكلام الذي جرى بينك وبين فضة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إن فضة ذكرت كذا وكذا، وقد بقيت متعجبا من قولها، فقال ع: يا قنبر وأنكرت ذلك؟ قلت: يا مولاي أشد الإنكار، قال: يا قنبر ادن مني، فدنوت منه فتكلم بشيء لم أفهمه، ثم مسح يده على عيني، فإذا السماوات وما فيهن بين يدي أمير المؤمنين ع كأنها فلكة أو جوزة؛ يلعب بها كيف ما شاء وقال: والله إني قد رأيت خلقا كثيرا يقبلون ويدبرون ما علمت أن الله خلق ذلك الخلق كلهم، فقال لي: يا قنبر، قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: هذه لأولنا وهو يجري لآخرنا، ونحن خلقناهم، وخلقنا ما فيهما وما بينهما وما تحتهما، ثم مسح يده العليا على عيني، فغاب عني جميع ما كنت أراه حتى لم أر منه شيئا، وعدت على ما كنت عليه من رأي البصر).

أقول : ونقل هذا الحديث ملخصا على سبيل الاستشهاد الحكيم المحدث القاضي سعيد القمي  في شرحه لحديث البساط الكبير، عن السيد الأجل الشريف المرتضى  ، والظن أن إسناده إلى السيد إنما هو لكون الخبر مذكورا في كتاب عيون المعجزات الذي اشتهرت نسبته إلى السيد  ، وليس بسديد كما أشرنا إليه فيما سبق، ثم إن الناس في أمثال هذا الخبر المستصعب على ثلاث فرق؛ فرقة تنكرها رأسا وتعيدها من أخبار الغلاة والمفوضة: فسبيلهم الطرح لها وهم جل المقصرة الذين لا يرون لآل محمد ص مدخلية في الأمور الكونية إلا المعجزات التي يجريها الله على أيديهم أحيانا تصديقا لدعوتهم، وفرقة تتركها على ما يفهمه العوام من ظاهرها؛ تحقيقا لمذهبهم الفاسد من الغلو في حقهم، أو القول بالتفويض فيهم وهم الغلاة والمفوضة، وكلتا الفرقتين خارجتان عن نهج الحق ناكبتان عن الصراط الممدود بين جانبي التفريط والإفراط، وفرقة تحملها على ما هو الحق الواقع من كون أصحاب الولاية المطلقة- أعني محمدا وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين- وسائط بين الله وبين خلقه في الأداء، وأياديه الباسطة في المنع والعطاء، فكما أن اليد لا استغناء لها عن صاحبها في حال ولا استقلال، بل صاحب اليد هو المتفرد بالمنع والعطاء في جميع الأحوال كذلك أصحاب الولاية بالنسبة إلى جناب الحق تعالى ولله المثل الأعلى، فالله سبحانه هو المتفرد بالخلق والرزق والإماتة والإحياء، لا شريك له في ملكه، ولا منازع في سلطانه، ولكنه تعالى أبى أن يجري أفعاله إلا بأياد وأسباب من خلقه لا لحاجة منه إليها، بل لكون الخلق قاصرين عن التلقي عنه بغير حجاب، إذ أجرى الصنع على مقتضى القوابل، فاتخذ لنفسه أعضادا من بريته قضاء لحق الحكمة وإعطاء لكل ذي حق حقه، وهم محمد وآله الأطيبون صلى الله عليه وعليهم أجمعين، ثم من بعدهم سائر الحجب من الأنبياء والملائكة وغيرهم، فكانوا في ذلك كما قال أمير المؤمنين ع في حقهم في خطبة الغدير والجمعة التي رواها الشيخ في المصباح قال ع: (أشهدهم خلق خلقه، ودلاهم ما شاء من أمره، وجعلهم تراجم مشيته، وألسن إرادته عبيدا لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون) الخطبة.

فتدبر قوله ع :(وجعلهم تراجم مشيته وألسن إرادته) تقف على كنز لا يفنى، فنسبة تلك الأمور التي تفرد الله تعالى بها إليهم إنما هو كنسبة المنع والعطاء إلى اليد، مع كون ذي اليد هو المتفرد بهما دونها، ففرطت المقصرة في حقهم حيث عزلوهم عن التصرفات الكونية بالكلية، وحصروهم في رتبة الوساطة في الأمور الشرعية لا غير، كما أفرطت الغلاة والمفوضة حيث جعلوهم مستقلين في إجراء تلك الأمور، أو مستغنين عن الله عز وجل في حال من الأحوال، وقد مر شرح هذه الأحوال في مقدمات الكتاب، فلا حاجة إلى التطويل في ذلك، فاحفظ يا أخي هذا الميزان القويم، واسلك به في الصراط المستقيم تجده أوسع مما بين السماء والأرض، وقل الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

أمير المؤمنين ع أشرف الخلق بعد رسول الله ص

الخامس والسبعون: فضائل شاذان مرفوعا عن عمار بن ياسر رض قال: (لما سار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع إلى صفين وقف بالفرات و قال لأصحابه: أين المخاض؟ فقالوا: أنت أعلم يا أمير المؤمنين، فقال لبعض أصحابه: امض إلى هذا التل و ناد: يا جلند أين المخاض؟ قال: فصار حتى وصلت تل و نادى: يا جلند، فأجابه من تحت الأرض خلق كثير قال: فبهت ولم يعلم ما يصنع، فأتى إلى الإمام ع وقال : يا  مولاي جاوبني خلق كثير، فقال ع :يا قنبر امض و قل يا جلند بن كركر أين المخاض؟ قال: فكلمه واحد، وقال: ويلكم منقد عرف اسمي واسم أبي وأنا في هذا المكان، وقد بقيمن قحف رأسي عظم نخر رميم ولي ثلاث آلاف سنة ما يعلم أينالمخاض هو والله أعلم [بالمخاض مني، يا ويلكم ما أعمى قلوبكم وأضعف نفوسكم، ويلكم امضوا إليه و اتبعوه فأين خاض خوضوا معه، فإنه أشرف الخلق بعد رسول الله ص).

أقول: وقد نظم هذا الإعجاز ابن مكي من شعراء القدماء بقوله :

رددت الكف جهرا بعد قطع

كرد العين من بعد الذهاب

وجمجمة الجلندي وهي عظم

رميم جاوبتك عن الخطاب

أيضا نقله ابن شهر آشوب في مناقبه.

أمير المؤمنين ع يطلب من الله أن يحيي أم فروة

السادس والسبعون: الخرائج عن سليمان الأعمش، عن سمرة بن عطية، عن سلمان الفارسي قال: (إن امرأة من الأنصار يقال لها أم فروة تحض على نكث بيعة أبي بكر، وتحث على بيعة علي ع. فبلغ أبا بكر فأحضرها، واستتابها فأبت عليه، فقال: يا عدوة الله أ تحضين على فرقة جماعة اجتمع عليها المسلمون؟ فما قولك في إمامتي؟ قالت: ما أنت بإمام، قال: فمن أنا؟ قالت: أمير قومك، اختارك قومك وولوك، فإذا كرهوك عزلوك، فالإمام المخصوص من الله ورسوله لا يجوز عليه الجور، وعلى [الأمير والإمام المخصوص أن يعلم ما في الظاهر والباطن، وما يحدث في المشرق والمغرب من الخير والشر، وإذا قام في شمس أو قمر فلا فيء له، ولا تجوز الإمامة لعابد وثن، ولا لمن كفر ثم أسلم، فمن أيهما أنت يا ابن أبي قحافة؟ قال: أنا من الأئمة الذين اختارهم الله لعباده، فقالت: كذبت على الله، ولو كنت ممن اختارك الله لذكرك في كتابه كما ذكر غيرك فقال عز وجل: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ ويلك إن كنت إماما حقا فما اسم السماء الدنيا والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة؟ فبقي أبو بكر لا يحير جوابا، ثم قال: اسمها عند الله الذي خلقها، قالت: لو جاز للنساء أن يعلمن الرجال لعلمتك، فقال: يا عدوة الله لتذكرن اسم سماء سماء، وإلا قتلتك، قالت: بالقتل تهددني والله ما أبالي أن يجري قتلي على يد مثلك، ولكني أخبرك، أما السماء الأولى أيلول، والثانية ربعول، والثالثة سحقوم، والرابعة ذيلول، والخامسة ماين، والسادسة ماجير، والسابعة أيوث، فبقي أبو بكر ومن معه متحيرين، فقالوا لها: ما تقولين في علي ع؟ قالت: وما عسى أن أقول في إمام الأئمةووصي الأوصياء، من أشرق بنوره الأرض والسماء، ومن لا يتم التوحيد إلا بحقيقة معرفته، ولكنك نكثت واستبدلت، وبعت دينك بدنياك، فقال أبو بكر: اقتلوها فقد ارتدت، فقتلت. وكان علي ع في ضيعة له بوادي القرى، فلما قدم وبلغه قتل أم فروة، خرج إلى قبرها، وإذا عند قبرها أربعة طيور بيض، مناقيرها حمر، في منقار كل واحد حبة رمان، وهي تدخل في فرجة في القبر، فلما نظر الطيور إلى علي ع رفرفن وقرقرن، فأجابهن  بكلام يشبه كلامهن، وقال: أفعل إن شاء الله. ووقف على قبرها، ومد يده إلى السماء وقال: يا محيي النفوس بعد الموت، ويا منشئ العظام الدارسات، أحي لنا أم فروة، واجعلها عبرة لمن عصاك، فإذا بهاتف يقول: امض لأمرك يا أمير المؤمنين، وخرجت أم فروة متلحفة بريطة خضراء من السندس الأخضر وقالت: يا مولاي أراد ابن أبي قحافة أن يطفئ نورك فأبى الله لنورك إلا ضياء، وبلغ أبا بكر وعمر ذلك، فبقيا متعجبين، فقال لهما سلمان: لو أقسم أبو الحسن على الله أن يحيي الأولين والآخرين لأحياهم، وردها أمير المؤمنين ع إلى زوجها، وولدت غلامين له، وعاشت بعد علي ستة أشهر).

تواجد أمير المؤمنين ع في عدة أماكن وفي وقت واحد

السابع والسبعون: بعض كتب المناقب وهو في نفسه من الوقائع المشهورة (أن رجلا من الأصحاب أتى أمير المؤمنين ع يوما من أيام شهر رمضان وقال: يا أمير المؤمنين أريد أن تجعل إفطارك الليلة عندي، فأجابه أمير المؤمنين ع إلى ذلك، ولما خرج الرجل دخل عليه آخر وطلب منه ذلك فأجابه، فخرج الرجل ودخل آخر وطلب منه ذلك فأجابه، وهكذا إلى أربعين رجلا كلهم يأتيه، ويطلب منه ذلك، وهو يجيبه، ولما كان وقت المغرب دخل علي ع المسجد، وصلى خلف رسول الله ص، ولما خرجا من المسجد أخذ رسول الله بيده وقال: يا علي أريد أن تفطر الليلة عندي، فقال علي ع: سمعا وطاعة، فدخل منزل رسول الله ص وأفطر عنده، ولما كان من الغد اجتمع الأصحاب عند رسول الله ص وتذاكر كل من أولئك النفر أن أمير المؤمنين ع كان عنده الليلة وأنه أفطر معه ع، فجعل كل منهم يكذب صاحبه في ذلك، ويزعم أنه ع كان في بيته حتى طال بينهم التشاجر في ذلك، فتحاكموا إلى رسول الله ص فقال رجل من الأصحاب: اسكتوا يا هؤلاء فإن أمير المؤمنين كان الليلة عند رسول الله ص، وأنا معهما أبسط لهما الخوان، فزادوا من ذلك عجبا، فجعل كل واحد منهم يحلف أنه صادق فيما يقول، فقال لهم رسول الله ص: أنكم كلكم صادقون فيما تدعون، وأنا صادق فيما أقول، إن عليا ع كان عندي البارحة وافطر معي، فبقيت الأصحاب كلهم متحيرين لما سمعوا ذلك من رسول الله ص فقال واحد منهم: يا رسول الله، كيف حضر أمير المؤمنين في تلك الأمكنة المتعددة وليس هو إلا واحد؟ فقال رسول الله ص: مه يا فلان فإن عليا مظهر العجائب، لو رأيتم منه ما هو أعجب من ذلك فصدقوه، فإن من شك فيه فهو منافق مردود، وقال: وبينما هم في ذلك إذ نزل جبرئيل وقال: يا رسول الله الحق يقرئك السلام ويقول: قل لأصحابك يسكتوا عن المنازعة فإن أمير المؤمنين كان عندنا البارحة يفطر مع الحور العين، فأخبر رسول الله ص بذلك فازدادوا تحيرا وتعجبا).

جمجمة من إيوان كسرى تجيب أمير المؤمنين ع

الثامن والسبعون: عن عيون المعجزات، عن كتاب الأنوار تأليف أبي علي الحسن بن همام حدث العباس بن الفضل قال: حدثني موسى بن عطية الانصاري قال: حدثنا حسان بن أحمد الازرق، عن أبي الأحوص، عن أبيه، عن عمار الساباطي قال: قدم امير المؤمنين ع المدائن فنزل بإيوان كسرى، وكان معه ذلف بن منجم كسرى فلما ظل الزوال قال لذلف: قم معي، وكان معه جماعة من أهل ساباط فما زال يطوف في مساكن كسرى ويقول لذلف: كان لكسرى هذا المكان لكذا وكذا، فيقولذلف: هو والله كذلك، فما زال على ذلك حتى طاف المواضع بجميع من كانوا معه، وذلف يقول: سيديومولاي كأنك وضعت [هذه الأشياء في هذه الأمكنة، ثم نظر ع إلى جمجمة نخرة فقال لبعض أصحابه: خذ هذه الجمجمة، وكانت مطروحة، وجاء ع إلى الإيوان، وجلس فيه ودعا بطست، وصب فيه ماء، وقال له: دع هذه الجمجمة في الطست، ثم قال ع: أقسمت عليك يا جمجمة أخبريني من أنا ومن أنت؟ فنطقت الجمجمة بلسان فصيح فقالت: أما أنت فأمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين في الظاهر والباطن وأعظم من أن توصف ، وأما أنا فعبد الله وابن أمة الله كسرى أنو شيروان، فاصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط إلى أهاليهم وأخبروهم بما كان وبما سمعوه من الجمجمة، فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين ع، وحضروه وقال بعضهم: قد أفسد هؤلاء قلوبنا بما أخبروه عنك، وقال بعضهم فيه ع مثل ما قال النصارى في المسيح، ومثل ما قال عبد الله بن سبأ وأصحابه، فإن تركتهم على هذا كفر الناس، فلما سمع ذلك منهم قال لهم: ما تحبون أن أصنع بهم؟ قالوا: تحرقهم بالنار كما حرقت عبدالله بن سبأ وأصحابه فأحضرهم قال: ما حملكم على ما قلتم؟ قالوا: سمعنا كلام الجمجمة النخرة، ومخاطبتها إياك، ولا يجوز ذلك إلا لله تعالى، فمن ذلك قلنا ما قلنا، فقال ع: ارجعوا عن كلامكم وتوبوا الى الله، فقالوا: ماكنا نرجع عن قولنا، فاصنع ما أنت صانع، فأمر ع أن تضرم لهم النار، فحرقهم، فلما احترقوا قال: اسحقوهم وذروهم في الريح، فسحقوهم وذروهم في الريح، فلما كان اليوم الثالث من إحراقهم دخل إليه أهل الساباط وقالوا: الله الله في دين محمد إن الذين أحرقتهم بالنار قد رجعوا إلى منازلهم بأحسن ما كانوا، فقال ع: أ ليس قد أحرقتموهم بالنار] وسحقتموهم وذريتموهم في الريح؟ قالوا: بلى، قال ع: احرقتهم والله واحييتهم، فانصرف أهل الساباط متحيرين).

أقول: وروى هذا الحديث الشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل في كتابه الفضائل عن أبي الأحوص، عن أبيه، عن عمار الساباطي إلى أن قال: (فقال ع: أقسمت عليك يا جمجمة بالله لتخبريني من أنا؟ ومن أنت؟ فقالت الجمجمة بلسان فصيح: أما أنت فأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وإمام المتقين، وأما أنا فعبدك وابن أمتك كسرى أنوشيروان، فقال له أمير المؤمنين ع: كيف حالك؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني كنت ملكا عادلا شفيقا على الرعايا، رحيما لا أرضى بظلم، ولكن كنت على دين المجوس، وقد ولد محمد ص في زمان ملكي، فسقط من شرفات قصري ثلاث وعشرون شرفة ليلة ولد، فهممت  أن أؤمن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفه وفضله ومرتبته وعزه في السماوات والأرض، ومن شرف أهل بيته، ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك، فيا لها من نعمة ومنزلة ذهبت مني حيث لم أؤمن به، فأنا محروم من الجنة لعدم إيماني به، ولكني مع هذا الكفر خلصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية، فأنا في النار والنار محرمة علي، فوا حسرتاه لو آمنت به لكنت معك يا سيد أهل بيت محمد، ويا أمير المؤمنين، قال: فبكى الناس، وانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط إلى أهلهم)‏ ثم ساق الحديث بما يقرب مما في العيون معنى. ورواه البرسي على نحو ما في كتاب شاذان وأيضا مأخوذ منه كما أشرنا إليه سابقا.

جمجمة نخرة لملك ظالم تجيب أمير المؤمنين ع

التاسع والسبعون: فضائل بن شاذان قال: روى أبو رواحة الأنصاري عن المغربي قال: (كنت مع أمير المؤمنين ع وقد أراد حرب معاوية، فنظر إلى جمجمة في جانب الفرات وقد أتت عليها الأزمنة، فمر عليها أمير المؤمنين فدعاها فأجابته بالتلبية، وتدحرجت بين يديه وتكلمت بكلام فصيح، فأمرها بالرجوع فرجعت إلى مكانهاكما كانت، فلما فرغ من حرب النهروان أبصرنا جمجمة نخرة بالية فقال: هاتوها فحركها بسوطه وقال: أخبريني من أنت؟ فقيرة أم غنية، شقية أم سعيدة، ملك أم رعية؟ فقالت بلسان فصيح: السلام عليك يا أمير المؤمنين، أناكنت ملكا ظالما، فأنا پرويز بن هرمز ملك الملوك، كنت ملكا ظالما، فملكت مشارقها ومغاربها، سهلها وجبلها، برها وبحرها، أنا الذي أخذت ألف مدينة في الدنيا، وقتلت ألف ملك من ملوكها، يا أمير المؤمنين أنا الذي بنيت خمسين مدينة، وفضضت خمسمائة جارية بكر، واشتريت ألف عبد تركي، وألف أرمني، وألف رومي، وألف زنجي، وتزوجت بسبعين ألفا من بنات الملوك، وما ملك في الأرض إلا غلبته وظلمت أهله، فلما جاءني ملك الموت قال لي: يا ظالم يا طاغي، خالفت الحق، فتزلزلت أعضائي، وارتعدت فرائصي، وعرض علي أهل حبسي، فإذا هم سبعون ألفا من أولاد الملوك قد شقوا من حبسي، فلما رفع ملك الموت روحي سكن أهل الأرض من ظلمي، فأنا معذب في النار أبد الآبدين، وكل الله بي سبعين ألف ألف من الزبانية في يد كل واحد منهم مرزبة من نار، لو ضربت جبال الأرض لاحترقت الجبال وتدكدكت، وكلما ضربني الملك بواحدة من تلك المرازب اشتعل في النار وأحترق، فيحييني الله تعالى ويعذبني بظلمي على عباده أبد الآبدين، وكذلك وكل الله تعالى بعدد كل شعرة في بدني حية تلسعني، وعقربا تلدغني، وكل ذلك أحس به كالحي في دنياه، فتقول لي الحيات والعقارب: هذا جزاء ظلمك على عباده، ثم سكتت الجمجمة فبكى جميع عسكر أمير المؤمنين، وضربوا على رءوسهم، وقالوا: يا أمير المؤمنين جهلنا حقك بعدما أعلمنا رسول الله ص، وإنما خسرنا حقنا ونصيبنا فيك، وإلا فأنت ما ينقص منك شي‏ء، فاجعلنا في حل مما فرطنا فيك ورضينا بغيرك على مقامك، فنحن نادمون، فأمر ع بتغطية الجمجمة قال:فعند ذلك وقف ماء النهر من الجري، وصعد على وجه الماء كل حيوان وسمك كان في النهر فتكلم كل واحد منها مع أمير المؤمنين ع، ودعا وشهد له بإمامته).

العلة في تأخير أمير المؤمنين ع صلاة العصر

الثمانون: علل الصدوق  حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثنا جعفر بن محمد الفزاري قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا أحمد بن نوح وأحمد بن هلال عن محمد بن أبي عمير عن حنان قال: (قلت: لأبي عبد الله ع ما العلة في ترك أمير المؤمنين ع صلاة العصر؟ وهو يجب له أن يجمع بين الظهر والعصر فأخرها، قال: إنه لما صلى الظهر التفت إلى جمجمة ملقاة فكلمها أمير المؤمنين ع، فقال: أيتها الجمجمة من أين أنت؟ فقالت: أنا فلان بن فلان ملك بلاد آل فلان، قال لها أمير المؤمنين ع: فقصي علي الخبر وما كنت؟ وما كان عصرك؟ فأقبلت الجمجمة تقص من خبرها، وما كان في عصرها من خير وشر، فاشتغل بها حتى غابت الشمس، فكلمها بثلاثة أحرف من الإنجيل لئلا يفقه العرب كلامها، فلما فرغ من حكاية الجمجمة قال للشمس: ارجعي، قالت: لا أرجع، وقد أفلت فدعا الله عز وجل، فبعث إليها سبعين ألف ملك بسبعين ألف سلسلة حديد، فجعلوها في رقبتها وسحبوها على وجهها حتى عادت بيضاء نقية حتى صلى أمير المؤمنين ع، ثم هوت كهوي الكوكب، فهذه العلة في تأخير العصر)، ثم قال الصدوق  :(وحدثني بهذا الحديث الحسن بن محمد بن سعيد  الهاشمي، عن فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي بإسناده وألفاظه).

شرح لطيف لمقامات آل محمد الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: إن رد الشمس هذا غير رد الشمس المشهور الواقع في حياة النبي ص، وغير رد الشمس الواقع بعده بأرض بابل، فإن الشمس ردت له ع مرارا كثيرة كما يظهر من تتبع الأخبار، وصرح به غير واحد من العلماء الأخيار من حملة الآثار وهذا المذكور واحد منها، نعم إن سائر الوقائع لم تشتهر كما اشتهر المرتان، وسيأتي ذكرهما فيما بعد إن شاء الله تعالى. والذي يجب هنا تبيينه هو أن الشمس كيف امتنعت عن أمر أمير المؤمنين ع، وهو في الظاهر غير معقول عند من عرف أمير المؤمنين ع بالنورانية، وأقر له بالولاية الكلية الإلهية التي لا يمتنع عنها ما دخل في ملك الله؛ لأنه مستلزم لاستغناء ذلك الشيء عن الله تعالى، وقيامه بنفسه لخروجه حينئذ عن يد الله التي بها قام ملكوت كل شيء، ودفع هذا الإشكال يحتاج إلى شرح بعض مقامات آل محمد الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، ولو على سبيل الإجمال.

 فنقول وبالله التوفيق: إن لرسول الله ص والأئمة القائمين مقامه مراتب ومقامات عديدة لكل منها حكم غير حكم الأخرى، ويجمع الجميع باعتبار مراتب أربع: البيان والمعاني والأبواب والإمامة.

 أما المقام الأول: فهو محض ظهور الحق تعالى لهم بهم، فليس لجهة عبوديتهم فيه ذكر بوجه من الوجوه لاستغراق إنيتهم فيه في بحر نور الربوبية الإلهية، فلا يرى فيه نور إلا نوره، ولا يسمع صوت إلا صوته، فهو مقام التوحيد الصرف البحت البات، ومرتبة اندكاك جبال الصفات، وارتفاع حجب النسب والشئون والإضافات، (يا من دل على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته، وجل عن ملائمة كيفياته). ولا تتوهم أنا نريد بهذه العبارات ما يريد الملاحدة من كونه هذا المقام مقام انكشاف نفس الذات البحت التي هي حقيقة العبد على زعمهم، حاشانا من ذلك فإن المخلوق لا يصل، وإن بلغ ما بلغ إلى ذات الحق المتعال فإن الطريق إليه مسدود والطلب مردود، دليله آياته ووجوده إثباته، وإنما نريد بذلك مقام الظهور الفعلي لا الذاتي كما هو طريقتهم، فإنا وإياهم ربما نشترك في العبارة ونغاير في المراد كلفظ الظهور مثلا، فإن كلانا نطلق لفظ الظهور ونقول: إن حقيقة العبد ظهور الحق، وهم يريدون به ظهور نفس الذات وتطورها بذلك الطور المخصوص، ونحن نريد به آيتها وننزه ذاته عن الظهور والبطون. وبالجملة مرادنا بذلك ما أشار إليه أمير المؤمنين ع لكميل  بقوله في بيان الحقيقة (أنها كشف سبحات الجلال من غير إشارة، إلى قوله: أطفأ السراج فقد طلع الصبح) والصادق ع بقوله: (لنا مع الله حالات فيها هو نحن، ونحن هو، وهو هو، ونحن نحن) ، رواه الشيخ الثقة الجليل حسين بن عصفور البحراني ابن أخي صاحب الحدائق  في بعض رسائله.

والمقام الثاني: مقام ظهوره تعالى بالصفات من العلم الفعلي، والقدرة الفعلية، وسائر الصفات الكمالية الفعلية، فإن أصل تلك الصفات من جملة مراتب حقائقهم ع، كما مر به التصريح في القسم الأول من الكتاب من قول أبي جعفر ع لجابر بن يزيد: (أما المعاني فنحن معانيه، ونحن جنبه ويده ولسانه وأمره وحكمه وكلمته وعلمه وحقه، وإذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد). الحديث.

والمقام الثالث: مقام كونهم مصادر لآثار تلك الصفات وأسمائها، فهم في ذلك المقام باب الإفاضات الإلهية إلى خلقه ﴿ولكن البر من اتقى، وأتوا البيوت من أبوابها﴾.

والمقام الرابع: مقام قبول تلك الآثار الصادرة عن المبدأ، فهم في ذلك المقام مطارح أشعة الفيوضات الربانية، والظهورات الإشراقية، ومهابط الوحي ومعادن الرحمة ومختلف الملائكة، وهو مقام القطبية ومرتبة فرض الطاعة، وكونهم أمناء الله على ما أنزل من عذر أو نذر، قال أمير المؤمنين ع: (ظاهري إمامة ووصية، وباطني غيب منيع لا يدرك). والمراد بالباطن: المقام الأول، فتبصر.

وبالجملة: هم في هذا المقام أقطاب الوجود، ومعادن الخير والجود، وكتب العلوم الإلهية، وقرناء الكتاب التدويني، فهم (عليهم السلام) في المقام الأول: يدعون بصيغة المجهول فيجيبون؛ لأنهم أمثاله العليا، ووجهه الذي منه يؤتى، (من أراد الله بدأ بكم، ومن وحده قبل عنكم، ومن قصده توجه بكم ). وفي المقام الثاني: هم نفس إجابة الله تعالى لسؤال الداعين. وفي المقام الثالث: هم أبواب تلك الإجابة (إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم).

وفي المقام الرابع: يدعون بصيغة المعلوم فيجابون، وإلى هذا المقام أشير في التوقيع الوارد على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري  المروي في غيبة الشيخ  حين تنازعت الشيعة، فقال جماعة منهم: إن لله تعالى فوض إلى الأئمة (عليهم السلام) أن يخلقوا ويرزقوا، وأنكره آخرون، فجاء في التوقيع: (أن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم، ولا حال في جسم ليس كمثله شيء، وهو السميع العليم، فأما الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم)، . وقد مر في الجزء الثالث من القسم الأول من الكتاب، وهو الحديث الثامن من الجزء المذكور، فافهم وتبصر، ففي المقام الأول: لا إرادة لهم أصلا وإنما الإرادة إرادة الله سبحانه، وأما المقام الرابع: فلهم فيه إرادة غير أن إرادتهم تابعة لإرادة الله تعالى، فلا يريدون إلا ما لله فيه رضا، وحيث كانوا بهذه المثابة فإذا أرادوا يريد الله ما أرادوا، ولنعم ما قال محمد كاظم الأزري في مدحهم (عليهم السلام) في قصيدته الهائية:

سادة لا تريد إلا رضا الله            كما لا يريد إلا رضاها

﴿سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين﴾ هذا ثم أن كل فيض في العالم لا يتحقق من المبدء الفياض إلا بدعاء من السافل وإجابة من العالي، ولذا قال تعالى:﴿ادعوني استجب لكم﴾ فجعل الإجابة متوقفة على الدعاء والدعاء من السافل، وإن كان في صورة الفعل، والإجابة في صورة الانفعال لأنه قبول للاقتضاء، غير أن الإجابة في المعنى هي الفعل، والدعاء هو الإنفعال لأن الدعاء اقتضاء من المفعول، وهو في معنى الإنفعال لا الفعل، والإجابة فعل من الفاعل، ولو باستدعاء القابل له فهو في معنى الإيجاد، وإنما كانا في الظاهر على العكس لما تقرر من أن القابل فاعل فعل الفاعل، فافهم.

فالدعاء في الحقيقة أنثى والإجابة ذكر، وهما إلفان مؤتلفان يظهر الفيض الذي هو الولد من ازدواجهما وائتلافهما، والائتلاف لا يكون إلا بتلاؤم الأخلاق المانع عن الافتراق، وهو لا يحصر إلا بتبعية الزوجة لزوجها وانقطاعها إليه بالخلوص (أمن يجيب المضطر إذا دعاه). ولذا إذا لم يكن الدعاء خالصا مشتملا على الانقطاع لم تحصل الإجابة لمكان وجود موجب الكراهة والتنافر في البين، وبرهان ذلك وآيته مع كمال وضوحه موجود في عمل الطبيعي المكتوم، فإنه ما لم تنتف عن الحجر الغرائب الموجبة لفرار كل من الذكر والأنثى من صاحبه، ولم يحصل اتحاد الطبيعة لم يوجد بينهما اتفاق، وإذا لم يوجد اتفاق لم تحصل النتيجة المقصودة من تزويجهما وهي الولد الكريم الرؤوف. وهذا النحو من الدعاء لا يوجد على وجه الكمال إلا عند محمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم أجمعين.

وإذ تبينت هذه الأمور، فلنرجع إلى دفع إشكال الخبر، وهو قول الشمس لأمير المؤمنين ع: لا أرجع، وقد أفلت. فنقول: إن الحديث إشارة إلى حال المقام الرابع، وبيانه أنه لما كان صدور المعجزة مع كشفها عن صدق المدعي لمنصب النبوة أو الولاية موهما عند الضعفاء للربوبية أو التفويض، كما مر تصديق ذلك في خبر الجمجمة، فيجب على النبي أو الإمام دفع هذا التوهم من قلب من يراها أو يسمعها إذا اقتضى الحال ذلك. ففي هذا الخبر أراد الصادق ع دفع هذا التوهم من السامع أو من سيسمعه منه، وإرشاده إلى أن هذا الفعل إنما صدر عنه ع باستدعائه من الله تعالى ذلك، وإجابة الله تعالى له، وأن مجرد الأمر من العبد من حيث هو عبد لا يوجب تحصل ما يريد إلا بعد اقترانه بالإجابة من الله تعالى.

ولذا كانت الأئمة (عليهم السلام) ربما إذا أرادوا إظهار أمر معجز قاموا وصلوا ودعوا الله عز وجل، وطلبوا منه ذلك الأمر دفعا لهذا التوهم، فلما أمر أمير المؤمنين ع الشمس بالرجوع وقفت الشمس عن ذلك قبل تحقق الإجابة من ناحية الربوبية لكونها جزء من العلة التامة، ولما اقترن الجزء الآخر بها رجعت لتمام المقتضى، وكان الأمر الذي صدر عن أمير المؤمنين ع هو الدعاء بعينه ولكنه ع إنما فرق بينهما، فعبر عن هذا الأمر بأنه أمر أولا، ثم دعا إشارة إلى نكتة وهي أن الدعاء لا يتحقق كونه دعاء حقيقيا إلا باقتران الإجابة به، كالزوج والزوجة فإن هذا الاسم لا يصلح لهما إلا بعد حدوث علاقة الزوجية بينهما، وأما قبل ذلك فاسم أحدهما زيد والآخر سعدى مثلا، وكالأبوة والبنوة فإن الأب لا يقال إلا لمن له ابن، والابن لا يقال إلا لمنه له أب. فالدعاء منه ع قبل نزول الإجابة كان إرادة وأمرا محضا، ولما اقتضى الإجابة من المبدء وهو المقام الأول صار دعاء وسمي باسمه، وكل ذلك أعني الأمر والدعاء والإجابة كان في أقل من لمح البصر، ولكن الإمام ع لما أراد إرشاد السامع إلى ما سمعت، وهو لا يتأتى إلا بالعبارة التي ذكرها ع، أتى بتلك العبارة التي هي أبلغ العبارات في التعبير عن ذلك المعنى المقصود. فهذا التفصيل الذي ذكره الإمام ع إشارة إلى حكم مقام الإمامة والعبودية لأمير المؤمنين ع وهو المقام الأخير الذي أشار إليه في كثير من خطبه ومعجزاته بعد ما بين المقامات الأولية بقوله: (وكأني بضعيفكم يقول إن عليا نص على نفسه بالربوبية ألا إن عليا عبد مرزوق ونور مخلوق) ونحو ذلك من العبارات. وأما المقامات العالية فلا يجري فيها هذا التفصيل، ولا امتناع الشمس، ولا سائر ذرات الوجود عن أمرهم وحكمهم؛ لكون أمرهم فيها نفس أمر الله، وحكمهم نفس حكم الله، وإرادتهم نفس إرادة الله، فافهم إن كنت تفهم وإلا فلا تنكر بما لم تحط بعلمه. فلا ينافي هذا الخبر ما ورد في بيان بعض مراتبهم ومقاماتهم السامية التي عجزت عن دركها بحقيقتها عقول الأنبياء، فضلا عن سائر الناس لكون ذلك ناظرا إلى سائر المقامات التي سمعت بعض أوصافها إجمالا، والسلام على من اتبع الهدى.

كوكب يسقط في دار أمير المؤمنين ع لبيان إمامته وخلافته

الحادي والثمانون أمالي الصدوق  قال: حدثنا الحسن بن محمد ابن سعيد الهاشمي الكوفي قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال: حدثني محمد بن أحمد بن علي الهمداني قال: حدثني الحسين بن علي قال: حدثني عبد الله بن سعيد الهاشمي قال: حدثني عبد الواحد ابن غياث قال: حدثنا عاصم بن سليمان قال: حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: (صلينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله ص، فلما سلم أقبل علينا بوجهه ثم قال: أما إنه سينقض كوكب من السماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم، فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيي وخليفتي، والإمام بعدي، فلما كان قرب الفجر جلس كل واحد منا في داره ينتظر سقوط الكوكب في داره، وكان أطمع القوم في ذلك أبي العباس بن عبد المطلب، فلما طلع الفجر أنقض الكوكب من الهواء فسقط في دار علي بن أبي طالب ع، فقال رسول الله ص لعلي ع: يا علي والذي بعثني بالنبوة لقد وجبت لك الوصية والخلافة والإمامة بعدي، فقال المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه: لقد ضل محمد في محبة ابن عمه وغوى، وما ينطق في شأنه إلا بالهوى، فأنزل الله تبارك وتعالى ﴿والنجم إذا هوى﴾‏ يقول الله عز وجل وخالق النجم إذا هوى ﴿ما ضل صاحبكم﴾ يعني في محبة علي بن أبي طالب ع ﴿وما غوى‏ وما ينطق عن الهوى‏﴾ يعني في شأنه ﴿إن هو إلا وحي يوحى﴾).

