كتاب صحيفة الأبرار

 

ميرزا محمد التقي الشريف

 

 

المجلد الرابع

 

 

باب معجزات الإمام الهمام حجة الله على العباد وضياؤه المشرق في البلاد

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب السجاد صلوات الله عليه وعلى آبائه وأولاده الأمجاد

محمد بن الحنفية يقر  بالإمامة للإمام زين العابدين

الحديث الأول : الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة وزرارة جميعا عن أبي جعفر (عليه السلام) (لما قتل الحسين (عليه السلام) أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فخلا به فقال له : يا ابن أخي ؛ قد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ثم إلى الحسن (عليه السلام) ، ثم إلى الحسين (عليه السلام) وقد قتل أبوك (عليه السلام) وصلى على روحه ولم يوص ، وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي (عليه السلام) في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجني ، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) : يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين ، إن أبي يا عم صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) عندي فلا تتعرض لهذا فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال ، إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (عليه السلام) ، فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك ، قال أبو جعفر (عليه السلام) : وكان الكلام بينهما بمكة فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود ، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية : ابدأ أنت فابتهل إلى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر ثم سل ؛ فابتهل محمد بن الحنفية في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه ، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك ، قال له محمد : فادع الله أنت يا ابن أخي وسله ، فدعا الله علي بن الحسين (عليه السلام) بما أراد ثم قال : أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي (عليه السلام) قال : فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين فقال : اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين ابن علي (عليه السلام) إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) قال : فانصرف محمد بن علي وهو يتولى علي بن الحسين (عليه السلام).

الإمام يستدعي نون الحوت ليسأله عن بلاء يونس

الثاني : عن دلائل الطبري  قال : قال : أخبرني أخي  قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن علي -المعروف بابن البغدادي ومولده بسورى- في يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة قال: وجدت في الكتاب الملقب بكتاب المعضلات رواية أبي طالب محمد بن الحسين بن زيد قال : حدث أبوه عن ابن رياح يرفعه عن رجاله عن محمد ابن ثابت قال: (كنت جالسا في مجلس سيدنا أبي الحسن علي بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليه إذ وقف به عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له : يا علي بن الحسين بلغني أنك تدعي أن يونس بن متى عرضت عليه ولاية أبيك فلم يقبلها وحبس في بطن الحوت ، قال له علي بن الحسين(عليه السلام): يا عبد الله بن عمر وما أنكرت من ذلك ؟ قال : إني لا أقبله ، قال : أتريد أن يصح لك ذلك؟ قال : نعم ، قال له : اجلس ، ثم دعا غلامه فقال له: جئنا بعصابتين ، وقال لي : يا محمد بن ثابت شد عين عبد الله بإحدى العصابتين واشدد عينك بالأخرى ، فشددنا أعيننا فتكلم بكلام ثم قال: حلوا أعينكم  فحللناها فوجدنا أنفسنا على بساط ونحن على ساحل البحر فتكلم بكلام  فاستجاب له حيتان البحر إذ ظهرت بينهن حوتة عظيمة، فقال لها : ما اسمك ؟ فقالت : اسمي نون ، فقال لها : لم حبس يونس في بطنك ؟ قالت : عرضت عليه ولاية أبيك فأنكرها فحبس في بطني فلما أقر بها وأذعن أمرت فقذفته ، وكذلك من أنكر ولايتكم أهل البيت يخلد في نار الجحيم ، فقال له : يا عبد الله أسمعت وشهدت ، فقال له : نعم، فقال : شدوا أعينكم ، فشددناها فتكلم بكلام  ثم قال : حلوها ، فحللناها فإذا نحن على البساط في مجلسه فودعه عبد الله وانصرف ، فقلت له : يا سيدي لقد رأيت في يومي عجبا فآمنت به ، فترى عبد الله بن عمر يؤمن بما آمنت به ؟ فقال لي : أتحب أن تعرف ذلك ؟ فقلت : نعم ، قال : قم فاتبعه وماشه واسمع ما يقول لك ، فتبعته في الطريق ومشيت معه فقال لي : إنك لو عرفت سحر عبد المطلب لما كان هذا بشيء   في نفسك هؤلاء قوم يتوارثون السحر كابرا عن كابر فعند ذلك علمت أن الإمام لا يقول إلا حقا).

خبر آخر بنفس المعنى

أقول : ووجدت هذا الخبر في مناقب الشيخ الجليل ابن شهر آشوب وفيه بعض الزيادات فأحببت أن أعيده بروايته أيضا روى  في كتابه المذكور عن أبي حمزة الثمالي قال : (دخل عبد الله بن عمر على علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وقال له : يا ابن الحسين أنت الذي تقول إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها، قال: بلى ثكلتك أمك قال عبد الله بن عمر: فأرني آية  ذلك إن كنت من الصادقين؛ فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه، فقال ابن عمر: يا سيدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي، فقال علي بن الحسين(عليه السلام) : أردت البرهان، فقال: هيه وأريه إن كنت من الصادقين، ثم قال: يا أيتها الحوت قال فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول لبيك لبيك يا ولي الله فقال: من أنت؟ قال: أنا حوت يونس يا سيدي، قال: أنبئنا بالخبر،  قال: يا سيدي إن الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم إلى أن صار جدك محمد إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص ومن توقف عنها وتتعتع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية ، وما لقي نوح من الغرق، وما لقي إبراهيم من النار، وما لقي يوسف من الجب، وما لقي أيوب من البلاء ، وما لقي داود من الخطيئة ، إلى أن بعث الله يونس فأوحى الله إليه: أن يا يونس تول أمير المؤمنين عليا والأئمة الراشدين من صلبه في كلام له، قال: فكيف أتولى من لم أره ولم أعرفه؟ وذهب مغاضبا فأوحى الله تعالى إلي: أن التقم يونس ولا توهن له عظما؛ فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي: أنه لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قد قبلت ولاية علي بن أبي طالب والأئمة الراشدين من ولده، فلما أن آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر فقال زين العابدين(عليه السلام): ارجع أيها الحوت إلى وكرك واستوى الماء).

أقول : قد مضى في القسم الأول في ذيل الحديث العشرين من الجزء الرابع تحقيق معنى توقف الأنبياء في ولاية أمير المؤمنين ؛ فراجع ما ثمة.

الإمام لا تعوقه القيود والأغلال

الثالث المناقب لابن شهر آشوب عن حلية الأولياء ووسيلة الملأ وفضائل أبي السعادات بالإسناد عن ابن شهاب الزهري قال : (شهدت علي بن الحسين (عليه السلام) يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديدا ووكل به حفاظا في عدة وجمع فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له فأذنوا فدخلت عليه والأقياد في رجليه والغل في يديه فبكيت وقلت: وددت أني مكانك وأنت سالم ، فقال : يا زهري أوتظن هذا بما ترى علي وفي عنقي يكربني أما لو شئت ما كان فإنه وإن بلغ بك ومن أمثالك ليذكرني عذاب الله ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد ، ثم قال : يا زهري لاجزت معهم على ذا منزلتين من المدينة فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه ، فقال لي بعضهم : إنا نراه متبوعا إنه لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديدة ، فقدمت بعد ذلك على عبد الملك فسألني عن علي بن الحسين (عليه السلام) فأخبرته فقال : إنه قد جاءني في يوم فقده الأعوان فدخل علي، فقال : ما أنا وأنت ؟ فقلت : أقم عندي ، فقال : لا أحب ، ثم خرج فو الله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة ، قال الزهري : فقلت : ليس علي بن الحسين حيث تظن أنه مشغول بنفسه فقال : حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به ).   

الإمام يطير إلى أعلى عليين بريش وأجنحة

الرابع : مدينة المعاجز للسيد العلامة البحراني  عن دلائل الطبري الإمامي  عن عبد الله بن منير قال : أخبرنا محمد بن إسحاق الصاعدي وأبو محمد ثابت بن ثابت قالا : حدثنا جمهور بن حكيم قال: ( رأيت علي بن الحسين (عليه السلام) وقد نبتت له أجنحة وريش فطار ثم قال : رأيت الساعة جعفر بن أبي طالب في أعلى عليين فقلت : وهل تستطيع أن تصعد ؟ فقال: نحن صنعناها فكيف لا نستطيع أن نصعد إلى ما صنعنا نحن حملة العرش والكرسي ثم أعطاني طلعا في غير أوانه).

أقول : قوله (عليه السلام) ( نحن صنعناها ) قد مضى في عناوين الكتاب ما يبين معنى أمثال هذه العبارات فراجع ولا تسارع إلى الإنكار، والسلام.

الإمام يركب السحاب وينذر قائد الجيش في واقعة الحرة

الخامس : وفيه عن الكتاب المذكور عن عبد الله بن محمد البلوي قال: سمعت عمارة بن يزيد قال حدثني إبراهيم بن سعد قال : (لما كانت واقعة الحرة وأغار الجيش على المدينة وأباحها ثلاثا وجّه بردعة الحمار صاحب يزيد بن معاوية في طلب علي بن الحسين ليقتله أو يسمه فوجدوه في منزله ، فلما دخلوا ركب السحاب وجاء حتى وقف فوق رأسه وقال : أيما أحب إليك تكف أو آمر الأرض أن تبتلعك؟ قال : ما أردت إلا إكرامك والإحسان إليك ، ثم نزل عن السحاب فجلس بين يديه فقرّب إليه أقداحا فيها ماء ولبن وعسل فاختار علي بن الحسين اللبن والعسل ، ثم غاب من بين يديه من حيث لا يعلم).

أبو خالد الكابلي يستدل بعلامات على إمامة الإمام

السادس : وفيه عن الكتاب المذكور قال : أخبرني أبو الحسين محمد ابن هارون قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال: حدثني عبد الله بن العلاء ، قال : حدثني محمد بن الحسن بن شمون، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد بن حماد الكاتب ، عن أبيه يزيد بن حماد عن أبيه الحماد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن جبير بن الطحان عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام) : ( إن أول ما استدل به أبو خالد الكابلي من علامات علي بن الحسين أنه دق عليه الباب فخرج الغلام ، فقال : من أنت؟ ، قال : أنا أبو خالد الكابلي فقال علي(عليه السلام) : قل له ادخل يا كنكر ، قال أبو خالد : فارتعدت فرائصي ودخلت فسلمت، فقال لي : يا أبا خالد أريد أن أريك الجنة وهي مسكني الذي إذا شئت دخلت فيه ، قلت : نعم فأرينه ، فمسح يده على عيني فصرت في الجنة فنظرت إلى قصورها وأنهارها وما شاء الله أن أنظر فمكثت ما شاء الله ، ثم نظرت بعد فإذا أنا بين يديه).

أقول : إن أبا خالد الكابلي كان من أصحاب محمد بن الحنفية وكان يقول بإمامته فقال له يوما : ( أسألك بحرمة رسول الله وأمير المؤمنين إلا ما أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه ، فقال : يا أبا خالد حلفتني بالعظيم ، الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) علي وعليك وعلى كل مسلم ، فجاء أبو خالد إلى علي بن الحسين (عليه السلام) واستأذن عليه فلما دخل ودنا منه ، قال :مرحبا يا كنكر، ما كنت لنا بزائر ما بدا لك فينا ، فخر أبو خالد ساجدا شكرا لله مما سمع منه ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي ، فقال: له علي بن الحسين (عليه السلام) كيف عرفت إمامك يا أبا خالد ؟ قال : إنك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي التي ولدتني).

وفي رواية أنه قال : (والله إن هذا الاسم ما عرفه أحد إلا الله عز وجل وأنا وأمي كانت تلقنني به في أذني وأنا صغير) فهو المراد بقوله (عليه السلام) في هذا الحديث : (أن أول ما استدل به أبو خالد أن قال علي (عليه السلام) : ادخل يا كنكر) وحديث ما ذكرناه مذكور في معرفة الرجال للكشي  وكتب المعاجز وغيرها على التفصيل. 

حديث الخيط الأصفر

السابع كتاب الإمامة من كتاب العوالم للشيخ المحدث الجليل الشيخ عبد الله البحراني عن استاذه العلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي قدس سرهما عن والده عن كتاب عتيق جمعه بعض محدثي أصحابنا في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : حدثنا أحمد بن عبيد الله ، قال : حدثنا سليمان بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن محمد الموصلي ، قال : أخبرني أبي عن خالد عن جابر بن يزيد الجعفي (ح)  وقال حدثنا أبو سليمان أحمد ، قال : حدثنا محمد بن سعيد عن أبي سعيد عن سهل بن زياد ، قال : حدثنا محمد بن سنان عن جابر بن يزيد الجعفي قال : (لما أفضت الخلافة إلى بني أمية سفكوا فيها الدم الحرام ولعنوا فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر ألف شهر وتبرءوا منه ، واغتالوا الشيعة في كل بلدة واستأصلوا بنيانهم من الدنيا لحطام دنياهم فخوفوا الناس في البلدان وكل من لم يلعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يتبرأ منه قتلوه كائنا من كان ، قال جابر بن يزيد الجعفي : فشكوت من بني أمية وأشياعهم إلى الإمام المبين أطهر الطاهرين زين العباد وسيد الزهاد وخليفة الله على العباد علي بن الحسين صلوات الله عليهما ، فقلت : يا ابن رسول الله قد قتلونا تحت كل حجر ومدر واستأصلوا شافتنا وأعلنوا لعن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه على المنابر والمنارات والأسواق والطرقات ، وتبرءوا منه حتى أنهم ليجتمعون في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) فيلعنون عليا (عليه السلام) علانية لا ينكر ذلك أحد ولا ينهر فإن أنكر ذلك أحد منا حملوا عليه بأجمعهم وقالوا هذا رافضي أبو ترابي وأخذوه إلى سلطانهم وقالوا هذا ذكر أبا تراب بخير فضربوه ثم حبسوه ثم بعد ذلك قتلوه فلما سمع الإمام صلوات الله عليه ذلك مني نظر إلى السماء فقال : سبحانك اللهم سيدي ما أحلمك وأعظم شأنك في حلمك وأعلى سلطانك يا رب قد أمهلت عبادك في بلادك حتى ظنوا أنك أمهلتهم أبدا وهذا كله بعينك لا يغالب قضاؤك ولا يرد المحتوم من تدبيرك كيف شئت وأنى شئت وأنت أعلم به منا ، قال ثم دعا صلوات الله عليه وآله ابنه محمدا (عليه السلام) فقال : يا بني ، قال : لبيك يا سيدي ، قال : إذا كان غدا فاغد إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وخذ معك الخيط الذي أنزل مع جبرئيل على جدنا (صلى الله عليه وأله وسلم) فحركه تحريكا لينا ولا تحركه شديدا الله الله فيهلك الناس كلهم قال جابر فبقيت متفكرا متعجبا من قوله (عليه السلام) فما أدري ما أقول لمولاي (عليه السلام) فغدوت إلى محمد(عليه السلام) وقد بقي علي ليل حرصا أن أنظر إلى الخيط وتحريكه فبينما أنا على دابتي إذ خرج الإمام (عليه السلام) فقمت وسلمت عليه فرد علي السلام وقال : ما غدا بك فلم تكن تأتينا في هذا الوقت ، فقلت: يا بن رسول الله سمعت أباك (صلى الله عليه وأله وسلم) يقول بالأمس خذ الخيط وسر إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) فحركه تحريكا لينا ولا تحركه تحريكا شديدا فتهلك الناس كلهم ، فقال : يا جابر لولا الوقت المعلوم والأجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا الخلق المنكوس في طرفة عين لا بل في لحظة لا بل في لمحة ولكننا ﴿عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون﴾ قال: قلت له : يا سيدي ولم تفعل هذا بهم ؟ قال : ما حضرت أبي بالأمس والشيعة يشكون إليه ما يلقون من الناصبة الملاعين والقدرية المقصرين ؟ فقلت : بلى يا سيدي ، قال : فإني أرعبهم وكنت أحب أن يهلك طائفة منهم ويطهر الله منهم البلاد ويريح العباد ، قلت : يا سيدي فكيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا ؟ قال : امض بنا إلى المسجد لأريك قدرة  الله تعالى ، قال جابر : فمضيت معه إلى المسجد فصلى ركعتين ثم وضع خده في التراب وتكلم بكلمات ثم رفع رأسه وأخرج من كمه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة المسك وكان أدق في المنظر من خيط المخيط ، ثم قال : خذ إليك طرف الخيط وامش رويدا وإياك ثم إياك أن تحركه ، قال : فأخذت طرف الخيط ومشيت رويدا ، فقال صلوات الله عليه : قف يا جابر ؛ فوقفت فحرك الخيط تحريكا لينا فما ظننت أنه حركه من لينه ، ثم قال : ناولني طرف الخيط قال : فناولته ، فقلت : ما فعلت به يا ابن رسول الله ؟ قال : ويحك أخرج إلى الناس وانظر ما حالهم قال : فخرجت من المسجد فإذا صياح وولولة من كل ناحية وزاوية وإذا زلزلة وهدة ورجفة وإذا الهدة أخربت عامة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة ؛ وإذا بخلق يخرجون من السكك لهم بكاء وعويل وضوضاء ورنة شديدة وهم يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون قد قامت الساعة ووقعت الواقعة وهلك الناس ، وآخرون يقولون : الزلزلة والهدة ، وآخرون يقولون : الرجفة والقيامة هلك فيها عامة الناس ، وإذا أناس قد أقبلوا يبكون يريدون المسجد وبعضهم يقولون لبعض : كيف لا يخسف بنا وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر الفسق والفجور وكثر الزنا والربا وشرب الخمر واللواطة ؟ والله لينزلن بنا ما هو أشد من ذلك وأعظم أو نصلح أنفسنا، قال جابر : فبقيت متحيرا أنظر إلى الناس يبكون ويصيحون ويولولون ويغدون زمرا إلى المسجد فرحمتهم حتى والله بكيت لبكائهم ، وإذا لا يدرون من أين أتوا وأخذوا ، فانصرفت إلى الإمام الباقر(عليه السلام) وقد اجتمع الناس له وهم يقولون: يا بن رسول الله ما ترى ما نزل بنا بحرم رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وقد هلك الناس وماتوا فادع الله عز وجل لنا ، فقال لهم : افزعوا إلى الصلاة والصدقة والدعاء ، ثم سألني فقال : يا جابر ما حال الناس ؟، فقلت : يا سيدي لا تسأل ، يا بن رسول الله خربت الدور والقصور ، وهلك الناس ورأيتهم بغير رحمة فرحمتهم ، فقال : لا رحمهم الله أبدا ، أما إنه قد بقي عليك بقية لولا ذلك ما رحمت أعداءنا وأعداء أوليائنا ، ثم قال (عليه السلام) : سحقا سحقا ، بعدا بعدا للقوم الظالمين ، والله لو حركت الخيط أدنى تحريكة لهلكوا أجمعين وجعل أعلاها أسفلها ولم يبق دار ولا قصر ولكن أمرني سيدي ومولاي أن لا أحركه شديدا ، ثم صعد المنارة والناس لا يرونه فنادى بأعلى صوته : ألا أيها الضالون المكذبون ؛ فظن الناس أنه صوت من السماء فخروا لوجوههم وطارت أفئدتهم وهم يقولون في سجودهم : الأمان الأمان ؛ فإذا هم يسمعون الصيحة بالحق ولا يرون الشخص ، ثم أشار بيده صلوات الله عليه وأنا أراه والناس لا يرونه فزلزلت المدينة أيضا زلزلة خفيفة ليست كالأولى وتهدمت فيها دور كثيرة ، ثم تلا هذه الآية ﴿ذلك جزيناهم ببغيهم﴾ ، ثم تلا بعد ما نزل ﴿ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين﴾ ، وتلا (عليه السلام) ﴿ فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون﴾ ، قال : وخرجت المخدرات في الزلزلة الثانية من خدورهن مكشفات الرؤوس ، وإذا الأطفال يبكون ويصرخون فلا يلتفت أحد ، فلما بصر الباقر (عليه السلام) ضرب بيده إلى الخيط فجمعه في كفه فسكنت الزلزلة ، ثم أخذ بيدي والناس لا يرونه وخرجنا من المسجد فإذا قوم قد اجتمعوا إلى باب حانوت الحداد وهم خلق كثير يقولون : ما سمعتم في مثل هذا المدرة من الهمة ، فقال بعضهم: بلى لهمهمة كثيرة ، وقال : آخرون بل والله صوت وكلام وصياح كثير ولكنا والله لم نقف على الكلام، قال جابر فنظر الباقر (عليه السلام) إلى قصتهم ثم قال : يا جابر دأبنا ودأبهم إذا بطروا وأشروا وتمردوا وبغوا أرعبناهم وخوفناهم فإذا ارتدعوا وإلا أذن الله في خسفهم ، قال جابر : قلت : يا بن رسول الله ، فما هذا الخيط الذي فيه الأعجوبة ؟ قال: هذه ﴿ بقية مما ترك آل موسى‏ وآل هارون تحمله الملائكة﴾ إلينا ، يا جابر إن لنا عند الله منزلة ومكانا رفيعا ولولا نحن لم يخلق الله أرضا ولا سماء ، ولا جنة ولا نارا ، ولا شمسا ولا قمرا، ولا برا ولا بحرا ، ولا سهلا ولا جبلا ، ولا رطبا ولا يابسا ، ولا حلوا ولا مرا ، ولا ماء ولا نباتا ولا شجرا ، اخترعنا الله من نور ذاته ولا يقاس بنا بشر، بنا أنقذكم الله عز وجل ، وبنا هداكم الله ونحن والله دللناكم على ربكم ، فقفوا على أمرنا ونهينا ولا تردوا كل ما ورد عليكم منا فإنا أكبر وأجل وأعظم وأرفع من جميع ما يرد عليكم ما فهمتموه فاحمدوا الله عليه وما جهلتموه فكلوا أمره إلينا وقولوا أئمتنا أعلم بما قالوا ، قال ثم استقبله أمير المدينة راكبا وحواليه حراسه وهم ينادون في الناس : معاشر الناس احضروا ابن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) علي بن الحسين (عليه السلام) وتقربوا إلى الله عز وجل به لعل الله يصرف عنكم العذاب ، فلما بصروا بمحمد بن علي الباقر(عليه السلام) تبادروا نحوه وقالوا : يا بن رسول الله أما ترى ما نزل بأمة جدك محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) هلكوا وفنوا عن آخرهم ، أين أبوك حتى نسأله أن يخرج إلى المسجد ونتقرب به إلى الله ليرفع الله به عن أمة جدك هذا البلاء ، قال لهم محمد بن علي (عليه السلام) : يفعل الله تعالى إن شاء الله ، أصلحوا أنفسكم وعليكم بالتوبة والتضرع والورع والنهي عما أنتم عليه ، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، قال جابر : فأتينا علي بن الحسين (عليه السلام) وهو يصلي فانتظرناه حتى فرغ من صلاته وأقبل علينا فقال : يا محمد ما خبر الناس ؟ فقال : ذلك لقد رأى من قدرة الله عز وجل ما لا زال متعجبا منها ، قال جابر : إن سلطانهم سألنا أن نسألك أن تحضر إلى المسجد حتى يجتمع الناس يدعون ويتضرعون إلى الله عز وجل ويسألونه الإقالة ، قال : فتبسم (عليه السلام) ثم تلا ﴿ أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى‏ قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى‏ وحشرنا عليهم كل شي‏ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون﴾ فقلت : سيدي العجب أنهم لا يدرون من أين أتوا ، قال: أجل ثم تلا ﴿فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون﴾ وهي والله آياتنا وهذه أحدها وهي والله ولايتنا ، يا جابر ؛ ما تقول في قوم أماتوا سنتنا وتوالوا أعداءنا وانتهكوا حرمتنا فظلمونا وغصبونا وأحيوا سنن الظالمين وساروا بسيرة الفاسقين ؟ قال جابر : الحمد لله الذي من علي بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفقني لطاعتكم موالاة مواليكم ومعاداة أعدائكم ، قال صلوات الله عليه : يا جابر أوتدري ما المعرفة ؟ المعرفة إثبات التوحيد أولا ؛ ثم معرفة المعاني ثانيا ؛ ثم معرفة الأبواب ثالثا ؛ ثم معرفة الأمام رابعا ؛ ثم معرفة الأركان خامسا ؛ ثم معرفة النقباء سادسا ؛ ثم معرفة النجباء سابعا ؛ وهو قوله تعالى ﴿ لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا﴾ وتلا أيضا ﴿ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم﴾ ، يا جابر ؛ إثبات التوحيد ومعرفة المعاني ، أما إثبات التوحيد معرفة الله القديم الغائب الذي ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير﴾ وهو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه ، وأما المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض إلينا أمور عباده فنحن نفعل بإذنه ما نشاء ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا أردنا أراد الله ، ونحن أحلنا الله عز وجل هذا المحل واصطفانا من بين عباده وجعلنا حجته في بلاده ، فمن أنكر شيئا ورده فقد رد على الله جل اسمه وكفر بآياته وأنبيائه ورسله ، يا جابر ؛ من عرف الله تعالى بهذه الصفة فقد أثبت التوحيد ، لأن هذه الصفة موافقة لما في الكتاب المنزل وذلك قوله تعالى ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ليس كمثله شي‏ء وهو السميع العليم﴾ وقوله تعالى ﴿لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون﴾، قال جابر : يا سيدي ما أقل أصحابي قال (عليه السلام) : هيهات هيهات ، أتدري كم على وجه الأرض من أصحابك ؟ قلت : يا بن رسول الله كنت أظن في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وفي كل ما بين الألف إلى الألفين بل كنت أظن أكثر من مائة ألف في أطراف الأرض ونواحيها ، قال (عليه السلام) : يا جابر خالف ظنك وقصر رأيك ، أولئك المقصرون وليسوا لك بأصحاب ، قلت : يا بن رسول الله ومن المقصرون ؟ قال : الذين قصروا في معرفة الأئمة وعن معرفة ما فرض الله عليهم من أمره وروحه ، قلت : يا سيدي وما معرفة روحه ؟ قال (عليه السلام) : أن يعرف كل من خصه الله تعالى بالروح فقد فوض إليه أمره يخلق بإذنه ويحيي بإذنه ويعلم ما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وذلك أن هذا الروح من أمر الله تعالى فمن خصه الله تعالى بهذا الروح فهو كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بإذن الله يسير من المشرق إلى المغرب بإذن الله في لحظة واحدة يعرج به إلى السماء وينزل به إلى الأرض ويفعل ما شاء وأراد ، قلت : يا سيدي أوجدني بيان هذا الروح من كتاب الله تعالى وإنه من أمر خصه الله تعالى بمحمد (صلى الله عليه وأله وسلم) ، قال : نعم اقرأ هذه الآية ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا﴾، قوله تعالى ﴿أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه﴾ ، قلت: فرج الله عنك كما فرجت عني ووفقتني على معرفة الروح والأمر ثم قلت : يا سيدي صلى الله عليك فأكثر الشيعة مقصرون وأنا ما أعرف من أصحابي على هذه الصفة واحدا ، قال : يا جابر فإن لم تعرف منهم أحدا فأنا أعرف منهم نفرا قلائل ، يأتون ويسلمون ويتعلمون منا سرنا ومكنوننا وباطن علومنا ، قلت : إن فلان بن فلان وأصحابه من أهل هذه الصفة إن شاء الله تعالى ، وذلك أني سمعت منهم سرا من أسراركم وباطنا من علومكم ولا أظن إلا وقد كملوا وبلغوا ، قال : يا جابر ادعهم غدا وأحضرهم معك ، قال فأحضرتهم من الغد فسلموا على الإمام (عليه السلام) وبجلوه ووقروه ووقفوا بين يديه ، فقال (عليه السلام) : يا جابر أما إنهم إخوانك وقد بقيت عليهم بقية ، أتقرون أيها النفر أن الله تعالى  يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ؟ قالوا: نعم، ﴿إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد﴾، قلت : الحمد لله قد استبصروا وعرفوا وبلغوا ، قال : يا جابر لا تعجل بما لا تعلم ، فبقيت متحيرا فقال (عليه السلام) : سلهم هل يقدر علي بن الحسين أن يصير بصورة ابنه محمد ؟ قال جابر : فسألتهم فأمسكوا وسكتوا ، قال (عليه السلام): يا جابر سلهم هل يقدر محمد أن يصير بصورتي ؟، قال جابر : فسألتهم فأمسكوا وسكتوا ، قال: فنظر إلي وقال : يا جابر هذا ما أخبرتك أنهم قد بقي عليهم بقية ، فقلت لهم: ما لكم لا تجيبون إمامكم ،  فسكتوا وشكوا ، فنظر إليهم وقال : يا جابر هذا ما أخبرتك به أنهم قد بقيت عليهم بقية ، وقال الباقر (عليه السلام) : ما لكم لا تنطقون ؟ فنظر بعضهم إلى بعض يتساءلون ، قالوا : يا بن رسول الله لا علم لنا فعلمنا ، قال فنظر الإمام سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) إلى ابنه محمد الباقر (عليه السلام) وقال لهم : من هذا؟ قالوا : ابنك ، فقال : لهم من أنا ؟ قالوا : أبوه علي بن الحسين ، قال : فتكلم بكلام لم نفهم ، فإذا محمد بصورة أبيه علي بن الحسين وإذا علي بصورة ابنه محمد ، قالوا : لا إله إلا الله ، فقال الإمام (عليه السلام) : لا تعجبوا من قدرة الله أنا محمد ومحمد أنا ، وقال محمد : يا قوم لا تعجبوا من أمر الله أنا علي وعلي أنا وكلنا واحد من نور واحد وروحنا من أمر الله أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد ، قال : فلما سمعوا ذلك خروا لوجوههم سجدا وهم يقولون: آمنا بولايتكم وبسركم وبعلانيتكم وأقررنا بخصائصكم ، فقال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : يا قوم ارفعوا رءوسكم فأنتم الآن العارفون الفائزون المستبصرون وأنتم الكاملون البالغون الله الله لا تطلعوا أحدا من المقصرين المستضعفين على ما رأيتم مني ومن محمد فيشنعوا عليكم ويكذبوكم ، قالوا : سمعنا وأطعنا قال (عليه السلام) : فانصرفوا راشدين كاملين فانصرفوا ، قال جابر : قلت : سيدي وكل من لا يعرف هذا الأمر على الوجه الذي وصفته وبينته إلا أن عنده محبة ويقول بفضلكم ويتبرأ من أعدائكم ما يكون حاله، قال (عليه السلام) : يكون في خير إلى أن يبلغوا ، قال جابر : قلت : يا بن رسول الله هل بعد ذلك شي‏ء يقصرهم قال (عليه السلام): نعم إذا قصروا في حقوق إخوانهم ولم يشاركوهم في أموالهم وفي سر أمورهم وعلانيتهم واستبدوا بحطام الدنيا دونهم فهنالك يتسلب المعروف ويتسلخ من دونهم سلخا ، ويصيبه من آفات هذه الدنيا وبلائها ما لا يطيقه ولا يحتمله من الأوجاع في نفسه وذهاب ماله وتشتت شمله لما قصر في بر إخوانه ، قال جابر : فاغتممت والله غما شديدا ، وقلت : يا بن رسول الله ما حق المؤمن على أخيه المؤمن ، قال (عليه السلام) : يفرح لفرحه إذا فرح ويحزن لحزنه إذا حزن وينفذ أموره كلها فيحصلها ولا يغتم لشي‏ء من حطام الدنيا الفانية إلا واساه حتى يجريان في الخير والشر كله في قرن واحد ، قلت : يا سيدي فكيف أوجب الله كل هذا للمؤمن على أخيه المؤمن ، قال (عليه السلام) : لأن المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه على هذا الأمر لا يكون أخاه وهو أحق بما يملكه قال جابر سبحان الله ومن يقدر على ذلك ، قال (عليه السلام) : من يريد أن يقرع أبواب الجنان ويعانق الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام ، قال جابر : فقلت : هلكت والله يا بن رسول الله لأني قصرت في حقوق إخواني ولم أعلم أنه يلزمني على التقصير كل هذا ولا عشرة وأنا أتوب إلى الله تعالى يا بن رسول الله مما كان مني من التقصير في رعاية حقوق إخواني المؤمنين).

يقول مصنف هذا الكتاب قد مر في القسم الأول من الكتاب عند ذكر حديث النورانية أن هذا الكتاب العتيق الذي نقل عنه المجلسي  في البحار وتلميذه في العوالم حديث النورانية وحديث الخيط وغيرهما من الأخبار هو كتاب أنيس السمراء وسمير الجلساء على ما كتب الشيخ الأجل الأمجد العلام مولانا أحمد بن زين الدين الأحسائي  بخطه الشريف على حاشية نسخة العوالم التي عندنا فإنه  قد كتب عليها ما هذا لفظه : الظاهر أن هذا الكتاب هو كتاب أنيس السمراء وسمير الجلساء لأن هذا الحديث وحديث الخيط الأصفر مذكوران فيه ، هي.

وقال في شرحه على الزيارة الجامعة عند شرح فقرة «موضع الرسالة» ما هذا لفظه الشريف : ( وذكر الإمام سيد الساجدين (عليه السلام) الإشارة إلى الكل على ما روي في كتاب أنيس السمراء وسمير الجلساء قال : حدثني أحمد بن عبد الله قال : حدثنا سليمان بن أحمد قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الموصلي قال : أخبرني أبي عن خالد عن القاسم عن جابر بن يزيد الجعفي عن علي بن الحسين (عليه السلام) في حديث طويل ثم تلا قوله تعالى ﴿فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وكانوا بآياتنا يجحدون﴾ وهي والله آياتنا وهذه أحدها وهي والله ولايتنا يا جابر.. إلى أن قال (عليه السلام) : يا جابر أوتدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أولا ثم معرفة المعاني ثانيا.. وساق الحديث إلى قوله (عليه السلام) : اخترعنا من نور ذاته وفوض إلينا أمور عباده ، الحديث ) انتهى كلامه زيد مقامه ، وقد نقلناه من نسخة الأصل من شرحه المذكور بخطه الشريف والسند كما ترى هو بعينه السند المذكور في العوالم ، إلا في سقوط محمد قبل إبراهيم وزيادة رجل وهو القاسم بين خالد وجابر وهو من اختلال النسخ، ثم اعلم أن هذا الحديث الشريف من الأخبار المشهورة بين أهل الحديث وقد رواه غير واحد من أصحابنا القدماء في كتبهم وإن زاد بعضهم على بعض في اللفظ ولكن المقصود حاصل من الجميع ، منهم الشيخ الجليل ابن شهر آشوب في مناقبه غير أنه لخصه كما هو دأبه في إيراد الأخبار غالبا ، ومنهم صاحب عيون المعجزات على ما نقل عنه شيخنا المجلسي في الكتاب الحادي عشر من البحار في باب معجزات أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، والسيد المؤيد العلامة السيد هاشم بن سليمان البحراني صاحب غاية المرام  في كتابه مدينة المعاجز فإنه قال فيه في (عيون المعجزات) قال : روى لي الشيخ أبو محمد بن الحسن ابن نصر  يرفع الحديث برجاله إلى محمد بن جعفر البرسي مرفوعا إلى جابر  قال : ( لما أفضت الخلافة إلى بني أمية الخ ثم ساق الحديث إلى قوله فقال : يا جابر أوتدري ما المعرفة ؟ فسكت جابر ، ثم قال عنى صاحب عيون المعجزات الخبر بطوله وقد أوردت أنا المعجز الذي أظهره من هذا الخبر فقط إذ لم يكن كل كتاب يحتمل شرح الأشياء بحقائقها ، انتهى، ومنهم الحسين بن حمدان الحضيني في كتاب الهداية غير أنه أيضا اقتصر على موضع الإعجاز منه ولم يذكر تمام الحديث ، ومنهم الحافظ العارف البرسي  في كتابه لوامع الأنوار عن كتاب الأربعين وهو أيضا ذكر مختصر الحديث وفيه ( أن الباقر (عليه السلام) أخرج حقا فيه خيط أصفر ) وحيث كان ما في أنيس السمراء أجمع وأتم اخترنا روايته على سائر الروايات كما هو دأبنا في هذا الكتاب إلا نادرا لداع آخر.

الإمام والعرّاف

الثامن : مدينة المعاجز عن دلائل الطبري بإسناده عن أبي خالد الكابلي قال: ( إن رجلا أتى علي بن الحسين (عليه السلام) وعنده أصحابه ، فقال له : من أنت؟ قال : أنا فلان منجم وأبي عراف ، فنظر إليه ثم قال: هل أدلك على رجل قد مر منذ دخلت علينا في أربعة عشر ألف عام؟ فقال : من هو؟ فقال له : إن شئت أنبأتك بما أكلت وما ادخرت في بيتك، فقال له : أنبأني، فقال له: أكلت في هذا اليوم حيسا ، وأما ما في بيتك فعشرون دينارا منها ثلاثة دنانير دارية فقال له الرجل : أشهد أنك الحجة العظمى والمثل الأعلى وكلمة التقوى ، فقال له : وأنت صدّيق امتحن الله قلبك).

الإمام يُري رجلا من شيعته حقيقة أعدائه

التاسع : الهداية للحسين بن حمدان باسناده عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) عن أبيه محمد بن علي عن جده علي بن الحسين صلوات الله عليهم أن رجلا من شيعته دخل عليه فقال : يا بن رسول الله ما فضلنا على أعدائنا ونحن وهم سواء بل منهم من هو أجمل منا وأحسن زيا وأطيب رائحة فما لنا عليهم من الفضل ؟ قال : تريد أن أريك فضلك عليهم ؟ قال : نعم ، قال: ادن مني فدنا منه فأخذ يده ومسح عينيه وروح بكفه عن وجهه وقال : انظر ماذا ترى ؟ فنظر إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وما رأى فيها إلاقردا أو خنزيرا أو دبا أو ضبا ، فقال : جعلت فداك ردني كما كنت فإن هذا منظر صعب ، قال : فمسح عينيه فرده كما كان).

الإمام الرضا يخبر بكيفية مجئ الإمام زين العابدين لدفن والده

العاشر : معرفة الرجال للكشي  قال : حدثني محمد بن مسعود، قال : حدثنا جعفر بن أحمد عن حمدان بن سليمان ، عن منصور بن العباس البغدادي ، قال : حدثنا إسماعيل بن سهل ، قال : حدثني بعض أصحابنا وسألني أن أكتم اسمه ، قال : ( كنت عند الرضا (عليه السلام) فدخل عليه علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكاري فقال له ابن أبي حمزة : ما فعل أبوك ؟ قال : مضى ، قال : مضى موتا ، قال: فقال : نعم ، قال: فقال: إلى من عهد ؟ قال : إلي ، قال : فأنت إمام مفترض الطاعة من الله؟ قال: نعم ، قال ابن السراج وابن المكاري : قد والله أمكنك من نفسه ، قال : ويلك وبما أمكنت أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون أنا إمام مفترض طاعتي ، والله ما ذاك علي وإنما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم وتشتت أمركم لئلا يصير سركم في يد عدوكم ، قال له ابن أبي حمزة : لقد أظهرت شيئا ما كان يظهره أحد من آبائك ولا يتكلم به ، قال : بلى والله لقد تكلم به خير آبائي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) لما أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين ، جمع من أهل بيته أربعين رجلا وقال لهم : إني رسول الله إليكم، فكان أشدهم تكذيبا له وتأليبا عليه عمه أبو لهب ، فقال لهم النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) : إن خدشني خدش فلست بنبي فهذا أول ما أبدع لكم من آية النبوة ، وأنا أقول : إن خدشني هارون خدشا فلست بإمام فهذا ما أبدع لكم من آية الإمامة ، قال له علي: إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله ، فقال له أبو الحسن (عليه السلام) : فأخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) كان إماما أو كان غير إمام ؟ قال: كان إماما ، قال : فمن ولي أمره ؟ قال علي بن الحسين : قال وأين كان علي بن الحسين (عليه السلام) ؟ قال : كان محبوسا بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد (لعنه الله) ، قال : خرج وهم لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف ، فقال له أبو الحسن (عليه السلام) : إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين (عليه السلام) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ثم ينصرف فهو يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف ، وليس في حبس ولا في إسار ، قال له علي : إنا روينا أن الإمام لا يمضى حتى يرى عقبه قال ، فقال أبو الحسن (عليه السلام) أما رويتم في هذا غير هذا الحديث ؟ قال: لا ، قال : بلى والله لقد رويتم فيه إلا القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولم قيل ، قال له علي : بلى والله إن هذا لفي الحديث ، قال له أبو الحسن (عليه السلام): ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه، ثم قال : يا شيخ اتق الله ولا تكن من الصادين عن دين الله تعالى).

الإمام يخبر الكابلي عن علاج جارية

الحادي عشر : وفيه قال : وجدت بخط جبرئيل بن أحمد ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن علي بن محمد ، عن الحسن ابن علي ، عن أبيه ، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سمعته يقول :( خدم أبو خالد الكابلي علي بن الحسين (عليه السلام) دهرا من عمره ، ثم إنه أراد أن ينصرف إلى أهله فأتى علي بن الحسين(عليه السلام) فشكا إليه شدة شوقه إلى والديه ، فقال : يا أبا خالد يقدم غدا رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير، وقد أصاب بنتا له عارض من أهل الأرض ، ويريدون أن يطلبوا معالجا يعالجها ، فإذا أنت سمعت قدومه فأته وقل له : أنا أعالجها لك على أني أشترط عليك أني أعالجها على ديتها عشرة آلاف درهم ، فلا تطمئن إليهم وسيعطونك ما تطلب منهم، فلما أصبحوا قدم الرجل ومن معه وكان رجلا من عظماء أهل الشام في المال والمقدرة ، فقال : أما من معالج يعالج بنت هذا الرجل ؟ فقال له أبو خالد : أنا أعالجها على عشرة آلاف درهم فإن أنتم وفيتم وفيت لكم على ألا يعود إليها أبدا فشرطوا أن يعطوه عشرة آلاف درهم ، ثم أقبل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فأخبره الخبر ، فقال : إني لأعلم أنهم سيغدرون بك ولا يفون لك ، انطلق يا أبا خالد فخذ بأذن الجارية اليسرى ثم قل: يا خبيث يقول لك علي بن الحسين أخرج من هذه الجارية ولا تعد ففعل أبو خالد ما أمره وخرج منها فأفاقت الجارية ، فطلب أبو خالد الذي شرطوا له فلم يعطوه ، فرجع مغتما كئيبا ، قال له علي بن الحسين (عليه السلام) : ما لي أراك كئيبا يا أبا خالد أ لم أقل لك إنهم يغدرون بك ، دعهم فإنهم سيعودون إليك ، فإذا لقوك فقل لهم لست أعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين (عليه السلام) فإنه لي ولكم ثقة ، فرضوا ووضعوا المال على يدي علي ابن الحسين فرجع أبو خالد إلى الجارية وأخذ بأذنها اليسرى ثم قال : يا خبيث يقول لك علي بن الحسين (عليه السلام) اخرج من هذه الجارية ولا تعرض لها إلا بسبيل خير فإنك إن عدت أحرقتك بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، فخرج منها ولم يعد إليها ، ودفع المال إلى أبي خالد فخرج إلى بلاده).

الإمام يري مروان ما له من الحرمة عند الله

الثاني عشر الخرائج عن الباقر(عليه السلام) أنه قال : ( كان عبدالملك بن مروان يطوف بالبيت وعلي بن الحسين (عليه السلام) يطوف بين يديه ولا يلتفت إليه ولم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه فقال : من هذا الذي يطوف بين أيدينا ولا يلتفت إلينا فقيل : هذا علي بن الحسين (عليه السلام) ، فجلس مكانه وقال : ردوه إلي ، فردوه فقال له : يا علي بن الحسين إني لست قاتل أبيك فما يمنعك من المصير إلي ؟ فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه وأفسد أبي عليه بذلك آخرته فإن أحببت أن تكون كهو فكن فقال : كلا ولكن صر إلينا لتنال من دنيانا ، فجلس زين العابدين (عليه السلام) وبسط رداءه فقال : اللهم أره حرمة أوليائك عندك ، فإذا رداءه مملوء دررا يكاد شعاعها يخطف الأبصار فقال له : من تكون هذه حرمته عند الله يحتاج إلى دنياك ، ثم قال: اللهم خذها فما حاجة لي فيها) .

حديث في عبادة الإمام زين العابدين عليه السلام

الثالث عشر مناقب ابن شهر آشوب، عن حماد بن حبيب الكوفي العطار قال : ( انقطعت عن القافلة عند زبالة فلما أن أجنني الليل أويت إلى شجرة عالية فلما أن اختلط الظلام إذا أنا بشاب قد أقبل عليه أطمار بيض تفوح منه رائحة المسك فأخفيت نفسي ما استطعت فتهيأ للصلاة ثم وثب قائما وهو يقول : يا من حاز كل شي‏ء ملكوتا وقهر كل شي‏ء جبروتا ألج قلبي فرح الإقبال عليك وألحقني بميدان المطيعين لك ثم دخل في الصلاة فلما رأيته وقد هدأت أعضاؤه وسكنت حركاته قمت إلى الموضع الذي تهيأ فيه إلى الصلاة فإذا أنا بعين تنبع فتهيأت للصلاة ثم قمت خلفه فإذا بمحراب كأنه مثل في ذلك الوقت فرأيته كل ما مر بالآية التي فيها الوعد والوعيد يرددها بانتحاب وحنين فلما أن تقشع الظلام وثب قائما وهو يقول : يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا وأمه الخائفون فوجدوه معقلا ولجأ إليه العائذون فوجدوه موئلا متى راحة من نصب لغيرك بدنه ومتى فرح من قصد سواك بنيته إلهي قد انقشع الظلام ولم أقض من حياض مناجاتك صدرا صل على محمد وآله وافعل بي أولى الأمرين بك يا أرحم الراحمين فخفت أن يفوتني شخصه وأن يخفى علي أمره فتعلقت به فقلت : بالذي أسقط عنك ملاك التعب ومنحك شدة لذيذ الرهب إلا ما لحقتني منك جناح رحمة وكنف رقة فإني ضال ، فقال : لو صدق توكلك ما كنت ضالا ولكن اتبعني واقف أثري فلما أن صار تحت الشجرة أخذ بيدي وتخيل لي الأرض تميد من تحت قدمي فلما انفجر عمود الصبح قال لي : أبشر فهذه مكة فسمعت الضجة ورأيت الحجة ، فقلت له : بالذي ترجوه يوم الآزفة يوم الفاقة من أنت ؟ قال : إذا أقسمت فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

الملك يتقرب إلى الله في الذب عن آل رسول الله

الرابع عشر وفيه عن الروضة سأل ليث الخزاعي سعيد بن المسيب عن إنهاب المدينة قال : ( نعم شدوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ورأيت الخيل حول القبر وانتهب المدينة ثلاثا ، فكنت أنا وعلي بن الحسين(عليه السلام) نأتي قبر النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) فيتكلم علي بن الحسين(عليه السلام) بكلام لم أقف عليه فيحال ما بيننا وبين القوم ونصلي ونرى القوم وهم لا يروننا، وقام رجل عليه حلل خضر على فرس محذوف أشهب بيده حربة مع علي بن الحسين(عليه السلام) فكان إذا أومى الرجل إلى حرم رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) يشير ذلك الفارس بالحربة نحوه فيموت قبل أن يصيبه ، فلما أن كفوا عن النهب دخل علي بن الحسين على النساء فلم يترك قرطا في أذن صبي ولا حليا على امرأة ولا ثوبا إلا أخرجه إلى الفارس ، فقال له الفارس : يا ابن رسول الله إني ملك من الملائكة من شيعتك وشيعة أبيك لما أن ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربي في نصرتكم آل محمد فأذن لي لأن أدخرها يدا عند الله تبارك وتعالى وعند رسوله وعندكم أهل البيت إلى يوم القيامة).

الإمام يخرج ولده من البئر بإشارة

الخامس عشر وفيه عن كتاب الأنوار ( أن عليا بن الحسين (عليه السلام) كان قائما يصلي حتى وقف ابنه محمد(عليه السلام) وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها ، فنظرت إليه أمه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول : يا ابن رسول الله غرق ولدك محمد وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر فلما طال عليها ذلك قالت حزنا على ولدها ما أقسى قلوبكم يا آل بيت رسول الله فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا عند كمالها وإتمامها ثم أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلا برشاء طويل فأخرج ابنه محمدا (عليه السلام) على يديه يناغي ويضحك لم يبتل له ثوب ولا جسد بالماء فقال هاك يا ضعيفة اليقين بالله فضحكت لسلامة ولدها وبكت لقوله يا ضعيفة اليقين بالله فقال لا تثريب عليك اليوم لو علمت أني كنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني أفمن يرى راحما بعده).

أقول ورواه حسين بن حمدان في الهداية والطبري في الدلائل ببعض الاختلاف في اللفظ دون المعنى، والسلام.

الريح تحمل الإمام والطير تناغيه

السادس عشر عن دلائل الطبري  عن عبد الله بن محمد قال حدثنا عمارة بن زيد قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال: (لقيت علي بن الحسين (عليه السلام) وهو خارج إلى ينبع ماشيا فقلت : يا ابن رسول الله لو ركبت ،  فقال : هاهنا ما هو أيسر فانظر ، فحملته الريح وحفت به الطير من كل جانب ، فما رأيت مرأى أحسن من ذلك الطير تناغيه والريح تكلمه).

رغيف ودرهم يكفيان لأربعين سنة

السابع عشر وعنه عن أحمد بن سليمان بن أيوب الهاشمي قال : حدثنا محمد بن كثير قال : أخبرنا سليمان بن عيسى قال : ( لقيت علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت له : يا ابن رسول الله إني معدم ، فأعطاني درهما ورغيفا، فأكلت أنا وعيالي من الرغيف والدرهم أربعين سنة).

الإمام يطبع بخاتمه على حجر أسود فتقضى به الحوائج

الثامن عشر وعنه عن خليفة بن هلال قال : حدثنا أبو النمير علي بن يزيد قال : كنت مع علي بن الحسين (عليه السلام) عندما انصرف من الشام إلى المدينة، فكنت أحسن إلى نسائه وأتوارى عنهم عند قضاء حوائجي فلما نزلوا المدينة بعثوا إلي بشي‏ء من حليهن فلم آخذه ، وقلت : فعلت هذا لله عز وجل ، فأخذ علي بن الحسين (عليه السلام) حجرا أسود صما فطبعه بخاتمه وقال : خذه وسل كل حاجة لك منه ، فو الله الذي بعث محمدا بالحق لقد كنت أسأله الضوء في البيت فيسرج في الظلماء وأضعه على الأقفال فتفتح لي وآخذه بيدي وأقف بين يدي السلاطين فلا أرى سوء ).

الجن تتشرف بما يأكل الإمام عليه السلام

التاسع عشر وعنه قال : حدثنا أبو طاهر عبد الله بن أحمد الخازن قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عمر بن سلم التميمي قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد قال : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن جبرويه قال: حدثنا محمد بن أبي البهلول قال : حدثنا صالح بن أبي الأسود عن جابر ابن يزيد عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال : (خرج أبو محمد علي بن الحسين (عليه السلام) إلى مكة في جماعة من مواليه وناس من سواهم، فلما بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها ، فلما دنا علي بن الحسين (عليه السلام) من ذلك الموضع قال لمواليه : كيف ضربتم في هذا الموضع؟ وهذا موضع قوم من الجن هم لنا أولياء ولنا شيعة وذلك يضر بهم ويضيق عليهم فقالوا : ما علمنا ذلك ، وعزموا على قلع الفسطاط وإذا هاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول : يا ابن رسول الله لا تحول فسطاطك من موضعه فإنا نحتمل ذلك لك ، وهذا الطبق قد أهديناه إليك نحب أن تنال منه لنتشرف بذلك ، فنظرنا فإذا بجانب الفسطاط طبق عظيم وأطباق معه فيها عنب ورمان وموز وفاكهة كثيرة ، فدعا أبو محمد (عليه السلام) من كان معه فأكل وأكلوا معه من تلك الفاكهة).

الإمام يقضي حاجة أحد مواليه

العشرون أمالي الصدوق  قال : حدثنا محمد بن القسم الأسترآبادي قال : حدثنا جعفر بن أحمد قال : حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن يزيد القمي قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال: (كنت عند علي بن الحسين (عليه السلام) فجاءه رجل من أصحابه فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) : ما خبرك أيها الرجل ؟ فقال : يا ابن رسول الله إني أصبحت وعلي أربعمائة دينار دين لا قضاء عندي لها ولي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به قال : فبكى علي بن الحسين (عليه السلام) بكاء شديدا، فقلت له : ما يبكيك يا ابن رسول الله ؟ فقال : وهل يعد البكاء إلا للمصائب والمحن الكبار ؟! قالوا: كذلك يا ابن رسول الله ، قال؟ فأية محنة ومصيبة أعظم على حر مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خلة فلا يمكنه سدها ويشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها ؟ قال: فتفرقوا عن مجلسهم ذلك فقال بعض المخالفين -وهو يطعن على علي بن الحسين (عليه السلام)-: عجبا لهؤلاء يدعون مرة أن السماء والأرض وكل شي‏ء يطيعهم وأن الله لا يردهم عن شي‏ء من طلباتهم ، وثم يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح خواص إخوانهم ؟! فاتصل ذلك بالرجل صاحب القصة فجاء إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال له : يا ابن رسول الله بلغني عن فلان كذا وكذا وكان ذلك أغلظ علي من محنتي ، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : فقد أذن الله في فرجك يا فلانة احملي سحوري وفطوري فحملت قرصتين فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : للرجل خذهما فليس عندنا غيرهما فإن الله يكشف عنك بهما وينيلك خيرا واسعا منهما ، فأخذهما الرجل ودخل السوق لا يدري ما يصنع بهما يتفكر في ثقل دينه وسوء حال عياله، ويوسوس إليه الشيطان أين مواقع هاتين من حاجتك ؟ فمر بسماك قد بارت عليه سمكته وقد أراحت فقال له : سمكتك هذه بائرة عليك وإحدى قرصتي هاتين بائرة علي ، فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة وتأخذ قرصتي هذه البائرة ؟ فقال : نعم ، فأعطاه السمكة وأخذ القرصة ، ثم مر برجل معه ملح قليل مزهود فيه فقال له : هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها ؟ قال : نعم ، ففعل ، فجاء الرجل بالسمكة والملح فقال : أصلح هذا بهذا فلما شق بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين فحمد الله عليهما،  فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه فخرج ينظر من بالباب ، فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح قد جاءا يقول كل واحد منهما له : يا عبد الله جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا ، وما نظنك إلا وقد تناهيت في سوء الحال ومرنت على الشقاء قد رددنا إليك هذا الخبز وطيبنا لك ما أخذته منا ، فأخذ القرصتين منهما فلما استقر بعد انصرافهما عنه قرع بابه فإذا رسول علي بن الحسين (عليه السلام) فدخل فقال : إنه (عليه السلام) يقول لك : إن الله قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا فإنه لا يأكله غيرنا ، وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله ، فقال بعض المخالفين : ما أشد هذا التفاوت بينا علي بن الحسين(عليه السلام) لا يقدر أن يسد منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم ؟ كيف يكون هذا وكيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم ؟! فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : هكذا قالت قريش للنبي (صلى الله عليه وأله وسلم): كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكة ويرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوما  ؟! وذلك حين هاجر منها ، ثم قال علي بن الحسين(عليه السلام): جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه وترك الاقتراح عليه والرضا بما يدبرهم به ، إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبرا لم يساوهم فيه غيرهم فجازاهم الله عز وجل عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم ، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم‏).

الإمام يكافئ رجلا من بلخ على هداياه ويحيي له زوجته

الحادي والعشرون منتخب الشيخ الفاضل التقي الزاهد الشيخ فخرالدين بن طريح النجفي  قال : ( روي أن رجلا مؤمنا من أكابر بلاد بلخ كان يحج بيت  الله الحرام ويزور قبر النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) في أكثر الأعوام وكان يأتي إلى علي بن الحسين(عليه السلام) ويزوره ويحمل إليه الهدايا والتحف ويأخذ مصالح دينه منه ثم يرجع إلى بلاده ، فقالت له زوجته : أراك تهدي تحفا كثيرة ولا أراه يجازيك عنها بشي‏ء ؟ فقال : إن هذا الرجل الذي نهدي إليه هدايانا هو ملك الدنيا والآخرة وجميع ما في أيدي الناس تحت ملكه ، لأنه خليفة الله في أرضه وحجته على عباده ، وهو ابن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وإمامنا ومقتدانا ، فلما سمعت ذلك منه أمسكت عن ملامته ، ثم إن الرجل تهيأ للرحيل مرة أخرى في السنة القابلة وقصد دار علي بن الحسين (عليه السلام) فاستأذن عليه بالدخول ، فأذن له ودخل فسلم عليه وقبل يديه ، ووجد بين يديه طعاما فقربه إليه وأمره بالأكل معه فأكل الرجل حسب كفايته ، ثم استدعى بطست وإبريق فيه ماء فقام الرجل فأخذ الإبريق وصب الماء على يدي الإمام (عليه السلام)  فقال الإمام (عليه السلام) : يا شيخ أنت ضيفنا فكيف تصب على يدي الماء فقال إني أحب ذلك ؟ فقال الإمام (عليه السلام): حيث أنك تحب ذلك فو الله لأرينك ما تحب وترضى وتقر به عيناك ، فصب الرجل الماء على يديه حتى امتلأ ثلث الطست ، فقال الإمام (عليه السلام) للرجل : ما هذا ؟ فقال : ماء، فقال الإمام (عليه السلام) : بل هو ياقوت أحمر ، فنظر الرجل فإذا هو قد صار ياقوتا أحمرا بإذن الله تعالى، ثم قال(عليه السلام) : يا رجل صب الماء أيضا فصب على يدي الإمام الماء مرة أخرى حتى امتلأ ثلثا الطست ، فقال (عليه السلام) له : ما هذا ؟ قال : هذا ماء، قال الإمام (عليه السلام) : بل هو زمرد أخضر فنظر الرجل فإذا هو زمرد أخضر ، ثم قال الإمام (عليه السلام) : أيضا صب الماء يا رجل فصب الماء على يدي الإمام حتى امتلأ الطست فقال للرجل : ما هذا ؟ فقال : هذا ماء ، قال (عليه السلام) : بل هو در أبيض، فنظر الرجل فإذا هو در أبيض بإذن الله تعالى ، وصار الطست ملآنا من ثلاثة ألوان در وياقوت وزمرد فتعجب الرجل غاية العجب وانكب على يدي الإمام (عليه السلام) يقبلهما ، فقال له الإمام : (عليه السلام) يا شيخ لم يكن عندنا شي‏ء فنكافئك على هداياك إلينا فخذ هذه الجواهر فإنها عوض عن هديتك إلينا واعتذر لنا عند زوجتك لأنها عتبت علينا، فأطرق الرجل رأسه خجلا وقال: يا سيدي من أنبأك بكلام زوجتي فلا أشك أنك من أهل بيت النبوة ثم إن الرجل ودع الإمام (عليه السلام) وأخذ الجواهر وسار بها إلى زوجته وحدثها بالقصة فقالت : ومن أعلمه بما قلت ؟ فقال : ألم أقل لك أنه من بيت العلم والآيات الباهرات، فسجدت لله شكرا وأقسمت على بعلها بالله العظيم أن يحملها معه إلى زيارته والنظر إلى طلعته ، فلما تجهز بعلها للحج في السنة القابلة أخذها معه فمرضت المرأة في الطريق وماتت قريبا من مدينة الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم)، فجاء الرجل إلى الإمام (عليه السلام) باكيا حزينا وأخبره بموت زوجته وأنها كانت قاصدة إلى زيارته وإلى زيارة جده رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ، فقام الإمام (عليه السلام) وصلى ركعتين ودعا الله سبحانه بدعوات لم تحجب عن رب السماوات ثم التفت إلى الرجل فقال له : قم وارجع إلى زوجتك فإن الله عز وجل قد أحياها بقدرته وحكمته وهو يحيي العظام وهي رميم ، فقام الرجل مسرعا وهو فرح وجل مصدق ومكذب فدخل إلى خيمته فرأى زوجته جالسة في الخيمة على حال الصحة فزاد سروره واعتقد ضميره وقال لها: كيف أحياك الله تعالى ؟ فقالت : والله لقد جاءني ملك الموت وقبض روحي وهم أن يصعد بها وإذا برجل صفته كذا وكذا وجعلت تعدد أوصافه الشريفة وبعلها يقول لها : نعم صدقت هذه صفة سيدي ومولاي علي بن الحسين (عليه السلام) قالت : فلما رآه ملك الموت مقبلا انكب على قدميه يقبلهما وهو يقول : السلام عليك يا حجة الله في أرضه، السلام عليك يا زين العابدين فرد عليه السلام وقال له : يا ملك الموت أعد روح هذه المرأة إلى جسدها فإنها قاصدة إلينا وإني قد سألت ربي أن يبقيها ثلاثين سنة أخرى ويحييها حياة طيبة لقدومها إلينا زائرة لنا فإن للزائر علينا حقا واجبا ، فقال له الملك: سمعا وطاعة لك يا ولي الله ، ثم أعاد روحي إلى جسدي وأنا أنظر إلى ملك الموت قد قبل يده الشريفة (عليه السلام) وخرج عني، فأخذ الرجل بيد زوجته وأتى بها إلى مجلس الإمام (عليه السلام) وهو بين أصحابه وانكبت على ركبتيه تقبلهما وهي تقول : والله هذا سيدي ومولاي هذا الذي أحياني الله ببركة دعائه ، قال : ولم تزل المرأة مع زوجها مجاورين عند الإمام (عليه السلام) بقية أعمارهما بعيشة طيبة في البلدة الطيبة إلى أن ماتا رحمة الله عليهما).  

الإمام ينطق الشاة لعمه محمد

الثاني والعشرون عن ثاقب المناقب عن عمار الساباطي قال : (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : أنه لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام) أقبل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين بن علي (عليه السلام) فقال له : ما الذي فضلك علي وأنا أكثر رواية وأسن منك ؟ فقال : كفى بالله شهيدا يا عمي ، قال له محمد بن الحنفية: أحلت على غائب ، قال : وكان في دار علي بن الحسين (عليه السلام) شاة حلوب فقال : اللهم انطقها ، فقالت الشاة : يا علي بن الحسين إن الله استودعك علمه ووحيه ، فأمر سودة الخادمة تتخذ لي العلف : قال : فصعق محمد بن الحنفية على وجهه ثم قال : أدركني أدركني أدركني يا ابن أخي ثم ضرب بيده على كتفه فقال اهتد هداك الله).

الإمام يري صاحبه معاوية وهو يعذب

الثالث والعشرون بصائر الدرجات للصفار  قال : حدثنا محمد ابن الحسين عن موسى بن سعدان عن الحسين بن أبي العلاء عن هارون ابن خارجة عن يحيى ابن أم الطويل قال : ( صحبت علي بن الحسين(عليه السلام) في المدينة إلى مكة وهو على بغلته وأنا على راحلة فجزنا وادي ضجنان فإذا نحن برجل أسود في رقبته سلسلة قال وهو يقول : يا علي بن الحسين اسقني سقاك الله قال فقال علي (عليه السلام) : فوضع رأسه على صدره ثم حرك دابته قال : فالتفت فإذا رجل يجذبه وهو يقول : لا تسقه لا سقاه الله ، قال : فحركت براحلتي فألحقت بعلي بن الحسين ، قال : فقال لي : أي شي‏ء رأيت؟ فأخبرته، قال : ذاك معاوية).      

الإمام يرد الشمس من مغربها إلى مشرقها ومن مشرقها إلى مغربها

الرابع والعشرون عن دلائل الطبري  عن أبي محمد عبد الله قال: حدثنا محمد بن سعيد عن سالم بن قبيصة قال : ( شهدت علي بن الحسين (عليه السلام) يقول أنا أول من خلق الأرض وآخر من يهلكها، فقلت : يا ابن رسول الله وما آية ذلك ؟ قال : آية ذلك أن أرد الشمس من مغربها إلى مشرقها ومن مشرقها إلى مغربها ، فقيل له : افعل ذلك ، ففعل وقال علي بن الحسين (عليه السلام): سألت ربي ثلاثا فأعطاني ما سألته سألته أن يحل في ما حل في سميي من قبل ففعل تعالى وأن يرزقني العبادة ففعل وأن يلهمني التقوى ففعل تعالى). 

الشجر والحجر يسبح بتسبيح الإمام عليه السلام

الخامس والعشرون رجال الكشي  عن عبد الرزاق، عن معمر، عن علي بن زيد، قال: قلت لسعيد بن المسيب إنك أخبرتني أن علي ابن الحسين النفس الزكية وأنك لا تعرف له نظيرا، قال: كذلك وما هو مجهول ما أقول فيه والله ما رأى مثله، قال علي بن زيد : فقلت : والله إن هذه الحجة الوكيدة عليك يا سعيد فلم لم تصل على جنازته، فقال : إن القراء كانوا لا يخرجون إلى مكة حتى يخرج علي بن الحسين، فخرج وخرجنا معه ألف راكب، فلما صرنا بالسقيا نزل فصلى وسجد سجدة الشكر فقال فيها : (سبحانك اللهم وحنانيك) الدعاء أنه سبح في سجوده فلم يبق حوله شجرة ولا مدرة إلا سبحت بتسبيحه، ففزعت من ذلك وأصحابي، ثم قال يا سعيد إن الله جل جلاله لما خلق جبريل ألهمه هذا التسبيح فسبحت السماوات ومن فيهن لتسبيحه الأعظم، وهو اسم الله عز وجل الأكبر يا سعيد، أخبرني أبي الحسين عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) عن جبريل عن الله جل جلاله أنه قال: ما من عبد من عبادي آمن بي وصدق بك وصلى في مسجدك ركعتين على خلا من الناس إلا غفرت له ما تقدم من ذنبه ما تأخر، فلم أر شاهدا أفضل من علي بن الحسين(عليه السلام) حيث حدثني بهذا الحديث، فلما أن مات شهد جنازته البر والفاجر وأثنى عليه الصالح والطالح وانهال الناس يتبعونه حتى وضعت الجنازة، فقلت : إن أدركت الركعتين يوما من الدهر فاليوم، ولم يبق إلا رجل وامرأة ثم خرجا إلى الجنازة، ووثبت لأصلي؛ فجاء تكبير من السماء ، فأجابه تكبير من الأرض ، فأجابه تكبير من السماء ، فأجابه تكبير من الأرض ؛ ففزعت وسقطت على وجهي ، فكبر من في السماء سبعا وكبر من في الأرض سبعا ، وصلى على علي بن الحسين (عليه السلام) ودخل الناس المسجد فلم أدرك الركعتين ولا الصلاة على علي بن الحسين (عليه السلام) ، فقلت: يا سعيد لو كنت أنا لم أختر إلا الصلاة على علي بن الحسين (عليه السلام) إن هذا لهو الخسران المبين، قال : فبكى سعيد ثم قال : ما أردت إلا الخير ليتني كنت صليت عليه فإنه ما رأي مثله).

أقول : روى الشيخ الكشي  هذا الخبر عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وعلي بن زيد ؛ وساق الحديثين مع التصريح ما بينهما من الاختلاف اليسير ، ونحن التقطنا منه رواية علي بن زيد واقتصرنا عليه لعدم الفائدة في الإدراج والسلام.