أبو جعفر الدوانيقي يحدث الأعمش بفضائل أمير المؤمنين ع

الثاني والثمانون وفيه حدثنا أحمد بن الحسن القطان، وعلي بن أحمد ابن موسى الدقاق، ومحمد بن أحمد السناني، وعبد الله بن محمد الصائغ  قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا أبو محمد بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثني علي بن محمد قال: حدثنا الفضل بن العباس قال: حدثنا عبد القدوس الوراق قال: حدثنا محمد بن كثير عن الأعمش، وحدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المكتب  قال: حدثنا أحمد بن يحيى القطان قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثني عبد الله عبيد الله‏ بن محمد بن  ناطويه‏ قال: حدثنا محمد بن كثير، عن الأعمش وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي فيما كتب إلينا من أصبهان قال: حدثنا أحمد بن القاسم ابن مساور الجوهري سنة ست وثمانين ومائتين قال: حدثنا الوليد بن الفضل العنزي قال: حدثنا مندل بن علي العنزي، عن الأعمش وحدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: حدثني أبو سعيد الحسن ابن علي العدوي قال: حدثنا علي بن عيسى الكوفي قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش وزاد بعضهم على بعض في اللفظ وقال بعضهم ما لم يقل بعض، وسياق الحديث لمندل بن علي العنزي عن الأعمش قال: (بعث إلي أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب قال: فقمت متفكرا فيما بيني وبين نفسي وقلت: ما بعث إلي أمير المؤمنين في هذه الساعة إلا يسألني عن فضائل علي ع، لعلي إن أخبرته قتلني، قال: فكتبت وصيتي، ولبست كفني، ودخلت عليه، فقال: ادن فدنوت وعنده عمرو بن عبيد، فلما رأيته طابت نفسي شيئا، ثم قال: ادن فدنوت حتى كادت تمس ركبتي ركبته، قال: فوجد مني رائحة الحنوط، فقال والله لتصدقني أو لأصلبنك، قلت: ما حاجتك يا أمير المؤمنين؟ قال: ما شأنك متحنطا؟ قلت: أتاني رسولك في جوف الليل أن أجب، فقلت: عسى أن يكون أمير المؤمنين بعث إلي في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي ع ، فلعلي إن أخبرته قتلني، فكتبت وصيتي ولبست كفني، قال: وكان متكئا فاستوى قاعدا، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله سألتك بالله يا سليمان، كم حديثا ترويه في فضائل علي ع؟ قال: فقلت: يسيرا يا أمير المؤمنين، قال: كم؟ قلت: عشرة آلاف حديث وما زاد، فقال: يا سليمان والله لأحدثنك بحديث في فضائل علي ع تنسى كل حديث سمعته، قال: قلت: حدثني يا أمير المؤمنين، قال: نعم كنت هاربا من بني أمية وكنت أتردد في البلدان فأتقرب إلى الناس بفضائل علي، وكانوا يطعموني ويزودوني حتى وردت بلاد الشام، وإني لفي كساء خلق ما علي غيره، فسمعت الإقامة وأنا جائع، فدخلت المسجد لأصلي، وفي نفسي أن أكلم الناس في عشاء يعشوني، فلما سلم الإمام دخل المسجد صبيان، فالتفت الإمام إليهما وقال: مرحبا بكما ومرحبا بمن اسمكما على اسمهما، فكان إلى جنبي شاب فقلت: يا شاب ما الصبيان من الشيخ؟ قال: هو جدهما، وليس بالمدينة أحد يحب عليا ع غير هذا الشيخ، فلذلك سمى أحدهما الحسن، والآخر الحسين، فقمت فرحا، فقلت للشيخ: هل لك في حديث أقر به عينك؟ فقال: إن أقررت عيني أقررت عينك، قال: فقلت: حدثني والدي عن أبيه عن جده قال: كنا قعودا عند رسول الله ص إذ جاءت فاطمة تبكي، فقال لها النبي ص: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أبة خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا؟ فقال لها النبي ص : يا فاطمة لا تبكين، فالله الذي خلقهما هو ألطف بهما منك، ورفع النبي ص يده إلى السماء، فقال: اللهم إن كانا أخذا برا أو بحرا فاحفظهما وسلمهما، فنزل جبرئيل من السماء فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام وهو يقول لا تحزن ولا تغتم لهما، فإنهما فاضلان في الدنيا، فاضلان في الآخرة، وأبوهما أفضل منهما، هما نائمان في حظيرة بني النجار، وقد وكل الله بهما ملكا ،قال: فقام النبي ص فرحا ومعه أصحابه حتى أتوا حظيرة بني النجار، فإذا هم بالحسن معانقا للحسين(عليهم السلام) ، وإذا الملك الموكل بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطاهما بالآخر، قال: فمكث النبي ص يقبلهما حتى انتبها، فلما استيقظا حمل النبي ص الحسن وحمل جبرئيل الحسين، فخرج من الحظيرة وهو يقول: والله لأشرفنكما كما شرفكم الله عز وجل، فقال له أبو بكر: ناولني أحد الصبيين أخفف عنك، فقال: يا أبا بكر نعم الحاملان، ونعم الراكبان، وأبوهما أفضل منهما، فخرج منها حتى أتى باب المسجد، فقال: يا بلال هلم، علي بالناس، فنادى منادي رسول الله ص في المدينة، فاجتمع الناس عند رسول الله ص في المسجد فقام على قدميه فقال: يا معشر الناس، ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، فإن جدهما محمد ص ، وجدتهما خديجة بنت خويلد، يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس أبا وأما؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، فإن أباهما علي ع يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وأمهما فاطمة بنت رسول الله، يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، فإن عمهما جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة مع الملائكة، وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب، يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس خالا وخالة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: الحسن والحسين، فإن خالهما القاسم ابن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله ص، ثم قال بيده: هكذا يحشرنا الله، ثم قال: اللهم إنك تعلم أن الحسن في الجنة، والحسين في الجنة، وجدهما في الجنة، وجدتهما في الجنة، وأباهما في الجنة، وأمهما في الجنة، وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، وخالهما في الجنة، وخالتهما في الجنة، اللهم إنك تعلم أن من يحبهما في الجنة، ومن يبغضهما في النار، قال: فلما قلت ذلك للشيخ قال: من أنت يا فتى؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أعربي أنت أم مولى؟ قال: قلت: بل عربي، قال: فأنت تحدث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء، فكساني خلعته، وحملني على بغلته، فبعتها بمائة دينار، فقال: يا شاب أقررت عيني فو الله لأقرن عينك، ولأرشدنك إلى شاب يقر عينك اليوم، قال: فقلت: أرشدني، قال: لي أخوان أحدهما إمام، والآخر مؤذن، أما الإمام فإنه يحب علياع منذ خرج من بطن أمه، وأما المؤذن فإنه يبغض علياع منذ خرج من بطن أمه، قال: قلت: أرشدني، فأخذ بيدي حتى أتى باب الإمام، فإذا أنا برجل قد خرج إلي، فقال: أما البغلة والكسوة فأعرفهما والله ما كان فلان يحملك ويكسوك إلا أنك تحب الله عز وجل ورسوله، فحدثني بحديث في فضائل علي بن أبي طالب ع قال: فقلت: أخبرني أبي عن أبيه عن جده قال: كنا قعودا عند النبي ص إذ جاءت فاطمة ع تبكي بكاء شديدا، فقال لها رسول الله ص : ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أبة عيرتني نساء قريش، وقلن إن أباك زوجك من معدم لا مال له، فقال لها النبي ص : لا تبكين فو الله ما زوجتك حتى زوجك الله من فوق عرشه، وأشهد بذلك جبرئيل وميكائيل، وإن الله عز وجل اطلع على أهل الدنيا فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار من الخلائق عليا فزوجك إياه واتخذه وصيا، فعلي أشجع الناس قلبا، وأحلم الناس حلما، وأسمح الناس كفا، وأقدم الناس سلما، وأعلم الناس علما، والحسن والحسين ابناه وهما سيدا شباب أهل الجنة، واسمهما في التوراة شبر وشبير لكرامتهما على الله عز وجل، يا فاطمة لا تبكين فو الله إنه إذا كان يوم القيامة يكسى أبوك حلتين وعلي حلتين، ولواء الحمد بيدي فأناوله عليا لكرامته على الله عز وجل، يا فاطمة لا تبكين فإني إذا دعيت إلى رب العالمين يجي‏ء علي معي، وإذا شفعني الله عز وجل شفع عليا معي، يا فاطمة لا تبكين إذا كان يوم القيامة ينادي مناد في أهوال ذلك اليوم: يا محمد نعم الجد جدك إبراهيم خليل الرحمن، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب، يا فاطمة علي يعينني على مفاتيح الجنة، وشيعته هم الفائزون يوم القيامة غدا في الجنة، فلما قلت ذلك قال: يا بني ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أعربي أم مولى؟ قلت: بل عربي، قال: فكساني ثلاثين ثوبا، وأعطاني عشرة آلاف درهم، ثم قال: يا شاب قد أقررت عيني ولي إليك حاجة، قلت: قضيت إن شاء الله، قال: فإذا كان غدا فائت مسجد آل فلان كيما ترى أخي المبغض لعلي ع ، قال: فطالت علي تلك الليلة، فلما أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لي، فقمت في الصف فإذا إلى جانبي شاب متعمم، فذهب ليركع فسقطت عمامته، فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير، ووجهه وجه خنزير، فو الله ما علمت ما تكلمت به في صلاتي حتى سلم الإمام، فقلت: يا ويحك ما الذي أرى بك؟ فبكى وقال لي: انظر إلى هذه الدار، فنظرت فقال لي: ادخل، فدخلت، فقال لي: كنت مؤذنا لآل فلان كلما أصبحت لعنت عليا ألف مرة بين الأذان والإقامة، وكلما كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرة، فخرجت من منزلي فأتيت داري، فاتكأت على هذا الدكان الذي ترى، فرأيت في منامي كأني بالجنة وفيها رسول الله ص وعلي ع فرحين، ورأيت كأن النبي ص عن يمينه الحسن وعن يساره الحسين ومعه كأس فقال: يا حسن اسقني، فسقاه ثم قال: اسق الجماعة، فشربوا ثم رأيته كأنه قال: اسق المتكئ على هذا الدكان، فقال له الحسن ع :يا جد أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن والدي في كل يوم ألف مرة بين الأذان والإقامة، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرة، فأتاني النبي فقال لي: ما لك عليك لعنة الله تلعن عليا وعلي مني؟ وتشتم عليا وعلي مني، فرأيته كأنه تفل في وجهي وضربني برجله وقال: قم غير الله ما بك من نعمة، فانتبهت من نومي فإذا رأسي رأس خنزير، ووجهي وجه خنزير، ثم قال لي أبو جعفر أمير المؤمنين: أ هذان الحديثان في يدك؟ فقلت: لا، فقال: يا سليمان حب علي إيمان، وبغضه نفاق، والله لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، قال: قلت: الأمان يا أمير المؤمنين، قال: لك الأمان، قلت: فما تقول في قاتل الحسين ع؟ قال: إلى النار وفي النار، قلت: وكذلك من قتل ولد رسول الله إلى النار وفي النار، قال: الملك عقيم يا سليمان اخرج فحدث بما سمعت).

أقول: إن حديث الأعمش هذا من الأحاديث المشهورة روته العامة كما روته الخاصة، ونحن اكتفينا بطريق واحد، والأعمش هذا من أصحاب أبي عبد الله ع  اسمه سليمان بن مهران، وكان معظما مبجلا عند الناس، ويظهر من مروياته ولا سيما الحديث الذي أوردناه في الجزء الثالث من القسم الأول من الكتاب وهو الرابع والعشرون منه؛ أنه من المتصلبين في مذهب التشيع كما صرح بذلك العامة فضلا عن الخاصة، فتوهم كونه منهم كما عن بعض أصحابنا المتقدمين توهم ضعيف، نعم قد كان الرجل من المقبولين عندهم وقد أثنوا عليه كثيرا، ولكن لا دلالة فيه على ذلك كما ترى، وله مع أبي حنيفة محاورة لا تخلو عن لطف. وهو( أن أبا حنيفة لقيه يوما فقال له: يا أبا محمد بلغني عنك أنك تروي حديثا: أن الله إذا سلب عبده نعمة عوضه عنها بنعمة أخرى، قال: نعم، قال أبو حنيفة: فما عوضك لما سلب الله عينيك؟ قال الأعمش: عوضني أن لا أرى نعثلا مثلك)،هي. وهو من لطيف المحاضرات والمطايبات لا تقصر عن مطايبة جرت بين أبي حنيفة وبين أبي جعفر الأحول مؤمن الطاق وهي: (أنه لما مات الصادق ع لقي أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له: مات إمامك؟ قال مؤمن الطاق: نعم، أما إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم).

مروان بن الحكم يسب أمير المومنين ع فكان سببا في هلاكه

الثالث والثمانون: المسائل القطيفية للشيخ الأمجد العلام الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي  بحذف الإسناد عن جابر بن عبدالله الأنصاري: (أن مروان بن الحكم في خلافته صعد منبر رسول الله ص وخطب وسب عليا (عليه السلام)، فخرجت من القبر الشريف يد، كل من حضر عرف أنها يد رسول الله ص مكتوب عليها: يا عدو الله أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة، ثم سواك رجلا، هو والله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد الوصيين، ثم عد بيده ثلاثا وعشرين، فما لبث مروان إلا ثلاثا وعشرين ليلة ثم مات).

أمير المومنين ع هو من يغسل ويجهز سلمان المحمدي ع

الرابع والثمانون مناقب ابن شهر آشوب قال: روى حبيب بن حسن العتكي، عن جابر الأنصاري قال: (صلى بنا أمير المؤمنين ع صلاة الصبح، ثم أقبل علينا فقال: معاشر الناس أعظم الله أجركم في أخيكم سلمان، فقالوا في ذلك، فلبس عمامة رسول الله ص ودراعته، وأخذ قضيبه وسيفه وركب على العضبا، وقال لقنبر: عد عشرا، قال: ففعلت فإذا نحن على باب سلمان، قال زاذان: فلما أدركت سلمان الوفاة قلت له: من المغسل لك؟ قال: من غسل رسول الله ص ، فقلت: إنك في المدائن وهو بالمدينة، فقال: يا زاذان إذا شددت لحيي تسمع الوجبة، فلما شددت لحييه سمعت الوجبة، وأدركت الباب فإذا بأمير المؤمنين ع فقال: يا زاذان قضى أبو عبد الله سلمان؟ قلت: نعم يا سيدي، فدخل وكشف الرداء عن وجهه، فتبسم سلمان إلى أمير المؤمنين ع فقال له: مرحبا يا أبا عبد الله إذا لقيت رسول الله فقل له ما مر على أخيك من قومك، ثم أخذ في تجهيزه، فلما صلى عليه كنا نسمع من أمير المؤمنين ع تكبيرا شديدا، وكنت رأيت معه رجلين فقال أحدهما: جعفر أخي والآخر الخضر (عليهم السلام)، ومع كل واحد منها سبعون صفا من الملائكة في كل صف ألف ألف ملك).

تحقيق لطيف حول مكانة سلمان المحمدي

يقول مصنف هذا الكتاب: إن حديث سلمان هذا من الأخبار التي اتفقت على روايته العامة والخاصة، وهو يعطى أن سلمان كان من الأوصياء الذين هم من سنخ الأنبياء بتقريب مضي أمير المؤمنين ع إليه من هذه المسافة البعيدة لتغسيله وتكفينه والصلوة عليه، لما ثبت من أن المعصوم لا يغسله إلا المعصوم، وإلا فقد ثبت توفي جم غفير من أعاظم الأصحاب بحضرته، ولم يباشر بنفسه الشريفة تغسيل أحد منهم وتجهيزه، فضلا عن مضيه بطي الأرض إليه. وفي قول سلمان في جواب زاذان: من المغسل لك؟ حيث قال: من غسل رسول الله ص إشارة لطيفة إلى هذا المعنى يعرفه من له غور وتصرف في دقايق الكلمات، ومن تتبع مزايا سلمان عليه الرضوان، وما ورد في حقه من الأخبار والآثار لم يستبعد ذلك بوجه بل كان عنده من الاحتمالات الراجحة إن لم يكن القطع. ومما يحقق هذا الاحتمال ما رواه في الكافي بسنده عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله ع قال: (ذكرت التقية يوما عند علي بن الحسين ع فقال: والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله ص بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق، إن علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، فقال: وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرؤ منا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء) فإنه ع جعله من سنخ العلماء لا المتعلمين وعلله بقوله: (إنه منا أهل البيت) والمراد به إبداء خصوصية له من سائر الخلق، فليس هذا القول منه ع على حد قولهم في عموم شيعتهم أنهم منهم، وإلا لما كان له خصوصية في ذلك لأن أبا ذر أيضا منهم بالمعنى الثاني، فافهم. نعم ربما يتوهم من لا غور له في الحقائق الإلهية أن المراد بقولهم (عليهم السلام) (إن سلمان منا) أنه من سنخ طينة حقائقهم وذواتهم وهو غلط مردود، فإن طينة محمد وآله الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) طينة مخصوصة ليس لمن عداهم فيها نصيب حتى سائر الأنبياء والمرسلين بدلالة الأخبار الصحيحة، وإنما المراد به كونهم منهم في طينة الصفة التي هي طينة سائر الأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام)؛ لأن الأئمة (عليهم السلام) شاركوهم في تلك الطينة في مقام التنزل، فتلك الطينة من شعاع طينتهم الأصلية في المرتبة الأولى من نزولهم، فافهم وتبصر، ولولا خوف الخروج عن وضع الكتاب لأوردنا في تشييد هذا المعنى، أعني كونه من سنخ الأنبياء (عليهم السلام) ما يروي الغليل.

وبالجملة، إن جلالة شأن الرجل أعظم من أن يحوم حوله الحائمون، وأحب نقل حديث لطيف يكشف عن بعض مقاماته السامية وهو داخل في جملة فضائل أهل البيت (عليهم السلام) أيضا؛ لأن جلالة التابع يكشف عن جلالة المتبوع، وهو ما سمعت والدي العلام  يروي عن أحد الأئمة ع ولا أذكره الآن: (إن جبرائيل ناجى الله عز وجل وقال: إلهي أريد أن أبلغ منتهى جنتك، فقال الله سبحانه: إنك لن تقدر على ذلك، فراجع في المسألة، فأعانه الله تعالى بثلاثين ألف جناح، يقطع في كل لحظة بكل جناح مسيرة ما بين المشرق والمغرب، فطار ثلاثين ألف سنة فنفدت قوته، فاستعانه ثانية، فأعانه بضعف الأولى من الأجنحة كل جناح مثل الأولى في القوة، فطار ستين ألف سنة فنفدت قوته، فاستعانه ثالثة، فأعانه الله بضعف الثانية من الأجنحة كل جناح مثل سابقه في القوة، فطار مائة ألف وعشرين ألف سنة، فإذا بنور قد ضرب عينيه، فوقع من بريقه على الأرض، فرفع رأسه وإذا هو بحورية قد أطلعت رأسها من قصرها تنظر إليه وهي تتبسم، وذلك النور يلمع من ثغرها فقالت له الحورية: ما شأنك يا جبرئيل؟ قال: أريد أن أبلغ منتهى الجنة، فقالت: منذ كم أنت في السير؟ قال: منذ كذا وكذا، فقالت: لقد رمت محالا يا جبرئيل، قال: ولم ذلك؟ قالت: إني حورية واحدة من حور الجنة التي لا يحصي عددها إلا الله، وأنت لم تطر هذه المدة الطويلة إلا في ملكي، والآن قد بلغت وسطه، فقال لها جبرئيل: من أنت؟ وما اسمك؟ قالت: أنا جارية من جواري سلمان الفارسي، واسمي سلمى، قال: فلما سمع جبرئيل ذلك تنبه واعتذر إلى الله تعالى عما رام ورجع إلى مقامه). ثم إن في المقام حكاية لطيفة لا بأس بذكرها ترويحا لنفوس الناظرين وهو (أن ابن الجوزي قال يوما على منبره: سلوني قبل أن تفقدوني، فقامت إمرأة وقالت: أخبرني أين كان أمير المؤمنين لما توفى سلمان بالمدائن؟ قال: كان بالمدينة، قالت: ومن غسل سلمان؟ قال: أمير المؤمنين، قالت: وكيف ذلك وهو بالمدائن وأمير المؤمنين بالمدينة؟ قال: مضى إليه بطي الأرض، قالت: وأين كان أمير المؤمنين لما قتل عثمان؟ قال: بالمدينة، قالت: ومن غسله؟ قال: فبهت ابن الجوزى ولم يجب جوابا إلا دان، قال: إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن زوجك فلعنة الله عليك، وإن كنت خرجت بإذنه فلعنة الله عليه، فقالت المرأة: أخبرني عن أم المؤمنين خرجت إلى البصرة لقتال علي ع  بإذن زوجها أم بغير إذنه قال: ولما سمع ذلك ابن الجوزي نكس رأسه ونزل عن المنبر، ودخل بيته ولم يخرج أربعين يوما ).ولقد أخذ هذا المعنى جماعة من الشعراء ونظموه في أشعارهم، منهم بعض سادة العراق حيث قال:

وأمر سلمان في التغسيل مشتهر

بين الفريقين خافيه وباديه

قد شابهت ليلة المعراج ليلته

ويوم آصف حين العرش يأتيه

وفي المسير لتغسيل الزكي

وإهمال الشقي لسر باد خافيه

أن أهملوه فكم أدنى أخا ضعة

يوما وبعد ذا قدر وتنويه

 وقد أجاد، ومنهم محمد كاظم الأزري في قصيدته الهائية المعروفة، حيث يقول:

من تولى تغسيل سلمان إلا

ذات قدس تقدست أسماها

ليلة قد طوى بها الأرض طيا

إذ نأت داره وشط مداها

وابن عفان حوله لم يجهزه

ولا كف عنه كف أذاها

لست أدري أكان ذلك مقتا

من علي أم عفة ونزاها

النبي ص وأمير المؤمنين ع من نور واحد

الخامس والثمانون: سمعت أبي  يروي عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: (كنا عند النبي ص إذ دخل علي بن أبي طالب ع فقربه النبي ص فتعانقا، حتى أنهما صارا شخصا واحدا، فتفقدنا أمير المؤمنين ع فلم نجد له عينا ولا أثرا فزدنا تعجبا، فقلنا: يا رسول الله ما الذي جرى لابن عمك وما نراك إلا وحدك؟ قال: فتبسم النبي ص وقال: يا قوم أما سمعتم مني أني أنا وعلي نور واحد، ولما تعانقنا اشتاق هو إلى المنزل الأول من نورنا، فامتزج نوره بنوري حتى بقينا شخصا واحدا كما ترون، قال: فلما سمعنا ما قال النبي ص رعبت قلوبنا واصفرت وجوهنا، وقد طالت غيبة أمير المؤمنين ع فقالوا: يا رسول الله بحق من أرسلك بالحق إلا ما أخبرتنا كيف صار علي ع، فاحضره إلينا حتى يزول الشك من قلوبنا، فقال: علي مني وأنا من علي، فرأينا قد جلله العرق فظهر من جبهته مصباح من نور حتى ظننا أنه نار قد عمت المشارق والمغارب، فاشتد فزعنا حتى ظننا أنا كلنا نحترق وأهل الأرض كلهم يحترقون من نور ذلك المصباح، فلما رأى النبي ص حالنا صرخ صرخة وقال: أين قيوم الأملاك؟ أين مدبر الأفلاك؟ أين مبدع الكائنات؟ أين حقيقة الموجودات؟ أين عالم الغيب والمكاشفات؟ أين الصراط المستقيم، وبغضه عذاب أليم؟ أين أسد الله؟ أين الذي دمه دمي، ولحمه لحمي، وروحه روحي؟ أين الإمام الهمام؟ قال: فإذا بصوت علي ع ينادي: لبيك لبيك يا سيد البشر، فلما سمعنا صوته جعلنا ننظر إليه من أين يظهر، وإذا به قد ظهر من جنب النبي الأيمن وهو يقول: لبيك لبيك، قال جابر: لما غاب علي ع في النبي ص وظهر منه سألته: كيف دخوله وخروجه منك يا رسول الله؟ قال: فقال: يا جابر إن غيبة علي ع كانت أمرا يعلمه الله، وهو أنه لما التصق صدره بصدري امتزج لحمه بلحمي ودمه بدمي ونوره بنوري، كما كنا في موطننا الأول قبل هذه الهياكل البشرية، حتى صرنا هناك كذلك شخصا واحدا بإذن الله تعالى).

أمير المؤمنين ع يصرح بما سيكون في آخر الزمان

السادس والثمانون: مناقب ابن شهر آشوب عن الأعمش بروايته عن رجل من همدان قال: (كنا مع علي ع بصفين، فهزم أهل الشام ميمنة العراق، فهتف بهم الأشتر ليتراجعوا، فجعل أمير المؤمنين ع يقول لأهل الشام: يا أبا مسلم خذهم ثلاث مرات، فقال الأشتر: أ وليس أبو مسلم معهم؟ قال: لست أريد الخولاني، وإنما أريد رجلا يخرج في آخر الزمان من المشرق يهلك الله به أهل الشام، ويسلب عن بني أمية ملكهم).

تحقيق لطيف في رؤية أمير المؤمنين ع  للأصلاب

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: في هذا الخبر معجزتان:أحداهما: إخباره عما سيأتي وقد وقع تصديقه، أعني خروج أبي مسلم المروزي، وسلبه ملك بني أمية. ثانيهما: معاينته لمن في الأصلاب وكلامه معهم، فإن المخاطبة مع من لا يرى ولا يسمع الكلام قبيح عقلا. هذا وكأني بالجامدين على القشور يأولون هذا بتخريج مجازات بعضها فوق بعض، مع أنهم لا يأولون الحديث المشهور (عن الصادق ع قال: لما أمر إبراهيم وإسماعيل ع ببناء البيت وتم بناؤه قعد إبراهيم على ركن، ثم نادى: هلم الحج هلم الحج، فلو نادى هلموا إلى الحج؛ لم يحج إلا من كان يومئذ إنسيا مخلوقا، ولكنه نادى: هلم الحج، فلبى الناس في أصلاب الرجال: لبيك داعي الله، لبيك داعي الله عز وجل، فمن لبى عشرا يحج عشرا، ومن لبى خمسا يحج خمسا، ومن لبى أكثر من ذلك فبعدد ذلك، ومن لبى واحدا، حج واحدا ومن لم يلب لم يحج). وأن هو إلا لكون ولاية خصوص أمير المؤمنين كبيرة إلا على الخاشعين.

إن قلت سلمنا ذلك إجمالا ولكن نريد وجه الصحة في الخبرين معا، فإن لقائل أن يقول: هب أن أمير المؤمنين وإبراهيم الخليل(عليهم السلام) كانا محيطين بمن في الأصلاب يريانهم رأي العين، ولكن لا ريب أن من في الأصلاب ليس لهم شعور في تلك الحالة ولا إحساس، فكيف يصح خطاب من لا يشعر بالخطاب، وكيف يقدر هو على الجواب.

قلنا: هذا الإشكال له وجوه من الأجوبة، منها ما قدمنا في القسم الأول من كون كل ما في الوجود حتى الأعراض ذوات شعور كل بحسب مقامه، فصاحب الولاية المهيمن على الكل يخاطب كلا بلسانه.

منها أن الذي يقدر أن يعطي الجماد نطقا بمعنى إبراز ما في كيانه إلى العيان بفاضل قوة لطيفته الربانية، ويخاطبه بما يريد كما ورد في معجزات أصحاب الدعوة أكثر من أن تحصى؛ يقدر أن يعطي النطف أيضا تلك القوة، فيخاطبها بما يريد، ثم يسلبها عنها، فإنها ليست بأحسن من سائر الجماد.

منها أن الذي يكون بيده ملكوت الأوقات المتدرجة لا يحجبه حجب الماضي والاستقبال، بل تكون الأزمنة كلها عنده مشهد واحد، فيخاطب كل شيء في زمان وجوده ومكان حدوده، فيمكن أن يكون الخطاب من أمير المؤمنين ع، وكذا من الخليل ع لمحال الوجود الخارجي المشتمل على الشعور التام. وبهذا صححنا شمول الخطابات الشرعية من الله ومن رسوله وأوصيائه لجميع المكلفين إلى يوم القيامة من غير أن يلزم منه خطاب المعدوم، ولم نحتج إلى القول بكوننا مكلفين بمعانيها من باب الاشتراك في التكليف كما تمحله بعض أصحابنا الأصوليين حذرا من لزوم خطاب المعدوم القبيح عقلا، ولا إلى إنكار قبح خطاب المعدوم كما عن بعض.

منها أن الخطاب ربما يكون للأرواح دون الأجسام وهي حية شاعرة بالنسبة إلى جميع الأوقات الزمانية لكون وجودها سابقة على الزمان سبقا دهريا، فخطابه ع لأبي مسلم وكذا خطاب الخليل ع للناس من باب خطاب الله تعالى للأظلة الذرية بقوله: (ألست بربكم، ومحمد نبيكم، وعلي وليكم، والأئمة من ولده أولياؤكم) قبل الوجود الزماني قبلية دهرية هي عين البعد بعدم كون الدهر مصاقعا للزمان حتى يقع في طرف منه، فهو القبل البعد بلحاظ واحد، وتفصيل هذا الحرف يطلب من مظانه إذ ليس كتابنا هذا موضوعا لبيان أمثال هذه الأمور، فخذها قصيرة من طويلة.

ذئب يبايع أمير المومنين ع ويصرح بأنه من شيعته

السابع والثمانون: كتاب اليقين لابن طاووس عن شرح قصيدة السلامي للشريف أبي يعلي محمد بن أبي القاسم بن الحسن الاقساسي قال الشريف أبو الحسن: قال: حدثنا أبو عبد الله الحسن بن جعفر القرشي المجاور بمدينة الرسول] ص   قال: حدثنا علي بن محمد بن المغيرة الملاح قال: أخبرنا الحسن بن سنان، قال: حدثنا أبو يعقوب يوسف بن حمدان المدني قال: حدثنا حكام بن سلم قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن الحسين عن عمار بن ياسر قال: (تبعت أمير المؤمنين ع في بعض طرقات المدينة، فإذا أنا بذئب أدرع أزب ، قد أقبل يهرول حتى أتى المكان الذي فيه أمير المؤمنين وولداه الحسن والحسين (عليهم السلام)، فجعل الذئب يعفر خديه على الأرض ويومي بيديه إلى أمير المؤمنين ع، فقال علي ع: اللهم أطلق لسان الذئب فيكلمني، فأطلق الله لسان الذئب، فإذا الذئب يقول بلسان طلق ذلق: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك السلام من أين أقبلت؟ قال: من بلد الفجار الكفرة، قال: وأين تريد؟ قال: بلد الأنبياء البررة، قال: وفيما ذا؟ قال: لأدخل في بيعتك مرة أخرى، قال: كأنكم  قد بايعتمونا، قال: صاح بنا صائح من السماء أن اجتمعوا، فاجتمعنا إلى بيت  من بني إسرائيل، فنشر فيها أعلام بيض ورايات خضر، ونصب فيها منبر من ذهب أحمر، وعلا عليه جبرئيل ع، فخطب خطبة بليغة وجل منها القلوب وأبكى منها العيون، ثم قال: يا معشر الوحوش إن الله عز وجل قد دعا محمدا ص فأجابه، واستخلف على عباده من بعده علي بن أبي طالب ع وأمركم أن تبايعوه، فقالوا: سمعنا وأطعنا ما خلا الذئب، فإنه جحد حقك وأنكر معرفتك، فقال علي ع: ويحك أيها الذئب كأنك من الجن؟ فقال: ما أنا من الجن ولا من الإنس، أنا ذئب شريف، قال: وكيف تكون شريفا وأنت ذئب، قال: شريف لأني من شيعتك، وإخواني من ولد ذلك الذئب الذي اصطاده أولاد يعقوب فقالوا: هذا أكل أخانا بالأمس، وأنا منهم).

أمير المومنين ع يرد ظلامة المرأة صاحبة الجمل

الثامن والثمانون: وفيه عن كتاب الأربعين لمنتجب الدين محمد بن أبي مسلم بن أبي الفوارس الرازي، بما هذا عبارته حدثني الشيخ الأجل الإمام العالم منتجب الدين مرشد الإسلام أبوجعفر محمد بن أبي مسلم ابن أبي الفوارس الرازي  بمدينة السلام في داره بدرب البصريين في منتصف ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وخمسمائة قال: حدثني الإمام السيد الأمير كمال الدين عز الإسلام فخر العترة شرف آل الرسول أبو محمد إبراهيم بن علي بن محمد العلوي الحسيني الموسوي بكازرون في التاسع عشر من رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة قال: حدثني الشيخ تاج شهريار بن تاج الفارسي قال: حدثني القاضي أبو القاسم أحمد بن طاهر السودي قال: حدثنا الشيخ الإمام شرف العارفين أبو المختار الحسن بن عبدالوهاب قال: حدثني أبو التحف علي بن محمد بن إبراهيم، عن الأشعث بن مرة، عن المثنى بن سعيد، عن هلال بن كيسان عن الطيب القواصيري، عن عبد الله بن سلمة المفتحي، عن شقاوة بن الأصيد البغدادي، عن أبي جرير، عن أبي الفتح المغاربي، عن عمار بن ياسر قال: (كنت بين يدي مولانا أمير المؤمنين علي ع: وإذا بصوت قد أخذ جامع الكوفة فقال: يا عمار إئت بذي الفقار الباتر للأعمار، فجئته بذي الفقار، فقال: اخرج يا عمار وامنع الرجل عن ظلامة المرأة فإن انتهى وإلا منعته بذي الفقار، قال: فخرجت وإذا أنا برجل وإمرأة قد تعلقا بزمام جمل، والمرأة تقول: الجمل لي، والرجل يقول: الجمل لي، فقلت: إن أمير المؤمنين ينهاك عن ظلم هذه المرأة، فقال: يشتغل علي ع بشغله ويغسل يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة، ويريد أن يأخذ جملي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة، قال عمار : فرجعت لأخبر مولاي وإذا به قد خرج، وقد لاح الغضب في وجهه، وقال: ويلك خل جمل المرأة، فقال: هو لي، فقال أمير المؤمنين ع: كذبت يا لعين، قال: فمن يشهد أنه للمرأة يا علي؟ قال: الشاهد الذي لا يكذبه أحد من الكوفة، فقال الرجل: إذا شهد شاهد وكان صادقاسلمته إلى المرأة، فقال علي ع: تكلم أيها الجمل لمن أنت؟ فقال بلسان فصيح: يا أمير المؤمنين وخير الوصيين، أنا لهذه المرأة منذ بضع عشرة سنة، فقال ع: خذي جملك، وعارض الرجل بضربة قسمه نصفين).

أهل بيت محمد عليهم السلام لديهم كنوز الأرض سائرة

التاسع والثمانون لوامع الأنوار للحافظ البرسي  (أن لما جاءت فضة إلى بيت الزهراء ع ، و دخلت بيت النبوة، ومعدن الرحمة ومنبع العصمة ودار الحكمة، لم تجد هناك إلا السيف والدرع والرحى، وكانت فضة بنت ملك الهند، وكان عندها ذخيرة من الإكسير، فأخذت قطعة من النحاس وألانتها، وجعلتها على هيئة سبيكة، وألقت عليها الدواء وصنعتها ذهبا، فلما جاء أمير المؤمنين ع وضعتها بين يديه، فلما رآها قال: أحسنت يا فضة، لكن لو أذبت الجسد لكان الصبغ أعلى والقيمة أغلى، فقالت: يا سيدي تعرف هذا العلم؟ قال ع : نعم وهذا الطفل يعرفه، وأشار إلى الحسين ع فجاءت إليه، وقال كما قال أمير المؤمنين ع ، فقال أمير المؤمنين ع: نحن نعرف أعظم من هذا، ثم أومأ بيده، فإذا عنق من ذهب وكنوز الأرض سائرة، ثم قال: ضعيها مع أخواتها فوضعتها).

أقول: مرجع ضمير قال في قوله (ثم قال ...إلخ)، يمكن أن يكون أمير المؤمنين ع، ويمكن أن يكون الحسين ع والثاني أقرب، لكن لما كان صاحب الكتاب عده من جملة غرائب أمير المؤمنين ع أوردناه في ضمن معجزاته تبعا له، والسلام.

أمير المومنين ع يخاطب جني على شكل ثعبان

التسعون: وفيه عن القاضي بن شاذان، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد ع قال: (كان أمير المؤمنين ع على منبر الكوفة يخطب وحوله الناس، فجاء ثعبان ينفخ في الناس وهم ينحادون عنه، فقال أمير المؤمنين ع: وسعوا له، فأقبل حتى رقا المنبر والناس ينظرون إليه، ثم قبل أقدام أمير المؤمنين ع ، وجعل يتمرغ عليها، ونفخ ثلاث نفخات، ثم نزل وانساب، ولم يقطع أمير المؤمنين ع خطبته، فسألوه عن ذلك فقال: هذا رجل من الجن ذكر أن ولده قتله رجل من الأنصار اسمه جابر بن سبيع عند خفان من غير أن يتعرض له بسوء، وقد استوهبت دم ولده منه، فقام إليه رجل طويل بين الناس وقال: أنا الرجل الذي قتلت الحية في المكان المشار إليه، وإني منذ قتلتها لا أقدر أستقر في مكان من الصياح والصراخ، فهربت إلى الجامع، وإني منذ سبعة أيام هاهنا، فقال له أمير المؤمنين ع : خذ جملك واعقره في موضع قتلت الحية، وامض ولا بأس عليك)‏.