 

 

باب معجزات الإمام الهمام الدر الفاخر محمد بن علي الباقر عليهما السلام

الإمام يري جابر من ملكوت الأرض ما لم يره إبراهيم

والعدد يبنى على السابق

الحديث السادس والعشرون بصائر الدرجات عن الحسن بن أحمد عن محمد بن المثنى عن أبيه عن عثمان بن زيد عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)  قال (سألته عن قول الله عز وجل ﴿وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض﴾ قال وكنت مطرقا إلى الأرض فرفع يده إلى فوق ثم قال لي ارفع رأسك فرفعت رأسي فنظرت إلى السقف قد انفجر حتى خلص بصري إلى نور ساطع حاد بصري دونه قال ثم قال لي رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض هكذا ثم قال لي أطرق فأطرقت ثم قال لي ارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا السقف على حاله قال ثم أخذ بيدي وقام وأخرجني من البيت الذي كنت فيه وأدخلني بيتا آخر فخلع ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا غيرها ثم قال لي غض بصرك فغضضت بصري وقال لي لا تفتح عينيك فلبثت ساعة ثم قال لي أ تدري أين أنت قلت لا جعلت فداك فقال لي أنت في الظلمة التي سلكها ذو القرنين فقلت له جعلت فداك أ تأذن لي أن أفتح عيني فقال لي افتح فإنك لا ترى شيئا ففتحت عيني فإذا أنا في ظلمة لا أبصر فيها موضع قدمي ثم سار قليلا ووقف فقال لي: هل تدري أين أنت؟ قلت: لا  قال أنت واقف على عين الحياة التي شرب منها الخضر (عليه السلام) وسرنا وخرجنا من ذلك العالم إلى عالم آخر فسلكنا فيه فرأينا كهيئة عالمنا في بنائه ومساكنه وأهله ثم خرجنا إلى عالم ثالث كهيئة الأول والثاني حتى وردنا خمسة عوالم قال ثم قال هذه ملكوت الأرض ولم يرها إبراهيم (عليه السلام) وإنما رأى ملكوت السماوات وهي اثنا عشر عالما كل عالم كهيئة ما رأيت كلما مضى منا إمام سكن أحد هذه العوالم حتى يكون آخرهم القائم (عليه السلام) في عالمنا الذي نحن ساكنوه قال ثم قال غض بصرك فغضضت بصري ثم أخذ بيدي فإذا نحن بالبيت الذي خرجنا منه فنزع تلك الثياب ولبس الثياب التي كانت عليه وعدنا إلى مجلسنا فقلت جعلت فداك كم مضى من النهار قال (عليه السلام) ثلاث ساعات).

الإمام يفعل ما يريد ولو شاء ساق الأرض بأزمتها

السابع والعشرون وفيه حدثنا الحسن بن أحمد بن محمد بن سلمة، عن محمد بن المثنى عن أبيه، عن عثمان بن زيد، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة  فقال: يا جابر ما عندنا درهم فلم ألبث أن دخل عليه الكميت فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي حتى أنشده قصيدة  فقال: أنشد فأنشده قصيدة فقال: يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت، قال فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك قصيدة أخرى، قال: أنشد، فأنشده أخرى، قال: يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت، قال: فأخرج بدرة فدفعها إليه، قال فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثالثة، قال له: أنشد، فأنشد، فقال: يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه، قال: فأخرج بدرة فدفعها إليه فقال الكميت: جعلت فداك والله ما أحبكم لغرض الدنيا وما أردت بذلك إلا صلة رسول الله  (صلى الله عليه وأله وسلم) وما أوجب الله علي من الحق، قال: فدعا له أبو جعفر (عليه السلام) ثم قال: يا غلام ردها مكانها، قال: فوجدت في نفسي وقلت: قال ليس عندي درهم وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم قال: فقام الكميت وخرج، قلت له: جعلت فداك قلت ليس عندي دراهم وأمرت للكميت بثلاثين ألف درهم، فقال لي: يا جابر قم وادخل البيت، قال: فقمت ودخلت البيت فلم أجد منه شيئا فخرجت إليه فقال لي: يا جابر ما سترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم فقام فأخذ بيدي وأدخلني البيت ثم قال: وضرب برجله الأرض فإذا شبيه بعنق البعير قد خرجت من ذهب ثم قال لي: يا جابر انظر إلى هذا ولا تخبر به أحدا إلا من تثق به من إخوانك إن الله أقدرنا على ما نريد ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها لسقناها).

الإمام يخبر الأعرابي عما رأى

الثامن والعشرون وفيه قال: حدثنا محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :(جاء أعرابي حتى قام على باب المسجد فتوسم فرأى أبا جعفر (عليه السلام)  فعقل ناقته ودخل وجثى على ركبتيه وعليه شملة فقال أبو جعفر (عليه السلام): من أين جئت يا أعرابي؟ قال: جئت من أقصى البلدان، قال أبو جعفر (عليه السلام):البلد أوسع من ذاك فمن أين جئت؟ قال: جئت من أحقاف عاد، قال: نعم فرأيت ثمة سدرة إذا مر التجار بها استظلوا بفيئها؟ قال: وما علمك جعلني الله فداك؟ قال: هو عندنا في كتاب، وأي شيء رأيت أيضا؟ قال: رأيت واديا مظلما فيه الهام والبوم لا يبصر قعره، قال: وتدري ما ذاك الوادي؟ قال: لا والله ما أدري، قال: ذاك برهوت فيه نسمة كل كافر، ثم قال: أين بلغت؟ فقطع بالأعرابي فقال: بلغت قوما جلوسا في مجالسهم ليس لهم طعام ولا شراب إلا ألبان أغنامهم فهي طعامهم وشرابهم، ثم نظر إلى السماء فقال: اللهم العنه، فقال له جلساؤه: جعلنا فداك من هو؟ قال: هو قابيل يعذب بحر الشمس وزمهرير البرد ثم جاءه رجل آخر فقال له: رأيت جعفرا؟ فقال الأعرابي: ومن جعفر هذا الذي يسأل عنه؟ قالوا: ابنه، قال: سبحان الله وما أعجب هذا الرجل يخبرنا من خبر السماء ولا يدري أين ابنه).

الإما يذهب لقوم موسى ليصلح بينهم

التاسع والعشرون وفيه (حدثنا أحمد بن محمد عن البرقي عن بعض أصحابنا عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن رجلا منا أتى قوم موسى في شيء كان بينهم فأصلح بينهم فمر برجل معقول عليه ثياب مسوح معه عشرة موكلين به يستقبلون به في الشتاء ويصبون عليه الماء البارد ويستقبل به في الحر عين الشمس يدار به معها حيث ما دارت ويوقد حوله النيران كلما مات من العشرة واحد أضاف أهل القرية إليه آخر فالناس يموتون والعشرة لا ينقصون فقال ما أمرك قال إن كنت عالما فما أعرفك بي قال علاء قال محمد بن مسلم ويروون أنه ابن آدم ويروون أنه أبو جعفر (عليه السلام) كان صاحب هذا الأمر).

أقول ومر مثله بسند آخر في القسم الأول أيضاً.

الإمام يضرب الصخر بعصاه فينبع الماء

الثلاثون عن دلائل الطبري عن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا حكم بن سعد قال :(لقيت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وبيده عصا يضرب به الصخر فينبع منه الماء فقلت يا ابن رسول الله ما هذا قال نبعة من عصا موسى التي يتعجبون منها).

الإمام يخرج من اللبنة طعاما وشرابا

الحادي والثلاثون وعنه قال حدثنا أبو محمد سفيان عن أبيه، عن الأعمش قال: قال قيس بن ربيع :(كنت ضيفا لمحمد بن علي (عليه السلام) وليس في منزله غير لبنة فلما حضر العشاء قام فصلى وصليت معه ثم ضرب بيده إلى اللبنة فأخرج منها منديلا متقلا قنديلا مشعلا ومائدة مستوي عليها كل حار وبارد فقال لي: كل فهذا ما أعده الله للأولياء، فأكل وأكلت ثم رفعت المائدة في اللبنة فخالطني الشك حتى إذا خرج لحاجته قلبت اللبنة فإذا هي لبنة صغيرة فدخل وعلم ما في قلبي، فأخرج من اللبنة أقداحا وكيزانا وجرة فيها ماء فسقانا وشرب هو ثم أعاده إلى موضعه وقال: مثل من معي مثل اليهود مع المسيح حين لم يثقوا به ثم أمر اللبنة أن تنطق فتكلمت‏).

الإمام يصنع فيلا من طين ويطير عليه

الثاني والثلاثون وعنه قال حدثنا أحمد بن منصور الزيادي قال: حدثنا شاذان بن عمر قال حدثنا مرة بن قبيصة بن عبد الحميد قال: قال لي جابر بن يزيد الجعفي: (رأيت مولاي الباقر (عليه السلام) وقد صنع فيلا من طين فركبه وطار في الهواء حتى ذهب إلى مكة ورجع عليه، فلم أصدق ذلك منه حتى رأيت الباقر (عليه السلام) فقلت له: أخبرني جابر عنك بكذا وكذا فصنع مثله فركب وحملني معه إلى مكة وردني).

الإمام يعطي منصور خاتما يعمل فيه العجائب

الثالث والثلاثون وعنه قال أبو جعفر وحدثنا سفيان، عن وكيع، عن الأعمش قال حدثنا منصور قال :(كنت أريد أني أركب البحر فسألت الباقر (عليه السلام) فأعطاني خاتما فكنت أطرحه في الزورق إذا شئت فيقف وإذا شئت أطلقه وإني جئت الدور فسقط لأخ لي كيس في الدجلة فألقيت ذلك الخاتم فخرج وأخرج الكيس‏).

الإمام له خدام من الجن

الرابع والثلاثون بصائر الدرجات قال حدثنا محمد بن الحسين عن إبراهيم بن أبي البلاد عن سدير الصيرفي قال :(أوصاني أبو جعفر (عليه السلام) بحوائج له بالمدينة قال: فبينا أنا في فج الروحاء على راحلتي إذا إنسان يلوي بثوبه قال: فملت إليه وظننت أنه عطشان فناولته الإداوة قال فقال: لا حاجة لي بها، ثم ناولني كتابا طينه رطب قال: فلما نظرت إلى ختمه إذا هو خاتم أبي جعفر (عليه السلام) فقلت له: متى عهدك بصاحب الكتاب؟ قال: الساعة، قال: فإذا فيه أشياء يأمرني بها ثم قال: التفت فإذا ليس عندي أحد قال: فقدم أبو جعفر (عليه السلام) فلقيته فقلت له: جعلت فداك رجل أتاني بكتاب وطينه رطب قال إذا عجل لنا أمر أرسلت بعضهم يعني الجن وزاد فيه محمد بن الحسين بهذا الإسناد يا سدير إن لنا خدما من الجن فإذا أردنا السرعة بعثناهم).

الإمام يأمر جابر الجعفي بأمر ينقذه من القتل

الخامس والثلاثون الكافي في باب أن الجن تأتيهم علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن محمد بن أورمة، عن أحمد بن النضر، عن النعمان بن بشير قال: (كنت مزاملا لجابر بن يزيد الجعفي فلما أن كنا بالمدينة دخل على أبي جعفر (عليه السلام) فودعه وخرج من عنده وهو مسرور حتى وردنا الأخيرجة أول من فيد إلى المدينة يوم الجمعة، فصلينا الزوال فلما نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتاب فناوله جابر فتناوله فقبله ووضعه على عينيه وإذا هو (من محمد بن علي إلى جابر بن يزيد) وعليه طين أسود رطب فقال له: متى عهدك بسيدي؟ فقال: الساعة، فقال له: قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ فقال: بعد الصلاة، ففك الخاتم وأقبل يقرؤه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره ثم أمسك الكتاب فما رأيته ضاحكا ولا مسرورا حتى وافى الكوفة، فلما وافينا الكوفة ليلا بت ليلتي فلما أصبحت أتيته إعظاما له فوجدته قد خرج علي وفي عنقه كعاب قد علقها وقد ركب قصبة وهو يقول: أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور، وأبياتا من نحو هذا فنظر في وجهي ونظرت في وجهه فلم يقل لي شيئا ولم أقل له، وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع علي وعليه الصبيان والناس وجاء حتى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون: جن جابر بن يزيد جن، فوالله ما مضت الأيام حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه: أن انظر رجلا يقال له جابر ابن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه، فالتفت إلى جلسائه فقال لهم: من جابر بن يزيد الجعفي؟ قالوا: أصلحك الله كان رجلا له علم وفضل وحديث وحج فجن وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم، قال: فأشرف عليه، فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال: الحمد لله الذي عافاني من قتله، قال: ولم تمض الأيام حتى دخل منصور بن جمهور الكوفة وصنع ما كان يقول جابر) .

الإمام يرد روح الرجل إليه فيؤمن

السادس والثلاثون عن أمالي الشيخ قال: قرأ على أبي القاسم بن شبل بن أسد الوكيل وأنا أسمع في منزله ببغداد في الربض بباب محول في صفر سنة عشر وأربعمائة، حدثنا ظفر بن حمدون بن أحمد بن شداد البادرائي أبو منصور بادرائي في شهر ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي الأحمري، قال: حدثني محمد بن سليمان، عن أبيه، قال :(كان رجل من أهل الشام، وكان مركزه بالمدينة يختلف إلى مجلس أبي جعفر (عليه السلام) ويقول له: يا محمد، أ لا ترى أني إنما أغشى مجلسك حبا مني لك؟ ولا أقول إن أحدا في الأرض أبغض إلي منكم أهل البيت، وأعلم أن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكن أراك رجلا فصيحا، لك أدب وحسن لفظ، وإنما اختلافي إليك لحسن أدبك، وكان أبو جعفر (عليه السلام) يقول له خيرا، ويقول: لن تخفى على الله خافية، فلم يلبث الشامي إلا قليلا حتى مرض واشتد وجعه، فلما ثقل دعا وليه، وقال له: إذا أنت مددت علي الثوب، فأت محمد بن علي وسله أن يصلي علي وأعلمه أني أنا الذي أمرتك بذلك، قال: فلما أن كان في نصف الليل ظنوا أنه قد برد وسجوه، فلما أن أصبح الناس خرج وليه إلى المسجد، فلما أن صلى محمد ابن علي (عليه السلام) وتورك وكان إذا صلى عقب في مجلسه قال له: يا أبا جعفر، إن فلانا الشامي قد هلك، وهو يسألك أن تصلي عليه. فقال: أبو جعفر (عليه السلام) كلا، إن بلاد الشام بلاد صرد وبلاد الحجاز بلاد حر ولحمها شديد، فانطلق فلا تعجلن على صاحبك حتى آتيكم، ثم قام من مجلسه، فأخذ وضوءا، ثم عاد فصلى ركعتين، ثم مد يده تلقاء وجهه ما شاء الله ثم خر ساجدا حتى طلعت الشمس. ثم نهض فانتهى إلى منزل الشامي، فدخل عليه، فدعاه فأجابه، ثم أجلسه وأسنده، ثم أتى له بسويق فسقاه، وقال لأهله: املأوا جوفه، وبردوا صدره بالطعام البارد، ثم انصرف، فلم يلبث إلا قليلا حتى عوفي الشامي، فأتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال: أخلني، فأخلاه، فقال أشهد أنك حجة الله على خلقه، وبابه الذي يؤتى منه، فمن أتى من غيرك خاب وخسر وضل ضلالا بعيدا. قال له أبو جعفر (عليه السلام): وما بدا لك؟ قال: أشهد أني عهدت بروحي وعاينت بعيني، فلم يتفاجأني إلا ومناد ينادي، أسمعه بأذني ينادي وما أنا بالنائم ردوا عليه روحه، فقد سألنا ذلك محمد بن علي. فقال له أبو جعفر (عليه السلام): أ ما علمت أن الله يحب العبد ويبغض عمله، ويبغض العبد ويحب عمله قال فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) ) .  

أقول ورواه ابن شهر آشوب في المناقب عن أبي القاسم بن شبل الوكيل بسنده عن محمد بن سليمان قريباً مما ذكر في العبارة والمعنى واحد لا اختلاف فيه.

الإمام يدخل وسط النار فلا تؤثر فيه

السابع والثلاثون عن دلائل الطبري قال : حدثنا أبو المفضل محمد ابن عبد الله قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، عن يحيى بن زكريا ، عن الحسن بن محبوب الزراد ، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر الجعفي ، عن جابر بن يزيد الجعفي قال : (مررت بعبد الله بن الحسن ، فلما رآني سبني وسب الباقر (عليه السلام) فجئت إلى أبي جعفر (عليه السلام) فلما أبصر بي تبسم ، وقال : يا جابر مررت بعبد الله بن الحسن فسبك وسبني ؟ قال : قلت : نعم يا سيدي ، فدعوت الله عليه، فقال لي: أول داخل يدخل عليك هو ، فإذا هو قد دخل ! فلما جلس قال له الباقر (عليه السلام): ما جاء بك يا عبد الله ؟ قال : أنت الذي تدعي ما تدعي ؟ قال له الباقر (عليه السلام): ويلك قد أكثرت فقال : يا جابر قلت : لبيك قال : احفر في الدار حفيرة . قال : فحفرت ، ثم قال لي : ائتني بحطب كثير وألقه فيها . ففعلت ، ثم قال : أضرمه نارا ، ففعلت . ثم قال : يا عبد الله بن حسن ! قم وادخلها واخرج منها إن كنت صادقا . قال عبد الله : قم فادخل أنت قبلي . فقام أبو جعفر (عليه السلام) ودخلها ، فلم يزل يدوسها برجله ويدور فيها حتى جعلها رمادا ، ثم خرج فجاء وجلس وجعل يمسح العرق عن وجهه ، ثم قال : قم قبحك الله ، فما أقرب ما يحل بك كما حل بمروان بن الحكم وبولده) .

الجدر لا تحجب بصر الإمام

الثامن والثلاثون مناقب ابن شهر آشوب عن دلالات الحسن بن علي ابن حمزة، عن بعض أصحابه، عن ميسر بياع الزطي قال :(أقمت على باب أبي جعفر (عليه السلام) فطرقته فخرجت جارية خماسية فوضعت يدي على يديها وقلت لها قولي لمولاك هذا ميسر بالباب فناداني (عليه السلام) من أقصى الدار ادخل لا أبا لك ثم قال لي أما والله يا ميسر لو كانت هذه الجدر تحجب أبصارنا كما تحجب منكم أبصاركم لكنا وأنتم سواء فقلت جعلت فداك والله ما أردت إلا لأزداد بذلك إيمانا).

الإمام يرسل الشامي إلى من يريه والده بعد موته

التاسع والثلاثون الخرائج قال: روى أبو عيينة قال: (كنت عند أبي جعفر(عليه السلام)  فدخل رجل فقال: أنا من أهل الشام وأتوالاكم وأبرأ من عدوكم وأبي كان يتوالى بني أمية وكان له مال كثير ولم يكن له ولد غيري وكان مسكنه بالرملة وكانت له جنينة يتخلى فيها بنفسه فلما مات طلبت المال فلم أظفر به ولا أشك أنه دفنه وأخفاه عني، قال أبو جعفر (عليه السلام): تحب أن تراه وتسأله أين موضع ماله؟ قال: إي والله فإني فقير محتاج، فكتب أبو جعفر (عليه السلام) كتابا وختمه بخاتمه ثم قال: انطلق بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتى تتوسطه ثم تنادي: يا درجان، فإنه يأتيك رجل معتم فادفع إليه كتابي وقل أنا رسول محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) فإنه يأتيك به فاسأله عما بدا لك فأخذ الرجل الكتاب وانطلق. قال : أبو عيينة فلما كان من الغد أتيت أبا جعفر (عليه السلام) لأنظر ما حال الرجل فإذا هو على الباب ينتظر أن يؤذن له فأذن له فدخلنا جميعا فقال الرجل الله يعلم عند من يضع العلم قد انطلقت البارحة وفعلت ما أمرت فأتاني الرجل فقال لا تبرح من موضعك حتى آتيك به فأتاني برجل أسود فقال هذا أبوك قلت ما هو أبي قال بل غيره اللهب ودخان الجحيم والعذاب الأليم فقلت له أنت أبي قال نعم قلت فما غيرك عن صورتك وهيئتك قال يا بني كنت أتوالى بني أمية وأفضلهم على أهل بيت النبي (عليه السلام)  بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) فعذبني الله بذلك وكنت أنت تتولاهم فكنت أبغضك على ذلك وحرمتك مالي فزويته عنك وأنا اليوم على ذلك من النادمين فانطلق يا بني إلى جنينتي فاحفر تحت الزيتونة وخذ المال وهو مائة ألف وخمسون ألفا فادفع إلى محمد بن علي (عليه السلام) خمسين ألفا والباقي لك، ثم قال: فأنا منطلق حتى آخذ المال وآتيك بمالك، قال: أبو عيينة فلما كان من قابل دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت ما فعل الرجل صاحب المال، قال: قد أتاني بخمسين ألف درهم فقضيت منها دينا كان علي وابتعت منها أرضا بناحية خيبر ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي).

أقول: ورواه ابن شهر آشوب  في مناقبه مختصراً عن أبي عينيه وأبي عبد الله (عليه السلام) وفي آخره أنه (عليه السلام) قال (أما أنه سينفع الميت الندم على ما فرّط من حبنا وضيّع من حقنا بما أدخل علينا من الرفق والسرور)  ورواه السيد البحراني قدس سره في مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب عن محمد بن مسلم عن أبي عينيه وعن روضة الواعظين لابن الفارسي عن أبي عبد الله (عليه السلام) مع اختلاف في بعض الألفاظ وفي رواية ثاقب المناقب (أن ذلك ينفع الميت النادم على ما فرط في حبنا وضيع من حقنا بما أدخل عليّ من الرفق والسرور) والسلام.

الإمام يري وفد خراسان بعض آياته

الأربعون مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب، عن داود بن كثير الرقي قال: (كنت  عند أبي جعفر (عليه السلام) وكان عبد الله بن علي بن عبد الله بن الحسن يدّعي أنه إمام إذ أتى وفد من خراسان اثنان وسبعون رجلاً معهم المال والجوهر، فقال بعضهم: من  لنا أن نفهم منهم الأمر فيمن هو فأتاهم رسول عند عبد الله بن علي بن عبد الله بن الحسن فقال أجيبوا صاحبكم فمضوا إليه وقالوا له: ما دلالة الإمامة؟ قال: درع رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وخاتمه وعصاه وعمامته، قال: يا غلام عليّ بصندوق (بالصندوق) فأتي بصندوق ما بين غلامين فوضع بين يديه واستخرج درعاً فلبسها وعمامة فتعمم بها وعصاً فتوكأ عليها ثم خطب فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: نوافيك غداً إن شاء الله. قال داود: فقال لي أبو جعفر (عليه السلام): امض إلى باب عبدالله فقم على طرف الدكان فسيخرج إليك اثنان وسبعون رجلا من وفد خراسان فصح باسمه واسم أبيه، قال داود: فوقفت على طرف الدكان فخرجوا فسميت كل واحد منهم باسمه واسم أبيه وأمه فتعجبوا فقلت: أجيبوا صاحبكم، فأتوا معي فأدخلتهم على أبي جعفر (عليه السلام) فقال لهم يا أخا خراسان إلى أين يذهب بكم؟ أوصياء محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) أكرم على الله من أن يعرف من أمتهم كذا أين هي ثم التفت إلى أبي عبدالله (عليه السلام) وقال: يا ولدي ائتني بخاتمي الأعظم، فأتى بخاتم فضة عقيق فوضعه أمامه وحرّك شفتيه فأخذ الخاتم ففضّه فسقط منه درع رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) والعمامة والعصا فلبس الدرع وتعمم بالعمامة وأخذ العصا بيده ثم انتفض فيها نفضة فتقلص الدرع ثم انتفض ثانية فجرّها ذراعاً أو أكثر ثم نزع العمامة فوضعها بين يديه والدرع والعصا ثم حرّك شفتيه بكلمات فعاد الدرع في الخاتم ثم التفت إلى أهل خراسان وقال: إن كان عنده درع رسول الله والعمامة والعصا في صندوق ويكون عندنا في صندوق فما فضلنا عليه يا أهل خراسان ما من إمام إلا وتحت يده كنوز قارون أما المال الذي أخذه منكم محبة لكم وتطهيراً لرؤوسكم، فأدوا إليه المال وخرجوا من عنده مقرّين بإمامته).

الإمام يري أبا بصير حقائق من حوله

الحادي والأربعون الخرائج عن أبي سليمان داود بن عبد الله ، عن سهل بن زياد، عن عثمان بن عيسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أنا مولاك ومن شيعتك ، ضعيف ضرير، فاضمن لي الجنة . فقال: (عليه السلام)  ؟ أولا أعطيك علامة الأئمة ؟ أو غيرهم؟ قلت: وما عليك أن تجمعهما لي ؟ قال: وما تحب ذلك ؟ قلت: وكيف لا أحبه ، فما زاد أن مسح على بصري، فأبصرت جميع الأئمة عنده ، ثم قال: يا أبا محمد مد بصرك ، فانظر ماذا ترى بعينك؟ قال: فوالله ما أبصرت إلا كلبا وخنزيرا وقردا ! قلت: (ما) هذا الخلق الممسوخ؟ قال: هذا الذي ترى ، (هذا) السواد الأعظم، ولو كشف الغطاء للناس ما نظر الشيعة إلى من خالفهم إلا في هذه الصورة ثم قال: يا أبا محمد إن أحببت تركتك على حالك هكذا فحسابك على الله ، وإن أحببت ضمنت لك على الله الجنة ، ورددتك إلى حالك الأول؟ قلت : لا حاجة لي في النظر إلى هذا الخلق المنكوس ، ردني فما للجنة عوض ، فمسح يده على عيني ، فرجعت كما كنت). 

حق المؤمن على الله

الثاني والأربعون وفيه في الباب السادس عن عباد بن كثير البصري قال: قلت للباقر (عليه السلام) :(ما حق المؤمن على الله فصرف وجهه فسألته عنه ثلاثا، فقال: من حق المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت، قال: عباد فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك وقد تحركت مقبلة فأشار إليها: قري فلم أعنك). 

الإمام لا تخفى عليه أحوال مواليه

الثالث والأربعون عن دلائل الطبري  قال: روى محمد بن الحسن بن فروخ عن عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم بن رياح الثقفي قال سمعت أبا جعفر يقول لرجل من أهل إفريقية :(ما حال راشد، قال: خلفته صالحا يقرئك السلام، قال: رحمه الله، قال: ومات؟ قال: نعم رحمه الله، قال: متى؟ قال: قبل خروجك بيومين، قال: لا والله ما مرض ولا كانت به علة، قال: إنما يموت من يموت من غير علة أكثر فقلت: أيما كان الرجل؟ قال: كان لنا وليا ومحبا من أهل إفريقية يا محمد والله لئن كنتم ترون أنا ليس معكم أعين ناظرة وآذان سامعة لبئس ما ترون والله ما خفي من غاب فاحضروا لي جميلا وعودوا ألسنتكم الخير وكونوا من أهله تعرفوا به).

أقول : ورواه الراوندي في الخرائج عن أبي بصير ببعض المغايرة في اللفظ وفي آخره عن أبي بصير قال: (دخلت المسجد مع أبي جعفر (عليه السلام) والناس يدخلون ويخرجون فقال: لي سل الناس هل يرونني فكل من لقيته قلت له أ رأيت أبا جعفر فيقول لا وهو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف فقال: سل هذا فقلت: هل رأيت أبا جعفر فقال: أ ليس هو واقفا قلت: وما علمك قال: وكيف لا أعلم وهو نور ساطع قال: وسمعته يقول لرجل من أهل إفريقيا ما حال راشد؟ قال: خلفته حيا صالحا يقرئك السلام، قال: رحمه الله، قال: مات قال: نعم قال: ومتى قال: بعد خروجك بيومين قال: والله ما مرض ولا كان به علة قال: وإنما يموت من يموت من مرض أو علة قلت:   من الرجل قال رجل كان لنا مواليا ولنا محبا ثم قال: لئن ترون أنه ليس لنا معكم أعين ناظرة أو أسماع سامعة لبئس ما رأيتم والله لا يخفى علينا شيء من أعمالكم فاحضرونا جميلا وعودوا أنفسكم الخير وكونوا من أهله تعرفون به فإني بهذا آمر ولدي وشيعتي‏).

الإمام يكلم أباه بعد موته

الرابع والأربعون بصائر الدرجات، عن محمد بن عيسى، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن عبيد بن عبد الرحمن الخثعمي، عن أبي إبراهيم قال:(خرجت مع أبي إلى بعض أمواله فلما برزنا إلى الصحراء استقبله شيخ أبيض الرأس واللحية فسلم عليه فنزل إليه أبي جعلت أسمعه يقول له: جعلت فداك ثم جلسنا فتساءلا طويلا ثم قام الشيخ وانصرف وورع أبي وقام ينظر في قفاه حتى توارى عنه فقلت لأبي من هذا الشيخ الذي سمعتك تقول له ما لم تقله لأحد قال هذا أبي).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: قد روى الراوندي  في الخرائج عن بصائر الصفار حديثاً بهذا الإسناد وبهذا المضمون عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: (خرجت مع أبي -ثم ساق الحديث إلى أن قال-: (فقلت لأبي من هذا الشيخ الذي سمعتك تعظمه في مسائلتك قال يا بني هذا جدك الحسين (عليه السلام) )ونحن لم نجد في البصائر من هذا الحديث أثراً وإنما الموجود في البصائر ما أوردناه وأورده غيرنا أيضاً كما أوردناه ولعل الحديث الذي كان في نسخته  بتلك الصورة ويمكن بعيداً أن يكون هو أيضاً حديثاً آخر قد سقط فيما عندنا من النسخ والله أعلم، ولما كان الحديث الذي أورده غير موجود في البصائر الذي عندنا كبيره وصغيره وكان ذلك موجباً لحصول الريبة في حصة ما عنده من الكتاب ولا سيما بعد ملاحظة ما في مدينة المعاجز للسيد العلامة البحراني قدس سره فإنه مع وجود كتاب البصائر عنده نقل هذا الحديث عن الخرائج عن الصفار وإنما نقل عن البصائر بغير واسطة هذا الذي ذكرناه عن البصائر وهو يشهد بعدم وجود ذلك في نسخته أيضاً لم ننقله في معاجز مولانا الحسين (عليه السلام) مع وجوده في الخرائج وموافقته لما جرينا عليه في هذا الكتاب من انتخاب طرائف المعاجز.

الإمام يحكم بين زوج الورشان

الخامس والأربعون الكافي عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن علي، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :(كنت عنده يوما إذ فوقع زوج ورشان على الحائط وهدلا هديلهما فرد أبو جعفر (عليه السلام) عليهما كلامهما ساعة (ثم نهضا فلما صارا على الحائط هدل الذكر على الأنثى ساعة) ثم نهضا فقلت جعلت فداك ما هذا(م،ب:حال) الطير فقال يا ابن مسلم كل شيء خلقه الله من طير أو بهيمة أو شيء فيه روح فهو أسمع لنا وأطوع من ابن آدم إن هذا الورشان ظن بامرأته فحلفت له ما فعلت فقالت ترضى بمحمد بن علي فرضيا بي وأخبرته أنه لها ظالم فصدقها).

معاوية يستغيث بالإمام فلا يغيثه

السادس والأربعون بصائر الدرجات قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن مالك بن عطية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :(كنت أسير مع أبي في طريق مكة ونحن على ناقتين فلما صرنا بوادي ضجنان خرج رجل في عنقه سلسلة يجرها فقال: يا أبا جعفر اسقني سقاك الله فتبعه رجل آخر فاجتذب السلسلة وقال: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) لا تسقه لا سقاه الله، قال: ثم التفت إلى أبي فقال: يا أبا جعفر عرفت هذا معاوية).

الإمام يأمر النخلة أن تطعهم فتفعل

السابع والأربعون وفيه قال:حدثنا عبد الله، عن أحمد بن الحسين، عن أحمد بن إبراهيم، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (نزل أبو جعفر (عليه السلام) بواد فضرب خباء ثم خرج أبو جعفر (عليه السلام) بشيء حتى انتهى إلى النخلة فحمد الله عندها بمحامد لم أسمع بمثلها ثم قال أيتها النخلة أطعمينا مما جعل الله فيك قال فتساقط رطب أحمر وأصفر فأكل ومعه أبو أمية الأنصاري فأكل منه وقال هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزت إليها  بجذع النخلة فتساقط عليها رطبا جنيا) .

الإمام الصادق يري مروان بن سماعة الإمام الباقر

الثامن والأربعون وفيه قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة قال : (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أحدث نفسي فرآني فقال: ما لك تحدث نفسك تشتهي أن ترى أبا جعفر(عليه السلام)؟قلت: نعم، قال: قم فادخل البيت، فدخلت فإذا هو أبو جعفر (عليه السلام) قال: أتى قوم من الشيعة الحسن بن علي (عليه السلام) بعد قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فسألوه قال: تعرفون أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رأيتموه قالوا :نعم قال: فارفعوا الستر فرفعوه فإذا هم بأمير المؤمنين (عليه السلام) لا ينكرونه وقال: أمير المؤمنين (عليه السلام) يموت من مات منا وليس بميت ويبقى من بقي منا حجة عليكم).

الإمام يحيي الحمار للرجل المنقطع

التاسع والأربعون الهداية لابن حمدان عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :(خرجنا معه إلى مكة في عدة من أصحابنا فبينا هو يسير إذ وقف على رجل قد نفق حماره وبيده رحله فقال له الرجل: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ادع الله لي أن يحيي حماري فقد قطع بي، قال جابر: فحرّك أبو جعفر (عليه السلام) شفتيه بما لم يسمعه أحد منه وإذا نحن بالحمار قد انتفض فأخذه صاحبه وحمل عليه رحله وسار معنا حتى دخل مكة).

الإمام يري جابر بعض كراماته

الخمسون وفيه عن جابر الجعفي قال: (خرجت مع أبي جعفر (عليه السلام) إلى الحج وأنا زميله إذ أقبل ورشان فوقع على عضادة محملة فترنم فذهبت لأخذه فصاح بي مه يا جابر فإنه استجار بنا أهل البيت فقلت: وما الذي شكا إليك؟ فقال: شكا إلي أنه يفرخ في هذا الجبل منذ ثلاث سنين وأن حية تأتيه فتأكل فراخه فسألني أن أدعو الله عليها ليقتلها ففعلت وقد قتلها الله، ثم سرنا حتى إذا كان وقت السحر قال لي: انزل يا جابر، فنزلت فأخذت بخطام الجمل ونزل فتنحى عن الطريق ثم عمد إلى روضة من الأرض ذات رمل  فكشف الرمل يمنة ويسرة وهو يقول اللهم اسقنا وطهرنا إذ بدا حجر مربع أبيض فاقتلعه فنبع عين ماء صاف فتوضينا وشربنا منه ثم ارتحلنا فأصبحنا دون قريات ونخل فعمد أبو جعفر إلى نخلة يابسة فدنا منها وقال: أيتها النخلة أطعمينا مما خلق الله فيك فلقد رأيت النخلة تنحني حتى جعلنا نتناول من ثمرها ونأكل وإذا أعرابي يقول ما رأيت ساحرا كاليوم فقال أبو جعفر (عليه السلام):  يا أعرابي لا تكذبن علينا أهل البيت فإنه ليس منا ساحر ولا كاهن ولكن علمنا أسماء من أسماء الله تعالى فنسأل بها فنعطى وندعو فنجاب).

 

باب معجزات الإمام الهمام حجة الله على المغارب والمشارق

أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام

أعطوا (عليه السلام) ما لا يوصف وابتلوا وصبروا

الحديث الحادي والخمسون كتاب عبد الملك بن حكيم وهو من الأصول، رواية الشيخ الثقة الجليل هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، عن علي بن الحسن بن علي ابن فضال، عن جعفر بن محمد بن حكيم، عن عمه عبد الملك بن حكيم، عن بشير النبال قال: (كنت على الصفا وأبو عبد الله (عليه السلام) قائم عليها إذا انحدر وانحدرت في أثره، قال: وأقبل أبو الدوانيق على جمازته ومعه جنده على خيل وعلى إبل، فزحموا أبا عبد الله (عليه السلام) حتى خفت عليه (عليه السلام) من خيلهم فأقبلت أقيه بنفسي، وأكون بينهم وبينه بيدي، قال: فقلت في نفسي: يا رب عبدك، وخير خلقك في أرضك، وهؤلاء شر من الكلاب قد كانوا يتعبونه، قال: فالتفت إلي وقال: يا بشير، قلت: لبيك، قال: ارفع طرفك لتنظر، قال: فإذا والله وافية من الله أعظم مما عسيت أن أصفه، قال: فقال: يا بشير إنا أعطينا ما ترى ولكنا أمرنا أن نصبر فصبرنا).

لا يقوى على حمل الاسم الأعظم إلا هم (عليه السلام)

الثاني والخمسون رجال الكشي : عن نصر بن الصباح قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي عثمان السجادة، قال: حدثني القاسم الصحاف عن رجل من أهل المدائن يعرفه القاسم، عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (جعلت فداك أحب أن تخبرني باسم الله عز وجل الأعظم، فقال لي: إنك لا تقوى على ذلك، فلما ألححت عليه قال: فمكانك إذا، ثم قام فدخل البيت هنيهة، ثم صاح بي: ادخل، فدخلت فقال لي: ما ذلك؟ فقلت: أخبرني به جعلت فداك، قال: فوضع يده على الأرض، فنظرت إلى البيت يدور بي، وأخذني أمر عظيم كدت أهلك، فصحت فقلت: جعلت فداك حسبي لا أريد ذا ).

أقول: قد مضى مثل ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) في حق عمر بن حنظلة في القسم الأول من الكتاب، (وأنه لما أراد ذلك وضع أبو جعفر (عليه السلام) يده على الأرض، فأظلم البيت فارتعدت فرائص عمر، فقال: ما تقول أعلمك؟ فقال: لا)، الحديث.ولا بأس بالإشارة إلى معنى الاسم الأعظم في الجملة لأنه مفتاح ألف باب من العلم.

تحقيق لطيف في معنى الاسم الأعظم

فنقول - مستعينا باسم الله الأعظم- قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي الأسود الدؤلي: (الاسم ما أنبأ عن المسمى)الحديث .

ومن البين أن الإنباء عن المسمى ليس بمقصور في الألفاظ، والأعراض هي المعاني والجواهر آكد في ذلك وأبين في الدلالة، فهي أولى بحقيقة الاسمية من الألفاظ، فالاسمية لها أولا، وبالذات وللألفاظ ثانيا، وبالتبع لكونها قوالب لتلك المعاني ومرايا لها ؛ إذا عرفت ذلك فاعلم أن اسم كل شيء عبارة عن ظهوراته الفعلية الإشراقية الصادرة عنه، فإنها هي الأسماء والعلامات الدالة عليه المنبأة عنه نظير الصورة الظاهرة في المرآة من الشاخص المقابل، فإنها أثر إشراقي مثالي فعلي من الشاخص دال عليه ومنبأ عنه، ونظير القائم والقاعد والكاتب، وما يرادفها من الأسماء المشتقة من الأفعال الصادرة عن زيد، فإنها آثار فعلية إشراقية مثالية دالة على زيد ومنبأة عنه، وليست هي عين ذات زيد وإلا لكان زيد دائما قائما أو قاعدا أو كاتبا، وهكذا لأن ذات الشيء وذاتيته لا يتخلفان عنه وهو خلاف البديهة، فكل مسمى له من حيث هو مسمى أسماء بعدد ظهوراته الإشراقية تنبأ عنه، ويدعى بها عند التوجه إليه، وكل اسم منها مبدأ لأثر خاص منه كالقائم فإنه مبدأ أثر القيام، والضارب مبدأ أثر الضرب، والكاتب مبدأ أثر الكتابة وهكذا، ومن الظاهر أن تلك الأسماء لا يصلح شيء منها إلا لمبدئية ما هو كل الأسماء المذكورة من القائم والقاعد والكاتب وغير ذلك من الأسماء الجزئية، وهي بالنسبة إليه رؤوس ووجوه وإن مخصوص به، فإن معنى القائم من حيث هو قائم لا يصلح لمبدئية الكتابة، ومعنى الكاتب من حيث هو كاتب لا يصلح لمبدئية القيام وهكذا جميع الأسماء الجزئية، وبين هذه الأسماء اسم كلي شامل لمعاني جميع تلك الأسماء، فله هيمنة عليها وهو معنى الفاعل، فإنه اسم بسيط جامع مهيمن على كل الأسماء المذكورة من القائم والقاعد والكاتب وغير ذلك من الأسماء الجزئية، وهي بالنسبة إليه رؤوس ووجوه، وإن كانت تلك الأسماء الجزئية أيضا كلية كافية بالنسبة إلى ما تحتها من أفراد الشخصية وهي رؤوس ووجوه لها، فافهم.

والنسبة بين ذلك الاسم الأعظم الكلي وبين تلك الأسماء الجزئية نسبة الموصوف والصفات المتصلة له فإنها تعينات ذلك الاسم وتطوراته عند التوجه إلى إحداث أثر خاص يتولد منه كتولد السرير من الخشب المطلق.

إذا تحرر عندك ذلك ثم لاحظت قوله تعالى ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ وقول الإمام الرضا (عليه السلام) لعمران الصابي: (وقد علم ذوو الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما هاهنا).

   فحينئذ نبدأ ونقول: (قال الصادق (عليه السلام): العبودية جوهرة كنهها الربوبية، فما فقد من العبودية وجد في الربوبية، وما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية، قال الله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ ولَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ﴾ أي موجود في غيبتك وفي حضرتك‏) والمراد بالربوبية اسمه تعالى الظهوري الإشراقي الفعلي الذي ظهر به لخلقه، فأوجد به هويته التي هي العبودية في قوله (عليه السلام) فإن كل اسم من أسمائه تعالى مبدأ لأثر مخصوص، هو هوية مخلوق من مخلوقاته، وهذا الاسم لا يفارق ذلك المخلوق في حال من الأحوال؛ وإلا لفني واضمحل، كما أن اسم الكاتب لو فارق الكتابة فنيت الكتابة من حيث هي، فهو معها أينما كان، ولذا كلما نظرت إلى الكتابة دلتك على كاتب لها، فافهم.

وجزئية كل اسم وكليته بحسب عظم وجود ذلك المخلوق وصغره، فوجود النملة يحتاج إلى تعلق اسم له بقدره، ووجود الفيلة يحتاج إلى اسم بقدره، وبالجملة كلما كانت شئون المخلوق أكثر كان الاسم المتعلق به أكبر، وقد علم أولوا الألباب أنه لا وجود في الإمكان أعظم وأكمل وأشمل من وجود محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، فوجودهم يحتاج إلى تعلق اسم الله الأعظم الجامع المستغرق لجميع شئون الربوبية بكليتها به فهويتهم على طبق ذلك الاسم الأعظم لا يزيد شيء منه عليها فيكون متعلقاً لمخلوق آخر من غير توسط منهم، ولهذا كانت لهم البرزخية العظمى والوساطة الكبرى، فافهم هذا.

ثم أن جهة عبودية كل مخلوق بمنزلة المرآة لذلك الاسم الظاهر عليه، فمن صَفت مرآة عبوديته التي هي قابليته بحيث لم يبق له اعتبار من نفسه أثّر فيه ذلك الاسم المتعلق به؛ الذي هو حقيقة من ربه وظهرت فيها آثاره، فكانت هويته التي هي جهة عبوديته كالحديدة المحماة بالنار، فكان العبد بذلك فعّالاً مؤثراً متصرفاً في الأشياء بقدر سعة أشعة اسمه المخصوص به ومقدار صفاء مرآته؛ لأن جميع الآثار الواقعة في العالم مستندة إلى أسماء الله كما سخت به الأدعية المعصومية، ولا يمنعني عن ذكرها إلا وجودها عند كثير من الخاص والعام، فهذا هو السر في ظهور الكرامات الخارقة للعادات عن كثير من المؤمنين الكاملين التابعين لطريقة محمد وآله الطاهرين - صلوات الله عليه وعليهم أجمعين - لأنهم دعوا الله تعالى بلسان قابليتهم الصادقة بشروطه التي روحها التوسل بذيل ولاية أهل بيت الرسول، فعلمهم الله تعالى اسمه الذي ظهر لهم به، وهو اسم من أسماء الاسم الأعظم الذي ظهر به على محمد وآله الطاهرين من ابتداء خلقهم لكون قابليتهم صافية من بدو الأمر، بحيث لم يبق لها اعتبار من جهة نفسها أصلاً وبذلك تمحضوا في الاسمية وقالوا: (نحن الأسماء الحسنى التي أمر الله تعالى أن يدعى بها).

وتفصيل إجمال هذا المقال أن المخلوق له وجودان وجود كوني، ووجود شرعي، وكل منهما مركب من مادة وصورة خلقهما الله تعالى باسم مخصوص بهما، وهما ركنا قابلية الشيء وعبوديته المذكورة في حديث الصادق (عليه السلام)، والقابليات الكونية لا سعادة فيها ولا شقاوة بالمعنى الشرعي بل الخلق كلهم فيها يتساوون مطيعون منقادون لأمر الله بظاهر الكون يسبحونه تعالى بأسمائه ويقدسونه ويهللونه ﴿وإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِه﴾‏ يسبح الله بأسمائه جميع خلقه، ولكنه عبادة ظاهرية لا توجب سعادة إلا بعد موافقتها للعبادة الشرعية بعد التكليف الشرعي نظير عبادة إبليس في السماء لأن بعضهم مضمرون للعصيان على تقدير ورود التكليف الشرعي عليه ﴿ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾.

وبالجملة الإطاعة الشرعية روح الإطاعة الكونية فما لم ترد عليها فلا حياة لها فالكون لا يتم إلا بالشرع والاسم المتعلق بإيجاد الكون أيضاً على حسبه بمعنى أنه اسم رحمة واسعة لم يتبين فيه العدل من الفضل ولما ورد التكليف الشرعي على تلك القوابل الكونية بقوله (أ لست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم).

استنطاقاً لما استجن في تلك القوابل المبهمة اختلفت الإجابات، فمنهم من قال: بلى، ومنهم من قال: لا إخباراً عما كان مستجناً في ضمير كل من الوفاق أو الخلاف، فصوّر الله مادة المؤمنين، وصورتهم الكفر يتبين باسماء رحمته الخاصة على هيكل التوحيد، وصورة السعادة الشرعية، فكانت هياكلهم من ﴿بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾.

بمعنى أن قوابلهم انزجرت لظهور الربوبية التي حملها إليها قوله: ﴿أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ واندكت لها حبالها التي هي طبائع إنيتها، فكانت بذلك مظاهر لذلك الاسم، وهياكل لذلك الطلسم كالحديدة المحماة بالنار، فكانت مؤثرة في الكون على مقدار قوة الاسم المتقدرة بمقدار القبول الشرعي منها، هذا حال المؤمنين الكاملين.

وأما الناقصون فلم يظهر فيهم أثر ذلك الاسم على التمام لضعف قبولهم الشرعي، وبقاء شوب من ظلمات الإنية في قابلياتهم، ولكنه ممكن الزوال ما دام التكليف باقياً وصوت ﴿أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ ممتداً، فافهم.

وأما الكفار فصوّر الله مادتهم وصورتهم الكونيتين باسم غضبه على هيكل الشرك، وصورة الشقاوة الشرعية بإنكارهم، فكانت هياكلهم مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً لم يظهر فيها اسم الرحمة الخاصة ؛ بل تولدت من طبائع إنياتهم المظلمة المعوجة أسماء سوءى هي أضداد أسماء الله الحسنى التي أمر الله أن يدعى بها، فهي أسماء اقترحوها من عند أنفسهم إلحاداً في التسمية ما أنزل الله بها من سلطان، مثاله الصورة الواقعة من الإنسان الحسن الصورة في المرآة المعوجة والملونة، فإنها تدعو ذلك الإنسان بأسماء سوءى فتقول: يا قبيح ويا أصفر ويا أعوج وهكذا، وهي ليست بأسماء لذلك الإنسان، وإنما هي أسماء اخترعتها المرآة من عند نفسها من جهة اعوجاجها وكدوراتها، فافهم.

فتلك الأسماء لا ينبغي أن يدعى الله تعالى بها لأن مسميات تلك الأسماء هي الأرباب الباطلة التي تدعى من دون الله خلافاً على صاحب الخلافة الكلية الإلهية، فهؤلاء لا يستجاب لهم دعاء شرعي أبداً، وإنما يستجاب لهم دعائهم الكوني الظاهري لإجابتهم الظاهرية، نعم قد يستجاب لهم بعض الدعوات الشرعية من جهة اللطخ العارض لهم من طينة المؤمنين إلى يوم الوقت المعلوم، وأما بعد ذلك فلا أبدا، فلذا ترى أهل النار كلما دعوا الله في خلاصهم عنها ضوعف عليهم العذاب لتخلفهم حينئذ من شوائب اللطخ بالكلية.

وأهل الجنة على العكس من ذلك، فإن كل ما تشتهيه أنفسهم فهو حاضر عندهم بمجرد الإرادة، فافهم وتدبر، فهذا هو المراد بتعلم أسماء الله تعالى ودعائه بها لا مجرد تعلم اللفظ وذكره، نعم إذا وافق ذكر اللفظ ذكر القلب والتوجه الخالص إلى المسمى بالطهارة الظاهرة والباطنة، فهو حينئذ من متممات القابلية الشرعية، ومكملاتها الموجبتين لظهور معنى ذلك الاسم في هوية الداعي، فالذكر اللساني والقلبي كل منهما شرط لتمامية الآخر لا يفيد أحدهما بدون صاحبه، ولذا أمر صاحب الشريعة صلوات الله عليه أمته بالأذكار والأدعية القولية والأعمال والرياضات البدنية، ولم يقنع بمجرد الأذكار والأعمال النفسية، كما يلوكه الجهلة والبطالون في ألسنتهم افتراءً على الله ورسله وتكذيباً لكتبه المنزلة، فإن اللسان وسائر الجوارح الظاهرة أيضاً خلق من خلق الله لم تخلق سدى بل خلقت لطاعة الله، وأداء ما يليق بها من وظائف عبادة الله.وعلى ما يقولون يلزم أن يكون بعض أجزاء قابلية المكلف لا تحتاج إلى التطهير والتزكية، وهو عند من وفقه الله تعالى لمعرفة الحكمة الشرعية التي هي العلم بحقائق الخلقة الإلهية من بداهة البطلان بمكان تضحك منه الثكلى، وبرهان ذلك محسوس في العلم الطبيعي المكتوم من وقف عليه وجد هذه الخيالات من خرافات الأقوال، ويعد قائلها من سلسلة المجانين. وأما الاسم الأعظم الذي من دعا به لا يرد دعاءه فاعلم أنه قسمان، حقيقي وإضافي.

أما الحقيقي فهو الاسم الذي لا اسم فوقه في الوجود وهو جامع لشئون الربوبية على الكمال الذي لا كمال فوقه، وبالجملة هو تجلي الله الأعظم الذي انزجر له العمق الأكبر، وهذا الاسم لا يمكن أن يحتمله على ما ينبغي إلا أربعة عشر هيكلاً نورانياً ؛ هي هياكل محمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم أجمعين ؛ لأن قابليتهم أول القوابل الإمكانية وأوسعها وأرجحها لقبول الوجود للطافتها ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‏ نُورٍ﴾ فالله تعالى استوى به على عرش هويتهم الكونية والشرعية، فأعطى كل ذي حق حقه وساق إلى كل مرزوق رزقه من الفيوضات الكونية والشرعية، ولهذا الاسم ظهور كلي في جميع مراتب الوجود متنازلة إلى التراب غير أن الحامل له في جميع تلك المراتب المتنازلة أيضاً هم (عليه السلام) في اللباس الذي تلبّسوا به من سنخ تلك المرتبة ؛ لأن قابلية غيرهم لا يسعه في أي رتبة كان لكون وجود غيرهم جزئياً بالنسبة إليهم، وإشراقاً واحداً ما إشراقاتهم الممكنة غير المتناهية، فافهم ثم فافهم. ولذا قال تعالى في القدسي (ما وسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن) والعبد الحقيقي المؤمن الحقيقي الأولي هو محمد وآله الطاهرون (عليه السلام) لا غير وفي الدعاء (أسألك باسمك الذي جعلته في مكنون غيبك و استقر عندك و لا يخرج منك إلى شي‏ء سواك‏).

فنسألك به (وباسمك الأعظم الأعظم الأعظم الأجل الأكرم الذي خلقته فاستقر في ظلك فلا يخرج منك إلى غيرك‏). وظلّ الله في أرض الإمكان هو هياكل محمد وآله الطاهرين، والاسم هو الاسم الأعظم، الأعظم الأجل الأكرم الذي لا اسم فوقه في الإمكان، وبه قوام جميع الأسماء الإلهية، وبهذا الاسم صاروا وسائط بين الله وبين سائر خلقه في الأداء، وبه يتصرفون في الأجزاء الوجودية من العلوية والسفلية كيف يشاءون لا يمتنع شيء عن إرادتهم، فافهم منشأ المعاجز الصادرة عنهم ولا تستبعدها بوجه.

وأما الأسماء العظام الإضافية فهي كثيرة كل منها يوصف بالأعظمية بالنسبة إلى ما تحته من الأسماء بل هي بعدد أنفس الخلائق، وبيان هذا الحرف أن الوجود على وتيرة واحدة، فكل ما في الفيلة فمثله موجود في البق على مقدار وجوده، فالاسم المتعلق بهوية كل مخلوق اسم جامع لمعاني جميع الأسماء الحسنى بحسبها، والأسماء المتعلقة بأجزاء هويته وذواتها أسماء صغار جزئية بالنسبة إلى ذلك الاسم الجامع، فمن ظهر جميع أجزاء هويته الظاهرة والباطنة بمياه الآداب الإلهية ظهر فيه ذلك الاسم الجامع، وأثر في الأشياء بقدر قوته وسعته، فصاحب هذا الاسم هو العالم بالاسم الأعظم الذي إذا دعا الله به أجيب.

و سئل (عليه السلام) عن العالم العلوي فقال: (صور عارية عن المواد، عالية عن القوة والاستعداد، تجلى لها فأشرقت، وطالعها فتلألأت، وألقى في هويتها مثاله، فأظهر عنها أفعاله، وخلق الإنسان ذا نفس ناطقة إن زكاها بالعلم، فقد شابهت جواهر أوائل عللها، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد؛ فقد شارك بها السبع الشداد).

 ومن ظهر فيه بعض أجزائها دون بعض فهو يظهر فيه وجه الاسم المتعلق بذلك الجزء خاصة، ومثل هذا الشخص قد تجاب دعوته وتمضي إرادته إذا انضم إليها بعض الأسباب والمقتضيات المرجحة وغلبت على الموانع، وقد لا تجاب ولا تمضي لوجود الموانع من جهة سائر الأجزاء غير المطهرة بخلاف الأول فإن مثله لا يكاد يرد دعاءه نعم، قد لا يجاب له أيضاً إذا كان في الخارج مانع من وقوع ذلك الأمر أقوى من اقتضاء ذلك الاسم، فافهم هذا.

وبالتأمل في مطاوي ما ذكرناه تعرف أن حصول هذا الاسم للشخص لا يمكن بالتكلف، ولا يكفي فيه مجرد إرادة الفاعل القوي من الخارج إذا جرى الأمر على مقتضى الأسباب العادية، ولم يكن هنا داع قوي مغيّر لتلك الأسباب، ومهيأ لأسباب باطنية نائبة تناب تلك الظاهرة، كما كان يحصل عند إظهار بعض المعجزات من أصحاب المعاجز، بل لا بد من حصول استعداد من جهة القابل أيضاً لذلك، فمن جهة عدم حصول هذا الاستعداد في عمر بن حنظلة وعمار الساباطي لم يتحملا لظهور ذلك الاسم الكامن في هويتهما لما رأيا أشراطه، كما لم يحتمل ذلك أصحاب موسى (عليه السلام) السبعون حتى وقعوا ميتين؛ لأنهم طلبوا ذلك قبل حصول الاستعداد، فتدبر ولا تغفل.

وليس من هذا القبيل عدم احتمال الملائكة لما علّم آدم الأسماء، بل هذا من جهة كون الملائكة وجودات حرفية ناقصة حاملة لاسم جزئي خاص بشأن مخصوص من شئون تمام الوجود، وجزء من أجزائه التي لا يتم وجود إلا بانضمام سائر الأجزاء إليه كاليد من الإنسان التام الأجزاء، فإن الإنسان لا يتم إنساناً بمحض حصول اليد بل يحتاج إلى انضمام سائر الجوارح والأجزاء إليها حتى يحصل هنا جسم إنساني تام الخلقة، ولذا وصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلو عن القوة والاستعداد لما سئل عنهم، فقال: (صور عارية عن المواد عالية، عن القوة والاستعداد، تجلى لها فأشرقت، وطالعها فتلألأت، وألقى في هويتها مثاله، فأظهر عنها أفعاله)، انتهى.رواه ابن شهر آشوب في المناقب والكراجكي في الغرر والدرر، والمراد بالمثال الملقى في هويته هو الاسم الإشراقي الذي بينّاه فتبصّر، ولأجل نقصان وجودهم صار كل منهم موكلاً لجهة واحدة ومسبحاً لله تعالى على حال واحدة، فإن منهم قياماً لا يركعون، ومنهم ركعاً لا يسجدون، ومنهم سجوداً لا يقعدون، وهكذا بخلاف آدم، فإنه لكونه جامعاً مملكاً كان الاسم الذي عُلِّمه اسماً جامعاً لمعاني جميع ما عند الملائكة من الأسماء بحسب رتبته، وبهذا استحق الخلافة وسجود الملائكة له؛ لأن الاسم الذي كان عنده كان أحكى للاسم الموجود عند الخلق الأول صلى الله على محمد وآله الطاهرين، وهو معنى كون أنوارهم في صلبه في التأويل والظاهر على حاله، ومثل هذا الاسم لا يحتمله الملائكة لما عرفت من الوجه: بقي هنا دقيقة يجب التنبيه عليها وهي أن الكفار والمخالفين والمنافقين من يتلبس بأذكار بعض الأسماء الإلهية، ويقوم ببعض وظائف العبادات لا لوجه الله، بل طلباً لبعض المآرب الدنيوية الباطلة الزائلة، فيظهر فيها أثر ذلك الاسم الذي يدعو الله به من جهة كون الأشكال مغناطيس الأرواح، فيجاب له ما يريده من تلك الأمور الباطلة المخصوصة بالحياة الدنيا كما صرح بذلك في قوله ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها﴾ ﴿نُؤْتِهِ مِنْها ﴾ ﴿وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاق﴾ وقوله ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وسَعى‏ لَها سَعْيَها وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾.

ومن هذا الباب تعويض الشيطان عن عبادته في الدنيا من التمكين في الأرض، وعلمه بالاسم الأعظم، فإنه علم ظاهر الاسم، وكان فتنة له ومتاعاً إلى حين لأن عبادته كانت صورة عبادة لم يرد بها وجه الله، ولم يأت من الباب كطاعة العاصين لأمير المؤمنين (عليه السلام)، والناصبين له العداوة، فإن الله سمى أعمالهم إطاعة في قوله: (أقسمت بعزتي وجلالي أن أدخل الجنة من أطاع عليا وإن عصاني، وأقسمت بعزتي وجلالي أن أدخل النار من عصى عليا وإن أطاعني)، مع أن أعمالهم صورة إطاعة لم يرد بها وجه الله أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهم لم يأتوا الله من ذلك الوجه، فتبصّر.

ومن هذا القبيل أعمال أهل الحروف في بعض الأسماء الإلهية، واستخراج بعض الأدعية والأذكار بالبسط والتكسير، واستجابة دعاءهم بها مع كون العامل غير مرضي عند الله، ولا مريداً لوجه الله، ولا ينافي ذلك ما قدمناه من أن غير المؤمنين لا تستجاب لهم دعوة شرعية، فإن مرادنا بذلك حصول السعادة الشرعية الدنيوية والأخروية، وهي لا تحصل بأمثال تلك الأعمال، فإن لها طريقاً واحداً لا يخطئ، وهو الاعتقاد بولاية من أمر الله بولايته أعني أئمة آل محمد الطاهرين صلى الله عليه وعليهم أجمعين، ثم العمل بما أتوا به من عند الله والمواظبة عليها بدوام الإخلاص لا غير، فمن تخلف عن ذلك فنعيمه عذاب، فكيف بشقائه وهذا هو السر في منع الأئمة (عليه السلام) عن تعليم بعض الأدعية للأعداء معللين بأنهم ربما يستعملونه في الحوائج غير الشرعية، فافهم وتبصّر واعلم أن الكلام في هذا المقام طويل الذيل، وإنما اقتصرنا منه على أدنى ما يؤدى به المطلوب، فإن القلب غير مجتمع والله ولي العناية. 

ألزم شيعة أهل البيت (عليه السلام) بكتم صعب حديثهم

الثالث والخمسون وفيه عن إبراهيم بن محمد بن العباس الختلي، قال: حدثني أحمد بن إدريس القمي المعلم قال: حدثني محمد بن أحمد ابن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله ابن القاسم، عن حفص الأبيض التمار، قال: (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أيام صلب المعلى بن خنيس  فقال لي: يا حفص إني أمرت المعلى، فخالفني فابتلي بالحديد، أني نظرت إليه يوما وهو كئيب حزين، فقلت: يا معلى كأنك ذكرت أهلك وعيالك، قال: أجل، قلت: ادن مني فدنى مني فمسحت وجهه، فقلت: أين تراك؟ فقال: أراني في أهل بيتي وهو ذا زوجتي وهذا ولدي، فتركته حتى تملا منهم، واستترت منهم حتى نال ما ينال الرجل من أهله، ثم قلت: ادن مني، فدنى مني فمسحت وجهه، فقلت: أين تراك؟ فقال: أراني معك في المدينة، قال: قلت: يا معلى إن لنا حديثا من حفظه علينا حفظ الله عليه دينه ودنياه يا معلى لا تكونوا أسرى في أيدي الناس بحديثنا، إن شاءوا منوا عليكم، وإن شاءوا قتلوكم، يا معلى إنه من كتم الصعب من حديثنا جعله الله نورا بين عينيه، وزوده القوة في الناس، ومن أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتى يعضه السلاح أو يموت بخبل، يا معلى أنت مقتول فاستعد).

أقول : وفي البصائر عن محمد بن الحسين بن الحسن بن أبي الخطاب الزيات، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم ، عن حفص الأبيض التمار مثله إلا أن فيه ((كأنك ذكرت أهلك ومالك وولدك وعيالك؟) ، وفيه أيضا مكان قوله (وزاده القوة في الناس) (ورزقه الله العزة في الناس)، ومكان قوله (أو يموت بحبل) (أو يموت كبلا)). 

وفي البصائر أيضا عن أحمد بن الحسين، عن أبيه عن محمد بن سنان، عن حماد بن عثمان، عن المعلى بن خنيس قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) في بعض حوائجي قال: فقال لي: ما لي أراك كئيبا حزينا؟ قال: فقلت: ما بلغني عن العراق من هذا الوباء أذكر عيالي، قال: فاصرف وجهك فصرفت وجهي، قال: ثم قال: ادخل دارك، قال: فدخلت فإذا أنا لا أفقد من عيالي صغيرا ولا كبيرا إلا وهو لي في داري بما فيها، قال: ثم خرجت، فقال لي: اصرف وجهك فصرفته، فنظرت فلم أر شيئا).

ما أعد الله لشيعة أهل البيت (عليه السلام) حين وفاتهم وما أعد لأعدائهم

الرابع والخمسون بصائر الدرجات للصفار : قال: حدثنا الحسن ابن أحمد، عن سلمة، عن الحسين بن علي بن بقاح، عن ابن جبلة، عن عبد الله بن سنان قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحوض] فقال لي: حوض ما بين بصرى إلى صنعاء، أ تحب أن تراه؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال: فأخذ بيدي وأخرجني إلى ظهر المدينة، ثم ضرب برجله، فنظرت إلى النهر يجري لا يدرك حافتاه إلا الموضع الذي أنا فيه قائم فإنه شبيه بالجزيرة، فكنت أنا وهو وقوفا، فنظرت إلى نهر يجري جانبه ماء أبيض من الثلج، ومن جانبه هذا لبن أبيض من الثلج، وفي وسطه خمر أحسن من الياقوت، فما رأيت شيئا أحسن من تلك الخمر بين اللبن والماء، فقلت له: جعلت فداك من أين يخرج هذا ومن أين مجراه؟ فقال: هذه العيون التي ذكرها الله في كتابه أنها في الجنة، عين من ماء، وعين من لبن، وعين من خمر تجري في هذا النهر، ورأيت حافتيه عليهما شجر، فيهن حور معلقات برءوسهن شعر ما رأيت شيئا أحسن منهن، وبأيديهن آنية ما رأيت آنية أحسن منها، ليست من آنية الدنيا، فدنا من إحداهن، فأومى بيده تسقيه، فنظرت إليها وقد مالت لتغرف من النهر، فمال الشجر معها، فاغترفت فمالت الشجرة معها، ثم ناولته فشرب، ثم ناولها وأومى إليها فمالت لتغرف فمالت الشجرة معها، ثم ناولته فناولني فشربت فما رأيت شرابا كان ألين منه ولا ألذ منه، وكانت رائحته رائحة المسك فنظرت في الكأس فإذا فيه ثلاثة ألوان من الشراب، فقلت له: جعلت فداك ما رأيت كاليوم قط، ولا كنت أرى أن الأمر هكذا، فقال لي: هذا أقل ما أعده الله لشيعتنا، إن المؤمن إذا توفي صارت روحه إلى هذا النهر، ورعت في رياضه، وشربت من شرابه، وإن عدونا إذا توفي صارت روحه إلى وادي برهوت، فأخلدت في عذابه، وأطعمت من زقومه، وأسقيت من حميمه، فاستعيذوا بالله من ذلك الوادي) .

أعد الله لهم (عليه السلام) خيامًا من فضة بعددهم

الخامس والخمسون وفيه قال: حدثنا أحمد بن محمد عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن محمد بن عمار، عن أبي بصير قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فركض برجله الأرض، فإذا بحر فيه سفن من فضة، فركب وركبت معه، حتى انتهى إلى موضع فيه خيام من فضة فدخلها، ثم خرج فقال: رأيت الخيمة التي دخلتها أولا؟ فقلت: نعم، قال: تلك خيمة رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)، والأخرى خيمة أمير المؤمنين (عليه السلام)، والثالثة خيمة فاطمة، والرابعة خيمة خديجة، والخامسة خيمة الحسن، والسادسة خيمة الحسين، والسابعة خيمة علي بن الحسين، والثامنة خيمة أبي، والتاسعة خيمتي، وليس أحد منا يموت إلا وله خيمة يسكن فيها).

يدخل شيعة أهل البيت (عليه السلام) جنات النعيم وأعدائهم الجحيم.

السادس والخمسون وفيه قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن الحميري، عن يونس بن ظبيان والمفضل بن عمر وأبو سلمة السراج، والحسين بن ثوير بن أبي فاختة قالوا: (كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: لنا خزائن الأرض ومفاتيحها، ولو شئت أن أقول بإحدى رجلي أخرجي ما فيك من الذهب لأخرجت، قال: فقال: بإحدى رجليه فخطها في الأرض خطا فانفجرت الأرض، ثم قال: بيده فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر فتناولها، فقال: انظروا فيها حسنا] حسنا لا تشكو، ثم قال: انظروا في الأرض، فإذا سبائك في الأرض كثير بعضها على بعض يتلألأ، فقال له بعضنا: جعلت فداك أعطيتم كل هذا وشيعتكم محتاجون، فقال: إن الله سيجمع لنا ولشيعتنا الدنيا والآخرة، يدخلهم جنات النعيم، ويدخل عدونا الجحيم).

أقول: هذا الحديث متكرر في الكتب رواه الكليني  عنه عن محمد ابن يحيى، عن أحمد بن محمد بالإسناد وكذا الطبري في الدلائل والمفيد في الاختصاص عن أحمد بن محمد المذكور بالاسناد وابن شهر آشوب في المناقب، عن يونس بن ظبيان والمفضل بن عمر وأبي سلمة والحسين ابن ثوير وكذا في عيون المعجزات عن الأربعة المذكورين، وفي آخره (فخص رجله في الأرض فعادت كما كانت)، وصاحب ثاقب المناقب عن أبي سلمة ويونس وابن ثوير، والمراد بجميع الدنيا للشيعة ما يتفضل الله وينعم عليهم في أيام الرجعة والله أعلم.

صورة أخرى لما أعده الله لذرية محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)

السابع والخمسون مدينة المعاجز، عن دلائل الطبري  قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه قال أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدثني محمد بن علي، عن إدريس بن عبد الرحمن، عن داود بن كثير الرقي قال: (أتيت المدينة فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فلما استويت في المجلس بكيت، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما يبكيك يا داود؟ فقلت: يا بن رسول الله إن قوما يقولون لنا لم يخصكم الله بشي‏ء سوى ما خص به غيركم، ولم يفضلكم بشي‏ء سوى ما فضل به غيركم، فقال: كذبوا الملاعين، قال: ثم قام فرفس الدار برجله، ثم قال: كوني بقدرة الله، فإذا سفينة من ياقوتة حمراء وسطها درة بيضاء، وعلى أعلى السفينة راية خضراء مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، يقتل القائم الأعداء، ويبعث المؤمنون، وينصره الله بالملائكة، وإذا في وسط السفينة أربع كراسي من أنواع الجواهر، فجلس أبو عبد الله (عليه السلام) على واحد، وأجلسني على واحد، وأجلس موسى على واحد، وأجلس إسماعيل على واحد، ثم قال: سيري على بركة الله عز وجل، فسارت في بحر عجاج أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فسرنا بين الجبال الدر والياقوت، حتى انتهينا إلى جزيرة وسطها قباب من الدر الأبيض، محفوفة بالملائكة ينادون: مرحبا مرحبا يا بن رسول الله، فقال: هذه قباب الأئمة من آل محمد ومن ولد محمد، كلما افتقد واحد منهم أتى هذه القباب، حتى يأتي الوقت الذي ذكره الله عز وجل في كتابه ﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ﴾ إلى قوله ﴿نَفِيراً﴾، قال: ثم ضرب يده إلى أسفل البحر، فاستخرج منه درا وياقوتا، فقال: يا داود إن كنت تريد الدنيا فخذها، فقلت: لا حاجة لي في الدنيا يا بن رسول الله، فألقاه في البحر، ثم استخرج من رمل البحر فإذا مسك وعنبر وشمه وأشممنا، ثم رمى به في البحر، ثم نهض فقال: قوموا حتى تسلموا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلى أبي محمد الحسن بن علي، وعلى أبي عبد الله الحسين، وعلى أبي محمد علي بن الحسين، وعلى أبي جعفر محمد ابن علي (عليه السلام)، فخرجنا حتى انتهينا إلى قبة وسط القباب، فرفع جعفر الستر فإذا أمير المؤمنين جالس، فسلمنا عليه فخرجنا، ثم أتينا قبة الحسن بن علي (عليه السلام) فسلمنا عليه فخرجنا، ثم أتينا قبة الحسين بن علي (عليه السلام) فسلمنا عليه وخرجنا، ثم أتينا قبة علي بن الحسين (عليه السلام) فسلمنا عليه فخرجنا، ثم أتينا قبة محمد بن علي (عليه السلام) فسلمنا عليه وخرجنا، ثم قال: انظروا على يمين الجزيرة، فإذا قباب لا ستور عليها، قال: هذه لي ولمن يكون من بعدي من الأئمة، قال: انظروا إلى وسط الجزيرة هذه للقائم من آل محمد ومن ولد محمد، ثم قال: ارجعوا فرجعنا، ثم قال: كوني بقدرة الله عز وجل، فإذا نحن في مجلسنا كما كنا).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: ثم أن السيد  رواه عن عيون المعجزات بأدنى اختلاف في بعض المواضع، ولا بأس أن نعيده بروايته أيضا، فإنه المسك ما كررته يتضوّع: فعن عيون المعجزات عن أبي العباس قال: حدثني علي بن مهران عن داود بن كثير الرقي، قال: (كنا في منزل أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن نتذاكر فضائل الأنبياء (عليه السلام)، فقال (عليه السلام) مجيبا لنا: والله ما خلق الله نبيا إلا ومحمد (صلى الله عليه وأله وسلم) أفضل منه، ثم خلع خاتمه، ووضعه على الأرض، وتكلم بشي‏ء فانصدعت الأرض وانفرجت بقدرة الله عز وجل، فإذا نحن ببحر عجاج في وسطه سفينة خضراء من زبرجدة خضراء، في وسطها قبة من درة بيضاء، حولها دار خضراء مكتوب عليها (لا إله إلا الله، محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) رسول الله، علي (عليه السلام) أمير المؤمنين، بشر القائم فإنه يقاتل الأعداء، ويغيث المؤمنين، وينصره الله عز وجل بالملائكة في عدد نجوم السماء) ثم تكلم صلوات الله عليه بكلام، فثار ماء البحر وارتفع مع السفينة، فقال: ادخلوها، فدخلنا القبة التي في السفينة، فإذا فيها أربعة كراسي من ألوان الجواهر، فجلس هو على أحدها وأجلسني على واحد، وأجلس موسى (عليه السلام) وإسماعيل كل واحد منهما على كرسي، ثم قال (عليه السلام) للسفينة: سيري بقدرة الله تعالى، فسارت في بحر عجاج بين جبال الدر والياقوت، ثم أدخل يده في البحر وأخرج دررا وياقوتا، فقال: يا داود إن كنت تريد الدنيا فخذ حاجتك، فقلت: يا مولاي لا حاجة لي في الدنيا، فرمى به في البحر، وغمس يده في البحر وأخرج مسكا وعنبرا فشمه وشمني وشمم موسى وإسماعيل (عليه السلام) ثم رمى به في البحر، وسارت السفينة حتى انتهينا إلى جزيرة عظيمة فيما بين ذلك البحر، وإذا فيها قباب من الدر الأبيض مفروشة بالسندس والاستبرق، عليها ستور الأرجوان محفوفة بالملائكة، فلما نظروا إلينا أقبلوا مذعنين له بالطاعة مقرين له بالولاية، فقلت: مولاي لمن هذه القباب؟ فقال للأئمة: من ذرية محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) كلما قبض إمام صار إلى هذا الموضع إلى الوقت المعلوم الذي ذكره الله تعالى، ثم قال (عليه السلام): قوموا بنا حتى نسلم على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقمنا وقام، ووقفنا بباب إحدى القباب المزينة، وهي أجلها وأعظمها، وسلمنا على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو قاعد فيها، ثم عدل إلى قبة أخرى وعدلنا معه، فسلم وسلمنا على الحسن بن علي (عليه السلام)، وعدلنا منها إلى قبة بإزائها، فسلمنا على الحسين بن علي (عليه السلام)، ثم على علي بن الحسين (عليه السلام)، ثم على محمد بن علي (عليه السلام)، كل واحد منهم في قبة مزينة مزخرفة، ثم عدل إلى بنية بالجزيرة وعدلنا معه، وإذا فيها قبة عظيمة من درة بيضاء مزينة بفنون الفرش والستور، وإذا فيها سرير من ذهب مرصع بأنواع الجواهر، فقلت: يا مولاي لمن هذه القبة؟ فقال: للقائم منا أهل البيت صاحب الزمان (عليه السلام)، ثم أومأ بيده وتكلم بشي‏ء، وإذا نحن فوق الأرض بالمدينة في منزل أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، وأخرج خاتمه وختم الأرض بين يديه، فلم أر فيها صدعا ولا فرجة).

تحكمهم (عليه السلام) بأمر أجرام السماوات.

الثامن والخمسون وفيه عن دلائل الطبري : عن عبدالله بن محمد، قال أبو جعفر: وحدثنا عبد الله، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال: (قلت للصادق أتقدر أن تمسك الشمس بيدك؟ فقال: لو شئت لحجبتها عنك، فقلت: افعل، فرأيته قد جرها كما يجر الدابة بعنانها فاسودت وانكشفت، وذلك بعين أهل المدينة كلهم حتى ردها).

أقول: وفي كتاب راحة الأرواح ومونس الأشباح للحسن السبزواري عن محمد بن علي بن شاذان القزويني عن محمد بن عمر عن محمد بن جرير الطبري  بالإسناد المذكور مثله.

من معاجز الإمام الصادق (عليه السلام)

التاسع والخمسون وفيه عن الدلائل المذكورة: عن أبي محمد عبد الله بن محمد عن عمارة بن زيد، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال: (رأيت الصادق (عليه السلام) وقد جي‏ء إليه بسمك مملوح، فمسح يده على السمكة، فمشت بين يديه، ثم ضرب بيده إلى الأرض فإذا دجلة والفرات تحت قدميه، ثم أرانا السفن في البحر، ثم أرانا مطلع الشمس ومغربها في أسرع من اللمح).

صفة كأس الملكوت يكشف عنه (عليه السلام)

الستون: وفيه عن الكتاب المذكور، عن أبي محمد عبدالله قال: قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد عبد الله قال: قال لي عبد الله بن بشر: سمعت الأحوص يقول: (كنت مع الصادق (عليه السلام) فسأله قوم عن كأس الملكوت، فرأيته وقد تحدر نورا، ثم علا حتى أنزل ذلك الكأس، فأدارها على أصحابه، وهي كأس مثل البيت الأعظم، أخف من الريش، من نور محضور، مملوء شرابا، ثم قال (عليه السلام): لو علمتم بنور الله لعاينتم هذا في الآخرة).

أهل البيت صلوات الله عليهم يهدون الصادق (عليه السلام) له ولشيعته

الحادي والستون وفيه عن الكتاب المذكور: عن أبي محمد سفيان عن أبيه عن وكيع، عن الأعمش، عن قبيصة بن وائل قال: (كنت مع الصادق (عليه السلام) فارتفع حتى غاب عني، ثم رجع ومعه عذق من رطب وقال: كانت رجلي اليمنى على كتف جبرئيل، واليسرى على كتف ميكائيل، حتى لحقت بالنبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي وأبي، فحيوني بهذا لي ولشيعتي). 

الصادق (عليه السلام) يكشف مؤامرة المنصور والسحرة.

الثاني والستون وفيه عن الدلائل المذكور قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد الحميري، عن أحمد بن محمد ابن خالد البرقي، عن محمد بن هذيل، عن محمد بن سنان قال: (وجه المنصور إلى سبعين رجل من أهل كابل فدعاهم، فقال لهم: ويحكم إنكم تزعمون أنكم ورثتم السحر عن آبائكم أيام موسى، وأنكم تفرقون بين المرء وزوجه، وأن أبا عبد الله جعفر بن محمد ساحر مثلكم، فاعملوا شيئا من السحر، فإنكم إن أبهتموه أعطيتكم الجائزة العظيمة والمال الجزيل، فقاموا إلى المجلس الذي فيه المنصور، وصوروا له سبعين صورة من صور السباع لا يأكلون ولا يشربون؛ وإنما كانت صور، وجلس كل واحد منهم تحت صورته، وجلس المنصور على سريره، ووضع إكليله على رأسه، ثم قال لحاجبه: ابعث إلى أبي عبد الله، فقام فدخل عليه، فلما أن نظر إليه وإليهم، وبما قد استعدوا له رفع بيده إلى السماء ثم تكلم بكلام بعضه جهر وبعضه خفيا، ثم قال: ويحكم أنا الذي أبطل سحركم، ثم نادى برفيع صوته: قسورة خذهم، فوثب كل سبع منها على صاحبه وافترسه في مكانه، ووقع المنصور من سريره وهو يقول: يا أبا عبد الله أقلني، فوالله لا عدت إلى مثلها أبدا، فقال له: قد أقلتك، قال: يا سيدي فرد السباع إلى ما أكلوا، قال: هيهات إن عادت عصى موسى فستعود السباع) .

   يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: وعن الاختصاص وثاقب المناقب وفي كتاب راحة الأرواح، عن الربيع حاجب المنصور مثله إلا أن في رواية الاختصاص أنه (عليه السلام) قال: (أنا الذي أبطلت سحركم أيام موسى، وأنا الذي أبطل سحركم): وفي روايتهما: (أنا حجة الله الذي أبطل سحر آبائكم أيام موسى بن عمران).الحديث.

الصادق (عليه السلام) يكشف مؤامرة أخرى للمنصور ضده

الثالث والستون وفيه عن عيون المعجزات قال: روي مرفوعاً إلى محمد بن الإسقنطري، قال: (كنت من خواص المنصور أبي جعفر الدوانيقي، وكنت  أقول بإمامة جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، فدخلت يوما على أبي جعفر الدوانيقي، وإذا هو يفرك يديه ويتنفس نفسا باردا فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذه الفكرة؟ قال لي: يا محمد إني قتلت من ذرية فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ألفاً أو يزيدون، وقد تركت سيدهم المشار إليه، فقلت له: ومن ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذلك ابن محمد (عليه السلام)، فقلت له: إن جعفر بن محمد (عليه السلام) رجل قد أنحلته العبادة، واشتغل بالله عما سواه، وعما في أيدي الملوك، فقال: يا محمد قد علمت بأنك تقول بإمامته، والله أنه لإمام هذا الخلق كلهم، ولكن الملك عقيم، وآليت على نفسي أن لا أمسي أو أفرغ منه، قال محمد: فو الله لقد أظلم علي البيت من شدة الغم، ثم دعا المنصور بالموائد، فأكل وشرب ثلاثة أرطال [خمر]، ثم أمر الحاجب أن يخرج كل من في المجلس ولم يبق إلا أنا وهو، ثم دعا بسياف له وقال له: ويلك يا سياف، فقال له: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: إذا أنا أحضرت جعفر بن محمد وجاريته الحديث، وقلعت القلنسوة عن رأسي فاضرب عنقه، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، قال محمد: فضاقت علي الأرض برحبها، فلحقت السياف فقلت له سراً: ويلك تقتل جعفر بن محمد (عليه السلام) ويكون خصمك رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)؟ فقال السياف: والله لا أفعلن ذلك، قلت: وما الذي تفعل؟ قال: إذا حضر أبو عبد الله (عليه السلام)، وأشغله أبو جعفر الدوانيقي بالكلام وأخذ قلنسوته عن رأسه؛ ضربت عنق أبي جعفر الدوانيقي ولم أبال بما قد صرت إليه ولا ما يكون من أمري، فقلت: قد أصبت الرأي، فأحضر أبو عبد الله جعفر (عليه السلام): فلحقته في الستر الأول وهو يقول: يا كافي موسى [من] فرعون، ويا كافي محمد الأحزاب، ثم لحقته في الستر الذي بينه وبين المنصور وهو يقول: يا دائم، ثم تكلم بكلام وأطبق شفتيه (عليه السلام)، ولم أدر ما الذي قال، فرأيت القصر يموج بي كأنه سفينة في موج البحار، ورأيت المنصور، وهو يسعي بين يدي أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) حافي القدم مكشوف الرأس قد اصطكت أسنانه، وارتعدت فرائصه يسود ساعة ويصفر ساعة أخرى، حتى أخذ بعضد أبي عبد الله (عليه السلام) ،وأجلسه على سرير ملكه وجثا بين يديه كما يجثو العبد بين يدي سيده، ثم قال له: يا بن رسول الله ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ فقال (عليه السلام): دعوتني فأجبتك، فقال له المنصور: سل ما شئت، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): حاجتي أن لا تدعوني حتى أجيبك، ولا تسأل عني حتى أسأل عنك، فقال المنصور: لك ذلك، وخرج أبو عبد الله (عليه السلام) من عنده، فدعا المنصور بالدواويج والفنك والسمور والحواصل، وهو يرتعد فنام تحته، فلم ينتبه إلا في نصف الليل، فلما انتبه، وأنا عند رأسه جالساً فقال لي: أجالس أنت يا محمد؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: ارفق حتى أقضي ما فاتني من الصلاة وأحدثك، فلما انفتل من الصلاة أقبل علي وقال: يا محمد لما أحضرت أبا عبد الله جعفر بن محمد وقد هممت من السوء ما قد هممت به؛ رأيت تنينا قد حوى بذنبه جميع البلد، وقد وضع شفته السفلى في أسفل قبتي هذه، وشفته العليا في أعلى مقامي وهو ينادي بلسان طلق ذلق عربي مبين ويقول: يا عبد الله إن الله عز وجل بعثني وأمرني إن أحدثت بجعفر بن محمد حدثاً بأن ابتلعك مع أهل قصرك هذا، فطاش عقلي وارتعدت فرائصي، قال محمد: قلت أسحر هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال لي: اسكت ويلك، أما تعلم أن جعفر ابن محمد (عليه السلام) وارث النبيين والوصيين وعنده الاسم الأعظم المخزون الذي لو قرأه على الليل لأنار وعلى النهار لأظلم وعلى البحار لسكنت، فقلت له: يا أمير المؤمنين فدعه على شأنه، ولا تسأل عنه بعد يومك هذا، فقال المنصور: والله لا سألت عنه أبداً: قال محمد: فوالله ما سأل عنه المنصور قط).

أقول: وعن ثاقب المناقب وراحة الأرواح مثله بأيسر اختلاف، وكذا في مهج الدعوات في موضعين غير أن اسم الراوي فيه محمد بن عبدالله الإسكندري ولعل الاسقنطري معرّبة.

 عطاؤهم (عليه السلام) النور الساطع

الرابع والستون الخرائج في الباب الرابع عشر، عن داود الرقي قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: ما لي أرى لونك متغيرا؟ قلت: غيّره دين فاضح عظيم، وقد هممت بركوب البحر إلى السند لإتيان أخي فلان، فقال: إذا شئت فافعل، قلت: يروعني عنه أهوال البحر وزلازله، قال: إن الذي يحفظ في البر هو حافظ لك في البحر، يا داود لولانا لما اطردت الأنهار، ولا أينعت الثمار، ولا اخضرت الأشجار، قال داود: فركبت البحر حتى إذا كنت بحيث ما شاء الله من ساحل البحر؛ بعد مسيرة مائة وعشرين يوما خرجت قبل الزوال يوم الجمعة، فإذا السماء متغيمة وإذا نور ساطع من قرن السماء إلى جدد الأرض، وإذا صوت خفي: يا داود هذا أوان قضاء دينك، فارفع رأسك قد سلمت، قال: فرفعت رأسي، ونوديت عليك بما وراء الأكمة الحمراء، فأتيتها فإذا صفائح من ذهب أحمر ممسوح أحد جانبيه وفي الجانب الآخر مكتوب﴿هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ قال: فقبضتها ولها قيمة لا تحصى، فقلت: لا أحدث فيها حتى آتي المدينة فقدمتها، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: يا داود إنما عطاؤنا لك النور الذي سطع لك لا ما ذهبت إليه من الذهب والفضة، ولكن هو لك هنيئا مريئا عطاء من رب كريم، فاحمد الله، قال داود: فسألت معتبا خادمه، فقال: كان في ذلك الوقت يحدث أصحابه منهم خيثمة وحمران وعبد الأعلى مقبلا عليهم بوجهه يحدثهم بمثل ما ذكرت، فلما حضرت الصلاة قام فصلى بهم، قال داود: فسألت هؤلاء جميعا فحكوا لي الحكاية).

أقول: أكثر الأخبار المروية عن داود الرقي غريبة طريفة، وهذا هو الذي أورث طعن بعض ضعفاء المتقدمين فيه، مع ورود روايات سليمة عن المعارض في مدحه عن الأئمة (عليه السلام) فإن في بعضها عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه أمر أصحابه أن ينزلوه منه منزلة المقداد من رسول الله.

وفي بعضها أنه من أصحاب القائم (عليه السلام)، فإنهم مع ذلك قد غمزوا فيه وقد قال أحمد بن عبدون: قلّ ما رأيت له حديثاً سديداً، انتهى: وأما عندنا فأحاديثه تلك هي الدليل على جلالته وعظم شأنه لقولهم  (عليه السلام): (قال جعفر بن محمد (عليه السلام): اعرفوا منازل شيعتنا بقدر [ما يحسنون من] روايتهم عنا).

وليس المراد بذلك مجرد كثرة الرواية، وإن كانت هي أيضاً من أدلة انقطاعه إليهم، واختصاصه بهم غير أن المقصود الأصلي من ذلك مضمون الرواية، فإنه هو الكاشف عن قدر معرفة الرجل ومنزلته عندهم  (عليه السلام)؛ لأنهم ما كانوا يوقفون على أسرارهم إلا من كان أهلاً لذلك، والذي يظهر من حال هذا الرجل ورواياته أنه كان مسلوكاً في سلكهم، وعدم تحمّل ابن الغضائري وابن عبدون وأضرابهما لبعض الأسرار، ونزارة معرفتهم بمقامات أئمتهم لا يحدث نقصاً في الأجلة لعدم حجية عقولهم واجتهاداتهم في العقائد كما شرحناه في العناوين من هذا الكتاب، فإنا مع شدة تتبعنا في الأخبار لم نجد من هذا الرجل الجليل حديثاً يستشم منه رائحة الارتفاع والخروج عن النهج القويم سوى أخبار هي بين متأخري أصحابنا من المقبولات التي يعدّون المتوقف فيها من المستضعفين المرجين لأمر الله، والحمد لله رب العالمين.

شُبِّه الإمام الصادق (عليه السلام) وصاحبه لسياف بني العباس

الخامس والستون وفيه عن أبي خديجة، عن رجل من كندة  -وكان سياف بني العباس- قال: (لما جاء أبو الدوانيق بأبي عبد الله وإسماعيل أمر بقتلهما وهما محبوسان في بيت، فأتى عليه اللعنة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ليلا، فأخرجه وضربه بسيفه حتى قتله، ثم أخذ إسماعيل ليقتله فقاتله ساعة، ثم قتله ثم جاء إليه فقال: ما صنعت؟ قال: لقد قتلتهما وأرحتك منهما: فلما أصبح إذا أبو عبد الله وإسماعيل جالسان فاستأذنا، فقال أبو الدوانيق للرجل: ألست زعمت أنك قتلتهما؟ قال: بلى لقد عرفتهما كما أعرفك، قال: فاذهب إلى الموضع الذي قتلتهما فيه فانظر، فجاء فإذا بجزورين منحورين، قال: فبهت ورجع، فأخبره فنكس رأسه وعرّفه ما رأى، فقال: لا يسمعن منك هذا أحد: فكان كقوله تعالى في عيسى ابن مريم ﴿وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُم﴾).

الصادق (عليه السلام) عمل مثل ما عمل ابراهيم الخليل (عليه السلام)

السادس والستون وفيه في الباب السابع :عن يونس بن ظبيان قال: (كنت عند الصادق (عليه السلام) مع جماعة فقلت قول الله تعالى لإبراهيم: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ﴾أو كانت أربعة من أجناس مختلفة أو من جنس واحد؟ فقال: أتحبون أن أريكم مثله، قلنا: بلى، قال: يا طاوس فإذا طاوس طار إلى حضرته، ثم قال: يا غراب فإذا غراب بين يديه، ثم قال: يا بازي فإذا بازي بين يديه، ثم قال: يا حمامة فإذا حمامة بين يديه، ثم أمر بذبحها كلها وتقطيعها ونتف ريشها، وأن يخلط ذلك كله بعضه ببعض، ثم أخذ برأس الطاووس، فقال: يا طاووس فرأينا لحمه وعظامه وريشه يتميز من غيره حتى التزق ذلك كله برأسه، وقام الطاووس بين يديه حيا، ثم صاح بالغراب كذلك وبالبازي والحمامة مثل ذلك فقامت كلها أحياء بين يديه).

شابه الصادق (عليه السلام) أبيه الخليل ابراهيم (عليه السلام) في دخوله النار

السابع والستون: الكافي بعض أصحابنا: عن ابن جمهور، عن أبيه، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القاسم، عن المفضل بن عمر قال: (وجه أبو جعفر المنصور إلى الحسن بن زيد، وهو واليه على الحرمين أن أحرق على جعفر بن محمد داره، فألقى النار في دار أبي عبد الله (عليه السلام) ، فأخذت النار في الباب والدهليز، فخرج أبو عبد الله (عليه السلام) يتخطى النار ويمشي فيها، ويقول أنا ابن أعراق الثرى أنا ابن إبراهيم خليل الله عليه السلام ) .

يعلم الصادق (عليه السلام) ما بنفس الزيات

الثامن والستون عن دلائل الطبري عن أبي الحسين محمد بن هارون ابن موسى عن أبيه قال: حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك أبو العباس النخعي الشيخ الصالح، عن محمد بن أبي عمير، عن علي بن حسان، عن جعفر بن هارون الزيات قال: (كنت أطوف بالكعبة وأبو عبد الله في الطواف، فنظرت إليه فحدثت نفسي فقلت: هذا حجة الله، وهذا الذي لا يقبل الله شيئا إلا بمعرفته، قال: فإني في هذا متفكر إذ جاءني‏ أبو عبد الله من خلفي، فضرب بيده على منكبي ثم قال: ﴿أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر﴾ ثم جازني)‏.

أقول: ورواه الصفار في البصائر عن علي بن حسان، عن جعفر بن الزيات إلا أن فيه (فقلت في نفسي: هذا هو الذي يتبع والذي هو الإمام وهو كذا وكذا) الخبر.

الصادق (عليه السلام) نادى الميت فقام من قبره

التاسع والستون مناقب ابن شهر آشوب، عن بصائر الدرجات عن سعد القمي، قال أبو الفضل بن دكين: حدثني محمد بن راشد، عن أبيه، عن جده قال: (سألت جعفر بن محمد علامة، فقال: سلني ما شئت أخبرك إن شاء الله، فقلت: أخا لي بات في هذه المقابر، فتأمره أن يجيئني، قال: فما كان اسمه؟ قلت: أحمد، قال: يا أحمد قم بإذن الله وبإذن جعفر بن محمد، فقام والله وهو يقول أتيته).    

يجيء فسادهم من حيث بدأ صلاحهم

السبعون الكافي في كتاب الروضة، عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن المفضل بن مزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت له أيام عبد الله بن علي قد اختلف هؤلاء فيما بينهم، فقال: دع ذا عنك إنما يجي‏ء فساد أمرهم من حيث بدا صلاحهم).

يقول العبد الضعيف محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: عبد الله بن علي هو عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس عم المنصور الدوانيقي من بني العباس، وأراد الراوي باختلافهم رجاء انقضاء دولتهم، فرده (عليه السلام) أنه ليس بذاك بل يأتي فساد أمرهم من حيث بدأ صلاحهم يعني من خراسان، فإن صلاح أمرهم كان بيد أبي مسلم المروزي الخراساني- كما هو مذكور في كتب السير- وكذلك كان فساد أمرهم، فإن انقراضهم كان بيد السلطان هولاكو خان حين قتل المستعصم وأخذ بغداد: وهذا الحديث من الإخبار بالغيب الذي ظهر تصديقه لكل من أدرك زمن هولاكو، أو تأخر عنه إلى يومنا هذا وما بعده، فإن الكليني الراوي لهذا الحديث من أصحاب ما بين المائة الثالثة والرابعة لأنه توفي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وواقعة هولاكو وقعت سنة ست وخمسين وستمائة فلا يحتمل الوضع بعد الوقوع

تعرف المرأة على من كان مع قابض الأرواح

الحادي والسبعون راحة الأرواح عن داود الرقي قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) بالمدينة إذ دخل عليه شاب يبكي فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا شاب ما يبكيك؟ قال: جعلت فداك إني نذرت أن أحج بأهلي، فلما دخلت المدينة ماتت، قال: اذهب فإنها تأكل تمراً، قال: جعلت فداك إنها ماتت وقد سجيتها، قال: اذهب فإنها تأكل تمراً ومويزاً، قال: والله إنها ماتت وقد كفنتها، فقال: فاذهب فإنها تأكل تمراً ومويزاً، قال داود: فقلت للشاب: ثكلتك أمك تردّ على أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: فخرج الشاب وهو متعجب، ثم رجع وهو ضاحك، قال: دخلت عليها وهي جالسة وبين يديها قعب تمر ومويز تأكل منهما، قال: فقال لي: يا داود أو لم تؤمن؟ قلت: بلى ولكن ليطمئن قلبي: فلما كان يوم التروية قال: يا داود إني قد اشتقت إلى بيت ربي مع أنه لا يحتجب عني، فقلت: يا سيدي هذا عرفات، قال: إذا صليت العشاء الآخرة فارحل بي ناقتي وشد زمامها، ففعلت فخرج وأخذ يقرأ ﴿قل هو الله أحد﴾ ثم استوى على ناقته وأردفني خلفه، فسرنا ساعة من الليل، ثم قال: يا داود أنخ الناقة، قلت وأي موضع هذا؟ قال: هذا بيت الله فلما طلع الفجر أذّن وأقام بحيّ على خير العمل، وآل محمد خير البرية، ثم أوقفني عن يمينه وقرأ في الركعة الأولى الحمد والضحى، وفي الثانية الحمد والإخلاص، ثم قنت، ثم سلّم من بين يديه وجلس، فلما طلعت الشمس مر الشاب ومعه امرأته فقالت الامرأة لزوجها: هذا الفتى الذي قال لمن كان يقبض روحي: أليس أمرك الله أن لا تقبض روح شيعتنا حتى يوفوا نذورهم؟ قال الشاب: ويحك هذا سيد الخلق جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: فابتدرت المرأة لتقبل يد أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لها أبو عبد الله (عليه السلام) :ليس على النساء إلا معرفة علي بن أبي طالب (عليه السلام).

أقول: وفي مدينة المعاجزعن ثاقب المناقب مثله بأيسر اختلاف في بعض المواضع وكذا في الخرائج.

وأقول: لعل هذه الرواية هي مستند من قال باستحباب قول آل محمد خير البرية في الآذان، بل وفي الإقامة أيضاً، ولا حجر فيه بل هو على ما يظهر من كلام الشيخ في المبسوط مدلول عدة أخبار حيث قال الشيخ في المبسوط: (فأما قول أشهد أن عليا أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية على ما ورد في شواذ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله).

فتأمل وقوله  أنه ليس بمعمول عليه يمكن أن يكون ذلك منهم مراعاة لحق التقية، أو في خصوص اعتقاد الجزئية، فلا ينافي القول بالاستحباب كما هو فتوى جماعة من المتقدمين والمتأخرين، وأما خصوص التشهد بالولاية والإمرة، فهو مما قد استقر عليه عمل جلّ المتأخرين، وهو في محله لورود أخبار معتبرة في ذلك عموماً من غير معارض، وهي كافية في ذلك بل وفي الجزئية أيضاً لو قيل به، كما صرّح به صاحب جواهر الكلم من المتأخرين؛ حيث قال بعد كلام له في ذلك بل لولا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على صلاحية العموم لمشروعية الخصوص والأمر سهل،هي. وهو قول متين.

وأما قول الصدوق    أنهما يعني قول هاتين الكلمتين في الأذان والإقامة من وضع المفوضة - وهم طائفة من الغلاة - فلعله ليس على ما ينبغي؛ لعدم ربط له بمذهب التفويض، فإنا نعلم قطعاً أن الشارع لو شرّع هاتين الكلمتين في الأذان رأساً كما شرّع سائر الفصول لما كان يلزم التفويض.

الرق الأبيض ذو السطرين

الثاني والسبعون عن غيبة النعماني  قال: أخبرنا سلامة بن محمد قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عمر المعروف بالحاجي قال: حدثنا حمزة ابن القاسم العلوي العباسي الرازي قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسني قال: حدثنا عبيد بن كثير قال: حدثنا [أبو] أحمد بن موسى الأسدي، عن داود بن كثير الرقي قال:( دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) بالمدينة فقال لي: ما الذي أبطأك عنا يا داود ؟ فقلت: حاجة عرضت بالكوفة، فقال: من خلفت بها؟ فقلت: جعلت فداك خلفت بها عمك زيدا، تركته راكبا على فرس متقلدا مصحفا ينادي بأعلى صوته: سلوني سلوني قبل أن تفقدوني، فبين جوانحي علم جم، قد عرفت الناسخ من المنسوخ، والمثاني والقرآن العظيم، وإني العلم بين الله وبينكم، فقال: يا داود لقد ذهبت بك المذاهب، ثم نادى: يا سماعة بن مهران ائتني بسلة الرطب، فأتاه بسلة فيها رطب، فتناول منها رطبة فأكلها، واستخرج النواة من فيه فغرسها في الأرض ففلقت وأنبتت وأطلعت وأغدقت، فضرب بيده إلى بسرة من عذق فشقها واستخرج منها رقا أبيض، ففضه ودفعه إلي وقال: اقرأه، فقرأته وإذا فيه سطران، السطر الأول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والثاني: ﴿إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم﴾ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الحسن بن علي، الحسين بن علي، علي بن الحسين، محمد بن علي، جعفر بن محمد، موسى بن جعفر، علي بن موسى، محمد بن علي، علي بن محمد، الحسن بن علي، الخلف الحجة، ثم قال: يا داود أ تدري متى كتب هذا في هذا؟ قلت: الله أعلم ورسوله وأنتم، فقال: قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام).

محمد الحنفية يشهد الإمام الصادق (عليه السلام)

الثالث والسبعون عن ثاقب المناقب قال: قال السيد أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري: (دخلت على الصادق (عليه السلام) وقلت: يا بن رسول الله بلغني أنك قلت فيّ أنه ليس على شيء، وأنا قد أفنيت عمري في محبتكم، وهجرت الناس فيكم، فقال: ألست قائلاً في محمد بن الحنفية:

حتى متى وإلى متى فكم المدى

يا بن الوصي وأنت حي ترزق

تثوى برضوى لا تزال ولا ترى

وبنا إليك من الصبابة أولق

وأن محمد بن الحنفية قائم بشعب رضوى، أسد عن يمينه و[نمر] عن شماله، يؤتى برزقه بكرة وعشية، ويحك إن رسول الله وعلياً والحسن والحسين (عليه السلام) كانوا خيراً منه وقد ذاقوا الموت، قال: فهل على ذلك من دليل؟ قال: نعم إن أبي أخبرني أنه قد صلّى عليه وحضر دفنه، وأنا أريك آية، فأخذ بيده ومضى به إلى قبر، وضرب بيده عليه، ودعا الله تعالى فانشق القبر عن رجل أبيض الرأس واللحية، ينفض التراب عن رأسه ووجهه و[هو] يقول: يا أبا هاشم أ تعرفني؟ قال: لا، قال: أنا محمد بن الحنفية، إن الإمام بعد الحسين علي بن الحسين، ثم محمد ابن علي، ثم هذا ثم أدخل رأسه في القبر، ثم انضم [عليه] القبر وقال إسماعيل بن محمد عند ذلك:

تجعفرت باسم الله والله أكبر     

وأيقنت أن الله يعفو ويغفر

ودنت بدين غير ما كنت دائناً  

به ونهاني سيد الناس جعفر

فقلت له هبني تهودت برهة  

وإلا فديني دين من يتنصّر

أقول: ورواه ابن شهر آشوب عن داود الرقي مختصرًا كما هو دأبه وهو أنه بلغ أنه ذكر عند الصادق (عليه السلام) فقال: (السيد كافر، فأتاه وسأل: يا سيدي أنا كافر مع شدة حبي لكم ومعاداتي الناس فيكم؟ قال: وما ينفعك ذاك، وأنت كافر بحجة الدهر والزمان، ثم أخذ بيده وأدخله بيتا فإذا في البيت قبر فصلى ركعتين، ثم ضرب بيده على القبر فصار القبر قطعا، فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته، فقال له الصادق (عليه السلام) :من أنت؟ قال: أنا محمد بن علي المسمى بابن الحنفية، فقال: فمن أنا؟ فقال: جعفر بن محمد حجة [الله في] الدهر والزمان، فخرج السيد يقول: تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا ).

واعلم أن الاختلاف الواقع في بعض الوقائع نشأ من نقل الرواة للواقعة بالمعنى، وزاد على ذلك عدم حفظ بعضهم للواقعة على وجهها على الكمال، وزاد عليهما حرص بعض الناقلين على تلخيص الواقعة والاقتصار على أدنى ما يؤدى به المقصود إلى غير ذلك من الأسباب التي يطول بذكرها الكلام، فلا يسيئن الظن بالأخبار من يقف على اختلافها في بعض الموارد.

سخر الله أسدين ملجمين للصادق (عليه السلام) وللمفضل

الرابع والسبعون عن دلائل الطبري  عن أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: حدثني أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن سعدان بن مسلم، عن المفضل بن عمر قال: (كان المنصور قد وفد بأبي عبد الله (عليه السلام) إلى الكوفة، فلما أذن له قال لي: يا مفضل هل لك في مرافقتي؟ فقلت: نعم جعلت فداك، قال: إذا كان الليلة فصر إلي، فلما كان في نصف الليل خرج وخرجت معه، فإذا أنا بأسدين مسرجين ملجمين، قال: فخرجت فضرب بيده على عيني، فشدها ثم حملني رديفا فأصبح بالمدينة وأنا معه، فلم يزل في منزله حتى قدم عياله‏) .

الصادق (عليه السلام) يوصي بالبر لإطالة العمر

الخامس والسبعون وعنه قال أخبرني محمد بن هارون بن موسى قال: حدثني أبي  قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدثنا أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن محمد ابن سفيان، عمن حدثه، عن جابر بن يزيد قال: (كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) جالس، إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان فقال: جعلت فداك إني قدمت أنا وأمي قاضيين لحقك، وإن أمي ماتت دونك قال: فاذهب فأت بأمك، قال جابر: فما رأيت أشد تسليما منه ما رد على أبي عبد الله (عليه السلام) حتى مضى، فجاء بأمه فلما رأت أبا عبد الله (عليه السلام) قالت: هذا الذي أمر ملك الموت بتركي، ثم قالت: يا سيدي أوصني، قال: عليك بالبر للمؤمنين، فإن الإنسان يكون عمره ثلاثين سنة فيكون بارا فيجعلها ثلاثة وستون سنة، وإن الإنسان يكون عمره ثلاثة وستون فيكون غير بار فيبتر الله عمره فيجعلها ثلاثين سنة).

الصادق (عليه السلام) يرشد الابن على مكان أبيه لمعرفة مكان المال الذي خلفه

السادس والسبعون وعنه قال: حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثني عبد الله بن العلاء قال: حدثنا محمد بن الحسين عن عبد الله بن يزيد، عن حماد، عن أبيه، عن عمر بن بكر، عن ابن أم بكر، عن شيخ من أصحابنا قال: (إني لعند أبي عبد الله إذ دخل رجل فقال له: جعلت فداك إن أبي مات، وكان من أنصب الناس، فبلغ من بغضه وعداوته أن كتم ماله مني في حياته وبعد وفاته، ولست أشك أنه قد ترك مالا كثيرا، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما أنت والله مهنئ لك وإني أريد سفرا، فقال له: جعلت فداك كل مالي لك، فقال له: لا لك ذلك، ولكن هيئ لنا سفرة، قال: وكان صاحب هذا الحديث يعرف بصاحب السفرة، فختم له أبو عبد الله خاتما، وقال له: اذهب بهذا الخاتم إلى برهوت، فإن روحه صارت إلى برهوت وسمى له صاحب برهوت، ثم قال له: ناد صاحب برهوت باسمه ثلاث مرات، فإنه سيجيبك، فأتى برهوت فنادى صاحبه باسمه ثلاث مرات، فأجابه في الثالثة بلبيك، وظهر له فناوله الطينة فأخذها وقبلها، ووضعها على عينيه، ثم قال له: جئت من عند من فضله الله وأمر بطاعته، قال: ما حاجتك؟ قال الرجل: فأخبرته، فقال له: إنه يجيئك في غير صورته، فتخيل لي صورة خبيثة، فما شعرت إذا هو جاءني والسلاسل في عنقه، فقال: يا بني، وبكى فعرفته حين تكلم، قلت له: قد كنت أقول لك وأنهاك عما كنت فيه، فقال لي: حصلت علي الشقاء، ثم قال لي: ما حاجتك؟ قلت: حاجتي المال الذي خلفته، قال: في المسجد الذي كنت تراني أصلي فيه، احفر حتى تبلغ [قدر] ذراعين أو ثلاثة، فإن فيه أربعة آلاف دينار، قلت له: لعلك تكذبني، فقال لي: هيهات لقد جئت من عند من مسلكه الله وأمره عظيم وأعظم مما تذهب إليه، فقال الرجل: قال لي صاحب برهوت: أ توصيني بشي‏ء؟ قلت: أوصيك أن تضاعف عليه العذاب، فقال أبو عبد الله: أما لو رققت عليه لنفعه الله به وخفف عنه العذاب).

ارجاع ملك الموت عن أمره لحب آل البيت

السابع والسبعون: الخرائج عن صفوان بن يحيى قال: (قال لي العبدي: قال أهلي لي: قد طال عهدنا بالصادق (عليه السلام) فلو حججنا وجددنا به العهد: فقلت لها: والله ما عندي شي‏ء أحج به، فقالت: عندنا كسوة وحلي، فبع ذلك وتجهز به، ففعلت، فلما صرنا بقرب المدينة مرضت مرضا شديدا حتى أشرفت على الموت، فلما دخلنا المدينة خرجت من عندها وأنا آيس منها، فأتيت الصادق (عليه السلام) وعليه ثوبان ممصران، فسلمت عليه فأجابني وسألني عنها، فعرفته خبرها وقلت: إني خرجت وقد أيست منها فأطرق مليا ثم قال: يا عبدي أنت حزين بسببها؟ قلت: نعم: قال: لا بأس عليها فقد دعوت الله لها بالعافية، فارجع إليها فإنك تجدها قد فاقت وهي قاعدة والخادمة تلقمها الطبرزد، قال: فرجعت إليها مبادرا، فوجدتها قد أفاقت، وهي قاعدة والخادمة تلقمها الطبرزد، فقلت: ما حالك؟ قالت: قد صب الله علي العافية صبا، وقد اشتهيت هذا السكر، فقلت: خرجت من عندك آيسا فسألني الصادق عنك فأخبرته بحالك، فقال: لا بأس عليها ارجع إليها فهي تأكل السكر: قالت: خرجت من عندي وأنا أجود بنفسي، فدخل علي رجل عليه ثوبان ممصران قال: ما لك؟ قلت: أنا ميتة، وهذا ملك الموت قد جاء لقبض روحي، فقال: يا ملك الموت، قال: لبيك أيها الإمام، قال: أ لست أمرت بالسمع والطاعة لنا؟ قال: بلى، قال: فإني آمرك أن تؤخر أمرها عشرين سنة، قال: السمع والطاعة، قالت: فخرج هو وملك الموت من عندي، فأفقت من ساعتي‏).

أتوه بالبرهان الصادق فتولاهم (عليه السلام)

الثامن والسبعون عن دلائل الطبري قال: روى عمار الساباطي قال: (كنت لا أعرف شيئا من هذا الأمر، وكان من عرفه عندنا رافضيا، فخرجت حاجا فإذا أنا بجماعة من الرافضة فقالوا: يا عمار أقبل إلينا، فقلت: ما يريد مني هؤلاء؟ فما في إتيانهم خير ولا ثواب، ولكني أصير إليهم فأنظر ما يريدون، فأقبلت إليهم فقالوا: يا عمار خذ هذه الدنانير فادفعها إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، فقلت: [إني] أخشى أن يقطع علي دنانيركم فقالوا خذها ولا تخش أن يقطع عليك، فقلت: لأجربن القوم، فقلت: هاتوها وأخذتها في يدي، فلما صرت إلى بعض الطريق قطع علينا، فما ترك معنا شيئا إلا أخذ فاستقبلنا غلام أبيض مشرب بالحمرة عليه ذؤابتان فقال: عمار قطع عليك؟ قلت: نعم، فقال: اتبعوني معشر القافلة، فتبعناه حتى جاء إلى حي من أحياء العرب، فصاح بهم ردوا على القوم متاعهم، فلقد رأيتهم يبادرون من الخيم حتى ردوا جميع ما أخذ منا، ولم يدعوا منه شيئا، فقلت عند ذلك: لأسبق الناس إلى المدينة حتى أستمكن من قبر رسول الله، فسبقت الناس فقمت أصلي عند قبر رسول الله فصليت ثمان ركعات، وإذا بمناد يناد: يا عمار رددنا عليكم متاعكم فلم لا ترد دنانيرنا؟ فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: هذا عمل الشيطان، ثم قمت أصلي فصليت أربع ركعات، فإذا برجل قد وكزني وأمعض لقفائي، ثم قال: يا عمار رددنا عليكم متاعكم ولم لا ترد دنانيرنا، والتفت وإذا بالغلام الأبيض المشرب بالحمرة، فقادني كما يقاد البعير، وما أقدر أن أمتنع [عليه] حتى أدخلني إلى أبي عبد الله فقال: يا أبا الحسن معه سبحة مائة دينار، فقلت في نفسي: هؤلاء محدثين والله ما سبقني رسول [إليه] ولا كتاب فمن أين علم أن معي مائة دينار، فقال: لا تزيد حبة ولا تنقص حبة فحسبتها فو الله ما زادت ولا نقصت، ثم قال: يا عمار سلم علينا، قلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: ليس هكذا يا عمار، فقلت: السلام عليك يا ابن عم رسول الله، فقال: ليس هكذا يا عمار، قلت: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال: ليس هكذا يا عمار، فقلت السلام عليك يا وصي رسول الله، قال: صدقت يا عمار ثم وضع يده على صدري، فقال: ما حان لك أن تؤمن؟ فو الله ما خرجت من عنده حتى توليت وليه وتبرأت من عدوه).

يبين الإمام الصادق (عليه السلام) ما أعد للقائم (عليه السلام) وصحبه

التاسع والسبعون وعنه قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الكريم الزعفراني، قال: حدثنا أبو طالب عبد الله بن الصلت عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن سنان، عن داود الرقي قال: (جاء رجل إلى أبي عبد الله فقال له: ما بلغ من علمكم؟ قال: ما بلغ من سؤالكم؟ فقال الرجل: بحر ماء هذا هل تحته شي‏ء؟ قال أبو عبد الله: نعم رأى العين أحب إليك أو سمع الأذن؟ قال الرجل: بل رأى العين لأن الأذن قد تسمع ما لا تدري و[ما] لا تعرف، وما يرى بالعين يشهد له القلب، فأخذ بيد الرجل فانطلق حتى أتى شاطئ البحر، فقال: أيها العبد المطيع لربه أظهر ما فيك، فانفلق البحر عن آخر ماء فيه، وظهر ماء أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، وألذ من الزنجبيل، فقال له: يا أبا عبد الله جعلت فداك لمن هذا؟ قال: [هذا] للقائم وأصحابه، قال: متى؟ قال: إذا قام القائم وأصحابه فقد الماء الذي على وجه الأرض حتى لا يوجد ماء، فيضج المؤمنون [إلى الله] بالدعاء، فيبعث الله لهم هذا الماء فيشربونه، وهو محرم على من خالفهم، قال: ثم رفع رأسه فرأى في الهواء خيلا مسرجة ملجمة ولها أجنحة، فقلت: يا أبا عبد الله ما هذه الخيل؟ فقال: هذه خيل القائم وأصحابه، قال الرجل: أنا أركب شيئا منها؟ قال: إن كنت من أنصاره، قال: فأشرب من هذا الماء؟ قال: إن كنت من شيعته).

تغضب الريح السوداء لغضب الإمام (عليه السلام)

الثمانون وعنه عن أبي محمد سفيان، عن وكيع، [عن عبد الله بن قيس]، عن أبي قباقب الصدوحي قال: (رأيت أبا عبد الله جعفر ابن محمد وقد سئل عن مسألة، فغضب حتى امتلأ منه مسجد الرسول، وبلغ أفق السماء، وهاجت لغضبه ريح سوداء حتى كادت تقلع المدينة، فلما هدأ هدأت لهدوئه، فقال: لو شئت لقلبتها على من عليها، ولكن رحمة الله وسعت كل شي‏ء). 

صاحب الآيات الأقمر (عليه السلام)

الحادي والثمانون: وعنه عن سفيان، عن وكيع، عن الأعمش، عن قيس بن خالد قال: (رأيت الصادق (عليه السلام) وقد رفع منارة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) بيده اليسرى، وحيطان القبر بيده اليمنى، ثم بلغ بهما عنان السماء، ثم قال: أنا جعفر، أنا النهر الأغور، أنا صاحب الآيات الأقمر، أنا ابن شبير وشبر). 

إعظام السبع للصادق (عليه السلام)

الثاني والثمانون وعنه عن أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أحمد وعنه عن أحمد بن الحسين، عن أخيه، عن بعض رجاله، عن عبد الله بن محمد بن منصور بن بزرج، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي خالد الكابلي قال: (دخلت على أبي عبد الله فقال لي: يا أبا خالد خذ رقعتي فأت غيضة -قد سماها- فانشرها، فأي سبع جاء معك فجئني به؟ قال: قلت: اعفني جعلت فداك، قال: فقال لي: اذهب يا أبا خالد، قال: فقلت في نفسي: يا أبا خالد لو أمرك تأتي جبار عنيد، ثم خالفته إذا كيف كان حالك، قال: ففعلت ذلك حتى إذا صرت إلى الغيضة ونشرت الرقعة، جاء معي واحد منها، فلما صار بين يدي أبي عبد الله  (عليه السلام) نظرت إليه واقفا ما يحرك من شعره شعرة، فأومأ بكلام لم أفهمه، قال: فلبثت عنده وأنا متعجب من سكون السبع بين يديه، قال: فقال لي: يا أبا خالد ما لك تفكر؟ قال: قلت: أفكر في إعظام السبع، قال: ثم مضى السبع فما لبث إلا وقتا حتى طلع السبع ومعه كيس في فيه، قال: قلت: جعلت فداك إن هذا لشي‏ء عجيب، قال: يا أبا خالد هذا كيس وجه به إلي فلان [بن فلان] مع المفضل بن عمر، واحتجت إلى ما فيه وكان الطريق مخوفا، فبعثت بهذا السبع فجاء به، قال: فقلت في نفسي والله لا أبرح حتى يقدم المفضل بن عمر وأعلم ذلك، قال فضحك أبو عبد الله، ثم قال لي: نعم يا أبا خالد لا تبرح حتى يأتي المفضل، قال: فتداخلني والله من ذلك حيرة، ثم قال: قلت: أقلني جعلت فداك، وأقمت أياما، ثم قدم المفضل، وبعث إلى أبو عبد الله (عليه السلام)، فقال المفضل: جعلني الله فداك إن فلانا بعث معي كيسا فيه مال، فلما صرت في موضع كذا وكذا جاء سبع وحال بيننا وبين رحالنا، فلما مضى السبع طلبت الكيس في الرحل فلم أجده، قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا مفضل أتعرف الكيس؟ قال: نعم جعلني الله فداك، فقال أبو عبد الله: يا جارية هاتي الكيس فأتت به الجارية، فلما نظر إليه المفضل قال: نعم هذا هو الكيس، ثم قال: يا مفضل تعرف السبع؟ قال: جعلني الله فداك كان في قلبي في ذلك الوقت رعب، فقال (عليه السلام) له: ادن مني، فدنا منه، ثم وضع يده عليه، ثم قال لأبي خالد: امض برقعتي إلى الغيضة، فأتنا بالسبع، قال: فلما صرت إلى الغيضة، ففعلت مثل الفعل الأول، فجاء السبع معي، فلما صار بين يدي أبي عبد الله (عليه السلام) نظرت إلى إعظامه إياه، فاستغفرت في نفسي، ثم قال: يا مفضل هذا هو؟ قال نعم جعلني الله فداك، فقال: يا مفضل أبشر فإنك معنا). 

جزاء الإعرابي الذي لم يصدق النخلة التي استجابت للإمام (عليه السلام)

الثالث والثمانون الخرائج في الباب السابع، عن علي بن أبي حمزة أنه قال: (حججت مع الصادق (عليه السلام)، فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة، فحرك شفتيه بدعاء لم أفهمه، ثم قال: يا نخلة أطعمينا مما جعل الله فيك من رزق عباده، قال: فنظرت إلى النخلة وقد تمايلت نحو الصادق (عليه السلام) وعليها أعذاقها وفيها الرطب، قال: ادن فسم وكل، فأكلت منها رطبا أعذب رطب وأطيبه، فإذا نحن بأعرابي يقول: ما رأيت كاليوم سحرا أعظم من هذا؟ فقال الصادق (عليه السلام): نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر ولا كاهن، بل ندعو الله فيجيب، وإن أحببت أن أدعو الله فيمسخك كلبا تهتدي إلى منزلك وتدخل عليهم وتبصبص لأهلك، قال الأعرابي بجهله: بلى فدعا الله فصار كلبا في وقته ومضى على وجهه، فقال لي الصادق (عليه السلام): اتبعه فاتبعته حتى صار إلى حيه، فدخل إلى منزله، فجعل يبصبص لأهله وولده، فأخذوا له العصا حتى أخرجوه، فانصرفت إلى الصادق (عليه السلام) فأخبرته بما كان منه، فبينا نحن في حديثه إذ أقبل حتى وقف بين يدي الصادق (عليه السلام) وجعلت دموعه تسيل على خديه، وأقبل يتمرغ في التراب ويعوي، فرحمه فدعا الله له، فعاد أعرابيا، فقال له الصادق (عليه السلام): هل آمنت يا أعرابي؟ قال: نعم ألفا وألفا).

 وعن ثاقب المناقب عن علي بن حمزة مثله بأيسر اختلاف في اللفظ.

ليس كل من يحج بيت الله تقبل توبته

الرابع والثمانون بصائر الدرجات عن محمد بن الحسين، عن عبد الله بن جبلة، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: (حججت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلما كنا في الطواف قلت له: جعلت فداك يا ابن رسول الله يغفر الله لهذا الخلق، فقال: يا أبا بصير إن أكثر من ترى قردة وخنازير، قال: قلت: له أرنيهم، قال: فتكلم بكلمات ثم أمر يده على بصري فرأيتهم قردة وخنازير فهالني ذلك، ثم أمر يده على بصري فرأيتهم كما كانوا في المرة الأولى، ثم قال: يا أبا محمد أنتم في الجنة تحبرون وبين أطباق النار تطلبون فلا توجدون، والله لا يجتمع في النار منكم ثلاثة لا والله ولا اثنان لا والله ولا واحد).

أقول: وروى في البصائر أيضا حديث يشبه هذا على نحو آخر، ولعله واقعة أخرى وهو ما رواه عن أحمد عن الحسين بن بزة، عن إسماعيل ابن بزة بن عبد العزيز، عن أبان الأحمر، عن أبي بصير قال: (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك ما فضلنا على من خالفنا، فو الله إني لأرى الرجل منهم من هو أرخى بالا وأنعم رياشا وأحسن حالا، قال: فسكت عني حتى إذا كنت بالأبطح -أبطح مكة-، ورأيت الناس يضجون إلى الله فقال: يا أبا محمد ما أكثر الضجيج والعجيج وأقل الحجيج، والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وأله وسلم) بالنبوة، وعجل روحه إلى الجنة ما يتقبل الله إلا منك ومن أشباهك، خاصة ومسح يده على وجهي وقال: يا أبا بصير انظر، قال: فإذا أنا بالخلق كلب وخنزير وحمار إلا رجل بعد رجل).

حق المؤمن على الله

الخامس والثمانون مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب قال: روى أبو بصير قال: (جاء رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله عن حق المؤمن، فقال له: تأتي ناحية أحد فخرج فإذا أبو عبد الله (عليه السلام) يصلي ودابته قائمة، وإذا ذئب قد أقبل فسارّ أبا عبد الله (عليه السلام) كما يسارّ الرجل، ثم قال له: قد فعلت، قال: فقلت: جئت أسألك عن شيء فرأيت ما هو أعظم من مسألتي، فقال: إن الذئب أخبرني أن زوجته بين الجبل وقد عسر عليها الولادة، فادع الله تعالى أن يخلصها مما هي فيه، فقلت: قد فعلت على أن لا يسلط الله من نسلها على أحد من شيعتنا أبداً، فقلت: ما حق المؤمن على الله تعالى؟ قال: لو قال للجبال أوّبي لأوّبت، فأقبلت الجبال يتداك بعضها ببعض، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ضربت له مثلاً ليس إياك نعني، ورجعت إلى مكانها).

أقول: ومما يرادف هذا الحديث ما رواه الراوندي  في الباب الرابع عشر من الخرائج، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: (كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بين مكة والمدينة وهو على بغلة وأنا على حمار، وليس معنا أحد فقلت: يا سيدي ما علامة الإمام؟ قال: يا عبد الرحمن لو قال لهذا الجبل سر لسار، قال: فنظرت والله إلى الجبل يسير فنظر إليه فقال: إني لم أعنك).

وعن ثاقب المناقب مثله إلا أن في آخره (أني لم أعنك فقف)، ويوافقه أيضا ما في الاختصاص للمفيد  عن الحسن بن علي الزيتوني ومحمد ابن أحمد بن أبي قتادة، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن الحسن بن عطية قال: (كان أبو عبد الله (عليه السلام) واقفا على الصفا، فقال له عباد البصري: حديث يروى عنك، قال: وما هو؟ قال: قلت: حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البنية، قال: قد قلت ذلك، إن المؤمن لو قال لهذه الجبال أقبلي أقبلت، قال: فنظرت إلى الجبال قد أقبلت، فقال لها :على رسلك إني لم أردك).

علمهم (عليه السلام) يسع السماوات والأرض وما بينهما وما دونهما

السادس والثمانون عن دلائل الطبري  قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي علي محمد بن همام قال: حدثنا أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن أحمد بن علي، عن صالح بن عقبة، عن يزيد بن عبد الملك قال: (كان لي صديق وكان يكثر الرد على من قال (إنهم يعلمون الغيب) قال: فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته بأمره، فقال: قل له إني والله لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما دونهما).

ما يقال عند مواجهة السبع

السابع والثمانون الخرائج في الباب الرابع عشر، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا لقيت السبع ماذا تقول له؟ قلت: لا أدري، قال: إذا لقيته فاقرأ في وجهه آية الكرسي، وقل عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة رسوله (صلى الله عليه وأله وسلم)، وعزيمة سليمان بن داود، وعزيمة علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده (عليه السلام) إلا تنحيت عن طريقنا ولم تؤذنا فإنا لا نؤذيك، [فإنه ينصرف عنك، قال عبد الله: فقدمت الكوفة فخرجت مع ابن عم لي إلى قرية، فإذا سبع قد اعترض لنا في الطريق، فقرأت في وجهه آية الكرسي فقلت: عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة محمد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وعزيمة سليمان بن داود وعزيمة علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده (عليه السلام) إلا تنحيت عن طريقنا ولم تؤذنا فإنا لا نؤذيك، قال]: فنظرت إليه وقد طأطأ رأسه وأدخل ذنبه بين رجليه، وركب الطريق راجعا من حيث جاء، فقال ابن عمي: ما سمعت كلاما أحسن من كلامك هذا [الذي سمعته منك] فقلت: [أي شي‏ء سمعت؟] هذا كلام جعفر بن محمد، فقال: [أنا] أشهد أنه إمام فرض الله طاعته، وما كان ابن عمي يعرف قليلا ولا كثيرا، قال: فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) من قابل، فأخبرته الخبر، فقال: ترى أني لم أشهدكم بئس ما رأيت، ثم قال: إن لي مع كل ولي أذنا سامعة وعينا ناظرة ولسانا ناطقا، ثم قال: يا عبد الله أنا والله صرفته عنكما، وعلامة ذلك أنكما كنتما في البرية على شاطئ النهر، واسم ابن عمك لمثبت عندنا، وما كان الله ليميته حتى يعرف هذا الأمر، قال: فرجعت إلى الكوفة فأخبرت ابن عمي بمقالة أبي عبد الله (عليه السلام) ففرح فرحا شديدا وسر به وما زال مستبصرا بذلك إلى أن مات).

يشير الصادق (عليه السلام) إلى أنصار القائم (عليه السلام)

الثامن والثمانون: عن دلائل الطبري ، عن أبي عبدالله الحسين بن عبدالله الحزمي، عن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي علي محمد ابن همام قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثنا أحمد بن زيد عن محمد بن عمار، عن أبيه، عن أبي بصير قال: (كنت عند أبي عبد الله وعنده رجل من أهل خراسان وهو يكلمه بكلام لم أفهمه، ثم رجعا إلى شي‏ء فهمته، فسمعت أبا عبد الله (عليه السلام)  يقول -وركض أبو عبد الله (عليه السلام)  برجله الأرض فإذا بحر تحت الأرض على حافته فارسان قد وضعا أذقانهما على قرابيس سروجهما- فقال أبو عبد الله: هؤلاء من أنصار القائم).

أقول: وعن المفيد في الاختصاص، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن محمد بن المؤدب، عن ولد الأشتر، عن محمد، عن محمد بن عمار الشعراني، عن أبيه، عن أبي بصير مثله؛ إلا أن فيه (على حافته فرسان قد وضعوا على أذقانهم على قرابيس سروجهم)، الخبر ولعله الأصح.

المفضل يرى من معجزاتهم حتى يعرف عدد شيعتهم.

التاسع والثمانون الهداية لابن حمدان بإسناده، عن يونس بن ظبيان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (دخلت عليه وهو جالس على بساط أحمر في وسط داره وأنا أقول: اللهم إني لا أشك في أن حجتك على خلقك وإمامنا جعفر بن محمد الصادق فلقنني ما يزيد لي ثباتاً ويقيناً، فرفع رأسه إليّ وقال: قد أوتيت سؤلك يا موسى ناولني تلك النواة، وأشار بيده إلى نواة في جانب الدار، فأخذتها وناولته إياها، فنصبها على الأرض ووضع سبابته عليها، وعمرها وغيبها في الأرض، ودعا بدعوات سمعت منها "اللهم فالق الحب والنوى" ولم أسمع الباقي، وإذا تلك النواة قد نبتت نخلة وأخذت تعلو حتى صارت بإزاء علو الدار، ثم حملت حملاً حسناً، وتهدلت وبسرت ورطبت رطباً، وأنا أنظر إليها، فقال لي: هزّها يا مفضل فهززتها، فنثرت علينا رطباً في الدار جنياً ليس مما رأى الناس وعرفوه، أصفى من الجوهر، وأعطر من روائح المسك والعنبر، توري الرطبة مثل ما توري المرآة، فقال لي: التقط وكل، فالتقطت وأكلت وأطعمت، فقال لي: ضم كل ما يسقط من هذا الرطب وأهد إلى مخلصي شيعتنا الذين أوجب الله لهم الجنة، فلا يحل هذا الرطب إلا لهم، فاهدِ إلى كل نفس منهم واحدة: قال المفضل: فضممت ذلك الرطب وظننت أني لا أطيق حمله إلى منزلي، فخفّ عليّ حتى حملته، وفرقته فيمن أمرني منهم ممن بالكوفة، فخرج بأعدادهم لا يزيد رطبة ولا ينقص رطبة، فرجعت إليه فقال لي: اعلم يا مفضل أن هذه النخلة تطاولت وانبسطت في الدنيا فلم يبق مؤمن ولا مؤمنة من شيعتنا إلا أكل منها بمقدار مضيك إلى منزلك ورجوعك إلينا، فهذا من فضل الله أعظم مما أعطى داود، وإنا كما قد أعطيناه، وأعطينا ما لم يعط كرامة من الله لحبيبه جدنا محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) وإن كنت من شيعتنا سترد إلينا وإليك من طول الدنيا وعرضها بأن النخلة وصلت إليهم جميعًا، فطرحت إلى كل واحد رطبة فقال المفضل: فلم تزل الكتب ترد إليه وإليّ من سائر الشيعة في سائر الدنيا بذلك، فعرفت والله عددهم من كتبهم).

المخلص لهم لا يتوانى عن الدخول إلى النار

التسعون المناقب لابن شهر آشوب قال: حدث إبراهيم، عن أبي حمزة، عن مأمون الرقي قال: (كنت عند سيدي الصادق (عليه السلام): إذ دخل سهل بن حسن الخراساني، فسلم عليه ثم جلس فقال له: يا ابن رسول الله لكم الرأفة والرحمة، وأنتم أهل بيت الإمامة، ما الذي يمنعك أن يكون لك حق تقعد عنه، وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف، فقال له (عليه السلام): اجلس يا خراساني رعى الله حقك، ثم قال: يا حنفية اسجري التنور، فسجرته حتى صار كالجمرة وابيض علوه، ثم قال: يا خراساني قم فاجلس في التنور، فقال الخراساني: يا سيدي يا ابن رسول الله لا تعذبني بالنار، أقلني أقالك الله، قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكي ونعله في سبابته، فقال: السلام عليك يا بن رسول الله، فقال له الصادق (عليه السلام): ألق النعل من يدك واجلس في التنور، قال: فألقى النعل من سبابته، ثم جلس في التنور وأقبل الإمام يحدث الخراساني حديث خراسان حتى كأنه شاهد لها، ثم قال: قم يا خراساني وانظر ما في التنور، قال: فقمت إليه فرأيته متربعا فخرج إلينا وسلم علينا، فقال له الإمام (عليه السلام) :كم تجد بخراسان مثل هذا فقلت: والله ولا واحدا، فقال (عليه السلام): لا والله ولا واحدا، أما إنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا نحن أعلم بالوقت).

دعاؤه (عليه السلام) على داود بن علي

الحادي والتسعون بصائر الدرجات للصفار  قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد، عن أبي بصير وداود الرقي، عن معاوية بن عمار الدهني ومعاوية بن وهب، عن ابن سنان قال: (كنا بالمدينة حين بعث داود بن علي إلى المعلى بن خنيس، فقتله فجلس أبو عبد الله (عليه السلام)، فلم يأته شهرا قال: فبعث إليه أن ائتني، فأبى أن يأتيه، فبعث إليه خمس نفر من الحرس، قال: ائتوني به فإن أبى فائتوني به أو برأسه، فدخلوا عليه وهو يصلي ونحن نصلي معه الزوال، فقالوا: أجب داود بن علي، قال: فإن لم أجب، قال: أمرنا أن نأتيه برأسك، فقال: وما أظنكم تقتلون ابن رسول الله، قالوا: ما ندري ما تقول، وما نعرف إلا الطاعة، قال: انصرفوا فإنه خير لكم في دنياكم وآخرتكم، قالوا: والله لا ننصرف حتى نذهب بك معنا أو نذهب برأسك، قال: فلما علم أن القوم لا يذهبون إلا بذهاب رأسه وخاف على نفسه، قالوا: رأيناه قد رفع يديه فوضعهما على منكبه، ثم بسطهما، ثم دعا بسبابته، فسمعناه يقول: الساعة الساعة، فسمعنا صراخا عاليا، فقالوا له: قم، فقال لهم: أما إن صاحبكم قد مات وهذا الصراخ عليه، فابعثوا رجلا منكم، فإن لم يكن هذا الصراخ عليه قمت معكم، قالوا: فبعثوا رجلا منهم؛ فما لبث أن أقبل فقال: يا هؤلاء قد مات صاحبكم وهذا الصراخ عليه فانصرفوا فقلت له: جعلنا الله فداك ما كان حاله؟ قال: قتل مولاي المعلى بن خنيس فلم آته منذ شهر، فبعث إلي أن آتيه، فلما أن كان الساعة لم آته فبعث إلي ليضرب عنقي، فدعوت الله باسمه الأعظم، فبعث الله إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره فقتله، فقلت له: فرفع اليدين ما هو؟ قال: الابتهال، فقلت: فوضع يديك وجمعها؟ قال: التضرع، قلت: ورفع الإصبع؟ قال: البصبصة).