أقول: ورواه أسعد بن إبراهيم الأردبيلي من العامة في كتابه الأربعين، عن أستاذه دحية بن خليفة الكلبي بسنده، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام)، بمغايرة بعض الألفاظ دون المعنى، وهو الحديث الحادي والعشرون منه.

أمير المومنين ع يتحدث عن انتحاس النجوم والأبراج

الحادي والتسعون وفيه قال: ومن ذلك قوله للدهقان الفارسي، وقد حذره من الركوب والمسير إلى الخوارج فقال له: (اعلم أن طوالع النجوم قد انتحست، فسعد أصحاب النحوس، ونحس أصحاب السعود، وقد بدا المريخ يقطع في برج الثور، وقد اختلف في برجك كوكبان، وليس الحرب لك بمكان، فقال له: أنت الذي تسير الجاريات وتقضي علي بالحادثات، وتنقلها مع الدقائق والساعات، فما السراري وما الدراري ؟ وما قدر شعار المدبرات؟ فقال: سأنظر في الأسطرلاب وأخبرك، فقال له: أعالم أنت بما تم البارحة في وجه الميزان؟ وأي نجم اختلف برج السرطان؟ وأي آفة دخلت على الزبرقاق؟ فقال: لا أعلم، فقال: أعالم أنت إن الملك البارحة انتقل إلى بيت في الصين، وانقلب برج ماچين، وغارت بحيرة ساوة، وفاضت بحيرة سماوة، وقطعت باب الصخرة من سقلبه ، ونكس ملك الروم بالروم وولي أخوه مكانه، وسقطت شرفات الذهب من قسطنطينية الكبرى، وهبط سور سرنديب ، وفقد ديان اليهود، وهاج النمل بوادي النمل، وسعد سبعون ألف عالم، وولد في كل عالم سبعون ألفا، والليل يموت مثلهم؟ فقال: لا أعلم، فقال: أعالم أنت بالشهب الخرس الأنجم، والشمس ذوات الذوائب التي تطلع مع الأنوار وتغيب مع الأسحار؟ فقال: لا أعلم، فقال: أعالم أنت بطلوع النجمين اللذين ما طلعا إلا عن مكيدة، ولا غربا إلا عن مصيبة، وأنهما طلعا وغربا، فقتل قابيل هابيل، ولا يظهران إلا لخراب الدنيا؟ فقال: لا أعلم، فقال: إذا كان طرق السماء لا تعلمها، فإني أسألك عن قريب، أخبرني ما تحت حافر فرسي الأيمن والأيسر من المنافع والمضار، فقال: إني في علم الأرض أقصر مني في علم السماء، فأمر أن يحفر تحت الحافر الأيمن، فخرج كنز من ذهب، ثم أمر أن يحفر تحت الحافر الأيسر، فخرج أفعى فتعلق في عنق الحكيم فصاح: يا مولاي الأمان الأمان، فقال ع: الأمان بالإيمان، فقال: لأطيلن لك الركوع والسجود، فقال: سمعت خيرا فقل خيرا، اسجد لله واضرع بي إليه، ثم قال: يا سرسفيل نحن نجوم القطب وأعلام الفلك، وإن هذا العلم لا يعلمه إلا نحن، وبيت في الهند).

أمير المؤمنين ع هو الرجل الذي نزلت فيه سورة الزلزلة

الثاني والتسعون علل الصدوق  ، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو عبد الله الرازي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن روح بن صالح، عن هارون بن خارجة رفعه، عن فاطمة ع قالت: (أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر، ففزع الناس إلى أبي بكر وعمر، فوجدوهما قد خرجا فزعين إلى علي ع، فتبعهما الناس إلى أن انتهوا إلى باب علي ع، فخرج إليهم علي ع غير مكترث لما هم فيه، فمضى واتبعه الناس حتى انتهى إلى تلعة، فقعد عليها وقعدوا حوله، وهم ينظرون إلى حيطان المدينة ترتج جائية وذاهبة، فقال لهم علي ع: كأنكم قد هالكم ما ترون؟ قالوا: وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قط، قالت: فحرك شفتيه ثم ضرب الأرض بيده، ثم قال: ما لك اسكني، فسكنت فعجبوا من ذلك أكثر من تعجبهم أولا حيث خرج إليهم، قال لهم: فإنكم قد عجبتم من صنعتي؟ قالوا: نعم، قال: أنا الرجل الذي قال الله عز وجل:﴿ إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان ما لها﴾ فأنا الإنسان الذي يقول لها ما لك ﴿يومئذ تحدث أخبارها﴾ إياي تحدث).

كلام أمير المؤمنين ع  صعب مستصعب

الثالث والتسعون عن الاختصاص للمفيد  قال: (روي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه كان قاعدا في المسجد، وعنده جماعة، فقالوا له: حدثنا يا أمير المؤمنين، فقال: لهم ويحكم إن كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلا العالمون، قالوا: لا بد من أن تحدثنا، قال: قوموا بنا فدخل الدار، فقال: أنا الذي علوت فقهرت، أنا الذي أحيي وأميت، أنا الأول والآخر والظاهر والباطن، فغضبوا وقالوا: كفر، وقاموا  فقال علي صلوات الله عليه للباب: يا باب استمسك عليهم، فاستمسك عليهم الباب فقال: أ لم أقل لكم إن كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلا العالمون؟ تعالوا أفسر لكم؛ أما قولي أنا الذي علوت فقهرت: فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتى آمنتم بالله ورسوله، وأما قولي أنا [الذيأحيي وأميت: فأنا أحيي السنة وأميت البدعة،وأما قولي أنا الأول: فأنا أول من آمن بالله وأسلم، وأما قولي أنا الآخر: فأنا آخر من سجى على النبي ثوبه ودفنه)، وأما قولي أنا الظاهر والباطن: فأنا عندي علم الظاهر والباطن، قالوا: فرجت عنا فرج الله عنك).

أقول: قد مضى في حديث كلام الشمس ما ينفعك هنا فراجع.

أمير المومنين ع يأخذ القصاص من غاصب زوجة المؤمن بهم

الرابع والتسعون مدينة المعاجز، عن عيون المعجزات، عن أبي التحف يرفعه برجاله إلى عمار بن ياسر ذي الفضل والمآثر، قال: (كنت بين يدي أمير المؤمنين ع إذ دخل عليه رجل وقال: يا أمير المؤمنين إليك المفزع والمشتكى فقد حل بي ما أورثني سقما وألما، فقال: ما قصتك؟ قال: إن علي بن ذوالب الصيرفي غصبني زوجتي، وفرق بيني وبين حليلتي، وأنا من حزبك وشيعتك، فقال: إئتني بالفاسق الفاجر، قال: فخرجت إليه وهو يعرض أصحابه في سوق يعرف بسوق بني الحاضر، فقلت: أجب مولى لا يجوز عليه بهرجة الصرف، فنهض قائما وهو يقول: إذا نزل التقدير بطل التدبير، حتى أوقفته بين يدي أمير المؤمنين ع، ورأيت بيدي مولاي قضيبا من العوسج، فلما وقف الصيرفي بين يديه قال: يا عالم مكنون الأشياء وما في الضمائر والأوهام، ها أنا ذا واقف بين يديك وقوف الذليل المستسلم إليك، فقال: يا لعين بن اللعين والزنيم بن الزنيم، أما تعلم أني أعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وإني حجة الله في أرضه على عباده، تفتك بحرم المؤمنين، تراك أمنت عقوبتي عاجلا وعقوبة الله آجلا، ثم قال: يا عمار جرده من ثيابه، ففعلت ما أمرني به مولاي، فقام إليه وقال: والذي فلق الحبة وبرء النسمة لا يأخذ قصاص المؤمن غيري، ثم قرعه بالقضيب على كبده، وقال: اجلس لعنك الله، قال عمار: فرأيته والله قد مسخه الله سلحفاة، ثم قال ع: رزقك الله في كل أربعين يوما شربة من الماء، ومأواك القفار والبراري، هذا جزاء من أعاد طرفه وقلبه وفرجه، ثم ولى وتلى: ﴿ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت، فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين، فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين﴾).

رجوع الشمس لأمير المومنين ع

الخامس والتسعون: عن أمالي المفيد  قال: أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عيسى المكي قال: حدثنا الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن حنبل قال: أخبرت عن عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه قال: حدثنا عروة بن عبد الله بن قشير الجعفي قال: (دخلت على فاطمة بنت علي بن أبي طالب ع، وهي عجوز كبيرة، وفي عنقها خرزة، وفي يدها مسكتان، فقالت: يكره للنساء أن يتشبهن بالرجال، ثم قالت: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: أوحى الله إلى نبيه محمد ص فتغشاه الوحي فستره علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بثوبه حتى غابت الشمس، فلما سري عنه ع قال: يا علي ما صليت العصر؟ قال: لا يا رسول الله شغلت عنها بك، فقال رسول الله ص: اللهم اردد الشمس على علي بن أبي طالب ع، وقد كانت غابت فرجعت حتى بلغت الشمس حجرتي ونصف المسجد).

أقول: وفي رواية ابن شهر آشوب في المناقب أنه أمر أمير المؤمنين ع بالدعاء، فدعا هو ع فردت الشمس، والمعنى واحد عند التحقيق.

حديث آخر مثله

السادس والتسعون: بصائر الدرجات للصفار قال: حدثنا أحمد ابن محمد عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن عبد الله مسكان، عن أبي بصير، عن أبي المقدام، عن جويرية بن مسهر، عن عدة من أصحابنا في مصنفاتهم، عن محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره، عن أحمد بن أدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى المذكور بالإسناد المذكور، عن جويرية غير أن فيه عبدالله بن يحيى مكان عبدالله ابن بحر (ح)ابن بابويه في الفقيه، عن ابيه ومحمد بن الحسن، عن سعد ابن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن عبدالله الغروي، عن الحسين بن مختار القلانسي، عن أبي بصير، عن عبدالواحد بن المختار الأنصاري، عن أم المقداد الثقفية، عن جويرية بن مسهر و اللفظ للبصائر قال: (أقبلنا مع أمير المؤمنين ع من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر قال: فنزل أمير المؤمنين ونزل الناس، فقال أمير المؤمنين: يا أيها الناس إن هذه الأرض ملعونة، وقد عذبت من الدهر ثلاث مرات وهي إحدى المؤتفكات، وهي أول أرض عبد فيها وثن إنه لا يحل لنبي ولوصي نبي أن يصلي فيها، فأمر الناس فمالوا عن جنبي الطريق يصلون، وركب بغلة رسول الله فمضى عليها قال جويرية: فقلت والله لأتبعن أمير المؤمنين ولأقلدنه صلاة اليوم، قال: فمضيت خلفه فو الله ما صرنا جسر سورا حتى غابت الشمس، قال: فسببته، أو هممت أن أسبه، قال: فقال: يا جويرية أذّن ؟ قال: فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فنزل ناحية فتوضأ، ثم قام فنطق بكلام لا أحسبه إلا بالعبرانية، ثم نادى بالصلاة، فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلى العصر وصليت معه، قال: فلما فرغنا من صلاته عاد الليل كما كان، فالتفت إلي: فقال يا جويرية بن مسهر إن الله يقول ﴿فسبح باسم ربك العظيم﴾، فإني سألت الله باسمه العظيم، فرد علي الشمس).

أقول: وفي رواية الفقيه بعد قوله غابت الشمس هكذا « فشككت فالتفت إلي وقال: يا جويرية أ شككت؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل ع عن ناحية» إلخ، وليس فيها حكاية السب أو الهم به وفي بعض الروايات أن جويرية قال: فتبعته في مائة فارس ثم قيل إن حديث رد الشمس هذا وما قبله من المستفيض بين الخاصة والعامة، وقد بلغا في الاشتهار شروق الشمس في رابعة النهار، فهما لا يقصران في الاشتهار عن انشقاق القمر لرسول الله ص، وقد بني لهذه الواقعة الأخيرة منارة بالحلة، وهي موجودة إلى الآن وهو سنة تسع وثمانين ومائتين بعد الألف عام تحرير هذه الأحرف من الكتاب، فتشكيك بعض الأقشاب في ذلك كأبي الفرج بن الجوزي على ما نقل عنه سبطه في كتابه المناقب تمسكا بضعف السند، وبأن الصلاة صارت قضاء فلا فائدة في إعادة الشمس، وكذا ابن فورك في كتاب الفصول على ما نقل عنه ابن شهر آشوب من قبل أنه لو كان صحيحا لرآه جميع الناس في جميع الأقطار؛ تشكيك ناش عن أحقاد بدرية، على أن الأخير أخوذ بانشقاق القمر والجواب الجواب، وأما حديث ضعف السند فقد كبر عمرو عن الطوق، وأما صيرورة الصلاة قضاء فهو خبط ناش من ضعف التحصيل، فإن الصلاة إنما تصير قضاء إذا أتمت الشمس الدورة، وأما إذا رجعت قهقري إلى مكانها الأول فلا يكون وقته وقتا جديدا بل يعود معها عين الوقت الماضي نظير عود الخاتم الذي كسر ثم صيغ ثانيا من عين المادة الأولى التي كانت له من فضة أو ذهب أو غيرهما فإنه حينئذ عين الخاتم الأول؛ وإنما تجددت له صورة وهي لا تغير الحقيقة لأن العبرة في الاتحاد إنما هي على المادة الشخصية، وهي باقية في الحالين، وهذا هو سر المعاد وحشر الأجساد يوم القيامة، فخذها قصيرة من طويلة.

تذييل : وفي الباب حكاية طريفة نقلها غير واحد وأوردها العلامة  في كتاب كشف اليقين، وهي (أن بعض الوعاظ كان يعظ الناس ويمدح أمير المؤمنين ع يوما من الأيام فآذنت الشمس في الغروب فقال مخاطبا للشمس ارتجالا:

لا تغربي يا شمس حتى ينقضي

مدحي لصنو المصطفى ولنجله

واثني عنانك إن أردت ثناءه

أنسيت يومك إذ رددت لأجله

إن كان للمولى وقوفك فليكن

هذا الوقوف لخيله ولرجله

قال: فوقفت الشمس وأضاء الأفق حتى انقضى المدح، وكان ذلك بمحضر جماعة تبلغ حد التواتر).

أمير المؤمنين ع لديه من علم الرسول وما تخفي به الصدور

السابع والتسعون: راحة الرواح عن جويرية قال: (خرجت مع أمير المؤمنين ع نحو الأنبار، وهو راكب بغلة رسول الله ص وعليه قميص صوف أبيض، وقد كشف رأسه ولبس طيلسانا وحوله ثمانية عشر من أولاده، والحسنان عن يمينه ويساره، وابن الحنفية من بين يديه، ومعهم مالك الأشتر وجماعة، وإذا بالعسكر قد تفرقت، وأقبلت على الهزيمة، فصاح بهم أمير المؤمنين ع وقال: يا هؤلاء أين تهربون عني وأنا علي ابن أبي طالب؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين قد اعترض في الطريق سبع عظيم نفرت عنه خيولنا، فقال: تنحوا عنه، فدنا من السبع، وإذا به بارك على الطريق، فصاح به أمير المؤمنين ع وقال: قم يا هذا وتنح عن الطريق، فإني أنا بأس الله في الأرض، وأنا أذن الله الواعية، وأنا الصراط المستقيم، وأنا العروة الوثقى، أنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: فقام السبع ونادى بلسان فصيح: عدلا مخلصا لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وإنك وليه، يا مولاي أنا أبو الوحش، كما أن آدم أبو البشر، وقد أخذ على ذريتي الميثاق كما أخذ على بني آدم أن لا يفترسوا أحدا من ذريتك ولا من ذرية شيعتك، وإني سألت الله عز وجل أن يجمع بيني وبينك وقد جمع اليوم، قال: فقال له أمير المؤمنين ع : وما حاجتك إلي؟ قال: أريد أن تسأل لي من الله المغفرة، قال: فدعا أمير المؤمنين ع ساعة وأمن الحسنان ثم قال له: امض يا هذا فقد أجاب الله عز وجل دعوتي فيك، فقال السبع: يا مولاي وما علامة الإجابة؟ قال: اعلم يا أبا الوحش إن في قلوبنا عمودا رأسه تحت العرش وأصله في قلوبنا، فإذا دعا الإمام منا في الأرض وأجاب الله تعالى دعوته؛ اهتز ذلك العمود في قلبه وتحرك فيعلم بذلك أن الله قد أجاب دعوته، فقال السبع: يا مولاي لا أريد العيش في الدنيا بعد ذلك، فادع الله تعالى ليعجل في قبض روحي، قال: فدعا له أمير المؤمنين ع ثانيا، ثم قال له :إذهب يا هذا فسيدركك الموت عند المغرب، قال جويرية: ثم أقبل أمير المؤمنين ع علي وقال: يا جويرية امض مع أخيك وادفنه إذا مات، قال: فمضى أمير المؤمنين ع وتركني مع السبع فداخلني منه رعب عظيم، فجلست أنا على تل والسبع على تل آخر، فلما دخل وقت المغرب رأيت السبع قد نهض من مكانه وزأر زأرة عظيمة ووقع ومات من حينه، قال: فقمت وأخذت سيفي لأحفر له حفيرة، فإذا بهاتف من ورائي أسمع الصوت ولا أرى الشخص يقول: يا جويرية قد كفيناك مؤنة الحفر، فنظرت وإذا بلحد ملحود، فأخذت السبع، ودفنته في ذلك اللحد وعرض في نفسي شيء من ذلك، وقلت في نفسي: أرأيت أمير المؤمنين قد سحر هذا السبع؟ قال: فمضيت حتى ألحقت أمير المؤمنين ع وقد وجبت صلاة المغرب، فسألت من معه من الأصحاب: هل صلى أمير المؤمنين المغرب؟ قالوا: لا ولا صلاة العصر، وقد قال إنها أرض خسفت لا تجوز الصلاة فيها، قال: فأتيت حتى قمت بين يدي مولاي أمير المؤمنين ع، فوجدت عليه آثار الغضب والعرق يقطر من جبينه كاللؤلؤ الرطب، فقلت: يا مولاي قد دفنت السبع، قال: فصرف وجهه عني ولم يجبني بشيء، فأعدت عليه القول وقلت: يا مولاي قد دفنت السبع، قال: فأطرق رأسه ولم يحبني بشيء، قال: فلم أقدر على إعادة الكلام حتى قام وتوضأ، فإذا أنا بصوت عظيم من السماء كصوت الرعد، فرفعت رأسي وإذا بالشمس قد رجعت إلى أن وقفت على موضع العصر، فصلى أمير المؤمنين ع صلاة العصر وصليناها معه، ثم عادت الشمس إلى الغروب، وبدت النجوم وصلينا معه المغرب، ولما فرغ من الصلاة أقبل بوجهه علي وقال: يا جويرية إن كان سحرت السبع والشمس لم أسحرها، ثم قال: لولا أن تقول طائفة في ما قالوا في عيسى بن مريم؛ لأنبئتكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم، ولأخرجت نساء من بيوت رجال أتين منهم بأولاد ورددتهن إلى بعولتهن بالعلم الذي علمنيه رسول الله ص ، قال جويرية: فقلت: يا مولاي إني تبت إليك ولا أشك فيك بعد ذلك أبدا).

ابن ملجم قاتل أمير المؤمنين ع وكّل الله به طائرا يقتله كل يوم قتلة

الثامن والتسعون: الخرائج الراوندي: قال: أخبرنا أبو منصور شهردار بن شيرويه شهردار الديلمي، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا  أبو الحسن علي بن أحمد الميداني، حدثنا أبو عمرو محمد بن يحيى، حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن محمد بن عمر قال: (سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد المعروف بابن الرفا بالكوفة يقول: كنت بالمسجد الحرام فرأيت الناس مجتمعين حول مقام إبراهيم ع فقلت: ماهذا؟ قالوا: راهب أسلم، فأشرفت عليه وإذا أنا بشيخ كبير عليه جبة صوف، وقلنسوة صوف، عظيم الخلق، وهو قاعد بحذاء مقام إبراهيم، فسمعته يقول: كنت قاعدا في صومعة ليبنجدفأشرفت منها، فإذا بطائر كالنسر قد سقط على صخرة على شاطئ البحر، فتقيأ فرمى بربع إنسان، ثم طار فتفقدتهبربع إنسانثم طار فجاء فرمى بربع إنسان، ثم دنت الأرباع بعضها إلى بعض فالتأمرجلا فهو قائم، وأنا أتعجب منه، ثم انحدر الطير عليه فضربه وأخذ ربعه فطار، ثم رجع فأخذ ربعه فطار، ثم رجع فأخذ ربعا فطار، ثم رجع فأخذ الربع الآخر، فبقيت أتفكر في   ذلك، وتحسرت إلا كنت تحققته، فسألته من هو، فبقيت أتفقد الصخرة حتى رأيت الطائر قد أقبل فتقيأ بربع إنسان، فنزلت فقمت بإزائه، فلم أزل حتى تقيأ بربع ربع حتى الرابع ،ثم طار فالتأم رجلا فقام قائما، فدنوت منه فسألته: من أنت ؟ فسكت عني، فقلت: بحق من خلقك من أنت؟ قال: أنا ابن ملجم، قلت له: وأي شيء عملت من الذنوب؟ قال: قتلت علي بن أبي طالب ع، فوكّل الله بي هذا الطير يقتلني كل يوم قتلة، فبينا هو يحدثنيإذا انقض الطائر فضربه، فأخذ ربعه ثم طار وعاد حتى أخذ الربع الآخر، فسألت عن علي ع، فقالوا: هو ابن عم رسول الله ص ووصيه)

 أمير المؤمنين ع يشهد كل نفس عندقبضها

التاسع والتسعون: المشارق للحافظ البرسي  قال: روى محدثوا أهل الكوفة، روى البرسي في مشارق الأنوار عن محدثي أهل الكوفة: (أن أمير المؤمنين ع لما حمله الحسن والحسين (عليهم السلام) على سريره إلى مكان البئر المختلف فيه إلى نجف الكوفة، وجدوا فارسا يتضوع منه رائحة المسك، فسلم عليهما ثم قال للحسن ع: أنت الحسن بن علي رضيع الوحي والتنزيل، وفطيم العلم والشرف الجليل، خليفة أمير المؤمنين وسيد الوصيين؟ قال ع : نعم، قال: وهذا الحسين بن أمير المؤمنين   وسيد الوصيين سبط الرحمة ورضيع العصمة، وربيب الحكمة ووالد الأئمة؟ قال: نعم، قال: سلماه إلي وامضيا في دعة الله، فقال له الحسن ع إنه أوصى إلينا أن لا نسلم إلا إلى أحد رجلين جبرئيل أو الخضر؛ فمن أنت منهما؟ فكشف النقاب فإذا هو أمير المؤمنين ع ، ثم قال للحسن ع يا أبا محمد إنه لا تموت نفس إلا ويشهدها أفما يشهد جسده  (.      

من كراماته الباهرة (عليهم السلام)

المائة: يقول العبد الضعيف محمد بن محمد بن الحسين المدعو بالتقي الشريف مصنف هذا الكتاب: من الكرامات الباهرة التي ظهرت عنه -صلوات الله عليه- ما وقع أيام إقامتنا بمشهده الشريف رزقنا الله عز وجل العود إليه، وهو أن ناصبيا من عسكر الروم دخل في نعليه قاصدا إلى الروضة المطهرة، فزجره خدام الحضرة الشريفة عن ذلك، وكلموه في خلع النعل فلم ينزجر ولا احتفل لقولهم، وصعد الإيوان الكبير فلما بلغ تجاه الإيوان الصغير مقابل باب الرواق؛ إذا به قد خر على الأرض وبقى يتقلقل كالمصروع ويصيح، فاجتمع عليه من أصحابه وسائر الناس وسألوه عن ذلك؛ فأخبر أنه رأى سيدا جليلا قد طلع من الروضة المقدسة، فضربه بإصبعيه على جبينه ضربا وجيعا، فنظروا إلى جبينه وإذا أثر الأصبعين عليه بمثل لون الوشم، فحمله أصحابه إلى منزله، وبقي على تلك الحالة ثلاثة أيام ثم هلك لعنة الله عليه، وكان اليوم يوم زيارة مخصوصة لا أعلمه إلا وهو يوم الغدير، وقد اجتمع في المشهد خلق عظيم من أهل البلد والآفاق، وذلك في سنة خمس وسبعين ومائتين بعد الألف من الهجرة المقدسة على هاجرها وآله الصلاة والسلام.

ولنختم بذلك ما أردنا إيراده من آيات أمير المؤمنين الباهرة، ودلائله الظاهرة لما لكتابنا من وصمة القصور من قبل كونه مبنيا على عدد محصور، وإلا فهي كما قال الله تعالى في كتابه المسطور ﴿قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا﴾.

ويتلوه إن شاء الله في الجزء الثاني معجزات الزهراء البتول والإمامين الهمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهم.

 

 

 

 

 

 

باب معجزات الإمام التقي النقي البر الزكي الحسن المجتبى (عليه السلام)

 

والعدد يبنى على السابق.

الظباء تلبي نداء الإمام (عليه السلام)

الحادي والعشرون عن دلائل الإمامة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الشيعي عن سفيان عن أبيه عن الأعمش عن أبي بريدة عن محمد ابن حجارة قال : (رأيت الحسن بن علي (عليهم السلام) وقد مرت به صريمة من الظباء، فصاح بهن فأجابته كلها بالتلبية حتى أتت  بين يديه ، فقلنا : يا بن رسول الله هذا وحش فأرنا آية من السماء ، فأومأ نحو السماء ، ففتحت الأبواب، ونزل نور حتى أحاط بدور المدينة، وتزلزلت الدور حتى كادت أن تخرب فقلنا: يا بن رسول الله ردها ، فقال : نحن الأولون ، ونحن الآخرون، ونحن الآمرون ، ونحن النور ننور الروحانيين بنور الله ونروحهم بروحه، فينا مسكنه ، وإلينا معدنه الآخر،  منا كالأول والأول منا كالآخر).

رؤية البحور في مسجد رسول الله

الثاني والعشرون وعنه قال: حدثنا أبو محمد سفيان ، عن أبيه عن الأعمش ، عن مورق ، عن جابر قال: قلت للحسن بن علي (عليهم السلام) : (أحب أن تريني معجزة نتحدث بها عنك ونحن في مسجد رسول الله، فضرب برجله الأرض حتى أراني البحور وما يجري فيها من السفن ، ثم أخرج من سمكها فأعطانيه ، فقلت لابني محمد : احمل إلى المنزل فحمل فأكلنا منه ثلاثا). 

رفع الحسن البيت في الهواء

الثالث والعشرون وعنه عن سفيان ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن القاسم ابن إبراهيم الكلابي ، عن زيد بن أرقم قال : (كنت بمكة والحسن بن علي (عليهم السلام) بها ، فسألناه أن يرينا معجزة نتحدث بها عندنا بالكوفة ، فرأيته وقد تكلم، ورفع البيت حتى علا به في الهواء ، وأهل مكة يومئذ غافلون منكرون فمن قائل يقول : ساحر ، ومن قائل يقول : أعجوبة فجاز خلق كثير تحت البيت ، والبيت في الهواء ثم رده).

مائدة تنزل من السماء للحسن بن علي إفطارًا له.

الرابع والعشرون وعنه عن أبي محمد سفيان قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش قال : حدثنا ابن موسى ، قال : حدثنا قبيصة بن إياس قال: (كنت مع الحسن بن علي (عليهم السلام) وهو صائم ، ونحن نسير معه إلى الشام ، وليس معه زاد ولا ماء ولا شيء إلا ما هو عليه راكب، فلما أن غاب الشفق وصلى العشاء فتحت أبواب السماء ، وعلق فيها القناديل ، ونزلت الملائكة ومعهم الموائد والفواكه وطسوت وأباريق وموائد تنصب ، ونحن سبعون رجلا، فأكلنا من كل حار وبارد حتى امتلينا وامتلئ ، ثم رفعت على هيئتها لم تنقص).

النخلة تلبي نداء الإمام الحسن

الخامس والعشرون وعنه عن أبي محمد عبد الله بن محمد البلوي ثم الأنصاري قال: قال عمارة بن زيد: (سمعت إبراهيم بن سعد يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول : كان الحسن والحسين (عليهم السلام) طفلين يلعبان، فرأيت الحسن (عليه السلام) وقد صاح بنخلة ، فأجابته بالتلبية ، وسعت إليه كما يسعى الولد إلى والده).

الطير يلبي نداء الإمام

السادس والعشرون وعنه عن أبي محمد عبد الله بن محمد قال : حدثنا سلمة بن محمد قال : أخبرنا محمد بن علي الجاشي قال : حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبي عروبة ، عن أبي سعيد الخدري قال : (رأيت الحسن بن علي (عليهم السلام) وهو طفل ، والطير تظله ، ورأيته يدعو الطيرفتجيبه).

يمكث الحسن في السماء ثلاثا

السابع والعشرون وعنه قال : حدثنا أبو محمد قال : حدثنا وكيع عن الأعمش عن مروان عن جابر قال : (رأيت الحسن بن علي (عليهم السلام) وقد علا في الهواء ، وغاب في السماء فأقام بها ثلاثا ، ثم نزل بعد الثلاث وعليه السكينة والوقار فقال : بروح آبائي نلت ما نلت).

الحسن على منهاج جده رسول الله وأبيه أمير المؤمنين علي

الثامن والعشرون وعنه عن أبي محمد قال : أخبرنا عمارة بن زيد قال: حدثنا إبراهيم بن سعد قال : حدثنا محمد بن جرير قال : أخبرني ثقيف البكاء قال : (رأيت الحسن بن علي (عليهم السلام) عند منصرفه من معاوية وقد دخل عليه حجر بن عدي فقال : السلام عليك يا مذل المؤمنين ، فقال : مه، ما كنت مذلهم ، بل أنا معز المؤمنين ، وإنما أردت الإبقاء عليهم، ثم ضرب برجله في فسطاطه فإذا أنا في ظهر الكوفة ، وقد خرج إلى دمشق، ومضى حتى رأينا عمرو بن العاص بمصر ومعاوية بدمشق فقال : لو شئت لنزعتهما، ولكن هاه هاه قد مضى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على منهاج وعلي (عليه السلام) على منهاج ، وأنا أخالفهما لا يكون ذلك مني).

يخرج من الصخرة عسلًا

التاسع والعشرون وعنه عن أبي محمد سفيان عن أبيه قال أخبرنا الأعمش عن كثير بن سلمة قال : (رأيت الحسن (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخرج من صخرة عسلا ماذيا فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته، قال : أتنكرون لابني هذا ، وإنه سيد ابن سيد ، يصلح الله به بين الفئتين، وتطيعه أهل السماء في سمائه وأهل الأرض في أرضه).

يتصرف في الكواكب

الثلاثون وعنه عن أبي محمد سفيان ، عن أبيه ، عن الأعمش، عن إبراهيم ، عن منصور قال : (رأيت الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وقد خرج مع قوم يستسقون فقال للناس : أيما أحب إليكم المطر أم البرد أم اللؤلؤ؟ فقالوا: يا ابن رسول الله ما أحببت ، فقال : على إن لا يأخذ أحد منكم لدنياه شيئا، فأتاهم بالثلاث ورأيناه يأخذ الكواكب من السماء؛ ثم يرسلها فتطير كالعصافير إلى مواضعها).

 

رفع البيت

الحادي والثلاثون وعنه عن سفيان ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن سويد الأزرق ، عن سعد بن منقذ قال : (رأيت الحسن بن علي (عليهم السلام) بمكة وهو يتكلم بكلام ، وقد رفع البيت ، أو قال حوله ، فتعجبنا منه ، فكنا نحدث ولا نصدق حتى رأيناه في المسجد الأعظم بالكوفة ، فحدثناه يا ابن رسول الله ألست فعلت كذا وكذا ؟ فقال : لو شئت لحولت مسجدكم هذا إلى فم بقة - وهو ملتقى النهرين: نهر الفرات والنهر الأعلى - فقلنا : افعل ؛ ففعل ذلك ثم رده ، فكنا بعد ذلك بالكوفة [نصدق بمعجزاته).

سقى أصحابه لبنًا وعسلًا من سارية المسجد

الثاني والثلاثون وعنه عن أبي محمد عبد الله بن محمد والليث بن محمد بن موسى الشيباني قالا: أخبرنا إبراهيم بن كثير بن محمد بن جبرئيل قال: (رأيت الحسن بن علي (عليهم السلام) وقد استسقى ماء ، فأبطأ عليه الرسول، فاستخرج من سارية المسجد ماء ، فشرب وسقى أصحابه ثم قال : لو شئت لسقيتكم لبنا وعسلا ، قلنا : فاسقنا ؛ فسقانا لبنا وعسلا من سارية المسجد مقابل الروضة التي فيها قبر فاطمة (عليه السلام)).

يتصرف في الريح كيفما يشاء

الثالث والثلاثون وعنه عن أبي محمد سفيان ، عن وكيع ، عن الأعمش، عن سهل بن أبي إسحاق ، عن كدير بن أبي كدير ، قال : (شهدت الحسن ابن علي (عليهم السلام) وهو يأخذ الريح فيحبسها في كفه ، ثم يقول : أين تريدون أن أرسلها؟ فيقولون: نحو بيت فلان وفلان، فيرسلها ، ثم يدعوها فترجع).

يعلم ما يحوي رحم البقرة

الرابع والثلاثون وعنه عن أبي محمد عبد الله بن محمد البلوي قال: قال: عمارة بن زيد المدني : حدثني إبراهيم بن سعيد ، ومحمد بن مسعر كلاهما، عن محمد بن إسحاق صاحب المغازي ، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله ابن عباس قال : (مرت بالحسن بن علي  (عليهم السلام)بقرة فقال : هذه حبلى بعجلة أنثى لها غرة في جبهتها ورأس ذنبها أبيض ، فانطلقنا مع القصاب حتى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها ، فقلنا له : أوليس الله عز وجل يقول : ﴿ويعلم ما في الأرحام﴾ فكيف علمت هذا؟ فقال (عليه السلام) : إنا نعلم المكنون المخزون المكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل غير محمد وذريته (عليهم السلام)).

يُخرِج الماء والطعام من الصخرة بقضيب له

الخامس والثلاثون: وعنه عن سفيان ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن قدامة ابن رافع ، عن أبي الأحوص مولى أم سلمة قال : ( إني مع الحسن (عليه السلام) بعرفات ومعه قضيب ، وهناك أجراء يحرثون ، فكلما هموا بالماء أجبل عليهم فضرب بقضيبه إلى الصخرة فنبع لهم منها الماء واستخرج لهم طعاما).

أقول : وهذا نظير قوله لموسى بن عمران(عليه السلام)  ﴿أن اضرب بعصاك الحجر﴾.

أحيى ميتا بإذن الله تعالى

السادس والثلاثون وعنه قال : روى علي بن أبي حمزة ، عن علي ابن معمر ، عن أبيه ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (جاء أناس إلى الحسن (عليه السلام) فقالوا له : أرنا ما عندك من عجائب أبيك التي كان يريناها، فقال: وتؤمنون بذلك ؟ قالوا كلهم : نعم نؤمن به والله ، قال: فأحيى لهم ميتا بإذن الله تعالى فقالوا بأجمعهم: نشهد أنك ابن أمير المؤمنين حقا ، وأنه كان يرينا مثل هذا كثيرا).

من قتلوا في سبيل الله أحياء ، فكيف بأهل البيت؟

السابع والثلاثون عن كتاب النجوم‏ للسيد الجليل علي بن طاوس ، عن كتاب مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومولد الأوصياء(عليهم السلام)    تأليف الشيخ المفيد  بإسناده إلى جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (جاء الناس إلى الحسن بن علي (عليهم السلام) فقالوا : أرنا من عجائب أبيك التي كان يريناها فقال : وتؤمنون بذلك ؟ قالوا : نعم نؤمن والله بذلك ، قال : أليس تعرفون أبي ؟ قالوا : جميعا بلى نعرفه ؛ فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين (عليه السلام) قاعد فقال : تعرفونه؟ قالوا بأجمعهم : هذا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ونشهد أنك أنت ولي الله حقا والإمام من بعده ، ولقد أريتنا أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد موته كما أرى أبوك أبا بكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجد قبا بعد موته ، فقال الحسن (عليه السلام) : ويحكم أما سمعتم قول الله عز وجل ﴿ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون﴾ فإذا كان هذا نزل فيمن قتل في سبيل الله ، ما تقولون فينا؟ قالوا : آمنا وصدقنا يا ابن رسول الله).

أقول : وروى الراوندي  في الخرائج ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن محمد ، عن علي بن معمر ، عن أبيه، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام)  ما يواطيه معنى، غير أن فيما هنا زيادات لم تذكر هناك.