بحلف رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) أظهر الصادق كذب الرجل

الثاني والتسعون الخرائج، ومنها ما روي عن الرضا، عن أبيه (عليه السلام) قال: (جاء رجل إلى جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال له: انج بنفسك فهذا فلان بن فلان قد وشى بك إلى المنصور، وذكر أنك تأخذ البيعة لنفسك على الناس لتخرج عليهم، فتبسم وقال: يا أبا عبد الله لا ترع فإن الله إذا أراد إظهار فضيلة كتمت أو جحدت؛ أثار عليها حاسدا باغيا يحركها حتى يثبتها، اقعد معي حتى يأتيني الطلب فتمضي معي إلى هناك؛ حتى تشاهد ما يجري من قدرة الله عز وجل التي لا معزل عنها لمؤمن، فجاء الرسول وقال: أجب أمير المؤمنين، فخرج الصادق (عليه السلام) ودخل وقد امتلأ المنصور غيظا وغضبا فقال له: أنت الذي تأخذ البيعة لنفسك على المسلمين، تريد أن تفرق جماعتهم وتسعى في هلكتهم وتفسد ذات بينهم، فقال الصادق (عليه السلام): ما فعلت شيئا من هذا، قال المنصور: فهذا فلان يذكر أنك فعلت [كذا، وأنه أحد من دعوته إليك]، فقال: إنه لكاذب، قال المنصور: إني أحلفه فإن حلف كفيت نفسي مئونتك، فقال الصادق (عليه السلام): إنه إذا حلف كاذبا باء بإثم، فقال المنصور لحاجبه: حلف هذا الرجل على ما حكاه عن هذا -يعني الصادق (عليه السلام)- فقال له الحاجب: قل والله الذي لا إله إلا هو، وجعل يغلظ عليه اليمين، فقال الصادق (عليه السلام): لا تحلفه هكذا، فإني سمعت أبي يذكر عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) أنه قال: إن من الناس من يحلف كاذبا فيعظم الله في يمينه، ويصفه بصفاته الحسنى، فيأتي تعظيمه لله على إثم كذبه ويمينه، فيؤخر عنه البلاء ولكن دعني أحلفه باليمين التي حدثني بها أبي عن جدي عن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) أنه لا يحلف بها حالف إلا باء بإثمه، فقال المنصور: فحلفه إذا يا جعفر، فقال الصادق (عليه السلام) للرجل: قل إن كنت كاذبا عليك فقد برئت من حول الله وقوته، ولجأت إلى حولي وقوتي، فقالها الرجل، فقال الصادق (عليه السلام): اللهم إن كان كاذبا فأمته، فما استتم كلامه حتى سقط الرجل ميتا، واحتمل ومضي به وسري عن المنصور، وسأله عن حوائجه، فقال (عليه السلام): ليس لي حاجة إلا إلى الله والإسراع إلى أهلي، فإن قلوبهم بي متعلقة، فقال المنصور: ذلك إليك، فافعل منه ما بدا لك، فخرج من عنده مكرما قد تحير فيه المنصور [ومن يليه] فقال قوم: ماذا رجل فاجأه الموت، ما أكثر ما يكون هذا، وجعل الناس يصيرون إلى ذلك الميت ينظرون إليه، فلما استوى على سريره جعل الناس يخوضون في أمره، فمن ذام له وحامد إذ قعد على سريره وكشف عن وجهه وقال: يا أيها الناس إني لقيت ربي بعدكم، فتلقاني بالسخط واللعنة واشتد غضب زبانيته علي للذي كان مني إلى جعفر بن محمد الصادق، فاتقوا الله ولا تهلكوا فيه كما هلكت، ثم أعاد كفنه على وجهه وعاد في موته فرأوه لا حراك فيه، وهو ميت فدفنوه وبقوا حائرين في ذلك).

بم تعرف إمامة الإمام

الثالث والتسعون عن دلائل الطبري قال أبو جعفر و حدثنا أحمد ابن منصور الرشادي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا مهلب بن قيس قال للصادق: (بأي شي‏ء يعرف العبد إمامه؟ قال: أن يفعل كذا ووضع يده على حائط فإذا الحائط ذهب، ثم وضع يده على أسطوانة فأورقت من ساعتها، ثم قال: بهذا يعرف الإمام).

إذا أعطوا أغنوا (عليه السلام)

الرابع والتسعون لوامع الأنوار للشيخ العارف البرسي  قال: ومن كراماته (أن المنصور يوما دعاه، فركب معه إلى بعض النواحي، فجلس المنصور على تل هناك، وإلى جانبه أبو عبد الله (عليه السلام)، فجاء رجل وهم أن يسأل المنصور، ثم أعرض عنه وسأل الصادق (عليه السلام) فحثى له من رمل هناك مل‏ء يده ثلاث مرات، وقال له: اذهب واغل، فقال له بعض حاشية المنصور: أعرضت عن الملك وسألت فقيرا لا يملك شيئا، فقال الرجل وقد عرق وجهه خجلا مما أعطاه: إني سألت من أنا واثق بعطائه، ثم جاء بالتراب إلى بيته، فقالت له زوجته: من أعطاك هذا؟ فقال: جعفر، فقالت: وما قال لك؟ قال: قال لي اغل، فقالت: إنه صادق، فاذهب بقليل منه إلى أهل المعرفة، وإني أشم فيه رائحة الغنى، فأخذ الرجل منه جزء ومر ببعض اليهود، فأعطاه فيما حمل منه إليه عشرة آلاف درهم، وقال له: ائتني بباقيه على هذه القيمة).

عجز أبي جعفر المنصور عن قتل الإمام الصادق (عليه السلام) إلا بالسم

الخامس والتسعون وفيه (أن المنصور لما رأى قتل أبي عبد الله (عليه السلام)؛ استدعى قوما من الأعاجم -يقال لهم البربر- لا يفقهون ولا يعقلون، فخلع عليهم الديباج المقفل والوشي المنسوج، وحمل إليهم الأموال، ثم استدعاهم وكانوا مائة رجل، فقال للترجمان: قل لهم إن لي عدوا يدخل علي الليلة، فاقتلوه إذا دخل، فأخذوا أسلحتهم ووقفوا متمثلين لأمره، فاستدعى جعفرا (عليه السلام) وأمره أن يدخل وحده، ثم قال للترجمان: قل لهم هذا عدوي فقطعوه، فلما دخل الإمام (عليه السلام) تعاووا كعوي الكلب ورموا أسلحتهم، وكتفوا أيديهم إلى ظهورهم، وخروا له سجدا ومرغوا وجوههم على التراب، فلما رأى المنصور ذلك خاف [على نفسه] وقال: ما جاء بك؟ قال: أنت وما جئتك إلا مغتسلا محنطا، فقال المنصور: معاذ الله أن يكون ما تزعم ارجع راشدا، فرجع جعفر (عليه السلام) والقوم على وجوههم سجدا، فقال للترجمان: قل لهم لم لا قتلتم عدو الملك، فقالوا: نقتل ولينا الذي يلقانا كل يوم ويدبر أمرنا كما يدبر الرجل ولده، وإنا لا نعرف وليا سواه، فخاف المنصور [من قولهم] وسرحهم تحت الليل، ثم قتله (عليه السلام) بعد ذلك بالسم).

الصادق (عليه السلام) يقابل أهل خراسان بحجتين

السادس والتسعون عن ثاقب المناقب عن الحسن بن علي بن فضّال قال: قال موسى بن عطية النيسابوري: (اجتمع وفد خراسان من أقطارها كبارها وعلمائها وقصدوا داري، واجتمع علماء الشيعة واختاروني وأبا لبابة وطهمان وجماعة شتى، وقالوا بأجمعهم: رضينا بكم أن تردوا المدينة وتسألوا عن المستخلف فيها لنقلده أمرنا، فقد ذكر أن باقر العلم قد مضى ولا ندري من ينصب الله بعده من آل الرسول من ولد علي وفاطمة  (عليه السلام)، ودفعوا إلينا مائة ألف درهم ذهباً وفضة لتأتونا بالخبر وتعرفونا الإمام، وتطالبوه بسيف ذي الفقار، والقضيب والبردة والخاتم واللوح الذي فيه تثبيت الأئمة من ولد علي وفاطمة (عليه السلام)، وأن ذلك لا يكون إلا عند إمام، فمن وجد ذلك عنده فسلموا إليه المال فحملنا وتجهزنا إلى المدينة، وحللنا بمسجد الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) فصلينا ركعتين، وسألنا من القائم في أمور الناس والمستخلف فيها، فقالوا:زيد بن علي وابن أخيه جعفر بن محمد، فقصدنا زيداً في مسجد، فسلمنا عليه فرد علينا السلام وقال: من أين أقبلتم؟ قلنا: أقبلنا من أرض خراسان لنعرف إمامنا ومن نقلّده أمورنا، فقال: قوموا، ومشى بين أيدينا حتى دخل داره، فأخرج إلينا طعاماً فأكلنا، ثم قال: ما تريدون؟ فقلنا له: نريد أن ترينا ذا الفقار والبردة والخاتم والقضيب واللوح الذي فيه تثبيت الأئمة (عليه السلام)، فإن ذلك لا يكون إلا عند إمام، فدعا بجارية له فأخرجت إليه سفطا، واستخرج منه سيفا في أديم أحمر عليه سجف أخضر، فقال: هذا ذو الفقار، وأخرج إلينا قضيباً ودعا بدرع من فضة، واستخرج منه خاتماً وبرداً، ولم يخرج اللوح الذي فيه تثبيت الأئمة، فقام بو لبابة من عنده، وقال: قوموا بنا حتى نرجع إلى مولانا غدا، فنستوفي ما نحتاج إليه، ونوفيه ما عندنا ومعنا: قال: فمضينا نريد جعفر بن محمد (عليه السلام)، فقيل لنا أنه مضى إلى حائط له فما لبثنا إلا ساعة حتى أقبل وقال: يا موسى بن عطية النيسابوري ويا أبالبابة ويا طهمان ويا أيها الوافدون من أرض خراسان إليّ فاقبلوا، ثم قال: يا موسى ما أسوء ظنك بربك وبإمامك، لم جعلت في الفضة التي معك فضة غيرها، وفي الذهب ذهب غيره، وأردت أن تمتحن إمامك، وتعلم ما عنده في ذلك، وجملة المال مائة ألف درهم، ثم قال: يا موسى بن عطية إن الأرض ومن عليها لله ولرسوله وللإمام من بعد رسوله، أتيت عمي زيدا فأخرج لكم من السفط ما رأيتم وقمتم من عنده قاصدين إليّ، ثم قال: يا موسى بن عطية ويا أيها الوافدون من خراسان أرسلكم أهل بلدكم لتعرفوا الإمام وتطالبوه بسيف ذي الفقار الذي فضّل به رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ونصر به أمير المؤمنين (عليه السلام) وأيّد به، فأخرج لكم ما رأيتموه، قال: ثم أومى بيده إلى فص خاتم فقلعه، فقال: سبحان الذي أودع فيه ذخائر وليه، والنائب عنه في خليقته ليريهم قدرته، ويكون الحجة عليهم حتى إذا عرضوا على النار بعد المخالفة لأمره أليس هذا بالحق؟ قالوا: بلى وربنا، قال: فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى‏ وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾، ثم أخرج لنا من وسط الخاتم البردة والقضيب واللوح الذي فيه تثبيت الأئمة، ثم قال: سُبْحَانَ الذي سخّر للأمام كل شيء وجعل له مقاليد السماوات والأرض لينوب عن الله في خلقه، ويقيم فيهم حدوده، كما تقدم إليه ليثبت حجة الله على خلقه، فإن الإمام حجة الله، ثم قال: ادخلوا الدار أنت ومن معك بالإخلاص وإيقان وإيمان، قال: فدخلت أنا ومن معي، فقال: يا موسى ترى النور الذي في زاوية البيت؟ قلت: نعم، قال: ائتني به، فأتيته به ووضعته بين يديه، ونقر بها على النور، وتكلم بكلام خفي، قال: فلم تزل الدنانير تخرج منه حتى حالت بيني وبينه، ثم قال: يا موسى بن عطية اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ﴾ لم نرد مالكم لأنا فقراء وما أردنا إلا لنصرفه إلى أوليائنا الفقراء فإنها عقدة فرضها الله عليكم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾وقال:﴿الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾  قال: ثم رمق الدنانير بعينه إلى كرى كان في المجلس، ثم قال: أحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين، وصلوهم ولا تقتطعوهم، فإنكم إن وصلتموهم كنتم منا ومعنا ولنا لا علينا، فإن قطعتموهم انقطعت العصمة بيننا وبينكم لا موصلين ولا متصلين، فردوا المال إلى أصحابه وخذوا الفضة التي وضعت في الفضة، والذهب الذي وضع في الذهب، وأمروهم أن يصلوا بذلك أوليائنا وشيعتنا الفقراء، فإنه المواصل إلينا ونحن المكلفون عليه، قال: ثم قال: يا موسى بن عطية أراك أصلع أدن مني، فدنوت منه، وأمّر يده على رأسي فرجع الشعر قططاً، فقال: يكون معك ذا الحجة، وقال: أدن مني يا أبا لبابة، وكان في عينيه كوكب، فتفل في عينيه فسقط ذلك الكوكب، قال: هذان حجتان إن سألكما سائل فقولا إمامنا فعل بنا ذلك، وودعناه وهو إمامنا إلى يوم البعث ورجعنا إلى بلدنا بالذهب والفضة).

الصادق (عليه السلام) يريهم معجزة من السماء والأرض

السابع والتسعون وعنه عن داود الرقي، قال: (كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) أنا والمفضل بن أبي المفضل ويونس بن ظبيان، فقال أحدهما لأبي عبد الله (عليه السلام): أرني آية من الأرض، وقال الآخر: أرني آية من السماء، فقال (عليه السلام): يا أرض انفرجي، فانفرجت مدّ البصر، فنظرت إلى خلق كثير في أسفل الأرض، ثم قال: يا سماء انشقي،فانشقت، ثم قال: ولو شئت أن أجتذب السماء بيدي هاتين لفعلت، فقال: استشف وانظر، ثم تلا هذه الآية ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ‏﴾).

الأرض تتغير بحسب نزول الإمام (عليه السلام) بها.

الثامن والتسعون وعنه عن داود الرقي أيضا قال: (خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) حاجاً إلى مكة، فنحن نسائره ذات يوم في أرض سبخة؛ إذ دخل علينا وقت الصلاة إذ قال: مرّوا بنا إلى هذا الجانب فإنها أرض ملعونة فملنا وسرنا ما شاء الله، فإذا نحن بعين فوارة وماء بارد عذب وأشجار خضر فنزلنا وتطهرنا وصلينا وشربنا وأروينا رواحلنا وملأنا سقاءنا وقمنا ومضينا فما سرنا غير بعيد، قال لي: هل تعرف هذا الموضع؟ قلت: نعم يابن رسول الله، قال: اذهب فجئني بسيفي فقد علقته على الشجرة فوق العين ونسيته، فمضيت إليه ووجدت السيف معلقاً على الشجرة، وما رأيت أثرا من العين ولا من الأشجار الخضر، وإنما هي أرض سبخة لا عهد لها بالماء).

الدرع والعمامة في خاتمه (عليه السلام)

التاسع والتسعون: مناقب ابن شهر آشوب عن عبد الرحمن بن كثير في خبر طويل (أن رجلا دخل المدينة يسأل عن الإمام، فدلوه على عبد الله بن الحسن، فسأله هنيهة، ثم خرج فدلوه على جعفر بن محمد (عليه السلام)، فقصده فلما نظر إليه جعفر (عليه السلام) قال: يا هذا إنك كنت مغرّى، فدخلت مدينتنا هذه تسأل عن الإمام، فاستقبلتك فتية من ولد الحسن فأرشدوك إلى عبد الله بن الحسن، فسألته هنيهة، ثم خرجت فإن شئت أخبرتك عما سألته وما رد عليك، ثم استقبلتك فتية من ولد الحسين، فقالوا لك: يا هذا إن رأيت أن تلقى جعفر بن محمد فافعل، فقال: صدقت قد كان كما ذكرت، فقال له: ارجع إلى عبد الله بن الحسن فاسأله عن درع رسول الله وعمامته (صلى الله عليه وأله وسلم)، فذهب الرجل فسأله عن درع رسول الله والعمامة، فأخذ درعا من كندوج له ،فلبسها فإذا هي سابغة، فقال: كذا كان رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)  يلبس الدرع، فرجع إلى الصادق (عليه السلام) فأخبره، فقال: ما صدق، ثم أخرج خاتما فضرب به الأرض، فإذا الدرع والعمامة ساقطين من جوف الخاتم، فلبس أبو عبد الله الدرع فإذا هي إلى نصف ساقه، ثم تعمم بالعمامة، فإذا هي سابغة، فنزعها ثم ردهما في الفص ثم قال: هكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) يلبسها إن هذا ليس مما غزل في الأرض، إن خزانة الله في كن، وإن خزانة الإمام في خاتمه، وإن الله عنده الدنيا كسكرجة، وإنها عند الإمام كصحيفة، فلو لم يكن الأمر هكذا لم نكن أئمة وكنا كسائر الناس).

الإمام الصادق (عليه السلام) في البيت

المائة بصائر الدرجات قال: حدثني الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد بن عبد الله، عن بشير، عن عثمان بن مروان، عن سماعة بن مهران قال: (كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) فأطلت الجلوس عنده، فقال: أتحب أن ترى أبا عبد الله (عليه السلام)؟ فقال: وددت والله، فقال: قم وادخل ذلك البيت، فدخلت البيت فإذا هو أبو عبد الله صلوات الله عليه قاعد)   .

تم الجزء الثالث من القسم الثاني من الكتاب ويتلوه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى.

باب معجزات الإمام الهمام حجة الله على جميع العوالم أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام

ولادة الإمام الكاظم عليه السلام

الحديث الأول الكافي علي بن محمد، عن عبد الله بن إسحاق العلوي، عن محمد بن زيد الرزامي عن محمد بن سليمان الديلمي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : (حججنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى (عليه السلام)، فلما نزلنا الأبواء وضع لنا الغداء وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر وأطاب ، قال : فبينا نحن نأكل إذا أتاه رسول حميدة فقال له: إن حميدة تقول: قد أنكرت نفسي وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي وقد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا ، فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فانطلق مع الرسول ، فلما انصرف قال له أصحابه : سرك الله وجعلنا فداك فما أنت صنعت من حميدة ؟ قال: سلمها الله وقد وهب لي غلاما وهو خير من برأ الله في خلقه ولقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنت أني لا أعرفه ولقد كنت أعلم به منها ، فقلت: جعلت فداك وما الذي أخبرتك به حميدة عنه؟ قال: ذكرت أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا يديه على الأرض ، رافعا رأسه إلى السماء ، فأخبرتها أن ذلك إمارة رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وإمارة الوصي من بعده، فقلت: جعلت فداك وما هذا من إمارة رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وإمارة الوصي من بعده؟ فقال لي: إنه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدي أتى آت جد أبي بكأس فيه شربة أرق من الماء وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج وأبيض من اللبن ، فسقاه إياه وأمره بالجماع ، فقام فجامع فعلق بجدي ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقى جد أبي وأمره بمثل الذي أمره فقام فجامع فعلق بأبي ، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم وأمره بالذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي ، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم فقمت بعلم الله وإني مسرور بما يهب الله لي ، فجامعت فعلق بابني هذا المولود فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي ، إن نطفة الإمام مما أخبرتك وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الروح بعث الله تبارك وتعالى ملكا يقال له: حيوان فكتب على عضده الأيمن ﴿ وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم﴾ وإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم لله أنزله من السماء إلى الأرض وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان اثبت تثبت ، فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي ، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري ، ثم وعزتي وجلالي لأصلين من عاداك أشد عذابي وإن وسعت عليه في دنياه من سعة رزقي فإذا انقضى الصوت - صوت المنادي- أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء يقول ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم﴾ قال: فإذا قال ذلك أعطاه [الله] العلم الأول والعلم الآخر واستحق زيارة الروح في ليلة القدر،  قلت : جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل؟ قال : الروح هو أعظم من جبرئيل ، إن جبرئيل من الملائكة وإن الروح هو خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك وتعالى ﴿تنزل الملائكة والروح﴾).

الإمام في المهد يأمر يعقوب السراج بتغيير اسم ابنته

الثاني وفيه في باب النص عليه ، الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن محمد بن سنان عن يعقوب السراج قال : (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في المهد، فجعل يُسارّه طويلا ، فجلست حتى فرغ، فقمت إليه فقال لي: ادن من مولاك فسلم، فدنوت فسلمت عليه فرد عليّ السلام بلسان فصيح، ثم قال لي . اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس ،  فإنه اسم يبغضه الله ، وكان ولدت لي ابنة سميتها بالحميراء ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): انته إلى أمره ترشد ، فغيرت اسمها).

الإمام يطوف بصاحبه الأرض ويريه بعض دلالات الإمام

الثالث عن دلائل الطبري  قال حدثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن الحسن، قال حدثني أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ، قال حدثني أبو علي محمد بن همام ،  قال حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن أبي عقيلة عن أحمد التبان ، قال : (كنت نائما على فراشي فما أحسست إلا ورجل قد رفسني برجله ، فقال لي: يا هذا ، ينام شيعة آل محمد ! فقمت فزعا فلما رآني فزعا ضمني إلى صدره ، فالتفت فإذا أنا بأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال: يا أحمد توضأ للصلاة ، فتوضأت، وأخذني بيدي ،  فأخرجني من باب داري ،  فكان باب الدار مغلق ما أدري من أين أخرجني ،  فإذا أنا بناقة معقلة له ،  فحل عقالها وأردفني خلفه،  وسار بي غير بعيد ، فأنزلني موضعا فصلى بي أربعا وعشرين ركعة، ثم قال: يا أحمد، تدري في أي موضع أنت؟ قلت: الله ورسوله (صلى الله عليه وأله وسلم) وابن رسوله أعلم. قال: هذا قبر جدي الحسين بن علي .ثم سار غير بعيد حتى أتى الكوفة وإن الكلاب والحرس لقيام ، ما من كلب ولا حارس يبصر شيئا فأدخلني المسجد وإني لا أعرفه وأنكره فصلى بي سبع عشرة ركعة ، ثم قال: يا أحمد ، تدري أين أنت؟ قلت : الله ورسوله (صلى الله عليه وأله وسلم) وابن رسول أعلم. قال : هذا مسجد الكوفة ، وهذه الطست. ثم سار بي غير بعيد فأنزلني ، فصلى بي أربعا وعشرين ركعة ، ثم قال : يا أحمد ، أتدري أين أنت ؟ قلت: الله ورسوله (صلى الله عليه وأله وسلم) وابن رسوله أعلم. قال : هذا قبر الخليل إبراهيم . ثم سار بي غير بعيد فأدخلني مكة وإنى لا أعرف البيت ومكة وبئر زمزم وبيت الشراب ، فقال لي : يا أحمد ،  أتدري أين أنت ؟ قلت: الله ورسوله (صلى الله عليه وأله وسلم) وابن رسوله أعلم. قال : هذه مكة ، وهذا البيت ، وهذه زمزم، وهذا بيت الشراب. ثم سار بي غير بعيد فأدخلني مسجد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) وقبره فصلى بي أربعا وعشرين ركعة، ثم قال لي: أتدري أين أنت؟ قلت: الله ورسوله (صلى الله عليه وأله وسلم) وابن رسوله أعلم . قال :هذا مسجد جدي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ثم سار بي غير بعيد فأتى بي الشعب شعب أبي جبير، فقال لي : يا أحمد ، أتريد أريك من دلالات الإمام ؟ قلت : نعم . قال: يا ليل أدبر، فأدبر الليل عنا، ثم قال : يا نهار أقبل ، فأقبل النهار إلينا بالنور العظيم وبالشمس حتى رجعت بيضاء نقية ، فصلينا الزوال ، ثم قال: يا نهار أدبر،  يا ليل أقبل ،  فأقبل علينا الليل حتى صلينا المغرب. قال: يا أحمد، أرأيت ؟ قلت : حسبي هذا يا بن رسول الله ، فسار حتى أتى بي جبلا محيطا بالدنيا ما الدنيا عنده إلا مثل سكرجة ، فقال : أتدري أين أنت؟ قلت: الله ورسوله (صلى الله عليه وأله وسلم) وابن رسوله أعلم . قال : هذا جبل محيط بالدنيا، وإذا أنا بقوم عليهم ثياب بيض، فقال: يا أحمد، هؤلاء قوم موسى فسلم عليهم فسلمت عليهم، فردوا علينا السلام . قلت: يا ابن رسول الله ، قد نعست. قال: تريد أن تنام على فراشك؟ فقلت: نعم، فركض برجله ركضة، ثم قال: نم ، فإذا أنا في منزلي نائم، فتوضأت وصليت الغداة في منزلي).

الإمام يأمر الأسد بأكل عدو الله فيمتثل أمره

الرابع عيون الأخبار للصدوق œ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد œ قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله جميعا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن أبيه علي بن يقطين قال: (استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ويقطعه ويخجله في المسجد فانتدب رجل معزم فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز فكان كلما رام أبو الحسن (عليه السلام) تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه واستفز من هارون الفرح والضحك لذلك فلم يلبث أبو الحسن (عليه السلام) أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور فقال له: يا أسد خذ عدو الله قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترست ذلك المعزم فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم فطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه فلما أفاقوا ذلك قال هارون لأبي الحسن (عليه السلام): سألتك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل فقال: إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل فكان ذلك أعمل الأشياء في آفاته نفسه).

الإمام يدعو بدعاء ليكفى شر هارون

الخامس وفيه قال حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال حدثنا محمد بن الحسين المدني ، عن أبي محمد عبد الله بن الفضل ، عن أبيه الفضل قال: (كنت أحجب الرشيد فأقبل علي يوما غضبانا وبيده سيف يقلبه فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني بابن عمي الآن لآخذن الذي فيه عيناك، فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي قلت: وأي الحجازي؟ قال موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال الفضل: فخفت من الله عز وجل إن أجيء به إليه ثم فكرت في النقمة فقلت له: أفعل فقال: ائتني بسوطين و هبنازين وجلادين قال: فأتيته بذلك ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام). فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل فإذا أنا بغلام أسود فقلت له: استأذن لي على مولاك يرحمك الله فقال لي: لج فليس له حاجب ولا بواب، فولجت إليه، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده فقلت له: السلام عليك يا ابن رسول الله أجب الرشيد فقال: ما للرشيد ومالي؟ أما تشغله نعمته عني؟ ثم وثب مسرعا، وهو يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم): أن طاعة السلطان للتقية واجبة إذا ما جئت، فقلت له: استعد للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك الله فقال (عليه السلام): أليس معي من يملك الدنيا والآخرة، ولن يقدر اليوم على سوء بي إن شاء الله قال الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح بها على رأسه ثلاث مرات فدخلت على الرشيد فإذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران فلما رآني قال لي: يا فضل، فقلت: لبيك، فقال: جئتني بابن عمي؟، قلت: نعم، قال: لا تكون أزعجته؟، فقلت: لا قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان؟ فإني قد هيجت على نفسي ما لم أرده ائذن له بالدخول فأذنت له .فلما رآه وثب إليه قائما وعانقه وقال له: مرحبا بابن عمي وأخي، ووارث نعمتي، ثم أجلسه على فخذه وقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال: سعة مملكتك وحبك للدنيا فقال: إيتوني بحقة الغالية، فأتي بها فغلفه بيده ثم أمره أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير فقال موسى بن جعفر (عليه السلام): والله لولا أني أرى من أزوج بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ثم تولى (عليه السلام) وهو يقول: الحمد لله رب العالمين. فقال الفضل: يا أمير المؤمنين أردت أن تعاقبه فخلفت عليه وأكرمته؟ فقال لي: يا فضل إنك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون: إن آذى ابن رسول الله خسفنا به وإن أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه. فتبعته (عليه السلام) فقلت له: ما الذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد؟ فقال: دعاء جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلا هزمه ، ولا إلى فارس إلا قهره ، وهو دعاء كفاية البلاء قلت: وما هو؟ قال: قلت: اللهم بك أساور ، وبك أحاول ، وبك أحاور]، وبك أصول، وبك أنتصر، وبك أموت ، وبك أحيا أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم إنك خلقتني ورزقتني وسترتني ، وعن العباد بلطف ما خولتني أغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قومتني ، وإذا مرضت شفيتني ، وإذا دعوت أجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني).

هارون يرى رؤيا تفزعه فيُخرج الإمام من السجن

السادس وفيه حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد الله بن صالح قال: حدثني صاحب الفضل بن الربيع عن الفضل بن الربيع قال: (كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواريّ فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك فقالت الجارية: لعل هذا من الريح فلم يمض إلا يسير حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح وإذا مسرور الكبير قد دخل عليّ فقال لي: أجب الأمير ولم يسلم عليّ فآيست في نفسي وقلت: هذا مسرور دخل إلي بلا إذن ولم يسلم ما هو إلا القتل وكنت جنبا فلم أجسر أن أساله إنظاري حتى اغتسل فقالت الجارية لما رأت تحيري وتبلدى: ثق بالله عز وجل وانهض فنهضت ولبست ثيابي وخرجت معه حتى أتيت الدار فسلمت على أمير المؤمنين وهو في مرقده فرد علي السلام فسقطت فقال: تداخلك رعب؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين فتركني ساعة حتى سكنت ثم قال لي: سر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر بن محمد وادفع إليه ثلاثين ألف درهم واخلع عليه خمس خلع واحمله على ثلاث مراكب وخيِّره بين المقام معنا أو الرحيل عنا إلى أي بلد أراد وأحب فقلت: يا أمير المؤمنين تأمر بإطلاق موسى بن جعفر؟ قال لي: نعم فكررت ذلك عليه ثلاث مرات فقال لي: نعم ويلك أتريد أن أنكث العهد؟ ! فقلت: يا أمير المؤمنين وما العهد؟ قال: بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود ما رأيت من السودان أعظم منه فقعد على صدري وقبض على حلقي وقال لي: حبست موسى بن جعفر ظالما له؟  فقلت: وأنا أطلقه وأهب له وأخلع عليه فأخذ علي عهد الله عز وجل وميثاقه وقام عن صدري وقد كادت الله أخبرني ما السبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل؟ فقد وجب حقي عليك نفسي تخرج فخرجت من عنده ووافيت موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو في حبسه فرأيته قائما يصلى فجلست حتى سلم ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين وأعلمته بالذي أمرني به في أمره وأنى قد أحضرت ما وصله به فقال: إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله فقلت: لا وحق جدك رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ما أمرت إلا بهذا فقال: لا حاجه لي في الخلع والحملان والمال إذا كانت فيه حقوق الأمة فقلت: ناشدتك بالله لا ترده فيغتاظ فقال: اعمل به ما أحببت فأخذت بيده (عليه السلام) وأخرجته من السجن ثم قلت له: يا بن رسول الله أخبرني ما السبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل؟ فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك ولما أجراه الله على يدي من هذا الأمر فقال (عليه السلام): رأيت النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) ليلة الأربعاء في النوم فقال لي: يا موسى أنت محبوس مظلوم؟ ! فقلت: نعم يا رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) محبوس مظلوم فكرر ذلك عليّ  ثلاثا ثم قال: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين،  أصبح غدا صائما وأتبعه بصيام الخميس والجمعة فإذا كان وقت الإفطار فصلِّ اثنا عشر ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد مرة واثنا عشر مرة قل هو الله أحد فإذا صليت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل ( يا سابق الفوت ويا سامع كل صوت يا محيي العظام وهي رميم بعد الموت أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأن تعجل لي الفرج مما أنا فيه) ففعلت فكان الذي رأيت).

علم الإمام بالألسن بالنسبة إلى علمه كطير أخذ بمنقاره قطرة من البحر

السابع مدينة المعاجز عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عيسى، عن ابن فضال ، عن علي بن أبي حمزة ، قال:  (كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش ، وقد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم - وكان من الحبش جميلا - فكلمه بكلامه ساعة حتى أتى على جميع ما يريد ، وأعطاه دراهما، فقال: اعط أصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما. ثم خرجوا ، فقلت: جعلت فداك ، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية ، فماذا أمرته؟ قال: أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما، وذلك أني  لما  نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملوكهم، فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه ، فقبل وصيتي ، ومع هذا غلام صدق.ثم قال: عجبت من كلامي إياه بالحبشية؟ لا تعجب فما خفي عليك من أمر الإمام أعجب وأكثر ، وما هذا من الإمام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء ، أ فترى الذي أخذه بمنقاره ينقص من البحر شيئا؟ قال: فإن الإمام بمنزلة البحر لا ينفذ ما عنده، وعجائبه أكثر من ذلك، والطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا، كذلك العالم لا ينقص من علمه شيئا، ولا تنفذ عجائبه).

 الإمام يحيي بقرة المرأة

الثامن البصائر قال حدثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم ، عن علي ابن المغيرة قال: (مر العبد الصالح (عليه السلام) بامرأة بمنى، وهي تبكي ، وصبيانها حولها يبكون، وقد ماتت بقرة لها، فدنا منها ثم قال لها: ما يبكيك يا أمة الله؟ قالت: يا عبد الله إن لي صبية أيتاما فكانت لي بقرة ، معيشتي ومعيشة صبياني كان منها ، فقد ماتت وبقيت منقطعة بي وبولدي ، ولا حيلة لنا، فقال لها: يا أمة الله هل لك أن أحييها لك؟ قال: فألهمت أن قالت: نعم يا عبد الله قال: فتنحى ناحية فصلى ركعتين، ثم رفع يديه وحرك شفتيه ، ثم قام فمر بالبقرة فنخسها نخسا أو ضربها برجله فاستوت على الأرض قائمة، فلما نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت ، صاحت : عيسى بن مريم ورب الكعبة قال : فخالط الناس ، وصار بينهم ، ومضى بينهم ، صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين).

أقول : العبد الصالح قد يطلق ويراد به أبو عبد الله (عليه السلام) وقد يطلق ويراد به أبو إبراهيم موسى (عليه السلام) والأخير أكثر هذا وذكر أهل الرجال علي بن المغيرة من أصحاب الصادق (عليه السلام) وهو يعطي أن المراد بالعبد الصالح في هذا الحديث الصادق (عليه السلام) ولكن شيخنا الكليني  نقل هذا الخبر في الكافي في باب مولد أبي الحسن موسى (عليه السلام) في جملة دلالاته بهذا الإسناد المذكور وهو  أولى بالعلم بالطبقات من غيره، وكذا رواه ابن شهر آشوب في المناقب عن علي بن المغيرة في ضمن مناقبه (عليه السلام) وأيضا ربما يذكر أهل الرجال رجلا في أصحاب واحد من الأئمة ويذكره غيره ويعده من أصحابه وأصحاب من بعده أو من قبله وعلى هذا فعدهم لعلي بن المغيرة من أصحاب الصادق (عليه السلام) خاصة لا يفيد الاختصاص ولا سيما بعد ملاحظة ما نقلناه عن شيخنا الكليني œ وخصوصا بعد ملاحظة أغلبية إطلاق العبد الصالح على الكاظم (عليه السلام) فلملاحظة تلك الوجوه أوردنا هذا الخبر في جملة معاجزه (عليه السلام) والسلام.

الإمام في ساعة بلغ ما بلغه ذو القرنين والتقى كل مؤمن ومؤمنة

التاسع الهداية لابن حمدان بإسناده عن صفوان بن مهران جمال أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (أمرني أبو عبدالله (عليه السلام) أن أقدم ناقته الشعلاء إلى باب الدار وأضع عليها رحلها ، ففعلت ووقفت أتفقد أمره ، فإذا أنا بأبي الحسن موسى (عليه السلام) قد خرج مسرعا وله في ذلك الوقت ست سنين ، مشتملا ببردة يمانية ، وذؤابته تضرب كتفيه حتى استوى على ظهر الناقة فأثارها، فلم أجسر على منعه من ركوبها وهبته، فغاب عن نظري، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون ما أقول لسيدي أبي عبد الله (عليه السلام) إن خرج لركوب الناقة، وبقيت متململا حتى مضت ساعة فإذا أنا بالناقة قد انحطت كأنها كانت في السماء فانقضت إلى الأرض وهي ترفض عرقا جاريا ، ونزل عنها أبو الحسن (عليه السلام) فدخل الدار، ثم خرج الخادم إلي فقال: يا صفوان ، إن مولاك يأمرك أن تحط عن الناقة رحلها، وتردها إلى مربطها. فقلت: الحمد لله أرجو أن لا ألام على ركوبه إياها، ففعلت ذلك ووقفت على الباب ، فأذن لي بالدخول على سيدي أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: يا صفوان، لا لوم عليك فيما أمرتك به من إحضار الناقة وإصلاح رحلها عليها ، وما ذلك إلا ليركبها أبو الحسن موسى (عليه السلام)، فهل علمت يا صفوان ما بلغ عليها في مقدار هذه الساعة؟ فقلت: الله ورسوله وأنت أعلم يا مولاي فقال (عليه السلام): بلغ ما بلغه ذو القرنين وجاوزه أضعافا مضاعفة ، وشاهد كل مؤمن ومؤمنة ، وعرفه نفسه، وبلغه سلامي وعاد، فادخل عليه فإنه يخبرك بما كان في نفسك، وما قلت لك قال صفوان: فدخلت على موسى (عليه السلام) وهو جالس، وبين يديه فاكهة ليست من فاكهة الرمان والوقت ليس وقت الرمان، فقلت في نفسي: لا إله إلا الله، لا عجب من أمر الله. قال: نعم، يا صفوان ، لا إله إلا الله ، لا عجب من أمر الله، قلت يا صفوان، عند ركوبي الناقة قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا أقول لسيدي أبي عبد الله (عليه السلام) إن طلع ليركب الناقة فلم يجدها ، فأردت منعي من الركوب فلم تجسر، فلم تزل متململا حتى نزلت فخرج إليك الأمر بالحط عن الناقة، فقلت: الحمد لله أرجو أن لا ألام على ركوبه إياها ، وخرج إليك مغيث الخادم فأذن لك بالدخول ، فقال لك أبي: يا صفوان ، لا لوم عليك فهل علمت يا صفوان ما بلغ موسى  في مقدار هذه الساعة؟ فقلت: الله أعلم وأنت ، فقال لك: إني بلغت ما بلغه ذو القرنين وجاوزته أضعافا مضاعفة، وشاهدت كل مؤمن ومؤمنة، وعرفته نفسي ، وأقرأته السلام عن أبي ، ثم قال لك ادخل عليه فإنه يخبرك بما كان في نفسك ، وما قلت لك وقلت لي قال صفوان: فسجدت لله شكرا ، فقلت له: يا مولاي، هذه الفاكهة التي بين يديك في غير أوانها يأكلها مثلي؟ قال: نعم، إذا أكل منها من هو مثلك بعدي وبعد أبي أتاك منها رزقك، فخرجت من عنده، فقال لي مولاي أبو عبد الله (عليه السلام): يا صفوان، ما زادك كلمة ولا نقصك كلمة؟ قلت: لا والله يا مولاي، ثم قال: كن في دارك حتى آكل من الفاكهة وأطعم إخوانك، ويأتيك رزقك منها كما وعدك موسى، فقلت: ﴿ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم﴾. قال: فمضيت إلى منزلي، فحضرت الصلاتان الظهر والعصر فصليتهما فإذا أنا بطبق من تلك الفاكهة بعينها، وقال لي الرسول: يقول لك مولاك: كل، فما تركنا وليا مثلك إلا أطعمناه على قدر استحقاقه فكان هذا من دلائله).

الإمام يخبر هارون بما جاء به بازه

العاشر مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب: قال: (وجدت في بعض كتب أصحابنا  أن للرشيد بازا أبيض، يحبه حبا شديدا، فطار في بعض متصيداته حتى غاب عن أعينهم، فأمر الرشيد بأن يضرب له قبة، ونزل تحتها، وحلف أن لا يبرح من موضعه أو يجيئوا إليه بالباز، وأقام بالموضع، وأنفذ وجوه العسكر، وخرج الأمراء  في طلبه على مسيرة يوم واثنين وثلاثة. فلما كان في اليوم الثاني آخر النهار نزل البازي عليه وفي يده حيوان يتحرك، ويلمع كما يلمع السيف في الشمس، فأخذه من يده بالرفق، ورجع إلى داره فطرحه في طست ذهب، ودعا الأشراف والأطباء والحكماء والفقهاء والقضاةوالحكام، فقال: هل فيكم من رأى مثل هذه الصورة قط؟ فقالوا: ما رأينا مثلها قط، ولا ندري ما هي .قال: كيف لنا بعلمها؟ فقال له ابن أكثم القاضي وأبو يوسف القاضي: مالك غير إمام الرافضة موسى بن جعفر(عليه السلام)،  تبعث إليه وتحضر جماعة من الروافض، وتسأله عنها، فإن علم كان معرفتها لنا فائدة، وإن لم يعلم افتضح عند أصحابه الذين عندهم أنه يعلم الغيب، وينظر في السماء إلى الملائكة .فقال: هذا وتربة المهدي نعم الرأي، وبعث إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) وسأله أن يحضر المجلس الساعة ومن عنده من الروافض. فحضر أبو الحسن (عليه السلام) وجماعة من الشيعة معه، فقال: يا أبا الحسن إنما أحضرتك شوقا إليك .فقال: دعني من شوقك، ألا إن الله تعالى خلق بين السماء والأرض بحرا مكفوفا عذبا زلالا، كف بعضه على بعض من جوانبه لئلا يطغى على خزنته فينزل منه مكيال فيهلك ما تحته، وطوله أربعة فراسخ في أربعة فراسخ من فراسخ الملائكة، الفرسخ مسيرة مائتي عام للراكب المجد تحافه الصافون المسبحون من الملائكة الذين قال الله تعالى ﴿وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون﴾ وخلق له سكانا أشخاصا على عمل السمك صغارا وكبارا، فأكبر ما فيه من هذه الصورة شبر   وكسر وله رأس كرأس الآدمي، وله أنف وأذنان وعينان، والذكور له سواد في وجهه مثل اللحى، والإناث لها شعور على رأسها كما للنساء، ولها أجساد كأجساد السمك، وفلوس مثل فلوس السمك، وبطون مثل بطونها، ومواضع الأجنحة مثل أكف وأرجل مثل أيدي الناس وأرجلهم، تلمع لمعانا عظيما لأنها متبرجة بالأنوار، تغشي الناظر حتى يرد طرفه حسيرا، غداؤها التقديس والتهليل والتكبير، فإذا قصر أحدها في التسبيح سلط الله عليها البزاة البيض، فأكلتها وجعلت رزقها، وما يحل لك أن تأخذ من هذا البازي رزقه الذي بعثه الله إليه ليأكله .فقال الرشيد: أخرجوا الطست، فأخرجوه، فنظر إليها فما أخطأ مما قال أبو الحسن موسى (عليه السلام) شيئا، ثم انصرف، فطرحها الرشيد للبازي فقطعها وأكلها، فما نقط لها دم ولا سقط له لحم ، ولا سقط منها شيء، فقال الرشيد لجماعة الهاشميين ومن حضر: أترانا لو حدثنا بهذا كنا نصدّق؟).

ما رأى علي بن صالح الطالقاني من العجائب

الحادي عشر مناقب ابن شهر آشوب عن خالد السمان : (أنه دعا الرشيد رجلا يقال له علي بن صالح الطالقاني وقال له: أنت الذي تقول إن السحاب حملتك من بلد الصين إلى طالقان ؟ فقال: نعم، قال: فحدثنا كيف كان؟ قال: كسر مركبي في لجج البحر فبقيت ثلاثة أيام على لوح تضربني الأمواج فألقتني الأمواج إلى البر فإذا أنا بأنهار وأشجار فنمت تحت ظل شجرة فبينا أنا نائم إذ سمعت صوتا هائلا فانتبهت فزعا مذعورا فإذا أنا بدابتين تقبلان على هيئة الفرس لا أحسن أن أصفهما فلما بصرتا بي دخلتا في البحر فبينما أنا كذلك إذا رأيت طائرا عظيم الخلق فوقع قريبا مني بقرب كهف في جبل فقمت مستترا بالشجر حتى دنوت منه لأتأمله فلما رآني طار وجعلت أقفو أثره فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا وتهليلا وتكبيرا وتلاوة قرآن فدنوت من الكهف فناداني مناد من الكهف: ادخل يا علي بن صالح الطالقاني رحمك الله، فدخلت وسلمت فإذا رجل فخم ضخم غليظ الكراديس عظيم الجثة أنزع أعين فرد علي السلام وقال: يا علي بن صالح الطالقاني أنت من معدن الكنوز لقد أقمت ممتحنا بالجوع والعطش والخوف لولا أن الله رحمك في هذا اليوم فأنجاك وسقاك شرابا طيبا ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها وكم أقمت في البحر، وحين كسر بك المركب وكم لبثت تضربك الأمواج وما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت لعظيم ما نزل بك والساعة التي نجوت فيها ورؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين واتباعك للطائر الذي رأيته واقعا فلما رآك صعد طائرا إلى السماء فهلم فاقعد رحمك الله، فلما سمعت كلامه قلت: سألتك بالله من أعلمك بحالي؟ فقال: عالم الغيب والشهادة والذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، ثم قال: أنت جائع، فتكلم بكلام تململت به شفتاه فإذا بمائدة عليها منديل فكشفه وقال: هلم إلى ما رزقك الله فكل، فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه ثم سقاني ماء ما رأيت ألذ منه ولا أعذب ثم صلى ركعتين ثم قال: يا علي أ تحب الرجوع إلى بلدك؟ فقلت: ومن لي بذلك؟ فقال: كرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك، ثم دعا بدعوات ورفع يده إلى السماء وقال: الساعة الساعة، فإذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا قطعا وكلما وافت سحابة قالت: سلام عليك يا ولي الله وحجته فيقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أيتها السحابة السامعة المطيعة، ثم يقول لها: أين تريدين؟ فتقول: أرض كذا، فيقول: لرحمة أو سخط؟ فتقول لرحمة أو سخط وتمضي، حتى جاءت سحابة حسنة مضيئة فقالت: السلام عليك يا ولي الله وحجته، قال: وعليك السلام أيتها السحابة السامعة المطيعة أين تريدين؟ فقالت: أرض طالقان، فقال: لرحمة أو سخط؟ فقالت: لرحمة .فقال لها: احملي ما حملت مودعا لله، فقالت: سمعا وطاعة، قال لها: فاستقري بإذن الله على وجه الأرض فاستقرت، فأخذ بعض عضدي فأجلسني عليها، فعند ذلك قلت له: سألتك بالله العظيم وبحق محمد خاتم النبيين وعلي سيد الوصيين والأئمة الطاهرين من أنت؟ فقد أعطيت والله أمرا عظيما .فقال: ويحك يا علي بن صالح إن الله لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين، إما باطن وإما ظاهر، أنا حجة الله الظاهرة وحجته الباطنة، أنا حجة الله يوم الوقت المعلوم، وأنا المؤدي الناطق عن الرسول، أنا في وقتي هذا موسى بن جعفر، فذكر إمامته وإمامة آبائه، وأمر السحاب بالطيران فطارت، فوالله ما وجدت ألما ولا فزعت فما كان بأسرع من طرفة عين حتى ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي وعقاري سالما في عافية، فقتله الرشيد وقال: لا يسمع بهذا أحد).

الإمام يأمر الأسدان بأكل حميد بن مهران

الثاني عشر وفيه (أن الرشيد أمر حميد بن مهران الحاجب بالاستخفاف به (عليه السلام) فقال له إن القوم قد افتتنوا بك بلا حجة فأريد أن يأكلني هذان الأسدان المصوران على هذا المسند فأشار (عليه السلام) إليهما وقال: خذا عدو الله .فأخذاه وأكلاه ثم قالا: وما الأمر أ نأخذ الرشيد؟ قال: لا عودا إلى مكانكما).

جارية هارون ترى كرامة الإمام فتؤمن

الثالث عشر وفيه عن كتاب الأنوار قال العامري: (إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) جارية خصيفة لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن فقال: قل له: ﴿بل أنتم بهديتكم تفرحون﴾ لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها .قال: فاستطار هارون غضبا وقال: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخدمناك واترك الجارية عنده وانصرف .قال: فمضى ورجع، ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ الخادم إليه ليتفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول: قدوس سبحانك سبحانك، فقال هارون: سحرها والله موسى ابن جعفر بسحره، علي بها، فأتي بها وهي ترتعد شاخصة نحو السماء ببصرها فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني الشأن البديع إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره، فلما انصرف من صلاته بوجهه وهو يسبح الله ويقدسه، قلت: يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها؟ قال: وما حاجتي إليك ؟ قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك، قال: فما بال هؤلاء، قالت: فالتفت فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ولا أولها من آخرها فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوهم حسنا ولا مثل لباسهم لباسا عليهم الحرير الأخضر والأكاليل والدر والياقوت وفي أيديهم الأباريق والمناديل ومن كل الطعام فخررت ساجدة حتى أقامنى هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت قال فقال هارون: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك، قالت: لا والله يا سيدي إلا قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك، فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة إليك فلا يسمع هذا منها أحد فأقبلت في الصلاة فإذا قيل لها في ذلك، قالت: هكذا رأيت العبد الصالح، فسئلت عن قولها قالت: أني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه فنحن له دونك. فما زالت كذلك حتى ماتت وذلك قبل موت موسى (عليه السلام) بأيام يسيرة).

الإمام يُري داود الرقي حال أعداء أهل البيت

الرابع عشر مدينة المعاجز عن عيون المعجزات قال: عن محمد بن الفضل، عن داود الرقي، قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): حدثني عن أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، فقال الحديث أحب إليك أم المعاينة؟ قلت: المعاينة .فقال لأبي إبراهيم موسى (عليه السلام): ائتيني بالقضيب، فمضى وأحضره إياه، فقال له: يا موسى، اضرب به الأرض وأرهم أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) وأعداءنا، فضرب به الأرض ضربة،  فانشقت الأرض عن بحر أسود، ثم ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء، فضرب الصخرة فانفتح منها باب فإذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرتهم ووجوههم مسودة وأعينهم زرق، كل واحد منهم مصفد مشدود في جانب من الصخرة، وهم ينادون: يا محمد، والزبانية تضرب وجوههم ويقولون لهم: كذبتم ليس محمد لكم ولا أنتم له .فقلت: جعلت فداك، من هؤلاء؟ فقال: الجبت والطاغوت والرجس واللعين بن اللعين، ولم يزل يعددهم كلهم من أولهم إلى آخرهم حتى أتى على أصحاب السقيفة، وأصحاب الفتنة، وبني الأزرق، والأوزاع، وبني أمية جدد الله عليهم العذاب بكرة وأصيلا .ثم قال (عليه السلام) للصخرة: انطبقي عليهم ).

الإمام لا يأذن لابن يقطين حتى يعتذر من إبراهيم الجمال

الخامس عشر وفيه عن الكتاب لمذكور عن محمد بن علي الصوفي قال: (استأذن إبراهيم الجمال على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر (عليه السلام) فحجبه فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين يا سيدي ما ذنبي فقال حجبتك لأنك حجبت أخاكإبراهيم الجمال وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال فقلت سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة فقال إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك  من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيبا هناك مسرجا قال فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه علي باب إبراهيم الجمال بالكوفة فقرع الباب وقال أنا علي بن يقطين فقال إبراهيم الجمال من داخل الدار ما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي فقال علي بن يقطين يا هذا إن أمري عظيم وآلى عليه الأذن له  فلما دخل قال يا إبراهيم إن المولى (عليه السلام) أبى أن يقبلني أو تغفر لي فقال يغفر الله لك فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خده فامتنع إبراهيم الجمال من ذلك فآلى عليه ثانيا ففعل فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول اللهم اشهد ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر (عليه السلام) بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله).

هارون يرى من الإمام ما يخيفه

السادس عشر وفيه عن دلائل الطبري قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد سفيان، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، قال: (رأيت كاظم الغيظ (عليه السلام) عند الرشيد وقد خضع له، فقال له عيسى بن أبان: يا أمير المؤمنين، لم تخضع له؟ قال: رأيت من ورائه أفعى تضرب بأنيابها وتقول: أجبه بالطاعة وإلا بلعتك. ففزعت منها فأجبته) .

الإمام في سجن هارون يطعم أهل السجن

السابع عشر وفيه عن الكتاب المذكور أبو جعفر محمد بن جرير الطبري قال: حدثنا علقمة بن شريك بن أسلم، عن موسى بن هامان، قال: (رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) في حبس الرشيد تنزل عليه مائدة من السماء ويطعم أهل السجن كلهم، ثم يصعد بها من غير أن ينقص منها شيء).

الإمام يصعد إلى السماء وينزل بيده حربة من نور

الثامن عشر وفيه عن الكتاب المذكور أبو جعفر المذكور قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا وكيع، عن إبراهيم بن الأسود، قال: (رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) صعد إلى السماء ونزل ومعه حربة من نور، فقال: أتخوفوني بهذا  لو شئت لطعنته بهذه الحربة. فأبلغ ذلك الرشيد، فأغمي ثلاثا وأطلقه).

قصة شطيطة

التاسع عشر وفيه عن ثاقب المناقب عن عثمان بن سعيد، عن أبي علي بن راشد، قال: (اجتمعت الشيعة بنيسابور في أيام أبي عبد الله (عليه السلام) فتذاكروا ما هم فيه من الانتظار للفرج، وقالوا: نحن نحمل في كل سنة إلى مولانا ما يجب علينا، وقد كثرت الكاذبة ومن يدعي هذا الأمر،  فينبغي لنا أن نختار رجلا ثقة نبعثه إلى الإمام (عليه السلام) ليتعرف لنا الأمر، فاختاروا رجلا يعرف بأبي جعفر محمد بن إبراهيم النيسابوري، ودفعوا إليه ما وجب عليهم في السنة من مال وثياب، فكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار، والدراهم خمسين ألف درهم، والثياب ألفي شقة وأثواب مقاربات ومرتفعات، وجاءت عجوز من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها شطيطة ومعها درهم صحيح فيه درهم ودانقان، وشقة من غزلها خام تساوي أربعة دراهم وقالت: ما يستحق علي في مالي غير هذا، فادفعه إلى مولاي. فقال: يا امرأة، أنا أستحيي من أبي عبد الله (عليه السلام) أن أحمل إليه درهما وشقة بطانة فقالت: ألا تفعل، إن الله لا يستحيي من الحق، هذا الذي يستحق فاحمل يا فلان لإن ألقى الله وما له قبلي حق قل أم كثر أحب إلي من أن ألقاه وفي رقبتي لجعفر بن محمد (عليه السلام) حق .قال: فعوجت الدرهم وطرحته في كيس فيه أربعمائة درهم لرجل يعرف بخلف بن موسى اللؤلؤي، وطرحت الشقة في رزمة فيها ثلاثون ثوبا لأخوين بلخيين يعرفان بابني نوح بن إسماعيل، وجاءت الشيعة بالحبر الذي فيه المسائل وكان سبعين ورقة، وكل مسألة فيها بياض، وقد أخذوا كل ورقتين فحزموهما بحزائم ثلاثة، وختموا على كل حزام بخاتم، وقالوا: تحمل هذا الحبر الذي معك، وتمضي إلى الإمام وتدفع الحبر إليه وتبيت عنده ليلة، وعد عليه وخذه منه، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعب فاكسر عنها ختمه وانظر الجواب، فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الإمام، فادفعه إليه، وإلا فرد أموالنا علينا. قال أبو جعفر: فسرت حتى وصلت إلى الكوفة، وبدأت بزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ووجدت على باب المسجد شيخا مسنا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وقد تشنج وجهه متزرا ببرد، ومتشحا بآخر، وحوله جماعة يسألونه عن الحلال والحرام، وهو يفتيهم على مذهب أمير المؤمنين (عليه السلام)، فسألت من حضر عنه فقالوا: أبو حمزة الثمالي، فسلمت عليه وجلست بين يديه، فسألني عن أمري، فعرفته بالحال، ففرح بي، وجذبني إليه، وقبل بين عيني، وقال: لو تجدب الدنيا ما وصل لهؤلاء حقوقهم، وإنك ستصل بخدمتهم إلى جوارهم، فسررت بكلامه، وكان ذلك أول فائدة لقيتها بالعراق، وجلست معهم أتحدث إذ فتح عينيه ونظر إلى البرية، فقال: هل ترون ما أرى؟ فقلنا: وأي شيء ترى؟ قال: أرى شخصا على ناقة، فنظرنا إلى الموضع فرأينا رجلا على جمل فأقبل فأناخ البعير، وسلم علينا وجلس، فسأله الشيخ وقال: من أين أقبلت؟ قال: من يثرب.قال: ما وراءك؟ قال: مات جعفر بن محمد (عليه السلام)، فانقطع ظهري نصفين وقلت لنفسي إلى أين أمضي؟ فقال له أبو حمزة: إلى من أوصى؟ قال: إلىثلاثة، أولهم أبو جعفر المنصور، وإلى ابنه عبد الله، وإلى ابنه موسى (عليه السلام) .فضحك أبو حمزة والتفت إلي وقال: لا تغتم، فقد عرفت الإمام .فقلت: وكيف، أيها الشيخ؟ فقال: أما وصيته إلى أبي جعفر المنصور فستر على الإمام، وأما وصيته إلى ابنه الأكبر والأصغر فقد بين عن عوار الأكبر ونص على الأصغر. فقلت: وما فقه ذلك؟ فقال: قول النبي (صلى الله عليه وأله وسلم): الإمامة في أكبر ولدك يا علي ما لم يكن ذا عاهة، فلما رأيناه وقد أوصى إلى الأكبر والأصغر علمنا أنه قد بين عن عوار الكبير، ونص على الصغير فسر إلى موسى فإنه صاحب الأمر. فقال أبو جعفر: فودعت أمير المؤمنين وودعت أبا حمزة وسرت إلى المدينة، وجعلت رحلي في بعض الخانات، وقصدت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وزرته وصليت، ثم خرجت وسألت أهل المدينة إلى من أوصى جعفر بن محمد (عليه السلام)؟ فقالوا: إلى ابنه الأفطح عبد الله .فقلت: هل يفتي؟ قالوا: نعم، فقصدته وجئت إلى باب داره، فوجدت عليها من الغلمان ما لم يوجد على باب دار أمير البلد، فأنكرت، ثم قلت: الإمام لا يقال له: لم وكيف؟فقمت فاستأذنت، فدخل الغلام وخرج، وقال: من أين أنت؟ فأنكرت وقلت: والله ما هذا بصاحبي، ثم قلت: لعله من التقية، فقلت: قل: فلان الخراساني، فدخل وأذن لي، فدخلت فإذا به جالس في الدست على منصة عظيمة وبين يديه غلمان قيام، فقلت في نفسي: إذا أعظم الإمام يقعد في الدست ثم قلت: هذا أيضا من الفضول الذي لا يحتاج إليه يفعل الإمام ما يشاء ، فسلمت عليه  فأدناني وصافحني واجلسني بالقرب منه ، وسألني فأحفى ثم قال: في أي شيء جئت؟ قلت: في مسائل أسأل عنها وأريد الحج .قال لي: سل عما تريد .فقلت: كم في المائتين من الزكاة؟ قال: خمسة دراهم .فقلت: كم في المائة؟ قال: درهمان ونصف .فقلت: حسن يا مولاي، أعيذك بالله ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء؟ قال: يكفيه من رأس الجوزاء ثلاثة .فقلت: الرجل لا يحسن شيئا، فقمت وقلت: أنا أعود إلى سيدي غدا .فقال: إن كان لك حاجة فإنا لا نقصر، فانصرفت من عنده وجئت إلى ضريح النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) فبكيت على قبره وشكوت خيبة سفري، وقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي إلى من أمضي في هذه  المسائل التي معي، إلى اليهود، أم إلى النصارى، أم إلى المجوس، أم إلى فقهاء النواصب،  إلى أين يا رسول الله؟ فما زلت أبكي وأستغيث به فإذا أنا بإنسان يحركني، فرفعت رأسي من فوق القبر فرأيت عبدا أسود عليه قميص خلق، وعلى رأسه عمامة خلق، فقال لي: يا أبا جعفر، النيسابوري، يقول لك مولاك موسى بن جعفر عليه السلام  إلي، لا إلى اليهود، ولا إلى النصارى، ولا إلى المجوس، ولا إلى أعدائنا من النواصب، فأنا حجة الله وقد أجبتك عما في الحبر وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس فجئني به وبدرهم شطيطة الذي فيه درهم ودانقان الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلؤي وشقتها التي في رزمة الأخوين البلخيين .قال: فطار عقلي وجئت إلى رحلي ففتحت وأخذت الحبر والكيس والرزمة فجئت إليه فوجدته في دار خراب وبابه مهجور ما عليه أحد، وإذا بذلك الغلام قائم على الباب، فلما رآني ودخل بين يدي فدخلت معه وإذا بسيدنا جالس على الحصير وتحته شاذكونة، فلما رآني ضحك وقال: لا تقنط ولم تفزع،  إلي  لا إلى اليهود و لا إلى  النصارى والمجوس، أنا حجة الله ووليه، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد الكوفة مسجد جديجري أمري؟ قال: فأزاد ذلك  في بصيرتي وتحققت أمره، ثم قال لي: هات الكيس، فدفعته إليه فحله وأدخل يده فيه، وأخرج منه درهم شطيطة، وقال لي: هذا درهمها؟ فقلت: نعم، وأخرج الرزمة وحلها وأخرج منها شقة قطن مقصورة طولها خمسة وعشرون ذراعا، وقال لي: اقرأ عليها السلام كثيرا، وقل لها:  قد  جعلت شقتك في أكفاني وبعثت بهذه إليك من أكفاننا من قطن قريتنا صريا قرية فاطمة وبذر قطن كانت تزرعه بيدها الشريفة لأكفان ولدها، وغزل أختي حكيمة بنت أبي عبد الله (عليه السلام) وقصاره يده لكفنه، فاجعليها في كفنك . ثم  قال: يا معتب، جئني  بكيس  نفقة  مؤناتنا، فجاء به وطرح درهما فيه، وأخرج منه أربعين درهما، وقال: اقرأها مني السلام وقل لها: ستعيشي تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر، ووصول هذا الكفن وهذه الدراهم، فانفقي منها  ستة عشر درهما، واجعلي أربعة وعشرين  درهما  صدقة عنك وما يلزم عليك، وأنا أتولى الصلاة عليك، وإذا رأيتني فاكتم فإن ذلك أبقى لنفسك، وافكك هذه الخواتيم، وانظر هل أجبنا أم لا قبل أن تجيء بدراهمهم كما أوصوك فإنك رسول، فتأملت الخواتيم فوجدتها صحاحا، ففككت من وسطها واحدا فوجدت تحتها ما يقول العالم   في رجل قال نذرت لله [رجل نذر عز وجل لأعتقن كل مملوك كان في ملكي قديما، وكان له جماعة من المماليك؟ تحته الجواب من موسى بن جعفر (عليه السلام):  يعتقمن كان في ملكه قبل ستة أشهر، والدليل على صحة ذلك قوله تعالى: ﴿حتى عاد كالعرجون القديم﴾، كان بين  العرجون القديم  والعرجون الجديد في النخلة  ستة أشهر .وفككت الآخر فوجدت  فيه : ما يقول العالم (عليه السلام) في رجل قال أتصدق بمال كثير بما يتصدق؟ تحته الجواب بخطه(عليه السلام) : إن كان الذي حلف بهذا اليمين إن كان من أرباب الدراهم تصدق بأربعة وثمانين درهما، وإن كان من أرباب الغنم فأربعة وثمانون غنما، وإن كان من أرباب البعير فأربعة وثمانون بعيرا، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين﴾  فعددت مواطن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) قبل نزول الآية فكانت أربعة وثمانين موطنا .وكسرت الأخرى فوجدت فيها: ما يقول العالم في رجل نبش قبرا، وقطع رأس الميت؟ وأخذ كفنه؟ الجواب تحته بخطه (عليه السلام): تقطع يده لأخذ الكفن  من وراء الحرز، ويؤخذ مائة دينار لقطع رأس الميت لانا جعلناه بمنزلة الجنين في  بطن أمه من قبل نفخ الروح فيه، فجعلنا في النطفة عشرين دينارا وفي العلقة عشرين دينارا، وفي المضغة عشرين دينارا، وفي اللحم عشرين دينارا، وفي تمام الخلق عشرين دينارا، فلو نفخ فيه الروح لألزمناه ألف دينار على أن لا يأخذ ورثة الميت منها شيئا ويتصدق بها عنه أو يحج أو يغزي بها لأنها أصابته في جسمه بعد الموت .قال أبو جعفر: فمضيت من فوري إلى الخان، وحملت المال والمتاع إليه، وأقمت معه، وحج في تلك السنة فخرجت في جملته معادلا له في عماديته في ذهابي يوما في عماديته، ويوما في عمادية ابنه، ورجعت إلى خراسان فاستقبلني الناس وشطيطة في جملتهم، وسلموا علي، فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم  بما [جرى، ودفعت إليها الشقة والدراهم، وكادت تنشق مرارتها من الفرح، ولم يدخل إلى المدينة من الشيعة إلا حاسد أو متأسف على منزلتها، ودفعت الحبر إليهم، ففتحوا الخواتيم ووجدوا الجوابات تحت مسائلهم .وأقامت شطيطة تسعة عشر يوما وماتت رحمة الله عليها فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها، فرأيت أبا الحسن (عليه السلام) على نجيب فنزل عنه وأخذ بخطامه، ووقف يصلي عليها مع القوم، وحضر نزولها إلى قبرها وشهدها وطرح في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله (عليه السلام)، فلما فرغ من أمرها ركب البعير وألوى برأسه نحو البرية وقال: عرف أصحابك وأقرئهم عني السلام، وقل لهم: إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم، فاتقوا الله في أنفسكم، وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم وفكاك رقابكم من النار .قال أبو جعفر: فلما ولى (عليه السلام) عرفت الجماعة، فرأوه وقد بعد والنجيب يحث به وكادت أنفسهم تسيلحزنا إذ لم يتمكنوا من النظر إليه).

تحقيق لطيف في كيفية إعانة المؤمنين أئمتهم بالأعمال

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب وروى هذا الحديث الشيخ ابن شهر آشوب في مناقبه عن أبي علي بن راشد وغيره مختصرا في الألفاظ ببعض المغايرة وكذا رواه الراوندي في الخرائج مختصرا أيضا، هذا ثم أن قوله (عليه السلام) (وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم ..الخ) قد ورد مثله عن أمير المؤمنين أيضا في كتابه إلى عثمان بن حنيف حيث قال (عليه السلام): (أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد)، ولا بأس ببيان هذه الإعانة والكشف عن سرها وهو أن الأعمال الشرعية على أربعة أقسام واجب ومستحب وحرام ومكروه وأما المباحات فهي إباحة تخفيف توسعة للمكلفين وإلا فلا بد في كل عمل من رجحان في أحد الطرفين من الفعل والترك ولو ضعيفا، والسر في انقسام الأعمال إلى تلك الأقسام أن الأعمال من المكلفين من متممات القوابل الشرعية ومكملاتها، فبحسب تلك أعمال تقتضي القوابل الشرعية الجزاء والإفاضة من مبدأ الفيض إن خيرا فخير وإن شرا فشر فما كان من الأعمال متمما للقابلية بجميع أفراده أو أغلبها فهو الواجب الذي لم يرضى الشارع بتركه لا إلى بدل لأدائه إلى حدوث النقص في أصل أجزاء القابلية، وكذا كلما كان متمما للمتمم كذلك، وذلك كالمقدمات الواجبة للواجبات كالوضوء والأغسال وبدلها عند التعذر وما كان منها مانعا عن ذلك التتميم بجميع أفراده أو أغلبها فهو الحرام الذي حذر الشارع (عليه السلام) المكلفين عن فعله وأوجب لهم تركه والكلام في مقدماته كالكلام في مقدمات الواجب، وما كان منها مكملا وهو على قسمين قسم ليس في شيء من أفراده شيء من التتميم بل هو بجميع أفراده تكميل محض، وقسم يوجد في بعض أفراده غير الغالبة المتمم، فهذا بكلا قسميه هو المستحب الذي أمر الشارع به لا على جهة الإيجاب، أما الأول فالوجه فيه ظاهر وأما الثاني فهو وإن كانت توجد في بعض لأفراده حصة متممة، والمتمم لا يستغنى عنه إلا أنه لما كان التكليف بكل الأفراد حرجا لأنه قد يستغني عنه كما في البعض الخالي في نفس الأمر عن المتمم ومثل ذلك منفي بالكتاب والسنة، والتكليف بخصوص ما فيه الحصة المتممة حرج أيضا لأن المكلف لا يقدر على الاطلاع على ذلك مع كون التكليف مبنيا على التخفيف ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكمُ الْعُسْرَ﴾ كان مقتضى ذلك إما أن يسقط عنهم التكليف الإيجابي ويعوضهم بصدق النية بأنه لو كلفهم بأحد التكليفين قبلوا وتحملوا بأن يتم لهم نقص ذلك من فضله بتهيئهم لقبول التكليف الشاق وإما أن يسقط عنهم التكليف ولا يعوضهم، ولما تمدح سبحانه بأنه عظيم الفضل واسع الرحمة يعطي الكثير بالقليل، كان ذلك دليل الدعاء إليه والترغيب في حيزه فأسقط ذلك وقوى بفضل كرمه الضعيف فالحق بفضله ما في بعضه المتمم بالمكمل البحت في التكليف، هذا في حق عامة المكلفين وأما من يراد من إيجادهم الكمال والتكميل كالأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين والخصيصين من المؤمنين فالمكمل في حقهم في حكم المتمم ولهذا يكون وقوع غير الأولى وترك الأولى منهم تقصيرا في حقهم ويسمى عصيانا ولهذا قال (عليه السلام) (حسنات الأبرار سيئات المقربين)وما كان منها مانعا عن الكمال وهو أيضا على قسمين كالمستحب على التفصيل فهو المكروه الذي نهى عنه الشارع لا على سبيل الإلزام والكلام في مقدمات كل من المستحب والمكروه كالكلام في مقدمات الواجب والحرام، ثم إن التفاوت بين أنواع تلك الأقسام الأربعة في التأكد وعدمه على حسب ما في كل منها من قوة التتميم أو التكميل وضعفهما، أو كون الفرد المتمم أو المانع في بعض الأنواع أكثر من الآخر وهو السر في أفضلية بعض الأعمال من بعض في كل من طرفي المأمور به والمنهي عنه، وكون بعض الأعمال المستحبة تكاد تلحق بالواجب كزيارة مولانا الحسين صلوات الله عليه وآله وروحي له الفداء، ولذا ورد في بعض الأخبار بلفظ الوجوب على كل من استطاع إليه سبيلا مرة في العمر، وبعض المكروهة تكاد تلحق بالحرام وبعض المحرمة تكاد تلحق بالكفر والشرك والنفاق كما يظهر من تتبع عبارات المناهي الواردة في بعض المكروهات والمحرمات، وفي الباب تفاصيل لا يسعها المقام فخذها قصيرة من طويلة.

إذا تحرر عندك ذلك عرفت أن كل من قصر من العباد في شيء من المتممات للقابلية أو في ترك الموانع عن التتميم فهو لا يستأهل دخول الجنة التي هي دار رضوان الله التي جعلها جزاء للمستحقين كائنا من كان لعدم تحقق المقتضى بعد على التمام من جهة القابل الجاذب للجزاء الخير من جهة الفاعل، إذا عرفت ذلك فاعلم أن محمدا وآله صلى الله عليه وعليهم أطاعوا الله تعالى لا يحتمل الإمكان أكمل منها، ففاضل لطيفة طاعاتهم يزيد على تكمل ذواتهم في الكم والكيف زيادة لو قسم جزء منه على جميع من في الوجود كان كافيا في تتميم نقصانهم، وناهيك في تصديق ذلك في الجملة قول رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) المجمع عليه بين الفريقين  (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين). ومن الثقلين الأنبياء المرسلون وغير المرسلين بل والأئمة المعصومون ممن عدا رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) كما روي عن الصادق (عليه السلام) (أنه لما نقل هذا الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وضع يده على صدره فقال: وأنا من الثقلين). وورد ما يقارب مضمون هذا الخبر في غزوة أحد ولعلنا أخرجناه في القسم الأول من الكتاب، ويتلوهما في تشييد هذا المعنى ما أوردناه في القسم الأول من ثواب نفس واحد من أنفاسه ليلة المبيت على فراش النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، هذا مع ما في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) (إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم).

فإذا كان هذا حال عمل واحد من أعمال أمير المؤمنين صلوات الله عليه فانظر ماذا يكون حال مجموع أعماله، ثم انظر ماذا يكون حال أعمال رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) فإذا قصر واحد من العباد في بعض الأعمال المتممة أو المكملة لحدود القابلية وكان ممن وصل حبله بحبلهم (عليه السلام) بأن قبل ولايتهم في التكليف الشرعي فخلقت طينته في الخلق الثاني من شعاع نورهم وصورت صورته على هيئة صورهم (عليه السلام)، اقتضى ذلك عن جهة شرع الحكمة أن يتمموا ذلك النقص العملي بفاضل حسناتهم ويصلحوا به ما أفسده ذلك العبد بتقصيره في العمل كما صرح به الحجة (عليه السلام) و في دعائه المروي عن السيد رضي الدين بن طاووس  حيث قال (اللهم إن شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا) إلى أن قال (عليه السلام) (وإن خفت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا ) الدعاء.

وموضع الاستشهاد الفقرة الأخيرة فإنها صريحة في المطلوب كما ترى، وإن حدثتك نفسك أنه كيف يكون عمل الغير مكملا لقابلية الغير ؟فاعلم أنه ليس ببدع في الشريعة فإن دعاء الغير يؤثر في حق الغير بالبديهة وكذلك سائر أعمال البر من الصلاة والصوم والإحسان والحج عنه إلى غير ذلك كما ورد في الشريعة المطهرة، ومن هذا الباب الصلاة على الميت واستنابة الحج عنه وقضاء الولي عنه ما فاته من الصلاة والصوم، ومنه كون شهادة سيد الشهداء (عليه السلام) عوضا عن ذنوب الشيعة ووقاء لهم عن النار وورد مثله عن الكاظم (عليه السلام) في حق نفسه وهو ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال :(إن الله عز وجل غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم، فوقيتهم والله بنفسي، فالأئمة (عليه السلام) عملوا بعض الأعمال عن شيعتهم لتكون جبرا لما كسروه بتقصيراتهم).

إن قلت: هذا المقدار معلوم وإنما نريد معرفة السر في ذلك مع قوله تعالى :﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾.

نقول: بيان السر في ذلك مما يبعد عن العقول غير أنا نشير إلى بعض البيان عسى أن تهجم منه على حقيقة الأمر إن فكرت، وهو أن الشخص إذا عمل عملا بنية الإهداء منه إلى الغير أو التفضل عليه أو النيابة عنه أو التشريك له، وكان بينه وبين ذلك الغير مناسبة معنوية وارتباط ذاتي فقد تمثل ذلك العامل بصورة ذلك الغير في الحقيقة بالتمام كما في التصويرات الثلاثة الأولى أو في الجملة كما في صورة التشريك، وكان هو كالروح لذلك القالب المحرك له للعمل، وآيته على سبيل التقريب الوكيل العازل لنفسه من حيث هو المتمثل بمثال موكله فإنه حينئذ تكون يده يد الموكل وقوله قوله وفعله فعله، فإذا عمل ذلك العامل عملا على هذا النحو وقبل الله تعالى ذلك العمل منه كان جاذبا للأثر المترتب عليه من مبدأ الفيض فيمن ذلك الأثر أولا على ذلك الشخص العامل لأنه كالروح في إيقاع ذلك العمل، والروح مقدم على القالب رتبة فأثر فيه أثره ثم وصل فاضل ذلك الأثر إلى القالب الذي هو مثال ذلك الغير وصورته العامل لذلك العمل بالتبع، فينتفع كل منهما بأثر ذلك العمل غير أن للعامل الأصلي ضعف ما لذلك الغير منه كما ورد في بعض الأخبار وفي بعضها أزيد لكون الروح أشد مدخلا في إيقاعه من القالب وهو ظاهر، فهذا هو السر في انتفاع الشخص بعمل الغير، ولكنه مشروط بشرطين: أحدهما وجود الاستعداد في جانب القابل بأن يكون بينه وبين ذلك المؤمن العامل نسبة إيمانية ثابتة الأصل وإلا لم ينتفع بذلك أبدا ولذا قال تعالى في حق المنافقين:﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ فتدبر.

ثانيهما: رضا ذلك الغير بذلك، ولفقدان هذا الشرط ترى لا يضر العمل السوء في حق الغير إذا أتى به نيابة عنه ويضر إذا وصى بذلك كما لو أمر شخص واحدا بقتل نفس محترمة وفعله ذلك الغير نيابة عنه باختياره فإن الآمر والمباشر كلاهما مؤاخذان عند الله تعالى في الدنيا وفي الآخرة، وكذلك في جانب الخير انظر في قول الله تعالى في حق المنافقين حيث قال ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ * سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ هذا أحد طرق شفاعة محمد وآله (صلى الله عليه وأله وسلم) في شيعتهم، وبالتأمل في هذا البيان الشافي تعرف وجه استعانتهم (عليه السلام) من مواليهم في خلاص رقبتهم من النار، فإن العبد الموالي لهم كلما بالغ في إصلاح القابلية وتقريب استعداده من الفعل كانت مؤونتهم (عليه السلام) في إصلاح قابليته أخف وأقل فتدبر واستقم. ومن طرق الشفاعة أن نور الولاية والمحبة الموجود في بعض المقصرين يقوم مقام ما قصر فيه من العمل في إصلاح القابلية لكون ذلك النور كالإكسير إذا ألقي على المعدن الناقص أحرق جميع ما فيه من الكدورات والظلال وألحقه بأصله الذي هو الذهب كما برهن عليه في محله، وكالماء الجاري أو الكر إذا انغمس فيه الإنسان ذهب ما فيه من الأوساخ والنجاسات العارضة وهو معنى الحديث: حب على حسنة لا تضر معها سيئة .الخبر .ولله در بعض المشايخ حيث يقول:

إذا ذر إكسير المحبة فوق ما جناه

استحال الذنب أي استحالة

ومنها الدعاء والاستغفار لهم، ومنها تسليط البلايا والشدائد عليهم في الدنيا أو في البرزخ أو في المحشر أو في حظيرة النار لا في أصلها إلى غير ذلك من أسباب التطهير والإصلاح فإن حال كل من الموالين يقتضي تطهيرا وإصلاحا يوافقه ويناسبه وكل تلك الأسباب من الشفاعة فتبصر، والكلام في تفصيل تلك الأمور يخرجنا من وضع المقام وعلى من يفهم ويؤمن به السلام.

إلى محمد وآل محمد

العشرون الكافي في باب يفصل بين دعوى المحق والمبطل عن محمد ابن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم قال: (كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وصاحب الطاق والناس مجتمعون على عبدالله بن جعفر إنه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة، فدخلنا عليه نسأله عما كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال: في مائتين خمسة، فقلنا: ففي مائة؟ فقال: درهمان ونصف فقلنا: والله ما تقول المرجئة هذا، قال: فرفع يده إلى السماء فقال: والله ما أدري ما تقول المرجئة، قال: فخرجنا من عنده ضلالا لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد ونقول: إلى المرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه، يومي إلي بيده فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر (عليه السلام) عليه، فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم فقلت للأحول: تنح فإني خائف على نفسي وعليك، وإنما يريدني لا يريدك، فتنح عني لا تهلك وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه فما زلت أتبعه وقد عزمت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن (عليه السلام) ثم خلاني ومضى، فإذا خادم بالباب فقال لي: أدخل رحمك الله، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى (عليه السلام) فقال لي ابتداء منه: لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج إلي إلي فقلت جعلت فداك مضى أبوك؟ قال: نعم، قلت: مضى موتا؟ قال: نعم، قلت: فمن لنا من بعده؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت جعلت فداك إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه، قال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله، قال: قلت: جعلت فداك فمن لنا من بعده؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قال: قلت: جعلت فداك فأنت هو؟ قال: لا، ما أقول ذلك، قال: فقلت في نفسي لم أصب طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك عليك إمام؟ قال: لا، فداخلني شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل إعظاما له وهيبة أكثر مما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك؟ فقال: سل تُخبر ولا تُذع، فإن أذعت فهو الذبح، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف، قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضلال فألقي إليهم وأدعوهم إليك؟ وقد أخذت علي الكتمان؟ قال: من آنست منه رشدا فالق إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاعوا فهو الذبح - وأشار بيده إلى حلقه - قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي: ما وراءك؟ قلت: الهدى فحدثته بالقصة قال: ثم لقينا الفضيل وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وساءلاه وقطعا عليه بالإمامة، ثم لقينا الناس أفواجا فكل من دخل عليه قطع إلا طائفة عمار وأصحابه وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس، فلما رأى ذلك قال: ما حال الناس؟ فأخبر أن هشاما صد عنك الناس، قال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني). 

قصة شقيق البلخي

الحادي والعشرون عن دلائل الطبري  قال حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن علي بن الزبير البلخي ببلخ، قال: حدثنا هشام بن حاتم الأصم، قال: حدثني أبي، قال: قال لي شقيق - يعني ابن إبراهيم البلخي -: خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام في سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلنا القادسية، قال شقيق: فنظرت إلى الناس في زيهم [بالقباب والعماريات والخيم والمضارب، وكل إنسان منهم قد تزيا على قدره، فقلت: اللهم إنهم قد خرجوا إليك فلا تردهم خائبين .فبينما أنا قائم، وزمام راحلتي بيدي، وأنا أطلب موضعا أنزل فيه منفردا عن الناس، إذ نظرت إلى فتى حدث السن، حسن الوجه، شديد السمرة، عليه سيماء العبادة وشواهدها، وبين عينيه سجادة كأنها كوكب دري، وعليه من فوق ثوبه شملة من صوف، وفي رجله نعل عربي، وهو منفرد في عزلة من الناس، فقلت في نفسي: هذا  لفتى] من هؤلاء الصوفية المتوكلة، يريد أن يكون كلا على الناس في هذا الطريق، والله لأمضين إليه، ولأوبخنه .قال: فدنوت منه، فلما رآني مقبلا نحوه قال لي: يا شقيق ﴿اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا﴾ وقرأ الآية، ثم تركني ومضى، فقلت في نفسي: قد تكلم هذا الفتى على سري، ونطق بما في نفسي، وسماني باسمي، وما فعل هذا إلا وهو ولي الله، ألحقه وأسأله أن يجعلني في حل، فأسرعت في ورائه، فلم ألحقه، وغاب عن عيني، فلم أره .وارتحلنا حتى نزلنا واقصة، فنزلت ناحية من الحاج، ونظرت فإذا صاحبي قائم يصلي على كثيب رمل، وهو راكع وساجد، وأعضاؤه تضطرب، ودموعه تجري من خشية الله عز وجل، فقلت: هذا صاحبي، لأمضين إليه، ثم لأسألنه أن يجعلني في حل، فأقبلت نحوه، فلما نظر إلي مقبلا قال لي: يا شقيق ﴿وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى﴾ ثم غاب عن عيني فلم أره، فقلت: هذا رجل من الأبدال، وقد تكلم على سري مرتين، ولو لم يكن عند الله فاضلا ما تكلم على سري .ورحل الحاج وأنا معهم، حتى نزلنا بزبالة، فإذا أنا بالفتى قائم على البئر، وبيده ركوة يستقي بها الماء، فانقطعت الركوة في البئر، فقلت: صاحبي والله، فرأيته قد رمق السماء بطرفه، وهو يقول: أنت ربي إذا ظمأت إلى الماء وقوتي إذا أردت الطعاما إلهي وسيدي مالي سواها، فلا تعدمنيها.قال شقيق: فو الله، لقد رأيت البئر وقد فاض ماؤها حتى جرى على وجه الأرض، فمد يده، فتناول الركوة، فملأها ماء، ثم توضأ، فأسبغ الوضوء، وصلى ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل أبيض، فجعل يقبض بيده من الرمل ويطرحه في الركوة، ثم يحركها ويشرب، فقلت في نفسي: أتراه قد حول الرمل سويقا؟  فدنوت منه فقلت له: أطعمني يرحمك الله، من فضل ما أنعم الله به عليك .فنظر إلي وقال لي: يا شقيق، لم تزل نعمة الله علينا أهل البيت سابغة، وأياديه لدينا جميلة، فأحسن ظنك بربك، فإنه لا يضيع من أحسن به ظنا .فأخذت الركوة من يده وشربت، فإذا سويق وسكر، فو الله ما شربت شيئا قط ألذ منه، ولا أطيب رائحة، فشبعت ورويت، وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا، فدفعت إليه الركوة .ثم غاب عن عيني، فلم أره حتى دخلت مكة وقضيت حجي، فإذا أنا بالفتى في هدأة من الليل، وقد زهرت النجوم، وهو إلى جانب بيت فيه  الشراب راكعا ساجدا، لا يريد مع الله سواه، فجعلت أرعاه وأنظر إليه، وهو يصلي بخشوع وأنين وبكاء، ويرتل القرآن ترتيلا، فكلما مرت آية بها وعد ووعيد يرددها على نفسه، ودموعه تجري على خده، حتى إذا دنا الفجر جلس في مصلاه فسبح ربه وقدسه، ثم قام يصلى الغداة، وطاف بالبيت أسبوعا، وخرج من باب المسجد، فخرجت، فرأيت له حاشية وموالي، وإذا عليه لباس خلاف الذي شاهدت، وإذا الناس من حوله يسألونه عن مسائلهم، ويسلمون عليه، فقلت لبعض الناس، وأحسبه من مواليه: من هذا الفتى؟ فقال لي: هذا أبو إبراهيم، عالم آل محمد .قلت: ومن أبو إبراهيم؟ قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). فقلت له لقد عجبت أن توجد هذه الشواهد إلا في هذه الذرية).

أقول : هذا الحديث مكرر في الكتب وقد روته العامة كما روته الخاصة فممن رواه منهم علي بن أحمد المالكي في الفصول المهمة عن هشام بن حاتم الأصم عن أبيه حاتم ويوسف بن قزعلي سبط أبي الفرج بن الجوزي في مناقبه قال: أخبرنا أبو محمد البزاز أخبرنا أبو الفضل بن ناصر أخبرنا محمد ابن عبد الملك والمبارك بن عبد الجبار والسعيد قالوا أخبرنا عبيد الله بن أحمد ابن عثمان أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الشيباني أن علي بن محمد بن الزبير البجلي حدثهم قال أخبرنا هشام بن حاتم الأصم عن أبيه قال حدثني شيء البلخي ثم ساق الحديث بما يقرب مما أوردناه .

الإمام يخبر صاحبه عن خلاصه من يد المهدي

الثاني والعشرون الكافي عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أبي قتادة القمي، عن أبي خالد الزبالي قال: (لما أقدم بأبي الحسن موسى (عليه السلام) على المهدي القدمة الأولى نزل زبالة فكنت أحدثه، فرآني مغموما فقال لي: يا أبا خالد مالي أراك مغموما، فقلت: وكيف لا أغتم وأنت تحمل إلى هذه الطاغية ولا أدري ما يحدث فيك، فقال: ليس علي بأس إذا كان شهر كذا وكذا ويوم كذا فوافني في أول الليل، فما كان لي هم إلا إحصاء الشهور والأيام حتى كان ذلك اليوم فوافيت الميل فما زلت عنده حتى كادت الشمس أن تغيب ووسوس الشيطان في صدري وتخوفت أن أشك فيما قال، فبينا أنا كذلك إذا نظرت إلى سواد قد أقبل من ناحية العراق، فاستقبلتهم فإذا أبو الحسن (عليه السلام) أمام القطار على بغلة، فقال: إيه يا أبا خالد، قلت: لبيك يا ابن رسول الله، فقال لا تشكن، ود الشيطان أنك شككت، فقلت الحمد لله الذي خلصك منهم فقال: إن لي إليهم عودة لا أتخلص منهم ).

لا عبادة بغير معرفة

الثالث والعشرون وفيه علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد عن محمد ابن فلان الرافعي قال : (كان لي ابن عم يقال له : الحسن بن عبد الله كان زاهدا وكان من أعبد أهل زمانه وكان يتقيه السلطان لجده في الدين واجتهاده وربما استقبل السلطان بكلام صعب يعظه ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر وكان السلطان يحتمله لصلاحه، ولم تزل هذه حالته حتى كان يوم من الأيام إذ دخل عليه أبو الحسن موسى (عليه السلام) وهو في المسجد فرآه فأومأ إليه فأتاه فقال له: يا أبا علي ما أحب إلي ما أنت فيه وأسرني به إلا أنه ليست لك معرفة، فاطلب المعرفة، قال : جعلت فداك فما المعرفة ؟ قال : اذهب فتفقه في الدين واطلب الحديث، قال : عمن؟ قال : عن فقهاء أهل المدينة، ثم اعرض علي الحديث، قال : فذهب فكتب ثم جاءه فقرأه عليه فأسقطه كله ثم قال له: اذهب فاعرف المعرفة وكان الرجل معنيا بدينه فلم يزل يترصد أبا الحسن (عليه السلام) حتى خرج إلى ضيعة له فلقيه في الطريق فقال له : جعلت فداك إني أحتج عليك بين يدي الله فدلني على المعرفة قال : فأخبره بأمير المؤمنين(عليه السلام) وما كان بعد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وأخبره بأمر الرجلين فقبل منه، ثم قال له: فمن كان بعد أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال: الحسن (عليه السلام) ثم الحسين (عليه السلام) حتى انتهى إلى نفسه ثم سكت، قال: فقال له: جعلت فداك فمن هو اليوم؟ قال: إذا أخبرتك تقبل؟ قال: بلى جعلت فداك؟ قال: أنا هو، قال: فشيء أستدل به؟ قال: اذهب إلى تلك الشجرة - وأشار بيده إلى أم غيلان - فقل لها: يقول لك موسى بن جعفر: أقبلي، قال: فأتيتها فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه، ثم أشار إليها فرجعت قال: فأقر به ثم لزم الصمت والعبادة، فكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك ).

الإمام يجيب الراهب والراهبة

الرابع والعشرون وفيه عن علي بن إبراهيم وأحمد بن مهران جميعا، عن محمد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: (كنت عند أبي إبراهيم (عليه السلام) وأتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان ومعه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار، فقال له: إذا كان غدا فأت بهما عند بئر أم خير، قال: فوافينا من الغد فوجدنا القوم قد وافوا فأمر بخصفة بواري، ثم جلس وجلسوا فبدأت الراهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبها، وسألها أبو إبراهيم (عليه السلام) عن أشياء، لم يكن عندها فيه شيء، ثم أسلمت ثم أقبل الراهب يسأله فكان يجيبه في كل ما يسأله، فقال الراهب: قد كنت قويا على ديني وما خلفت أحدا من النصارى في الأرض يبلغ مبلغي في العلم ولقد سمعت برجل في الهند، إذا شاء حج إلى بيت المقدس في يوم وليلة، ثم يرجع إلى منزله بأرض الهند فسألت عنه بأي أرض هو؟ فقيل لي: إنه بسبذان وسألت الذي أخبرني فقال: هو علم الاسم الذي ظفر به آصف صاحب سليمان لما أتى بعرش سبأ وهو الذي ذكره الله لكم في كتابكم ولنا معشر الأديان في كتبنا، فقال له أبو إبراهيم (عليه السلام): فكم لله من اسم لا يرد؟ فقال الراهب: الأسماء كثيرة فأما المحتوم منها الذي لا يرد سائله فسبعة، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): فأخبرني عما تحفظ منها، قال الراهب لا والله الذي أنزل التوراة على موسى وجعل عيسى عبرة للعالمين وفتنة لشكر أولي الألباب وجعل محمدا بركة ورحمة وجعل عليا (عليه السلام) عبرة وبصيرة وجعل الأوصياء من نسله ونسل محمد ما أدري، ولو دريت ما احتجت فيه إلى كلامك ولا جئتك ولا سألتك، فقال له أبو إبراهيم (عليه السلام): عد إلى حديث الهندي، فقال له الراهب: سمعت بهذه الأسماء ولا أدري ما بطانتها ولا شرايحها ولا أدري ما هي ولا كيف هي ولا بدعائها، فانطلقت حتى قدمت سبذان الهند، فسألت عن الرجل، فقيل لي: إنه بنى ديرا في جبل فصار لا يخرج ولا يرى إلا في كل سنة مرتين وزعمت الهند أن الله فجر له عينا في ديره وزعمت الهند أنه يزرع له من غير زرع يلقيه ويحرث له من غير حرث يعمله، فانتهيت إلى بابه فأقمت ثلاثا، لا أدق الباب ولا أعالج الباب، فلما كان اليوم الرابع فتح الله الباب وجاءت بقرة عليها حطب تجر ضرعها، يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن فدفعت الباب فانفتح فتبعتها ودخلت، فوجدت الرجل قائما ينظر إلى السماء فيبكي وينظر إلى الأرض فيبكي وينظر إلى الجبال فيبكي، فقلت: سبحان الله ما أقل ضربك في دهرنا هذا، فقال لي: والله ما أنا إلا حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك، فقلت له: أخبرت أن عندك اسما من أسماء الله تبلغ به في كل يوم وليلة بيت المقدس وترجع إلى بيتك، فقال لي: وهل تعرف بيت المقدس؟ فقلت: لا أعرف إلا بيت المقدس الذي بالشام؟ قال: ليس بيت المقدس ولكنه البيت المقدس وهو بيت آل محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)، فقلت له: أما ما سمعت به إلى يومي هذا فهو بيت المقدس، فقال لي: تلك محاريب الأنبياء، وإنما كان يقال لها: حظيرة المحاريب، حتى جاءت الفترة التي كانت بين محمد وعيسى صلى الله عليهما وقرب البلاء من أهل الشرك وحلت النقمات في دور الشياطين فحولوا وبدلوا ونقلوا تلك الأسماء وهو قول الله تبارك وتعالى  البطن لآل محمد والظهر مثل ﴿ن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان﴾ فقلت له: إني قد ضربت إليك من بلد بعيد، تعرضت إليك بحارا وغموما وهموما وخوفا وأصبحت وأمسيت مؤيسا إلا أكون ظفرت بحاجتي، فقال لي: ما أرى أمك حملت بك إلا وقد حضرها ملك كريم ولا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بأمك إلا وقد اغتسل وجاءها على طهر ولا أزعم إلا أنه قد كان درس السفر الرابع من سحره ذلك، فختم له بخير، ارجع من حيث جئت، فانطلق حتى تنزل مدينة محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) التي يقال لها: طيبة وقد كان اسمها في الجاهلية يثرب، ثم اعمد إلى موضع منها يقال له: البقيع، ثم سل عن دار يقال لها: دار مروان، فانزلها وأقم ثلاثا ثم سل عن  الشيخ الأسود الذي يكون على بابها يعمل البواري وهي في بلادهم، اسمها الخصف، فالطف بالشيخ وقل له: بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع، ثم سله عن فلان بن فلان الفلاني وسله أين ناديه وسله أي ساعة يمر فيها فليريكاه أو يصفه لك، فتعرفه بالصفة وسأصفه لك، قلت: فإذا لقيته فاصنع ماذا؟ قال: سله عما كان وعما هو كائن وسله عن معالم دين من مضى ومن بقي، فقال له أبو إبراهيم (عليه السلام): قد نصحك صاحبك الذي لقيت، فقال الراهب ما اسمه جعلت فداك؟ قال: هو متمم بن فيروز وهو من أبناء الفرس وهو ممن آمن بالله وحده لا شريك له وعبده بالإخلاص والإيقان وفر من قومه لما خافهم، فوهب له ربه حكما وهداه لسبيل الرشاد وجعله من المتقين وعرف بينه وبين عباده المخلصين وما من سنة إلا وهو يزور فيها مكة حاجا ويعتمر في رأس كل شهر مرة ويجيء من موضعه من الهند إلى مكة، فضلا من الله وعونا وكذلك يجزي الله الشاكرين، ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبه فيها وسأل الراهب عن أشياء، لم يكن عند الراهب فيها شيء، فأخبره بها، ثم إن الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة، على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء ومن يفسرها؟ قال: ذاك قائمنا، ينزله الله عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين، ثم قال الراهب، فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي؟ قال: أخبرك بالأربعة كلها، أما أولهن فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقيا، والثانية محمد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) مخلصا، والثالثة نحن أهل البيت، والرابعة شيعتنا منا ونحن من رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ورسول الله من الله بسبب، فقال له الراهب، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن ما جاء به من عند الله حق وأنكم صفوة الله من خلقه وأن شيعتكم المطهرون المستبدلون ولهم عاقبة الله رب العالمين، فدعا أبو إبراهيم (عليه السلام) بجبة خز وقميص قوهي وطيلسان وخف وقلنسوة، فأعطاه إياها وصلى الظهر وقال له: اختتن، فقال: قد اختتنت في سابعي).

أقول : قوله المستبدلون رأيته في بعض المواضع بالدال المعجمة بعد التاء المثناة من فوق وقيل اللام المشددة وهو وإن كان يمكن توجيهه بنحو غير أنه سهو وإنما الصحيح المستبدلون التاء المثناة الفوقانية ثم الباء الموحدة ثم الدال المهملة ثم اللام المخففة على صيغة المفعول مأخوذ من الاستبدال وهو إشارة إلى قوله تعالى ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ الآية، وهو إشارة إلى أيام ظهور الحجة (عليه السلام) والرجعة كما أشير إليه في دعاء الافتتاح الوارد من الناحية المقدسة في الصلاة على نفسه (عليه السلام) حيث يقول ( استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله مكن له دينه الذي ارتضيته له أبدله من بعد خوفه أمنا يعبدك لا يشرك بك شيئا) الدعاء، وأما الحروف الأربعة التي في الهواء فهي باطن الأربعة التي ظهرت في الأرض وهو معنى أنه (عليه السلام) يأتي بشرع جديد وكتاب جديد على العرب شديد فإن الشرع قد ختم بشرع محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) والكتب ختمت بكتابه فالمراد بالشرع الجديد والكتاب الجديد إظهار باطن هذا الشرع وهذا الكتاب الذي نزل على رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) في حياته وبقائها في الهواء كناية عن كونها مغلقة لم تظهر بعد ظهورا يعرفها كل واحد، وإنما دلوا على بعض تلك البواطن بعض شيعتهم الكملين كسلمان وجابر الجعفي وأخذا بهما، وأشاروا في بعض أخبارهم إلى بعض ذلك لأهل الإشارة ونحن ندلك من نوع ذلك إلى شيء تعرف منه أشياء وهو أن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وضع الجزية على أهل الذمة من اليهود والنصارى وحقن دماءهم وأموالهم لظاهر إقرارهم بالألوهية ونبوة من قبله من الأنبياء وأباح قتل سائر الكفار والمشركين، هذا ظاهر الشرع وإذا ظهر الحجة (عليه السلام) أظهر باطن ذلك فرفع الجزية عنهم وأباح قتلهم إذا لم يؤمنوا ووضعها على النواصب والغلاة لكونهم يهود هذه الأمة في الباطن ونصاراها وعلى هذا فقس ما سواها .انتهى .

الإمام يننقذ علي بن يقطين من القتل

 الخامس والعشرون إرشاد المفيد  وروى عبد الله بن إدريس، عن بن سنان، قال: (حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها، وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب، فأنفذ علي بن يقطين كل تلك الثياب إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) وأنفذ في جملتها تلك الدراعة، وأضاف إليها مالا كان عنده على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله .فلما وصل ذلك إلى أبي الحسن (عليه السلام) قبل المال والثياب، ورد الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه: « احتفظ بها، ولا تخرجها عن يدك، فسيكون لك بها شأن من الشأن تحتاج إليها معه، فارتاب علي بن يقطين بردها عليه، ولم يدر ما سبب ذلك، واحتفظ بالدراعة. فلما كان بعد أيام تغير علي بن يقطين على غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام)، ويقف على ما يحمله إليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك، فسعى به إلى الرشيد فقال: إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر (عليه السلام)، ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة، وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا. فاستشاط الرشيد لذلك وغضب غضبا شديدا، وقال: لأكشفن عن هذه الحال، فإن كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه. وأنفذ في الوقت بإحضار علي بن يقطين، فلما مثل بين يديه قال له: ما فعلت الدراعة التي كسوتك بها؟ قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب، قد احتفظت بها، قلما أصبحت إلا وفتحت السفط ونظرت إليها تبركا بها وقبلتها ورددتها إلى موضعها، وكلما أمسيت صنعت بها مثل ذلك. فقال: أحضرها الساعة، قال: نعم يا أمير المؤمنين. واستدعى بعض خدمه فقال له: إمض إلى البيت الفلاني من داري، فخذ مفتاحه من جاريتي وافتحه، ثم افتح الصندوق الفلاني فجئني بالسفط الذي فيه بختمه. فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوما، فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه. فلما فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها، مطوية مدفونة في الطيب، فسكن الرشيد من غضبه، ثم قال لعلي بن يقطين: ارددها إلى مكانها وأنصرف راشدا، فلن أصدق عليك بعدها ساعيا. وأمر أن يتبع بجائزة سنية، وتقدم بضرب الساعي به ألف سوط، فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك).

الإمام ينقذ علي بن يقطين من القتل مرة أخرى

السادس والعشرون وفيه وروى محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضل قال: (اختلفت الرواية  بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء، أهو من الأصابع إلى الكعبين، أم من هو الكعبين إلى الأصابع؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام): جعلت فداك، إن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فإن رأيت أن تكتب إلي بخطك ما يكون عملي بحسبه فعلت إن شاء الله فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام): « فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا، وتستنشق ثلاثا، وتغسل وجهك ثلاثا، وتخلل شعرلحيتك وتغسل يدك إلى المرفقين ثلاثا وتمسح رأسك كله، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا، ولا تخالف ذلك إلى غيره  .فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين، تعجب مما رسم له فيه مما أجمع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا ممتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد، ويخالف ما عليه جميع الشيعة، امتثالا لأمر أبي الحسن (عليه السلام) . وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل له: إنه رافضي مخالف لك، فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين، والقرف له بخلافنا، وميله إلى الرفض، ولست أرى في خدمته لي تقصيرا، وقد امتحنته مرارا، فما ظهرت منه عل ما يقرف به، وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز مني . فقيل له: إن الرافضة - يا أمير المؤمنين - تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه، ولا ترى غسل الرجلين، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه . فقال: أجل، إن هذا الوجه يظهر به أمره . ثم تركه مدة وناطه بشيء من الشغل . في الدار حتى دخل وقت الصلاة، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته، فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وخلل شعر لحيته، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا، ومسح رأسه وأذنيه، وغسل رجليه، والرشيد ينظر إليه، فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه، ثم ناداه: كذب - يا علي بن يقطين - من زعم أنك من الرافضة . وصلحت حاله عنده . وورد عليه كتاب أبي الحسن (عليه السلام): « ابتدئ من الآن يا علي بن يقطين، توضأ كما أمر الله، اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كان يخاف عليك، والسلام).     

الإمام يدعو للبوة فيسهل عسر ولادتها

السابع والعشرون وفيه وروى علي بن أبي حمزة البطائني، قال: (خرج أبو الحسن موسى (عليه السلام) في بعض الأيام من المدينة إلى ضيعة له خارجة عنها، فصحبته أنا وكان  (عليه السلام) راكبا بغلة وأنا على حمار لي، فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد، فأحجمت خوفا وأقدم أبو الحسن موسى (عليه السلام) غير مكترث به، فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن (عليه السلام) ويهمهم، فوقف له أبو الحسن (عليه السلام) كالمصغي إلى همهمته، ووضع الأسد يده على كفل بغلته، وقد همتني نفسي من ذلك وخفت خوفا عظيما، ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق وحول أبو الحسن  (عليه السلام) وجهه إلى القبلة وجعل يدعو، ويحرك شفتيه بما لم أفهمه، ثم أومأ إلى الأسد بيده أن امض، فهمهم الأسد همهمة طويلة وأبو الحسن  (عليه السلام) يقول:  آمين آمين، وانصرف الأسد حتى غاب من بين أعيننا .ومضى أبو الحسن (عليه السلام) لوجهه واتبعته، فلما بعدنا عن الموضع لحقته فقلت له: جعلت فداك، ما شأن هذا الأسد؟ فلقد خفته والله عليك، وعجبت من شأنه معك .فقال لي أبو الحسن (عليه السلام):  إنه خرج إلي يشكو عسر الولادة على لبؤته وسألني أن أسأل الله أن يفرج عنها ففعلت ذلك، وألقي في روعي أنها تلد ذكرا له، فخبرته بذلك، فقال لي: امض في حفظ الله، فلا سلط الله عليك ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئا من السباع، فقلت: آمين .    

الإمام يجلس وسط النار ولا تؤثر فيه

الثامن والعشرون الخرائج عن المفضل بن عمر قال: (لما مضى الصادق (عليه السلام) كانت وصيته في الإمامة إلى موسى الكاظم (عليه السلام)، فادعى عبد الله أخوه الإمامة، وكان أكبر ولد جعفر (عليه السلام) في وقته ذلك - وهو المعروف بالأفطح- فأمر موسى (عليه السلام) بجمع حطب كثير في وسط داره، فأرسل إلى أخيهعبد الله يسأله أن يصير إليه، فلما صار عنده، ومع موسى (عليه السلام)جماعة من وجوه الإمامية، فلما جلس إليه أخوه عبد الله، أمر موسى (عليه السلام) أن تضرم النار في ذلك الحطب، فأضرمت، ولم يعلم الناس ما سبب ذلك، حتى صار الحطب كله جمرا، ثم قام موسى (عليه السلام) وجلس بثيابه في وسط النار، وأقبل يحدث القومساعة، ثم قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس، فقال لأخيه عبد الله:  إنك إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس، قالوا: فرأينا عبد الله قد تغير لونه، فقام يجر رداءه حتى خرج من دار موسى (عليه السلام)).

البربر يسجدون للإمام عليه السلام

التاسع والعشرون الهداية لابن حمدان في حديث قال الرشيد :(ولكنني سأفعل فعلا إن تم لم يبق غيره في موسى وكتب إلى عماله في الأطراف أن التمسوا إلي قوما غتما لا دين لهم ولا يعرفون الله ولا رسوله فأقدم عليه منهم طائفة فلما فنظر إليهم فإذا هم قوم يقال لهم: الغيدة وكانوا خمسين رجلا قال علي بن أحمد البزاز: فلما قدموا عليه أمر أن ينزلوا في حجر دار الرشيد فجعل لهم هارون الكسى الحلل والحلي والمال والجواهر والطيب والجواري والخدم ومما يجل ذكره وغذوا أطيب الطعام وسقوا أفضل الشراب وأدخلوا على الرشيد بعد ثلاثة أيام فقال لترجمانهم: قل لهم من ربكم فقالوا لا نعرف لنا ربا ولا ندري ما هذه الكلمة فقال قل لهم من أنا فقالوا له قل إنك ما شئت حتى نقول إنك هو فقال لترجمانهم: أليس قد رأيتم ما فعلت بكم منذ قدمتم قالوا: بلى فقال: أنا أقدر أن أجيعكم وأعريكم وأقتلكم وأحرقكم بالنار فقالوا لا ندري ما تقول إلا أن نطيعك ولو في قتل أنفسنا وكان الرشيد قد مثل لهم صورة أبي الحسن صلوات الله عليه حتى لو رآه من عرفه لحلف بالله إن ذلك المثال أبو الحسن (عليه السلام) فأمر الرشيد فنصب لهم موائد وهو جالس والخادم معه في مستشرف له وينقل إليهم الطعام الذي لا يعقلونه وخرجت عليهم الجواري بالعيدان والنايات والطبول فوقفن صفوفا حولهم يغنين والكاسات تأخذهم من كل جانب والخلع تطرح عليهم والأموال تنثر عليهم فلما سكروا قال لترجمانهم: قل لهم قوموا فخذوا سيوفكم وادخلوا على عدو لي في هذه الحجرة فاقتلوه وكان الرشيد قد أمر بذلك المثال فجعل في تلك الحجرة وقال إن كان هذا في معرفة موسى مثل البربر الذين عرفوا صورة جعفر عند جدي المنصور فإذا رأوا صورته سيفعلون فعلهم وإن لم يعرفوه فسيقتلون صورته فإذا قتلوا صورته اليوم قتلوه هو غدا فأخذوا سيوفهم ودخلوا الحجرة فلما رأوا المثال تبادروا عليه ووضعوا سيوفهم عليه فرضوه فقال الرشيد الحمد لله قتلت موسى بهؤلاء القوم بلا شك فخلع عليهم خلعا أخرى وحمل إليهم الأموال وردهم إلى دورهم ولم يزل الرشيد يمثل لهم ذلك المثال سبع مرات وهم يقتلونه فلما رأى ذلك منهم فأمر بإحضاره موسى (عليه السلام) وجعله في حجرة مثل تلك الحجرة على سبيل تلك التماثيل ثم أحضرهم وقال لترجمانهم قل لهم ما بقي لي عدو من أعدائي إلا واحد فاقتلوه وقد سلمت إليكم المملكة فأخذوا سيوفهم ودخلوا على أبي الحسن موسى (عليه السلام) والرشيد والخادم في مستشرف له على تلك الحجرة يقول للخادم أين موسى قال جالس في وسط الدار على بساط قال فماذا يصنع قال: مستقبل القبلة مادا يده إلى السماء يحرك شفتيه قال الرشيد: إنا لله ليته لا يكفي ما نريده به ثم قال للخادم هل دخل القوم عليه قال قد دخل أولهم ورمى بسيفه ودخلوا جميعهم فرموا سيوفهم فخروا سجدا حوله وهو يمر يده على رؤوسهم ويخاطبهم بمثل لغتهم وهم يخاطبونه علي وجوههم قال فغشي على الرشيد، وقال للخادم خذ باب المستشرف الذي نحن فيه لا يأمرهم موسى بقتلنا وقل لترجمانهم حتى يقول لهم اخرجوا وأقبل يتململ وهو يقول وا فضيحتاه كدت موسى كيدا فما نفعني فيه شيء وصاح الخادم بترجمانهم قل لهم إن أمير المؤمنين يقول لكم اخرجوا فخرجوا مكتفين الأيدي على ظهورهم وهم يمشون القهقرى حتى غابوا عنه ثم جاؤوا إلى منازلهم وأخذوا كل ما فيها وركبوا خيولهم من ساعتهم وخرجوا فأمر الرشيد بترك التعرض لهم قال علي بن أحمد والله لقد تبعهم خلق كثير من شيعة أبي الحسن موسى صلوات الله عليه فما وجدوا لهم أثرا ولا علموا أي طريق اخذوا).    

الإمام يخرج من السجن متى أحب

الثلاثون مناقب ابن شهر آشوب عن أبي الأزهر ناصح بن علية البرجمي في حديث طويل أنه: جمعني مسجد بإزاء دار السندي بن شاهك وابن السكيت فتفاوضنا في العربية ومعنا رجل لا نعرفه فقال يا هؤلاء أنتم إلى إقامة دينكم أحوج منكم إلى إقامة ألسنتكم، وساق الكلام إلى إمام الوقت وقال: ليس بينكم وبينه غير هذا الجدار، قلنا: تعنى هذا المحبوس موسى؟ قال: نعم، قلنا: سترنا عليك فقم من عندنا خيفة أن يراك أحد جليسنا فنؤخذ بك قال: والله لا يفعلون ذلك أبدا والله ما قلت لكم إلا بأمره وإنه ليرانا ويسمع كلامنا ولو شاء أن يكون معنا لكان قلنا : فقد شئنا فادعه إلينا .فإذا قد أقبل رجل من باب المسجد داخلا كادت لرؤيته العقول أن تذهل فعلمنا أنه موسى بن جعفر (عليه السلام)، ثم قال : أنا هذا الرجل وتركنا وخرجنا من المسجد مبادرا فسمعنا وجيبا شديدا، وإذا السندي بن شاهك اللعينيعدو داخلا إلى المسجد معه جماعة، فقلنا: كان معنا رجل فدعانا إلى كذا وكذا ودخل هذا الرجل المصلى وخرج ذاك الرجل ولم نره فأمر بنا فأمسكنا، ثم تقدم إلى موسى  (عليه السلام)وهو قائم في المحراب فأتاه من قبل وجهه ونحن نسمع فقال: يا ويحك ألم تخرج بسحرك هذا وحيلتك من وراء الأبواب والأغلاق والأقفال وأردك  فلو كنت هربت كان أحب إلي من وقوفك ههنا، أتريد يا موسى أن يقتلني الخليفة؟ قال: فقال موسى (عليه السلام) ونحن والله نسمع كلامه: كيف أهرب ولله في أيديكم موقت لي يسوق إليها أقداره وكرامتي على أيديكم، في كلام له، قال: فأخذ السندي بيده ومشى ثم قال للقوم: دعوا هذين واخرجوا إلى الطريق فامنعوا أحدا يمر من الناس حتى أتم أنا وهذا إلى الدار).

الإمام يخبر بموت شخص

الحادي والثلاثون الخرائج قال إسحاق بن عمار قال: (لما حبس هارون أبا الحسن موسى (عليه السلام) دخل عليه أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة .فقال: أحدهما للآخر :  نحن على أحد أمرين إما أن نساويه، أو نشاكله فجلسا بين يديه، فجاء رجل كان موكلا به من قبل السندي بن شاهك، فقال: إن نوبتي قد انقضت وأنا على الانصراف فإن كانت لك حاجة فأمرني بها حتى آتيك بها في الوقت الذي تلحقني النوبة ؟  فقال له: ما لي حاجة فلما أنخرج، قال لأبي يوسفومحمد بن الحسن: ما أعجب هذا يسألني أن أكلفه حاجة من حوائجي، وهو ميت في هذه الليلة. ثم أن أبا يوسف ومحمدا قاما من عنده، فقال أحدهما للآخر: إنا جئنا لنسأله عن الفرض والسنة وهو الآن جاء بشيء آخر كأنه من علم الغيب. ثم بعثا برجل مع الرجل، وقالا له: إذهب حتى تلزمه وانظر ما يكون من أمره في هذه الليلة، وتأتينا بخبره من الغد .فمضى الرجل ونام في مسجد عند باب داره فلما أصبح سمع الواعية ورأى الناس يدخلون داره، فقال: ما هذا؟ قالوا: قد] مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة. فانصرف الرجل إلى أبي يوسف ومحمد وأخبرهما بالخبر، فأتيا أبا الحسن (عليه السلام) فقالا: قد علمنا أنك قد أدركت العلم في الحلال والحرام، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنه يموت في هذه الليلة؟ قال: من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام). فلما رد عليهما هذا بقيا متحيرين لا يردان جوابا). 

الإمام يخبر أن المنصور لا يصل بيت الله

الثاني والثلاثون عن قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري، [محمد بن  موسى بن جعفر البغدادي، عن الوشاء، عن علي بن أبي حمزة قال:  (سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول: لا والله، لا يرى أبو جعفر الدوانيقي بيت الله أبدا. فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا، فلم يلبث أن خرج، فلما بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك فقلت: لا والله، لا يرى بيت الله أبدا .فلما صار إلى البستان اجتمعوا أيضا إلي فقالوا: بقي بعد هذا شيء؟  قلت: لا والله لا يرى بيت الله أبدا .فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن (عليه السلام) فوجدته في المحراب، قد سجد فأطال السجود، ثم رفع رأسه إلي ثم قال:  اخرج فانظر ما يقول الناس  فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر، فرجعت فأخبرته فقال: الله أكبر، ما كان ليرى بيت الله أبدا). 

الإمام يحيي للرجل حماره

الثالث والثلاثون الخرائج عن علي بن أبي حمزة قال :  أخذ بيدي موسى ابن جعفر (عليه السلام) يوما،  فخرجنا من المدينة إلى الصحراء فإذا نحن برجل مغربي على الطريق يبكي وبين يديه حمار ميت،  ورحله مطروح . فقال له موسى (عليه السلام): ما شأنك ؟  قال :  كنت مع رفقائي نريد الحج فمات حماري ها هنا وبقيت وحدي،  ومضى أصحابي وأنا متحير ليس لي شيء احتمل عليه  فقال موسى (عليه السلام):  لعله لم يمت قال :  أما ترحمني حتى تلهو بياستهزاء قا ل  إن لي رقية جيدة .قال الرجل: ليس يكفيني ما أنا فيه حتى تستهزأ بي؟  فدنا موسى (عليه السلام) من الحمار وتكلم بشيء لم أفهمه، وأخذ قضيبا كان مطروحا فضربه به وصاح عليه، فوثب الحمار صحيحا سليما. ثم قال: يا مغربي ترى ها هنا شيئا من الاستهزاء: الحق بأصحابك. ومضينا وتركناه .قال علي بن أبي حمزة: فكنت واقفا يوما على بئر زمزم بمكة، فإذا المغربي هناك فلما رآني أقبل إلي وقبل يدي فرحا مسرورا، فقلت له: ما حال حمارك؟ فقال: هو والله سليم صحيح وما أدري من أين هو ذلك الرجل الذي من الله به علي فأحيا لي حماري بعد موته؟ فقلت له: قد بلغت حاجتك فلا تسأل عما لا تبلغ معرفته).

الإمام ينبع عينا وينبت شجرة في السجن

الرابع والثلاثون عن دلائل الطبري قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، قال: حدثنا غالب بن مرة ومحمد بن غالب، قالا :  (كنا في حبس الرشيد، فأدخل موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأنبع الله له عينا وأنبت له شجرة، فكان منهما يأكل ويشرب ونهنيه، وكان إذا دخل بعض أصحاب الرشيد غابت حتى لا ترى).  

وفاة الإمام عليه السلام

الخامس والثلاثون العيون حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضوان الله عليه، قال حدثني أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن سليمان بن جعفر البصري، عن عمر بن واقد قال: (إن هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسى بن جعفر (عليه السلام)، وما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بإمامته، واختلافهم في السر إليه بالليل والنهار خشية على نفسه وملكه، ففكر في قتله بالسم فدعا برطب فأكل منه ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة، وأخذ سلكا فعركه في السم، وأدخله في سم الخياط، وأخذ رطبة من ذلك الرطب فأقبل يردد إليها ذلك السم بذلك الخيط، حتى علم أنه قد حصل السم فيها فاستكثر منه ثم ردها في ذلك الرطب وقال لخادم له: احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر وقل له: إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب وتنغص لك به، وهو يقسم عليك بحقه لما أكلتها عن آخر رطبة فإني اخترتها لك بيدي، ولا تتركه يبقي منها شيئا ولا يطعم منها أحدا .فأتاه بها الخادم وأبلغه الرسالة فقال له: ائتني بخلال فناوله خلالا، وقام بازائه وهو يأكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة تعز عليه فجذبت نفسها وخرجت تجر سلاسلها من ذهب وجوهر حتى حاذت موسى بن جعفر (عليه السلام) فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض وعوت وتهرت قطعة قطعة واستوفى (عليه السلام) باقي الرطب، وحمل الغلام الصينية حتى صار بها إلى الرشيد .فقال له: قد أكل الرطب عن آخره؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين قال: فكيف رأيته؟ قال: ما أنكرت منه شيئا يا أمير المؤمنين قال: ثم ورد عليه خبر الكلبة وأنها قد تهرت وماتت، فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا، واستعظمه، ووقف على الكلبة فوجدها متهرئة بالسم فأحضر الخادم ودعا بسيف ونطع وقال له: لتصدقني عن خبر الرطب أو لأقتلنك فقال: يا أمير المؤمنين إني حملت الرطب إلى موسى بن جعفر وأبلغته سلامك، وقمت بازائه فطلب مني خلالا فدفعته إليه فأقبل يغرز في الرطبة بعد الرطبة ويأكلها حتى مرت الكلبة فغرز الخلال في رطبة من ذلك الرطب فرمى بها فأكلتها الكلبة وأكل هو باقي الرطب، فكان ما ترى يا أمير المؤمنين .فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى إلا أنا أطعمناه جيد الرطب، وضيعنا سمنا، وقتل كلبتنا ما في موسى حيلة .ثم إن سيدنا موسى (عليه السلام) دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلا به فقال له: يا مسيب فقال: لبيك يا مولاي قال: إني ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة، مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) لأعهد إلى علي ابني ما عهده إلي أبي وأجعله وصيي وخليفتي، وآمره بأمري قال المسيب: فقلت: يا مولاي كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب وأقفالها، والحرس معي على الأبواب؟ فقال: يا مسيب ضعف يقينك في الله عز وجل وفينا؟ فقلت: لا يا سيدي قال: فمه؟ قلت: يا سيدي ادع الله أن يثبتني فقال: اللهم ثبته .ثم قال: إني أدعو الله عز وجل باسمه العظيم الذي دعا به آصف حتى جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتى يجمع بيني وبين ابني علي بالمدينة، قال المسيب: فسمعته (عليه السلام) يدعو ففقدته عن مصلاه، فلم أزل قائما على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد إلى رجليه فخررت لله ساجدا لوجهي شكرا على ما أنعم به علي من معرفته .فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب واعلم أني راحل إلى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم قال: فبكيت فقال لي: لا تبك يا مسيب فإن عليا ابني هو إمامك، ومولاك بعدي فاستمسك بولايته، فإنك لا تضل ما لزمته فقلت: الحمد لله .قال: ثم إن سيدي (عليه السلام) دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي: إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها، ورأيتني قد انتفخت وارتفع بطني، واصفر لوني، واحمر واخضر، وتلون ألوانا فخبر الطاغية بوفاتي، فإذا رأيت بي هذا الحدث فإياك أن تظهر عليه أحدا، ولا على من عندي إلا بعد وفاتي .قال المسيب بن الزهير: فلم أزل أرقب وعده حتى دعا (عليه السلام) بالشربة فشربها ثم دعاني فقال لي: يا مسيب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي، ودفني، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به، فان كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن عليبن أبي طالب (عليه السلام) فإن الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا .قال: ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص به (عليه السلام) جالسا إلى جانبه، وكان عهدي بسيديعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) وهو غلام فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى (عليه السلام) فقال: أليس قد نهيتك يا مسيب؟ فلم أزل صابرا حتى مضى، وغاب الشخص ثم أنهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه، ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئا، ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم، وهم لا يعرفونه .فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن في فإني إمامك ومولاك، وحجة الله عليك بعد أبي يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق (عليه السلام) ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون، ثم حمل (عليه السلام) حتى دفن في مقابر قريش، ولم يرفع قبره أكثر مما أمر به ثم رفعوا قبره بعد ذلك وبنوا عليه).

العصا تتحول أفعى في يد الإمام عليه السلام

السادس والثلاثون عن دلائل الطبري قال أبو جعفر: حدثنا هشام بن منصور عن رشيق مولى الرشيد، قال : (وجه بي الرشيد في قتل موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأتيته لأقتله، فهز عصا كانت في يده فإذا هي أفعى، وأخذت هارون الحمى ووقعت الأفعى في عنقه حتى وجه إلي بإطلاقه فأطلقت عنه).

 

الإمام يري ابن المسيب عياله ويرجعه ثانيا

السابع والثلاثون راحة الأرواح للحسن السبزواري  قال: روى الشيخ محمد بن علي بن محمد بن علي الشاذاني القزويني بإسناده المتصل عن علي بن المسيب قال: (حملت أنا والعبد الصالح موسى بن جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد وحبسنا في سجن، ولما طال علي الحبس ذكرت أهلي وأولادي فعلم الإمام (عليه السلام) ما في قلبي فقال لي: يا ابن المسيب كأنك اشتقت إلى ما خلفت وراءك قال: فكرهت أن أستر ذلك عنه فقلت نعم يا ابن رسول الله، فقال لي: ادخل هذا الستر واغتسل، فقام (عليه السلام) وصلى ركعتين وصليت أنا خلفه، ثم قال: قل بسم الله وناولني يدك وأغمض عينيك فإني أرى ما لا ترى، فناولته يدي فرأيت كأن الأرض رفعتني وإياه، ثم قال لي: افتح عينيك، ففتحت عيني فإذا أنا بقبر الحسين (عليه السلام)، فقال لي: هذا قبر جدي، فصلى عنده ركعتين وصليت أنا خلفه، ثم أخذ بيدي وأنا مغمض عيني ثم قال لي: افتح عينيك، ففتحت عيني فإذا أنا بقبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لي: هذا قبر جدي (عليه السلام)، فصلى عنده ركعتين وصليت أنا خلفه، ثم أخذ بيدي وأنا مغمض عيني ثم قال لي: افتح عينيك، ففتحت عيني فإذا أنا بقبر رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) فقال: هذا قبر جدي وهذه دارك، فدخلت داري وجددت العهد مع أهل بيتي ورجعت إليه مسرعا فقال لي: ناولني يدك، فناولته يدي وغمضت عيني وفتحتها فإذا أنا على جبل أخضر ورأيت ماء يصب عليه من السماء فدنا من الماء وتوضأ منه وتوضأت معه ثم أذن العبد الصالح (عليه السلام) للصلاة وإذا أنا بأربعين رجلا قد صفوا خلفه فأمهم بركعتين ثم قال لي: يا ابن المسيب هذا جبل قاف وهؤلاء أولياء الله وأصفياؤه ما زالوا يتضرعون إلى الله أن يجمع بيني وبينهم، قال: ثم ودع القوم وقال لي: ناولني يدك وغمض عينيك، ثم قال: افتح عينيك، ففتحتها فوحق من بعث جده بالحق إني رأيتني في السجن كما كنت).

السباع تلوذ بالإمام عليه السلام

الثامن والثلاثون عن دلائل الطبري  قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد البلوي، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال: قال إبراهيم بن سعد: (أدخل إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) بسباع لتأكله، فجعلت تلوذ به وتبصبص له، وتدعو له بالإمامة، وتعوذ به من شر الرشيد، فلما بلغ ذلك الرشيد أطلق عنه، وقال: أخاف إن يفتنني ويفتن الناس ومن معي).

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب لا تنافي بين الأخبار الواردة في سبب إطلاق الرشيد عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في المرة الأولى حيث أنها مختلفة ظاهرا فإن الأمور المذكورة في تلك الأخبار كلها كانت من الأسباب وكان أعظمها كثرة المعجزات الصادرة عنه (عليه السلام) في الحبس والسلام .

الإمام يحيي الشجرة المقطوعة الممسوحة

التاسع والثلاثون وعنه قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد سفيان، عن وكيع، قال: قال الأعمش: (رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد أتى شجرة مقطوعة موضوعة فمسها بيده فأورقت، ثم اجتنى منها ثمرا وأطعمني).

الإمام يبشر محمد بن سنان بعظيم مقامه

الأربعون الكشي حدثني حمدويه قال حدثني الحسن بن موسى قال حدثني محمد بن سنان، قال: (دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) قبل أن يحمل إلى العراق بسنة، وعلي ابنه (عليه السلام) بين يديه، فقال لي: يا محمد. قلت: لبيك. قال: إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع منها، ثم أطرق ونكت الأرض بيده ثم رفع رأسه إلي وهو يقول: ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء. قلت: وما ذاك، جعلت فداك؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه، وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب (عليه السلام) حقه وإمامته من بعد محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)، فعلمت أنه قد نعى إلي نفسه، ودل على ابنه فقلت: والله لئن مد الله في عمري لأسلمن إليه حقه، ولأقرن له بالإمامة، أشهد أنه من بعدك حجة الله تعالى على خلقه، والداعي إلى دينه .فقال لي: يا محمد، يمد الله في عمرك وتدعو إلى إمامته وإمامة من يقوم مقامه من بعده. فقلت: ومن ذاك جعلت فداك ؟ قال: محمد ابنه. قلت: بالرضا والتسليم؟ فقال: كذلك قد وجدتك في صحيفة أمير المؤمنين (عليه السلام) أما إنك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء .ثم قال: يا محمد، إن المفضل أنسي ومستراحي، وأنت أنسهما ومستراحهما، حرام على النار أن تمسك أبدا، يعني أبا الحسن وأبا جعفر (عليه السلام)).

أقول وفي العيون للصدوق œ عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن سنان مثله بمغايرة يسيرة في بعض الألفاظ والمعنى واحد.

باب معجزات الإمام الهمام مهبط أمر القدر والقضاء

علي بن موسى الرضا عليه السلام

حديث ولادة الإمام عليه السلام

الحادي والأربعون العيون لابن بابويه  قال : حدثني تميم بن عبدالله ابن تميم القرشي  قال : حدثني أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن علي بن ميثم عن أبيه قال : سمعت أمي تقول : ( سمعت نجمة أم الرضا (عليه السلام) تقول : لما حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل وكنت أسمع في منامي تسبيحا وتهليلا وتمجيدا من بطني فيفزعني ذلك ويهولني ، فإذا انتبهت لم أسمع شيئا ، فلما وضعته وقع على الأرض واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم ، فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر (عليه السلام) فقال لي : هنيئا لك يا نجمة كرامة ربك ، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه الأيمن وأقام في الأيسر ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم رده إلي فقال:خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه).

أصابع الإمام كالمصابيح

الثاني والأربعون الكافي عن أحمد بن مهران  عن محمد بن علي عن الحسن بن منصور عن أخيه قال : (دخلت على الرضا (عليه السلام) في بيت داخل في جوف بيت ليلا فرفع يده فكانت كأن في البيت عشرة مصابيح واستأذن عليه رجل فخلى يده ثم أذن له). 

الإمام يحول الماء إلى ذهب

الثالث والأربعون وفيه علي بن محمد عن سهل بن زياد عن علي بن محمد القاساني قال : ( أخبرني بعض أصحابنا أنه حمل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) مالا له خطر فلم أره سر به ، قال : فاغتممت لذلك ، وقلت في نفسي : قد حملت هذا المال ولم يسر به ، فقال : يا غلام الطست والماء قال: فقعد على كرسي ، وقال بيده وقال للغلام : صب علي الماء ، قال : فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب ثم التفت إلي فقال لي : من كان هكذا لا يبالي بالذي حملته إليه). 

الإمام يتكلم بما وراء البيت ويحيي ويميت

الرابع والأربعون عن دلائل الطبري  حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال : حدثنا إبراهيم بن سهيل قال : (لقيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وهو على حماره فقلت له : من أركبك هذا ؟ وتزعم أكثر شيعتك أن أباك لم يوصك ولم يقعدك هذا المقعد وادعيت لنفسك ما لم يكن لك.

فقال لي: وما دلالة الإمام عندك ؟

قلت : أن يكلم بما وراء البيت وأن يحيي ويميت.

فقال : أنا أفعل ، أما الذي معك فخمسة دنانير وأما أهلك فإنها ماتت منذ سنة وقد أحييتها الساعة وأتركها معك سنة أخرى ثم أقبضها إلي لتعلم أني إمام بلا خلاف.

فوقع علي الرعدة فقال: أخرج روعك فإنك آمن ، ثم انطلقت إلى منزلي فإذا بأهلي جالسة فقلت لها : ما الذي جاء بك ؟ فقالت : كنت نائمة إذا أتاني آت ضخم شديد السمرة فوصفت لي صفه الرضا (عليه السلام) فقال لي : يا هذه قومي وارجعي إلى زوجك فإنك ترزقين بعد الموت] ولدا فرزقت والله ولدا).

الإمام يحيي لرجل أباه وأمه

الخامس والأربعون وعنه حدثنا معلى بن الفرج قال : أخبرنا معبد بن الجنيد الشامي قال : (دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقلت له : قد كثر الخوض فيك وفي عجائبك فلو شئت أنبأتني بشيء أحدثه عنك ، فقال: وما تشاء ؟ فقلت : تحيي لي أبي وأمي ، فقال لي: انصرف إلى منزلك فقد أحييتهما لك ، فانصرفت والله وهما في البيت أحياء فأقاما عندي عشرة أيام ثم قبضهما الله تبارك وتعالى).  

الإمام يخرج لصاحبه سبيكة ممن الذهب من الأرض

السادس والأربعون بصائر الدرجات للصفار قال : حدثنا محمد بن عيسى عن محمد بن حمزة بن القاسم عمن أخبره عنه أخبرني إبراهيم ابن موسى قال : ( ألححت على أبي الحسن ابن الرضا (عليه السلام) في شيء أطلبه منه وكان يعدني فخرج ذات يوم يستقبل والي المدينة وكنت معه فجاء إلى قرب قصر فلان فنزل في موضع تحت شجرات ونزلت معه أنا وليس معنا ثالث فقلت : جعلت فداك هذا العيد قد أظلنا ولا والله ما أملك درهما فما سواه فحك بسوطه الأرض حكا شديدا ثم ضرب بيده فتناول بيده سبيكة ذهب فقال : انتفع بها واكتم ما رأيت ).

الإمام يهدي عبدالله بن المغيرة

السابع والأربعون العيون قال حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب  قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن محمد ابن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال قال: قال لنا عبدالله بن المغيرة: (كنت واقفيا وحججت على ذلك فلما صرت بمكة اختلج في صدري شي‏ء فتعلقت بالملتزم ثم قلت : اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي فأرشدني إلى خير الأديان ، فوقع في نفسي أن آتي الرضا (عليه السلام) فأتيت المدينة فوقفت ببابه فقلت للغلام : قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب فسمعت نداءه (عليه السلام) وهو يقول : ادخل يا عبدالله بن المغيرة ، فدخلت فلما نظر إلي قال : قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينه، فقلت : أشهد أنك حجة الله وأمين الله على خلقه).

أقول : وفي الكافي بسنده عن ابن فضال عن عبد الله بن المغيرة مثله.

السيوف لا تؤثر في الإمام عليه السلام

الثامن والأربعون وفيه قال : حدثنا محمد بن أحمد السناني  قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدثنا محمد بن خلف قال: حدثني هرثمة بن أعين قال : (دخلت على سيدي ومولاي يعني الرضا(عليه السلام)    في دار المأمون وكان  قد ظهر في دار المأمون أن الرضا (عليه السلام) قد توفي ولم يصح هذا القول ، فدخلت أريد الإذن عليه قال : وكان  في بعض ثقات خدم المأمون غلام يقال له صبيح الديلمي وكان يتوالى سيدي (عليه السلام) حق ولايته ، وإذا صبيح قد خرج فلما رآني قال لي : يا هرثمة ألست تعلم أني ثقة المأمون على سره وعلانيته ؟ قلت : بلى ، قال : اعلم يا هرثمة أن المأمون دعاني وثلاثين غلاما من ثقاته على سره وعلانيته في الثلث الأول من الليل فدخلت عليه وقد صار ليله نهارا من كثرة الشموع وبين يديه سيوف مسلولة مشحوذة مسمومة فدعا بنا غلاما غلاما وأخذ علينا العهد والميثاق بلسانه وليس بحضرتنا أحد من خلق الله غيرنا ، فقال لنا : هذا العهد لازم لكم أنكم تفعلون ما آمركم به ولا تخالفوا منه شيئا ، قال: فحلفنا له ، فقال : يأخذ كل واحد منكم سيفا بيده وامضوا حتى تدخلوا على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في حجرته فإن وجدتموه قائما أو قاعدا أو نائما فلا تكلموه وضعوا أسيافكم عليه واخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومخه ثم اقلبوا عليه بساطه وامسحوا أسيافكم به وصيروا إلي ، وقد جعلت لكل واحد منكم على هذا الفعل وكتمانه عشر بدرة دراهم وعشر ضياع منتخبة والحظوظ عندي ما حييت وبقيت، قال : فأخذنا الأسياف بأيدينا ودخلنا عليه في حجرته فوجدناه مضطجعا يقلب طرف يديه ويتكلم بكلام لا نعرفه قال فبادر الغلمان إليه بالسيوف ووضعت سيفي وأنا قائم أنظر إليه وكأنه قد كان علم مصيرنا إليه فليس على بدنه ما لا تعمل فيه السيوف فطووا على بساطه وخرجوا حتى دخلوا على المأمون فقال : ما صنعتم ؟ قالوا : فعلنا ما أمرتنا به يا أمير المؤمنين ، قال : لا تعيدوا شيئا مما كان فلما كان عند تبلج الفجر خرج المأمون فجلس مجلسه مكشوف الرأس محلل الأزرار وأظهر وفاته وقعد للتعزية ، ثم قام حافيا حاسرا فمشى لينظر إليه وأنا بين يديه ، فلما دخل عليه حجرته سمع همهمته فأرعد ثم قال : من عنده ؟ قلت : لا علم لنا يا أمير المؤمنين ، فقال : أسرعوا وانظروا ، قال صبيح : فأسرعنا إلى البيت فإذا سيدي (عليه السلام) جالس في محرابه يصلي ويسبح ، فقلت : يا أمير المؤمنين هو ذا نرى شخصا في محرابه يصلي ويسبح فانتفض المأمون وارتعد ثم قال : غدرتموني لعنكم الله ، ثم التفت إلي من بين الجماعة فقال لي : يا صبيح أنت تعرفه فانظر من المصلي عنده ، قال صبيح : فدخلت وتولى المأمون راجعا ثم صرت إليه عند عتبة الباب قال (عليه السلام) لي : يا صبيح ، قلت : لبيك يا مولاي وقد سقطت لوجهي فقال: قم يرحمك الله يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ، قال : فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم، فقال لي : يا صبيح ما وراءك ؟ فقلت له : يا أمير المؤمنين هو والله جالس في حجرته وقد ناداني وقال لي كيت وكيت ، قال : فشد أزراره وأمر برد أثوابه وقال : قولوا إنه كان غشي عليه وإنه قد أفاق قال هرثمة فأكثرت لله عز وجل شكرا وحمدا، ثم دخلت على سيدي الرضا (عليه السلام) فلما رآني قال : يا هرثمة لا تحدث أحدا بما حدثك به صبيح إلا من امتحن الله قلبه للإيمان بمحبتنا وولايتنا ، فقلت : نعم يا سيدي ، ثم قال (عليه السلام) لي:  يا هرثمة والله لا يضرنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب أجله).