الحسن يعد النخلات والبسرات لمعاوية

الثامن والثلاثون وعنه قال : وجدت في جزء بخط محمد بن علي بن الحسين بن مهزيار ، ونسخه في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ، وكان على ظهر الذي نقل منه هذا الحديث ، ما هذا المراد من لفظه ، من حديث أبي الحسن ابن علي بن محمد بن عبد الوهاب: قدم علينا في سنة أربعين وثلاثمائة وأما لفظة الحديث فهو: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الأحمري المعروف بابن داهر الرازي قال : حدثني أبو جعفر محمد بن علي الصيرفي القرشي أبو سمينة قال : حدثني داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (لما صالح الحسن بن علي (عليهم السلام) معاوية جلسا بالنخيلة فقال معاوية : يا أبا محمد بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخرص النخل ، فهل عندك من ذلك علم ؟ فإن شيعتكم يزعمون أنه لا يعزب عنكم علم شيء في الأرض ولا في السماء، فقال الحسن (عليه السلام) : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخرص كيلا وأنا أخرص عددا فقال معاوية : كم في هذه النخلة من بسرة ؟ فقال الحسن (عليه السلام) : أربعة آلاف بسرة وأربع بسرات‏). قال السيد : (ووجدت قد انقطع من المختصر المذكور كلمات فوجدتها في رواية ابن عياش الجوهري هي : فأمر معاوية بها فصرمت وعدّت فجاءت أربعة آلاف بسرة وثلاث بسرات ، ثم صح الحديث بلفظها ، فقال الحسن (عليه السلام) : والله ما كذبتُ ولا كذبتَ ، فنظرنا فإذا في يد عبد الله بن عامر بن كريز بسرة ثم قال (عليه السلام) : أما والله يا معاوية لولا أنك تكفر لأخبرتك بما أعلم ، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في زمان لا يكذب وأنت تكذب وتقول : متى سمع من جده على صغر سنه ، والله لتدعن زيادا، ولتقتلن حجرا ، ويحمل إليك رأس عمرو بن الحمق).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : لما كتبت هذا الحديث ذكرت محاورة لطيفة جرت بين والدي العلام  وبين بعض أهل العلم، وهو ما حدثنا  أني لما وردت تبريز ، ونشرت فيها بعض مراتب الأئمة الطاهرين التي كان الناس عنها غافلين إلى ذلك اليوم ، ووقع من بعض القاصرين الإنكار لكثير منها ، حتى شاع الخلاف بيني وبينهم ، وآل إلى ما آل ، دخل علي يوما بعض أماثلهم من المدعين العلم - وكان الفصل فصل الصيف - ففرشت تحت شجرة كانت في دارنا ، فجلسنا ، وبينا نحن مشتغلون بالحديث إذ أقبل علي مبتدأ وقال : يا فلان ليس هنا أحد غيري وغيرك وأنا سائلك شيئا، قلت : وما هو ؟ قال : يصدقون أنك تقول إن الإمام (عليه السلام) يعلم كل شيء ، ولا يعزب عنه علم شيء، قلت : نعم، قال : وأنت تعتقد ذلك ؟ قلت : نعم ، قال: فتعجب من ذلك تعجبا شديدا ، ثم قال : فأنت تعتقد إن الإمام مثلا يعلم كم في هذه الشجرة من ثمرة ، وأشار إلى الشجرة التي كنا قاعدين تحتها، قال والدي  : فلما سمعت ذلك منه ضحكت وقلت : يا فلان ما أشبه سؤالك هذا بما جرى بين الحسن (عليه السلام) وبين معاوية قال : وإيش هو؟ فذكرت له هذا الحديث ثم قلت : وفي هذا الحديث جوابك على أبلغ وجه قال : فلما سمع ذلك مني خجل وسكت ، ولم يرد شيئا ثم مضينا فيما كنا فيه ، حتى قام وخرج.

حوّل المنكِر لهم إلى امرأة يطؤها عياله

التاسع والثلاثون مناقب ابن شهر آشوب ، عن كتاب مؤنس الحزين لمحمد الفتال النيسابوري  بالإسناد عن عيسى بن الحسن، عن الصادق (عليه السلام) قال : (قال بعضهم للحسن بن علي (عليه السلام) في احتماله الشدائد عن معاوية، فقال (عليه السلام) كلاما معناه : لو دعوت الله تعالى لجعل العراق شاما والشام عراقا، وجعل المرأة رجلا والرجل امرأة ، فقال الشامي: ومن يقدر على ذلك ؟ فقال (عليه السلام): انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال ، فوجد الرجل نفسه امرأة ، ثم قال : وصارت عيالك رجلا، وتقاربك ، وتحمل عنها ، وتلد ولدا خنثى ، فكان كما قال (عليه السلام) ، ثم إنهما تابا وجاءا إليه ، فدعا الله تعالى فعادا إلى الحالة الأولى)‏.   

يستشهد المجتبى بالرسول في علة مصالحته بمعاوية

الأربعون مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب ، عن جابر بن عبد الله  قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، فإنه قد كانت فيهم الأعاجيب ، ثم أنشأ يحدث (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة لهم وقالوا : لو صلينا فدعونا الله تعالى فأخرج لنا رجلا ممن مات نسأله عن الموت ، ففعلوا فبينا هم كذلك إذ أطلع رجل رأسه من قبر بين عينيه أثر السجود فقال : يا هؤلاء ما أردتم مني ؟ لقد مت منذ سبعين عام ، ما كان سكنت عني حرارة  الموت عني حتى كان الآن ، فادعوا الله أن يعيدني كما كنت ، قال جابر بن عبد الله : لقد رأيت وحق الله وحق رسوله من الحسن بن علي (عليهم السلام) أفضل وأعجب منها ، ومن الحسين بن علي (عليهم السلام) أفضل وأعجب منها، وأما الذي رأيته من الحسن (عليه السلام) فهو أنه لما وقع عليه من أصحابه ما وقع ، وألجأه ذلك إلى مصالحة معاوية فصالحه ، واشتد ذلك على خواص أصحابه، وكنت أحدهم ، وجئت فعذلته ، فقال : يا جابر لا تعذلني، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله إن ابني هذا سيد ، وإن الله تعالى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، فكأنه لم يشف ذلك صدري، فقلت : لعل هذا شيء يكون بعد ، وليس هذا هو الصلح مع معاوية ، فإن هذا هلاك المؤمنين وإذلالهم ، فوضع يده على صدري وقال: شككت؟ وقلت: كذا. قال : أتحب أن استشهد رسول الله الآن حتى تسمع منه؟ فعجبت من قوله إذ سمعت هذه وإذا بالأرض من تحت أرجلنا قد انشقت وإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وجعفر وحمزة (عليهم السلام) وقد خرجوا منها فوثبت فزعا مذعورا ، فقال الحسن (عليه السلام) : يا رسول الله هذا جابر قد عذلني بما عملت ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لي : يا جابر إنك لا تكون مؤمنا حتى تكون لأئمتك مسلما، ولا تكن عليهم برأيك معترضا ، سلم لابني الحسن ما فعل ، فإن الحق فيه ، فإنه دفع عن خيار المسلمين الاصطلام بما فعل ، وما كان فعله إلا عن أمر الله تعالى وأمري. فقلت : قد سلمت يا رسول الله، ثم ارتفع في الهواء هو وحمزة وجعفر وعلي فما زلت أنظر إليه حتى انفتح باب في السماء ودخلوها، ثم باب السماء الثانية إلى سبع سماوات يقدمهم سيدنا ومولانا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)).

المجتبى يري أصحاب أمير المؤمنين أبيه بعد موته.

الحادي والأربعون الخرائج بسنده ، عن سعد بن عبد الله الأشعري، عن فرات بن أحنف ، عن يحيى بن أم الطويل ، عن رشيد الهجري قال: (دخلت على أبي محمد (عليه السلام) بعد مضي أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فتذاكرنا له شوقنا إليه، فقال الحسن (عليه السلام) : أتحبون أن ترونه ؟ قلنا : نعم وأنى لنا بذلك وقد مضى بسبيله ، فضرب بيده إلى ستر كان معلقا على باب في صدر المجلس فرفعه فقال : انظروا إلى هذا البيت ، فإذا أمير المؤمنين (عليه السلام) جالس كأحسن ما رأيناه في حياته ، فقال : هو هو ، ثم خلف الستر عن يده فقال بعضنا : هذا الذي رأيناه من الحسن كالذي كنا نشاهده من دلائل أمير المؤمنين ومعجزاته عليه السلام )

أقول: هذه الواقعة غير الواقعة التي مضت فيما قبل ولذا عددناها معجزة أخرى.

معاوية وابن العاص يحاولان إحراج المجتبى فيحول الأموي لامرأة.

الثاني والأربعون وفيه روي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية : (إن الحسن ابن علي (عليهم السلام) رجل حيي ، وإنه إذا صعد المنبر ورمقوه بأبصارهم خجل وانقطع لو أذنت له ، فقال معاوية : يا أبا محمد لو صعدت المنبر ووعظتنا فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب ، وابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله، أنا ابن رسول الله ، أنا ابن نبي الله ، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين ، أنا ابن من بعث إلى الجن والإنس ، أنا ابن خير خلق الله بعد رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضائل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي ، أنا واحد سيدي شباب أهل الجنة ، أنا ابن الركن والمقام ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن المشعر وعرفات، فاغتاظ معاوية وقال: خذ في نعت الرطب ودع ذا ، فقال : الريح تنفخه ، والحر ينضجه، وبرد الليل يطيبه، ثم عاد فقال : أنا ابن الشفيع المطاع ، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة ، أنا ابن من خضعت له قريش ، أنا ابن إمام الخلق، وابن محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فخشي معاوية أن يفتتن به الناس فقال : يا أبا محمد انزل فقد كفى ما جرى ، فنزل ، فقال له معاوية : ظننت أن ستكون خليفة، وما أنت وذاك؟ فقال الحسن (عليه السلام) : إنما الخليفة من سار بكتاب الله وسنة رسول الله ، ليس الخليفة من سار بالجور وعطل السنة، واتخذ الدنيا أبا وأما، ملك ملكا متع به قليلا ، ثم تنقطع لذته وتبقى تبعته، وحضر المحفل رجل من بني أمية ، وكان شابا فأغلظ للحسن (عليه السلام) كلامه، وتجاوز الحد في السب والشتم له ولأبيه، فقال الحسن (عليه السلام) : اللهم غير ما به من النعمة واجعله أنثى ليعتبر به ، فنظر الأموي في نفسه وقد صار امرأة قد بدل الله له فرجه بفرج النساء وسقطت لحيته ، فقال الحسن (عليه السلام) : اعزبي ما لك ومحفل الرجال فإنك امرأة، ثم إن الحسن (عليه السلام) سكت ساعة ، ثم نفض ثوبه ونهض ليخرج فقال ابن العاص: اجلس فإني أسألك مسائل قال (عليه السلام) : سل عما بدا لك، قال عمرو: أخبرني عن الكرم والنجدة والمروءة، فقال: أما الكرم فالتبرع بالمعروف والإعطاء قبل السؤال ، وأما النجدة فالذب عن المحارم والصبر في المواطن عند المكاره ، وأما المروءة فحفظ الرجل دينه، وإحرازه نفسه من الدنس، وقيامه بأداء الحقوق ، وإفشاء السلام ، فخرج فعذل معاوية عمرا فقال: أفسدت أهل الشام ، فقال عمرو: إليك عني ، إن أهل الشام لم يحبوك محبة إيمان ودين ، إنما أحبوك للدنيا ، ينالونها منك ، والسيف والمال بيدك ، فما يغني عن الحسن كلامه ، ثم شاع أمر الشاب الأموي ، وأتت زوجته إلى الحسن (عليه السلام) فجعلت تبكي وتتضرع ، فرق له ودعا له فجعله الله كما كان).

الحسن يرد على الأعرابي حتى يدخل في الإسلام.

الثالث والأربعون العاشر من بحار الأنوار ، عن العدد القوية لعلي بن يوسف المطهر أخ العلامة  قال : حدث أبو يعقوب يوسف بن الجراح، عن رجاله ، عن حذيفة بن اليمان قال : ( بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جبل أظنه حري أو غيره ، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي (عليه السلام) وجماعة من المهاجرين والأنصار ، وأنس حاضر لهذا الحديث ، وحذيفة يحدث به، إذ أقبل الحسن بن علي (عليهم السلام) يمشي على هدوء ووقار ، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : إن جبرئيل يهديه ، وميكائيل يسدده ، وهو ولدي، والطاهر من نفسي ، وضلع من أضلاعي ، هذا سبطي ، وقرة عيني ، بأبي هو ، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقمنا معه وهو يقول له : أنت تفاحتي ، وأنت حبيبي ومهجة قلبي ، وأخذ بيده فمشى معه ، ونحن نمشي ، حتى جلس وجلسنا حوله ننظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو لا يرفع بصره عنه ، ثم قال : أما إنه سيكون بعدي هاديا مهديا ، هذا هدية من رب العالمين لي ينبئ عني ، ويعرف الناس آثاري ، ويحيي سنتي ، ويتولى أموري في فعله، ينظر الله إليه فيرحمه ، رحم الله من عرف له ذلك ، وبرني فيه ، وأكرمني فيه ، فما قطع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلامه حتى أقبل إلينا أعرابي يجر هراوة له، فلما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه قال : قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم وإنه يسألكم من أمور ، ألا أن لكلامه جفوة ، فجاء الأعرابي فلم يسلم وقال: أيكم محمد؟ قلنا : وما تريد؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مهلا ، فقال : يا محمد لقد كنت أبغضك ، ولم أرك والآن فقد ازددت لك بغضا ، قال : فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وغضبنا لذلك ، وأردنا بالأعرابي إرادة ، فأومأ إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن اسكتوا فقال الأعرابي : يا محمد إنك تزعم أنك نبي وإنك قد كذبت على الأنبياء وما معك من برهانك شيء، قال له : يا أعرابي وما يدريك ؟ قال: فخبرني ببرهانك، قال: إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي فيكون ذلك أوكد لبرهاني ، قال: أو يتكلم العضو ! قال: نعم ، يا حسن قم، فازدرى الأعرابي نفسه وقال: هو ما يأتي ويقيم صبيا ليكلمني، قال: إنك ستجده عالما بما تريد، فابتدره الحسن (عليه السلام)  وقال: مهلا يا أعرابي

مـــا غبـيــا سألــت وابــن غبــي

بــل فقـيــها إذن وأنـت الجهول‏

فـإن تك قد جهلت فإن عندي

شفـاء الجهــل ما سـأل السؤول‏

وبـحــرا لا تقــســمــه الــدوالي

تــراثـــا كــان أورثــه الرســـول‏

لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك، وخادعت نفسك، غير أنك لا تبرح حتى تؤمن إن شاء الله، فتبسم الأعرابي وقال: هيه، فقال له الحسن (عليه السلام) : نعم اجتمعتم في نادي قومك وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهل وخرق منكم، فزعمتم أن محمدا صنبور والعرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثأره، وزعمت أنك قاتله، وكاف في قومك مؤونته، فحملت نفسك على ذلك وقد أخذت قناتك بيدك تؤمه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك وعمي عليك بصرك وأبيت إلا ذلك، فأتيتنا خوفا من أن يشتهر، وإنك إنما جئت بخير يراد بك، أنبئك عن سفرك، خرجت في ليلة ضحياء إذ عصفت ريح شديدة اشتد منها ظلماؤها وأطلت سماؤها وأعصر سحابها، فبقيت محرنجما كالأشقر، إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر، لا تسمع لواطئ حسا، ولا لنافخ نار جرسا، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها فلا تهتدي بنجم طالع ولا بعلم لامع، تقطع محجة وتهبط لجة في ديمومة قفر بعيدة القعر، مجحفة بالسفر إذا علوت مصعدا ازددت بعدا، الريح تخطفك، والشوك تخبطك في ريح عاصف، وبرق خاطف ، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها ، فأبصرت فإذا أنت عندنا، فقرت عينك، وظهر رينك، وذهب أنينك، قال: من أين قلت يا غلام هذا ؟ كأنك كشفت عن سويد قلبي، ولقد كنت كأنك شاهدتني وما خفي عليك شيء من أمري وكأنه علم الغيب، فقال له: ما الإسلام؟ فقال الحسن (عليه السلام) : الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فأسلم وحسن إسلامه، وعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا من القرآن، فقال: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأعرفهم ذلك، فأذن له فانصرف ورجع ومعه جماعة من قومه فدخلوا في الإسلام، فكان الناس إذا نظروا إلى الحسن (عليه السلام) قالوا : لقد أعطي ما لم يعط أحد من الناس).

أقول وعن ثاقب المناقب لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن محمد الطوسي المشهدي  عن الباقر عن آبائه (عليهم السلام) وعن حذيفة مثله بأيسر اختلاف في اللفظ دون المعنى.

الأسود صاحب الدهن يطلب من المجتبى ابنًا ذكرًا محبًا لهم

الرابع والأربعون الكافي عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي بن النعمان ، عن صندل ، عن أبي أسامة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (خرج الحسن بن علي (عليه السلام) إلى مكة سنة ماشيا فورمت قدماه ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت لسكن عنك هذا الورم، فقال: كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتر منه ولا تماكسه، فقال له مولاه : بأبي أنت وأمي ما قدامنا منزلا فيه أحد يبيع هذا الدواء؟ فقال له : بلى إنه أمامك دون المنزل، فسارا ميلا فإذا هو بالأسود ، فقال الحسن (عليه السلام) لمولاه : دونك الرجل فخذ منه الدهن وأعطه الثمن ، فقال الأسود: يا غلام لمن أردت هذا الدهن ؟ فقال : للحسن بن علي (عليه السلام) ، فقال: انطلق بي إليه ، فانطلق فأدخله إليه فقال له: بأبي أنت وأمي ، لم أعلم أنك تحتاج إلى هذا أوترى ذلك ولست آخذ له ثمنا ، إنما أنا مولاك ، ولكن ادع الله أن يرزقني ذكرا سويا يحبكم أهل البيت ، فإني خلفت أهلي فإذا هي تمخض، فقال : انطلق إلى منزلك فقد وهب الله لك ذكرا سويا وهو من شيعتنا).

أقول : وروى هذا الحديث السيد التوبلي  في مدينة المعاجز عن عيون المعجزات ، بمغايرة في الجملة في بعض الألفاظ ، وذكر أنه قال (وروى أن ذلك المولود السيد إسماعيل بن محمد الحميري شاعر أهل البيت (عليهم السلام)).

يدعو النخلة اليابسة فتخضر وتحمل رطباً.

الخامس والأربعون بصائر الدرجات للصفار قال : حدثنا الهيثم النهدي، عن إسماعيل بن مروان ، عن عبد الله الكناسي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (خرج الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) في بعض عمره ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته ، قال : فنزلوا في منهل من تلك المناهل تحت نخل يابس ، فقد يبس من العطش ، قال : ففرش للحسن تحت نخلة وفرش للزبيري بحذائه تحت نخلة أخرى ، قال : فقال الزبيري ورفع رأسه : لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه، قال: فقال له الحسن : وإنك لتشتهي الرطب؟ فقال الزبيري : نعم ، فرفع الحسن (عليه السلام) يده إلى السماء ، فدعا بكلام لم يفهمه الزبيري ، فاخضرت النخلة ثم صارت إلى حالها ، فأورقت وحملت رطبا, قال: فقال له الجمال الذي اكتروا منه : سحر والله ، قال : فقال له الحسن : ويلك ليس بسحر، ولكن دعوة ابن نبي مجابة ، قال : فصعدوا إلى النخلة حتى يصرموا مما كان فيها فكفاهم) .

تضيء السماء ببرقة للحسن حتى يصل لأمه.

السادس والأربعون مدينة المعاجز ، عن السمعاني في كتاب فضائل الصحابة بإسناده ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال: (كان الحسن (عليه السلام) عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يحبه حبا شديدا فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : اذهب إلى أمك ، فقلت: أذهب معه؟ قال : لا ، فجاءت برقة من السماء فمشى في ضوئها حتى وصل إلى أمه)

أُخرس الرجل لعزمه على نقل الخبر بعكس ما رأى

السابع والأربعون وفيه عن ثاقب المناقب عن علي بن رئاب قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يحدث عن الحسن بن علي (عليهم السلام) : أنه أتى آت الحسن بن علي (عليهم السلام) فقال : ما أعجز عنه موسى من مساءلة الخضر (عليهم السلام)، فقال : من الكنز الأعظم، ثم ضرب بيده على منكب الرجل فقال : أريك آية ، ثم ركض ما بين يديه فانفلق عن إنسانين على صخرة يرتفع منهما بخار أشد نتنا من الخبال، وفي عنق كل واحد منهما سلسلة وشيطان مقرون به ، وهما يقولان : يا محمد يا محمد ، والشيطانان يردان عليهما : كذبتما ، ثم قال : انطبقي عليهما إلى الوقت المعلوم الذي لا يقدم ولا يؤخر ، وهو خروج القائم المنتظر (عج) فقال الرجل : سحر ، ثم ولى وهو يريد أن يخبر بضد ذلك ، فخرس لسانه ، ولم يقدر ينطق).

نطق المجتبى وهو ابن شهور للرد على أبي سفيان.

الثامن والأربعون مناقب ابن شهر آشوب ، عن محمد بن إسحاق بالإسناد قال : (جاء أبو سفيان إلى علي (عليه السلام) فقال : يا أبا الحسن جئتك في حاجة، قال: وفيم جئتني ؟ قال : تمشي معي إلى ابن عمك محمد فتسأله أن يعقد لنا عقدا ويكتب لنا كتابا ، فقال : يا أبا سفيان لقد عقد لك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عقدا لا يرجع عنه أبدا ، وكانت فاطمة من وراء الستر والحسن (عليه السلام) يدرج بين يديها وهو طفل من أبناء أربعة عشر شهرا ، فقال لها : يا بنت محمد قولي لهذا الطفل يكلم لي جده فيسود بكلامه العرب والعجم ، فأقبل الحسن (عليه السلام) إلى أبي سفيان وضرب إحدى يديه على أنفه والأخرى على لحيته ثم أنطقه الله عز وجل بأن قال : يا أبا سفيان قل لا إله إلا الله محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)حتى أكون شفيعا فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : الحمد لله الذي جعل في آل محمد من ذرية محمد المصطفى نظير يحيى بن زكريا وآتيناه الحكم صبيا).

يعلم بأمر داره ويدعو على ابن زياد

التاسع والأربعون: وفيه عن أبي حمزة الثمالي عن زين العابدين (عليه السلام) قال: (كان الحسن بن علي جالسا فأتاه آت فقال : يا ابن رسول الله قد احترقت دارك ، قال : لا، ما احترقت ، إذ أتاه آت فقال : يا ابن رسول الله قد وقعت النار في دار إلى جنب دارك حتى ما شككنا أنها ستحرق دارك ، ثم إن الله صرفها عنها ، قال : واستغاث الناس من زياد إلى الحسن بن علي (عليهم السلام) فرفع يده وقال : اللهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه وأرنا فيه نكالا عاجلا إنك على كل شيء قدير ، قال : فخرج خراج في إبهام يمينه يقال لها السلعة وورم إلى عنقه فمات‏).

حول الشامي المستهزئ إلى امرأة وزوجته إلى رجل.

الخمسون: مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب لأبي جعفر محمد بن علي المهدي قال : (وجدت في بعض كتب أصحابنا الثقاة (عليهم السلام) أن رجلا من أهل الشام أتى الحسن (عليه السلام) ومعه زوجته فقال : يا ابن أبي تراب - وذكر بعد ذلك كلاما نزهت عن ذكره - إن كنتم في دعواكم صادقين، فحولني امرأة وحول امرأتي رجلا - كالمستهزئ في كلامه - فغضب ونظر إليه وحرك شفتيه ودعا بما لم نفهمه ثم نظر إليهما وأحد النظر ، فرجع الشامي إلى نفسه وأطرق ووضع يده على وجهه ثم ولى مسرعا ، وأقبلت امرأته وقالت : إني صرت رجلا ، وذهبا حينا من الزمان ثم عادا إليه وقد ولد لهما مولود وتضرعا إلى الحسن (عليه السلام) تائبين ومعتذرين مما فرطا فيه وطلبا منه انقلابهما إلى حالهما الأول ، فأجابهما إلى ذلك ورفع يديه وقال : اللهم إن كانا صادقين في توبتهما فتب عليهما وحولهما إلى ما كانا عليه ، فرجعا إلى ذلك)

يعلم بطريقة استشهاده قبل حين.

الحادي والخمسون وفيه عن الكتاب المذكور ، عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : (إن الحسن بن علي (عليهم السلام) قال لولده عبد الله: إذا كان في عامنا هذا يدفع إلي هذا الطاغي جارية تسمى أنيس ، فتسمني بسم قد جعله الطاغي تحت فص خاتمها ، قال له عبد الله : فلم لا تقتلها قبل ذلك؟ قال : يا بني جف القلم وأبرم الأمر بعقد فلا حل لعقد الله المبرم ، فلما كان في العام القابل أهدي إليه جارية اسمها أنيس، فلما دخلت عليه ضرب بيده على منكبها ثم قال : يا أنيس دخلت النار بما تحت فص خاتمك).

يعلم بم تحمل الظبية وصفته.

الثاني والخمسون وفيه عن دلائل الإمامة للطبري  ، عن سليمان بن إبراهيم الضبي قال : حدثنا زيد بن كامل ، عن أبي نوفل محمد بن نوفل العبدي قال : (شهدت الحسن بن علي (عليه السلام) وقد أتي بظبية فقال: هي حبلى بخشفين أنثيين ، أحدهما في عينها عيب  ، فذبحناها فوجدناهما كذلك).  

لم يقدر أحد على صنع ما يفعله

الثالث والخمسون وفيه عن الكتاب المذكور ، عن إسماعيل بن جعفر ابن كثير قال : حدثنا محمد بن محرز بن يعلى ، عن أبي أيوب الواقدي، عن محمد بن هامان قال : (رأيت الحسن بن علي (عليهم السلام) ينادي الحيات فتجيبه ويلفها على يده وعنقه ويرسلها ، قال : فقال رجل من ولد عمر : أنا أفعل ذلك ، فأخذ حية فلفها على يده فهزمته حتى مات).

علم المجتبى بالمال الذي سيبعثه معاوية.

الرابع والخمسون الخرائج قال: روي عن الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) أن الحسن (عليه السلام) قال يوما لأخيه الحسين (عليه السلام) ولعبد الله بن جعفر: (إن معاوية بعث إليكم بجوائزكم ، وهي تصل إليكم يوم كذا لمستهل الهلال - وقد أضاقا- فوصلت في الساعة التي ذكرها لما كان رأس الهلال ، فلما وافاهم المال كان على الحسن (عليه السلام) دين كثير ، فقضاه مما بعثه إليه وفضلت فضلة ففرقها في أهل بيته ومواليه ، وقضى الحسين (عليه السلام) أيضا دينه وقسم ثلث ما بقي في أهل بيته ومواليه وحمل الباقي إلى عياله ، وأما عبد الله فقضى دينه وما فضل دفعه إلى الرسول ليتعرف معاوية من الرسول ما فعلوا ، فبعث إلى عبد الله أموالا حسنة).

الرسول يطعم الحسن والحسين صلوات الله عليهم من فاكهة الجنة.

الخامس والخمسون عن المناقب المائة لمحمد بن أحمد بن شاذان المسمى بإيضاح دفائن النواصب ، عن زاذان ، عن سلمان الفارسي قال: (أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلمت عليه ، ثم دخلت على فاطمة (عليه السلام) فسلمت عليها فقالت : يا أبا عبد الله هذان الحسن والحسين جائعان يبكيان فخذ بأيديهما فاخرج بهما إلى جدهما ، فأخذت بأيديهما فحملتهما حتى أتيت بهما إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما لكما يا حبيبي ؟ قالا : نشتهي طعاما يا رسول الله ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللهم أطعمهما  ثلاثا ، قال : فنظرت فإذا سفرجلة في يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شبيهة بقلة من قلال هجر ، أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ففركها (صلى الله عليه وآله وسلم) بإبهامه فصيرها نصفين ثم دفع إلى الحسن نصفها وإلى الحسين نصفها ، فجعلت أنظر إلى النصفين في أيديهما وأنا أشتهيها فقال لي : يا سلمان أتشتهيها ؟ فقلت : نعم ، قال: يا سلمان هذا طعام من الجنة لا يأكله أحد حتى ينجو من النار و الحساب وإنك لعلى خير ).

علّم الرسول عليا علمه كله

السادس والخمسون البصائر عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب، عن عبد الغفار الحارثي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الحسن ابن علي (عليهم السلام) كان عنده رجلان فقال لأحدهما: إنك حدثت البارحة فلانا بحديث كذا وكذا ، فقال الرجل الآخر: إنه ليعلم ما كان وعجب من ذلك ، فقال (عليه السلام): إنا لنعلم ما يجري بالليل والنهار ، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحلال والحرام والتنزيل والتأويل ، فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) علمه كله).

المدعي على الحسن كذبًا مات بحلفه.

السابع والخمسون مناقب ابن شهر آشوب قال : ادعى رجل على الحسن ابن علي (عليهم السلام) ألف دينار كذبا ولم يكن له عليه ، فذهبا إلى شريح فقال للحسن: أتحلف ؟ قال : إن حلف خصمي أعطيه ، فقال شريح للرجل : قل بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ، فقال الحسن (عليه السلام) : لا أريد مثل هذا ، لكن قل بالله إن لك علي هذا وخذ الألف ، فقال الرجل ذلك وأخذ الدنانير ، فلما قام خر إلى الأرض ومات ، فسئل الحسن عن ذلك فقال : خشيت أنه لو تكلم بالتوحيد يغفر له يمينه ببركة التوحيد ويحجب عنه عقوبة يمينه). 

المجتبى يرد  على عائشة.

الثامن والخمسون الهداية للحسين بن حمدان قال : حدثني علي بن الحسين المقري بالكوفة ، عن محمد بن حليم التمار ، عن المخول بن إبراهيم ، عن زيد بن كثير الجمحي ، عن يوسف بن ظبيان ، عن المفضل ابن عمر الجعفي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام) قال: ( لما قدم أبو محمد الحسن بن علي (عليهم السلام) من الكوفة ، تلقاه أهل المدينة معزين بأمير المؤمنين (عليه السلام) ومهنين بالقدوم ، ودخلت عليه أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت عائشة : والله يا أبا محمد ما فقد جدك إلا حيث فقد أبوك ، ولقد قلت - يوم قام عندنا ناعيه - : ولا صدقت فيه وما كذبت ، فقال لها الحسن (عليه السلام) : عسى هو تمثلك بقول لبيد بن ربيعة حيث يقول :

فبشرتها فاستعجلت عن خمارها

وقــد تستخـف المعجــلين البشائـر

وأخبرها الركبــان أن ليــس بينـهـا

وبين قرى نجـران والشــام كافــر

فألقــت عصاها واستقر بها النوى

كـمــا قــر عيـنــا بالإيــاب المسافــر

ثم أتبعت الشعر بقولك : أما إذا قتل علي فقولوا للعرب تعمل ما تشاء. فقالت له : يا ابن فاطمة حذوت حذو جدك وأبيك في علم الغيب، من الذي أخبرك بهذا عني ؟ فقال لها : ما هذا غيب لأنك أظهرتيه وسمع منك، والغيب نبشك عن جرد أخضر في وسط بيتك ليلا بلا قبس ، وضربك بالحديدة كفك حتى صار جرحا ، وإلا فاكشفي وأريه من حولك من النساء، ثم إخراجك الجرد وفيه ما جمعته من خيانة، وأخذت منه أربعين دينارا عددا لا تعلمين ما وزنها ، وتفريقك لها في مبغضي أمير المؤمنين من تيم وعدي شكرا لقتل أمير المؤمنين  فقالت : يا حسن والله لقد كان ما قلته، فلله ابن هند لقد شفى وأشفاني ، فقالت لها أم سلمة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ويحك يا عائشة ما هذا منك بعجب ، وإني لأشهد عليك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي وأنت حاضرة وأم أيمن وميمونة : يا أم سلمة كيف تجديني في نفسك؟ فقلت: يا رسول الله أجدك قريبا ولا أبلغه وصفا. فقال : كيف تجدين عليا في نفسك؟ فقلت: لا يتقدمك يا رسول الله ولا يتأخر عنك وأنتما في نفسي بالسواء. فقال : شكر الله لك ذلك يا أم سلمة ، فلو لم يكن علي في نفسك مثلي فيها لبرئت منك في الآخرة ، ولم ينفعك قربي منك في الدنيا، فقلت أنت لرسول الله: وكذا كل أزواجك يا رسول الله ؟ فقال : لا، فقلت : لا والله ما أجد لعلي في نفسي موضعا قربتنا فيه أو بعدتنا. فقال لك : حسبك يا عائشة ، فقالت:يا أم سلمة يمضي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويمضي علي ويمضي الحسن مسموما ويمضي الحسين مقتولا كما أخبرك جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال لها الحسن (عليه السلام) : فما أخبرك جدي رسول الله بأي موتة تموتين وإلى ماذا تصيرين ؟ قالت له: ما أخبرني إلا بخير ، فقال الحسن (عليه السلام) : والله لقد أخبرني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنك تموتين بالداء الدبيلة وهي ميتة أهل النار ، وأنك تصيرين أنت وحزبك إلى النار ، فقالت : يا حسن ومتى؟ فقال الحسن (عليه السلام) : حيث أخبرك بعداوتك عليا أمير المؤمنين وإنشائك حربا تخرجين فيها عن بيتكمتأمرة على جمل أحمر ممسوخ من مردة الجن يقال له بكير ، وأنك تسفكين دم خمسة وعشرين ألف رجل من المؤمنين الذين يزعمون أنك أمهم ، قالت له : جدك أخبرك بذلك أم هذا من علم غيبك؟ قال لها : بل من علم غيب الله ورسوله وعلم أمير المؤمنين ، قال: فأعرضت عنه بوجهها وقالت : في نفسها والله لأصدقن بأربعين دينارا ونهضت ، فقال لها الحسن (عليه السلام): والله لو تصدقت بأربعين قنطارا ما كان ثوابك عليها إلا النار).

الحسن يفي بوعد الرسول للأعرابي.

التاسع والخمسون عن ثاقب المناقب قال : روى أبو محمد الإدريس، عن حمزة بن داود الديلمي ، عن يعقوب بن يزيد الأنباري ، عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر ، عن حبيب الأحول ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس قال : (لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجلس أبو بكر مكانهونادى في الناس: ألا من كان له على رسول الله عدة أو دين فليأت أبا بكر وليأت معه بشاهدين ، ونادى علي (عليه السلام) بذلك على الإطلاق من غير طلب شاهدين ، فجاء إعرابي ملثم متقلد سيفه متنكب كنانته وفرسه لا يرى منه إلا حافره - وساق الحديث ولم يذكر الاسم ولا القبيلة - وكان ما وعده مائة ناقة حمراء بأزمتها ، وأثقالها موقرة ذهبا وفضة بعبيدها، فلما ذهب سلمان بالأعرابي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له حين بصر به : مرحبا بطالب عدة والده من رسول الله، فقال: وما وعد أبي فداك أبي وأمي يا أبا الحسن ؟ قال: إن أباك قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : أنا رجل مطاع في قومي ، إن دعوتهم إلى الإسلام  أجابوك ، وإني ضعيف الحال ، فما تجعل لي إن دعوتهم إلى الإسلام فأسلموا ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة ؟ قال : وما عليك أن تجمعهما لي يا رسول الله وقد جمعهما الله لأناس كثيرة ، فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : أجمع لك خير الدنيا والآخرة ، فأما في الآخرة فأنت رفيقي في الجنة وأما في الدنيا فما تريد ؟ فقال : مائة ناقة حمر بأزمتها وعبيدها موقرة ذهبا وفضة ، ثم قال : وإن دعوتهم فأجابوني وقضى علي الموت ولم ألقك فتدفع ذلك إلى ولدي ؟ قال : نعم ، فقال أبوك : فإن أتيتك وقد رفعك الله ولم أدركك يكون من بعدك من يقوم عنك فيدفع ذلك إلي أو إلى ولدي؟ قال : نعم على أني لا أراك ولا تراني في دار الدنيا بعد يومي هذا ، وسيجيبك قومك فإذا حضرتك الوفاة فليصر ولدك إلى وليي من بعدي ووصيي، وقد مضى أبوك ودعا قومه فأجابوه، وأمرك بالمصير إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو إلى وصيه ، وها أنا وصيه ومنجز وعده، فقال الإعرابي : صدقت يا أبا الحسن ، فكتب له على خرقة بيضاء وناولها الحسن (عليه السلام) وقال : يا أبا محمد سر بهذا الرجل إلى واد العقيق، وسلم على أهله ، واقذف الخرقة ، وانتظر ساعة حتى ترى ما يفعل ، فإن دفع إليك شيء فادفعه إلى الرجل، ومضيا بالكتاب ، قال ابن عباس: فسرت من حيث لم يرني أحد فلما أشرف الحسن بن علي (عليه السلام) على الوادي ونادى بأعلى صوته : السلام عليكم أيها السكان البررة الأتقياء، أنا ابن وصي رسول الله ، أنا الحسن ابن علي سبط رسول الله ورسوله إليكم، وقد قذف الخرقة في الوادي فسمعت من ذلك الوادي صوتا : لبيك لبيك يا سبط رسول الله وابن البتول وابن سيد الأوصياء ، سمعنا وأطعنا ، انتظر لندفع إليك فبينا أنا كذلك إذ ظهر غلام ولم أدر من أين ظهر وبيده زمام ناقة حمراء يتبعها ستة ولم يزل يخرج غلامبعد غلام في يد كل غلام قطار حتى عددت مائة ناقة حمراء بأزمتها وأحمالها، فقال الحسن (عليه السلام) خذ بزمام نوقك وعبيدك ومالك وامض بها يرحمك الله).

أقول هذه الواقعة كما تعد إعجازا لأمير المؤمنين (عليه السلام) كذلك إعجازا للحسن (عليه السلام) ولما أوردنا خبرا من أخبار النوق في معاجز أمير المؤمنين (عليه السلام) أوردنا هذا الخبر في معجزات الحسن (عليه السلام).

أمر الحسن ورفض عائشة له بعد موته

الستون: الكافي محمد بن الحسن وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لما احتضر الحسن بن علي صلوات الله عليهما قال للحسين (عليه السلام) : يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها، فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأحدث به عهدا ، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة (عليه السلام)، ثم ردني فادفني بالبقيع ، واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعداوتها لنا أهل البيت ، فلما قبض الحسن (عليه السلام) وضع على سريره وانطلق به إلى مصلى رسول الله الذي كان يصلي فيه على الجنائز ، فصلى على الحسن (عليه السلام) فلما أن صُلي عليه حُمل فأُدخل المسجد ، فلما أوقف على قبر رسول الله بلغ عائشة الخبر وقيل لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي (عليهم السلام) ليدفن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجا - فوقفت فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي فإنه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حجابه ، فقال لها الحسين بن علي صلوات الله عليهما : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قربه،  وإن الله سائلك عن ذلك ، يا عائشة إن أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليحدث به عهدا ، واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستره ، لأن الله تبارك وتعالى يقول ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم﴾  وقد أدخلت أنت بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الرجال بغير إذنه، وقد قال الله عز وجل:﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي﴾ ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المعاول، وقال الله عز وجل ﴿إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى﴾‏ ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقربهما منه الأذى وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء ، وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه صلوات الله عليهما جائزا فيما بيننا وبين الله لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك، قال: ثم تكلم محمد بن الحنفية وقال: يا عائشة يوما على بغل ويوما على جمل فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم، قال : فأقبلت عليه فقالت : يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك ؟ فقال لها الحسين : وأنى تبعدين محمدا من الفواطم، فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر ، قال : فقالت عائشة للحسين (عليه السلام) : نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون، قال:فمضى الحسين (عليه السلام) إلى قبر أمه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع). 

تعجب وتأسف وتحسر

أقول : إن أمر أم المؤمنين هذه وأمر أبيها عجيب فإن أباها أخذ فدكا من فاطمة (عليه السلام) بدعوى أن النبي قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ، ثم تأتي ابنته من بعده وتقول : نحوا ابنكم عن بيتي ، وما أدري أي الحديثين أكذب، فإن قال قائل : لعلها إنما قالت ذلك نظرا إلى حقها من سبيل كونها من جملة المسلمين لا من جهة التوارث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قلنا : هذا مع أن ظاهر الواقعة تأباه ويعطي الخصم حجة أقوى من سابقها،  وهي أن الموضع إذا كان لجميع المسلمين، فقد دفن أبوها وفاروقه فيه بغير حق قطعا ضرورة عدم تحقق الإذن من جميع المسلمين في ذلك وكيف لا وكثير منهم كانوا متفرقين في البلاد والبراري والقفار بحيث لا يمكن تحصيل الإذن من كل واحد منهم ولو أتى على ذلك سنون فكيف مجال الدفن الذي ما كان إلا عشية أو ضحاها والحاضرون أيضا ، وإن كان الاستئذان منهم ممكنا في الجملة ، أعني بعد الإعراض عن بعض المداقات الفلسفية بل والشرعية ، غير أنه لم يعهد ولم ينقله أحد مع كونه من الوقائع التي تقضي العادة بنقلها لنقلهم ما هو أهون منها كثيرا ، فكيف بها هذا وفي المسلمين من كان لا يرضى بمشيهما على ظهر الأرض ، فكيف يرضى هو بدفنهما في بطنها ، ولا سيما إذا كان له فيها حق الاستئذان على أي نحو أخذ غير ممكن الحصول جدا ، واحتمال تمليك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) البيت لهما في حياته من الاحتمالات السفسطية التي لا يعتمد على أمثالها أهل العقول السليمة؛ لكون الدواعي قائمة على شيوعه ونقله ، وإذ ليس فالظن لا يغني من الحق شيئا فكيف بالوهم الخارق للعادة ، نعم الاعتماد على أمثال هذا الاحتمال يجوز إذا كان ما يلزم من خلافه أمرا قطعي البطلان ، والمقام ليس منه والمدعى مصادرة إذ ليس هنا إلا حمل قول المسلم على الصحة ، وهو في إقامة الحجة على الشيعة كما ترى ، فإنهم يدعون في حقهما غصب الخلافة النبوية التي هي تالي النبوة والربوبية ، وكذا أخذ فدك من الزهراء (عليه السلام) بغير حق ، فكيف بتجويز غصب حفرة صغيرة من الأرض ، وبالجملة الأمر أوضح من أن يستره ثوب الأعذار ، ولكن القوم أبوا إلا العكوف على ما كان يعبد آبائهم :

كم ذا تموه بالسبعين والعلم

والأمر أوضح من نار على علم

أراك تسأل عن نجد وأنت بها

وعن تهامة هذا فعل متهم

ثم العجب من أبناء هذه الأم أنهم ينقمون على الشيعة قولهم في حقها ويتمسكون في ذلك بكونها ضجيعة رسول الله وصاحبته ، ولا يدرون أن هذا هي حجة الشيعة عليهم ضرورة أن القرب السببي إن كان ما يوجب الكريم في حق المسابب ، فالقرب النسبي أولى بذلك قطعا ، وهذه الأم لم تترك حرمة لأهل بيت هذا الرسول التي تشرفت بسببه حتى تجازى بمثلها في حق نفسها ، فكيف ترجو من الشيعة مراعاة حرمة ذلك الانتساب العارضي الذي لم ينفع في حق امرأة نوح وامرأة لوط، لعدم حصول شرائطه فيهما في حقها ، وقد ثبت في الشريعة النبوية أن من أحدث في الحرم أقيم عليه الحد فيه ، ولا تراعى حرمة الحرم في حقه لهتكه هو نفسه لهذا الحجاب ، وفتحه على نفسه هذا الباب وحديث التوبة دعوى محضة لا مستند لها من النقل، بل الثابت من النقل استبدال الجمل بالبغل ، وهو دليل الإصرار على الحوبة ، فليت شعري متى وقعت هذه التوبة إن هذا إلا اختلاق حينئذ ، فلا لوم على ابن الحجاج البغدادي  في قوله حيث يقول:

يا بنت أبي بكر لا كان ولا كنت

تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت‏

لك التسع من الثمن وبالكل تملكت‏

وقد أخذ مضمون الثاني من قول محمد بن الحنفية المذكور في هذا الحديث، وفي بعض الروايات أن القائل كان ابن عباس ومضمون الثالث من قول فضال بن الحسن بن فضال في محاجته مع أبي حنيفة وهي مشهورة نقلها كثير من أهل النقل منهم الطبرسي في الاحتجاج وغيره في غيره ، وهذا ورأيت في مناقب ابن شهر آشوب مثل هذه الأبيات منسوبة إلى الصقر البصري وهي:

ويوم الحسن الهادي على بغلك أسرعت

ومايست ومانعت وخاصمت وقاتلت‏

وفي بيت رسول الله بالظلم تحكمت‏

هل الزوجة أولى بالمواريث من البنت؟

لك التسع من الثمن فبالكل تحكمت‏

تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت

تبصرة: في تحريم دخول الجنب والحائض مشاهد الأئمة

ثم إن في قول الحسين (عليه السلام) : ( إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء) بعد ذكر الآيات المذكورة بملاحظة ما رواه الصفار في البصائر بسنده عن بكر بن محمد قال : (خرجنا من المدينة نريد منزل أبي عبد الله (عليه السلام)، فلحقنا أبو بصير خارجا من زقاق وهو جنب ، ونحن لا نعلم حتى دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) قال : فرفع رأسه إلى أبي بصير فقال : يا أبا محمد أما تعلم أنه لا ينبغي لجنب أن يدخل بيوت الأنبياء والأوصياء، قال : فرجع أبو بصير ودخلنا).  

وما رواه الراوندي في الخرائج ، عن جابر الجعفي ، عن زين العابدين (عليه السلام) قال : ( أقبل أعرابي إلى المدينة ليختبر الحسين (عليه السلام) لما ذكر له من دلائله فلما صار بقرب المدينة خضخض ودخل على الحسين (عليه السلام) ، فقال له أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) : يا أعرابي أما تستحيي تدخل إلى إمامك وأنت جنب،  فأنتم معاشر العرب إذا خلوتم خضخضتم ، فقال الأعرابي : قد بلغت حاجتي فيما جئت فيه ، فخرج من عنده واغتسل ورجع إليه ، فسأله عما كان في قلبه). دلالة ظاهرة على عدم جواز دخول الجنب مشاهد الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ، مع اعتضاده باستقباح العقول السليمة له كقبح الظلم وحسن الإحسان ، ويشاركه في هذا الاستقباح دخول الحائض ، على أنه لو تدبر متدبر وتأمل متأمل وجد هذه المسألة مما قامت عليها الضرورة ؛ بحيث كل من لم يسبقه شبهة إذا سئل عن ذلك حكم بالحرمة من غير تأمل ، فلا تحتاج إلى دليل آخر سمعي ، فالذي يسمع من بعض فقهاء العصر من تجويزه ذلك للجنب والحائض استنادا إلى عدم دخول تلك المشاهد في عنوان المسجد وعدم وجود دليل آخر على الحرمة فيها بالخصوص ناش من كمال الجهل والغباوة وضعف التحصيل بل الاجتراء على الله ورسوله وأوليائه، عصمنا الله من الخطإ والخطل في القول والعمل وليت شعري ما الذي دعا أمثال هؤلاء إلى التصدي بمنصب الإفتاء حتى يوقعهم في أمثال هذه العثرات التي لا تقال ويسخر منهم حتى المخدرات في الحجال.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

 

 

 

 

 

 

باب معجزات الإمام الهمام سيد الكونين إمام المشرقين

أبي عبد الله الحسين عليه السلام

والعدد يبنى على السابق

الله يرد أجنحة دردائيل ومقامه ببركة الحسين عليه السلام

الحادي والستون كمال الدين قال حدثنا محمد بن علي ماجيلويه  قال: حدثني عمي محمد أبو القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي قال: حدثني محمد بن علي القرشي قال: حدثني أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا جرير عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: قال ابن عباس سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ( إن لله تبارك وتعالى ملكا يقال له دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح و الجناح هواء والهواء كما بين السماء والأرض فجعل يوما يقول في نفسه أفوق ربنا جل جلاله شيء فعلم الله تبارك وتعالى ما قاله فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح ثم أوحى الله عز وجل إليه أن طر فطار مقدار خمسمائة عاما فلم ينل رأس قائمة من قوام العرش فلما علم الله عز وجل أتعابه أوحى إليه أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كل عظيم وليس فوقي شيء ولا أوصف بمكان فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة، فلما ولد الحسين بن علي (عليه السلام) وكان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحى الله جل جلاله إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران على أهلها كرامة مولود ولد لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأوحى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان وطيبها كرامة مولود ولد لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في دار الدنيا، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى الحور العين أن تزين وتزاورن لكرامة مولود ولد لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)  في دار الدنيا، وأوحى الله عز وجل إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح والتقديس والتمجيد والتكبير لكرامة مولود ولد لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في دار الدنيا، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل (عليه السلام) أن اهبط إلى نبيي محمد في ألف قبيل والقبيل ألف ألف من الملائكة على خيول بلق مسرجة ملجمة عليها قباب الدر والياقوت ومعهم ملائكة يقال لهم الروحانيون بأيديهم أطباق من النور أن هنئوا محمدا لمولوده وأخبره يا جبرئيل أني قد سميته الحسين وهنئه وعزه وقل له: يا محمد يقتله شرار أمتك على شرار الدواب فويل للقاتل وويل للسائق وويل للقائد قاتل الحسين أنا منه برئ وهو مني برئ لأنه لا يأتي أحد يوم القيامة إلا وقاتل الحسين (عليه السلام) أعظم جرما منه، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر والنار أشوق إلى قاتل الحسين (عليه السلام) ممن أطاع الله إلى الجنة قال فبينا جبرئيل (عليه السلام) ينزل من السماء إلى الأرض إذ مر بدردائيل فقال له دردائيل : يا جبرئيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدنيا ؟ قال: لا ولكن ولد لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مولود في دار الدنيا وقد بعثني الله عز وجل إليه لأهنئه بمولوده ، فقال الملك : يا جبرئيل بالذي خلقك وخلقني إذا هبطت إلى محمد فأقرئه مني السلام وقل له بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت الله ربك عز وجل أن يرضى عني فيرد علي أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة ، فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهنأه كما أمره الله عز وجل وعزاه فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  تقتله أمتي فقال له نعم يا محمد فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)] ما هؤلاء بأمتي أنا منهم بريء والله عز وجل بريء منهم قال جبرئيل وأنا بريء منهم يا محمد، فدخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على فاطمة (عليه السلام)  فهنأها وعزاها فبكت فاطمة (عليه السلام) وقالت : يا ليتني لم ألده قاتل الحسين في النار، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : وأنا أشهد بذلك يا فاطمة ولكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام يكون منه الأئمة الهادية بعده، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : والأئمة بعدي الهادي علي والمهتدي الحسن والناصر الحسين والمنصور علي بن الحسين والشافع محمد بن علي والنفاع جعفر بن محمد والأمين موسى بن جعفر والرضا علي بن موسى والفعال محمد بن علي والمؤتمن علي بن محمد والعلام الحسن بن علي ومن يصلي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام)  القائم (عج)    فسكتت فاطمة (عليه السلام) من البكاء، ثم أخبر جبرئيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقصة الملك وما أصيب به قال ابن عباس فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  الحسين (عليه السلام)  وهو ملفوف في قطعة من صوف فأشار به إلى السماء ثم قال اللهم بحق هذا المولود عليك لا بل بحقك عليه وعلى جده محمد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إن كان للحسين بن علي بن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل ورد عليه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة فاستجاب الله دعاءه وغفر للملك[ورد عليه أجنحته ورده إلى صفوف الملائكة  فالملك لا يعرف في الجنة إلا بأن يقال هذا مولى الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) .

أقول: إن الملائكة الملتجئين إلى الحسين (عليه السلام) كثيرة منهم دردائيل المذكور ومنهم صلصائيل وتأتي قصته إن شاء الله تعالى في أواخر الكتاب في ضمن خبر ومنهم فطرس وقصته مذكورة في البصائر للصفار ومستطرفات السرائر لابن إدريس والخرائج للراوندي وفي غيرها من الكتب ونحن نكتفي بالذي ذكرناه.

الحمى تهرب من الحسين عليه السلام

الثاني والستون الكشي في رجاله قال وجدت في كتاب محمد بن شاذان بن نعيم بخطه ، روى عن حمران بن أعين، أنه قال : ( سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يحدث عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) مريضا شديد الحمى ، فعاده الحسين بن علي (عليه السلام) فلما دخل من باب الدار طارت الحمى عن الرجل ، فقال له: قد رضيت بما أوتيتم به حقا حقا والحمى تهرب منكم، فقال له الحسين ((عليه السلام): والله ما خلق الله شيئا إلا وقد أمره بالطاعة لنا ، ثم نادى  يا كباسة، قال: فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول لبيك ، قال : أليس أمير المؤمنين أمرك ألا تقربي إلا عدوا أو مذنبا لكي تكون كفارة لذنوبه ، فما بال هذا وكان  الرجل  المريض عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي).

أقول: وفي مناقب ابن شهر آشوب عن زرارة بن أعين عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) مثله بأيسر مغايرة في اللفظ دون المعنى.

الحسين عليه السلام ينطق الرضيع للشهادة

الثالث والستون مناقب ابن شهر آشوب عن صفوان بن مهران قال:  سمعت الصادق (عليه السلام) يقول : ( رجلان اختصما في زمن الحسين (عليه السلام) في امرأة وولدها فقال: هذا لي، وقال: هذا لي، فمر بهما الحسين (عليه السلام) فقال: لهما فيما تمرجان؟ قال أحدهما: إن الامرأة لي، وقال الآخر: إن الولد لي، فقال للمدعي الأول: اقعد، فقعد وكان الغلام رضيعا فقال الحسين (عليه السلام):يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك الله سترك، فقالت: هذا زوجي والولد له ولا أعرف هذا، فقال (عليه السلام): يا غلام ما تقول هذه؟ أنطق بإذن الله تعالى، فقال له: ما أنا لهذا ولا لهذا وما أبي إلا راع لآل فلان، فأمر (عليه السلام) برجمها، قال جعفر (عليه السلام): فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها).

أهل البيت عليهم السلام أعطوا أكثر مما أعطي سليمان

الرابع والستون وفيه عن الأصبغ بن نباتة قال: (سألت الحسين (عليه السلام) فقلت: سيدي أسألك عن شيء أنا به موقن وإنه من سر الله وأنت المسرور إليه ذلك السر ،  فقال : يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  لأبي دون يوم  مسجد قبا ؟ قال : هذا الذي أردت، قال: قم فإذا أنا وهو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتد إلي بصري فتبسم في وجهي، فقال: يا أصبغ إن سليمان بن داود أعطي الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأنا قد أعطيت أكثر مما أعطي سليمان، فقلت: صدقت والله يا ابن رسول الله، فقال: نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه وليس عند أحد من خلقه ما عندنا لأنا أهل سر الله، فتبسم في وجهي ثم قال: نحن آل الله وورثة رسوله فقلت الحمد لله على ذلك، ثم قال لي: ادخل، فدخلت فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محتب في المحراب بردائه فنظرت فإذا أنا بأمير المؤمنين قابض على تلابيب الأعسر فرأيت رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) يعض على الأنامل وهو يقول بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك عليكم لعنة الله ولعنتي) الخبر  .

تحقيق في إراءة الحسين أمير المؤمنين للأصبغ

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: قد مضى في معجزات أمير المؤمنين (عليه السلام) حكاية مسجد قبا وربما يتوهم من لا مسكة له في المعرفة ولم يعض على العلم بضرس قاطع أن الحسين (عليه السلام) أرى الأصبغ صورة شبيهة بما وقع في الزمان الماضي وهو جهل بحقائق الحكمة، وإنما أراه (عليه السلام) عين ما وقع بمكانه وزمانه، وبيان هذا الحرف أن الأمور الواقعة في هذا العالم كلما وقع منها شيء في وقت مخصوص وزمان كذلك أثبته الحفظة من الله تعالى في لوح ذلك الوقت وذلك المكان فإذا انتقل السائر في بحر الزمان إلى ما بعد ذلك الوقت انتقل ذلك الأمر الواقع بالنسبة إليه إلى عالم الغيب فلا يراه ببصره الجسماني لانحصار بصره بالحدود الزمانية ولما كانت نفسه غير محصورة بتلك الحدود فهي كلما التفتت بمرآة خيالها التي هي بصرها الغيبي إلى مكان ذلك الأمر ووقته وجدته على ما رآه الشخص ببصره حين الوقوع، وهذا أمر وجداني يجده كل ناظر من نفسه، فإذا رأى زيداً مثلاً يصلي في مكان يوم الخميس ثم انتقل عنه إلى يوم الجمعة وما بعده فإنه كلما التفت بخياله إلى ذلك المكان وذلك اليوم وجده فيهما يصلي تلك الصلاة بعينها وهذا المرئي من زيد مثاله العملي الذي كان قد يلبس به حين الاشتغال به وهو متعلق بزيد دائماً تعلق الظل للشاخص وليس هذا المرئي أمراً قد انتقش في مرآة خياله حين الرؤية مع فناء ما في الخارج وإلا لما احتاج في تذكره إلى الالتفات إلى خارج الذهن فافهم، وهذا الكتاب هو الذي أشار تعالى إليه في قوله عن موسى حين قال له فرعون ﴿فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى‏ قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى‏﴾ الآية، وفي قوله في جواب منكري البعث ﴿قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ﴾ وفي قوله ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْي الْمَوْتى‏ ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ وكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ﴾ وفي قوله ﴿وكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ على أحد المعاني إلى غير ذلك من الآيات وهو الذي يؤتى المرء يوم القيامة بيمينه أو بشماله فيقول: ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ومنه يعرف معنى حشر العاملين متلبسين بالأعمال التي عملوها في الدنيا ومعنى حشر الأيام والليالي والأمكنة وشهادتها للعاملين وكذا شهادة الجوارح فافهم، فالأمور الماضية كلها باقية محفوظة على ما هي عليه في مكانها ووقتها المخصوص في عالم المثال الأسفل الذي هو من ظل عالم الأجسام ولا يمحوها انتقال الأجسام وسيرها في الأجزاء الزمانية كما ترى وهو سر تخلد أهل الجنة في النعيم وأهل النار في العذاب الأليم لكون أعمالهم دائمية إلا أن يتوب شخص عما عمل من السوء فتنقطع النسبة بينه وبينه ويلحق العمل بأصله، هو يخرج عن الإيمان فتنقطع النسبة بينه وبين أعماله الحسنة كذلك، فافهم هذه الحكم المضنون بها عن الأغيار، وهذا النحو من الرؤية أعني الرؤية بالبصر النفساني أمر مبذول لا يفتقر إلى تصرف إعجازي من صاحب معجز وإنما يفتقر إليه الرؤية الجسمانية فإذا أراد صاحب المعجز أن يري من يريد شيئاً من هذه الأمور بالبصر الجسماني كشف عن بصره بفاصل لطيفة الغطاء الطاري له من الأكدار الدنيوية فجعل بصره حديداً يرى بعينه الجسمانية ما في عالم الغيب كما يرى بعينه النفسانية ما في عالم الشهادة لارتفاع الغرائب من البين، وكون ظاهره بحكم الباطن وباطنه بحكم الظاهر فيرى بتلك العين ذلك الأمر الواقع بحقيقته في وقته ومكانه لا بصورة أجنبية شبيهة به، ومن هذا القبيل ما رآه الأصبغ من واقعة مسجد قبا ويمكن أن يقع مثل هذه المعاينة بالنسبة إلى الأمور الآتية ولا يضره عدم وقوعها بعد بالنسبة إلى الحال الحاضر فإنها عند عالم الملكوت من قسم ما كان فلا انتظار فيه بالنسبة إلى الحوادث الزمانية لتعالي رتبته عن تلك التدرجات، فهو مع الأول في الأول ومع الآخر في الآخر يحيط بجميعها بنظر واحد فإذا حصل للعين الجسمانية اللطافة الروحانية الملكوتية صارت بحكم المشاعر الغيبية وارتفع عندها التدريج الزماني، فترى أول الزمان وآخره بنظر واحد من غير انتظار كما رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة المعراج مع كون معراجه جسمانياً وصلى فيه صلاة الظهر مع كون سيره واقعاً في الليل، ورأى أهل الجنة في النعيم وأهل النار في العذاب الأليم مع كونهم لم يدخلوهما بعد ظاهراً، والأصل في ذلك كله ما أشرنا إليه من كون الجسد إذا تلطف وزالت عنه الأكدار العارضة له من جهة الإنية صار بحكم الروح الملكوتي وفعل فعله بغير واسطة مع بقائه على الجسدية، كما أن الروح الملكوتي إذا تلطف وزالت عنه الأكوار صار بحكم الجسد وفعله بغير واسطة مع بقائه على الروحية فلا يبقى فرق بين الروح والجسد في الحكم والأفعال والآثار فافهم وتبصّر ولا تصغ إلى خرافات المتكلفين فإنها عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض، هذا وقد يتصرف صاحب المعجز في المرئي فيجذب ما يريد إظهاره من الأمور الواقعة أو الآتية إلى عالم الشهود الحسي فيراه الناظر مجسماً عنده من غير تصرف في عينه بل بإعطاء ذلك الأمر لباساً شهودياً كسائر الأمور الحاضرة المشهودة، ومن هذا الباب رد أمير المؤمنين (عليه السلام) وقت العصر الذي قد كان مضى إلى عالم الغيب المثالي وإقامة الصلاة فيه أداء لا قضاء كما زعمه بعض القاصرين فهو مثل إعادة ذلك الوقت يوم القيامة كما حكمت به الشريعة الحقة من حشر الأيام في يوم الميعاد بعينها، فتفهم واستقم فقد والله أسمعناك تغريد ورقاء الجنان على الأفنان بفنون الألحان جزى الله من أوقفنا عليه بأنوار بياناته الشافية وتعليماته الوافية خير الجزاء وما أنسب بالمقام ما قال صاحب الشذور في حق العلم المكتوم:

أبا جعفــر خــذها إليـك يتيمــة

تــودع لــوقا أن يورثهــا قسطــا

ولــكننــي لما وجدتــك أهلـهــا

سمحـت بها لفظـاً وأثبتها خطا

الحسين عليه السلام يحيي المرأة لتوصي بوصيتها

الخامس والستون الخرائج روى عن أبي خالد الكابلي عن يحيى بن أم الطويل ( قال كنا عند الحسين (عليه السلام) إذ دخل عليه شاب يبكي  فقال له  الحسين (عليه السلام)  : ما يبكيك قال : إن والدتي توفيت في هذه الساعة ولم توص ولها مال وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئا حتى أعلمك خبرها، فقال الحسين (عليه السلام): قوموا معي حتى نصير إلى هذه الحرة، فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي توفيت فيه المرأة مسجاة فأشرف على البيت ودعا الله ليحييها حتى توصي بما تحب من وصيتها، فأحياها الله وإذا المرأة جلست وهي تتشهد ثم نظرت إلى الحسين (عليه السلام) فقالت: ادخل البيت يا مولاي ومرني بأمرك، فدخل وجلس على مخدة ثم قال: لها وصي يرحمك الله، فقالت: يا ابن رسول الله إن لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك والثلثان لابني هذا إن علمت أنه من مواليك وأوليائك وإن كان مخالفا فخذه إليك فلا حق للمخالفين في أموال المؤمنين، ثم سألته أن يصلي عليها وأن يتولى أمرها ثم صارت المرأة ميتة كما كانت).

الحسين  يري جابر بن عبدالله رسول الله وأمير المؤمنين والحسن

السادس والستون عن ثاقب المناقب عن جابر بن عبدالله وهو من تتمة الحديث الذي مضى في معجزات الحسن (عليه السلام) وهو الحديث الأربعون من هذا الجزء قال: (لما عزم الحسين بن علي (عليهم السلام) على الخروج إلى العراق أتيته فقلت له: أنت ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحد سبطيه لا أرى إلا أنك تصالح كما صالح أخوك فإنه كان موفقاً رشيداً، فقال: يا جابر قد فعل ذلك أخي بأمر الله تعالى وأمر رسوله وإني أيضا أفعل  بأمر الله تعالى وأمر رسوله، أتريد أن استشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلياً وأخي الحسن (عليهم السلام) بذلك الآن؟ ثم نظرت فإذا السماء قد انفتحت بابها وإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن وحمزة وجعفر وزيد نازلين منها حتى استقروا على الأرض، فوثبت فزعاً مذعوراً فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):يا جابر ألم أقل لك في أمر الحسن قبل الحسين أنك لا تكون مؤمناً حتى تكون لأئمتك مسلّماً ولا تكون معترضاً، أتريد أن ترى مقعد معاوية ومقعد الحسين ابني ومقعد يزيد قاتله؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال فضرب برجله الأرض وانشقت وظهر بحر فانفلق ثم ظهرت أرض فانشقت وهكذا انشقت سبع أرضين وانفلقت سبعة أبحر ورأيت من تحت ذلك كله النار وقد قرن في سلسلة الوليد بن المغيرة وأبوجهل ومعاوية الطاغية] ويزيد وقرن بهم مردة الشياطين فهم أشد أهل النار عذابا،ً ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ارفع رأسك، فرفعت فإذا أبواب السماء مفتحة وإذا الجنة أعلاها ثم صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه إلى السماء فلما صار في الهواء صاح بالحسين (عليه السلام): يا بني الحقني، فلحقه الحسين (عليه السلام) وصعدوا حتى رأيتهم دخلوا الجنة من أعلاها ثم نظر إليّ من هناك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبض على يد الحسين (عليه السلام) وقال: يا جابر هذا ولدي معي هاهنا فسلّم له أمره ولا تشك لتكون مؤمناً، قال جابر: فعميت عيناي إن لم أكن رأيت ما قلت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)). 

الحسين عليه السلام يناجي الله وهو يجيبه

السابع والستون المناقب لابن شهر آشوب عن عيون المحاسن: (أن الحسين (عليه السلام)  ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثم قال: اذهب عني، قال أنس: فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا:

يـــا رب يــا رب أنـــت  مــولاه

فـارحم عبيدا إليك ملجاه‏

يــا ذا  المعــالي عليك  معتمدي

طـوبى لمن كنت  أنت  مولاه‏

طــوبـى  لمن كان  خادمــا أرقــا

يشكو إلى ذي الجلال  بلواه‏

ومــا  بـــه  عـــلـــة  ولا ســـقـــم

أكــثــر مــن حــبــه لمـــولاه‏

إذا اشــتــكــى بــثــه وغــصـته

أجــــابــه الله ثـــــم لــــبــــاه‏

إذا ابــتــلي  بــالــظــلام  مبتهلا

أكـــرمــــه  الله  ثـــــم أدنــــاه‏

فنودي:

لبــيــك عبــدي أنـت في كنـفي

وكلــما قــلــت قــد عــلــمناه‏

صوتــك تــشــتــاقـه ملائكتي

فحسبـك الصوت قد سمعناه‏

دعاك عندي يجول في حجب

فحسبك الستــر قــد سفـرنـاه‏

لــو هبــت الــريــح في جــوانبه

خـــر صريــعـــا لمــا تــغــشــاه‏

سـلــني بــلا رغبــة  ولا رهــب

ولا حــسـاب إنـــي أنــــا الله

أقول قال المجلسي : قوله لو هبت الريح من جوانبه الضمير إما راجع إلى الدعاء كناية عن أنه يجول في مقام لو كان مكانه رجل لغشي عليه مما يغشاه من أنوار الجلال ويحتمل إرجاعه إليه (عليه السلام) على سبيل الالتفات لبيان غاية خضوعه وولهه في العبادة بحيث لو تحركت ريح لأسقطته ، انتهى كلامه زيد مقامه.

ولا يخلو كلا الوجهين عن بعد وتكلف والذي يجول في خاطري أنه من أبيات مناجاة الحسين (عليه السلام) وقد اختلط بالجواب من خلط الناقلين، وإن صح كونه من أبيات الجواب فالأولى أن يقال الضمير راجع إلى العبد في قوله لبيك عبدي وتوصيف لحاله في الضعف والنحول من كثرة العبادة والخوف من الله فكأنه قال: لبيك عبدي الذي هذا حاله والله أعلم.

الحسين عليه السلام يخبر أنه لو يشاء لقاتل الأعداء بالملائكة

الثامن والستون كتاب اللهوف للسيد الجليل علي بن طاوس  قدس سره المأنوس عن   وروى أبو جعفر  محمد بن جرير الطبري الإمامي في كتاب دلائل الإمامة قال :حدثنا أبو محمد سفيان بن وكيع عن أبيه وكيع عن الأعمش قال: قال أبو محمد الواقدي وزرارة بن خلج (لقينا الحسين بن علي (عليه السلام) قبل أن يخرج إلى العراق  بثلاث  فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله عز وجل، فقال: لولا تقارب الأشياء وهبوط الأجل لقاتلتهم بهؤلاء ولكن أعلم علما أن هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي لا ينجو منهم إلا ولدي علي (عليه السلام)) .

أفواج الملائكة والجن تطلب الرخصة من الحسين لتنصره

التاسع والستون وفيه وذكر المفيد محمد بن محمد بن النعمان  في كتاب مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومولد الأوصياء صلوات الله عليهم بإسناده إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: (لما سار أبو عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليه من مكة  ليدخل المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة  فسلموا عليه وقالوا  :يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنا في مواطن كثيرة وإن الله أمدك بنا، فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء فإذا وردتها فأتوني ، فقالوا: يا حجة الله إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك، فقال : لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي، وأتته أفواج من مؤمني الجن فقالوا له : يا مولانا نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بما تشاء فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزاهم خيرا وقال لهم أما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى‏ مَضاجِعِهِمْ﴾ فإذا أقمت في مكاني فبماذا يمتحن هذا الخلق المتعوس وبماذا يختبرون ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحى الأرض وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا تقبل أعمالهم وصلواتهم ويجاب دعاؤهم وتسكن إليها شيعتنا فتكون لهم أمانا في الدنيا وفي الآخرة، ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشوراء الذي في آخره أقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخواني وأهل بيتي ويسار برأسي إلى يزيد بن معاوية لعنهما الله، فقالت الجن: نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك، فقال لهم (عليه السلام): ونحن والله أقدر عليهم منكم ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة).     

أقول وفي كتاب الهداية للحسين بن حمدان الخصيبي عن الصادق (عليه السلام) مثله إلى قوله «ونحن والله أقدر عليهم منكم».

الحسين يخبر أم سلمة بما قاله لها رسول الله

السبعون الهداية للحسين بن حمدان بحذف الإسناد عن الباقر (عليه السلام) قال: (لما أراد الحسين بن علي (عليهم السلام) الخروج إلى العراق بعثت إليه أم سلمة وهي التي كانت ربته وكان أحب الناس إليها وكانت أرق الناس عليه وكانت تربة الحسين (عليه السلام) عندها في قارورة مختومة دفعها إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لها: إذا خرج ابني الحسين (عليه السلام) إلى العراق فاجعلي هذه القارورة نصب عينيك فإذا استحالت التربة في القارورة دماً فاعلمي أن ابني الحسين قد قتل، فقالت له: أذكرك الله أن تخرج إلى العراق، فقال لها: ولم يا أم سلمة؟ قالت: سمعت رسول الله يقول يقتل ابني الحسين بالعراق وعندي يا بني تربتك قي قارورة مختومة دفعها إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال لها: يا أماه إني مقتول لا محالة فأين أفر من القتل وهو المقدر والقضاء المحتوم والأمر الواجب من الله عز وجل؟ فقالت واعجبا وأنّي تذهب وأنت مقتول؟ قال: يا أماه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدًا وإن لم أذهب غدًا ذهبت بعد غد وما من الموت يا أمه والله بد ، وإني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه والساعة التي أقتل فيها والحفرة التي أدفن فيها وأعرف قاتلي ومحاربي والمجلب عليّ والسائق والقائد والمحرض ومن هوى قتلي ومن يحضره ومن يقتل معي من أهل بيتي وشيعتي رجلاً رجلاً وأحصيهم عدداً وأعرفهم بأعيانهم وأسمائهم وقبائلهم وعشائرهم كما أعرفك فإن أحببت أن أريك مضجعي ومكاني، فقالت: قد شئت فما زاد على أن قال بسم الله الرحمن الرحيم فخفضت له الأرض حتى أراها مضجعه ومكانه ومكان أصحابه وأعطاها من تلك التربة التي كانت عندها. قال ثم خرج الحسين (عليه السلام) وقال لها : يا أمه إني لمقتول يوم عاشورا وكانت أم سلمة تعيد الأيام وتسأل عن يوم عاشوراء فلما كانت تلك الليلة التي في صبيحتها قتل الحسين (عليه السلام) أتاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منامها أشعثاً مغبراً باكياً فقال : قد دفنت الحسين (عليه السلام) وأصحابه الساعة فانتبهت أم سلمة فصرخت بأعلى صوتها فاجتمع إليها أهل المدينة، فقالوا: ما أتاك وما الذي دهاك؟ قالت: قتل الحسين بن علي (عليه السلام)، قالوا لها: ما أعلمك؟ قالت : أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شعثاً مغبراً باكياً فقال : قد دفنت الحسين (عليه السلام) وأصحابه فقالوا: أضغاث أحلام ، فقالت: مكانكم فإنّ عندي تربة الحسين (عليه السلام)، فأخرجت إليهم القارورة فإذا هي دم عبيط فحسبوا الأيام فإذا الحسين (عليه السلام) قد قتل في ذلك اليوم).