ما رآه محبه عند احتضاره

التاسع والأربعون عن دعوات الراوندي عن محمد بن علي (عليه السلام) قال: (مرض رجل من أصحاب الرضا (عليه السلام) فعاده فقال : كيف تجدك ؟ قال : لقيت الموت بعدك يريد ما لقيه من شدة مرضه ، فقال : كيف لقيته ؟ قال: شديدا أليما قال : ما لقيته إنما لقيت ما يبدؤك به ويعرفك بعض حاله إنما الناس رجلان مستريح بالموت ومستراح منه ، فجدد الإيمان بالله وبالولاية تكن مستريحا ففعل الرجل ذلك ثم قال : يا ابن رسول الله هذه ملائكة ربي بالتحيات والتحف يسلمون عليك وهم قيام بين يديك فأذن لهم في الجلوس فقال الرضا (عليه السلام) : اجلسوا ملائكة ربي ثم قال للمريض : سلهم أمروا بالقيام بحضرتي فقال المريض : سألتهم فذكروا أنه لو حضرك كل من خلقه الله من ملائكته لقاموا لك ولم يجلسوا حتى تأذن لهم هكذا أمرهم الله عز وجل ثم غمض الرجل عينيه وقال : السلام عليك يا ابن رسول الله هذا شخصك ماثل لي مع أشخاص محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) ومن بعده من الأئمة وقضى الرجل).

استسقاء الإمام وفيه معاجز أخرى

الخمسون العيون قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر œ قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي (عليه السلام) : ( أن الرضا علي بن موسى (عليه السلام) لما جعله المأمون ولي عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصبين على الرضا (عليه السلام) يقولون : انظروا لما جاءنا علي بن موسى (عليه السلام) وصار ولي عهدنا فحبس الله عنا المطر ، واتصل ذلك بالمأمون فاشتد عليه فقال للرضا (عليه السلام) : قد احتبس المطر فلو دعوت الله عز وجل أن يمطر الناس ، فقال الرضا (عليه السلام) : نعم ، قال: فمتى تفعل ذلك ؟ وكان ذلك يوم الجمعة ، قال : يوم الإثنين ؛ فإن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقال : يا بني انتظر يوم الاثنين فابرز إلى الصحراء واستسق فإن الله تعالى سيسقيهم وأخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون من حالهم ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك عز وجل ، فلما كان يوم الإثنين غدا إلى الصحراء وخرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : اللهم يا رب أنت عظمت حقنا أهل البيت ، فتوسلوا بنا كما أمرت وأملوا فضلك ورحمتك وتوقعوا إحسانك ونعمتك ، فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رائث ولا ضائر وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارهم، قال : فو الذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر ، فقال الرضا (عليه السلام) : على رسلكم أيها الناس فليس هذا الغيم لكم إنما هو لأهل بلد كذا ، فمضت السحابة وعبرت ، ثم جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق فتحركوا، فقال : على رسلكم فما هذه لكم إنما هي لأهل بلد كذا ، فما زالت حتى جاءت عشر سحابات وعبرت ويقول علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في كل واحدة : على رسلكم ليست هذه لكم إنما هي لأهل بلد كذا ، ثم أقبلت سحابة حادية عشر فقال: أيها الناس هذه سحابة بعثها الله عز وجل لكم فاشكروا الله على تفضله عليكم وقوموا إلى منازلكم ومقاركم فإنها مسامتة لكم ولرءوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا إلى مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالى وجلاله، ونزل على المنبر وانصرف الناس فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملئت الأودية والحياض والغدران والفلوات فجعل الناس يقولون : هنيئا لولد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) كرامات الله عز وجل، ثم برز إليهم الرضا (عليه السلام) وحضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال: يا أيها الناس اتقوا الله في نعم الله تعالى عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه ، واعلموا أنكم لا تشكرون الله تعالى بشيء بعد الإيمان بالله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم ، فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله تبارك وتعالى وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) في ذلك قولا ما ينبغي لقائل أن يزهد في فضل الله عليه فيه إن تأمله وعمل عليه ، قيل : يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت وكيت ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) : بل قد نجا ولا يختم الله تعالى عمله إلا بالحسنى وسيمحوا الله عنه السيئات ويبدلها له حسنات ، إنه كان يمر مرة في طريق عرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواه فقال له : أجزل الله لك الثواب وأكرم لك المآب ولا ناقشك في الحساب ، فاستجاب الله له فيه فهذا العبد لا يختم الله له إلا بخير بدعاء ذلك المؤمن فاتصل قول رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) بهذا الرجل فتاب وأناب وأقبل على طاعة الله عز وجل ، فلم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة فوجه رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) في أثرهم جماعة ذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم ، قال الإمام محمد بن علي بن موسى (عليه السلام): وأعظم الله تبارك وتعالى البركة في البلاد بدعاء الرضا (عليه السلام) وقد كان للمأمون من يريد أن يكون هو ولي عهده من دون الرضا (عليه السلام) وحساد كانوا بحضرة المأمون للرضا (عليه السلام) فقال للمأمون : بعض أولئك يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي لقد أعنت على نفسك وأهلك جئت بهذا الساحر ولد السحرة وقد كان خاملا فأظهرته ومتضعا فرفعته ومنسيا فذكرت به ومستخفا فنوهت به قد ملأ الدنيا مخرقة وتشوقا بهذا المطر الوارد عند دعائه ما أخوفني أن يخرج هذا الرجل هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد علي بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك والتواثب على مملكتك هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك فقال المأمون : قد كان هذا الرجل مستترا عنا يدعو إلى نفسه فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا وليعترف بالملك والخلافة لنا وليعتقد فيه المفتونون به إنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير وإن هذا الأمر لنا من دونه وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسده ويأتي علينا منه ما لا نطيقه ، والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلناه وأخطأنا في أمره بما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا فليس يجوز التهاون في أمره ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتى تصوره عند الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه ، قال الرجل : يا أمير المؤمنين فولني مجادلته فإني أفحمه وأصحابه وأضع من قدره ، فلولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته وبينت للناس قصوره عما رشحته له ، قال المأمون : ما شيء أحب إلي من هذا ، قال : فأجمع جماعة وجوه أهل مملكتك والقواد والقضاة وخيار الفقهاء لأبين نقصه بحضرتهم فيكون أخذا له عن محله الذي أحللته فيه على علم منهم بصواب فعلك ، قال : فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس واسع قعد فيه لهم وأقعد الرضا (عليه السلام) بين يديه في مرتبته التي جعلها له فابتدأ هذا الحاجب المتضمن للوضع من الرضا (عليه السلام) وقال له : إن الناس أكثروا عنك الحكايات وأسرفوا في وصفك بما أرى أنك إن وقفت عليه برئت إليهم منه ، قال : وذلك أنك قد  دعوت الله في المطر المعتاد مجيئه فجاء فجعلوه آية معجزة لك أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا ، وهذا أمير المؤمنين أدام الله ملكه وبقاءه لا يوازى بأحد إلا رجح به وقد أحلك المحل الذي قد عرفت فليس من حقه عليك أن تسوغ الكاذبين لك وعليه ما يتكذبونه .

فقال الرضا (عليه السلام) : ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي وإن كنت لا أبغي أشرا ولا بطرا ، وأما ما ذكرك صاحبك الذي أحلني ما أحلني فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق (عليه السلام) وكانت حالهما ما قد علمت.

فغضب الحاجب عند ذلك وقال : يا ابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزك قدرك ، إن بعث الله بمطر مقدر وقته لا يتقدم ولا يتأخر جعلته آية تستطيل بها وصولة تصول بها كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم (عليه السلام) لما أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال فأتينه سعيا وتركبن على الرءوس وخفقن وطرن بإذن الله تعالى ، فإن كنت صادقا فيما توهم فأحي هذين وسلطهما علي فإن ذلك يكون حينئذ آية معجزة ، فأما المطر المعتاد مجيئه فلست إنت] أحق بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت - وكان الحاجب قد أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه وكانا متقابلين على المسند - .

فغضب علي بن موسى (عليه السلام) وصاح بالصورتين : دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدين فتناولا الحاجب ورضاه وهشماه وأكلاه ولحسا دمه والقوم ينظرون متحيرين مما يبصرون فلما فرغا منه أقبلا على الرضا (عليه السلام) وقالا : يا ولي الله في أرضه ماذا تأمرنا نفعل بهذا ؟ أنفعل به ما فعلنا بهذا يشيران إلى المأمون ؟ فغشي على المأمون مما سمع منهما فقال الرضا (عليه السلام) : قفا ؛ فوقفا قال الرضا (عليه السلام) صبوا عليه ماء ورد وطيبوه ففعل ذلك به وعاد الأسدان يقولان : أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه قال : لا فإن لله عز وجل فيه تدبيرا هو ممضيه فقالا : ماذا تأمرنا ؟ فقال : عودا إلى مقركما كما كنتما ، فعادا إلى المسند وصارا صورتين كما كانتا.

فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شر حميد بن مهران يعني الرجل المفترس ثم قال للرضا (عليه السلام) : يا ابن رسول الله هذا الأمر لجدكم رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ثم لكم فلو شئت لنزلت عنه لك .

فقال الرضا (عليه السلام) : لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك فإن الله تعالى قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين إلا جهال بني آدم فإنهم وإن خسروا حظوظهم فلله عز وجل فيه تدبير، وقد أمرني بترك الاعتراض عليك وإظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك كما أمر يوسف بالعمل من تحت يد فرعون مصر ، قال : فما زال المأمون ضئيلا في نفسه إلى أن قضى في علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ما قضى).

الإمام يرشد أصحابه على عين ماء

الحادي والخمسون وفيه قال : حدثنا أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان  قال : أخبرنا أحمد بن إدريس عن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن حفص قال: حدثني مولى العبد الصالح أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : (كنت وجماعة مع الرضا (عليه السلام) في مفازة فأصابنا عطش شديد ودوابنا حتى خفنا على أنفسنا فقال لنا الرضا (عليه السلام) : ائتوا موضعا وصفه لنا فإنكم تصيبون الماء فيه ، قال : فأتينا الموضع فأصبنا الماء وسقينا دوابنا حتى رويت وروينا ومن معنا من القافلة ثم رحلنا ، فأمرنا (عليه السلام) بطلب العين فطلبناها فما أصبنا إلا بعر الإبل ولم نجد للعين أثرا ، فذكرت ذلك لرجل من ولد قنبر كان يزعم أن له مائة وعشرون سنة فأخبرني القنبري بمثل هذا الحديث سواء قال: كنت أنا أيضا معه في خدمته وأخبرني القنبري أنه كان في ذلك مصعدا إلى خراسان).

الإمام يرشد ابن أبي كثير فيهتدي

الثاني والخمسون وفيه قال : حدثنا محمد بن أحمد السناني  قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدثني سعد بن مالك عن أبي حمزة عن ابن أبي كثير قال : (لما توفي موسى (عليه السلام) وقف الناس في أمره فحججت تلك السنة فإذا أنا بالرضا (عليه السلام) فأضمرت في قلبي أمرا فقلت ﴿أبشرا منا واحدا نتبعه﴾ الآية ، فمر علي (عليه السلام) كالبرق الخاطف علي فقال : أنا والله البشر الذي يجب عليك أن تتبعني ، فقلت : معذرة إلى الله تعالى وإليك فقال : مغفور لك). قال الصدوق  : (وحدثني بهذا الحديث غير واحد من المشايخ عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي بهذا الإسناد).

الإمام يخبر صاحبه بأنه سيولد له غلام وجارية

الثالث والخمسون وفيه حدثنا أحمد بن الهارون الفامي  قال : حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن محمد ابن عيسى بن عبيد عن الحسن بن موسى بن عمر بن بزيع قال : (كان عندي جاريتان حاملتان فكتبت إلى الرضا (عليه السلام) أعلمه ذلك وأسأله أن يدعو الله تعالى أن يجعل ما في بطونهما ذكرين وأن يهب لي ، قال : فوقع (عليه السلام) أفعل إن شاء الله تعالى ، ثم ابتدأني (عليه السلام) بكتاب مفرد نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك بأحسن عافية في الدنيا والآخرة برحمته ، الأمور بيد الله عز وجل يمضي فيها مقاديره على ما يحب ، يولد لك غلام وجارية إن شاء الله تعالى فسم الغلام محمدا والجارية فاطمة على بركة الله تعال ، قال : فولد لي غلام وجارية على ما قاله (عليه السلام)).

الإمام يخبر أصحابه بأنهم سيمطرون

الرابع والخمسون وفيه حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن أحمد بن محمد عن الحسين بن موسى قال : ( خرجنا مع أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إلى بعض أملاكه في يوم لا سحاب فيه ، فلما برزنا قال : حملتم معكم المماطر ، قلنا : لا وما حاجتنا إلى المماطر وليس سحاب ولا نتخوف المطر، فقال : لكني حملته وستمطرون ، قال : فما مضينا إلا يسيرا حتى ارتفعت سحابة ومطرنا حتى أهمتنا أنفسنا فما بقي منا أحد إلا ابتل ).

الصبي ينطق بأن الإمام الرضا عليه السلام هو إمام زمانه

الخامس والخمسون عن ثاقب المناقب عن محمد بن العلاء الجرجاني قال: (حججت فرأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يطوف بالبيت فقلت له: جعلت فداك هذا الحديث قد روي عن النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) من مات ولم يعرف أمام زمانه مات ميتة جاهلية . قال : فقال : نعم ، حدثني أبي عن جدي عن الحسين ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية . قال : فقلت له : جعلت فداك ومن مات ميتة جاهلية ؟ قال : مشرك ، قال : قلت : فمن إمام زماننا ؟ فإني لا أعرفه، قال : أنا هو . فقلت : ما علامة أستدل بها ؟ قال : تعال إلى البيت ، وقال لغلمانه : لا تحجبوه إذا جاء ، فأتيته من الغد فسلم علي وقربني وجعل يناظرني وبين يديه صبي وبيده رطب يأكله فنطق الصبي وقال : الحق حق مولاي وهو الإمام ، قال محمد بن العلا: فتغير لوني وغشى علي فحلفني أشد الأيمان على أن لا أخبر به أحدا حتى يموت).

خروج الإمام عليه السلام لصلاة العيد

السادس والخمسون الكافي علي بن إبراهيم عن ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعا قال : (لما انقضى أمر المخلوع واستوى الأمر للمأمون كتب إلى الرضا (عليه السلام) يستقدمه إلى خراسان فاعتل عليه أبو الحسن (عليه السلام) بعلل فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك حتى علم أنه لا محيص له وأنه لا يكف عنه، فخرج (عليه السلام) ولأبي جعفر (عليه السلام) سبع سنين ، فكتب إليه المأمون لا تأخذ على طريق الجبل وقم وخذ على طريق البصرة والأهواز وفارس حتى وافى مرو ، فعرض عليه المأمون أن يتقلد الأمر والخلافة فأبى أبو الحسن (عليه السلام) ، قال : فولاية العهد؟ فقال : على شروط أسألكها، قال المأمون له : سل ما شئت ، فكتب الرضا (عليه السلام) : إني داخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولي ولا أعزل ولا أغير شيئا مما هو قائم وتعفيني من ذلك كله ، فأجابه المأمون إلى ذلك كله ، قال : فحدثني ياسر قال : فلما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (عليه السلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب، فبعث إليه الرضا (عليه السلام) : قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول هذا الأمر ، فبعث إليه المأمون : إنما أريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس ويعرفوا فضلك ، فلم يزل (عليه السلام) يراده الكلام في ذلك فألح عليه فقال : يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال المأمون : اخرج كيف شئت ، وأمر المأمون القواد والناس أن يبكروا إلى باب أبي الحسن ، قال : فحدثني ياسر الخادم : أنه قعد الناس لأبي الحسن (عليه السلام) في الطرقات والسطوح الرجال والنساء والصبيان واجتمع القواد والجند على باب أبي الحسن (عليه السلام) ، فلما طلعت الشمس قام (عليه السلام) فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر ثم قال لجميع مواليه : افعلوا مثل ما فعلت ، ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فلما مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء وكبر أربع تكبيرات فخيل إلينا أن السماء والحيطان تجاوبه والقواد والناس على الباب قد تهيئوا ولبسوا السلاح وتزينوا بأحسن الزينة ، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع الرضا (عليه السلام) وقف على الباب وقفة ثم قال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله على ما أبلانا نرفع بها أصواتنا ، قال ياسر : فتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا إلى أبي الحسن (عليه السلام) وسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن (عليه السلام) حافيا ، وكان يمشي ويقف في كل عشر خطوات ويكبر ثلاث مرات ، قال ياسر : فتخيل إلينا أن السماء والأرض والجبال تجاوبه وصارت مرو ضجة واحدة من البكاء وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين : يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس والرأي أن تسأله أن يرجع ، فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن (عليه السلام) بخفه فلبسه وركب ورجع).

المأمون يخبر محمد بن عبدالله ببعض كرامات الإمام عليه السلام

السابع والخمسون غيبة الطوسي  عن محمد بن عبد الله بن الحسن الأفطس قال : (كنت عند المأمون يوما ونحن على شراب حتى إذا أخذ منه الشراب مأخذه صرف ندماءه واحتبسني ثم أخرج جواريه وضربن وتغنين فقال لبعضهن : بالله لما رثيت من بطوس قاطنا فأنشأت تقول:

تنقينا لطوس ومن أضحى بها قطنا

من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا

أعني أبا حسن المأمون أن له

حقا على كل من أضحى بها شجنا

قال محمد بن عبد الله : فجعل يبكي حتى أبكاني ، ثم قال لي : ويلك يا محمد أيلومني أهل بيتي وأهل بيتك أن أنصب أبا الحسن (عليه السلام) علما والله لو بقي لخرجت من هذا الأمر ولأجلسته مجلسي غير أنه عوجل فلعن الله عبيدالله وحمزة ابني الحسن فإنهما قتلاه ثم قال لي : يا محمد بن عبد الله والله لأحدثنك بحديث عجيب فاكتمه قلت : ما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال: لما حملت زاهرية ببدر أتيته فقلت له : جعلت فداك بلغني أن أبا الحسن موسى بن جعفر وجعفر بن محمد ومحمد بن علي وعلي بن الحسين والحسين (عليه السلام) كانوا يزجرون الطير ولا يخطئون وأنت وصي القوم وعندك علم ما كان عندهم وزاهرية حظيتي ومن لا أقدم عليها أحدا من جواري وقد حملت غير مرة كل ذلك تسقط فهل عندك في ذلك شيء ننتفع به ؟ فقال :لا تخش من سقطها فستسلم وتلد غلاما صحيحا مسلما أشبه الناس بأمه قد زاده الله في خلقه مزيدتين في يده اليمنى خنصر وفي رجله اليمنى خنصر فقلت في نفسي : هذه والله فرصة إن لم يكن الأمر على ما ذكر خلعته فلم أزل أتوقع أمرها حتى أدركها المخاض فقلت للقيمة : إذا وضعت فجيئيني بولدها ذكرا كان أو أنثى ، فما شعرت إلا بالقيمة وقد أتتني بالغلام كما وصفه زائد اليد والرجل كأنه كوكب دري فأردت أن أخرج من الأمر يومئذ وأسلم ما في يدي إليه فلم تطاوعني نفسي لكني دفعت إليه الخاتم فقلت : دبر الأمر فليس عليك مني خلاف وأنت المقدم وبالله أن لو فعل لفعلت).

أقول : وفي مناقب ابن شهر آشوب عن محمد بن عبد الله بن الحسن المذكور مثله مقتصرا على بعض الحديث عن كتاب الجلاء والشفاء ، ورواه أيضا ابن بابويه في العيون ببعض زيادة ونقيصة والمعنى واحد غير أن فيه عبد الله بن محمد الهاشمي مكان محمد بن عبد الله وفي روايته ( فقلت له : جعلت فداك إن أباك موسى بن جعفر وجعفر بن محمد ومحمد بن علي وعلي بن الحسين كان عندهم علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وأنت وصي القوم ووارثهم وعندك علمهم ) الحديث ، ثم قال الصدوق  عقيب ذكر الحديث ما هذا لفظه : ( قال مصنف هذا الكتاب : إنما علم الرضا (عليه السلام) بذلك بما وصل إليه عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وذلك أن جبرائيل قد كان نزل إليه بأخبار الخلفاء وأولادهم من بني أمية وولد العباس وبالحوادث التي تكون في أيامهم وما يجري على أيديهم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) انتهى كلامه .

تحقيق في طريق علم الأئمة عليهم السلام

ونحن نقول : ولا قوة إلا بالله العلي العظيم يظهر من هذا الكلام إن طريق علم الأئمة (عليه السلام) بأمثال هذه الأمور كان منحصرا فيما ذكره من العلم الإخباري وهو ناش من العكوف على مسلك القميين من الشيعة وإلا لكان ينبغي في مثل هذا المقام أن يقول إنما علم الرضا (عليه السلام) بذلك لأن الله أشهده وأشهد سائر الأئمة من آل محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين خلق السماوات والأرض حين خلق وجعلهم تراجم مشيته وألسن أرادته يجري جميع الأمور التكوينية والتشريعية على أيديهم كما نطقت بذلك الأخبار المتواترة والنصوص المتضافرة التي تجاوزت حد الإحصاء وقد أخرج كثيرا منها هو نفسه في كتبه والباقي من هو أوثق منه من محدثي أصحابنا الأكابر كالشيخ الأجل الأعظم ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني والشيخ الثقة العين الصدوق علي بن إبراهيم القمي والشيخ الثقة العظيم الشأن محمد بن الحسن الصفار وعديله وسهيمه سعد بن عبد الله الأشعري والشيخ الجليل الثقة النبيل أبي علي بن همام وتلميذه الشيخ العدل الجليل هارون بن موسى التلعكبري وأشباههم من رواة الشيعة وأساطين الشريعة جزاهم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء من حملة حفظوا ما حملوا ورعوا ما استحفظوا ولعل الغور في مطاوي أخبار كتابنا هذا الذي بأيدينا الذي هو في الحقيقة صحيفة للأبرار كما سميناه بها يرشدك إلى حقيقة ما ادعيناه مع أنه في هذا الباب قطرة من البحر الطمطام وموجة من اليم القمقام ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الإمام يجيب الحسن الوشاء عن مائله دون أن يراه فيترك الوقف

الثامن والخمسون العيون قال : حدثنا أبي œ قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أبو الخير صالح بن أبي حماد عن الحسن بن علي الوشاء قال : (كنت كتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن (عليه السلام) وجمعتها في كتاب مما روي عن آبائه (عليه السلام) وغير ذلك وأحببت أن أثبت في أمره وأختبره ، فحملت الكتاب في كمي وصرت إلى منزله وأردت أن آخذ منه خلوة فأناوله الكتاب فجلست ناحية وأنا متفكر في طلب الإذن عليه وبالباب جماعة جلوس يتحدثون ، فبينا أنا كذلك في الفكرة في الاحتيال للدخول عليه إذ أنا بغلام قد خرج من الدار في يده كتاب فنادى : أيكم الحسن بن علي الوشاء ابن بنت إلياس البغدادي ؟ فقمت إليه فقلت : أنا الحسن بن علي فما حاجتك ؟ فقال:هذا الكتاب أمرت بدفعه إليك فهاك خذه ، فأخذته وتنحيت ناحية فقرأته ، فإذا والله فيه جواب مسألة مسألة فعند ذلك قطعت عليه وتركت الوقف).

الإمام يخرج من الحائط رطبا

التاسع والخمسون عن دلائل الطبري  عن عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثنا عمارة بن زيد ، قال: (رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع إليه وإلى المأمون ولد العباس ليزيلوه عن ولاية العهد ورأيته يكلم المأمون ويقول: يا أخي ما لي هذا من حاجة ولست متخذ الظالمين عضدا؟ وإذا على كتفه الأيمن أسد وعلى يساره أفعى يحملان على كل من حوله ، فقال المأمون : أتلوموني على محبة هذا ثم رأيته وقد أخرج من حائط رطبا فأطعمهم).

أقول : وفي راحة الأرواح عن أبي الفضل محمد بن علي الشاذاني القزويني بإسناده عن عمارة بن زيد مثله.

الإمام يمضي إلى مكة والمدينة في ليلة واحدة

الستون راحة الأرواح ومونس الأشباح عن محمد بن علي الشاذاني القزويني بسنده عن الحسن بن محمد النوفلي قال : (لما ورد الرضا (عليه السلام) طوس اشتاق إلى ابنه أبي جعفر (عليه السلام) فدخل يوما على المأمون فقال له : أريد أن تعفيني عن الحضور عندك سبعة أيام فإني أريد شرب الدواء والمضي إلى العين الحميمة ولا يأتني رسلك في تلك الأيام فقال المأمون : لك ذلك وإن كان يعز علي فراقك قال : فأمر الرضا (عليه السلام) بالخيم فحملوها وركب هو مع خدمه حتى أتى العين وخيم عندها وشيعه المأمون مع قواده وجنده إلى تلك العين فلما رجعوا أمر الرضا (عليه السلام) من معه من الخدم أن لا يخرجوا من خيامهم ولا يدنوا من حول خيمته وأمر مولى له أن يقوم على باب الخيمة لئلا يدخل عليه أحد فمضى هو (عليه السلام)  إلى المدينة وأتى واليها وأقام عنده زمانا ثم مضى إلى مكة وأتى واليها ثم رجع إلى طوس والمأمون يعد الأيام فلما كان اليوم الثامن قعد المأمون فدخل عليه الرضا (عليه السلام) فركبا وأتيا المعسكر قال: فلم يأت على ذلك زمان حتى ورد كتاب على المأمون من عبد الله بن عبد الله الهاشمي عامله على المدينة على يدي بريد مسرع أن علي بن موسى أتاني بالمدينة ثم خرج منها متوجها إلى مكة ورأيت أن أعلم الأمير بذلك وورد كتاب آخر من داود عامله على مكة أن علي بن موسى مقيم بمكة وقد أنفذت إليك خبره ساعة ورد علينا ولما قرأ المأمون الكتابين سهر ليلته تلك وبقي يتفكر في أمر الرضا (عليه السلام) ويتعجب منه فلما أصبح أتى أبا الحسن (عليه السلام) وأنا عنده وهو جالس على كرسي يسألني عن حالي ويقول: كيف كان حالك في غيبتي ؟ فقلت : جعلت فداك قد كنت شديد الحزن على فراقك فبينما نحن في هذا الكلام إذ دخل خادم المأمون وقال : إن الأمير يريد الدخول عليك فقال : أدخله ولما دخل قام له الرضا (عليه السلام) فقال المأمون : لا والله لا آتيك حتى تقعد فقعد الرضا (عليه السلام) وجاء المأمون وجلس معه على المصلى ثم نظر إلينا وخصني بالخطاب من بين الجلساء وقال لي : يا نوفلي يخف عليك أن تخفف عنا ساعة قال : فقمت أنا وخرجت فخرج كل من حضر قال النوفلي : فأخذ المأمون مع أبي الحسن (عليه السلام) في الحديث ونحن نسمع صوت المأمون بالضحك فلما أخرج المأمون أرسل إلينا أبو الحسن (عليه السلام) فحضرنا عنده فقال لي : يا حسن ألا تعجب من صديقك ؟ قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال: أنه قال لي : إني ذاهب إلي العين أريد أشرب بها الدواء ولا بد أن تعفيني سبعة أيام ثم مضيت إلي المدينة ومكة وقد أعطاك الله تعالى علما عظيما وأنا أخوك وابن عمك أتقرب إلى الله بولايتك وولاية أبيك فلا بد أن تعلمني حرفا أنتفع به فقلت له : إن هذا من الحيل التي احتالها عاملوا التهامة والحجاز فإني لو كنت خضرا ما قدرت على ذلك فكيف وأنا واحد من رعيتك ؟ قال : فجعل يضحك بالقهقهة وقال لي : والله إنك فعلته ووالله إنك حجة الله ووليه).

الإمام يخرج لواحد من شيعته ما اشتهاه من عنب ورمان

الحادي والستون عن دلائل الطبري عن أبي محمد عبد الله بن محمد البلوي قال : حدثنا عمارة بن زيد قال : (صحبت علي بن موسى الرضا إلى مكة ومعي غلام لي فاعتل في الطريق فاشتهى العنب ونحن في مفازة فوجه إلي الرضا فقال : إن غلامك يشتهي العنب فانظر أمامك فنظرت وإذا أنا بكرم لم أر أحسن منه وأشجار رمان فقطعت عنبا ورمانا وأتيت به الغلام فتزودنا منه إلى مكة ورجعت منه إلى بغداد فحدثت الليث بن سعد وإبراهيم بن سعيد الجوهري فأتيا الرضا (عليه السلام) فأخبراه فقال لهما الرضا (عليه السلام) : وما هي ببعيد منكما ها هو ذا فإذا هم ببستان فيه من كل نوع فأكلنا وادخرنا). 

أقول: وفي راحة الأرواح عن الشاذاني القزويني عن عمارة بن زيد مثله سواء والسلام .

الإمام الذي تحت الإمام ينطق له بالإمامة

الثاني والستون وعنه حدثنا علي بن قنطر الموصلي قال : حدثنا سعد بن سلام قال : ( أتيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد جاش الناس فيه وقالوا: لا يصلح للإمامة فإن أباه لم يوص إليه ، فقعد منا عشرة رجال فكلموه فسمعت الجماد الذي من تحته يقول:  هو إمامي وإمام كل شيء وإنه دخل المسجد الذي في المدينة - يعني مدينة أبي جعفر - فرأيت الحيطان والخشب تكلمه وتسلم عليه).

أقول : وفي راحة الأرواح عن الشيخ أبي الفضل محمد بن علي الشاذاني القزويني بإسناده عن سعد بن سلام مثله غير أنه ليس فيه يعني مدينة أبي جعفر.

الإمام يكلم الناس بلغاتهم

 الثالث والستون العيون قال : حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني œ قال : حدثنا عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أبي الصلت الهروي قال : ( كان الرضا (عليه السلام) يكلم الناس بلغاتهم وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة فقلت له يوما : يا ابن رسول الله إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها ، فقال : يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أ وما بلغك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : أوتينا فصل الخطاب فهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات).

حديث سلسلة الذهب

الرابع والستون كشف الغمة للشيخ الجليل الملى أبي الفتح علي بن عيسى الأربلي قال نقلت من كتاب لم يحضرني اسمه الآن ما صورته حدث المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمد بن أبي سعد بن عبد الكريم الوزان في محرم سنة ست وتسعين وخمسمائة قال :(أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه أن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي حضى فيها بفضيلة الشهادة كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله فقالا : أيها السيد بن السادة أيها الإمام وابن الأئمة أيها السلالة الطاهرة الرضية أيها الخلاصة الزاكية النبوية بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك نذكرك به فاستوقف البغلة ورفع المظلة وأقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة فكانت ذؤابتاه كذؤابتي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) والناس على طبقاتهم قيام كلهم وكانوا بين صارخ وباك وممزق ثوبه ومتمرغ في التراب ومقبل حزام بغلته ومطول عنقه إلى مظلة المهد إلى أن انتصف النهار وجرت الدموع كالأنهار وسكنت الأصوات وصاحت الأئمة والقضاة معاشر الناس اسمعوا وعوا ولا تؤذوا رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) في عترته وأنصتوا فأملى (صلى الله عليه وأله وسلم) هذا الحديث وعد من المحابر أربع وعشرون ألفا سوى الدوي والمستملي أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله.

فقال (عليه السلام) : حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم قال حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين قال حدثني أبي الحسين بن علي شهيد كربلاء قال حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة قال : حدثني أخي وأبن عمي محمد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) قال : حدثني جبرائيل (عليه السلام) قال سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول : كلمة لا آله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي صدق الله سبحانه وصدق جبرئيل وصدق رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) والأئمة (عليه السلام) .

قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : إن هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض أمراء السامانية فكتب بالذهب وأوصى أن يدفن معه فلما مات رؤي في المنام فقيل : ما فعل الله بك؟ فقال غفر الله لي بتلفظي بلا إله إلا الله وتصديقي محمدا رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) مخلصا وإني كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيما واحتراما)،هي.

 يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب : وذكر هذه القصة بهذا التفصيل عن تاريخ نيسابور علي بن أحمد المالكي في (الفصول المهمة) والميرزا محمد بن رستم الحارثي البدخشي في كتابه (مفتاح النجاء في مناقب أصحاب العباء) وهو من متأخري علماء العامة من أبناء المائة الثانية عشر من معاصري مولانا المجلسي  وكذا ذكرا عن أبي القسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ما ذكره شيخنا الأربلي هنا من القصة سواء غير الأخير قال بعد ذكر الرواية : ( إن ذكر أبي زرعة ومحمد بن أسلم في هذه الرواية وهم من بعض الرواة والثابت إسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وإنما كان لأبي زرعة في تلك السنة عشر سنين وأما محمد بن أسلم فأيضا كان ابتداء طلبه للحديث ولم يكن حينئذ من المشهورين والله أعلم) ، هي.

أقول : ولا مزية في الكلام على ذلك وروى هذا الحديث من طريقنا الشيخ الجليل محمد بن بابويه  بسنده عن سحاق بن راهويه هكذا (لا الله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها  ) وقد مر الخبر بسنده في الجزء الثاني من القسم الأول من هذا الكتاب منقولا عن أمالي الصدوق  وهو الحديث السابع والثمانون منه هذا ونقل شيخنا الأمجد الأوحد شيخ المتألهين الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي قدس سره في كتابه شرح الزيارة الجامعة في شرح فقرة ( وبموالاتكم تمت الكلمة إلخ ) بعد ذكر هذا الحديث إن بعض السلاطين أمر بكتابة هذا السند بماء الذهب وأنه كان يعالج به المصروعين كان يكتب في أناء ويمزج بماء يشربه المصروع والعليل فيبرء وإلى الآن هذا حاله، هي.

أقول : جريان الكلام في حال هذا السند الشريف ذكرني ما جرى بين بعض الأصحاب وبين أحمد بن حنبل في مثله وهو من لطيف الأجوبة وهو ما رواه الصدوق  في العيون قال : ( حدثنا أبي  قال حدثنا محمد بن معقل القرميسيني عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال كنت واقفا على رأس أبي وعنده أبو الصلت الهروي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن محمد بن حنبل فقال أبي ليحدثني كل رجل منكم بحديث فقال أبو الصلت الهروي حدثني علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وكان والله رضا كما سمي عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) : الإيمان قول وعمل ، فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل : ما هذا الإسناد ؟ فقال له أبي : هذا سعوط المجانين إذا سعط به المجنون أفاق .

دعبل ينشد قصيدته التائية على الإمام عليه السلام

الخامس والستون العيون قال : حدثنا الحسين بن أحمد بن هاشم المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق c قالا : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : ( دخل دعبل بن علي الخزاعي œ على أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو فقال له : يا ابن رسول الله   إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال (عليه السلام) : هاتها فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله:

أرى فيئهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) وقال له : صدقت يا خزاعي فلما بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل أبو الحسن (عليه السلام) يقلب كفيه ويقول : أجل والله منقبضات فلما بلغ إلى قوله :

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

وأني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضا (عليه السلام) : آمنك الله تعالى يوم الفزع الأكبر فلما انتهى إلى قوله :

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات

فقال له الرضا (عليه السلام) : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال :بلى يا بن رسول الله فقال (عليه السلام) :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقد في الأحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما

يفرج عنا الهم والكربات

فقال دعبل : يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟

فقال الرضا (عليه السلام) : قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له ثم نهض الرضا (عليه السلام) بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة وأمره أن لا يبرح من موضعه فدخل الدار فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية فقال له : يقول لك مولاي : اجعلها في نفقتك ، فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شيء يصل إلي ورد الصرة وسأل ثوبا من ثياب الرضا (عليه السلام) ليتبرك  ويتشرف به فأنفذ إليه الرضا (عليه السلام) جبة خز مع الصرة وقال للخادم : قل له : خذ هذه الصرة فإنك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها ، فأخذ دعبل الصرة والجبة وانصرف وسار من مرو في قافلة فلما بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها وكان دعبل فيمن كتف وملك اللصوص القافلة وجعلوا يقسمونها بينهم فقال رجل من القوم : متمثلا بقول دعبل في قصيدته :

أرى فيئهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات 

فسمعه دعبل فقال له : لمن هذا البيت ؟

فقال : لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي.

قال  دعبل  : فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت.

فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلي على رأس تل وكان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل وقال له : أنت دعبل؟

فقال : نعم

قال له : أنشد القصيدة.

فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة ورد إليهم جميع ما أخذ منهم كرامة لدعبل وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال والخلع بشيء كثير واتصل بهم خبر الجبة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار فامتنع من ذلك فقالوا له بعنا شيئا منها بألف دينار فأبى عليهم وسار عن قم فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبة منه فرجع دعبل إلى قم وسألهم رد الجبة عليه فامتنع الأحداث من ذلك وعصوا المشائخ في أمرها فقالوا لدعبل لا سبيل لك إلى الجبة فخذ ألف دينار فأبى عليهم فلما يئس من ردهم الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا فأجابوه إلى ذلك وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله فباع المائة الدينار التي كان الرضا عليه السلام وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم فذكر قول الرضا (عليه السلام) إنك ستحتاج إلى الدنانير وكانت له جارية لها من قبله محل فرمدت عينها رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها فنظروا إليها فقالوا أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت وأما اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم فاغتم لذلك دعبل غما شديدا وجزع عليها جزعا عظيما ثم أنه ذكر ما كان معه من وصلة الجبة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة منها من أول الليل فأصبحت وعيناها أصح ما كانتا قبل ببركة أبي الحسن الرضا (عليه السلام)).

خبر وفاة دعبل

يقول محمد تقي شريف مصنف هذا الكتاب عفا الله عنه وحيث جرى ذكر دعبل أحببت أن أورد خبر وفاته عقيب هذا الحديث لما فيه من البشارة للشيعة المنقطعين إلى آل الرسول صلى الله عليه وعليهم أجمعين وهو ما روى الشيخ الصدوق محمد بن بابويه  في العيون،قال : حدثنا أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الهرمزي البيهقي قال : سمعت أبا الحسن داود البكري يقول سمعت علي بن دعبل بن علي الخزاعي يقول : لما أن حضرت أبي الوفاة تغير لونه و انعقد لسانه واسود وجهه فكدت الرجوع من مذهبه فرأيته بعد ثلاثة  أيام  فيما يرى النائم وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء فقلت له : يا أبت ما فعل الله بك ؟ فقال : يا بني إن الذي رأيته من اسوداد وجهي وانعقاد لساني كان من شربي الخمر في دار الدنيا ولم أزل كذلك حتى لقيت رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء فقال لي : أنت دعبل قلت : نعم يا رسول الله قال : فأنشدني قولك في أولادي فأنشدته قولي :

لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت

وآل أحمد مظلومون قد قهروا

مشردون نفوا عن عقر دارهم

كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

قال : فقال لي : أحسنت وشفع في وأعطاني ثيابه وها هي وأشار إلى ثياب بدنه).

محاججة الإمام عليه السلام مع رؤساء الأديان

السادس والستون الخرائج قال: روي عن محمد بن الفضل الهاشمي قال: لما توفي الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أتيت المدينة ، فدخلت على الرضا (عليه السلام) فسلمت عليه بالأمر وأوصلت إليه ما كان معي ، وقلت : إني صائر إلى البصرة ، وقد عرفت كثرة خلاف الناس وقد نعي إليهم موسى (عليه السلام) وما  أشك أنه سيسألوني عن براهين الإمام ، فلو أريتني شيئا من ذلك ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : لم يخف علي هذا ، فأبلغ أولياءنا بالبصرة وغيرها أني قادم عليهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . ثم أخرج إلى جميع ما كان للنبي (صلى الله عليه وأله وسلم) عند الأئمة : من بردته وقضيبه وسلاحه وغير ذلك. فقلت : ومتى تقدم عليهم ؟ قال : بعد ثلاثة أيام من وصولك ودخولك البصرة إن شاء الله تعالى فلما قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم : أتيت موسى بن جعفر (عليه السلام) قبل وفاته بيوم واحد ، فقال : إني ميت لا محالة  فإذا واريتني في لحدي فلا تقيمن، وتوجه إلى المدينة بودائعي هذه ، وأوصلها إلى ابني « علي بن موسى الرضا (عليه السلام)» فهو وصيي وصاحب الأمر بعدي . ففعلت ما أمرني به ، وأوصلت الودائع إليه ، وهو يوافيكم إلى ثلاثة أيام من يومي هذا فاسألوه عما شئتم . فابتدر للكلام عمرو بن هذاب من القوم ، وكان ناصبيا ينحو نحو التزيد  والاعتزال ، فقال : يا محمد إن الحسن بن محمد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه وزهده وعلمه وسنه ، وليس هو كشاب مثل علي بن موسى ، ولعله لو سئل عن شيء من معضلات الأحكام لحار في ذلك . فقال الحسن بن محمد - وكان حاضرا في المجلس -: لا تقل يا عمرو ذلك ، فإن عليا على ما وصف من الفضل ، وهذا محمد بن الفضل يقول : إنه يقدم إلى ثلاثة أيام فكفاك به دليلا . وتفرقوا . فلما كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة إذا الرضا (عليه السلام) قد وافى فقصد منزل الحسن بن محمد وأخلى له داره ، وقام بين يديه ، يتصرف بين أمره ونهيه فقال : يا حسن بن محمد أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمد بن الفضل وغيرهم من شيعتنا ، وأحضر جاثليق النصارى ، ورأس الجالوت ، ومر القوم أن يسألوا عما بدا لهم . فجمعهم كلهم والزيدية والمعتزلة وهم لا يعلمون لما يدعوهم الحسن بن محمد فلما تكاملوا ثنى للرضا (عليه السلام) وسادة ، فجلس عليها ، ثم قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام ؟ فقالوا : لا . قال : لتطمئن أنفسكم . قالوا : ومن أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ، صليت اليوم الفجر  مع والي المدينة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وأقرأني – بعد أن صلينا – كتاب صاحبه إليه ، واستشارني في كثير من أموره ، فأشرت عليه بما فيه الحظ له ، ووعدته أن يصير إلي بالعشي بعد العصر من هذا اليوم ، ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه ، وأنا واف له بما وعدته به ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فقالت الجماعة: يا ابن رسول الله ما نريد مع هذا الدليل برهانا أكبر منه ، وإنت عندنا الصادق القول . وقاموا لينصرفوا ، فقال لهم الرضا (عليه السلام) : لا تتفرقوا فإني إنما جمعتكم لتسألوا عما شئتم من آثار النبوة وعلامات الإمامة التي لا تجدونها إلا عندنا أهل البيت ، فهلموا مسائلكم. فابتدر عمرو بن هذاب فقال : إن محمد بن الفضل [الهاشمي] ذكر عنك أشياء لا تقبلها القلوب. فقال الرضا (عليه السلام) : وما تلك ؟ قال : أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله ، وأنك تعرف كل لسان ولغة ! فقال الرضا (عليه السلام) : صدق محمد بن الفضل فأنا أخبرته بذلك فهلموا فاسألوا. قال : فإنا نختبرك قبل كل شيء بالألسن واللغات ، وهذا رومي ، فهذا هندي وهذا فارسي ، وهذا تركي. فأحضرناهم. فقال (عليه السلام) فليتكلموا بما أحبوا ، أجب كل واحد منهم بلسانه إن شاء الله تعالى . فسأل كل واحد منهم مسألة بلسانه ولغته ، فأجابهم عما سألوا بألسنتهم ولغاتهم فتحير الناس وتعجبوا ، وأقروا جميعا بأنه أفصح منهم بلغاتهم. ثم نظر الرضا (عليه السلام) إلى ابن هذاب فقال : إن أنا أخبرتك أنك ستبتلى في هذه الأيام بدم ذي رحم لك أكنتمصدقا لي ؟ قال : لا ، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى. قال الرضا (عليه السلام) : أو ليس الله يقول: ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول﴾ فرسول الله عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وإن الذي أخبرتك به يا بن هذاب لكائن إلى خمسة أيام ، فإن لم يصح ما قلت لك في هذه المدة وإلا فإني كذاب مفتر ، وإن صح فتعلم أنك الراد على الله وعلى رسوله. ولك دلالة أخرى : أما إنك ستصاب ببصرك ، وتصير مكفوفا ، فلا تبصر سهلا ولا جبلا ، وهذا كائن بعد أيام. ولك عندي دلالة أخرى : إنك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص. قال محمد بن الفضل: تالله لقد نزل ذلك كله بابن هذاب ، فقيل له : أصدق الرضا أم كذب ؟ قال : والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنه كائن ولكني كنت أتجلد. ثم إن الرضا (عليه السلام) التفت إلى الجاثليق فقال: هل دل الإنجيل على نبوة محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) ؟ قال: لو دل الإنجيل على ذلك ما جحدناه. فقال (عليه السلام) : أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث. فقال الجاثليق: اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا أن نظهره. قال الرضا (عليه السلام) : فإن قررتك أنه اسم محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) وذكره ، وأقر عيسى به ، وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد (صلى الله عليه وأله وسلم) أتقر به ولا تنكره؟ قال الجاثليق: إن فعلت أقررت ، فإني لا أرد الإنجيل ولا أجحده. قال الرضا (عليه السلام) : فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد ، وبشارة عيسى بمحمد (صلى الله عليه وأله وسلم) قال الجاثليق: هات ! فأقبل الرضا (عليه السلام) يتلو ذلك السفر من الإنجيل حتى بلغ ذكر محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)، فقال: يا جاثليق من هذا [النبي الموصوف ؟ قال الجاثليق: صفه ، قال: لا أصفه إلا بما وصفه الله: هو صاحب الناقة والعصا والكساء ، النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم يهدي إلى الطريق الأقصد والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم. سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله وكلمته ، هل تجد هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي ؟ فأطرق الجاثليق مليا ، وعلم أنه إن جحد الإنجيل كفر ، فقال : نعم هذه الصفة في الإنجيل ، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ، ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم فقال الرضا (عليه السلام) : أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل ، وأقررت بما فيه من صفة محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) فخذ علي في السفر الثاني، فإني أوجدك ذكره وذكر وصيه، وذكر ابنته فاطمة ، وذكر الحسن والحسين ، فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا (عليه السلام) عالم بالتوراة والإنجيل فقالا : والله قد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه ، إلا بجحود التوراة والإنجيل والزبور ، وقد بشر به موسى وعيسى جميعا ، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا ، فأما اسمه محمد ، فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته ، ونحن شاكون أنه محمدكم أو غيره ، فقال الرضا (عليه السلام) : احتججتم بالشك ، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)؟ أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمدنا ؟ فأحجموا عن جوابه وقالوا : لا يجوز لنا أن نقر لكم بأن محمدا هو محمدكم لأنا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرها فقال الرضا (عليه السلام) : أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله وذمة رسوله أنه لا يبدؤك منا شيء تكره مما تخافه وتحذره. قال: أما إذا قد آمنتني فان هذا  النبي الذي اسمه ( محمد ) وهذا الوصي الذي اسمه (علي) وهذه البنت التي اسمها (فاطمة) وهذان السبطان اللذان اسمهما (الحسن والحسين) في التوراة والإنجيل والزبور. قال الرضا (عليه السلام) : فهذا الذي ذكرته في التوراة والإنجيل والزبور من اسم هذا النبي، وهذا الوصي، وهذه البنت، وهذين السبطين، صدق وعدل أم كذب وزور؟ قال: بل صدق وعدل، وما قال الله إلا بالحق. فلما أخذ الرضا (عليه السلام) إقرار الجاثليق بذلك، قال لرأس جالوت: فاستمع الآن يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود. قال: هات بارك الله فيك وعليك وعلى من ولدك. فتلا الرضا (عليه السلام) السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام)، فقال: سألتك يا رأس الجالوت بحق الله أهذا في زبور داود؟ ولك من الأمان والذمة والعهد ما قد أعطيته الجاثليق. فقال رأس الجالوت: نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم. قال الرضا (عليه السلام) : فبحق العشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران (عليه السلام) في التوراة، هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل ؟ قال: نعم ، ومن جحد هذا  فهو  كافر بربه وأنبيائه. قال له الرضا (عليه السلام) : فخذ الآن علي سفر كذا من التوراة. فأقبل الرضا (عليه السلام) يتلو التوراة، ورأس الجالوت يتعجب من تلاوته وبيانه، وفصاحته ولسانه حتى إذا بلغ ذكر محمد قال رأس الجالوت: نعم، هذا أحماد وبنت أحماد وإليا وشبر وشبير، وتفسيره بالعربية: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. فتلا الرضا (عليه السلام) السفر إلى تمامه. فقال رأس الجالوت  لما فرغ من تلاوته -: والله يا ابن محمد لولا الرئاسة التي قد حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحماد، واتبعت أمرك، فوالله الذي أنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، ما رأيت أقرأ للتوراة والإنجيل والزبور منك، ولا رأيت أحدا أحسن وتفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك. فلم يزل الرضا (عليه السلام) معهم في ذلك إلى وقت الزوال، فقال لهم حين حضر وقت الزوال -: أنا اصلي وأصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت  والي المدينة ليكتب جواب كتابه، وأعود إليكم بكرة، إن شاء الله. قال: فأذن عبد الله بن سليمان، وأقام، وتقدم الرضا (عليه السلام) فصلى بالناس، وخفف القراءة، وركع تمام السنة، وانصرف. فلما كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك فأتوه بجارية رومية، فكلمها بالرومية - والجاثليق يسمع، وكان فهما بالرومية - فقال الرضا (عليه السلام) - بالرومية -: أيما أحب إليك محمد أم عيسى؟ فقالت: كان فيما مضى عيسى أحب إلي حين لم أكن عرفت محمدا، فأما بعد أن عرفت محمدا، فمحمد الآن أحب إلي من عيسى ومن كل نبي. فقال لها الجاثليق: فإذا كنت دخلت في دين محمد فتبغضين عيسى؟ قالت: معاذ الله بل أحب عيسى وأؤمن به، ولكن محمدا أحب إلي. فقال الرضا (عليه السلام) للجاثليق: فسر للجماعة ما تكلمت به الجارية، وما قلت أنت لها، وما أجابتك به. ففسر لهم الجاثليق ذلك كله ،ثم قال الجاثليق: يا ابن محمد هاهنا رجل سندي وهو نصراني صاحب احتجاج وكلام بالسندية فقال له: أحضرنيه، فأحضره، فتكلم معه بالسندية، ثم أقبل يحاجه وينقله  من شيء إلى شيء بالسندية في دين النصرانية. فسمعنا السندي يقول بالسندية: ثبطي ثبطى ثببثطلة فقال الرضا (عليه السلام) قد وحد الله بالسندية. ثم كلمه في عيسى ومريم، فلم يزل يدرجه من حال إلى حال إلى أن قال بالسندية: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. ثم رفع منطقة كانت عليه فظهر من تحتها زنار في وسطه فقال: اقطعه أنت بيدك يا ابن رسول الله. فدعا الرضا (عليه السلام) بسكين، فقطعه، ثم قال لمحمد بن الفضل الهاشمي: خذ السندي إلى الحمام وطهره، واكسه وعياله واحملهم جميعا إلى المدينة. فلما فرغ من مخاطبة القوم، قال: قد صح عندكم صدق ما كان محمد بن الفضل يلقي عليكم عني؟ فقالوا  بأجمعهم : نعم، والله قد بان لنا منك فوق ذلك أضعافا مضاعفة، وقد ذكر لنا محمد بن الفضل أنك تحمل إلى خراسان؟ فقال: صدق محمد إلا أني أحمل مكرما معظما مبجلا. قال محمد بن الفضل: فشهد له الجماعة بالإمامة، وبات عندنا تلك الليلة فلما أصبح ودع الجماعة وأوصاني بما أراد، ومضى، وتبعته حتى إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق، فصلى أربع ركعات. ثم قال: يا محمد انصرف في حفظ الله، غمض طرفك. فغمضته، ثم قال: افتح عينيك. ففتحتهما فإذا أنا على باب منزلي بالبصرة ! ولم أر الرضا (عليه السلام). قال: وحملت السندي وعياله إلى المدينة في وقت الموسم. قال محمد بن الفضل: كان مما أوصاني به الرضا (عليه السلام) في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي: صر إلى الكوفة فاجمع الشيعة هناك وأعلمهم أني قادم عليهم. وأمرني أن أنزل في دار حفص بن عمير اليشكري، فصرت إلى الكوفة، فأعلمت الشيعة أن الرضا (عليه السلام) قادم عليهم. فأنا يوما عند نصر بن مزاحم إذ مر بي سلام خادم الرضا (عليه السلام) ، فعلمت أن الرضا (عليه السلام) قد قدم، فبادرت إلى دار حفص بن عمير، فإذا هو في الدار، فسلمت عليه، ثم قال لي: احتشد لي من طعام تصلحه للشيعة. فقلت: قد احتشدت وفرغت مما يحتاج إليه. فقال: الحمد لله على توفيقك. فجمعنا الشيعة، فلما أكلوا قال: يا محمد انظر من بالكوفة من المتكلمين والعلماء فأحضرهم. فأحضرناهم، فقال لهم الرضا (عليه السلام) : إني أريد أن أجعل لكم حظا من نفسي كما جعلت لأهل البصرة، وإن الله قد أعلمني كل كتاب أنزله. ثم أقبل على علماء النصارى واليهود وفعل كفعله بالبصرة، فاعترفوا له بذلك بأجمعهم وكان من علماء النصارى رجل يعرف بالعلم والجدل ويعرف الإنجيل فقال له :هل تعرف لعيسى صحيفة فيها خمسة أسماء يعلقها في عنقه[إذا كان] بالمغرب، فأراد المشرق فتحها، فأقسم على الله باسم واحد من الخمسة أن تنطوي له الأرض، فيصير من المغرب إلى المشرق ومن المشرق إلى المغرب في لحظة؟ فقال الجاثليق: لا علم لي بالصحيفة وأما الأسماء الخمسة كانت معه [ بلا شك] يسأل الله بها، أو بواحد منها فيعطيه الله جميع كلما يسأله. قال: الله أكبر إذا لم تنكر الأسماء فهو الغرض فأما الصحيفة فلا يضر أقررت بها أو أنكرت اشهدوا على قوله ثم قال: يا معاشر الناس أليس قد أنصف الناس من يحاجج خصمه بملته وبكتابه وبنبيه وشريعته؟ قالوا بأجمعهم: نعم. قال الرضا (عليه السلام) : فاعلموا أنه ليس بإمام بعد محمد إلا من قام بما قام به محمد حين يفضى الأمر إليه، ولا يصلح للإمامة إلا لمن حاج الأمم بالبراهين للإمامة. فقال رأس الجالوت: وما هذا الدليل على الإمام؟ قال: أن يكون عالما بالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الحكيم، فيحاج أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل القرآن بقرآنهم، وأن يكون عالما بجميع اللغات حتى لا يخفى عليه لسان واحد، فيحاج كل قوم بلغتهم ثم يكون مع هذه الخصال تقيا نقيا من كل دنس، طاهرا من كل عيب، عادلا، منصفا، حكيما  رؤوفا، رحيما، [حليما]، غفورا، عطوفا، مشفقا ،صادقا،بارا،  أمينا، مأمونا، راتقا، فاتقا. فقال إليه نصر بن مزاحم فقال: يا ابن رسول الله ما تقول في جعفر بن محمد؟ قال: ما أقول في إمام شهدت أمة محمد قاطبة بأنه كان أعلم أهل زمانه ! قال: فما تقول في موسى بن جعفر (عليه السلام)؟ قال: كان مثله. قال: فإن الناس قد تحيروا في أمره. قال: إن موسى بن جعفر (عليه السلام) عمر برهة من الزمان فكان يكلم الأنباط بلسانهم، ويكلم أهل خراسان بالدرية، وأهل الروم بالرومية، ويكلم العجم بألسنتهم، وكان يرد عليه من الآفاق علماء اليهود والنصارى، فيحاجهم بكتبهم وألسنتهم. فلما نفذت مدته، وكان وقت وفاته أتاني مولى برسالته يقول: يا بني إن الأجل قد نفذ، والمدة قد انقضت، وأنت وصي أبيك، فان رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) لما كان وقت وفاته دعا عليا وأوصاه، ودفع إليه الصحيفة التي كان فيها الأسماء التي خص الله بها الأنبياء والأوصياء، ثم قال: يا علي ادن مني. [فدنا منه] فغطى رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) رأس علي (عليه السلام) بملاءته، ثم قال له: أخرج لسانك. فأخرجه فختمه بخاتمه، ثم قال: يا علي اجعل لساني في فيك فمصه ، وابلغ عني ذلك كل ما تجد في فيك. ففعل علي ذلك، فقال له: إن الله فهمك ما فهمني، وبصرك ما بصرني وأعطاك من العلم ما أعطاني ، إلا النبوة، فإنه لا نبي بعدي، ثم كذلك إماما بعد إمام. فلما مضى موسى (عليه السلام) علمت كل لسان وكل كتاب وما كان وما سيكون بغير تعلم، وهذا سر الأنبياء أودعه الله فيهم، والأنبياء أودعوه إلى أوصيائهم، ومن لم يعرف ذلك ويحققه، فليس هو على شئ، ولا قوة إلا بالله.

إذا مضى عشرون يوما أتيتك

السابع والستون العيون قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار قال: حدثني أبي وسعد بن عبد الله جميعا عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الصمد بن عبيد الله عن محمد بن الأثرم وكان على شرطة محمد بن سليمان العلوي بالمدينة أيام أبي السرايا قال: (اجتمع عليه أهل بيته وغيرهم من قريش فبايعوه وقالوا له: لو بعثت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) كان معنا وكان أمرنا واحدا فقال محمد بن سليمان: اذهب إليه فاقرأه السلام وقل له: إن أهل بيتك اجتمعوا وأحبوا أن تكون معهم فإن رأيت أن تأتينا فافعل قال: فأتيته وهو بالحمراء فأديت ما أرسلني به إليه فقال أقرأه مني السلام وقل له: إذا مضى عشرون يوما أتيتك قال: فجئته فأبلغته ما أرسلني به فمكثنا أياما فلما كان يوم ثمانية عشر جاءنا ورقاء قائد الجلودي فقاتلنا وهزمنا وخرجت هاربا نحو الصورين فإذا هاتف يهتف بي: يا أثرم فالتفت إليه، فإذا أبو الحسن (عليه السلام) وهو يقول: مضت العشرون أم لا؟ ).

الإمام يقضي دين أبا محمد الغفاري

 الثامن والستون وفيه قال: حدثنا علي بن عبد الله الوراق قال: حدثني محمد بن جعفر بن بطة، قال حدثني محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عبد الرحمن الهمداني قال: حدثني أبو محمد الغفاري قال: (لزمني دين ثقيل فقلت: ما لقضاء ديني غير سيدي ومولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام فلما أصبحت أتيت منزله فاستأذنت فأذن لي فلما دخلت قال لي ابتداء يا أبا محمد قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك فلما أمسينا أتي بطعام للإفطار فأكلنا فقال: يا أبا محمد تبيت أو تنصرف؟ فقلت: يا سيدي إن قضيت  حاجتي فالإنصراف أحب إلي قال: فتناول (عليه السلام) من تحت البساط قبضة فدفعها إلي فخرجت ودنوت من السراج فإذا هي دنانير حمر وصفر فأول دينار وقع بيدي ورأيت نقشة كان عليه: يا أبا محمد الدنانير خمسون، ستة وعشرون منها لقضاء دينك وأربعة وعشرون لنفقة عيالك فلما أصبحت فتشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار وإذا هي لا تنقص شيئا.).

خبر شهادة الإمام عليه السلام

التاسع والستون وفيه حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني بن خلف الطاهري  قال: حدثني هرثمة بن أعين قال:( كنت ليلة بين يدي المأمون حتى مضى من الليل أربع ساعات ثم أذن لي في الانصراف [فانصرفت] فلما مضى من الليل نصفه قرع قارع الباب، فأجابه بعض غلماني فقال له: قل لهرثمة أجب سيدك، قال: فقمت مسرعا وأخذت على أثوابي وأسرعت إلى سيدي الرضا (عليه السلام) فدخل الغلام بين يدي ودخلت وراءه فإذا أنا بسيدي (عليه السلام) في صحن داره جالس فقال لي: يا هرثمة، فقلت: لبيك يا مولاي فقال لي: اجلس فجلست فقال لي: يا هرثمة اسمع وع هذا أوان رحيلي إلى الله تعالى ولحوقي بجدي وآبائي عليهم السلام، وقد بلغ الكتاب أجله وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك، فأما العنب فانه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط [في العنب] وأما الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان بيده ليلطخ حبه في ذلك السم وأنه سيدعوني في اليوم المقبل ويقرب إلي الرمان والعنب ويسألني أكلهما ثم ينفذ الحكم ويحضر القضاء فإذا أنا مت فسيقول أنا أغسله بيدي فإذا قال ذلك فقل له: عني بينك وبينه إنه قال لي: لا تتعرض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني فانك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخر عنك وحل بك أليم ما تحذر فانه سينتهي، قال: فقلت نعم يا سيدي قال: فإذا خلي بينك وبين غسلي [حتى ترى] فيجلس في علو من أبنيته مشرفا على موضع غسلي لينظر فلا تتعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيض قد ضرب في جانب الدار فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها فضعني من وراء الفسطاط وقف من ورائه ويكون من معك دونك ولا تكشف عني الفسطاط حتى تراني فتهلك فإنه سيشرف عليك ويقول لك، يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله، فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس فإذا قال ذلك فأجبه وقل له: إنا نقول إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام [مثله] فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني فضعني على نعشي واحملني فإذا أراد أن يحفر قبري فانه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري ولن يكون ذلك أبدا فإذا ضربت المعاول نبت عن الأرض ولم ينحفر لهم منها شيء ولا مثل قلامة ظفر فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له عني إني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد فإذا ضربت نفذ في الأرض إلى قبر محفور وضريح قائم فإذا انفرج [ذلك] القبر فلا تنزلني إليه حتى يفور من ضريحه الماء الأبيض فيمتلئ منه ذلك القبر حتى يصير الماء[ينبع] على وجه الأرض ثم يضطرب فيه حوت بطوله فإذا اضطرب فلا تنزلني إلى القبر إلا إذا غاب الحوت وأغار الماء فأنزلني في ذلك القبر وألحدني في ذلك الضريح ولا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه علي فإن القبر ينطبق من نفسه ويمتلئ قال: قلت: نعم سيدي، ثم قال لي: احفظ ما عهدت إليك وأعمل به ولا تخالف قلت: أعوذ بالله أن أخالف لك أمرا يا سيدي قال هرثمة: ثم خرجت باكيا حزينا فلم أزل كالحبة المقلاة لا يعلم ما في نفسي إلا الله تعالى، ثم دعاني المأمون، فدخلت إليه، فلم أزل قائما إلى ضحى النهار ثم قال المأمون: امض يا هرثمة إلى أبي الحسن (عليه السلام) فاقرأه مني السلام وقل له: تصير إلينا أو نصير إليك؟ فإن قال لك: بل نصير إليه فتسأله عني أن يقدم ذلك، قال: فجئته فلما اطلعت عليه، قال لي:يا هرثمة أليس قد حفظت ما أوصيتك به قلت: بلى، قال: قدموا إلي نعلي فقد علمت ما أرسلك به قال: فقدمت نعله ومشى إليه فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه إلى جانبه على سريره وأقبل عليه يحادثه ساعة من النهار طويلة ثم قال لبعض غلمانه: يؤتى بعنب ورمان قال هرثمة: فلما سمعت ذلك لم أستطع الصبر ورأيت النفضة قد عرضت في بدني فكرهت أن يتبين ذلك في فتراجعت القهقرى حتى خرجت فرميت نفسي في موضع من الدار فلما قرب زوال الشمس أحسست بسيدي قد خرج من عنده ورجع إلى داره ثم رأيت الأمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطباء والمترفقين فقلت ما هذا؟ فقيل لي: علة عرضت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وكان الناس في شك وكنت على يقين لما اعرف منه قال: فلما كان من الثلث الثاني من الليل حتى علا الصياح وسمعت الصيحة الصيحة  من الدار فأسرعت فيمن أسرع فإذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس محلل الأزرار قائما على قدميه ينتحب ويبكي قال: فوقفت فيمن وقف وأنا أتنفس الصعداء ثم أصبحنا فجلس المأمون للتعزية، ثم قام فمشى إلى الموضع الذي فيه سيدنا (عليه السلام) فقال: أصلحوا لنا موضعا فإني أريد أن أغسله فدنوت منه، فقلت له: ما قاله سيدي بسبب الغسل والتكفين والدفن فقال لي: لست أعرض لذلك، ثم قال: شأنك يا هرثمة قال: فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط قد ضرب فوقفت من ظاهره وكل من في الدار دوني وأنا اسمع التكبير والتهليل والتسبيح وتردد الأواني وصب الماء وتضوع الطيب[الذي]  لم أشم أطيب منه قال: فإذا أنا بالمأمون قد أشرف على بعض علالي داره فصاح بي:يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله؟ فأين محمد بن علي ابنه عنه وهو بمدينة رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وهذا بطوس خراسان؟ ! قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين إنا نقول: إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله ولا تبطل  إمامة الإمام الذي بعده بان غلب على غسل أبيه، ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى، قال: فسكت عني ثم ارتفع الفسطاط فإذا أنا بسيدي (عليه السلام) مدرج في أكفانه فوضعته على نعشه ثم حملناه فصلى عليه المأمون وجميع من حضر ثم جئنا إلى موضع القبر فوجدتهم يضربون بالمعاول دون قبر هارون ليجعلوه قبلة لقبره والمعاول تنبو عنه حتى لم تحفر  ذرة من تراب الأرض فقال لي: ويحك يا هرثمة أما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له؟ فقلت له: يا أمير المؤمنين إنه قد أمرني أن اضرب معولا واحدا في قبلة قبر أمير المؤمنين أبيك الرشيد ولا اضرب غيره قال: فإذا ضربت هرثمة يكون ماذا؟ قلت إنه أخبرني  أنه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره فإن أنا ضربت هذا المعول الواحد نفذ إلى قبر محفور من غير يد تحفره وبان ضريح في وسطه قال المأمون: سبحان الله ما أعجب هذا الكلام؟ ! ولا أعجب من أمر أبي الحسن (عليه السلام) فاضرب يا هرثمة حتى نرى قال هرثمة: فأخذت المعول بيدي فضربت به في قبلة قبر هارون الرشيد قال: فنفذ إلى قبر محفور من[ غير يد تحفره] وبان ضريح في وسطه والناس ينظرون إليه فقال: أنزله إليه يا هرثمة فقلت: يا أمير المؤمنين إن سيدي أمرني أن لا أنزل إليه حتى ينفجر من [أرض] هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ منه القبر حتى يكون الماء مع وجه الأرض ثم يضطرب فيه حوت بطول القبر فإذا غاب الحوت وغار الماء وضعته على جانب قبره وخليت بينه وبين ملحده فقال: فافعل يا هرثمة ما أمرت به قال هرثمة: فانتظرت ظهور الماء والحوت فظهر ثم غاب وغار الماء والناس ينظرون إليه ثم جعلت النعش إلى جانب قبره فغطى [قبره]بثوب أبيض لم أبسطه ثم أنزل إلى قبره بغير يدي ولا يد أحد ممن حضر فأشار المأمون إلى الناس: أن هاتوا التراب بأيديكم فاطرحوه فيه فقلت له: لا تفعل يا أمير المؤمنين قال:ويحك [يا هرثمة] ! فمن يملؤه؟ فقلت: قد أمرني أن لا يطرح عليه التراب واخبرني أن القبر يمتلئ من ذات نفسه ثم ينطبق ويتربع على وجه الأرض فأشار المأمون إلى الناس: أن كفوا قال: فرموا ما في أيديهم من التراب ثم امتلأ القبر وانطبق وتربع على وجه الأرض فانصرف المأمون وانصرفت فدعاني المأمون وخلاني ثم قال لي: أسألك بالله يا هرثمة لما صدقتني عن أبي الحسن ( قدس الله روحه ) بما سمعته منه قال: فقلت قد أخبرت يا أمير المؤمنين بما قال لي، فقال: بالله إلا ما صدقتني عما أخبرك به غير هذا الذي قلت لي: قال: قلت: يا أمير المؤمنين فعما تسألني فقال لي: يا هرثمة هل أسر إليك شيئا غير هذا؟ قلت: نعم، قال: ما هو؟ قلت: خبر العنب والرمان، قال: فأقبل المأمون يتلون ألوانا يصفر مرة ويحمر أخرى ويسود أخرى ثم تمدد مغشيا عليه فسمعته في غشيته وهو يجهر ويقول: ويل للمأمون من الله ويل له من رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وويل له من علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويل للمأمون من فاطمة الزهراء عليها السلام ويل للمأمون من الحسن والحسين ويل للمأمون من علي بن الحسين ويل للمأمون من محمد بن علي ويل للمأمون من جعفر بن محمد ويل له من موسى بن جعفر ويل للمأمون من علي بن موسى الرضا (عليه السلام) هذا والله هو الخسران المبين يقول هذا القول ويكرره فلما رأيته قد أطال ذلك وليت عنه، وجلست في بعض نواحي الدار قال: فجلس ودعاني فدخلت عليه وهو جالس كالسكران فقال: والله ما أنت علي أعز منه ولا جميع من في الأرض والسماء والله لئن بلغني إنك أعدت مما رأيت وسمعت شيئا ليكونن هلاكك فيه قال: فقلت: يا أمير المؤمنين إن ظفرت على شيء من ذلك مني فأنت في حل من دمي قال: لا والله أو تعطيني عهدا وميثاقا على كتمان هذا وترك إعادته فأخذ علي العهد والميثاق وأكده علي قال: فلما وليت عنه صفق بيديه ). وقال: ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما تعملون محيطا ) وكان للرضا (عليه السلام) من الولد محمد الإمام (عليه السلام) وكان يقول له الرضا (عليه السلام): الصادق والصابر والفاضل وقرة أعين المؤمنين وغيظ الملحدين.