يقول مصنف هذا الكتاب: وروي في مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب بزيادة ونقيصة في الجملة ما يوافقه معنىوكذا الراوندي في الخرائج مختصراً، وقال المجلسي  في العاشر من البحار (ووجدت في بعض الكتب أنه (عليه السلام) لما عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة  فقالت: يا بني لا تحزني بخروجك إلى العراق فإني سمعت جدك يقول يقتل ولدي الحسين (عليه السلام) بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء، فقال لها: يا أماه وأنا والله أعلم ذلك وإني مقتول لا محالة وليس لي من هذا بد وإني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه وأعرف من يقتلني وأعرف البقعة التي أدفن فيها وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي، ثم أشار (عليه السلام) إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا وسلمت أمره إلى الله فقال لها: يا أماه قد شاء الله عز وجل أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا) وفي رواية أخرى قالت أم سلمة: (وعندي تربة دفعها إلي جدك في قارورة، فقال: والله إني مقتول كذلك وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا، ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إياها وقال اجعليها مع قارورة جدي فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت).‏

الحسين عليه السلام يري بعض أصحابه أمير المؤمنين عليه السلام

الحادي والسبعون الخرائج عن بصائر سعد بن عبد الله الأشعري عن مولانا الباقر عن أبيه (عليهم السلام) أنه قال: (صار جماعة من الناس بعد الحسن (عليه السلام) إلى الحسين (عليه السلام) فقالوا : يا ابن رسول الله ما عندك من عجائب أبيك التي كان يريناها؟ فقال: هل تعرفون أبي ؟ قالوا : كلنا نعرفه، فرفع [له] سترا كان على باب بيت ثم قال انظروا في البيت فنظرنا  فقالوا: هذا أمير المؤمنين ونشهد أنك خليفة الله حقا وأنك ولده) .

رأس الحسين عليه السلام يقرأ القرآن

الثاني والسبعون كتاب المسلسلات لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري قال: حدثنا أبو المفضل فيما أجازه لي قال: حدثني علي ابن أحمد بن سعيد الصفار قال: حدثني أبو القسم المفضل بن جعفر بن محمد التميمي بدمشق قال: حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد العسقلاني بطبرية قال: حدثني علي بن هارون الأنصاري، عن محمد بن أحمد المصري، عن صالح، عن معاذ بن أسد الخراساني، عن المفضل بن موسى الشيباني، عن الأعمش عن سلمة بن كهيل قال: (رأيت رأس الحسين (عليه السلام) على القنا وهو  يقرأ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اْللهُ وَهُوَ اْلسَّمِيعُ اْلعَلِيمُ﴾ قال علي بن أحمد بن سعيد قلت للمفضل بن جعفر: الله إنك سمعته من محمد بن أحمد العسقلاني ؟ فقال لي: الله لقد سمعته منه وقلت له: الله إنك سمعت ذاك من محمد بن هارون؟ فقال لي: الله لقد سمعته منه، وقلت له: الله إنك سمعته من محمد بن أحمد المصري؟ فقال لي: الله لقد سمعته منه، وقلت له: الله لقد سمعته من صالح؟ فقال لي: الله لقد سمعته منه، وقلت له: الله لقد سمعته من معاذ بن أسد؟ فقال لي: الله لقد سمعته منه، وقلت له: الله لقد سمعته من المفضل بن موسى؟ فقال لي: الله لقد سمعته منه، وقلت له: الله لقد سمعته من سلمة بن كهيل؟ فقال لي: الله لقد سمعته منه، وقلت له: الله لقد سمعته من رأس الحسين بن علي(عليهم السلام) ؟ فقال لي: الله لقد سمعته و الرأس بباب الفراديس بدمشق  وهو يقرأ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اْللهُ وَهُوَ اْلسَّمِيعُ اْلعَلِيمُ﴾ قال أبو المفضل فقلت لعلي بن أحمد: الله شاهد عليك لقد سمعته من المفضل بن جعفر، فقال لي: الله لقد سمعته منه وسألته بمثل ما سألتني، قال لقد سمعته من محمد ابن أحمد فأخبرني به على ما حكيته)  .

رأس الحسين عليه السلام يقرأ سورة الكهف

الثالث والسبعون عن دلائل الطبري الإمامي وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمد بن همام ، قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثنا أحمد بن الحسين الهاشمي قدم علينا من مصر قال: حدثني القاسم بن منصور الهمداني بدمشق، عن عبد الله بن محمد التميمي، عن سعد بن أبي طيران(خيران) عن الحرث بن وكيدة قال: (كنت فيمن حمل رأس الحسين (عليه السلام) فسمعته يقرأ سورة الكهف فجعلت أشك في نفسي وأنا أسمع نغمة أبي عبد الله فقال لي يا ابن وكيدة أما علمت إنا معشر الأئمة أحياء عند ربنا نرزق فقلت في نفسي أسرق رأسه فناداني يا ابن وكيدة ليس لك إلى ذلك سبيل سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييرهم رأسي فذرهم فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون).

حديث آخر مثله

الخامس والسبعون مقتل أبي مخنف لوط بن يحيى آل ازدي، عن سهل الشهرزوري قال: (أقبلت في تلك السنة من الحج فدخلت الكوفة فرأيت الأسواق معطلة والدكاكين مقفلة والناس ما بين باك وضاحك، فدنوت إلى شيخ منهم وقلت: ما لي أرى الناس بين باك وضاحك ألكم عيد لست أعرفه؟ فأخذ بيدي وعدل بي عن الناس  ثم بكى الشيخ بكاءً عالياً وقال: سيدي ما لنا عيد ولكن بكاؤهم والله من أجل عسكرين أحدهما ظافر والآخر مقتول، فقلت: ومن هذان العسكران؟ فقال: عسكر الحسين (عليه السلام) مقتول وعسكر ابن زياد الملعون ظافر، ثم بكى بكاءً عالياً ثم قال: واحرق قلباه وفي هذه الساعة يدخل عليكم كريم الحسين (عليه السلام)، قال سهل: فما استتم حتى سمعت البوقات تضرب والرايات تخفق وإذا بالعسكر قد دخل الكوفة وسمعت صيحة عظيمة وإذا برأس الحسين (عليه السلام) يلوح والنور يسطع منه فخنقتني العبرة لما رأيته، ثم أقبلت السبايا يقدمهم علي بن الحسين (عليه السلام) ثم أقبلت من بعده أم كلثوم وعليها برقع خز أدكن وهي تنادي: يا أهل الكوفة غضوا أبصاركم عنا أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهن عرايا، قال: فوقفوا بباب بني خزيمة والرأس على قناة طويلة وهو يقرأ سورة الكهف إلى أن بلغ ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ والرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً﴾قال سهل: فبكيت وقلت: يا ابن رسول الله رأسك أعجب، ثم وقعت مغشياً عليّ فلم أفق حتى ختم السورة).

رأس الحسين يجيب قارئ القرآن

السادس والسبعون الخرائج عن المنهال بن عمرو قال: (أنا والله رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتى بلغ قوله ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ والرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً﴾ فأنطق الله الرأس بلسان فصيح ذرب ذلق فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي).

رأس الحسين عليه السلام يقرأ سورة الكهف أيضا

السابع والسبعون مناقب ابن شهر آشوب وروى أبو مخنف عن الشعبي (أنه صلب رأس الحسين (عليه السلام) بالصيارف في الكوفة فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وزِدْناهُمْ هُدىً﴾ فلم يزدهم ذلك إلا ضلالاوفي أثر أنهم لما صلبوا رأسه على الشجرة سمع منه ﴿وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ وسمع أيضا صوته بدمشق يقول لا قوة إلا بالله وسمع أيضا يقرأ ﴿أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ والرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً﴾ فقال زيد بن أرقم أمرك أعجب يا ابن رسول الله). 

أقول : وروى هذا الأخير المفيد في الإرشاد وأبو مخنف في المقتل واللفظ للأول قال ( إنه لما أصبح عبيد الله بن زياد اللعين المردود بعث برأس الحسين (عليه السلام) فدير به في سكك الكوفة كلها وقبائلها، فروي عن زيد بن أرقم أنه قال: مر به علي وهو على رأس رمح وأنا في غرفة فلما حاذاني سمعته يقرأ ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ والرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً﴾ فوقف والله شعري وناديت: رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب). 

رأس الحسين يقرأ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

الثامن والسبعون مقتل أبي مخنف  (أن ابن زياد دعا بخولى الأصبحي لعنه الله وقال: خذ هذا الرأس حتى أسألك عنه، فأخذه وانطلق به إلى منزله وكان له زوجتان أحدهما مضرية والأخرى تغلبية فدخل به على المضرية وقال لها: خذي هذا الرأس، فقالت له :  وما هذا الرأس؟ فقال: هذا رأس الحسين (عليه السلام) ،  فقالت له: ارجع به ، ثم إنها أخذت عموداً وأوجعته ضرباً وقالت له: والله ما أنا لك بزوجة وما أنت لي ببعل، فانصرف عنها ومضى إلى التغلبية، فقالت له: ما هذا الرأس/ فقال لعنه الله: هذا رأس خارجي خرج بأرض العراق فقتله عبيدالله بن زياد ، فقالت: وما اسمه؟ فأبى أن يعلمها ثم تركه عندها وبات لعنه الله تعالى، قالت امرأته: سمعت الرأس يقرأ إلى طلوع الفجر وكان آخر قراءته ﴿وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾ ثم سمعت حوله دوياً كدوي الرعد فعلمت أنه تسبيح الملائكة).

الطرماح يرى جمع من الأنبياء يقدمهم رسول الله يزورون الحسين

التاسع والسبعون وفيه قال الطرماح بن عدي : (كنت في القتلى وقد وقع في جراحات ولو حلفت لكنت صادقاً أني كنت غير نائم إذ أقبل عشرون فارساً عليهم ثياب بيض يفوح منه المسك والعنبر فقلت في نفسي: هذا عبيد الله بن زياد (لعنه الله) قد أقبل يطلب جثة الحسين (عليه السلام) ليمثّل بها فجاؤوا حتى صاروا قريباً منه فتقدم رجل إلى جثة الحسين (عليه السلام) وأجلسه قريباً منه فأومى بيده إلى الكوفة وإذا بالرأس قد أقبل فركبه على الجسد فعاد مثل ما كان بقدرة الله تعالى وهو يقول « يا ولدي قتلوك.. أتراهم ما عرفوك.. ومن شرب الماء منعوك.. وما أشد جرأتهم على الله تعالى » ثم التفت إلى من كان عنده فقال: يا أبي إبراهيم ويا أبي آدم ويا أبي إسماعيل ويا أخي موسى ويا أخي عيسى أما ترون ما صنعت الطغاة بولدي لا أنالهم الله شفاعتي، فتأملته فإذا هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: إن كلام الرأس الشريف وتلاوته للقرآن في مواضع عديدة مما قد ملأ بطون كتب السير والأخبار، والسر في ذلك ما أشرنا إليه فيما سبق من أن أجسامهم (عليهم السلام) من غاية لطافتها في حكم الأرواح تنطق وتشعر وتعقل بنفسها ولا يعوقها عن ذلك بعض العوارض اللاحقة لها بالعرض لاستهلاكها في جنب نورية أصل الجسد فلذا كانوا يصعدون إلى السماء ويمشون في الماء ويطوون الأرض ولا تعيقهم العوارض عن ذلك، ولقد أجاد بعض السادة المعاصرين أولاه الله رضوانه حيث قال مخاطباً للحسين روحي له الفداء بالفارسية:

كي برسنان تلاوت قرآن كند سرى

بيدار كهف ملك توئي ديكران رقود

ثم إن الذي يظهر من الأخبار أنه (عليه السلام) أكثر ما كان يقرأ سورة الكهف ولعله للإيماء إلى أن بين حاله وبين أهل الكهف مناسبة تامة والسر في ذلك أن أصحاب الكهف التأويلي هم أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ورقودهم في الكهف بعد فرارهم من الملك الجائر الكافر عبارة عن قتلهم وانزوائهم وغيبتهم عن رؤساء أعداء الدين إلى أجل معلوم والتفصيل محل آخر.

أمير المؤمنين يأتي بصورة الأسد ليزور الحسين عليه السلام

الثمانون منتخب الطريحي  قال :حكي عن رجل أسدي قال:(كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر -عسكر بني أمية- فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلا بعضها، منها: أنه إذا هبت الرياح تمر علي نفحات كنفحات المسك والعنبر إذا سكنت أرى نجوما تنزل من السماء إلى الأرض ويرقى من الأرض إلى السماء مثلها وأنا منفرد مع عيالي ولا أرى أحدا أسأله عن ذلك، وعند غروب الشمس يقبل أسد من القبلة فأولي عنه إلى منزلي فإذا أصبح وطلعت الشمس وذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهبا فقلت في نفسي: إن هؤلاء خوارج قد خرجوا على عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم وأرى منهم ما لم أره من سائر القتلى فوالله هذه الليلة لا بد من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا، فلما صار عند غروب الشمس وإذا به أقبل فحققته وإذا هو هائل المنظر فارتعدت منه وخطر ببالي إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني وأنا أحاكي نفسي بهذا، فمثلته وهو يتخطى القتلى حتى وقف على جسد كأنه الشمس إذا طلعت فبرك عليه فقلت يأكل منه وإذا به يمرغ وجهه عليه وهو يهمهم ويدمدم فقلت: الله أكبر ما هذه إلا أعجوبة، فجعلت أحرسه حتى اعتكر الظلام وإذا بشموع معلقة ملأت الأرض وإذا ببكاء ونحيب ولطم مفجع فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض ففهمت من ناع فيهم يقول: واحسيناه واإماماه، فاقشعر جلدي فقربت من الباكي وأقسمت عليه بالله وبرسوله من تكون؟ فقالوا: إنا نساء من الجن، فقلت: وما شأنكن؟ فقلن: في كل يوم وليلة هذا عزاؤنا على الحسين الذبيح العطشان، فقلت: هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟ قلن: نعم، أتعرف هذا الأسد؟ قلت: لا، قلن: هذا أبوه علي بن أبي طالب، فرجعت ودموعي تجري على خدي‏).

الحسين عليه السلام يخبر عن خروج عمر بن سعد عليه من زمن الرسول

الحادي والثمانون عن دلائل الطبري  قال  أبو جعفر وحدثنا سفيان بن وكيع، عن أبيه وكيع، عن الأعمش قال: سمعت أبا صالح التمار يقول: سمعت حذيفة يقول: سمعت الحسين بن علي يقول: (والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ويقدمهم عمر بن سعد وذلك في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت له: أنبأك بهذا رسول الله؟ قال: لا فأتيت النبي فأخبرته فقال علمي علمه وعلمه علمي وإنا لنعلم بالكائن قبل كينونته).

أقول: وفي رواية البحار نقلاً عن كتاب النجوم عن الدلائل هكذا (علمي علمه وعلمه علمي لأننا نعلم بالكائن قبل كينونته).

الحسين عليه السلام يخبر سلمان عن عمر أمير المؤمنين عليه السلام

الثاني والثمانون وجدت في بعض الكتب منقولاً عن الصدوق  وسمعت والدي  شفاهاً عن سلمان  ( أنه كان يوماً قاعداً عند أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) في حجره وهو إذ ذاك ابن سنتين فأراد سلمان أن يسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) شيئا  فقال : يا سلمان سل هذا وأشار إلى الحسين (عليه السلام) فأقبل سلمان عليه وقال يا سيدي كم سن أبيك فلما سمع الحسين (عليه السلام) ذلك منه قال يا سلمان تخيلت صغر سني، قال: فضحك أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله وقال : أجبه يا بني. فقال الحسين (عليه السلام) يا سلمان إن الله عز وجل خلق خمسين ألف آدم ما بين كل آدم إلى آخر خمسون ألف عام وقد كنت مع آدم الأول وأنا إذ ذاك شيخ كبير عالم وكنت ناصراً له ومعيناً وقد عرضت ولايتي عليهم فآمن بعضهم فمن آمن فقد فاز ومن أبى فقد كفر ثم غزوت معهم ألف غزوة الأصغر منها أكبر من غزاة خيبر، ثم كنت مع آدم الثاني خمسين ألف عام فدعوتهم بالوحدانية خمسين ألف عام فصدّق بعضهم فمن صدّق فقد أفلح ومن أنكر فقد خاب ثم جاهدت معهم جهاداً كثيراً وهم خمسون فرقة كل فرقة خمسون ألف نفس.ثم لما أراد أن يقول كنت  معهم كذا وضع أمير المؤمنين (عليه السلام) يده على فيه وقال اصمت كما صمت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ).

الله يبعث للحسين عليه السلام أربعة آلاف ملك

الثالث والثمانون مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب نقلاً من كتاب البستان عن محمد بن سنان قال ( سئل الرضا علي بن موسى (عليهم السلام) عن الحسين بن علي (عليهم السلام) وأنه قتل عطشانا ً؟  قال مه من أين لك ذلك وقد بعث الله تعالى إليه أربعة أملاك من عظماء الملائكة فهبطوا إليه وقالوا له الله ورسوله يقرءان عليك السلام ويقولان اختر إن شئت [إما أن تختار الدنيا وما فيها بأسرها ونمكنك من كل عدو لك أو الرفع إلينا فقال الحسين (عليه السلام) على الله وعلى رسوله السلام بل اختار الرفع إليه ودفعوا إليه شربة ماء فشربها فقالوا أما إنك لا تظمأ بعدها أبداً).

الحسين عليه السلام يخط لأصحابه بإصبعه خطا فينفجر نهر ماء

الرابع والثمانون وفيه عن الكتاب المذكور من  كتاب البستان عن الرضا (عليه السلام) قال ( هبط على الحسين (عليه السلام)  ملك وقد شكا أصحابه إليه العطش فقال: إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول هل لك من حاجة، فقال الحسين (عليه السلام) هو السلام ومن ربي السلام وقال  قد شكا إلي أصحابي ما هو أعلم به مني من العطش، فأوحى الله تعالى إلى الملك قل للحسين خط لهم بإصبعك خلف ظهرك يرووا، فخط الحسين (عليه السلام) بإصبعه السبابة فجرى نهر أبيض من اللبن وأحلى من العسل فشرب منه هو وأصحابه فقال الملك يا ابن رسول الله أتأذن لي أن أشرب منه فإنه لكم خاصة وهو الرحيق المختوم الذي ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون فقال الحسين (عليه السلام) إن كنت تحب أن تشرب منه فدونك).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب هذان حديثان يتنافيان بظاهرهما ما ثبت بالتواتر هو من حال عطشه وعطش أصحابه عليه و(عليهم السلام) يوم العاشورا، كما لا يخفى على من تأمل مضامين تلك الروايات ويمكن الجمع بين تلك الروايات وبين الحديث الثاني بوقوع ذلك قبل يوم القتل فإن في بعض الروايات أن القوم حالوا بينهم وبين الماء قبل يوم القتل بثلاثة أيام فعلى هذا يمكن أن يكون الحسين (عليه السلام) سقاهم من ذلك النهر في خلال تلك الأيام دون يوم القتل.

ويؤيد هذا الحمل ما رواه محمد بن أبي طالب الموسوي الحائري  في مقتله (أن القوم لما حالوا بين الحسين (عليه السلام)  وأصحابه وبين الماء وأضر العطش بالحسين (عليه السلام)  وأصحابه فأخذ الحسين (عليه السلام) فأسا وجاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في الأرض تسع عشر خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك فنبعت له عين من الماء العذب فشرب الحسين (عليه السلام) وشرب الناس بأجمعهم وملئوا أسقيتهم ثم غارت العين فلم ير لها أثر وبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى عمر بن سعد بلغني أن الحسين يحفر الآبار ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت وضيق عليهم ولا تدعهم يذوقوا الماء وافعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان).  فإن هذه الرواية صريحة في كونهم واجدين للماء قبل يوم القتل ولو من جهة الإعجاز وممنوعين منه بعد ذلك من كلا الوجهين أعني وجه الأسباب الظاهرة ووجه الأسباب الباطنة لحكمة رآها سيدهم (عليه السلام) في ذلك.

تحقيق في مسألة عطش الحسين عليه السلام وأصحابه

ويعضد أيضا اختصاص عطشهم وممنوعيتهم من الماء بيوم القتل فقط ما رواه الصدوق عن الصادق (عليه السلام) في الحديث الطويل المروي في أماليه وهو (أن الحسين (عليه السلام) أرسل ليلة القتل عليا ابنه (عليه السلام) في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقوا الماء وهم على وجل شديد إلى أن  ثم قال لأصحابه قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم وتوضئوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ثم صلى بهم الفجر وعبأهم تعبئة الحرب). والدلالة فيه على المطلوب ظاهرة في رواية محمد بن أبي طالب أنه (عليه السلام) أرسل العباس (عليه السلام) في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً وبعث معه عشرين قربة في جوف الليل فأتوا بالماء فشرب الحسين (عليه السلام) ومن معه . وأي الروايتين صحّت فهي كافية في المطلوب، وأما الحديث الأول فلا يجري فيه هذا الحمل لإنكاره (عليه السلام) كون الحسين (عليه السلام) قد قتل عطشاناً فلا بد من وجه جمع آخر ويمكن أن يقال إن هذا الأمر قد وقع مقارنا لقتله صلوات الله عليه فإنه يصدق عليه حينئذ أنه لم يقتل عطشانا ولا ينافي عطشه السابق على ذلك الحال كما وقع مثل ذلك لعلي بن الحسين الشهيد (عليهم السلام) فإنه قد سقاه جده قبل أن يجود بنفسه بما شفى غليله وأخبر أباه بذلك كما ورد في الرواية وعليه فيما ورد في الروايات من استسقائه الشمر لعنه الله يمكن أن يكون إتماما للحجة وإظهارا لشقاوته وقسوة قلبه والله أعلم ، هذا إن جرينا على الظاهر وأما إن جرينا على التأويل فنقول يمكن أن يكون ذلك الشراب الذي شرب منه هو وأصحابه ما كان من الأشربة التي تروي غليل الظاهر بل مما يروي غليل الباطن الذي هو شدة اشتياقهم إلى لقاء الحبيب ومن خواص ذلك الشراب أنه إذا شرب منه أهله هان عنده الظمأ الجسماني وسائر المصيبات والمكاره الدنيوية فيكون في عين التألم في غاية التنعم والالتذاذ الذي لا التذاذ فوقه وإلى هذا المعنى أشار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله في حديث كميل في قوى النفس الكلية الإلهية (بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل)  فافهم وهو معنى ما رواه الراوندي في الخرائج (عن أبي سعيد سهل بن زياد حدثنا الحسن بن محبوب حدثنا ابن فضيل حدثنا سعد الجلاب عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال الحسين بن علي (عليه السلام) لأصحابه قبل أن يقتل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  قال لي  يا بني إنك ستساق إلى العراق وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين وهي أرض تدعى عمورا وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد وتلا ﴿ قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلى‏ إِبْراهِيمَ﴾ تكون الحرب عليك وعليهم بردا وسلاما فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا). وهو طويل أخذنا منه موضع الحاجة فإنه ليس المراد بذلك أنهم لا يحسون بتلك الآلام وإنما المراد أنهم تهون عليهم تلك الآلام إذا نظروا إلى ما أعد لهم من النعيم الدائم الذي روحه النظر إلى وجه الله وقد روى الصدوق في العلل (عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق  قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له أخبرني عن أصحاب الحسين (عليه السلام) وإقدامهم على الموت فقال إنهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنة فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنة).

وقد مثّل لاجتماع هذين الأمرين من عرضت له علة في عضو من أعضائه لا يخلص منها إلا بالقطع أو الكي فإنه في عين تألمه من ذلك القطع أو الكي بتلذذ به من جهة تصور أدائه إلى سلامة النفس فمن الممكن أن تجتمع فيه (عليه السلام) وأصحابه هاتان الحالتان بأن يكونوا في عين التألم من العطش الظاهري رواء من جهة ما شربوا من شراب العناية الإلهية الذي من شرب منه لا يظمأ أبدا و بالجملة الألم إذا كان في جنب المحبوب الحقيقي لم يتضجر منه المحب في عين إحساسه به وهذا أمر ذوقي وجداني لا يكفيه البيان بل يحتاج إلى العيان فمن لم يذق لم يدر. فإنكار قتله (عليه السلام) عطشاناً يمكن أن يكون إشارة إلى أنه (عليه السلام) من شدة استغراقه في بحر المحبة وتجرعه من كؤوس العنايات الإلهية والملاطفات الربانية التي أنزلها الله إليه بأيدي عظماء ملائكته ما كان محتفلا بالعطش الظاهري ولا مكترثا به وكذا حال أصحابه (عليهم السلام) كل بحسب مقامه لما شربوا من الكأس الأوفى وهو كأس المحبة الحسينية التي لا شربة في العالم أعذب منها وكأس العناية الإلهية التي أعطاهم الله تعالى بأيدي حبيبه وابن حبيبه جزاء لتلك المحبة.

تذييل : ثم اعلم إن تخيير الله تعالى للحسين (عليه السلام) بين الدنيا وما فيها والتمكن من العدو وبين اختيار لقاء الله هو مدلول عدة أخبار، منها ما رواه الكليني  في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن عبد الملك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ( لما نزل النصر على الحسين بن علي (عليهم السلام) حتى كان بين السماء والأرض ثم خير النصر أو لقاء الله فاختار لقاء الله)  فلا موقع لما تكلفه بعض أصحابنا القدماء والاعتذار عن إقدامه (عليه السلام) على القتل وإلقاء نفسه إلى التهلكة من أنه (عليه السلام) غلب على ظنه في ابتداء الأمر النصر لظهور إماراته من مكاتبات أهل الكوفة وغيرها فلما انعكس ذلك وظهر إمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق رام الرجوع والمكافة والتسليم كما فعل أخوه  فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه إلى آخر ما تكلفه  فإن أمثال هذه التكلفات والاعتذارات إنما تجري في حق أمثالنا وأما الذي بيده ملكوت كل الأشياء وعنده مفاتح الغيب وعلم ما كان وما يكون فالاعتذار عنه بمثل هذه المعاني سقط من القول لا يلتفت إليه ثم ليت شعري ما معنى عد القتل في سبيل الله الذي أخذ الله عليه الميثاق يوم خلق السماوات والأرض من إلقاء النفس إلى التهلكة حتى يحتاج إلى هذه التمحلات وكأن  هذا المعتذر لم يسرح في رياض الأخبار ولا جاس خلال تلك الديار أو نظر فيها نظر من قرأ  ألفاظها ومبانيها ولم يتدبر أسرارها ومعانيها أو تدبّرها ولم يعوّل عليها وإنما اعتمد في ذلك على ما تقرر عنده من بعض القواعد المجهولة الأصول والمباني المبنية على الترجيات إشارة إلى الاحتمالات المبنية على عسى ولعل فافهم والأماني وإلا فمن وقف على ما ورد في هذا الشأن من محكمات الآثار وأشير إليه فيها من دقائق الأسرار وتأمل ما أخبر به الله ورسوله وأوصيائه من مبادئ هذه الواقعة العظمى وغاياتها حتى ملأت قبل وقوعها أصقاع الملك والملكوت بل أخذ العهد على نصرة القائم بها من الأرواح الملكوتية قبل أن تنزل إلى الأشباح الناسوتية فأجاب من أجاب وأبى من أبى لم يكن ليقيس هذا الأمر العظيم وحال صاحبه بسائر الأمور الواقعة في العالم من هذا السواد الأعظم حتى يقول ما قال ولكن المعصوم من عصمه الله والسلام.

الحسين عليه السلام يري أصحابه مواضعهم في الجنة

الخامس والثمانون الخرائج والجرائح عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الأهوازي عن النضر بن شعيب عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي قال : (  قال علي بن الحسين (عليه السلام) كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لأصحابه هذا الليل فاتخذوه جنةفإن القوم إنما يريدونني ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم وأنتم في حل وسعة فقالوا لا والله لا يكون هذا أبدا فقال إنكم تقتلون غدا كلكم ولا يفلت منكم رجل قالوا الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك ثم دعا فقال لهم ارفعوا رءوسكم وانظروا فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة وهو يقول لهم هذا منزلك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنة). 

الأسد يحيل بين القوم وبين رض جسد الحسين عليه السلام

السادس والثمانون الكافي  الحسين بن أحمد قال حدثني أبو كريب وأبو سعيد الأشج قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن أبيه إدريس بن عبد الله الأودي قال: (لما قتل الحسين (عليه السلام) أراد القوم أن يوطئوه الخيل فقالت فضة لزينب يا سيدتي إن سفينة كسر به في البحر فخرج به إلى جزيرة فإذا هو بأسد فقال يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهمهم بين يديه حتى وقفه على الطريق والأسد رابض في ناحية فدعيني أمضي إليه فأعلمه ما هم صانعون غدا قال فمضت إليه فقالت يا أبا الحارث فرفع رأسه ثم قالت أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد الله (عليه السلام) يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره قال فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين (عليه السلام) فأقبلت الخيل فلما نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه الله فتنة لا تثيروها انصرفوا فانصرفوا).

بيان قصة سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله

أقول إن سفينة من موالي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقصته على ما رواه الراوندي في الخرائج وغيره في غيره عن ابن الإعرابي عن سفينة أنه قال (خرجت غازيا فكسر المركب بي فغرق المركب وما فيه وأفلت وما علي إلا خرقة وقد اتزرت بها وكنت على لوح وأقبل اللوح يرمي بي على جبل في البحر فإذا صعدت فظننت أني نجوت جاءتني موجة فانتسقتني ففعلت بي مرارا ثم إني خرجت أستند على شاطئ البحر فلم تلحقني فحمدت الله على سلامتي فبينما أنا أمشي إذ بصر بي أسد فأقبل علي يريد أن يفترسني فرفعت يدي إلى السماء فقلت اللهم إني عبدك ومولى نبيك نجيتني من الغرق أفتسلط علي سبعك فألهمت أن قلت أيها السبع أنا سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) احفظ رسول الله في مولاه. فوالله إنه لترك الزئير وأقبل كالسنور يمسح خده بهذه الساق مرة وبهذه أخرى وهو ينظر في وجهي مليا. ثم طأطأ ظهره وأومأ إلي أن اركب فركبت ظهره فخرج يحث بي فما كان بأسرع من أن هبط جزيرة وإذا فيها من الشجر والثمار وعين عذبة من ماء فدهشت فوقف وأومأ إلي أن انزل فنزلت وبقي واقفا حذائي ينظر. فأخذت من تلك الثمار وأكلت وشربت من ذلك الماء فرويت فعمدت إلى ورقة فاتزرت بها وتلحفت بأخرى وجعلت ورقة شبيها بالمزادة. فملأتها من تلك الثمار وبللت الخرقة التي كانت معي لأعصرها إذا احتجت إلى الماء فأشربه. فلما فرغت مما أردت أقبل إلي وطأطأ ظهره ثم أومأ  إلي أن اركب. فلما ركبت أقبل بي نحو البحر في غير الطريق الذي أقبلت منه.  فلما صرت على ساحل البحر إذا مركب سائر في البحر فلوحت لهم فاجتمع أهل المركب يسبحون ويهللون فيرون رجلا راكبا أسدا فصاحوا يا فتى من أنت أجني أم إنسي. فقلت أنا سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) راعى الأسد في حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعل ما ترون فلما سمعوا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حطوا الشراع وحملوا رجلين في قارب صغير ودفعوا إليهما ثيابا فجاءا إلي فنزلت من الأسد ووقف ناحية مطرقا ينظر ما أصنع فرميا إلي بالثياب وقالا البسها فلبستها. فقال أحدهما اركب ظهري حتى أحملك إلى القارب أيكون السبع أرعى لحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمته. فأقبلت على الأسد فقلت جزاك الله خيرا عن رسول الله فوالله لقد نظرت إلى دموعه تسيل على خده ما يتحرك حتى دخلت القارب وأقبل يلتفت إلي ساعة بعد ساعة حتى غبنا عنه‏) .

ثم إن هذا الحديث معارض لسائر الروايات الدالة على أنهم أوطئوا الخيل ظهر أبي عبد الله (عليه السلام) قال المجلسي  في البحار بعد إيراد الرواية في ذلك المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسر لهم ذلك،هي، ومراده هذه الرواية التي أوردناها ويمكن الجمع بوقوع ما أوردوا ثانياً بعد ارتحال أهل البيت (عليهم السلام) من كربلاء والله أعلم هذا ويظهر من الزيارة المفجعة الواردة من الناحية المقدسة أنهم لعنهم الله أوطئوه الخيل وهو حي وهو غير ما ورد به سائر الروايات فإن مضمونها أنه وقع بعد القتل، اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمدٍ وآل محمد وآخر تابع له على ذلك اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين (عليه السلام) وشايعت وبايعت وتابعت على قتله اللهم العنهم جميعاً.

إهلاك الله أحد قتلة الحسين عليه السلام

السابع والثمانون عن أمالي الشيخ  عن المفيد عن المراغي، عن علي بن الحسين بن سفيان ، عن محمد بن عبد الله بن سليمان، عن عباد بن يعقوب، عن الوليد بن أبي ثور، عن محمد بن سليمان، عن عمه، قال:(لما خفنا أيام الحجاج، خرج نفر منا من الكوفة مستترين، وخرجت معهم فصرنا إلى كربلاء، وليس بها موضع نسكنه، فبنينا كوخا على شاطئ الفرات وقلنا نأوي إليه، فبينا نحن فيه إذ جاءنا رجل غريب فقال أصير معكم في هذا الكوخ الليلة فإني عابر سبيل، فأجبناه وقلنا غريب منقطع به. فلما غربت الشمس وأظلم الليل أشعلنا، وكنا نشعل بالنفط، ثم جلسنا نتذاكر أمر الحسين بن علي (عليهم السلام) ومصيبته وقتله ومن تولاه فقلنا ما بقي أحد من قتلة الحسين (عليه السلام) إلا رماه الله ببلية في بدنه. فقال ذلك الرجل فأنا قد كنت فيمن قتله، والله ما أصابني سوء، وإنكم يا قوم تكذبون، فأمسكنا عنه، وقل ضوء النفط، فقام ذلك الرجل ليصلح الفتيلة بإصبعه، فأخذت النار كفه، فخرج مبادرا حتى ألقى نفسه في الفرات يتغوص به، فوالله لقد رأيناه يدخل رأسه في الماء والنار على وجه الماء، فإذا أخرج رأسه سرت النار إليه فيغوصه إلى الماء، ثم يخرجه فتعود إليه، فلم يزل ذلك دأبه حتى هلك).

انتقام الله من المستهزئ بتربة الحسين عليه السلام

الثامن والثمانون وعنه عن ابن خشيش عن أبي الفضل،  قال حدثني، قال حدثني الفضل بن محمد بن أبي طاهر الكاتب، قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن موسى السريعي الكاتب، قال حدثني أبي موسى بن عبد العزيز، قال :(لقيني يوحنا بن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد فاستوقفني، وقال لي بحق نبيك ودينك، من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة، من هو من أصحاب نبيكم قلت ليس هو من أصحابه هو ابن بنته، فما دعاك إلى المسألة لي عنه فقال له عندي حديث طريف. فقلت حدثني به. فقال وجه إلي سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل، فصرت إليه فقال لي تعال معي، فمضى وأنا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي ، فوجدناه زائل العقل متكئا على وسادة، وإذا بين يديه طست فيه حشو جوفه، وكان الرشيد استحضره من الكوفة ، فأقبل سابور على خادم كان من خاصة موسى، فقال له ويحك ما خبره فقال له أخبرك أنه كان من ساعة جالسا وحوله ندماؤه ، وهو من أصح الناس جسما وأطيبهم نفسا، إذ جرى ذكر الحسين بن علي (عليه السلام) قال يوحنا هذا الذي سألتك عنه. فقال موسى إن الرافضة لتغلو فيه حتى إنهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به. فقال له رجل من بني هاشم كان حاضرا قد كانت بي علة عليلة فتعالجت لها بكل علاج ، فما نفعني ، حتى وصف لي كاتبي أن آخذ من هذه التربة، فأخذتها فنفعني الله بها ، وزال عني ما كنت أجده. قال فبقى عندك منها شي‏ء قال نعم . فوجه فجاء منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى فأخذها موسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن تداوى بها واحتقارا وتصغيرا لهذا الرجل الذي هي تربته يعني الحسين (عليه السلام) فما هو إلا أن استدخلها دبره حتى صاح النار النار الطست الطست ، فجئناه بالطست فأخرج فيها ما ترى، فانصرف الندماء وصار المجلس مأتما ، فأقبل علي سابور فقال انظر هل لك فيه حيلة فدعوت بشمعة ، فنظرت فإذا هو كبده وطحاله ورئته وفؤاده خرج منه في الطست، فنظرت إلى أمر عظيم فقلت ما لأحد في هذا صنع إلا أن يكون لعيسى الذي كان يحيي الموتى. فقال لي سابور صدقت ولكن كن هاهنا في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره، فبت عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه، فمات وقت السحر. قال محمد بن موسى قال لي موسى بن سريع كان يوحنا يزور قبر الحسين (عليه السلام) وهو على دينه ، ثم أسلم بعد هذا وحسن إسلامه).