نور ضريح الإمام عليه السلام يهدي ضالا

 السبعون وفيه حدثنا أبو طالب الحسين بن عبد الله بن بنان الطائي قال: سمعت محمد بن عمر النوقاني يقول: (بينا أنا نائم بنوقان في علية لنا في ليلة ظلماء إذا انتبهت فنظرت إلى الناحية التي فيها مشهد علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بسناباد فرأيت نورا قد علا حتى امتلأ منه المشهد، وصار مضيئا كأنه نهار، فكنت شاكا في أمر الرضا (عليه السلام) ولم أكن علمت أنه حق، فقالت لي أمي وكانت مخالفة: مالك؟ فقلت لها: رأيت نورا ساطعا قد امتلأ منه المشهد بسناباد، فقالت أمي: ليس ذلك بشيء وإنما هذا من عمل الشيطان. قال: فرأيت ليلة أخرى مظلمة أشد [ظلمة]من الليلة الأولى، ومثل ما كنت رأيت من النور، والمشهد قد امتلأ به فأعلمت أمي ذلك وجئت بها إلى المكان الذي كنت فيه حتى رأت ما رأيت من النور وامتلأ المشهد منه فاستعظمت ذلك وأخذت في الحمد لله عز وجل إلا أنها لم تؤمن به كإيماني فقصدت إلى المشهد فوجدت الباب مغلقا فقلت، اللهم إن كان أمر الرضا (عليه السلام) حقا فافتح لي هذا الباب ثم دفعته بيدي فانفتح فقلت: في نفسي لعله لم يكن مغلقا على ما وجب، فغلقته حتى علمت أنه [لم] يمكن فتحه إلا بمفتاح، ثم قلت: اللهم إن كان أمر الرضا حقا فافتح لي هذا الباب ثم دفعته بيدي فانفتح فدخلت وزرت وصليت واستبصرت في أمر الرضا (عليه السلام) فكنت أقصده بعد ذلك كل جمعة زائرا من نوقان، وأصلي عنده إلى وقتي هذا)  .

الإمام يعلم زائره قراءة القرآن بقراءة رسول الله

 الحادي والسبعون وفيه قال: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال: حدثنا أبو عمرو ومحمد بن الله الحكمي الحاكم بنوقان قال :(خرج علينا رجلان من الري برسالة بعض السلاطين بها إلى الأمير نصر بن أحمد ببخارى وكان أحدهما من أهل الري والآخر من أهل قم [وكان القمي على المذهب الذي كان قديما بقم في النصب]وكان الرازي متشيعا فلما بلغا بنيسابور قال الرازي للقمي: ألا تبدأ بزيارة الرضا (عليه السلام) ثم نتوجه إلى بخارا ؟ فقال القمي: [قد] بعثنا سلطاننا برسالة إلى الحضرة ببخارا فلا يجوز لنا أن نشتغل بغيرها حتى نفرغ منها فقصدا البخارى واديا الرسالة ورجعا حتى إذا حاذيا طوس فقال الرازي للقمي: ألا تزور الرضا (عليه السلام)؟ فقال: خرجت من [الري] مرجئا لا أرجع إليها رافضيا قال: فسلم الرازي أمتعته ودوابه إليه وركب حمارا وقصد مشهد الرضا (عليه السلام) وقال لخدام المشهد: خلوا لي المشهد الليلة وادفعوا إلي مفتاحه ففعلوا ذلك قال: فدخلت المشهد وغلقت الباب وزرت الرضا (عليه السلام) ثم قمت عند رأسه وصليت ما شاء الله تعالى وابتدأت في قراءة القرآن من أوله قال: فكنت أسمع صوتا بالقرآن يقرأ كما اقرأ فقطعت صوتي [وزرت] المشهد كله وطلبت نواحيه فلم أر أحدا فعدت إلى مكاني وأخذت في القراءة من أول القرآن فكنت أسمع الصوت كما أقرأ لا ينقطع فسكت هنيئة وأصغيت بأذني فإذا الصوت من القبر، فكنت أسمع مثل ما أقرأ حتى بلغت آخر سورة مريم (عليه السلام) فقرأت: ﴿ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ﴾ فسمعت الصوت من القبر: ﴿ يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا ويساق المجرمون إلى جهنم وردا﴾ حتى ختمت القرآن وختم فلما أصبحت رجعت إلى نوقان، فسألت من بها من المقرئين عن هذه القراءة؟ فقالوا: هذا اللفظ والمعنى مستقيم لكنا لا نعرفه في قراءة أحد قال: فرجعت إلى نيسابور فسألت من بها من المقرئين عن هذه القراءة فلم يعرفها أحد منهم حتى رجعت إلى الري فسألت بعض المقرئين عن هذه القراءة؟ فقلت: من قرأ ﴿ يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا ويساق المجرمون إلى جهنم وردا ﴾ فقال لي: من أين جئت بهذا؟ فقلت: وقع لي احتياج إلى معرفتها في أمر حدث لي فقال: هذه قراءة رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) من رواية أهل البيت (عليه السلام) ثم استحكاني السبب الذي من أجله سألت عن هذه القراءة فقصصت عليه القصة وصحت لي القراءة).

الإمام يفك عقدة لسان زائره

 الثاني والسبعون حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى العطار المعاذي قال: حدثنا أبو النصر المؤذن النيسابوري قال: (أصابتني علة شديدة ثقل منها لساني فلم أقدر على الكلام فخطر ببالي أن أزور الرضا (عليه السلام) وأدعو الله تعالى عنده وأجعله شفيعي إليه حتى يعافيني من علتي ويطلق لساني فركبت حمارا وقصدت المشهد وزرت الرضا (عليه السلام) وقمت عند رأسه وصليت ركعتين وسجدت وكنت في الدعاء والتضرع مستشفعا بصاحب هذا القبر إلى الله تعالى أن يعافيني من علتي ويحل عقدة لساني فذهبت في النوم في سجودي فرأيت في المنام كأن القبر قد انفرج وخرج منه رجل كهل أدم شديد الأدمة فدنا مني وقال لي: يا أبا نصر قل: لا إله إلا الله قال: فأومأت إليه كيف أقول ولساني مغلق قال: فصاح علي صيحة فقال: تنكر لله قدرة؟ قل: لا إله إلا الله، قال: فانطلق لساني، فقلت: لا إله إلا الله ورجعت إلى منزلي راجلا وكنت أقول: لا إله إلا الله وانطلق لساني ولم ينغلق بعد ذلك).

الإمام لا يغسله إلا الإمام

الثالث والسبعون الكافي (الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسين بن علي الوشاء، عن أحمد بن عمر الحلال أو غيره، عن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: إنهم يحاجونا يقولون: إن الإمام لا يغسله إلا الإمام قال: فقال: ما يدريهم من غسله؟ فما قلت لهم؟ قال: فقلت[له]: جعلت فداك قلت لهم: إن قال مولاي إنه غسله تحت عرش ربي فقد صدق وإن قال غسله في تخوم الأرض فقد صدق قال: لا هكذا [ قال ]  فقلت: فما أقول لهم؟ قال: قل لهم: إني غسلته، فقلت: أقول لهم إنك غسلته؟ فقال: نعم ).

تحقيق لطيف في كون الإمام لا يغسله إلا الإمام

يقول محمد تقي الشريف إن حضور الرضا (عليه السلام) عند أبيه(عليه السلام) للتغسيل وغيره مدلول أخبار كثيرة قد مر بعض منها في الأبواب السابقة ولا إشكال في ذلك بوجه لكن هنا حديث أورده الكليني بعد هذا الحديث في باب أن الإمام لا يغسله إلا الأئمة يوهم في بادئ النظر خلاف ذلك ولا بد من ذكره وبيان وجهه وهو ما رواه عن الحسين بن محمد (عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن يونس، عن طلحة قال: قلت للرضا (عليه السلام) : إن الإمام لا يغسله إلا الإمام؟ فقال: أما تدرون من حضر لعله؟ قد حضره خير ممن غاب عنه، الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه وأهل بيته).

أقول والضمير في قوله من حضره عائد إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) لكونه معهودا في هذه القضية لكون هذا السؤال في مقام الاعتراض على الرضا (عليه السلام) وإبطال إمامته حيث كان غائبا عن أبيه حين الوفاة، وفي بعض النسخ من حضر لغسله مكان لعله وعلى أي حال فظاهر هذا الحديث يعطي عدم حضوره (عليه السلام) عند أبيه سيما على النسخة الأخرى، وفي معنى هذا الحديث وزيادة ما رواه في منتخب البصائر عن معاوية بن حكيم عن إبراهيم بن أبي سماك قال :(كتبت إلى أبى الحسن الرضا (عليه السلام) إنا قد روينا عن أبى عبد الله (عليه السلام) أن الإمام لا يغسله إلا الإمام وقد بلغنا هذا الحديث فما تقول فيه فكتب إلي إن الذي بلغك هو الحق قال فدخلت عليه بعد ذلك فقلت له أبوك من غسله ومن وليه فقال لعل الذين حضروه أفضل من الذين تخلفوا عنه قلت ومن هم قال حضروه الذين حضروا يوسف(عليه السلام) ملائكة الله ورحمته).

 وقد قال بعض أصحابنا في توجيه أن ظاهر الحديث تقية إما من أهل السنة أو من نواقص العقول من الشيعة وباطنه حق إذ كان (عليه السلام) حاضرا وكان خيرا ممن غاب وحضرت الملائكة أيضا انتهى .

وحاصل توجيهه أنه (عليه السلام) استعمل التورية في الكلام جميعا بين الحقين حق التقية وحق الواقع وهو توجيه ووجه جميع متين ونظائره كثيرة في الأخبار ولكن قوله (وحضره الملائكة أيضا) لا يلائم هذا التوجيه، بيانه أنه زعم أن مراده (عليه السلام) بالذين حضروا يوسف في الجب الملائكة خاصة وهو لا يلائم ما أول به الكلام من أن المراد بالحاضر الذي هو خير ممن غاب نفس الإمام (عليه السلام) لأن قوله (الذين حضروا) تفسير للجملة السابقة أعني قوله (قد حضره خير ..الخ)، فكيف يجوز المغايرة بين الجملتين في الضمير، فالتوجيه لا يتم إلا بالالتزام بكون رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) والأئمة (عليه السلام) حاضرين مع الملائكة عند يوسف أيضا، وأن المراد بالرحمة في الحديث الآخر المعطوفة على الملائكة هم (عليه السلام)، بل هذا الالتزام مما لا بد منه على كل حال سواء تركناه على ظاهره أم وجهناه بما ذكر وغيره لما تقرر في مذهبنا من أنه ليس في الوجود من هو خير من الرضا (عليه السلام) إلا رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وبعض الأئمة الإثني عشر فتبصر، ولعلك لا تستغرب ذلك بعد ما سمعت في هذا الكتاب من الأخبار الدالة على كونهم (عليه السلام) يظهرون في عهد الأنبياء السابقين، وبيان وجه ذلك منا أخذا عنهم (عليه السلام) في مواطن عديدة بيانات متنوعة، وعليه فيمكن توجيه الحديث الشريف بوجه آخر أيضا وهو أن يترك الحديث في ظاهره بأن يكون المراد بمن غاب عنه نفسه (عليه السلام) والحاضرون الذين هم خير منه سائر الأئمة (عليه السلام) فيكون مراده في الظاهر (أن غيبوا عنه) لا تبطل هذه القضية، أعني كون الإمام لا يغسله إلا الإمام لإمكان أن يحضره من هو خير ممن غاب عنه وهم سائر الأئمة الأموات ولا تبطل إمامته أيضا لعدم الكلية في القضية من ذلك الجانب فافهم، ومع ذلك لا ينافي هذا الكلام حضوره (عليه السلام) عند أبيه لكون الكلام خارجا مخرج المداراة والمماشاة والتنزل، وفي الواقع إثبات الشيء لا ينفي ما عداه فحضور من هو خير منه لا ينافي حضوره معهم ولا ينافي ذلك من غاب عنه لأن المراد به الغيبة في الظاهر فلا تنافي بينه وبين الأخبار الدالة على حضوره (عليه السلام) عند أبيه، هذا وقد بلغني عن السيد الأجل الشريف المرتضى قدس سره في هذا الباب قول غريب وهو أنه أنكر هذه القضية أعني كون الإمام لا يغسله إلا الإمام رأسا وقال: إن ما ورد في ذلك أخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا، ثم استكفى في الدلالة على عدم صحة هذه الأخبار بوفاة موسى (عليه السلام) ببغداد والرضا (عليه السلام) بطوس مع كون الرضا والجواد (عليه السلام) غائبين، ثم أورد على نفسه سؤالا وهو إمكان حضورهما (عليه السلام) عند أبويهما بطي الأرض، وأجاب عن ذلك بأن سرعة الحركة بهذه المثابة من الجسم الثقيل ممتنع، ثم أورد سؤالا ثانيا وهو أنه لم لا يمكن أن تتلزز أجزاء الأرض التي بينه وبين الأرض المطلوبة بحيث يكون مقداره خطوة أو ما يقاربها، وأجاب عنه بأن هذا أيضا محال لأدائه إلى خراب العمارات والبلدان الواقعة في البين، ثم أورد سؤالا ثالثا وهو إمكان أن يهب الله تعالى للإمام جناحا فيطير به ويصل إلى الأرض المطلوبة في مدة يسيرة، وأجاب بأن هذا أيضا ممتنع لما برهن عليه في محله من أن الجسم كلما كان أعظم كان أثقل وحركته أبطأ فطيران الجسم الإنساني بهذه السرعة مع ما له من عظم الجثة غير معقول ،ثم أورد سؤالا رابعا وهو إمكان أن تهب ريح شديدة فترفع الإمام وتضعه في الأرض المطلوبة في مدة قصيرة، وأجاب بأن هذا أيضا غير واقع لكون مثل تلك الريح الشديدة مما يوجب وقوع الطوفان في تلك الناحية من الأرض وأدائه إلى خراب عماراتها، ولم يقع شيء من ذلك وإلا لنقل، ثم قال: إن قيل أن طي الأرض معجز والمعجز يجري فيه ما لا يجري في غيره من خرق العادة، وأجاب بأنه قد حقق في الكلام أن المعجز إنما يجري في الأمور الممكنة وهذا من الأمور الممتنعة، ثم قال ويستغني عن تجشم إبطال هذه الاحتمالات بأنهما لو كانا حضرا عند أبويهما لكان يشهدهما الحاضرون ولم يشهدهما أحد، انتهى ملخص ما بلغني من حاصل كلامه زيد مقامه وهو غريب من مثله ولا يبعد أن يكون ذلك منه قبل أن يحصل له غور في الحقائق العلمية والله أعلم وكيف كان، فلا بأس بالتحدث في هذا الباب قليلا، فنقول والله ولي العناية: أمّا كون الإمام لا يغسله إلا الإمام فقد ورد في ذلك أخبار كثيرة وعضدتها اعتبارات العقول المستنيرة منها :

 أن الأمور المتعلقة بالمعصوم (عليه السلام) ينبغي أن يكون كلها على أكمل وجه يمكن في الإمكان، لأن الله خلقه وانتجبه من بين خلقه وخصه بالكمال الأتم ومن تلك الأمور أمر الغسل والدفن والصلاة عليه ولا ريب أنه لا يقع شيء منها على أكمل وجه لا وجه أكمل منه لا من جهة خلوص النية ولا من جهة كمال العمل معنى وصورة إلا ممن أذهب الله عنه الرجس ظاهرا وباطنا وطهره تطهيرا،وهو معنى العصمة، فإن غير المعصوم لا يخلو من شوب قصور ذاتي إن سلمنا خلوصه من شوب التقصير الاكتسابي الاختياري، فإنا لو فرضنا وقوع صلاة مثلا تامة الأركان والشرائط من بعض الكاملين من غير المعصوم فهي مع ذلك لا تساوي صلاة المعصوم في الكمال بل لا تعتبر النسبة بينهما إلا نسبة الظل إلى ذي الظل أو القطب إلى الدائرة فلا يجوز في الحكمة أن يباشر غسل المعصوم وتجهيزه والصلاة عليه إلا معصوم مثله، وهاهنا وجوه أخر غير ذلك لا تحتملها عقول القاصرين، فلذا عدلنا عنها واكتفينا بهذا الوجه، ومع ذلك ليس في الكتاب والسنة ما يعارض مضمون تلك الأخبار، فقد عرفت في مقدمات الكتاب أن ما هذا حاله من الأخبار ينبغي الأخذ به والعمل بمقتضاه سواء كان في الأصول أم في الفروع .

و أما قوله  (أنها أخبار آحاد ..الخ) فما ندري ما يعني بذلك فإن كان يعني بها ما عدا المتواتر مطلقا فهو من الضعف بمكان إذ لو بني الأمر على ذلك فعلى الإسلام السلام، ودعوى أن أكثر أخبارنا الواردة في الأحكام الإلهية متواترة أو مجمع عليها لعلها دعوى يظهر خلافها بأدنى التفات ممن مارس الأخبار وجاس خلال تلك الديار، وإن أراد بها ما عدا المحفوفة بقرائن القطع ففيها تفصيل وهو أن الخبر الكذائي إن كان ممن ظهرت عدالته ووثاقته لمن له أهلية الاستنباط بعد استفراغ الوسع المعتبر ولم يكن هنا معارض يكافيه، فهذا مما يجب الأخذ به إن لم يكن عمل الراوي بخلافه لا لدليل الانسداد وجواز العمل بالظن فإن فيه ما فيه بل لأمر الله تعالى بالكون مع الصادقين وعدم إيجابه التبين عند خبر العدل بدلالة مفهوم الشرط والوصف كليهما في آية النبأ، وأمر الرعاة (عليه السلام) بالأخذ بقول العدل والثقة الواحد فضلا عن المتعدد في عدة أخبار بعضها مجمع عليه كمقبولة عمر بن حنظلة المروية في الكافي وغيره، ولعمل أصحاب أئمتنا (عليه السلام) بذلك وإمامهم بين ظهرانيهم لا يردعهم عنه. ووجوه أخر ليس هنا محل بسطها لأدائها إلى التطويل وإن كان هنا معارض، وأعوزنا وجوه الترجيح المنقولة إلينا عن المعصوم فالحكم التوقف عند عدم الحاجة إلى العمل والتخيير عند الحاجة إليه لورود الأمر بذلك في أخبار مقبولة، ولاستلزام الطرح لكليهما طرح قول المعصوم وكون اختيار أحدهما مع طرح الآخر بمعنى عدم تجويز العمل به ترجيحا من غير مرجح وإن كان ممن لم تظهر عدالته أو ظهر فسقه فالوجه ترك مثل هذا الخبر عند العمل والرجوع إلى القواعد والأصول المقررة الثابتة من الشريعة المطهرة ووجهه ظاهر، وأما من جهة اعتقاد صدوره عن المعصوم وعدمه فأتوقف لما مر في عناوين الكتاب من الأخبار الدالة على ذلك، وقلما يوجد مثل هذا الخبر بين أخبارنا فإن جل ما هذا حاله محفوفة إما بقرائن الصدق وإما بقرائن الكذب فالسيد قدس سره إن أراد بأخبار الآحاد التي لا تفيد علما ولا عملا ما عدا المحفوفة بقرائن القطع مطلقا فقد عرفت ما فيه من التفصيل الذي لا محيد عنه، وإن أراد خصوص هذا القسم الأخير فله وجه، ولكن كون أخبار ما نحن فيه داخلة تحت هذا القسم فيه ما فيه لورود ذلك في أخبار معتبرة مقبولة بين الأصحاب فلا مساغ لهذا القول فيه ولا أقل من التوقف، وأما حديث طي الأرض في المقام فالمنكر له مأخوذ أولا بمطالبة وجه الفرق بينه وبين معراج النبي الجسماني الثابت من ضرورة الدين وإخبار رب العالمين بقوله ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله﴾  الآية، وقصة آصف وعرش بلقيس الذي أخبر عنه بقوله ﴿قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك﴾  الآية، وحديث سليمان الذي أخبره الله تعالى عنه بقوله ﴿ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر﴾  الآية، وما في ذلك من الأخبار، ومضى أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المدائن لتغسيل سلمان المروي من طريق الخاص والعام، وحضور أصحاب القائم (عليه السلام) عنده من مشرق الأرض ومغربها في ليلة واحدة، وثانيا بالوهن الظاهر في تزييف الوجوه المذكورة أما الأول: فلأنه مجرد  استبعاد لا يعتبر في البراهين العلمية هذا ومضافا إلى ما يأتي من بيان عدم البعد في ذلك بوجه، وأما الثاني: فلجواز وقوع ذلك في أجزاء مسافة لا عمارة فيها لعدم وجوب وقوع ذلك في خط مستقيم وسيأتي فيما بعد بيان كيفية هذا التلزز وجوازه، وأما الثالث: فبأن المدار في سرعة الطيران وبطؤه ليس على عظمة الجثة وصغرها وإنما المدار على قوة الروح المحركة لها وضعفها ألا ترى النسر فإنه مع كونه أعظم جثة من سائر الطيور الصغيرة أسرع سيرا منها وإن هو إلا لكون الروح المحركة له أقوى، وأما الرابع :فلجواز وقوع تلك الريح في خصوص الأجزاء الهوائية التي  تلي الأجزاء الأرضية التي يسير فيها الإمام، ومن الجائز خلو تلك الأجزاء من العمارات كما مر في نظيره، وأما قوله (أن المعجز لا يري في الممتنع) فهو صحيح ولكن الكلام في الصغرى وقد مر وسيأتي بيان إمكان الأمر المذكور ووقوعه، وأما دعوى وجوب مشاهدة ذلك لو وقع فلا نعرف لهذا الوجوب وجها لا من العقل ولا من العادة ومع ذلك فقد رآه من رواه كالمسيب وهرثمة بن أعين كما مر وأبي الصلت الهروي كما مر، ويأتي إن شاء الله في معجزات الجواد (عليه السلام) أيضا .

هذا كله مع كون الوجوه غير حاضرة لاحتمال وجوه غير ما ذكر كركوب السحاب أو ركوب دابة سماوية كما ركبها النبي(صلى الله عليه وأله وسلم) ليلة المعراج، أو حمل ملك له إلى ما يريد إلى غير ذلك من الوجوه الممكنة على أن أخبار وقوع طي الأرض من الأولين والآخرين من الأنبياء والأوصياء بل وبعض أصحابهم الكملين أيضا قد تواترت معنى من طرق الفريقين كما يظهر ذلك لمن ورد حياضها فلا مجال لأحد إلى إنكاره وإن لم يعرف كيفية ذلك على التفصيل فإن كثيرا من الناس لم يعرفوا كيفية معراج نبينا (صلى الله عليه وأله وسلم) بل وأورد عليهم فيه مضافا إلى ذلك شبهات كثيرة كشبهة امتناع وقوع الخرق والالتئام على الأفلاك وأشباه ذلك مما لا يعرفون هؤلاء وجه اندفاعه، ومع ذلك يجب عليهم اعتقاد ذلك وعدم الالتفات إلى تلك الشبهات، ولا يجوز لهم الاعتذار عن ذلك بعدم معرفته فهم حقيقته لثبوت ذلك من الدين ضرورة على سبيل الإجمال هذا ولعلك بعد الوقوف على ما ذكر تتوق نفسك إلى الاطلاع على حقيقة هذا السر وتطلب منا بيانه وها نحن نرشدك إلى حقيقة ذلك بعون الله وتوفيقه ونقول :

إن طي المسافة البعيدة في زمان يسير بحيث يكون خارجا عن العادة يمكن على نحوين أحدهما: بمعونة أسباب خارجية يعدها صاحب المعجز بحول الله وقوته لذلك كركوب السحاب وركوب الدواب الغيبية بل والشهودية أيضا، وحمل الريح كما في بساط سليمان وإحداث جناح يطير به وحمل الملائكة له وهكذا وهي كثيرة وقد مر ذكر كثير منها في ضمن المعجزات، وليس ذلك على الله بعزيز، وهذا النحو أهون في دلالته على كمال النفس من بعض أقسام النحو الآخر الذي يأتي آنفا لوقوعه بمعونة آلة خارجية ولإمكان إعداد ذلك من الغير من غير أن يكون لذلك السائر قوة تصرف في ذلك كما يشهد بذلك حديث علي بن صالح الطالقاني وركوبه السحاب الذي مر في معجزات موسى (عليه السلام) فكذا ركوب بعض الأصحاب كأنس وأضرابه البساط في صحبة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومسيرهم إلى أصحاب الكهف.

ثانيهما: من غير معونة من الأسباب الخارجية وهذا النحو أيضا أقسام لكن الوصول إلى حقيقة تلك الأقسام تحتاج إلى معرفة أمور :

الأول: المبدأ الأول الحق تعالى شأنه قوة لا ضعف فيه وقدرة لا عجز فيه وعلم لا جهل فيه ذلك لأنه حق الوجود الذي ليس فيه شائبة قوة وإمكان فكل الكمالات حاصلة له على الوجه الأكمل الذي لا يشوبه نقص وعدم لأنهما من خواص القوة والإمكان .

الثاني: من البين أن المحرك للأجسام بأي قسم من أقسام الحركة كان هو قوى الأرواح المركوزة فيه فكلما كانت قوة الروح أشد كان تحريكها للجسم أقوى لكن بشرط وجود الاستعداد في الجسم أيضا لذلك، ولذا ترى إذا عرض في الجسم عرض مانع عن إشراق الروح عليه قعد به عن الحركة اللائقة به كأسباب الشلل والفلج والتشنج وأشباهها .

الثالث: القوة المحركة في الروح وكذا استعداد قبول تلك الحركة في الجسم على نوعين، نوع هو الموافق لعادة أبناء نوع ذلك الحي وذلك كالحركات المتعارفة الموجودة في أفراد الإنسان مثلا، وإن اختلفت تلك الحركات في الشدة والضعف والسرعة والبطء غير أنها مع ذلك ليس شيء منها بخارج عن عادة النوع، وهذا النوع يحصل للأحياء بعناية عامة من المفيض تعالى شأنه وهي الرحمة العامة التي وسعت كل شيء، ونوع خارج عن عادة النوع وذلك كصعود الإنسان مثلا إلى السماء ومشيه على الماء وأمثال ذلك، وهذا لا يكفي في حصوله العناية العامة بل يحتاج إلى عناية خاصة وبيان أسباب استعداد تلك العناية يأتي إن شاء الله آنفا .

الرابع: قال الله تعالى في الحديث القدسي (ما زال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن سكت عني ابتدأته)، الحديث. 

وقال أيضا ( يا ابن آدم أطعني أجعلك مثلي أنا أقول للشيء كن فيكون وأنت تقول للشيء كن فيكون )  .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) (وخلق الإنسان ذا نفس ناطقة إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد).

ورواه ابن شهر آشوب في المناقب، وروي أيضا أنه اجتاز يوما بيهودي فقال له: يا ابن أبي طالب لو أنك تعلمت فلسفة لكان يكون لك شأن من الشأن، فقال (عليه السلام) : وما تعني بالفلسفة أليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه ومن صفا مزاجه قوى أثر النفس فيه ومن قوى أثر النفس فيه فقد سما إلى ما يرتقيه ومن سما إلى ما يرتقيه صار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري وليس له عن هذه العناية مغير، فقال اليهودي: الله أكبر يا ابن أبي طالب لقد تكلمت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات القليلة ).

وقال الصادق (عليه السلام) على ما في مصباح الشريعة (قال الصادق (عليه السلام)  العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية ).

و بيان هذه الكلمات الجامعة أن كل أثر من ظل مؤثره من حيث هو مؤثره فهو يشابهه من هذه الجهة ،والنفوس كلها خلقت من ظل صفة الربوبية الحقة فهي تشابهها في الصفة وتحكي مثالها بالفطرة ،وقد قعدت بها عن هذه الحكاية لزوم جهة الإنية التي لا يخلو منها مخلوق والنظر إليها والجريان على مقتضياتها من الأمور الدنية الخسيسة المبعدة لها عن المبدأ الحق والمسقطة لرياشها التي تطير بها إلى عالم اللاهوت المخلدة لها في الأرض الواصمة لها بوصمة القصور والجهل والضعف والعجز وهو تأويل قوله تعالى ﴿ولكنه أخلد إلى الأرض﴾  وقوله  ﴿اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا﴾  الآية، فمن أدبر عن هذه الجهة الدنية وخرج عن ربقة طاعة الإنية وأقبل إلى المبدأ الحق وانقطع إلى ذلك الكمال المطلق وراض نفسه بالأمور الحقة الإلهية من العقائد الحقة والأخلاق المرضية والأعمال الحسنة الشرعية التي هي طريق العبد إلى ذلك الباب وجناحه الجاذب له إلى ذلك الجناب ومصقله المصفي لمرآة وجوده عن كدورات الطبيعة الخسيسة وماؤه المنزل من السماء لتطهير روحه وجسمه عن أرجاس الماهية الخبيثة، شابه مبدأ الحق وحكى مثاله وأصطبغ بصبغ صفاته وفعل أفعاله كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف الملأ الأعلى (صور عارية عن المواد عالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فأشرقت وطالعها فتلألأت وألقى في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله)  رواه ابن شهر آشوب في المناقب وغيره في غيره، وقد علمت فيما سبق أن المبدأ الحق قوة لا ضعف فيه وقدرة لا عجز فيه وعلم لا جهل فيه وهكذا، فالعبد إذا بلغ هذا المقام ظهر منه على حسب مرتبته من الوجود ومقدار صفاء مرآته من آثار تلك الكمالات الحقة بعناية خاصة من الله عز وجل فتمايز بها عن أبناء نوعه، وصدر منه أمور خارقة لعادتهم المتعارفة، هذا في سائر الخلق، وأما المعصومون (عليه السلام) فهذا المقام حاصل لهم من ابتداء خلقهم بحقيقة ما هم أهله لكمال استعداد قابليتهم بحيث يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، وتلك الآثار الصادرة عن غيرهم طفح عرق ما لهم من ذلك كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل ( ولكن يرشح عليك ما يطفح مني فاحفظ هذا وكن منه على ذكر) الحديث

الخامس: هذه التعينات المقدارية الموجودة في الأجسام العنصرية والفلكية من الكبير والصغير وأشباههما بالفعل ليست مما لا يمكن انفكاكها عنها أو تبدلها لمقدار الآخر لا من جهة الهيولى الأولى لأن من شأنها الصلوح لجميع التعينات، ولا من جهة الصورة الجسمية لكونها مطلقة تجتمع مع أي تعين كان، ولا من جهة الصورة النوعية من الفلكية والعنصرية وغيرها من المركبات منها لما ترى بالبديهة من أم  الصورة الأرضية مثلا لو تبدل حجمها الموجود الآن بحجم أصغر منه أو أكبر لم تخرج عن الأرضية، فتلك المقادير الحاصلة لتلك الأجسام بالفعل إنما تلزمها وترجحها على سائر المقادير الممكنة من جهة دواع ومقتضيات حكمية خارجية، وتلك الدواعي والمقتضيات قد تتغير بتغير المصالح فتقتضي مقدارا غير ذلك المقدار وتعينا غير ذلك التعين، مثلا الصعود إلى العلو ممكن في الحجر الثقيل وإلا لما صعد حين الدفع أو خرج عن الحجرية وكلاهما خلاف الواقع، وإنما ترجحت جهة النزول فيه على جهة الصعود لمصلحة النظام الأتم التي من جملتها تمكن الإنسان من استعماله في الأبنية التي عليها مدار التعيش، فإذا طلب من مبعوث للنبوة مثلا أن يأمر حجرا معينا أو بناء مبنيا منه فيرتفع إلى العلو ولم يكن هنا مفسدة عظيمة مانعة عن ذلك، غلب مقتضى الطلب على اقتضاء المصلحة الأولى فارتفع الحجر إلى العلو ولا يخرج بذلك عن الحجرية لأن الصعود والاستقرار بالنسبة إلى أركان ذاته على حد سواء بمعنى عدم كون أحد الأمرين من مقومات ذاته، وكذلك الحال فيما نحن فيه فالهيولى الأرضية وسائر الهيولات الجسمانية كلها قابلة لمقادير وتعينات غير متناهية، كل مقدار وتعين اقتضته الحكمة الإلهية في حال خرج من الإمكان إلى الكون على ذلك الحال وهذا ظاهر إن شاء الله.

السادس: إنما منعت هيولى أجسام هذا السواد الأعظم عن الخروج عما هي عليه من التعين الخاص الأعراض العارضة لها من جهة الإنية المعوجة التي هي جهة الإعراض عن المبدأ،واستغناء عنه الذي هو الفقر الذي هو سواد الوجه في الدارين، لأن تلك الجهة هي منشأ العجز والجهل والنقص والقصور لأنها ضد جهة الرب التي هي منشأ جميع الكمالات ومجمعها على حسب ما في الشخص منها، فإذا راض الشخص نفسه بالرياضات الشرعية الإلهية وأتعب بدنه بالوظائف المقررة على لسان النبوات زالت عنه تلك الأعراض العارضة فلطفت روحه وجسمه واتحد أتحاد أجزاء الحجر المكتوم بعضها ببعض بحيث إن فرا فرا معا وإن بقيا بقيا معا وعاد جسمه كما قيل في وصف الحجر أنه جسداني المنظر وروحاني المخبر وقويت نفسه بحيث تصير هيولى جسمه طوع يدها فتتصرف فيها بالمد والقبض والتصغير والتعظيم والإسراع والإبطاء ولا يمتنع شيء منها عن إرادتها، مثلا إذا شاء الشخص سار في لمحة واحدة من المشرق إلى المغرب وإذا شاء تصغر حتى دخل في مثل سم الإبرة وإذا شاء تعظم حتى ملأ الفضاء الواسع، وإذا شاء امتد حتى بلغ إلى عنان السماء وإذا شاء انقبض حتى التصق بالأرض، وإذا شاء صعد إلى السماء وإذا شاء غاص في تخوم الأرض، وإذا شاء مد يده أو رجله حتى بلغتا مشرق الأرض أو مغربها وإذا شاء قبضهما بحيث لم يبق منهما عين في الظاهر.

وبالجملة يتطور بأطوار مختلفة ويتصور بصور متنوعة ولم يمنعه طور عن طور ولا شكل عن شكل ولا وضع عن وضع على خلاف عادة أبناء نوعه كل ذلك لتقوي روحه بقوة الكلمة الإلهية المتعلقة به وتلطف جسمه بحيث صار مطواعا لتلك الروح القوية ومتحد معها في الأحكام واللوازم والخواص وكذا صارت سائر الهيولات الجسمية أيضا طوع يده على مقدار سعة دائرة ما فيه من تلك الكلمة الإلهية التي هي المثال الملقى في هويته، وإنما قيدناه بذلك القيد لكون تلك الكلمة فيمن سوى المعصومين من آل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين جزئية كائنا من كان حتى سائر الأنبياء أولي  عزمهم وغيرهم فإن المثال الكلي المستغرق لجميع شؤون الربوبية لم يوجد إلا في هويتهم التي ملأت العمق الأكبر، بل هي العمق الأكبر الذي انزجر للكلمة الكلية الإلهية ولا يسع تلك الكلمة الكلية في سائر المراتب النازلة أيضا إلا هويتهم النازلة إلى تلك المرتبة وهو قول الله سبحانه في القدسي (ما وسعني سمائي ولا أرضي بل وسعني قلب عبدي المؤمن)   يعني محمدا وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (ما لله عز وجل آية أكبر مني ولا لله من بناء أعظم مني) . فافهم وتبصر.

فتصرفات جميع من عداهم محدودة بحد لا محالة وإن تفاوتت في السعة والضيق، هذا واعلم أن هذا المقام حاصل لهم (عليه السلام) كما مر قديما وحديثا من بدو خلقهم، وكذلك وهذا في سائر الأنبياء والأوصياء لأن النبوة والوصية ليست من الأمور الكسبية وكذا لوازمها من التصرفات المذكورة بخلاف سائر الخلق فإنه فيهم كسبي تحصيلي يتوقف على استعمال الرياضات الموظفة من أصحاب الشرائع فافهم، ثانيا وليس هنا محل بسط تلك الأمور وإنما نبهنا عليه خوفا من زلة قدم الناظرين .

السابع : قد عرفت مرارا أن عالم الملكوت الذي هو عالم النفوس المجردة روح عالم الملك الذي هو عالم الأجسام وأسافل عالم المثال الذي فيه جابلقا وجابرصا ، فمتفرقات عالم الملك وتدريجاته الزمانية والمكانية عنده كالنقطة الواحدة لانقطاع هذه التفرقات والتدرجات عنده، فوقته بالنسبة إلى هذه الأوقات المتفرقة وقت واحد ومحله محل واحد ليس فيهما هذا الامتدادات فالواقف في ذلك العالم يحيط بجميع ما في عالم الملك بنظر واحد ولا تحجبه هذه الحجب المضروبة في هذا العالم عنها، ألا ترى إلى روحك الخيالي فإنه يحيط بالتفاتة واحدة بما يريد من الأمور الغائبة عن عينك الجسمانية، ويقابله بمرآته ولا يحجبه الجدران ولا الجبال ولا السماوات ولا الأرضون عن ذلك لأن تلك الحجب لا ذكر لها في ذلك العالم الذي هو فيه وإنما وجودها العيني الجسماني في عالم الملك الذي هو تحت ذلك العالم، إذا عرفت هذا فاعلم أن الجسم إذا تلطف بمعونة الرياضات الشرعية كما مر آنفا تروّح وصار حكمه حكم الروح الملكوتي فإذا شاء الشخص خلع عنه بعض الأعراض الدنيوية أو جعلها تابعة لأصل الجسم فانتقل بجسمه إلى عالم الملكوت الذي في قوس الصعود لا الذي في قوس النزول فإن الجسم الملكي مبدؤه أسفل من ذلك، وأما الملكوت الصعودي فالشخص ينتقل إليه بجميع حروف وجوده من العقل إلى الجسم وإلا يعاد المعاد روحانيا وهو خلاف ما برهن عليه في محله فافهم.وما أظنك تفهم لأنه مما قلما تفطن به أحد، وإذا انتقل إلى ذلك العالم بقيت الأجسام المكتنفة بالأعراض الدنيوية تحت قدمه ولم يبق بالنسبة إليه قريب ولا بعيد بل تكون جميع الأجزاء بالنسبة إليه شرعا سواء ، فإذا أراد الرجوع إلى أسر القيود والحدود العرضية ثانيا برز من أي مكان من هذه الأمكنة الظاهرة شاء ولا يجب له البروز من المكان الذي صعد منه بعينه ، ألا ترى إلى الأئمة (عليه السلام) فإنهم لما ماتوا انتقلوا إلى البرزخ الصعودي من المكان الذي توفوا فيه فإذا أرادوا الظهور في هذا العالم ثانيا كما كانوا يظهرون أحيانا ظهروا في أي مكان شاؤوا من البر والبحر ولا يجب لهم المضي إلى المكان الذي توفوا فيه والظهور منه وكذا القائم (عليه السلام) فإنه انتقل حال غيبته إلى لطيف هذا العالم الذي فيه جابلقا وجابرصا من مكان معين وهو يظهر لمن شاء في أي مكان شاء فتبصر يا حبيبي واغتنم .

الثامن: قد عرفت أن الجسم إذا كان لطيفا كان بحكم الأرواح فحينئذ لا يكون فيه تزاحم وتضايق فيمكن أن يتلزز وينقص فيصغر حجمه ويترقق، وينبسط فيكبر حجمه كما يقع مثل ذلك في أجسام الجن والملائكة، فإن جبرئيل مع كونه يملأ ما بين السماء والأرض كان إذا خرج في صورة البشر كصورة دحية كان يخرج بقدر دحية ولو شاء حينئذ دخل في ثقب الإبرة وأصغر وهكذا، وهذا هو المعبر عنه في لسان الحكماء بالتخلخل والتكاثف وإن شئت فقل الانبساط والانقباض والفرق بين ما هنا وبين ما قررناه في الأصل الخامس أن هذا الحال هنالك منسوب إلى الهيولى خاصة وهاهنا إلى تمام الجسم المركب من الهيولى والصورة فافهم، ومن هذا الباب ما مر من تعانق النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وصيرورتهما شخصا واحدا ثم عودهما إلى ما كانا من التعدد.

 إذا تمهدت عندك هذه الأصول فنقول :إن النحو الثاني من طي المكان يمكن على أنحاء منها: ما يكون بسرعة حركة السائر سرعة خارجة عن عادة النوع، وقد عرفت بحكم الأصول المذكورة أن مثل تلك الحركة السريعة ممكن في أصحاب الأرواح القوية والأجسام اللطيفة ويحققه عيانا ما نشاهد من طي الشمس والقمر مع ما لهما من عظم الجرم لتلك المسافة البعيدة في هذه المدة القصيرة، ومنها بأن يمد السائر رجله على مقدار ما يريد من ذلك فيجعل ما بينه وبين المكان المطلوب خطوة واحدة أو ما يقارب منها على حسب ما يراه من المصلحة، ومن هذا الباب ظاهرا ما وقع من أمير المؤمنين (عليه السلام) من مد رجله الشريفة وضربه على صدر معاوية بالشام كما مر في باب معاجزه، وكذا مد يده الشريفة وأخذه من شاربه كما مر أيضا، وكذا مد يده وإتيانه بالثلج من جبال الشام كما مر في حديث العلقة والجارية، وهذا أحد الوجوه في تناول آصف لسرير بلقيس وإحضاره له عند سليمان وقد عرفت وجه إمكان هذا القسم أيضا، فمن الأصول المذكورة ومنها أن يتصرف صاحب الإعجاز في الهيولى الأرضية بأن يخلع منها الصورة المقدارية المعينة ويلبسها صورة أصغر منها فلا تبقى بين المكانين مسافة إلا بقدر ما يطويها في لمحة أو ما يقرب منها ثم تعود إلى ما كانت في أسرع وقت، ومنها أن يتصرف هذا التصرف في نفس الجسم التام المركب من الهيولى والصورة بتلطيف أجزائه وإدماج بعضها في بعض، وقد مر وجه إمكانهما أيضا في الأصول وهذا أحد الوجوه في قول أبي جعفر (عليه السلام) لأسود بن سعيد (أن بيننا وبين كل أرض ترا مثل تر البناء فإذا أمرنا في الأرض بأمر جذبنا ذلك التر فأقبلت الأرض بقليبها وأسواقها ودورها حتى تنفذ فيها ما نؤمر من أمر الله تعالى )  

وقد مر في القسم الأول من الكتاب والمراد بذلك التر الخيط القيومي الذي طرف منه بيد الإمام وطرف منه متصل بالشيء وهو الخيط المذكور في حديث جابر الجعفي، ومنها أن ينتقل صاحب الإعجاز بجسمه إلى ملكوت الأرض ثم يظهر نفسه عند المكان الذي يريد وقد مر وجه إمكانه أيضا في الأصول، ومنها أن يأمر صاحب الإعجاز الأجزاء الأرضية فيدفعه كل جزء منها إلى ما يليه دفعا سريعا حتى يصل إلى الجزء الذي يريد في وقت يسير، ولعل من هذا الباب ما مر في بعض الأخبار حيث قال الراوي فيه إني رأيت الأرض تطوى تحت قدمي، وإن كان هذا الإحساس يمكن في سائر الوجوه المذكورة أيضا، هذا وكل من هذه الوجوه محتمل في تناول آصف لسرير بلقيس وفيما مر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من التصرفات المذكورة آنفا غير أن الأظهر فيها كلها الوجه الثاني الذي ذكرناه .

بقي شيء يجب التنبيه عليه وهو أن السير السريع وقد يتحقق في بعض الأنواع من جهة لطافة جسمه من أصل خلقته  وذلك كالملائكة والجن فلا يعد هذا إعجازا وكرامة في حقهم لعدم كون ذلك خارقا لعادة نوعهم، كما أن الطيران في الهواء لا يعد إعجازا للطيور لعين هذه العلة وقد يحصل ببعض الحيل الصناعية التي يستوي فيها الكافر والمؤمن والسعيد والشقي وذلك كبعض الجلسات الجوكية الخارجة عن جادة الشريعة فإن بعضا منها إذا روعيت فيها الشرائط المقررة عندهم من تقليل الغذاء والنوم وغير ذلك يحصل منه القدرة على سرعة الحركة والصعود إلى الهواء والمشي على الماء وأشباه ذلك، وليست لكمال حاصل في نفس الشخص مطلوب لله تعالى وإنما هو من قبيل خلق الله تعالى لولد الزنا من النطفة الموضوعة في البطن الحرام إعطاء لكل سبب ما يقتضيه ومن هذا القبيل أيضا بعض ما يعمل بطبائع الحروف وهو علم الهيمياء فإن أهله يعملون بها ما يشابه الكرامات وما يعمل بطبائع العقاقير من الرفع والوضع والجذب والدفع والدخول في النار وعدم التأثر بها وأشباه ذلك وهو المسمى بعلم الليمياء، وإنما نبهناك عليه لتكون على بصيرة من دينك فلا تغتر بكل من يظهر شيئا من الأمور الغريبة فتعتقد في حقه أنه من عباد الله المقربين إلا بعد التثبت والتميز التام والسلام على من اتبع الهدى .

ثم اعلم أن الأصول التي قررناها في تحقيق هذه المسألة ليست فائدتها منحصرة في ذلك بل هي مفتاح لكثير من الأسرار وأنواع المعاجز الصادرة عن أصحابها فعليك بالتأمل فيها حتى لا تكون كبعض أهل عصرنا من الجهال أشباه الحمير يقفون عند كل أمر غريب حيث لا يعرفون مورده ومصدره ولا يسألون أهله استكبارا عن ذل التعلم أو لخبث الضمير وعلى الله قصد السبيل وهو على ما يشاء قدير .

 الرابع والسبعون العيون (قال حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن عيسى عن أبي حبيب البناجي أنه قال رأيت رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) في المنام وقد وافى البناج ونزل بها في المسجد الذي ينزله الحاج في كل سنة وكأني مضيت إليه وسلمت عليه ووقفت بين يديه ووجدت عنده طبقا من خوص نخل المدينة فيه تمر صيحاني فكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني منه فعددته فكان ثمانية عشرة تمرة فتأولت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة فلما كان بعد عشرين يوما كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة حتى جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا (عليه السلام) من المدينة ونزوله ذلك المسجد ورأيت الناس يسعون إليه فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) وتحته حصير مثل ما كان تحته وبين يديه طبق خوص فيه تمر صيحاني فسلمت عليه فرد السلام علي واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر فعددته فإذا عدده مثل ذلك التمر الذي ناولني رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) فقلت له: زدني منه يا بن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) فقال (عليه السلام) : لو زادك رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) لزدناك).

أقول قال الصدوق  عنه بعد ذكر الحديث (أن للصادق (عليه السلام) دلالة تشبه هذه الدلالة قد ذكرتها في الدلائل)،هي أقول كتاب الدلائل للصدوق رحمه الله عزيز النسخة في زماننا والحديث المذكور في أمالي الشيخ من طريق الصدوق من أراده فليرجع إليه .

الإمام يخبر عن استجابة دعائه على البرامكة

 الخامس والسبعون وفيه (حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى بن عبيد قال: حدثني علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل قال: لما كان في السنة التي بطش هارون بآل برمك بدأ بجعفر بن يحيى وحبس يحيى بن خالد ونزل بالبرامكة ما نزل كان أبو الحسن (عليه السلام) واقفا بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه، فسأل عن ذلك فقال: إني كنت أدعو الله تعالى على البرامكة بما فعلوا بأبي (عليه السلام) فاستجاب الله لي اليوم فيهم فلما انصرف لم يلبث إلا يسيرا حتى بطش بجعفر ويحيى وتغيرت أحوالهم).

أقول من الأغلاط المشهورة ما اشتهر من أن البرامكة كانوا من المتشيعة حتى أن أيدمر بن علي الجلاكي ذكر في كتابه نهاية الطلب في شرح المكتسب بتقريب أنه كان سبب بطش هارون بهم ما اشتم منهم أنهم يريدون تحويل الدولة من آل عباس إلى آل علي (عليه السلام) وذلك كله غلط نشأ من قلة التتبع، فإن البرامكة لعنهم الله هم الذين سعوا في قتل موسى (عليه السلام) فإن يحيى بن خالد هو الذي بعث علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن أخي موسى (عليه السلام) على السعاية بموسى (عليه السلام) عند هارون لداع دعاه إلى ذلك مذكور في كتب الأخبار والفضل بن يحيى هو الذي بعث بالسم إليه فقتله بأمر هارون وبيد السندي بن شاهك بل روي أن يحيى لم يكتف بذلك حتى أراد أن يغري هارون بقتل الرضا (عليه السلام) فقال له هارون ما يغنينا ما صنعنا بأبيه تريد أن تقتلهم جميعا. وقد رواه الصدوق  في العيون عن صفوان بن يحيى وذكر في آخره أن البرامكة كانوا متعصبين على أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) مظهرين لهم العداوة،هي. وبالجملة الذي يظهر من الأخبار المعصومية أن الله لم يغير ما بالبرامكة من النعمة إلا من جهة سعيهم ومباشرتهم قتل موسى (عليه السلام) ، فكيف يجري فيهم هذا الاحتمال ، والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 

باب معجزات الإمام الهمام حجة الله البالغة على العاكف والبادي

أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليهما السلام

والعدد مبني على السابق

    حديث ولادته  عليه السلام

 السادس والسبعون المناقب لابن شهر آشوب  عن (حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قالت: لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر (عليه السلام) دعاني الرضا فقال لي: يا حكيمة احضري ولادتها،وادخلني وإياها والقابلة بيتا ووضع لنا مصباحا وأغلق الباب علينا فلما أخذها الطلق طفي المصباح وبين يديها طست فاغتممت بطفي المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء فجاء الرضا (عليه السلام) ففتح الباب وقد فرغنا من أمره فأخذه فوضعه في المهد وقال لي:يا حكيمة الزمي مهده،قالت:فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال:أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت له:لقد سمعت من هذا الصبي عجبا فقال وما ذاك فأخبرته الخبر فقال:يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر).

حديث إخباره عليه السلام وهو صبي للمأمون عن أخبار السموات

السابع والسبعون وفيه قال (اجتاز المأمون بابن الرضا (عليه السلام) وهو بين صبيان فهربوا سواه فقال:علي به،فقال له:مالك ما هربت في جملة الصبيان ،قال:ما لي ذنب فأفر ولا الطريق ضيق فأوسعه عليك فتمر من حيث شئت، فقال:من تكون؟ قال:أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ،فقال: ما تعرف من العلوم قال سلني عن أخبار السماوات فودعه ومضى وعلى يده باز أشهب يطلب به الصيد فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر عن يمينه وشماله لم ير صيدا والباز يثب عن يده فأرسله وطار يطلب الأفق حتى غاب عن ناظره ساعة ثم عاد إليه وقد صاد حية فوضع الحية في بيت المطعم وقال لأصحابه قد مدنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي ثم عاد وابن الرضا في جملة الصبيان فقال ما عندك من أخبار السماوات فقال نعم يا أمير المؤمنين حدثني أبي عن آبائه عن النبي عن جبرئيل عن رب العالمين أنه قال بين السماء والهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج فيه حيات خضر البطون رقط الظهور ويصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء فقال صدقت وصدق آباؤك وصدق جدك وصدق ربك فأركبه ثم زوجه أم الفضل).

أقول ورواه محمد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ببعض التغيير، وفيه مكان الحية السمكة، وكذا شيخنا البهائي  في مفتاح الفلاح.

حديث العرق الزاهر

الثامن والسبعون وفيه عن (كتاب معرفة تركيب الجسد عن الحسين بن أحمد التميمي قال روي عن أبي جعفر الثاني أنه استدعى فاصدا في أيام المأمون فقال له افصدني في العرق الزاهر فقال له ما أعرف هذا العرق يا سيدي ولا سمعته فأراه إياه فلما فصده خرج منه ماء أصفر فجرى حتى امتلأ الطست ثم قال له أمسكه فأمر بتفريغ الطست ثم قال خل عنه فخرج دون ذلك فقال شده الآن فلما شد يده أمر له بمائة دينار فأخذها وجاء إلى بخناس فحكى له ذلك فقال والله ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطب ولكن هاهنا فلان الأسقف قد مضت عليه السنون فامض بنا إليه فإن كان عنده علمه وإلا لم نقدر على من يعلمه فمضيا ودخلا عليه وقص القصص فأطرق مليا ثم قال: يوشك أن يكون هذا الرجل نبيا أو من ذرية نبي).

حديث تطاول وعرض جسده عليه السلام

التاسع والسبعون عن دلائل الطبري œ قال: حدثني أبو المفضل محمد بن عبدالله عن علي بن الحسين عن أبيه قال: حدثني أحمد بن صالح (قال عسكر مولى أبي جعفرمحمد بن علي (عليه السلام) دخلت عليه [هو جالس في وسط إيوان له يكون عشرة أذرع قال: فوقفت بباب الإيوان ]فقلت في نفسي: يا سبحان الله ما أشد سمرة مولاي وأضوأجسده قال: فو الله ما استتممت الكلام في نفسي حتى تطاول وعرض جسده وامتلأ به الإيوان إلى سقفه ومع جوانب حيطانه ثم رأيت لونه وقد أظلم حتى صار كالليل المظلم ثم ابيض حتى صار كأبيض ما يكون من الثلج[الأبيض] ثم احمر حتى صار كالعلق المحمر ثم اخضر حتى صار كأخضرما يكون من الأغصان الورقة الخضرة ثم تناقص جسمه حتى صار في صورته الأولة وعاد لونه الأول وسقطت لوجهي مما رأيت فصاح بي يا عسكر [كم]تشكون فننبئكم وتضعفون فنقويكم والله لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلا من من الله عليه بنا وارتضاه لنا وليا).

أقول: وفي مناقب ابن شهر آشوب عن عسكر قال: دخلت عليه فقلت في نفسي: يا سبحان الله ما أشد سمرة مولاي وأضوء جسده ثم ساق الحديث إلى آخره بأيسر مغايرة لفظية وفي آخره يا عسكر تشكون فنثبتكم وتضعفون ونقويكم، الحديث.

حديث تشكيك الشاكون والمرتابون في نسب الإمام الجوادعليه السلام

الثمانون وعنه (حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثني جعفر بن مالك الفزاري قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الحسني عن أبي محمد الحسن ابن علي قال: كان أبو جعفر(عليه السلام) شديد الأدمة ولقد قال :فيه الشاكون المرتابون وسنه خمس وعشرين شهرا إنه ليس هو من ولد الرضا (عليه السلام) وقالوا لعنهم الله: إنه من سنيف الأسود مولاه وقالوا:من لؤلؤ وأنهم أخذوه والرضا عند المأمون فحملوه إلى القافة وهو طفل بمكة في مجمع من الناس بالمسجد الحرام فعرضوه عليهم فلما نظروا إليه وزرقوه بأعينهم خرجوا لوجوههم سجدا ثم قاموا فقالوا لهم: يا ويحكم مثل هذا الكوكب الدري والنور المنير يعرض على أمثالنا وهذا والله الحسب الزكي والنسب المهذب الطاهر والله ما تردد إلا في أصلاب زاكية وأرحام طاهرة و الله ما هو إلا من ذرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ورسول الله فارجعوا واستقيلوا الله واستغفروه ولا تشكوا في مثله وكان في ذلك الوقت سنه خمس وعشرين شهرا فنطق بلسان أرهف من السيف وأفصح من الفصاحة يقول: الحمد لله الذي خلقنا من نوره بيده واصطفانا من بريته وجعلنا أمناءه على خلقه ووحيه معاشر الناس أنا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابن فاطمة الزهراء[وابن سيدة النساء] وابن محمد المصطفى ففي مثلي يشك وعلي[وعلى الله]  وعلى أبوي يفترى أعرض على القافة وقال: والله إنني [لأعلم بأنسابهم من آبائهم إني والله لأعلم بواطنهم وظواهرهم وإني] لأعلم بهم أجمعين وما هم إليه صائرون أقوله حقا وأظهره صدقا وعدلا علما ورثناه الله قبل الخلق أجمعين وبعد بناء السماوات والأرضين وايم الله لو لا تظاهر الباطل علينا [وغلبة دولة الكفر وتوثب أهل الشكوك والشرك والشقاق علينا] لقلت قولا يتعجب منه الأولون والآخرون ثم وضع يده على فيه ثم قال يا محمد اصمت كما صمت ﴿آباؤك فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ولا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ الآية ثم تولى الرجل إلى جانبه فقبض على يده ومشى يتخطى رقاب الناس والناس يفرجون له قال فرأيت مشيخة[أجلاء هم] ينظرون ويقولون الله أعلم حيث يجعل رسالته فسألت عن المشيخة قيل هؤلاء قوم من حي بني هاشم من أولاد عبد المطلب وقال وبلغ الخبر الرضا علي بن موسى (عليه السلام) وما صنع بابنه محمد فقال: الحمد لله ثم التفت إلى بعض من بحضرته من شيعته فقال: هل علمتم ما قد رميت به مارية القبطية وما ادعى عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول الله قالوا لا يا سيدنا أنت أعلم فخبرنا لنعلم قال إن مارية لما أهديت إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) أهديت مع جوار له قسمهن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)على أصحابه وظن بمارية من دونهن وكان معها خادم يقال له جريح يؤدبها بآداب الملوك وأسلمت على يد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)وأسلم جريح معها وحسن إيمانهما وإسلامهما فملكت مارية قلب رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)فحسدها بعض أزواج رسول الله فأقبلت زوجتان من أزواج رسول الله إلى أبويهما تشكوان رسول الله فعله وميله إلى مارية وإيثاره إياها عليهما حتى سولت لهما نفسهما أن تقولا إن مارية إنما حملت بإبراهيم من جريح وكانوا لا يظنون جريحا خادما زمانا فأقبل أبواهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)وهو جالس في مسجده فجلسا بين يديه وقالا يا رسول الله ما يحل لنا ولا يسعنا أن نكتمك ما ظهرنا عليه من خيانة واقعة بك قال: وماذا تقولان قالا: يا رسول الله إن جريحا يأتي من مارية الفاحشة العظمى وإن حملها من جريح وليس هو منك يا رسول الله فأربد وجه رسول الله وعرضت له سهوة لعظم ما تلقياه به ثم قال :ويحكما ما تقولان فقالا: يا رسول الله إننا خلفنا جريحا ومارية في مشربة وهو يفاكهها ويلاعبها ويروم منها ما تروم الرجال من النساء فابعث إلى جريح فإنك تجده على هذه الحال فأنفذ فيه حكمك وحكم الله تعالى فقال النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)يا أبا الحسن خذ معك سيفك ذا الفقار حتى تمضي إلى مشربة مارية فإن صادفتها وجريحا كما يصفان فأخمدها ضربا فقام علي واتشح بسيفه وأخذه تحت ثوبه فلما ولى ومر من بين يدي رسول الله أتى إليه راجعا فقال له: يا رسول الله أكون فيما أمرتني كالسبكة المحماة في النار أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال: النبي(صلى الله عليه وأله وسلم) [فديتك]يا علي بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب قال فأقبل علي وسيفه في يده حتى تسور من فوق مشربة مارية وهي وجريح[جالسة] معها يؤدبها بآداب الملوك ويقول لها: أعظمي رسول الله وكنيه وأكرميه ونحو من هذا الكلام فنظر جريح إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) وسيفه مشهر بيده ففزع منه جريح وأتى إلى نخلة في دار المشربة فصعد إلى رأسها فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام)إلى المشربة وكشف الريح عن أثواب جريح فانكشف ممسوحا فقال: انزل يا جريح فقال يا أمير المؤمنين: آمن على نفسي قال: آمن على نفسك قال: فنزل جريح وأخذ بيده أمير المؤمنين وجاء به إلى رسول الله فأوقفه بين يديه وقال له: يا رسول الله إن جريحا خادما ممسوحا فولى النبي وجهه إلى الجدار وقال: حل لهما لعنهما الله يا جريح اكشف عن نفسك حتى يتبين كذبهما ويحهما ما أجراهما على الله وعلى رسوله فكشف جريح عن أثوابه فإذا هو خادم ممسوح كما وصف فسقطا بين يدي رسول الله وقالا: يا رسول الله التوبة استغفر لنا، فلن نعود، فقال رسول الله(صلى الله عليه وأله وسلم): لا تاب الله عليكما، فما ينفعكما استغفاري، ومعكما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله قالا: يا رسول الله فإن استغفرت لنا رجونا أن يغفر لنا ربنا فأنزل الله الآية ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ قال الرضا علي بن موسى(عليه السلام) :الحمد لله الذي جعل في وفي ابني محمد أسوة برسول الله وابنه إبراهيم ولما بلغ عمره ست سنين وشهور قتل المأمون أباه وبقيت الطائفة في حيرة واختلفت الكلمة بين الناس واستصغر سن أبي جعفر(عليه السلام) وتحير الشيعة في سائر الأمصار). 

أقول: هذا الحديث متكرر في الكتب مجملا ومفصلا وقد رواه ابن شهر آشوب في المناقب وأجمل حديث مارية وإنما ذكر أنه بلغ الرضا (عليه السلام) وهو في خراسان ما صنع بابنه فقال: الحمد لله، ثم ذكر ما قذفت به مارية القبطية ورواه الحسن بن حمدان في الهداية مفصلا وبين الروايات مغايرة في الألفاظ دون المؤدى غير أن في رواية ابن حمدان فأنزل الله فيهما ﴿ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم﴾ إلى قوله: ﴿بما كانوا يعلمون﴾ ﴿ مكان قوله إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ ﴾الآية في خطبة الجواد (عليه السلام) «والله إني لأعلم بأنساب الناس من آبائهم ووالله إني لأعلم ما في سرائرهم وظواهرهم وإني لأعلم بهم أجمعين وما هم إليه صائرون.

حديث جوابه عليه السلام عن ثلاثين ألف مسئلةفي مجلس واحد

 الحادي والثمانون الكافي عن (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ النَّوَاحِي مِنَ الشِّيعَةِ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَأَلُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ (عليه السلام) ولَهُ عَشْرُ سِنِينَ).

أقول: ومن غريب ما وقفت عليه أن المجلسي  ذكر هذا الخبر في الثاني عشر من البحار ثم أورد أشكالا وهو أنه لو كان الجواب عن كل مسئلة بيتا واحدا عني خمسين حرفا لكان أكثر من ثلاث ختمات للقران فكيف يمكن ذلك في مجلس واحد ولو قيل جوابه (عليه السلام) كان في الأكثر بلا ونعم أو بالإعجاز في أسرع زمان ففي السؤال لا يمكن ذلك ثم قال: ويمكن الجواب بوجوه الأول أن الكلام محمول علي المبالغة في كثرة الأسئلة والأجوبة فإن عد مثل ذلك مستبعد جدا الثاني أنه يمكن أن يكون في خواطر القوم أسئلة كثيرة متفقة فلما أجاب (عليه السلام) عن واحد فقد أجاب عن الجميع، الثالث أن يكون إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة على الأحكام الكثيرة وهذا وجه قريب، الرابع أن يكون المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية أو مكان واحد كمنى وأن كان في أيام متعددة الخامس أن يكون مبنيا على بسط الزمان الذي تقول به الصوفية لكنه ظاهرا من قبيل الخرافات، السادس أن يكون أعجازه (عليه السلام) أثر في سرعة كلام القوم أيضا أو كان يجيبهم بما يعلم من ضمائرهم قبل سؤالهم، السابع ما قيل إن المراد السؤال بعرض المكتوبات والطومارات فوقع الجواب بخرق العادة انتهي كلامه زيد مقامه.