البقر يأبى أن يطأ قبر الحسين عليه السلام

التاسع والثمانون وعنه أخبرنا ابن خشيش، عن محمد بن عبد الله، قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمار الثقفي الكاتب، قال حدثنا علي ابن محمد بن سليمان النوفلي، عن أبي علي الحسين بن محمد بن مسلمة ابن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ابن ياسر، قال حدثني إبراهيم الديزج، قال :(بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين (عليه السلام)، وكتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمار القاضي أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لنبش قبر الحسين، فإذا قرأت كتابي هذا] فقف على الأمر حتى تعرف فعل أو لم يفعل. قال الديزج فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه ، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار ثم أتيته ، فقال لي ما صنعت فقلت قد فعلت ما أمرت به، فلم أر شيئا ولم أجد شيئا. فقال لي أفلا عمقته قلت قد فعلت وما رأيت، فكتب إلى السلطان إن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا وأمرته فمخره بالماء وكربه بالبقر. قال أبو علي العماري فحدثني إبراهيم الديزج، وسألته عن صورة الأمر، فقال لي أتيت في خاصة غلماني فقط، وإني نبشت فوجدت بارية جديدة وعليها بدن الحسين بن علي (عليهم السلام) ووجدت منه رائحة المسك، فتركت البارية على حالتها وبدن الحسين (عليه السلام) على البارية، وأمرت بطرح التراب عليه، وأطلقت عليه الماء، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تطأه البقر، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه، فحلفت لغلماني بالله وبالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب قد ورد في أخبار كثيرة معتبرة أن جسد المعصوم لا يبقى في قبره أكثر من ثلاثة أيام ولا تنافي بين تلك الأخبار وبين هذه الرواية لما قدمنا في آخر الجزء الأول من القسم الأول من  الكتاب من أنه قد تقتضي مصلحة خاصة الظهور في القبر عند النبش وهذه الواقعة منه وقد استوفينا القول في حال أجسادهم (عليهم السلام) هناك من أراد فليراجع ما هناك.

الموكلون بمنع الظلمة من تخريب قبر الحسين عليه السلام

التسعون وعنه أخبرنا ابن حشيش، عن أبي المفضل، عن سعيد بن أحمد أبي القاسم الفقيه، عن الفضل بن محمد بن عبد الحميد، قال: (دخلت على إبراهيم الديزج ، وكنت جاره، أعوده في مرضه الذي مات فيه ، فوجدته بحال سوء ، وإذا هو كالمدهوش وعنده الطبيب ، فسألته عن حاله ، وكانت بيني وبينه خلطة وأنس توجب الثقة بي والانبساط إلي، فكاتمني حاله، وأشار    لي إلى الطبيب ، فشعر الطبيب بإشارته، ولم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله، فقام فخرج وخلا الموضع، فسألته عن حاله فقال أخبرك والله وأستغفر الله أن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين (عليه السلام) ، فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر ، فوافيت الناحية مساء معنا الفعلة والروزكاريون معهم المساحي والمرور، فتقدمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه  فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر ونمت، فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديدة وأصوات عالية، وجعل الغلمان ينبهونني، فقمت وأنا ذعر فقلت للغلمان ما شأنكم قالوا أعجب شأن. قلت وما ذاك قالوا إن لموضع القبر قوما قد حالوا بيننا وبين القبر، وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب، فقمت معهم لأتبين الأمر، فوجدته كما وصفوا، وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض فقلت ارموهم ، فرموا فعادت سهامنا إلينا ، فما سقط سهم منها إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله، فاستوحشت لذلك وجزعت وأخذتني الحمى والقشعريرة، ورحلت عن القبر لوقتي ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إلي به. قال أبو برزة فقلت له قد كفيت ما تحذر من المتوكل، قد قتل بارحة الأولى وأعان عليه في قتله المنتصر، فقال لي قد سمعت بذلك وقد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء. قال أبو برزة كان هذا في أول النهار، فما أمسى الديزج حتى مات).

الحُراث يحرثون قبر الحسين عليه سبعة عشر مرة ويرجع كما كان

الحادي والتسعون مناقب ابن شهر آشوب عن جماعة من الثقات أنه لما أمر المتوكل بحرث قبر الحسين (عليه السلام) وأن يجرى الماء عليه من العلقمي أتى زيد المجنون وبهلول المجنون إلى كربلاء فنظرا إلى القبر وإذا هو معلق بالقدرة في الهواء فقال زيد ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ ويَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾  وذلك أن الحراث حرث سبع عشرة مرة والقبر يرجع على حاله فلما نظر الحراث إلى ذلك آمن بالله وحل البقر فأخبر المتوكل فأمر بقتله). 

أقول : تفصيل هذه القصة مذكور في العاشر من البحار قريبا من آخر الكتاب من أراده فليرجع إليه ولما كان المقصود يؤدى بذلك في كتابنا هذا اكتفينا به. ثم اعلم أن المتوكل الملعون أمر بحرث قبر الحسين (عليه السلام) مرارا كثيرة وكان مصرا على ذلك فالوقائع المذكورة لا ينافي بعضها بعضا لكون كل منها قضية أخرى وإن كان يمكن وقوع جميعها في المرة الواحدة أيضا على التعاقب .

الحسين عليه السلام يسقي أصحابه الماء بإبهامه

الثاني والتسعون مدينة المعاجز عن دلائل الطبري  قال : أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون  عن أبيه  عن أبي علي محمد بن همام  عن أحمد بن الحسين  المعروف بابن أبي القاسم  عن أبيه  عن الحسين بن علي  عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال :  قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (لما منع الحسين (عليه السلام) وأصحابه الماء نادى فيهم : من كان ظمآن فليجئ فأتاه أصحابه رجلا رجلا فجعل إبهامه في راحة واحد ، فلم يزل يشرب الرجل بعد الرجل  حتى ارتووا ، فقال بعضهم لبعض : والله لقد شربت شرابا ما شربه أحد من العالمين في دار الدنيا فلما قاتلوا الحسين (عليه السلام)، وكان في اليوم الثالث عند المغرب ، أقعد الحسين رجلا رجلا منهم يسميهم بأسماء آبائهم فيجيبه الرجل بعد الرجل ، فيقعدون حوله ، ثم يدعو بالمائدة فيطعمهم ويأكل معهم من طعام الجنة ويسقيهم من شرابها  ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) :  والله لقد رأتهم عدة كوفيين ولقد كرر عليهم لو عقلوا . قال : ثم خرجوا لرسلهم فعاد كل واحد منهم إلى بلادهم ، ثم أتى لجبال رضوى ، فلا يبقى أحد من المؤمنين إلا أتاه، وهو على سرير من نور قد حف به إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء  ومن ورائهم المؤمنون و من ورائهم الملائكة ينظرون ما يقول الحسين صلوات الله عليه. قال : فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم (عج) وإذا قام القائم (عج) وافوا فيها بينهم الحسين (عليه السلام) حتى يأتي كربلاء فلا يبقى أحد سماوي ولا أرضي من المؤمنين إلا حفوا بالحسين (عليه السلام) حتى أن الله تعالى يزور الحسين ويصافحه ويقعد معه على سرير . يا مفضل هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيء ولا دونها شيء ولا ورائها الطالب مطلب).

تحقيق في بيان الحديث السابق وفيه بيان لبعض مقامات المعصومين

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب هذا الحديث من الأحاديث المستصعبة التي لا يحتملها إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان وهو حقيق بأن يشرح شرحا وافيا ولكن القلب عن ذلك عليل واللسان كليل :

عتبت على الدنيا وقلت إلى متى

أكابد هما بؤسا ليس ينجلي‏

أكل شريف من علي جدوده

حرام عليه العيش غير محلل‏

فقالت نعم يا ابن الحسين رميتكم

بسهمي عنادي حين طلقني علي

فلنشير إلى شيء من البيان على سبيل الاختصار ونقول قال الصادق (عليه السلام) في مصباح الشريعة (العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد من العبودية وجد في الربوبية وما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية)، ومعناه أن حقيقة العبد آية الرب تعالى وظهوره له به كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (لم تحط به الأوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها وإليها حاكمها) الخطبة ، فالعبد له جهتان جهة عبودية هي جهته من نفسه وجهة ربوبية هي جهته من ربه لا بمعنى ما زعمه أهل الإلحاد من كون حقيقة العبد عين ذات الرب تعالى بل بمعنى كونها آيته وعنوانه ودليله وظهوره الفعلي ولا ريب أن جهة العبودية من حيث هي مخالفة لجهة الربوبية فهي حاجبته  عن مشاهدة جمال الرب ما دامت باقية على حالها وجميع العباد مكلفون بكشف ذلك الحجاب ليحصل لهم معرفة رب الأرباب ومشاهدة جماله الظهوري بعينه التي أعطاها إياهم وهي المعبّر عنها بالعين الفؤادي التي أشار إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله (لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته بحقايق الإيمان )  وذلك في جواب من سأله هل رأيت ربك؟ فقال (عليه السلام) كيف أعبد رباً لم أره.

روى أهل السير أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله أرأيته حين عبدت الله فقال له أمير المؤمنين لم أك بالذي أعبد من لم أره فقال كيف رأيته يا أمير المؤمنين فقال له ويحك لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان‏)    ولا يحصل هذا الكشف إلا بسحق جهة العبودية بصلابة الآداب الشرعية والأخلاق الروحانية والحقائق الربانية فإنها إذا استقت بتلك الأمور نعمت أجزائها ولطفت وصفت بتكرار الحل والعقد وزالت عن أجزائها غرائب الأكدار فشابهت جواهر أوائل عللها وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد انصبغت بصبغ جهة الربوبية فارتفع الخلاف من البين واتحد حكم الجهتين وجاء امتزاج البحرين بحر العبودية وبحر الربوبية وحصل مصداق قول الشاعر:

رق الزجاج ورقت الخمر

فتشاكلا فتشابه الأمر

فكأنما خمر ولا قدح

وكأنما قدح ولا خمر

فإذا بلغ العبد هذا المقام لم يبق بينه وبين ربه حجاب فيدخل مجلس القدس ويجلس مع المحبوب في سرير الأنس وهو وجه الحق الذي ظهر له به فافهم.

هذا حال ساير الخلق أما المعصوم (عليه السلام) فهذا المقام حاصل له مساوقا لبدء خلقه فليس بين الله وبين حجته حجاب في حال من الأحوال كما مر صريح الحديث في ذلك القسم الأول من الكتاب، نعم إنهم (عليهم السلام) يلبسوا بعض العوارض بالعرض في هذه الدار الفانية ليطيق الخلق رؤيتهم فيتمكنوا من تكميلهم وهو أحد الأسرار في بكائهم واستغفارهم إلى الله تعالى من غير ذنب لحق ذواتهم فافهم. فإذا خلعوا هذا اللباس العرضي وانتقلوا إلى الدار الباقية خلص لهم ذلك  المقام فحينئذ  يزورهم الرب تعالى وصافحهم ويقعدون معه على سرير واحد لاتحاد حكم العبودية مع حكم الربوبية وفنائها في جنبها كما حصل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في معراجه فإن الذي حصل له (صلى الله عليه وآله وسلم) في عروجه إلى السماء هو الذي حصل للحسين (عليه السلام) في نزوله إلى الأرض وكذا لساير الأئمة في إدبارهم عن الخلق وإقبالهم إلى الحق وليس للعبد وراء هذا المقام مقام كما صرح (عليه السلام) بقوله (هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيء ولا لورائها مطلب). فافهم يا أخي أسرار أئمتك ولا تحمل أخبارهم على ما اقترحه أهل الجهل والإلحاد والزندقة فإن الممكن لا يصعد إلى الأزل ولا الأزل ينزل إليه إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها انتهى المخلوق إلى مثله وألجأه الطلب إلى شكله فالطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده إثباته فهذا هو معنى الحديث على الإجمال ولو كان للقلب إقبال لأعطينا البيان حقه وكشفنا من أسرار الخبر ما يبهر العقول ولكني قدمت العذر في ذلك ولكل بناء مستقر.

موسى بن عمران في سبعين ألف من الملائكة يزورون قبر الحسين عليه السلام

الثالث والتسعون عن كامل الزيارات للشيخ الثقة الجليل أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثني أبي وجماعة من مشايخي عن أحمد بن ادريس عن العمركي بن علي النوفلي عن عدة من أصحابنا الحسن بن عبد الله بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال: (خرجت في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين بن علي (عليهم السلام) مستخفيا من أهل الشام حتى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي انصرف مأجورا فإنك لا تصل إليه فرجعت فزعا حتى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه خرج إلي الرجل فقال لي يا هذا إنك لن تصل إليه فقلت له عافاك الله ولم لا أصل إليه وقد أقبلت من الكوفة أريد زيارته فلا تحل بيني وبينه عافاك الله وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني هاهنا قال فقال لي اصبر قليلا فإن موسى بن عمران (عليه السلام) سأل الله أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ثم يرجعون إلى السماء قال فقلت فمن أنت عافاك الله قال أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين (عليه السلام) والاستغفار لزواره فانصرفت وقد كاد يطير عقلي لما سمعت منه قال فأقبلت حتى إذا طلع الفجر أقبلت نحوه فلم يحل بيني وبينه أحد فدنوت منه فسلمت عليه ودعوت الله على قتلته وصليت الصبح وأقبلت مسرعا مخافة أهل الشام).

انكساف الشمس عند قتل الحسين عليه السلام

الرابع والتسعون العاشر من البحار عن بعض كتب المناقب المعتبرة عن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد البيهقي عن والده عن محمد بن الحسين القطان عن عبيد الله بن جعفر بن درستويه النحوي عن يعقوب بن سفيان عن النضر بن عبد الجبار عن أبي لهيعة  عن أبي قبيل قال :(لما قتل الحسين بن علي عليه السلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها) هي.

أقول : وفي مناقب ابن شهر آشوب عن تاريخ النسوي عن أبي قبيل مثله.

شفاء ابنة اليهودي بتقاطر قطرات من دم الحسين عليها

الخامس والتسعون منتخب الطريحي  قال وروي من طريق أهل البيت (عليهم السلام) (أنه لما استشهد الحسين (عليه السلام) بقي في كربلاء صريعا ودمه على الأرض مسفوحا وإذا بطائر أبيض قد أتى وتمسح بدمه وجاء والدم يقطر منه فرأى طيورا تحت الظلال على الغصون والأشجار وكل منهم يذكر الحب والعلف والماء فقال لهم ذلك الطير المتلطخ بالدم يا ويلكم أتشتغلون بالملاهي وذكر الدنيا والمناهي والحسين في أرض كربلاء في هذا الحر ملقى على الرمضاء ظامئ مذبوح ودمه مسفوح فعادت الطيور كل منهم قاصدا كربلاء فرأوا سيدنا الحسين عليه السلام ملقى في الأرض جثة بلا رأس ولا غسل ولا كفن قد سفت عليه السوافي وبدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها زواره وحوش القفار وندبته جن السهول والأوعار قد أضاء التراب من أنواره وأزهر الجو من أزهاره فلما رأته الطيور تصايحن وأعلن بالبكاء والثبور وتواقعن على دمه يتمرغن فيه وطار كل واحد منهم إلى ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فمن القضاء والقدر أن طيرا من هذه الطيور قصد مدينة الرسول وجاء يرفرف والدم يتقاطر من أجنحته ودار حول قبر سيدنا رسول الله يعلن بالنداء ألا قتل الحسين بكربلاء ألا ذبح الحسين بكربلاء فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح وشاهدوا الدم يتقاطر من الطير لم يعلموا ما الخبر حتى انقضت مدة من الزمان وجاء خبر مقتل الحسين علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول وقرة عين الرسول وقد نقل أنه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة كان في المدينة رجل يهودي وله بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة والجذام قد أحاط ببدنها فجاء ذلك الطائر والدم يتقاطر منه ووقع على شجرة يبكي طول ليلته وكان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة إلى بستان وتركها في البستان الذي جاء الطير ووقع فيه فمن القضاء والقدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض فدخل المدينة لقضاء حاجته فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعلولة والبنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها لأن أباها كان يحدثها ويسليها حتى تنام فسمعت عند السحر بكاء الطير وحنينه فبقيت تتقلب على وجه الأرض إلى أن صارت تحت الشجرة التي عليها الطير فصارت كلما حن ذلك الطير تجاوبه من قلب محزون فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدم فوقعت على عينها ففتحت ثم قطرة أخرى على عينها الأخرى فبرأت ثم قطرة على يديها فعوفيت ثم على رجليها فبرأت وعادت كلما قطرت قطرة من الدم تلطخ به جسدها فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسين عليه السلام فلما أصبحت أقبل أبوها إلى البستان فرأى بنتا تدور ولم يعلم أنها ابنته فسألها أنه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرك فقالت ابنته والله أنا ابنتك فلما سمع كلامها وقع مغشيا عليه فلما أفاق قام على قدميه فأتت به إلى ذلك الطير فرآها واكرا على الشجرة يئن من قلب حزين محترق مما رأى مما فعل بالحسين (عليه السلام) فقال له اليهودي أقسمت عليك بالذي خلقك أيها الطير أن تكلمني بقدرة الله تعالى فنطق الطير مستعبرا ثم قال إني كنت واكرا على بعض الأشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة وإذا بطير ساقط علينا وهو يقول أيها الطيور تأكلون وتتنعمون والحسين في أرض كربلاء في هذا الحر على الرمضاء طريحا ظامئا والنحر دام ورأسه مقطوع على الرمح مرفوع ونساؤه سبايا حفاة عرايا فلما سمعن بذلك تطايرن إلى كربلاء فرأيناه في ذلك الوادي طريحا الغسل من دمه والكفن الرمل السافي عليه فوقعنا كلنا عليه ننوح ونتمرغ بدمه الشريف وكان كل منا طار إلى ناحية فوقعت أنا في هذا المكان فلما سمع اليهودي ذلك تعجب وقال لو لم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند الله ما كان دمه شفاء من كل داء ثم أسلم اليهودي وأسلمت البنت وأسلم خمسمائة من قومه‏).

مصير أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين عليه السلام

السادس والتسعون عن الخرائج عن أبي الفرج سعيد بن أبي الرجاء عن محمد بن عبد الله بن عمر الخاني عن أبي القاسم بكراد بن الطيب بن شمعون عن أبي بكر بن أحمد بن يعقوب. عن أحمد بن عبد الرحمن عن سعد عن الحسن بن عمر عن سليمان بن مهران الأعمش قال :(بينا أنا في الطواف بالموسم إذ رأيت رجلا يدعو وهو يقول اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تفعل. قال فارتعدت لذلك فدنوت منه وقلت يا هذا أنت في حرم الله وحرم رسوله وهذه أيام حرم في شهر عظيم فلم تيأس من المغفرة. قال يا هذا ذنبي عظيم قلت أعظم من جبل تهامة قال نعم. قلت يوازن الجبال الرواسي قال نعم فإن شئت أخبرتك. قلت أخبرني قال اخرج بنا عن الحرم فخرجنا منه فقال لي أنا أحد من كان في العسكر المشئوم عسكر عمر بن سعد عليه اللعنة حين قتل الحسين بن علي (عليه السلام) وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة فلما حملناه على طريق الشام نزلنا على دير للنصارى وكان الرأس معنا مركوزا على رمح ومعه الأحراس فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل فإذا بكف في حائط الدير تكتب

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب‏

قال فجزعنا من ذلك جزعا شديدا وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت ثم عاد أصحابي إلى الطعام فإذا الكف قد عادت تكتب مثل الأول

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب‏

فقام أصحابنا إليها فغابت ثم عادوا إلى الطعام فعادت تكتب

و قد قتلوا الحسين بحكم جور

وخالف حكمهم حكم الكتاب‏

فامتنعت عن الطعام وما هنأني أكله ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس فأشرف فرأى عسكرا فقال الراهب للحراس من أين جئتم قالوا من العراق حاربنا الحسين فقال الراهب ابن فاطمة وابن بنت نبيكم وابن ابن عم نبيكم قالوا نعم قال تبا لكم والله لو كان لعيسى ابن مريم ابن لحملناه على أحداقنا ولكن لي إليكم حاجة قالوا وما هي قال قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف دينار ورثتها من آبائي ليأخذها مني ويعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل فإذا رحل رددته إليه. فأخبروا عمر بن سعد بذلك فقال خذوا منه الدنانير وأعطوه إلى وقت الرحيل فجاءوا إلى الراهب فقالوا هات المال حتى نعطيك الرأس فأدلى إليهم جرابين في كل جراب خمسة آلاف دينار فدعا عمر بالناقد والوزان فانتقدها ووزنها ودفعها إلى خازن له وأمر أن يعطى الرأس. فأخذ الراهب الرأس فغسله ونظفه وحشاه بمسك وكافور كان عنده ثم جعله في حريرة ووضعه في حجره ولم يزل ينوح ويبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس فقال يا رأس والله ما أملك إلا نفسي فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمد أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده ورسوله أسلمت على يديك وأنا مولاك ثم قال لهم إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة وأعطيه الرأس فدنا عمر بن سعد منه فقال سألتك بالله وبحق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس ولا تخرج هذا الرأس من هذا الصندوق فقال له أفعل. فأعطاهم الرأس ونزل من الدير فلحق ببعض الجبال يعبد الله. ومضى عمر بن سعد ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأول. فلما دنا من دمشق قال لأصحابه انزلوا وطلب من خازنه الجرابين فأحضرها بين يديه فنظر إلى خاتمه ثم أمر أن يفتحها فإذا الدنانير قد تحولت خزفية فنظروا في سكتها فإذا على جانب مكتوب ﴿ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾. وعلى الوجه الآخر ﴿وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾. فقال إنا لله وإنا إليه راجعون خسرت الدنيا والآخرة. ثم قال لغلمانه اطرحوها في النهر فطرحت فدخل دمشق من الغد وأدخل الرأس إلى يزيد عليه اللعنة فابتدر قاتل الحسين إلى يزيد فقال :

املأ ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

ضربته بالسيف حتى انقلبا

فأمر يزيد بقتله وقال حين علمت أن حسينا خير الناس أما وأبا لم قتلته وجعل الرأس في طشت وهو ينظر إلى أسنانه وهو يقول

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل‏

فجزيناهم ببدر مثلها

وبأحد يوم أحد فاعتدل‏

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

فدخل عليه زيد بن أرقم ورأى الرأس في الطشت وهو يضرب بالقضيب على أسنانه فقال كف عن ثناياه فطالما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبلها. فقال يزيد لو لا أنك شيخ خرفت لقتلتك ودخل عليه رأس اليهود. فقال ما هذا الرأس فقال رأس خارجي قال ومن هو قال الحسين قال ابن من قال ابن علي قال ومن أمه قال فاطمة قال ومن فاطمة قال بنت محمد قال نبيكم قال نعم. قال لا جزاكم الله خيرا بالأمس كان نبيكم واليوم قتلتم ابن بنته. ويحك إن بيني وبين داود النبي نيفا وسبعين أبا فإذا رأتني اليهود كفرت لي. ثم مال إلى الطشت وقبل الرأس وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمدا رسول الله وخرج فأمر يزيد بقتله وأمر بالرأس فأدخل القبة التي بإزاء القبة الذي يشرب فيه ووكلنا بالرأس وكل ذلك كان في قلبي فلم يحملني النوم في تلك القبة فلما دخل الليل وكلنا أيضا بالرأس. فلما مضى وهن من الليل سمعت دويا من السماء وإذا مناديا ينادي يا آدم اهبط فهبط أبو البشر ومعه خلق كثير من الملائكة. ثم سمعت دويا كالأول فإذا مناد ينادي يا إبراهيم اهبط. فهبط ومعه كثير من الملائكة. ثم سمعت مناديا ينادي اهبط يا موسى فهبط مع ملائكة. وسمعت مناديا ينادي يا عيسى اهبط فهبط ومعه ملائكة. ثم سمعت دويا عظيما ومناد ينادي يا محمد اهبط. فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة فأحدقت الملائكة بالقبة. ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل القبة فأخذ الرأس منها. وفي رواية قعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)  تحت الرأس فانحنى الرمح ووقع الرأس في حجره فأخذه وجاء به إلى آدم (عليه السلام) فقال يا أبي يا آدم ما ترى ما فعلت أمتي بولدي من بعدي فاقشعر لذلك جلدي. ثم قام جبرئيل فقال يا محمد أنا صاحب الزلازل فأمرني لأزلزل بهم الأرض وأصيح بهم صيحة يهلكون فيها فيها فقال لا قال يا محمد دعني وهؤلاء الأربعين الموكلين بالرأس قال فدونك فجعل ينفخ بواحد واحد فيهلك فدنا مني وقال أتسمع وترى فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوه دعوه لا يغفر الله له فتركني وأخذوا الرأس وولوا فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر. ولحق عمر بن سعد بالري فما لحق بسلطانه ومحق الله عمره وأهلك في الطريق. فقال الأعمش قلت للرجل تنح عني لا تحرقني بنارك. فوليت ولا أدري ما كان من خبره).  

أقول هذا الخبر كان في نسختنا من الخرائج ساقطاً منه شيء كثير من السند والمتن فنقلناه من مقتل البحار ولذا صدرناه بلفظة عنه كما هو اصطلاحنا في هذا الكتاب فيما ننقل عن شيء من الكتب بالواسطة إما لعدم وجود أصل الكتاب عندنا أو لاختلال النسخة وأما لغير ذلك من الأسباب، ثم أن قوله ولحق عمر بن سعد بالري إلى قوله ومحق الله عمره فأهلك في الطريق مناف لما في الروايات المعتبرة من أن ابن سعد قتله المختار رحمه الله ولعل هذا الرجل أخبر عن زعمه ولا صحة فيه، وأما قوله فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر. فاعلم أن الرأس الشريف قد اختلفت فيه الروايات المعصومية وغيرها اختلافا كثيرا ففي كثير من الروايات المعصومية المروية في الكافي والتهذيب وغيرهما أنه دفن بجنب أمير المؤمنين (عليه السلام) منها ما رواه الثقة الجليل أبو القسم جعفر بن محمد بن قولويه في كتابه كامل الزيارات عن أبيه والكليني معاً (عن علي عن أبيه عن يحيى بن زكريا عن يزيد بن عمرو بن طلحة قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) وهو بالحيرة أما تريد ما وعدتك قال قلت بلى يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) قال فركب وركب إسماعيل معه وركبت معهم حتى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهم فصلى وصلى إسماعيل وصليت فقال لإسماعيل قم فسلم على جدك الحسين بن علي فقلت جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء فقال نعم ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين صلوات الله عليهما). .

وفيه أيضاً عن محمد بن الحسن ومحمد بن أحمد بن الحسين معا عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن علي بن أحمد بن أشيم عن يونس بن ظبيان أو عن رجل عن يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن الملعون عبيد الله بن زياد لعنه الله لما بعث برأس الحسين بن علي (عليه السلام) إلى الشام رد إلى الكوفة فقال أخرجوه عنها لا يفتتن به أهلها فصيره الله عند أمير المؤمنين فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس).

وقال ابن طاووس رحمه الله في اللهوف فأما رأس الحسين (عليه السلام) فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف عليه السلام وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه ورويت آثار كثيرة مختلفة غير ما ذكرناه تركنا وضعها كيلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب،هي.

ونقل المجلسي في البحار عن ابن نما أنه قال  (وأما الرأس الشريف اختلف الناس فيه فقال قوم إن عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة، وعن منصور بن جمهور أنه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت وجد به جؤنة حمراء فقال لغلامه سليم احتفظ بهذه الجؤنة فإنها كنز من كنوز بني أمية فلما فتحها إذا فيها رأس الحسين (عليه السلام) وهو مخضوب بالسواد فقال لغلامه ائتني بثوب فأتاه به فلفه ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق، وحدثني جماعة من أهل مصر أن مشهد الرأس عندهم يسمونه مشهد الكريم عليه من الذهب شي‏ء كثير يقصدونه في المواسم ويزورونه ويزعمون أنه مدفون هناك والذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه، ثم نقل عن صاحب المناقب الذي نقل عنه في مقتل البحار كثيراً أنه قال ذكر الإمام أبو العلاء الحافظ بإسناده عن مشايخه أن يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين (عليه السلام) بعث إلى المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من أهله معهم وجهزهم بكل شيء ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها وبعث برأس الحسين (عليه السلام) إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو إذ ذاك عامله على المدينة فقال عمرو وددت أنه لم يبعث به إلي ثم أمر عمرو به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة (عليه السلام)، وذكر غيره أن سليمان بن عبد الملك بن مروان رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام كأنه يبره ويلطفه فدعا الحسن البصري فسأله عن ذلك فقال لعلك اصطنعت إلى أهله معروفا فقال سليمان إني وجدت رأس الحسين (عليه السلام) في خزانة يزيد بن معاوية فكسوته خمسة من الديباج وصليت عليه في جماعة من أصحابي وقبرته فقال الحسن إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رضي منك بسبب ذلك وأحسن إلى الحسن وأمره بالجوائز، وذكر غيرهما أن رأسه (عليه السلام) صلب بدمشق ثلاثة أيام ومكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان بن عبد الملك فطلب فجي‏ء به وهو عظيم أبيض فجعله في سفط وطيبة وجعل عليه ثوبا ودفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلى عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى المكان يطلب منه الرأس فأخبر بخبره فسأل عن الموضع الذي دفن فيه فنبشه وأخذه والله أعلم ما صنع به فالظاهر من دينه أنه بعث إلى كربلاء فدفن مع جسده (عليه السلام). ثم قال المجلسي أقول هذه أقوال المخالفين في ذلك والمشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده رده علي بن الحسين (عليه السلام) وقد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفون عند قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيأتي بعضها والله يعلم). انتهى كلامه زيد مقامه . والذي عليه التعويل أحد الأمرين إما الدفن بالكوفة وإما لحوقه بجسده (عليه السلام) والله أعلم.

الإمام الصادق عليه السلام يصلي في مواضع منها مكان نزول رأس الحسين

السابع والتسعون عن الدلائل لمحمد بن جرير الطبري قال  حدثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي قال حدثنا أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال حدثنا أبو علي محمد بن همام قال حدثنا حبيب بن الحسين قال حدثنا أبو هاشم عبيد بن خارجة عن علي بن عثمان عن فرات بن أحنف قال (كنت مع أبي عبد الله ونحن نريد زيارة أمير المؤمنين فلما صرنا إلى الثوية نزل فصلى ركعتين فقلت يا سيدي ما هذه الصلاة قال هذا موضع منبر القائم أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى القائم الذي على الطريق فنزل فصلى ركعتين فقلت ما هذه الصلاة قال هاهنا شكرا لله نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين في صندوق فبعث الله عز وجل طيرا فاحتمل الصندوق بما فيه فمر بهم جمال فأخذوا رأسه وجعلوه في الصندوق فحملوه فنزلت وصليت هاهنا ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى موضع فنزل وصلى ركعتين وقال هاهنا قبر أمير المؤمنين أما إنه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلا ممتحنا في نفسه بالقتل يبني عليه حصنا فيه سبعون طاقا قال حبيب بن الحسين سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شيء ثم إن محمد بن زيد وجه فبنى عليه فلم تذهب الأيام حتى امتحن محمد في نفسه بالقتل).  

أقول : هذا الحديث كما ترى ينافي ساير الأخبار الواردة في حمل عين رأسه (عليه السلام) إلى الشام وما ظهر منه في ذلك الخلال من الآثار والمعجزات التي طرق سمعك كثير منها في هذا الكتاب وبقي جملة مما وصل إلينا منها لعدم سعة الكتاب لها، وبالجملة التعويل على ظاهر هذا الخبر مستلزم لطرح جم غفير من الأخبار والروايات المعتبرة المعصومية وغيرها فالأولى تركه في سنبله ورد علمه إلى المعصوم (عليه السلام) أو توجيهه بما لا ينافي ساير الأخبار كأن يقال مثلاً أنه قد مضى في الرواية المعصومية أن الرأس الشريف بعدما حمل إلى الشام رد إلى الكوفة فيحتمل أن تكون هذه الواقعة قد وقعت عند حملهم له إلى الكوفة في المرة الثانية ويعضد التأويل قول أبي عبد الله (عليه السلام) في ذلك الحديث ( فصيره الله عند أمير المؤمنين (عليه السلام) ) فإنه (عليه السلام) لم يقل فصيروه أو دفنوه عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وإنما قال فصيره الله إشارة إلى أن ذلك كان أمراً غيبياً وما كان من عمل أولئك الملاعنين فحينئذ يمكن أن يكون إشارة إلى هذه الواقعة أعني حديث الطير ولا ينافي قوله (عليه السلام) في الحديث الآخر أيضاً أنه سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين لأن الطير أيضاً من مواليهم (عليهم السلام) بل يحتمل أن يكون ذلك الطير من الملائكة أو نفس روحه الشريفة فيكون إشارة إلى رفعه إلى السماء كما ورد في الأخبار من عدم بقاء أجسادهم (عليهم السلام) في الأرض وعليه فيمكن أن يراد بالمولى في الخبر الآخر السيد إن أردنا الجمع بين الخبرين ولا اعتداد بمعارضة لباقي الروايات التي مرت آنفاً لعدم استناد شيء منها إلى المعصوم.

 

الحسين عليه السلام يرد بصر أعمى

الثامن والتسعون مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب عن الباقر (عليه السلام) قال حدثني نجاد مولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : (رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يرمي نصالاً ورأيت الملائكة يردون عليه أسهمه فعميت وذهبت إلى مولاي الحسين فذكرت ذلك إليه فقال لعلك رأيت الملائكة ترد على أمير المؤمنين سهمه فقلت أجل فمسح بيده على عيني فرجعت بصيراً [بقوة الله تعالى]).

خمسون ألف ملك شعثا غبرا يسكنون عند قبر الحسين عليه السلام

التاسع والتسعون عن كامل الزيارات قال حدثني أبي رحمه الله تعالى عن سعد بن عبد الله عن بعض أصحابه عن أحمد بن قتيبة الهمداني عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) :(إني كنت بالحائر ليلة عرفة وكنت أصلي وثم نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيبة روائحهم وأقبلوا يصلون الليلة [الليل‏] أجمع فلما طلع الفجر سجدت ثم رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا، فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام) :إنه مر بالحسين (عليه السلام) خمسون ألف ملك وهو يقتل فعرجوا إلى السماء فأوحى الله تعالى إليهم مررتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه فاهبطوا إلى الأرض فاسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى يوم تقوم الساعة).

الإمام زين العابدين عليه السلام يخبر زائدة ببعض أخبار الحسين

المائة وعنه حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثني أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال الطائي البصري رحمه الله  قال حدثني أبو عثمان سعيد بن محمد قال حدثنا محمد بن سلام بن يسار [سيار] الكوفي قال حدثني أحمد بن محمد الواسطي قال حدثني عيسى بن أبي شيبة القاضي قال حدثني نوح بن دراج قال حدثني قدامة بن زائدة عن أبيه قال : قال علي بن الحسين (عليه السلام) : (بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحيانا فقلت إن ذلك لكما بلغك فقال لي فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحدا على محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمة من حقنا فقلت والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله ولا أحفل بسخط من سخط ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه فقال والله إن ذلك لكذلك فقلت والله إن ذلك لكذلك يقولها ثلاثا وأقولها ثلاثا فقال أبشر ثم أبشر ثم أبشر فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب [البحر] المخزون فإنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا وقتل أبي (عليه السلام) وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا فعظم ذلك في صدري واشتد لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي (عليه السلام) فقالت ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي فقلت وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء مسلبين لا يكفنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر فقالت لا يجزعنك ما ترى فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جدك وأبيك وعمك ولقد أخذ الله الميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا فقلت وما هذا العهد وما هذا الخبر فقالت نعم حدثتني أم أيمن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زار منزل فاطمة (عليه السلام) في يوم من الأيام فعملت له حريرة وأتاه علي (عليه السلام) بطبق فيه تمر ثم قالت أم أيمن فأتيتهم بعس فيه لبن وزبد فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) من تلك الحريرة وشرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشربوا من ذلك اللبن ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد ثم غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده وعلي يصب عليه الماء فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظرا عرفنا به السرور في وجهه ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا ثم إنه وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا ثم خر ساجدا وهو ينشج فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي وقالت له فاطمة ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك فقال يا أخي سررت بكم وقال مزاحم بن عبد الوارث في حديثه هاهنا فقال يا حبيبي إني سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته علي فيكم إذ هبط على جبرئيل (عليه السلام) فقال يا محمد إن الله تبارك وتعالى اطلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك فأكمل لك النعمة وهنأك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم يحبون كما تحب ويعطون كما تعطي حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك، براء من الله ومنك خبطا خبطا وقتلا قتلا شتى مصارعهم نائية قبورهم خيرة من الله لهم ولك فيهم فاحمد الله عز وجل على خيرته وارض بقضائه فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم ثم قال لي جبرئيل يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك مغلوب على أمتك متعوب من أعدائك ثم مقتول بعدك يقتله أشر الخلق والخليقة وأشقى البرية يكون نظير عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته وهو مغرس شيعته وشيعة ولده وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم وإن سبطك هذا وأومأ بيده إلى الحسين (عليه السلام) مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض يقال لها كربلاء من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة يقتل فيها سبطك وأهله وأنها من بطحاء الجنة فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها ومادت الجبال وكثر اضطرابها واصطفقت البحار بأمواجها وماجت السماوات بأهلها غضبا لك يا محمد ولذريتك واستعظاما لما ينتهك من حرمتك ولشر ما تكافى به في ذريتك وعترتك ولا يبقى شي‏ء من ذلك إلا استأذن الله عز وجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فيهن إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام وعزتي وجلالي لأعذبن من وتر رسولي وصفيي وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهل بيته [أهله‏] عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فعند ذلك يضج كل شي‏ء في السماوات والأرضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله عز وجل قبض أرواحها بيده وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرد مملوة من ماء الحياة وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنة فغسلوا جثثهم بذلك الماء وألبسوها الحلل وحنطوها بذلك الطيب وصلت الملائكة صفا صفا عليهم ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية فيوارون أجسامهم ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق وسببا للمؤمنين إلى الفوز وتحفه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك في كل يوم وليلة ويصلون عليه ويطوفون عليه ويسبحون الله عنده ويستغفرون الله لمن زاره ويكتبون أسماء من يأتيه زائرا من أمتك متقربا إلى الله تعالى وإليك بذلك وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار يدل عليهم ويعرفون به وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل وعلي إمامنا ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصى عددهم ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير الله عز وجل وسيجتهد أناس ممن حقت عليهم اللعنة من الله والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلا ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا أبكاني وأحزنني قالت زينب فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبي (عليه السلام) ورأيت عليه أثر الموت منه قلت له يا أبة حدثتني أم أيمن بكذا وكذا وقد أحببت أن أسمعه منك فقال يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن وكأني بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس فصبرا صبرا فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لله على ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم ولقد قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أخبرنا بهذا الخبر إن إبليس لعنه الله في ذلك اليوم يطير فرحا فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته فيقول يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة وبلغنا في هلاكهم الغاية وأورثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم ولا ينجو منهم ناج ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب أنه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر قال زائدة ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام) بعد أن حدثني بهذا الحديث خذه إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا).

يقول الضعيف  محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب إن كرامات مولانا الحسين (عليه السلام) ومعجزاته أكثر من أن تعدها أنامل الإحصاء وأعظم من أن تحدّها أقلام الاستقصاء فكيف بمثل هذا الكتاب المقصور على عدد محصور فلنختمها هذا الحديث الشريف الذي قال في حقه الإمام (عليه السلام) ما سمعت ومن أراد الوقوف على أزيد من ذلك فعليه بكتب المعجزات والدلائل وما كتب في أحواله من المقاتل ولا سيما العاشر من كتاب بحار الأنوار لشيخنا العلامة المجلسي جزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء فإنه قدس سره لم يأل جهداً في جميع الأخبار الشاذة والآثار الواردة في كل باب وإن كان قد فاته هو رحمه الله أيضاً كثير من الأخبار لعدم حضور كثير من الكتب عنده ولكن كتابه مع ذلك من أكمل كتب الأخبار وأجمعها لمتشتتات الآثار.

والسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته.

تم الجزء الثاني من القسم الثاني ويتلوه الجزء الثالث منه إنشاء الله تعالى .

ـ ربوبية هي جهته من ربه لا بمعنى ما زعمه أهل الإلحاد من كون حقيقة العبد عين ذات الرب تعالى بل بمعنى كونها آيته وعنوانه ودليله وظهوره الفعلي ولا ريب أن جهة العبودية من حيث هي مخالفة لجهة الربوبية فهي حاجبته  عن مشاهدة جمال الرب ما دامت باقية على حالها وجميع العباد مكلفون بكشف ذلك الحجاب ليحصل لهم معرفة رب الأرباب ومشاهدة جماله الظهوري بعينه التي أعطاها إياهم وهي المعبّر عنها بالعين الفؤادي التي أشار إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله ((لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته بحقايق الإيمان ))  وذلك في جواب من سأله هل رأيت ربك؟ فقال (عليه السلام) كيف أعبد رباً لم أره . روى أهل السير أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله أرأيته حين عبدت الله فقال له أمير المؤمنين لم أك بالذي أعبد من لم أره فقال كيف رأيته يا أمير المؤمنين فقال له ويحك لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان‏(  )ولا يحصل هذا الكشف إلا بسحق جهة العبودية بصلابة الآداب الشرعية والأخلاق الروحانية والحقائق الربانية فإنها إذا استقت بتلك الأمور نعمت أجزائها ولطفت وصفت بتكرار الحل والعقد وزالت عن أجزائها غرائب الأكدار فشابهت جواهر أوائل عللها وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد انصبغت بصبغ جهة الربوبية فارتفع الخلاف من البين واتحد حكم الجهتين وجاء امتزاج البحرين بحر العبودية وبحر الربوبية وحصل مصداق قول الشاعر:

رق الزجاج ورقت الخمر

فتــشــاكـلا فتشـابــه الأمر

فــكــأنمـا خمــر ولا قــدح

وكـــأنما قــدح ولا خـمــر

فإذا بلغ العبد هذا المقام لم يبق بينه وبين ربه حجاب فيدخل مجلس القدس ويجلس مع المحبوب في سرير الأنس وهو وجه الحق الذي ظهر له به فافهم. هذا حال ساير الخلق أما المعصوم (عليه السلام) فهذا المقام حاصل له مساوقا لبدء خلقه فليس بين الله وبين حجته حجاب في حال من الأحوال كما مر صريح الحديث في ذلك القسم الأول من الكتاب، نعم إنهم (عليهم السلام) يلبسوا بعض العوارض بالعرض في هذه الدار الفانية ليطيق الخلق رؤيتهم فيتمكنوا من تكميلهم وهو أحد الأسرار في بكائهم واستغفارهم إلى الله تعالى من غير ذنب لحق ذواتهم فافهم. فإذا خلعوا هذا اللباس العرضي وانتقلوا إلى الدار الباقية خلص لهم ذلك  المقام (فح) يزورهم الرب تعالى وصافحهم ويقعدون معه على سرير واحد لاتحاد حكم العبودية مع حكم الربوبية وفنائها في جنبها كما حصل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في معراجه فإن الذي حصل له (صلى الله عليه وآله وسلم) في عروجه إلى السماء هو الذي حصل للحسين (عليه السلام) في نزوله إلى الأرض وكذا لساير الأئمة في إدبارهم عن الخلق وإقبالهم إلى الحق وليس للعبد وراء هذا المقام مقام كما صرح (عليه السلام) بقوله (هذه والله الرفعة) التي ليس فوقها شيء ولا لورائها مطلب، فافهم يا أخي أسرار أئمتك ولا تحمل أخبارهم على ما اقترحه أهل الجهل والإلحاد والزندقة فإن الممكن لا يصعد إلى الأزل ولا الأزل ينزل إليه إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها انتهى المخلوق إلى مثله وألجأه الطلب إلى شكله فالطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده إثباته فهذا هو معنى الحديث على الإجمال ولو كان للقلب إقبال لأعطينا البيان حقه وكشفنا من أسرار الخبر ما يبهر العقول ولكني قدمت العذر في ذلك ولكل بناء مستقر.

الثالث والتسعون عن كامل الزيارات للشيخ الثقة الجليل أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثني أبي وجماعة من مشايخي عن أحمد بن ادريس عن العمركي بن علي النوفلي عن عدة من أصحابنا الحسن بن عبد الله بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن الحسين بن بنت أبي حمزة الثمالي قال خرجت في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين بن علي (عليهم السلام) مستخفيا من أهل الشام حتى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي انصرف مأجورا فإنك لا تصل إليه فرجعت فزعا حتى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه خرج إلي الرجل فقال لي يا هذا إنك لن تصل إليه فقلت له عافاك الله ولم لا أصل إليه وقد أقبلت من الكوفة أريد زيارته فلا تحل بيني وبينه عافاك الله وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني هاهنا قال فقال لي اصبر قليلا فإن موسى بن عمران (عليه السلام) سأل الله أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ثم يرجعون إلى السماء قال فقلت فمن أنت عافاك الله قال أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين (عليه السلام) والاستغفار لزواره فانصرفت وقد كاد يطير عقلي لما سمعت منه قال فأقبلت حتى إذا طلع الفجر أقبلت نحوه فلم يحل بيني وبينه أحد فدنوت منه فسلمت عليه ودعوت الله على قتلته وصليت الصبح وأقبلت مسرعا مخافة أهل الشام).

الرابع والتسعون العاشر من البحار عن بعض كتب المناقب المعتبرة (عن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد البيهقي عن والده عن محمد بن الحسين القطان عن عبيد الله بن جعفر بن درستويه النحوي عن يعقوب بن سفيان عن النضر بن عبد الجبار عن أبي لهيعة عن أبي قبيل قال لما قتل الحسين بن علي (عليهم السلام) كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها)، هي.

أقول وفي مناقب ابن شهر آشوب عن تاريخ النسوي عن أبي قبيل مثله.

الخامس والتسعون منتخب الطريحي  قال (وروي من طريق أهل البيت (عليهم السلام) أنه لما استشهد الحسين (عليه السلام) بقي في كربلاء صريعا ودمه على الأرض مسفوحا وإذا بطائر أبيض قد أتى وتمسح بدمه وجاء والدم يقطر منه فرأى طيورا تحت الظلال على الغصون والأشجار وكل منهم يذكر الحب والعلف والماء فقال لهم ذلك الطير المتلطخ بالدم يا ويلكم أتشتغلون بالملاهي وذكر الدنيا والمناهي والحسين في أرض كربلاء في هذا الحر ملقى على الرمضاء ظامئ مذبوح ودمه مسفوح فعادت الطيور كل منهم قاصدا كربلاء فرأوا سيدنا الحسين (عليه السلام) ملقى في الأرض جثة بلا رأس ولا غسل ولا كفن قد سفت عليه السوافي وبدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها زواره وحوش القفار وندبته جن السهول والأوعار قد أضاء التراب من أنواره وأزهر الجو من أزهاره فلما رأته الطيور تصايحن وأعلن بالبكاء والثبور وتواقعن على دمه يتمرغن فيه وطار كل واحد منهم إلى ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فمن القضاء والقدر أن طيرا من هذه الطيور قصد مدينة الرسول وجاء يرفرف والدم يتقاطر من أجنحته ودار حول قبر سيدنا رسول الله يعلن بالنداء ألا قتل الحسين بكربلاء ألا ذبح الحسين بكربلاء فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح وشاهدوا الدم يتقاطر من الطير لم يعلموا ما الخبر حتى انقضت مدة من الزمان وجاء خبر مقتل الحسين علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول وقرة عين الرسول وقد نقل أنه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة كان في المدينة رجل يهودي وله بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة والجذام قد أحاط ببدنها فجاء ذلك الطائر والدم يتقاطر منه ووقع على شجرة يبكي طول ليلته وكان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة إلى بستان وتركها في البستان الذي جاء الطير ووقع فيه فمن القضاء والقدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض فدخل المدينة لقضاء حاجته فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعلولة والبنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها لأن أباها كان يحدثها ويسليها حتى تنام فسمعت عند السحر بكاء الطير وحنينه فبقيت تتقلب على وجه الأرض إلى أن صارت تحت الشجرة التي عليها الطير فصارت كلما حن ذلك الطير تجاوبه من قلب محزون فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدم فوقعت على عينها ففتحت ثم قطرة أخرى على عينها الأخرى فبرأت ثم قطرة على يديها فعوفيت ثم على رجليها فبرأت وعادت كلما قطرت قطرة من الدم تلطخ به جسدها فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسين (عليه السلام) فلما أصبحت أقبل أبوها إلى البستان فرأى بنتا تدور ولم يعلم أنها ابنته فسألها أنه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرك فقالت ابنته والله أنا ابنتك فلما سمع كلامها وقع مغشيا عليه فلما أفاق قام على قدميه فأتت به إلى ذلك الطير فرآها واكرا على الشجرة يئن من قلب حزين محترق مما رأى مما فعل بالحسين (عليه السلام) فقال له اليهودي أقسمت عليك بالذي خلقك أيها الطير أن تكلمني بقدرة الله تعالى فنطق الطير مستعبرا ثم قال إني كنت واكرا على بعض الأشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة وإذا بطير ساقط علينا وهو يقول أيها الطيور تأكلون وتتنعمون والحسين في أرض كربلاء في هذا الحر على الرمضاء طريحا ظامئا والنحر دام ورأسه مقطوع على الرمح مرفوع ونساؤه سبايا حفاة عرايا فلما سمعن بذلك تطايرن إلى كربلاء فرأيناه في ذلك الوادي طريحا الغسل من دمه والكفن الرمل السافي عليه فوقعنا كلنا عليه ننوح ونتمرغ بدمه الشريف وكان كل منا طار إلى ناحية فوقعت أنا في هذا المكان فلما سمع اليهودي ذلك تعجب وقال لو لم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند الله ما كان دمه شفاء من كل داء ثم أسلم اليهودي وأسلمت البنت وأسلم خمسمائة من قومه‏).

السادس والتسعون عن الخرائج (عن أبي الفرج سعيد بن أبي الرجاء عن محمد بن عبدالله بن عمر الخاني عن أبي القاسم بكراد بن الطيب بن شمعون عن أبي بكر بن أحمد بن يعقوب. عن أحمد بن عبد الرحمن عن سعد عن الحسن بن عمر عن سليمان بن مهران الأعمش قال بينا أنا في الطواف بالموسم إذ رأيت رجلا يدعو وهو يقول اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تفعل. قال فارتعدت لذلك فدنوت منه وقلت يا هذا أنت في حرم الله وحرم رسوله وهذه أيام حرم في شهر عظيم فلم تيأس من المغفرة. قال يا هذا ذنبي عظيم قلت أعظم من جبل تهامة قال نعم. قلت يوازن الجبال الرواسي قال نعم فإن شئت أخبرتك. قلت أخبرني قال اخرج بنا عن الحرم فخرجنا منه فقال لي أنا أحد من كان في العسكر المشئوم عسكر عمر بن سعد عليه اللعنة حين قتل الحسين بن علي (عليه السلام) وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة فلما حملناه على طريق الشام نزلنا على دير للنصارى وكان الرأس معنا مركوزا على رمح ومعه الأحراس فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل فإذا بكف في حائط الدير تكتب

أتــرجو أمــة قتلــت حسيــنا

شفاعــة جــده يوم الحساب‏

قال فجزعنا من ذلك جزعا شديدا وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت ثم عاد أصحابي إلى الطعام فإذا الكف قد عادت تكتب مثل الأول

فلا والله ليــس لهــم شفيــع

وهم يوم القيامة في العذاب‏

فقام أصحابنا إليها فغابت ثم عادوا إلى الطعام فعادت تكتب

وقد قتــلوا الحسين بحكم جور

وخالف حكمهم حكم الكتاب‏

فامتنعت عن الطعام وما هنأني أكله ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس فأشرف فرأى عسكرا فقال الراهب للحراس من أين جئتم قالوا من العراق حاربنا الحسين فقال الراهب ابن فاطمة وابن بنت نبيكم وابن ابن عم نبيكم قالوا نعم قال تبا لكم والله لو كان لعيسى ابن مريم ابن لحملناه على أحداقنا ولكن لي إليكم حاجة قالوا وما هي قال قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف دينار ورثتها من آبائي ليأخذها مني ويعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل فإذا رحل رددته إليه. فأخبروا عمر بن سعد بذلك فقال خذوا منه الدنانير وأعطوه إلى وقت الرحيل فجاءوا إلى الراهب فقالوا هات المال حتى نعطيك الرأس فأدلى إليهم جرابين في كل جراب خمسة آلاف دينار فدعا عمر بالناقد والوزان فانتقدها ووزنها ودفعها إلى خازن له وأمر أن يعطى الرأس. فأخذ الراهب الرأس فغسله ونظفه وحشاه بمسك وكافور كان عنده ثم جعله في حريرة ووضعه في حجره ولم يزل ينوح ويبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس فقال يا رأس والله ما أملك إلا نفسي فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمد أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده ورسوله أسلمت على يديك وأنا مولاك ثم قال لهم إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة وأعطيه الرأس فدنا عمر بن سعد منه فقال سألتك بالله وبحق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس ولا تخرج هذا الرأس من هذا الصندوق فقال له أفعل. فأعطاهم الرأس ونزل من الدير فلحق ببعض الجبال يعبد الله. ومضى عمر بن سعد ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأول. فلما دنا من دمشق قال لأصحابه انزلوا وطلب من خازنه الجرابين فأحضرا بين يديه فنظر إلى خاتمه ثم أمر أن يفتحا فإذا الدنانير قد تحولت خزفية فنظروا في سكتها فإذا على جانب مكتوب ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ. وعلى الوجه الآخر وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. فقال إنا لله وإنا إليه راجعون خسرت الدنيا والآخرة. ثم قال لغلمانه اطرحوها في النهر فطرحت فدخل دمشق من الغد وأدخل الرأس إلى يزيد عليه اللعنة فابتدر قاتل الحسين إلى يزيد فقال

امــلأ ركــابي فضة أو ذهبا

إنــي قـتــلـت الملـك المحجبا

قتلــت خيـر الناس أما وأبا

ضربته بالسيف حتى انقلبا

فأمر يزيد بقتله وقال حين علمت أن حسينا خير الناس أما وأبا لم قتلته وجعل الرأس في طشت وهو ينظر إلى أسنانه وهو يقول

ليــت أشيــاخي ببــدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل‏

فــأهــلــوا واسـتــهلــوا فرحــا

ثــم قــالــوا يــا يــزيــد لا تشل‏

فجـــزيناهـــم ببــدر مثلـــهـــا

وبــأحــد يــوم أحــد فاعتـدل‏

لسـت من خندف إن لم أنتقم

مـن بني أحمــد ما كــان فعـل‏

فدخل عليه زيد بن أرقم ورأى الرأس في الطشت وهو يضرب بالقضيب على أسنانه فقال كف عن ثناياه فطالما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبلها. فقال يزيد لو لا أنك شيخ خرفت لقتلتك ودخل عليه رأس اليهود. فقال ما هذا الرأس فقال رأس خارجي قال ومن هو قال الحسين قال ابن من قال ابن علي قال ومن أمه قال فاطمة قال ومن فاطمة قال بنت محمد قال نبيكم قال نعم. قال لا جزاكم الله خيرا بالأمس كان نبيكم واليوم قتلتم ابن بنته. ويحك إن بيني وبين داود النبي نيفا وسبعين أبا فإذا رأتني اليهود كفرت لي. ثم مال إلى الطشت وقبل الرأس وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمدا رسول الله وخرج فأمر يزيد بقتله وأمر بالرأس فأدخل القبة التي بإزاء القبة الذي يشرب فيه ووكلنا بالرأس وكل ذلك كان في قلبي فلم يحملني النوم في تلك القبة فلما دخل الليل وكلنا أيضا بالرأس. فلما مضى وهن من الليل سمعت دويا من السماء وإذا مناديا ينادي يا آدم اهبط فهبط أبو البشر ومعه خلق كثير من الملائكة. ثم سمعت دويا كالأول فإذا مناد ينادي يا إبراهيم اهبط. فهبط ومعه كثير من الملائكة. ثم سمعت مناديا ينادي اهبط يا موسى فهبط مع ملائكة. وسمعت مناديا ينادي يا عيسى اهبط فهبط ومعه ملائكة. ثم سمعت دويا عظيما ومناد ينادي يا محمد اهبط. فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة فأحدقت الملائكة بالقبة. ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل القبة فأخذ الرأس منها. وفي رواية قعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)  تحت الرأس فانحنى الرمح ووقع الرأس في حجره فأخذه وجاء به إلى آدم (عليه السلام) فقال يا أبي يا آدم ما ترى ما فعلت أمتي بولدي من بعدي فاقشعر لذلك جلدي. ثم قام جبرئيل فقال يا محمد أنا صاحب الزلازل فأمرني لأزلزل بهم الأرض وأصيح بهم صيحة يهلكون فيها فيها فقال لا قال يا محمد دعني وهؤلاء الأربعين الموكلين بالرأس قال فدونك فجعل ينفخ بواحد واحد فيهلك فدنا مني وقال أتسمع وترى فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوه دعوه لا يغفر الله له فتركني وأخذوا الرأس وولوا فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر. ولحق عمر بن سعد بالري فما لحق بسلطانه ومحق الله عمره وأهلك في الطريق. فقال الأعمش قلت للرجل تنح عني لا تحرقني بنارك. فوليت ولا أدري ما كان من خبره).

أقول هذا الخبر كان في نسختنا من الخرائج ساقطاً منه شيء كثير من السند والمتن فنقلناه من مقتل البحار ولذا صدرناه بلفظة عنه كما هو اصطلاحنا في هذا الكتاب فيما ننقل عن شيء من الكتب بالواسطة إما لعدم وجود أصل الكتاب عندنا أو لاختلال النسخة وأما لغير ذلك من الأسباب، ثم أن قوله ولحق عمر بن سعد بالري إلى قوله ومحق الله عمره فأهلك في الطريق مناف لما في الروايات المعتبرة من أن ابن سعد قتله المختار رحمه الله ولعل هذا الرجل أخبر عن زعمه ولا صحة فيه، وأما قوله فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر. فاعلم أن الرأس الشريف قد اختلفت فيه الروايات المعصومية وغيرها اختلافا كثيرا ففي كثير من الروايات المعصومية المروية في الكافي والتهذيب وغيرهما أنه دفن بجنب أمير المؤمنين (عليه السلام) منها ما رواه الثقة الجليل أبو القسم جعفر بن محمد بن قولويه في كتابه كامل الزيارات عن أبيه والكليني معاً (عن علي عن أبيه عن يحيى بن زكريا عن يزيد بن عمرو بن طلحة قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) وهو بالحيرة أما تريد ما وعدتك قال قلت بلى يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) قال فركب وركب إسماعيل معه وركبت معهم حتى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهم فصلى وصلى إسماعيل وصليت فقال لإسماعيل قم فسلم على جدك الحسين بن علي فقلت جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء فقال نعم ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين صلوات الله عليهما).

وفيه أيضا (عن محمد بن الحسن ومحمد بن أحمد بن الحسين معا عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن علي بن أحمد بن أشيم عن يونس بن ظبيان أو عن رجل عن يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن الملعون عبيد الله بن زياد لعنه الله لما بعث برأس الحسين بن علي (عليه السلام) إلى الشام رد إلى الكوفة فقال أخرجوه عنها لا يفتتن به أهلها فصيره الله عند أمير المؤمنين فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس) وقال ابن طاووس  في اللهوف فأما رأس الحسين (عليه السلام) فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف (عليه السلام) وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه ورويت آثار كثيرة مختلفة غير ما ذكرناه تركنا وضعها كيلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب،هي.  ونقل المجلسي في البحار عن ابن نما أنه قال وأما الرأس الشريف اختلف الناس فيه فقال قوم إن عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة، وعن منصور بن جمهور أنه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت وجد به جؤنة حمراء فقال لغلامه سليم احتفظ بهذه الجؤنة فإنها كنز من كنوز بني أمية فلما فتحها إذا فيها رأس الحسين (عليه السلام) وهو مخضوب بالسواد فقال لغلامه ائتني بثوب فأتاه به فلفه ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق، وحدثني جماعة من أهل مصر أن مشهد الرأس عندهم يسمونه مشهد الكريم عليه من الذهب شي‏ء كثير يقصدونه في المواسم ويزورونه ويزعمون أنه مدفون هناك والذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه، ثم نقل عن صاحب المناقب الذي نقل عنه في مقتل البحار كثيراً أنه قال ذكر الإمام أبو العلاء الحافظ بإسناده عن مشايخه أن يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين (عليه السلام) بعث إلى المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من أهله معهم وجهزهم بكل شيء ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها وبعث برأس الحسين (عليه السلام) إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو إذ ذاك عامله على المدينة فقال عمرو وددت أنه لم يبعث به إلي ثم أمر عمرو به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة (عليه السلام)، وذكر غيره أن سليمان بن عبد الملك بن مروان رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام كأنه يبره ويلطفه فدعا الحسن البصري فسأله عن ذلك فقال لعلك اصطنعت إلى أهله معروفا فقال سليمان إني وجدت رأس الحسين (عليه السلام) في خزانة يزيد بن معاوية فكسوته خمسة من الديباج وصليت عليه في جماعة من أصحابي وقبرته فقال الحسن إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رضي منك بسبب ذلك وأحسن إلى الحسن وأمره بالجوائز، وذكر غيرهما أن رأسه (عليه السلام) صلب بدمشق ثلاثة أيام ومكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان بن عبد الملك فطلب فجي‏ء به وهو عظيم أبيض فجعله في سفط وطيبة وجعل عليه ثوبا ودفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلى عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى المكان يطلب منه الرأس فأخبر بخبره فسأل عن الموضع الذي دفن فيه فنبشه وأخذه والله أعلم ما صنع به فالظاهر من دينه أنه بعث إلى كربلاء فدفن مع جسده (عليه السلام). ثم قال المجلسي أقول هذه أقوال المخالفين في ذلك والمشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده رده علي بن الحسين (عليه السلام) وقد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفون عند قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيأتي بعضها والله يعلم)، انتهى كلامه زيد مقامه. والذي عليه التعويل أحد الأمرين إما الدفن بالكوفة وإما لحوقه بجسده (عليه السلام) والله أعلم.

السابع والتسعون عن الدلائل لمحمد بن جرير الطبري قال (حدثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي قال حدثنا أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال حدثنا أبو علي محمد بن همام قال حدثنا حبيب بن الحسين قال حدثنا أبو هاشم عبيد بن خارجة عن علي بن عثمان عن فرات بن أحنف قال كنت مع أبي عبد الله ونحن نريد زيارة أمير المؤمنين فلما صرنا إلى الثوية نزل فصلى ركعتين فقلت يا سيدي ما هذه الصلاة قال هذا موضع منبر القائم أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى القائم الذي على الطريق فنزل فصلى ركعتين فقلت ما هذه الصلاة قال هاهنا شكرا لله نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين في صندوق فبعث الله عز وجل طيرا فاحتمل الصندوق بما فيه فمر بهم جمال فأخذوا رأسه وجعلوه في الصندوق فحملوه فنزلت وصليت هاهنا ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى موضع فنزل وصلى ركعتين وقال هاهنا قبر أمير المؤمنين أما إنه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلا ممتحنا في نفسه بالقتل يبني عليه حصنا فيه سبعون طاقا قال حبيب بن الحسين سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شيء ثم إن محمد بن زيد وجه فبنى عليه فلم تذهب الأيام حتى امتحن محمد في نفسه بالقتل).

أقول هذا الحديث كما ترى ينافي سائر الأخبار الواردة في حمل عين رأسه (عليه السلام) إلى الشام وما ظهر منه في ذلك الخلال من الآثار والمعجزات التي طرق سمعك كثير منها في هذا الكتاب وبقي جملة مما وصل إلينا منها لعدم سعة الكتاب لها، وبالجملة التعويل على ظاهر هذا الخبر مستلزم لطرح جم غفير من الأخبار والروايات المعتبرة المعصومية وغيرها فالأولى تركه في سنبله ورد علمه إلى المعصوم (عليه السلام) أو توجيهه بما لا ينافي سائر الأخبار كأن يقال مثلاً إنه قد مضى في الرواية المعصومية أن الرأس الشريف بعدما حمل إلى الشام رد إلى الكوفة فيحتمل أن تكون هذه الواقعة قد وقعت عند حملهم له إلى الكوفة في المرة الثانية ويعضد التأويل قول أبي عبد الله (عليه السلام) في ذلك الحديث ( فصيره الله عند أمير المؤمنين (عليه السلام)) فإنه (عليه السلام) لم يقل فصيروه أو دفنوه عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وإنما قال فصيره الله إشارة إلى أن ذلك كان أمراً غيبياً وما كان من عمل أولئك الملاعنين (فح) يمكن أن يكون إشارة إلى هذه الواقعة أعني حديث الطير ولا ينافي قوله (عليه السلام) في الحديث الآخر أيضاً أنه سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين لأن الطير أيضاً من مواليهم (عليهم السلام) بل يحتمل أن يكون ذلك الطير من الملائكة أو نفس روحه الشريفة فيكون إشارة إلى رفعه إلى السماء كما ورد في الأخبار من عدم بقاء أجسادهم (عليهم السلام) في الأرض وعليه فيمكن أن يراد بالمولى في الخبر الآخر السيد إن أردنا الجمع بين الخبرين ولا اعتداد بمعارضة لباقي الروايات التي مرت آنفاً لعدم استناد شيء منها إلى المعصوم.

الثامن والتسعون مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب (عن الباقر (عليه السلام) قال حدثني نجاد مولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يرمي نصالاً ورأيت الملائكة يردون عليه أسهمه فعميت وذهبت إلى مولاي الحسين فذكرت ذلك إليه فقال لعلك رأيت الملائكة ترد على أمير المؤمنين سهمه فقلت أجل فمسح بيده على عيني فرجعت بصيراً [بقوة الله تعالى]).

التاسع والتسعون عن كامل الزيارات قال (حدثني أبي رحمه الله تعالى عن سعد بن عبد الله عن بعض أصحابه عن أحمد بن قتيبة الهمداني عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني كنت بالحائر ليلة عرفة وكنت أصلي وثم نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيبة روائحهم وأقبلوا يصلون الليلة [الليل‏] أجمع فلما طلع الفجر سجدت ثم رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام) إنه مر بالحسين (عليه السلام) خمسون ألف ملك وهو يقتل فعرجوا إلى السماء فأوحى الله تعالى إليهم مررتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه فاهبطوا إلى الأرض فاسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى يوم تقوم الساعة).

المائة وعنه حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثني أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال الطائي البصري   قال حدثني أبو عثمان سعيد بن محمد قال حدثنا محمد بن سلام بن يسار [سيار] الكوفي قال حدثني أحمد بن محمد الواسطي قال حدثني عيسى بن أبي شيبة القاضي قال حدثني نوح بن دراج قال حدثني قدامة بن زائدة عن أبيه قال قال علي بن الحسين (عليه السلام) بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحيانا فقلت إن ذلك لكما بلغك فقال لي فلما ذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحدا على محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمة من حقنا فقلت والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله ولا أحفل بسخط من سخط ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه فقال والله إن ذلك لكذلك فقلت والله إن ذلك لكذلك يقولها ثلاثا وأقولها ثلاثا فقال أبشر ثم أبشر ثم أبشر فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب [البحر] المخزون فإنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا وقتل أبي (عليه السلام) وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا فعظم ذلك في صدري واشتد لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي (عليه السلام) فقالت ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي فقلت وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء مسلبين لا يكفنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر فقالت لا يجزعنك ما ترى فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جدك وأبيك وعمك ولقد أخذ الله الميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا فقلت وما هذا العهد وما هذا الخبر فقالت نعم حدثتني أم أيمن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زار منزل فاطمة (عليه السلام) في يوم من الأيام فعملت له حريرة وأتاه علي (عليه السلام) بطبق فيه تمر ثم قالت أم أيمن فأتيتهم بعس فيه لبن وزبد فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) من تلك الحريرة وشرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشربوا من ذلك اللبن ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد ثم غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده وعلي يصب عليه الماء فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظرا عرفنا به السرور في وجهه ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا ثم إنه وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا ثم خر ساجدا وهو ينشج فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي وقالت له فاطمة ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك فقال يا أخي سررت بكم وقال مزاحم بن عبد الوارث في حديثه هاهنا فقال يا حبيبي إني سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته علي فيكم إذ هبط على جبرئيل (عليه السلام) فقال يا محمد إن الله تبارك وتعالى اطلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك فأكمل لك النعمة وهنأك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم يحبون كما تحب ويعطون كما تعطي حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك براء من الله ومنك خبطا خبطا وقتلا قتلا شتى مصارعهم نائية قبورهم خيرة من الله لهم ولك فيهم فاحمد الله عز وجل على خيرته وارض بقضائه فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم ثم قال لي جبرئيل يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك مغلوب على أمتك متعوب من أعدائك ثم مقتول بعدك يقتله أشر الخلق والخليقة وأشقى البرية يكون نظير عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته وهو مغرس شيعته وشيعة ولده وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم وإن سبطك هذا وأومأ بيده إلى الحسين (عليه السلام) مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض يقال لها كربلاء من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة يقتل فيها سبطك وأهله وأنها من بطحاء الجنة فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها ومادت الجبال وكثر اضطرابها واصطفقت البحار بأمواجها وماجت السماوات بأهلها غضبا لك يا محمد ولذريتك واستعظاما لما ينتهك من حرمتك ولشر ما تكافى به في ذريتك وعترتك ولا يبقى شي‏ء من ذلك إلا استأذن الله عز وجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فيهن إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام وعزتي وجلالي لأعذبن من وتر رسولي وصفيي وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهل بيته [أهله‏] عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فعند ذلك يضج كل شي‏ء في السماوات والأرضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله عز وجل قبض أرواحها بيده وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرد مملوة من ماء الحياة وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنة فغسلوا جثثهم بذلك الماء وألبسوها الحلل وحنطوها بذلك الطيب وصلت الملائكة صفا صفا عليهم ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية فيوارون أجسامهم ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق وسببا للمؤمنين إلى الفوز وتحفه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك في كل يوم وليلة ويصلون عليه ويطوفون عليه ويسبحون الله عنده ويستغفرون الله لمن زاره ويكتبون أسماء من يأتيه زائرا من أمتك متقربا إلى الله تعالى وإليك بذلك وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار يدل عليهم ويعرفون به وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل وعلي إمامنا ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصى عددهم ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير الله عز وجل وسيجتهد أناس ممن حقت عليهم اللعنة من الله والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلا ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا أبكاني وأحزنني قالت زينب فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبي (عليه السلام) ورأيت عليه أثر الموت منه قلت له يا أبة حدثتني أم أيمن بكذا وكذا وقد أحببت أن أسمعه منك فقال يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن وكأني بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس فصبرا صبرا فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لله على ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم ولقد قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أخبرنا بهذا الخبر إن إبليس لعنه الله في ذلك اليوم يطير فرحا فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته فيقول يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة وبلغنا في هلاكهم الغاية وأورثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم ولا ينجو منهم ناج ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب أنه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر قال زائدة ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام) بعد أن حدثني بهذا الحديث خذه إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا).

يقول الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب إن كرامات مولانا الحسين (عليه الصلاة والسلام) ومعجزاته أكثر من أن تعدها أنامل الإحصاء وأعظم من أن تحدّها أقلام الاستقصاء فكيف بمثل هذا الكتاب المقصور على عدد محصور فلنختمها هذا الحديث الشريف الذي قال في حقه الإمام (عليه السلام) ما سمعت ومن أراد الوقوف على أزيد من ذلك فعليه بكتب المعجزات والدلائل وما كتب في أحواله من المقاتل ولا سيما العاشر من كتاب بحار الأنوار لشيخنا العلامة المجلسي جزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء فإنه  لم يأل جهداً في جمع الأخبار الشاردة والآثار الواردة في كل باب وإن كان قد فاته هو  أيضاً كثير من الأخبار لعدم حضور كثير من الكتب عنده ولكن كتابه مع ذلك من أكمل كتب الأخبار وأجمعها لمتشتتات الآثار.

والسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته

 

تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع ان شاءالله