وأقول: أيراد مثل هذا الأشكال من مسألة عجيب فإن الإشكال مبنى على فرض غير واجب وهو كون كل مسألة بيتا واحدا فان من الأسئلة ما لا يبلغ مع جوابه نصف بيت بل وعشرين حرفا كان يسأل ما القاف فيقول جبل محيط بالدنيا ويسأل ما صاد فيقول عين تحت العرش ويسأل ما الاسم فيقول صفة لموصوف ويسأل هل يجوز المسح على الخفين فيقول لا ويسأل كم التكبير على الميت فيقول خمس ويسأل هل تجب السورة في الصلاة فيقول نعم وهكذا وعلى هذا فيمكن أن لا يزيد السؤال مع الجواب على ختم واحد للقران وقد جرب أن جزء واحد منه إذا قرء بالتأني لا يزيد على عشرين دقيقة فيمكن ختم القرآن في ظرف عشر ساعات فلا حاجة إلي هذه التكلفات التي تكدر العيش على السامعين ولو سلمنا طول الأسئلة والأجوبة جدا فباب الإعجاز واسع لا تقاومه أيضا هذه الإشكالات حتى يحتاج إلى بعض التوجيهات البعيدة.

حديث غلي بن خالد الزبدي

الثاني والثمانون وفيه أحمد بن إدريس عن (محمد بن حسان عن علي بن خالد قال محمد: وكان زيديا قال: كنت في العسكر فبلغني أن هناك رجلا محبوسا أتي به من ناحية الشام مكبولا وقالوا: إنه تنبأ قال علي بن خالد[فأتيت الباب]: فداريت القوادين والحجبة حتى وصلت إليه فإذا رجل له فهم فقلت له: يا هذا ما قصتك وما أمرك فقال لي: كنت رجلا بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال له موضع رأس الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)فبينا أنا في عبادتي إذ أتاني شخص فقال: قم بنا قال: فقمت معه قال: فبينا أنا معه إذا أنا في مسجد الكوفة فقال لي: تعرف هذا المسجد قلت: نعم هذا مسجد الكوفة قال: فصلى وصليت معه فبينا أنا معه إذا أنا في مسجد[الرسول] بالمدينة[فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وسلمت]قال: فصلى وصليت معه وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ودعا له فبينا أنا معه إذا أنا بمكة فلم أزل معه حتى قضى مناسكه وقضيت مناسكي معه قال: فبينا أنا معه إذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد الله فيه بالشام قال: ومضى الرجل قال: فلما كان عام قابل [في أيام الموسم] إذا أنا به وفعل بي مثل فعلته الأولى فلما فرغنا من مناسكنا وردني إلى الشام وهم بمفارقتي قلت له: سألتك بحق الذي أقدرك على ما رأيت إلا أخبرتني من أنت؟[ قال: فأطرق طويلا ثم نظر إلي] فقال:أنا محمد بن علي بن موسى فتراقى الخبر حتى انتهى الخبر إلى محمد بن عبد الملك الزيات قال: فبعث إلي فأخذني وكبلني في الحديد وحملني إلى العراق [وحبسني كما ترى] قال: قلت له ارفع قصتك إلى محمد بن عبد الملك فقال:[ ومن لي يأتيه بالقصة قال: فأتيته بقرطاس ودواة فكتب قصته إلى محمد بن عبد الملك]فذكر في قصته ما كان قال: فوقع في القصة قل للذي أخرجك [في ليلة] من الشام إلى الكوفة ومن الكوفة إلى المدينة ومن المدينة إلى المكان أن يخرجك من حبسك قال: علي بن خالد فغمني أمره ورققت له وأمرته بالعزاء[والصبر] قال: ثم بكرت عليه [يوما] فإذا الجند وصاحب الحرس وصاحب السجن وخلق عظيم يتفحصون حاله قال فقلت: ما هذا قالوا المحمول من الشام الذي تنبأ افتقد البارحة لا ندري خسف به الأرض أو اختطفه الطير [في الهواء وكان علي بن خالد هذا زيديا فقال بالإمامة بعد ذلك وحسن اعتقاده]).

أقول": قوله قال: محمد يعنى ابن حسان وكان زيديا يعنى على بن خالد وروى الحديث الصفار في البصائر عن محمد بن حسان عن على بن خالد وابن شهر أشوب في المناقب عن أبن خالد المذكور وفي روايتيها جميعا أن علي بن خالد قال بالإمامة بعد ذلك وحسن اعتقاده ورواه أيضا المفيد في الإرشاد والراوندي في الخرائج والطبرسى في أعلام الورى من طريق الكليني ورواه الطبري عن محمد بن هارون بن موسى عن أبيه عن محمد بن الحسن ابن الوليد عن الصفار.

حديث العصا التى نطقت بإمامة الإمام محمد الجوادعليه السلام ا

الثالث والثمانون وفيه في باب ما يفصل بين دعوى المحق والمبطل عن محمد بن يحيى وأحمد بن محمد عن محمد بن الحسن عن أحمد بن الحسين عن محمد بن الطيب عن عبد الوهاب بن منصور عن محمد ابن أبي العلاء قال :(سمعت يحيى بن أكثم قاضي سامراء بعد ما جهدت به وناظرته وحاورته وواصلته وسألته عن علوم آل محمد(صلى الله عليه وأله وسلم) فقال: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) فرأيت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يطوف به فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إلي فقلت له:والله إني أريد أن أسألك مسألة وإني والله لأستحيي من ذلك فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني تسألني عن الإمام فقلت: هو والله هذا فقال: أنا هو فقلت: علامة فكان في يده عصا فنطقت وقالت: إن مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة).

حديث حضوره عليه السلام بخراسان لدفن أبيه

الرابع والثمانون الخرائج فصل في أعلام الإمام محمد بن علي ومنها ما روى أحمد بن محمد عن أبي الحسن بن معمر بن خلاد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لي: بالمدينة يا معمر اركب. قلت: إلى أين قال: اركب كما يقال لك. فركبت معه فانتهينا إلى واد وإلى وهدة وإلى تل. فقال: قف هاهنا فوقفت وخرج ثم أتاني فقلت: جعلت فداك أين كنت قال: دفنت أبي الساعة وكان بخراسان).

أقول: حضوره (عليه السلام) بخراسان عند أبيه متكرر في الأخبار وسيأتي إن شاء الله في ذلك حديث أبى الصلت الهروي الطويل وما في معناه، هي.

حديث بيت المقدس

الخامس والثمانون مدينة المعاجز عن دلائل الطبري (عن أبي النظر أحمد ابن سعيد قال: قال لي منحل بن علي لقيت محمد بن علي(عليه السلام) بسر من رأى فسألته النفقة إلى بيت المقدس فأعطاني مائة دينار ثم قال لي: غمض عينيك فغمضتهما ثم قال: افتح فإذا أنا ببيت المقدس تحت القبة فتحيرت في ذلك).

حديث الخاتم

السادس والثمانون وفيه عن الكتاب المذكور (قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن الهيثم أبو قبيصة الضرير قال: حدثنا أحمد بن موسى قال: أخبرنا حكيم بن حماد قال: رأيت محمد بن علي(عليه السلام) وقد ألقى في دجلة خاتما فوقفت كل سفينة صاعدة وهابطة وأهل العراق يومئذ متزايدون ثم قال: لغلامه أخرج الخاتم فسارت الزوارق).

حديث إخباره عليه السلام بما في بطن الحبلى

السابع والثمانون وفيه عن الكتاب المذكور بسنده عن عمارة بن زيد قال قال (بإسنادنا إلى محمد بن جرير الطبري بإسناده إلى إبراهيم بن سعيد قال: كنت جالسا عند محمد بن علي الجواد (عليه السلام) إذ مر بنا فرس أنثى فقال: هذه تلد الليلة فلوا أبيض الناصية في وجهه غرة فاستأذنته ثم انصرفت مع صاحبها فلم أزل أحدثه إلى الليل حتى أتت فلوا كما وصف فأتيته قال: يا ابن سعيد شككت فيما قلت لك أمس إن التي في منزلك حبلى بابن أعور فولدت والله محمدا وكان أعور) .

أقول: وفي المجلد الثاني عشر من البحار عن كتاب النجوم لابن طاوس بسنده عن الطبري المذكور بإسناده عن إبراهيم بن سعد مثله .

حديث تفكره في ظلم الزهراء عليها السلام وسنه أقل من أربع

الثامن والثمانون وفيه عن الكتاب المذكور قال: اخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى قال: حدثني أبي œ قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عبدالله (أبي عبد الله البرقي قال: حدثنا زكريا بن آدم قال: إني لعند الرضا(عليه السلام) إذ جي‏ء بأبي جعفر له وسنه أقل من أربع فضرب بيده إلى الأرض ورفع رأسه إلى السماء وهو يفكر فقال له الرضا(عليه السلام): بنفسي أنت لم طال فكرك فقال: فيما صنع بأمي فاطمة أم والله لأخرجنهما ثم لأحرقنهما ثم لأذرينهما ثم لأنسفهما في اليم نسفا فاستدناه وقبل ما بين عينيه ثم قال:[بأبي أنت وأمي] أنت لها يعني الإمامة). أقول: وفي البحار عن الدلائل بالسند المذكور مثله.

حديث شهادة الزور والبهو

التاسع والثمانون الخرائج (عن ابن أدرمة أنه قال: أن المعتصم دعا جماعة من وزرائه فقال: اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) زورا واكتبوا أنه أراد أن يخرج ثم دعاه فقال: إنك أردت أن تخرج علي. فقال: والله ما فعلت شيئا من ذلك قال: إن فلانا وفلانا وفلانا شهدوا عليك وأحضروا فقالوا: نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك. قال: وكان جالسا في بهو فرفع أبو جعفر (عليه السلام)يده فقال: اللهم إن كانوا كذبوا علي فخذهم . قال: فنظرنا إلى ذلك البهو كيف يزحف ويذهب ويجي‏ء وكلما قام واحد وقع. فقال المعتصم: يا ابن رسول الله إني تائب مما فعلت فادع ربك أن يسكنه فقال: اللهم سكنه وإنك تعلم أنهم أعداؤك وأعدائي فسكن).

رجوع البصر لمحمد بن ميمون على يد الإمام عليه السلام

التسعون وفيه (عن محمد بن ميمون أنه كان مع الرضا (عليه السلام) بمكة قبل خروجه إلى خراسان قال: قلت له إني أريد أن أتقدم إلى المدينة فاكتب معي كتابا إلى أبي جعفر (عليه السلام) فتبسم وكتب فصرت إلى المدينة وقد كان ذهب بصري فأخرج الخادم أبا جعفر (عليه السلام) إلينا يحمله من المهد فناولته الكتاب فقال لموفق الخادم: فضه وانشره ففضه ونشره بين يديه فنظر فيه ثم قال لي: يا محمد ما حال بصرك قلت :يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى فقال: [ادن مني فدنوت منه] فمد يده فمسح بها على عيني فعاد إلي بصري كأصح ما كان فقبلت يده ورجله وانصرفت من عنده وأنا بصير).

تقطيع المأمون للإمام عليه السلام بالسيف ولم يصبه شيئ

الحادي والتسعون عن مهج الدعوات للسيد النقيب الجليل علي بن طاوس وفي المغفرة رضاك حرز محمد بن علي الجواد (عليه السلام) قال الشيخ علي بن عبد الصمد قال حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن أبي الحسن  عم والدي قال حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن عباس الدرويشي قال حدثنا والدي عن الفقيه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي وأخبرني جدي قال حدثنا والدي الفقيه أبو الحسن  قال حدثنا جماعة من أصحابنا رحمهم الله منهم السيد العالم أبو البركات والشيخ أبو القاسم علي بن محمد المعاذي وأبو بكر محمد بن علي المعمري وأبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبد الله المدائني قالوا كلهم حدثنا الشيخ أبو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي قدس الله روحه قال حدثني أبي قال حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم عن جده قال حدثني أبو نصر الهمداني قال حدثني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر عمة أبي محمد الحسن بن علي(عليه السلام) قالت لما مات محمد بن علي الرضا (عليه السلام) أتيت زوجته أم عيسى بنت المأمون فعزيتها فوجدتها شديدة الحزن والجزع عليه تقتل نفسها بالبكاء والعويل فخفت عليها أن تتصدع مرارتها فبينما نحن في حديثه وكرمه ووصف خلقه وما أعطاه الله تعالى من الشرف والإخلاص ومنحه من العز والكرامة إذ قالت أم عيسى ألا أخبرك عنه بشيء عجيب وأمر جليل فوق الوصف والمقدار قلت وما ذاك قالت: كنت أغار عليه كثيرا وأراقبه أبدا وربما يسمعني الكلام فأشكو ذلك إلى أبي فيقول يا بنية احتمليه فإنه بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ دخلت علي جارية فسلمت[علي] فقلت من أنت فقالت أنا جارية من ولد عمار بن ياسر وأنا زوجة أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) زوجك فدخلني من الغيرة ما لا أقدر على احتمال ذلك و هممت أن أخرج وأسيح في البلاد وكاد الشيطان أن يحملني على الإساءة إليها فكظمت غيظي وأحسنت رفدها وكسوتها فلما خرجت من عندي المرأة نهضت ودخلت على أبي وأخبرته بالخبر وكان سكران لا يعقل فقال يا غلام علي بالسيف فأتى به فركب وقال والله لأقتلنه فلما رأيت ذلك قلت إنا لله وإنا إليه راجعون ما صنعت بنفسي وبزوجي وجعلت ألطم حر وجهي فدخل عليه والدي وما زال يضربه بالسيف حتى قطعه ثم خرج من عنده وخرجت هاربة من خلفه فلم أرقد ليلتي فلما ارتفع النهار أتيت أبي فقلت: أ تدري ما صنعت البارحة؟ قال: وما صنعت؟ وقلت: قتلت ابن الرضا(عليه السلام)  فبرق عينه وغشي عليه ثم أفق بعد حين وقال: ويلك ما تقولين؟ قلت: نعم والله يا أبت دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا وقال: علي بياسر الخادم فجاء ياسر فنظر إليه المأمون وقال: ويلك ما هذا الذي تقول هذه ابنتي قال: صدقت يا أمير المؤمنين فضرب بيده على صدره وخده وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون هلكنا بالله وعطبنا وافتضحنا إلى آخر الأبد ويلك يا ياسر فانظر ما الخبر والقصة عنه (عليه السلام) وعجل علي بالخبر فإن نفسي تكاد أن تخرج الساعة فخرج ياسر وأنا ألطم حر وجهي فما كان بأسرع من أن رجع ياسر فقال: البشرى يا أمير المؤمنين قال: لك البشرى فما عندك قال ياسر: دخلت عليه فإذا هو جالس وعليه قميص ودواج وهو يستاك فسلمت عليه وقلت: يا ابن رسول الله أحب أن تهب لي قميصك هذا أصلي فيه وأتبرك به وإنما أردت أن أنظر إليه وإلى جسده هل به أثر السيف فو الله كأنه العاج الذي مسه صفرة ما به أثر فبكى المأمون طويلا وقال: ما بقي مع هذا شي‏ء إن هذا لعبرة للأولين والآخرين وقال: يا ياسر أما ركوبي إليه وأخذي السيف ودخولي عليه فإني ذاكر له وخروجي عنه فلست أذكر شيئا غيره ولا أذكر أيضا انصرافي إلى مجلسي فكيف كان أمري وذهابي إليه لعن الله هذه الابنة لعنا وبيلا تقدم إليها وقل لها: يقول لك أبوك والله لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت[أيضا] أو خرجت بغير إذنه لأنتقمن له منك ثم سر إلى ابن الرضا وأبلغه عني السلام واحمل إليه عشرين ألف دينار وقدم إليه الشهري الذي ركبته البارحة ثم مر بعد ذلك الهاشميين أن يدخلوا (عليه السلام) ويسلموا عليه قال: ياسر فأمرت لهم بذلك ودخلت أنا أيضا معهم وسلمت عليه وأبلغت التسليم ووضعت المال بين يديه وعرضت الشهري عليه فنظر إليه ساعة ثم تبسم فقال: يا ياسر هكذا كان العهد بيننا وبينه حتى يهجم علي بالسيف أ ما علم أن لي ناصرا وحاجزا يحجز بيني وبينه فقلت: يا سيدي يا ابن رسول الله دع عنك هذا العتاب [واصفح] والله وحق جدك رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ما كان يعقل شيئا من أمر وما علم أين هو من أرض الله وقد نذر الله نذرا صادقا وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبدا فإن ذلك من حبائل الشيطان فإذا أنت يا ابن رسول الله أتيته فلا تذكر له شيئا ولا تعاتبه على ما كان منه فقال (عليه السلام) :هكذا كان عزمي ورأيي والله ثم دعا بثيابه ولبس ونهض وقام معه الناس أجمعون حتى دخل على المأمون فلما رآه قام إليه وضمه إلى صدره ورحب به ولم يأذن لأحد في الدخول عليه ولم يزل يحدثه ويسامره فلما انقضى ذلك قال أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) :يا أمير المؤمنين قال: لبيك وسعديك قال: لك عندي نصيحة فأقبلها قال المأمون: بالحمد والشكر فما ذاك يا ابن رسول الله؟ قال: أحب لك أن لا تخرج بالليل فإني لا آمن عليك هذا الخلق المنكوس وعندي عقد تحصن به نفسك وتحرز به من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات كما أنقذني الله منك البارحة ولو لقيت به جيوش الروم والترك واجتمع عليك وعلى غلبتك أهل الأرض جميعا ما تهيأ لهم منك شي‏ء بإذن الله الجبار وإن أحببت بعثت به إليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك قال: نعم فاكتب ذلك بخطك وابعثه إلى قال: نعم قال: ياسر فلما أصبح أبو جعفر (عليه السلام) بعث إلي فدعاني فلما صرت إليه وجلست بين يديه دعا برق ظبي من أرض تهامة ثم كتب بخطه هذا العقد ثم قال: يا ياسر احمل هذا إلى أمير المؤمنين وقل له حتى يصاغ له قصبة من فضة منقوش عليها ما أذكره بعده فإذا أراد شده على عضده فليشده على عضده الأيمن وليتوضأ وضوء حسنا سابغا وليصل أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسبع مرات آية الكرسي وسبع مرات شهد الله وسبع مرات والشمس وضحيها وسبع مرات والليل إذا يغشى وسبع مرات قل هو الله أحد فإذا فرغ منها فليشده على عضده الأيمن عند الشدائد والنوائب يسلم بحول الله وقوته من كل شي‏ء يخافه ويحذره وينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب ولو أنه غزي أهل الروم وملكهم لغلبهم بإذن الله وبركة هذا الحرز[إلى آخر ماأورده من الدعاء وهو حرز الجواد المشهور] [وروي أنه لما سمع المأمون من أبي جعفر في أمر هذا الحرز هذه الصفات كلها غزا أهل الروم فنصره الله تعالى عليهم ومنح منهم من المغنم ما شاء الله ولم يفارق هذا الحرز عند كل غزاة ومحاربة وكان ينصره الله عز وجل بفضله ويرزقه الفتح بمشيته إنه ولي ذلك بحوله وقوته]).

وأقول هذا الحديث متكرر في الكتب وقد رواه أيضا صاحب عيون المعجزات قال صفوان بن يحي  عن أبي نصر الهمداني عن حكيمة بنت أبي الحسن القرشي وكانت من الصالحات قالت لما قبض أبو جعفر (عليه السلام) محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)أتيت أم الفضل بنت المأمون أو قالت أم عيسى بنت المأمون فعزيتها فوجدتها شديدة الحزن ثم ساق الحديث قريبا من رواية المهج، ورواه ابن شهر آشوب في المناقب (صفوان بن يحيى قال حدثني أبو نصر الهمداني وإسماعيل بن مهران وحبران الأسباطي عن حكيمة بنت أبي الحسن القرشي عن حكيمة بنت موسى بن عبد الله عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى التقي(عليه السلام) وساق الحديث ولم يذكر حكاية الحرز ولعله جريا منه على دأبه من اختصار الأخبار والاكتفاء بأدنى ما يؤدى به المطلوب. ورواه الراوندي في الخرائج  (ومنها أن محمد بن إبراهيم الجعفري روى عن حكيمة بنت الرضا (عليه السلام) قالت: لما توفي أخي محمد بن الرضا (عليه السلام) صرت يوما إلى امرأته أم الفضل‏ بنت المأمون العباسي الخليفه..) وساق الحديث بما يقرب من الروايات المذكورة معنى. وهو أيضا لم يذكر قصة الحرز ولا عجب في ذلك فإن اختلاف ألفاظ المتون في الروايات غير عزيز لاقتصار الرواة غالبا على نقل المعنى بأي لفظ كان واقتصار بعضهم على بعض الحديث ورغبته بعضهم إلى اللمحيض وزاد على ذلك الاختلال في الضبط من بعضهم. وإنما العجب الاختلاف الواقع في السند.فإن في رواية المهج رواية أبي نصر الهمداني عن حكيمة بنت الجواد (عليه السلام) بغير واسطة، وفي رواية العيون رواية أبي نصر المذكور عن حكيمة بنت أبي الحسن القرشي وروايتها هي عن أم الفضل أو أم عيسى بغير واسطة فهي مناقضة لرواية المهج من وجهين، وفي رواية المناقب رواية أبي نصرعن حكيمه بنت أبي الحسن عن حكيمة بنت موسى بن عبدالله عن حكيمة بنت الجواد (عليه السلام) وهو كما ترى مخالف لكلا السندين كل منهما من واجه وإن وافق كلا منهما من وجه آخر، وفي رواية الخرائج رواية الجعفري عن حكيمة بنت الرضا (عليه السلام) وهذا مبائن لجميع الثلاثة لكون بنت الرضا (عليه السلام) غير مذكورة في شيء منها ويختلج بالبال صحة سند المناقب ووقوع السهو في سائر الأسانيد من جهة التباس اسم حكيمة من حيث التكرر إن لم يكن كون بنت الرضا راوية للحديث أقرب وأنسب والله أعلم بالصواب.

هذا ثم إن من العجب ما قال الشيخ المحقق علي بن عيسى الأربلي صاحب كشف الغمة  في المقام فإنه قال بعد إيراد هذا الخبر، وإن هذه القصة عندي فيها نظر وأظنها موضوعة فإن أبا جعفر (عليه السلام) إنما كان يتزوج ويتسرى حيث كان بالمدينة ولم يكن المأمون بالمدينة فتشكو إليه ابنته فإن قلت إنه جاء حاجا قلت لم يكن ليشرب في تلك الحال وأبو جعفر (عليه السلام) مات ببغداد وزوجته معه فأخته أين رأتها بعد موته وكيف اجتمعتا وتلك بالمدينة وهذه ببغداد وتلك الامرأة التي من ولد عمار بن ياسر œ في المدينة تزوجها فكيف رأتها أم الفضل فقامت من فورها وشكت إلى أبيها كل هذا يجب أن ينظر فيه والله أعلم.

أقول: لعل هذا القول إنما صدر منه مراعاة لعدم استيحاش العامة من كتابه فإنه  كان ببغداد وكان مخالطا مع المخالفين حتى أن كثيرا منهم كانوا يتتلمذون عنده ويأخذون عنه الحديث وقد روى عنه كتابه هذا جماعة منهم قراءة وسماعا وإجازة على ما رأيت على ظهر بعض نسخه نقلا عن نسخة الأصل ويؤيد هذا الاحتمال أنه  عقل لسانه عن ذكر بعض المطاعن المذكورة المشهورة في حق خلفاء الجور بالكلية مراعاة لحق التقية أو حذرا من كون الكتاب متروكا مبغوضا عندهم لا يميلون إلى ملاحظة ما فيه وهذا المحذور وإن كان في حق المأمون غير منظور لكنه مما يشهد على مبالغته في مراعاته الأدب بالنسبة إلى السلف وحفظه للحمى ويمكن أنه قال ذلك اعتقاد الحسن ظنه بالمأمون في أمثال هذه الموارد ويعضد هذا الاحتمال أنه أنكر في كتابه ذلك كون المأمون قاتلا للرضا (عليه السلام) بالسم وتعلل في رد ما ورد من ذلك بوجوه عليلة جدا لا ينبغي أن يطال الكلام بذكرها وأصل المنشأ في ذلك ما ذكره في صدر مقاله حيث قال العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى جامع هذا الكتاب أثابه الله تعالى بلغني ممن أثق به أن السيد رضي الدين علي بن الطاوس كان لا يوافق على أن المأمون سقى عليا (عليه السلام) [بسم]ولا يعتقده وكان  كثير المطالعة والتنقيب والتفتيش على مثل ذلك والذي كان يظهر من المأمون من حنوه عليه وميله إليه واختياره له دون أهله وأولاده مما يؤيد ذلك ويقرره وكيف كان فتردده  في الخبر مما لا وجه له لكون تعليلاته المذكورة كلها عليلة كما قال شيخنا المجلسي  بعد ذكر هذا الكلام منه بما هذا لفظه (كل ما ذكره من المقدمات التي بنى عليها رد الخبر في محل المنع ولا يمكن رد الخبر المشهور المتكرر في جميع الكتب بمحض هذا الاستبعاد)  وهو كما قال فإنها كلها أمور لا مأخذ لشيء منها.

حديث إرسال الإمام الرضا إلىالجوادوله ثمانيةعشرشهرا

الثاني والتسعون عن دلائل الطبري قال: (وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثنا جعفر بن مالك الفزاري قال: حدثني علي بن يونس الخزاز عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: كنت أنا ومحمد بن سنان وصفوان وعبد الله بن مغيرة عند أبي الحسن الرضا(عليه السلام) بمنى فقال لي: ألك حاجة فقلت نعم وكتب معنا كتابا إلى أبي جعفر(عليه السلام) فلما صرنا إلى المدينة أخرجه إلينا مسافر على كتفه وله يومئذ ثمانية عشر شهرا فدفعنا إليه الكتاب ففض الخاتم وقرأه ثم رفع رأسه).

حديث سؤال ابن نافع للإمام الرضاعليه السلام عن الإمام من بعده

الثالث والتسعون مناقب ابن شهر آشوب عن (بنان بن نافع قال :سألت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك من صاحب الأمر بعدك فقال لي: يا ابن نافع يدخل عليك من هذا الباب من ورث ما ورثته من قبلي وهو حجة الله تعالى من بعدي فبينا أنا كذلك إذ دخل علينا محمد بن علي (عليه السلام) فلما بصر بي قال لي: يا ابن نافع ألا أحدثك بحديث إنا معاشر الأئمة إذا حملته أمه يسمع الصوت من بطن أمه أربعين يوما فإذا أتى له في بطن أمه أربعة أشهر رفع الله تعالى له أعلام الأرض فقرب له ما بعد عنه حتى لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا ضارة وإن قولك لأبي الحسن(عليه السلام) من حجة الدهر والزمان من بعده فالذي حدثك أبو الحسن(عليه السلام) ما سألت عنه هو الحجة عليك فقلت: أنا أول العابدين ثم دخل علينا أبو الحسن(عليه السلام) فقال لي: يا ابن نافع سلم وأذعن له بالطاعة فروحه روحي وروحي روح رسول).

حديث شكوى شاه القطيع إلى الإمام عليه السلام

الرابع والتسعون عن ثاقب المناقب (عن علي بن أسباط قال: خرجت مع أبي جعفر (عليه السلام) من الكوفة وهو راكب على حمار فمر بقطيع من الغنم فتركت شاة القطيع وعدت إليه وهى ترعى وعدت فاحتبس أبو جعفر (عليه السلام) وقال: يا أيها الراعي إن هذه الشاة تشكوك وتزعم أنك تحيف عليها بالحلب فإذا رجعت إلى صاحبها بالعشي لم يجد معها لبناً فإن كففت عن ظلمها وإلا دعوت الله تعالى أن يتبر عمرك فقال الراعي :أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأنك وصيه أسألك لما أخبرتني من أين علمت هذا الشأن فقال أبو جعفر (عليه السلام) :نحن خزان الله على علمه وعيبة حكمته وأوصياء أنبيائه وعباد مكرمون)، هي.

حديث النبقه التي حملت بعد وضوئه عليه السلام عليها

الخامس والتسعون إرشاد المفيد  (ولما توجه أبو جعفر(عليه السلام) من بغداد منصرفا من عند المأمون ومعه أم الفضل قاصدا بها المدينة صار إلى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيعونه فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس نزل ودخل المسجد وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة فصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الأولى منها الحمد وإذا جاء نصر الله وقرأ في الثانية الحمد وقل هو الله أحد وقنت قبل ركوعه فيها وصلى الثالثة وتشهد وسلم ثم جلس هنيهة يذكر الله تعالى وقام من غير تعقيب فصلى النوافل أربع ركعات وعقب بعدها وسجد سجدتي الشكر ثم خرج فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملا حسنا فتعجبوا من ذلك وأكلوا منها فوجدوه نبقا حلوا لا عجم له. وودعوه ومضى (عليه السلام) من وقته إلى المدينة فلم يزل بها إلى أن أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين ومائتين إلى بغداد فأقام بها حتى توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة فدفن في ظهر جده أبي الحسن موسى (عليه السلام) ).

أقول: ذكر سنة خمس في عشرين في تاريخ وفاته (عليه السلام) في هذا الخبر غريب لاتفاق الروايات من الفريقين على وقوع وفاته في سنة عشرين ومائتين لا خلاف بينهم في ذلك إلا ما نقله المجلسي  في البحار عن مروج الذهب للمسعودى حيث قال: في سنة تسع عشرة ومائتين قبض محمد بن علي بن موسى  (عليه السلام) لخمس خلون من ذي الحجة الخ والباقون مطبقون على وقوعه في العشرين كشيخنا الكليني في الكافي وابن بابوية على ما نقل عنه والحميري في الدلائل والمفيد نفسه في الإرشاد في موضعين وابن شهرآشوب في المناقب ومحمد بن طلحة في مطالب السئول والطبرسي في أعلام الورى على ما نقله المجلسي وعلي بن عيسى في كشف الغمة نقلا عن جماعة والشهيد في الدروس وصاحب عيون المعجزات وغيرهم من العامة والخاصة فلعل وقوع لفظة خمس في هذه الرواية سهو من بعض الرواة وليس بعزيز.

حديث مسح الإمام علىإذن ابي سلمة

السادس والتسعون المناقب لابن شهر آشوب عن أبي سلمة قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وكان بي صمم شديداً فخبر بذلك لما أن دخلت عليه فدعاني إليه فمسح يده على أذني ورأسي ثم قال: أسمع وعه فوالله إني لأسمع الشيء الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته)، هي.

حديث اخباره عليه السلام بإقامة المآتم على موته

السابع والتسعون عن أعلام الورى للطبرسي  (قال: روى محمد ابن أحمد بن يحيى في كتاب نوادر الحكمة عن محمد بن موسى عن أمية ابن علي قال: كنت بالمدينة وكنت أختلف إلى أبي جعفر وأبو الحسن(عليه السلام) بخراسان وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه فدعا الجارية فقال: قولي لهم يتهيئون للمأتم فلما تفرقوا قالوا: ألا سألناه ما تم من فلما كان من الغد فعل مثل ذلك قالوا: ما تم من؟ قال: ما تم خير من على ظهرها فأتى خبر أبي الحسن (عليه السلام) بعد ذلك بإمام فإذا هو قد مات في ذلك اليوم)، هي.

أقول: ورواه ابن شهر آشوب ببعض الاختصار عن نوادر الحكمة .

حديث ابن سنان وشفاء عينه ببركة الإمام عليه السلام

الثامن والتسعون الكشي عن (حمدويه، قال: حدثنا أبو سعيد الآدمي، عن محمد بن مرزبان، عن محمد بن سنان، قال: شكوت إلى الرضا (عليه السلام) وجع العين فأخذ قرطاسا فكتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) وهو أقل من يدي، فدفع الكتاب إلى الخادم وأمرني أن أذهب معه، وقال: اكتم فأتيناه وخادم قد حمله، قال: ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) فجعل أبو جعفر (عليه السلام) ينظر في الكتاب ويرفع رأسه إلى السماء، ويقول ناج، ففعل ذلك مرارا، فذهب كل وجع في عيني، وأبصرت بصرا لا يبصره أحد، قال، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) جعلك الله شيخا على هذه الأمة كما جعل عيسى ابن مريم شيخا على بني إسرائيل قال، ثم قلت له يا شبيه صاحب فطرس قال، وانصرفت وقد أمرني الرضا (عليه السلام) أن أكتم، فما زلت صحيح البصر حتى أذعت ما كان من أبي جعفر عليه السلام في أمر عيني، فعاودني الوجع، قال، قلت لمحمد بن سنان ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فطرس فقال إن الله تعالى غضب على ملك من الملائكة يدعى فطرس، فدق جناحه ورمي في جزيرة من جزا ئر البحر، فلما ولد الحسين (عليه السلام) بعث الله عز وجل جبريل إلى محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) ليهنئه بولادة الحسين (عليه السلام) وكان جبريل صديقا لفطرس فمر به وهو في الجزيرة مطروح، فخبره بولادة الحسين (عليه السلام) وما أمر الله به، فقال له هل لك أن أحملك على جناح من أجنحتي وأمضي بك إلى محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) ليشفع لك قال، فقال فطرس نعم، فحمله على جناح من أجنحته حتى أتى به محمدا (صلى الله عليه وأله وسلم) فبلغه تهنية ربه تعالى ثم حدثه بقصة فطرس، فقال محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) لفطرس امسح جناحك على مهد الحسين وتمسح به ففعل ذلك فطرس، فجبر الله جناحه ورده إلى منزله مع الملائكة)، هي.

حديث وفاة الإمام الرضا عليه السلام

التاسع والتسعون عن ثاقب المناقب (عن محمد بن قتيبة عن مؤدب كان لأبي جعفر(عليه السلام) قال إنه كان بين يدي يوما يقرأ في اللوح إذا رمى باللوح من يده وقام فزعا وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون قضى والله أبي فقلت: من أين علمت هذا؟ فقال: دخلني من جلال الله وعظمته شيئ لا أعهده فقلت:وقد مضى قال: دع عنك هذا إئذن لي أن أدخل البيت وأخرج إليك واستعرضني القرآن سأفسر لك وتحفظ ودخل البيت وقمت ودخلت في طلبه اشفاقا مني عليه فسألت عنه فقيل دخل هذا البيت ورد الباب دونه وقال: لا تأذنوا لأحد علي حتى أخرج عليكم فخرج علي متغيرا وهو يقول:إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله آبي قلت:جعلت فداك قد مضى؟قال:نعم وتوليت غسله وتكفينه وما كان ذلك ليلي منه غيري ثم قال لي:دع عنك استعرضني القرآن افسر لك تحفظه فقلت: الأعراف فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قال: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم ﴾فقلت:المص فقال هذا آول السورة وهذا ناسخ وهذا منسوخ وهذا محكم وهذا متشابه وهذا خاص وهذا عام وهذا ما غلط به الكتاب وهذا ما اشتبه على الناس ثم قال:صاحب ثاقب المناقب أنه كان بالمدينة وأبوه بطوس).

وأقول: وفي راحة الأرواح عن محمد بن قتيبة مثله ثم أقول: إن حضور الجواد (عليه السلام) عند أبيه (عليه السلام) قد مرت فيه أخبار كثيرة في هذا الباب وفي معاجز الرضا (عليه السلام) كحديث هر ثمة وحديث أبي الصلت الهروي ويأتي آنفاً هذا ما ورد من طرقنا وقد ورد من طرق العامة أيضاً ما يفيد ذلك ما رواه علي بن أحمد المالكي في الفصول المهمة قال : قال هر ثمة بن أعين وكان من خدام الخليفة عبدا لله المأمون إلا انه كان محباً لأهل البيت إلي الغاية ويعد نفسه من شيعتهم وكان قائما يخدم الرضا (عليه السلام) وجميع مصالحه مؤثراً لذلك على جميع مهامه مع تقدمه عند المأمون وقربه منه قال طلبني سيدي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) في يوم من الأيام وقال لي: يا هر ثمة إني مطلعك على أمر يكون سراً عندك لا تظهره لأحد مدة حياتي فإن أظهرته حال حياتي كنت خصيماً لك عند الله فحلفت له إني لا أتفوه بما يقوله لي مدة حياته فقال لي: أعلم يا هر ثمة أنه قد دنا رحيلي ولحوقي بجدي وآبائي وقد بلغ الكتاب أجله وإني أطعم عنباً ورماناً مفتوناً فأموت ويقصد الخليفة أن يجعل قبرى خلف قبر أبيه الرشيد وان الله لايقدره على ذلك وأن الأرض تشتد عليهم فلا تعمل فيها المعاول ولا تستطيعون حفر شيء منها فتكون تعلم يا هر ثمة إنما مدفني في الجهة الفلانية من اللحد الفلاني لموضع عينه لي عنده فإذا أنا مت وجهزت فأعلمه بجميع ما قلت لك ليكونوا على بصيرة من أمري وقل له إذا وضعت في نعشي وأرادوا الصلاة علي فلا يصل علي وليتأن بي يأتيكم رجل عربي متلثم على ناقة له مسرع من جهة الصحراء عليه وعثاء السفر فينيخ راحلته وينزل عنها ويصلي علي فصلوا معه علي فإذا فرغتم من الصلاة علي وحملت  إلى مدفني الذي عينته لك فأحفر شيئاً يسيراً من وجه الأرض تجد قبراً مطبقاً معموراً في قعره ماء أبيض إذا كشفت عنه الطبقان نضب الماء فهذا مدفني فادفنوني فيه والله الله ياهرثمة أن يحتفر بهذا أو بشيء منه قبل موتي قال هر ثمة فوالله ماطا لت الأيام حتى أكل الرضا عند الخليفة عنباً ورماناً فمات وعن أبي الصلت الهروي قال دخلت على الرضا (عليه السلام) وقد خرج من عند المأمون فقال يا أبا الصلت قد فعلوها وجعل يوحد الله ويمجده فأقام يومين ومات في اليوم الثالث قال هر ثمة دخلت على الخليفة عبدا لله المأمون لما رفع إليه موت أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فوجدت المنديل في يده وهو يبكي عليه فقلت يا أمير المؤمنين ثم الكلام أتأذن لي أن أقوله لك؟ قال: أن الرضا (عليه السلام) أسراني في حياته بأمر وعاهدني أن لا أبوح به لأحد إلا لك عند موته وقصصت عليه القصة التي قالها لي من أولها إلي آخرها وهو متعجب من ذلك ثم إنه أمر بتجهيزه وخرجنا بجنازته إلي المصلى وتأنينا بالصلاة عليه قليلاً فإذا بالرجل قد أقبل على بعيره من جهة الصحراء كما قال فنزل ولم يكلم أحداً فصلى عليه وصلى الناس معه وأمر الخليفة بطلب الرجل فلم يروا له أثراً ولا لبعيره ثم أن الخليفة قال يحفر له من خلف قبر الرشيد لينظر إلى ما قلته له فكانت الأرض أصلب من الصخر الصوان وعجزوا عن حفرها وتعجب الحاضرون من ذلك وتبين للمأمون صدق ما قلته له عنه فقال أرني الموضع أشار إليه فجئت بهم إليه فما كان إلا عن كشفنا التراب عن وجه الأرض فظهرت الأطباق فرفعا فظهر قبر معمور وإذا في قعره ماء أبيض على صفة ماذكر وأشرف عليه المأمون وأبصره ثم أن ذلك الماء نشف من وقته فرأيناه فيه ورددنا الأطباق على حالها والتراب ولم يزل الخليفة المأمون يتعجب مما رأى ومما سمعه مني ويتأسف عليه ويتندم وكلما خلوت في خدمته يقول لي يا هر ثمة كيف قال لك أبو الحسن الرضا فأعيد عليه الحديث فيتلهف ويتأسف ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، هي، ورواه الصدوق محمد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السئول بأدنى مغايرة لفظية هذا ومما يضحك أولوا الألباب في المقام بل يبكون على اعوجاج الإفهام ما ذكره بعض المخالفين في كتابه فإنه ذكر رواية ابن طلحة ثم قال ما هذا لفظه أقول الرجل العربي المتلثم الذي أقبل على بعير من الصحراء وصلى على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قيل إنه كان ابنه محمد وكان ( ح ) بالمدينة ويشهد لهذا القول ما رواه الطبرسي في أعلام الورى عن أبي الصلت أن الرضا (عليه السلام) دخل الدار حين خرج من عند المأمون وأنا معه فأمر بغلق الباب ثم نام على فراشه وقبض فبينا أنا كذلك إذ دخل شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا عليه السلام والباب مغلق فغسله وكفنه وصلى عليه فسألته من أنت؟ قال أنا حجة الله محمد بن علي ، هي. ثم قال صاحب الكتاب وهذا لا يصح لأن محمد بن علي (عليه السلام) كان لم يبلغ ( ح ) سن الشباب بل كان أبن ثمان سنين باتفاق علماء السنة والشيعة وأما ما جاء في رواية أبن طلحة فأيضاًلايصح حمله على محمد بن علي لان الرجل أيضاً لا يطلق إلا على من أحتلم وشب فالأولى أن يقال أن الرجل الذي ظهر وصلى على الرضا (عليه السلام) كان الخضر النبي أو ملك أو ولي من أولياء الله تعالى والله أعلم انتهى .

أقول الشك في هذا الأمر ينشأ من وجهين أحدهما عدم تجويز حضوره (عليه السلام) عند أبيه من تلك المسافة البعيدة رأسا ًوالآخر الشك فيه من جهة لفظ الرواية فان كان الأول وأنما جعل المناقشة في اللفظ وصلة إليه فقد فرغنا من إثبات جواز ذلك وجوه عديدة فيما سبق وان كانت أمثال هؤلاء بعداً عن فهم تلك الحقا يق بمراحل ولكني أقول كما قال القائل علي نحت القوافي من مواضعها وما علي إذا لم يفهم البقر على انه يكفي في إثبات جواز مثل ذلك قصة آصف التي نطق بها القرآن الكريم إن كانوا مؤمنين به فإنهما يسقيان بماء وا حد إذا جاز أحدهما بأي نحو كان جاز الآخر أيضاً بذلك النحو وقصة تجهيز أمير المؤمنين (عليه السلام) لسلمان وهو في المدائن فإنها بين أهل الحديث أشهر من أن تستر بثبوت الشك والإنكار مع أنهم يجوزون أمثال هذه الكرامة في حق مشايخهم الصوفية الذين يسمونهم أولياء الله فأنكارها في حق سلالة بيت النبوة الذي عجن طينته بماء الوحي والتنزيل لا ينشأ إلا من اختلال واقع في النطفة بنص الرسول النبيل وان كان الثاني فالجواب عنه بعد الغض عن كون ما ذكر دليلا على ما توهمه ليس بأولى من جعل الروايتين دليلين على كون الرجل والشاب يطلقان على من هو في سن الثماني بوجوه أحدهما منع كون الرجل لا يطلق إلا على من ذكر لغة فإن التحقيق إن اللفظ المذكور موضوع لغة لمطلق الذكور مقابل الإناث ويشهد بذلك قولهم الرجل خير من المرأة فإن مرادهم بذلك جنس الذكور قطعاً وصريح قول الفيروز آبادي في القاموس فإنه قال الرجل بضم الجيم وسكونه معروف وإنما هوإ ذا احتلم وشب  أو هو رجل ساعة يولد ، هي، ويشهد به أيضاً ما رواه المالكي في الفصول المهمة عن كتاب جمعة الوزير السعيد مؤيد الدين أ بوطالب محمد بن أحمد بن محمدبن علي العلقمي قال ذكر الشيخ الأجل أبو الفتح يحيى بن محمد بن حيار الكاتب قال سمعت بعض أهل العلم والخير يقول كنت بين مكة والمدينة فإذا أنا بشيخ يلوح في البرية يظهر تارة ويغيب أخرى حتى قرب مني فتأملته فإذا هو غلام سباعي أو ثماني فسلم علي فرددت عليه وقلت: من أين يا غلام؟ قال: من الله،قلت: إلى أين؟قال: إلى الله، قلت :فما زادك؟ قال: التقوى ،قلت: فممن أنت؟ قال: أنا رجل من قريش قلت: ابن لي عافاك الله فقال: أنا رجل علوي ثم أنشد :

ونحن على الحوض رواده

نذود  ونعد  ورا ده

فما  فاز  من  فاز إلا بنا

وما خاب من حبنا زاده

فمن سرنا نال منا السرور       

ومن ساءنا ساء ميلاده

ومن كان غاصبنا  حقنا       

فيوم  القيامة ميعاده

ثم قال: أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم ألتفت فلم أره فلا أدري نزل في الأرض أم صعد إلي السماء، هي، وأما الشاب فبعد تسليم كونه لا يطلق على أبن الثمان لغة نقول ان كون بعض الجثث من أبناء الثمان وما قاربه بحيث يحسبه كل من يراه شاباً بالغاً مبلغ الحلم ليس ببدع خارق العادة بل هو واقع كثيراً فلا معنى لجعله علة لعدم صحة الرواية وهذا جواب آخر عن لفظ الرجل أيضاً ولا سيما بعد ملاحظة كونه متلثماً كما في رواية المالكي وأبن طلحة فافهم . ثانيهما أن المناقشة من جهة اللفظ فرع ثبوت كون الرواية غير منقولة بالمعنى وإلا فمن الممكن تبديل بعض الوسائط لفظ الشخص وما في معناه بالرجل والغلام أو الصبي بالشاب من باب التسامح لعدم ابتناء أساس المطلوب على مراعاة ذلك ويؤيده وروده في بعض الروايات من طريقنا بلفظ الغلام ثالثهما أن تكذيب رواية الطبرسي بذلك محض مغالطة أو جهل ناش من كمال الغباوة لوقوع التصريح فيها بكون الحاضر هو الجواد (عليه السلام) غايته كون أبى الصلت أو بعض من روى عنه بعد الغض عما ذكر آنفاً من التوجيه غلط في إطلاق الشاب على الصبي لكونه هروياً غير عربي أو غير ذلك وهذا لايجعل الراوي كاذباً فيما رواه رأساً فبالله عليك أنظر بعين الأنصاف كيف غطت ظلمات النصب بصيرة الرجل حتى نطق بما تضحك منه الأطفال وعمى عن طريق القياس بالكلية ولا عجب في هذا التهافت والتشويش فإن الغريق يتشبث بكل حشيش، هذا كله مع الغض عن الأصول المقررة عند الشيعة وإلا فعندهم أن أئمة آل محمد (عليه السلام) ينشئون في اليوم ما ينشأ غيرهم في الشهر بل السنة وقد مضى ما يشهد بذلك في حديث ولادة فاطمة (عليه السلام) ويأتي أن شاء الله في ولادة صاحب العصر (عج)  أيضاً وأيضاً عندهم أن الأئمة يظهرون بأى صورة شاوؤا ولابعد في ذلك فان الكل مطبقون على وقوع مثل ذلك من الخضر (عليه السلام) ونظرائه وهم عند الشيعة أفضل من الخضر ومن جميع الأنبياء سوى خاتم النبيين صلوات الله عليه وآله وعليهم فبناءً على هذين الأصلين وغيرها لا إشكال في الروايتين بوجه وأن سلمنا عليه جميع ما ذكر هذا وأعلم أن التعرض لجواب أمثال هؤلاء الأغبياء أنما هو من باب الأضطرار وإلا فجوابهم في الحقيقة ما قال الله سبحانه وقد أجاد بعض القائلين في المقال حيث قال : لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لكانت الصخر قيراط بدينار . 

حديث اخبار الإمام الرضا عليه السلام أبا الصلت بخبروفاته ودفنه

المائة العيون قال (حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ومحمد بن موسى المتوكل وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني وأحمد بن إبراهيم بن هاشم والحسين بن إبراهيم بن تاتانة والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق  قالوا حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أبي الصلت الهروي قال بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إذ قال لي يا أبا الصلت ادخل هذه القبة التي فيها قبر هارون وائتني بتراب من أربعة جوانبها قال فمضيت فأتيت به فلما مثلت بين يديه فقال لي ناولني هذا التراب وهو من عند الباب فناولته فأخذه وشمه ثم رمى به ثم قال سيحفر لي هاهنا فتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها ثم قال في الذي عند الرجل والذي عند الرأس مثل ذلك ثم قال ناولني هذا التراب فهو من تربتي ثم قال سيحفر لي في هذا الموضع فتامرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل وأن يشق لي ضريحة فإن أبوا إلا أن يلحدوا فتامرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا فإن الله سيوسعه ما يشاء فإذا فعلوا ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة فتكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ففت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه فإذا لم يبق منه شي‏ء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شي‏ء ثم تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء ثم تكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينضب الماء لا يبقى منه شيئ ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون ثم قال (عليه السلام) يا أبا الصلت غدا أدخل على هذا الفاجر فإن أنا خرجت وأنا مكشوف الرأس فتكلم أكلمك وإن أنا خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني قال أبو الصلت فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس فجعل في محرابه ينتظر فبينما هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال له: أجب أمير المؤمنين فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه فلما أبصر بالرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه ثم ناوله العنقود وقال: يا ابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا فقال له الرضا (عليه السلام) :ربما كان عنبا حسنا يكون من الجنة فقال له: كل منه فقال له الرضا (عليه السلام) تعفيني منه فقال: لا بد من ذلك وما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشي‏ء فتناول العنقود فأكل منه ثم ناوله فأكل منه الرضا (عليه السلام) ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال المأمون: إلى أين فقال: إلى حيث وجهتني فخرج (عليه السلام) مغطى الرأس فلم أكلمه حتى دخل الدار فأمر أن يغلق الباب فغلق ثم نام (عليه السلام) على فراشه ومكثت واقفا في صحن الدار[محزونا] مهموما محزونا فبينما أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا (عليه السلام) فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق فقلت له: ومن أنت فقال لي: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي ثم مضى نحو أبيه (عليه السلام) فدخل وأمرني بالدخول معه فلما نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه ثم سحبه سحبا إلى فراشه وأكب عليه محمد بن علي (عليه السلام) يقبله ويساره بشي‏ء لم أفهمه ورأيت على شفتي الرضا (عليه السلام) زبدا أشد بياضا من الثلج ورأيت أبا جعفر (عليه السلام) يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر (عليه السلام) ومضى الرضا (عليه السلام) فقال أبو جعفر (عليه السلام) :قم يا أبا الصلت ايتني بالمغتسل والماء من الخزانة فقلت ما في الخزانة مغتسل ولا ماء وقال لي: ايته إلى ما آمرك به فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله[معه] فقال لي: تنح يا أبا الصلت فإن لي من يعينني غيرك فغسله ثم قال لي: ادخل الخزانة فاخرج إلي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه وصلى عليه ثم قال لي: ايتني بالتابوت فقلت أمضي إلى النجار حتى يصلح التابوت قال: قم فإن في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط فأتيته به فأخذ الرضا (عليه السلام) بعد ما صلى عليه فوضعه في التابوت وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت وانشق السقف فخرج منه التابوت ومضى فقلت يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا (عليه السلام) فما نصنع فقال لي: اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما وما أتم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فقام (عليه السلام) فاستخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن ثم قال لي يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون والغلمان بالباب فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ولطم رأسه وهو يقول يا سيداه فجعت بك يا سيدي ثم دخل فجلس عند رأسه وقال خذوا في تجهيزه فأمر بحفر القبر فحفرت الموضع فظهر كل شي‏ء على ما وصفه الرضا (عليه السلام) فقال له بعض جلسائه ألست تزعم أنه إمام فقال بلى[قال] لا يكون الإمام إلا مقدم الناس فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت له أمرني أن يحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه فقال انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح ولكن يحفر له ويلحد فلما رأى ما ظهر له من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا فقال له وزير كان معه أتدري ما أخبرك به الرضا (عليه السلام) قال لا قال إنه قد أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلط الله تعالى عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم قال له صدقت ثم قال لي يا أبا الصلت علمني الكلام الذي تكلمت به قلت والله لقد نسيت الكلام من ساعتي وقد كنت صدقت فأمر بحبسي ودفن الرضا (عليه السلام) فحبست سنة فضاق علي الحبس وسهرت الليلة ودعوت الله تبارك وتعالى بدعاء ذكرت فيه محمدا وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين وسألت الله بحقهم أن يفرج عني فما استتم دعائي حتى دخل علي أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) فقال لي يا أبا الصلت ضاق صدرك فقلت إي والله قال قم فأخرجني ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكها وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني وخرجت من باب الدار ثم قال لي امض في ودائع الله فإنك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبدا فقال أبو الصلت فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت ،هي،

أقول وفي البحار من غير طريق الصدوق مثله ببعض زيادة ونقيصة وساق الحديث إلي أن قال وأمر بالحفر في الصدر فاستمر الحفر فلما فرغت منه وضعت يدي إلى أسفل القبر وتكلمت بالكلمات فنبع الماء وظهرت السميكات ففتت لها كسرة فأكلت ثم ظهرت السمكة الكبيرة فابتلعتها كلها وغابت فوضعت يدي على الماء وأعدت الكلمات فنضب الماء كله وانتزعت الكلمات من صدري من ساعتي فلم أذكر منها حرفا واحدا فقال المأمون يا أبا الصلت الرضا (عليه السلام) أمرك بهذا قلت نعم [قال ما زال الرضا (عليه السلام) يرينا العجائب في حياته ثم أراناها بعد وفاته فقال لوزيره ما هذا قال ألهمت أنه ضرب لكم مثلا بأنكم تمتعون في الدنيا قليلا مثل هذه السميكات ثم يخرج واحد منهم فيهلككم] فلما دفن (عليه السلام) قال لي المأمون علمني الكلمات قلت قد والله انتزعت من قلبي فما أذكر منها كلمة واحدة حرفا وبالله لقد صدقته فلم يصدقني وتوعدني القتل إن لم أعلمه إياها وأمر بي إلى الحبس فكان في كل يوم يدعوني إلى القتل أو أعلمه ذلك فأحلف له مرة بعد أخرى كذلك سنة [فضاق صدري فقمت ليلة جمعة فاغتسلت وأحييتها راكعا وساجدا وباكيا ومتضرعا إلى الله في خلاصي][ثم ذكر الدعاء في الخلاص إلى أن قال] فلما صليت الفجر إذا أبو جعفر بن الرضا (عليه السلام) قد دخل إلي وقال يا أبا الصلت قد ضاق صدرك [ساق الكلام إلى أن قال] [قلت إي والله يا مولاي قال أما لو فعلت قبل هذا ما فعلته الليلة لكان الله قد خلصك كما يخلصك الساعة] ثم قال قم قلت إلى أين والحراس على باب السجن والمشاعل بين أيديهم قال قم فإنهم لا يرونك ولا تلتقي معهم بعد يومك فأخذ بيدي وأخرجني من بينهم وهم قعود يتحدثون والمشاعل بينهم فلم يرونا فلما صرنا خارج السجن

وأخذ بيدي فظننت أنه حولني عن يمنته إلى يسرته ثم قال لي اكشف قال أي البلاد تريد قلت منزلي بهراة قال أرخ ردائك على وجهك وأخذ بيدي فظننت أنه حولني عن يمنته إلى يسرته ثم قال لي اكشف فكشفته فلم أره فإذا أنا على باب منزلي فدخلته فلم ألتق مع المأمون ولا مع أحد من أصحابه إلى هذه الغاية) ، هي.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

باب معجزات الإمام الهمام يد الله الباسطة بالنعم والأيادي

مولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي ع

لا أحد يستطيع إطفاء أنوارهم ع الحديث الأول: بصائر الدرجات قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عثمان، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن محمد بن يحيى، عن صالح بنا سعيد قال: (دخلت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك؛ حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك! فقال: ها هنا أنت يا بن سعيد، ثم أومأ بيده فقال: انظر، فنظرت فإذا بروضات آنيقات، وروضات ناضرات فيهن خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، وأطيار وظباء وأنهار تفور، فحار بصري والتمع، وحسرت عيني، وقال: حيث كنا فهذا لنا عتيد، ولسنا في خان الصعاليك).

أقول: ورواه الصفار أيضا، عن الحسين بن محمد عن علي بن النعمان ابن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن محمد بن يحيى، عن صالح بن سعيد، ورواه الكليني  عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد بالإسناد الأول ، وعن الاختصاص للمفيد عن معلى بن محمد بالإسناد المذكور مثله.

إسحاق الجلاب عرّف بالعسكر وعيّد ببغداد

الثاني: وفيه قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي بن محمد، عن إسحاق الجلاب قال: (اشتريت لأبي الحسن غنما كثيرة، فدعاني فأدخلني من إصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني، ثم استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدتي، وكان ذلك يوم التروية، فكتب إلي: تقيم غدا عندنا ثم تنصرف، قال: فأقمت فلما كان يوم عرفة أقمت عنده، وبت ليلة الأضحى في رواق له، فلما كان في السحر؛ أتاني فقال لي: يا إسحاق قم، فقمت ففتحت عيني فإذا أنا على بابي ببغداد، فدخلت على والدتي وأتاني أصحابي، فقلت لهم: عرفت بالعسكر وخرجت إلى العيد ببغداد)،هي.

أقول: ورواه أيضا الكليني عن الحسين بن محمد بالإسناد المذكور، وكذا المفيد في الاختصاص عن معلى بن محمد مثله   إلا أن في الكافي بعد قوله فيمن أمرني هكذا، فبعثت إلى أبي جعفر وإلى والدته وغيرهما ممن أمرني.

أبو الحسن (عليه السلام) عالم بمرض زيد بن علي ويبتعث له الدواء

الثالث: إرشاد المفيد  قال: روى محمد بن علي قال: أخبرني زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال: (مرضت فدخل الطبيب علي ليلا ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا يوما، فلم يمكني تحصيله من الليل، وخرج الطبيب من الباب وورد صاحب أبي الحسن (عليه السلام) في الحال ومعه صرة فيها ذلك الدواء بعينه، فقال لي: أبو الحسن يقرئك السلام، ويقول خذ هذا الدواء كذا وكذا يوما، فأخذته فشربت فبرأت، قال محمد بن علي: فقال لي زيد بن علي: يا محمد أين الغلاة عن هذا الحديث)،هي.

أقول : هذا الخبر يعطيك شيئا تعرف منه أشياء، وهو مقدار معرفة الناس بمقام أئمتهم حتى إنهم يجعلون مثل هذا الأمر الحقير مما يصلح أن يتمسك به الغلاة في معتقدهم، فانظر (ح) من ذا يكون الغالي عند أمثال هؤلاء، فلا تسارع إلى تكذيب كل من يرميه السابقون ببعض الطعون ولا تكذيب كل كتاب كذلك؛ لأن درجات الناس في معرفة الأئمة (عليه السلام) متفاوتة تفاوت بين السماء و الأرض.

أبو الحسن (عليه السلام) يصعد إلى السماء ويأتي بأحد مخلوقاته

الرابع: عن دلائل الطبري، عن عبد الله بن محمد قال: حدثنا عمارة بن زيد قال: (قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أتقدر أن تصعد إلى السماء حتى تأتي بشيء ليس في الأرض لنعلم ذلك؟ فارتفع في الهواء و أنا أنظر إليه حتى غاب، ثم رجع و معه طير من ذهب في أذنه أشرفة (د:أذنيه أشنقة) من ذهب، و في منقاره درة وهو يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، قال: هذا طير من طيور الجنة، ثم سيبه فرجع).

الجعفري يتكلم ثلاثة وسبعين لغة بفضل حصاة من فم الإمام (عليه السلام)

الخامس: عن أعلام الورى للفضل بن الحسن الطبرسي بسنده، عن أبي عبد الله بن عياش، وحدثني علي بن حبشي بن عقرقوفي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثنا أبو هاشم الجعفري قال: (دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فكلمني بالهندية، فلم أحسن أن أرد عليه، وكان بين يديه ركوة ملأ حصا، فتناول حصا واحدة ووضعها في فيه فمصها مليا، ثم رمى بها إلي فوضعتها في فمي، فوالله ما برحت من عنده حتى تكلمت بثلاثة وسبعين لسانا أولها الهندية).

أقول : وفي المناقب والخرائج عن جعفر بن مالك، عن أبي هاشم مثله، ثم اعلم أن الشيخ الجليل أبا عبدالله أحمد بن محمد بن عياش قد جمع كتابا في أخبار أبي هاشم الجعفري، وهو كتاب مشهور بين الأصحاب، وأحمد هذا هو أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش بن إبراهيم الجوهري صاحب الكتب المعروفة؛ منها كتاب مقتضب الأثر في النصوص على الأئمة الاثنى عشر، ومنها هذا الكتاب وغير هذين من الكتب، وأبو هاشم هو داوود بن القاسم بن إسحاق ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب؛ وهو من أعاظم أصحاب الجواد والهادي والعسكري (عليه السلام)، كثير الرواية عنهم بل نقل صاحب نقد الرجال عن ربيع الشيعة للسيد الجليل ابن طاووس  أنه من سفراء الصاحب (عليه السلام) والأبواب المعروفين الذين لا تختلف الاثنى عشرية فيهم. 

وطريق الطبرسي إلى هذا الكتاب على ما نقل المجلسي في الثاني عشر من البحار عن كتابه أعلام الورى هو ما قال: (وفي كتاب أخبار أبي هاشم الجعفري للشيخ أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عياش الذي أخبرني بجميعه السيد محمد بن الحسين الحسيني الجرجاني، عن والده، عن الشريف أبي الحسين طاهر بن محمد الجعفري، عن أحمد بن محمد بن عياش، عن أحمد بن محمد العطار، عن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبي هاشم الجعفري).

ونقل في باب معجزاته أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، عن أعلام الورى هكذا: (السيد أبو طالب محمد بن الحسين الحسيني الجرجاني، عن والده الحسين بن الحسن، عن أبي الحسين طاهر بن محمد الجعفري، عن أحمد بن محمد بن عياش، عن عبدالله بن أحمد بن يعقوب، عن الحسين بن أحمد المالكي، عن أبي هاشم الجعفري). والمقصود من ذلك إثبات طريق الطبرسي إلى ابن عياش لتخرج أخباره عن الإرسال، وأما طرق ابن عياش إلى الجعفري فهي متعددة بحسب الأخبار كما نرى، ولا يتوهم من النقل الأول أنه يرى جميعها عن الحميري؛ فإنه إنما ذكر ذلك عند نقل خبر من تلك الأخبار فلا تعقل.

الهادي (عليه السلام) يوسع على صحبه ويأمرهم بكتم خبره

السادس: وعنه بسنده، عن ابن عياش وحدثني علي بن محمد المقعد قال: حدثني يحيى بن زكريا الخزاعي، عن أبي هاشم قال: (خرجت مع أبي الحسن (عليه السلام) إلى ظاهر سر من رأى، فتلقى بعض الطالبيين فأبطأ، فطرح لأبي الحسن (عليه السلام) غاشية السرج فجلس عليها، ونزلت عن دابتي وجلست بين يديه وهو يحدثني؛ شكوت إليه قصر يدي؛ فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا فناولني منه أكفا وقال: اتسع بهذا يا أبا هشام واكتم ما رأيت، فخبأته معي فرجعنا، فأبصرته فإذا هو يتقد كالنيران ذهبا أحمر، فدعوت صائغا إلى منزلي وقلت له: اسبك لي هذا، فسبكه و قال: ما رأيت ذهبا أجود منه، وهو كهيئة الرمل، فمن أين لك هذا؟ فما رأيت أعجب منه، قلت: هذا شيء عندنا قديما تدخره لنا عجائزنا على طول الأيام).

الإمام (عليه السلام) يدعو لأبي هاشم الجعفري ولدابته بالقوة

السابع: وعنه بسنده، عن ابن عياش قال: وحدثني أبو القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي من آل إسماعيل بن صالح، وكان في أهل(هامش م:لأهل) بيته بمنزلة من السادة، ومكاتبين لهم: أن أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد، وقال له: يا سيدي ادع الله لي، فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فقال: قواك الله يا أبا هاشم وقوى برذونك، قال: فكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد، ويسير على البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون بعينه، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت).

هو من عيسى وعيسى منه (عليه السلام)

الثامن: عن عيون المعجزات، عن أبي جعفر بن جرير الطبري، عن عبد الله بن محمد البلوي، عن هاشم بن زيد قال: (رأيت علي بن محمد (عليه السلام) صاحب العسكر، وقد أتي بأكمه فأبرأه، ورأيته هيئ من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فيطير، فقلت له: لا فرق بينك وبين عيسى (عليه السلام) ، فقال: أنا منه وهو مني).

شيعته يرونه في صور مختلفة

التاسع: البحار في المجلد الثاني عشر، عن الخرائج قال: روي عن أبي القاسم بن القاسم، عن خادم علي بن محمد (عليه السلام) قال: (كان المتوكل يمنع الناس من الدخول إلى علي بن محمد، فخرجت يوما وهو في دار المتوكل فإذا جماعة من الشيعة جلوس خلف الدار، فقلت: ما شأنكم جلستم ها هنا؟ قالوا: ننتظر انصراف مولانا لننظر إليه نسلم عليه وننصرف، قلت لهم: إذا رأيتموه تعرفونه، قالوا: كلنا نعرفه، فلما وافى أقاموا إليه فسلموا عليه، ونزل فدخل داره، وأراد أولئك الانصراف، فقلت: يا فتيان اصبروا حتى أسألكم: أليس قد رأيتم مولاكم؟ قالوا: نعم، قلت: فصفوه؟ فقال واحد: هو شيخ أبيض الرأس، أبيض مشرب بحمرة، وقال آخر: لا تكذب ما هو إلا أسمر أسود اللحية، وقال الآخر: لا لعمري ما هو كذلك، هو كهل ما بين البياض والسمرة، فقلت: أ ليس زعمتم أنكم تعرفونه؟ انصرفوا في حفظ الله).

أقول: كان هذا الحديث ساقطا في نسختنا من الخرائج، فلذا نقلناه من البحار.

النقي (عليه السلام) يحيي الغلمان من بعد ما قتلهم المتوكل

العاشر: مدينة المعاجز، عن ثاقب المناقب، عن محمد بن حمدان، عن إبراهيم بن بلطون، عن أبيه قال: (كنت أحجب المتوكل فأهدى له خمسون غلاما، وأمرني أن أسلمهم وأحسن إليهم، فلما تمت سنة كاملة كنت واقفا بين يديه إذ دخل عليه أبو الحسن علي بن محمد النقي (عليه السلام)، فأخذ مجلسه وأمرني أن أخرج الغلمان من بيوتهم، فأخرجتهم فلما بصروا بأبي الحسن (عليه السلام) سجدوا له بأجمعهم، فلم يتملك المتوكل أن قام يجر رجليه حتى توارى خلف الستر، ثم نهض أبو الحسن (عليه السلام) فلما علم المتوكل بذلك خرج إلي وقال: ويلك يا بلطون ما هذا الذي فعل هؤلاء الغلمان؟ فقلت: لا والله ما أدرى، قال: سلهم، فسألتهم عما فعلوه فقالوا: هذا رجل يأتينا كل سنة، فيعرض علينا الدين، ويقيم عندنا عشرة أيام، وهو وصي نبي المسلمين، فأمر بذبحهم عن آخرهم، فلما كان وقت العتمة صرت إلى أبي الحسن (عليه السلام)، فإذا خادم على الباب فنظر إلي فلما بصر بي قال لي: ادخل، فدخلت فإذا هو جالس فقال: يا بلطون ما صنع القوم؟ فقلت: يا بن رسول الله ذبحوا عن آخرهم، فقال لي: كلهم؟ فقلت: إي والله، فقال (عليه السلام): أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا بن رسول الله، فأومأ بيده أن ادخل الستر، فدخلت فإذا أنا بالقوم قعود وبين يديهم فاكهة يأكلون).

أقول : وفي راحة الأرواح بالإسناد المذكور مثله.

هم مشتغلون بأمر الآخرة لا منافسة أعدائهم في الدنيا

الحادي عشر: الخرائج قال: (إن المتوكل -وقيل الواثق- أمر العسكر -وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرمن‏رأى- أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر، و يجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك، فلما فعلوا ذلك صار مثل جبل عظيم صعد فوقه، واستدعى أبا الحسن (عليه السلام) وقال: استحضرتك لنظارة خيول عسكري، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف، و يحملوا الأسلحة، وقد عرضوا بأحسن زينة وأتم عدة وأعظم هيبة، وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه، وكان خوفه من أبي الحسن (عليه السلام) أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): وهل تريد أن أعرض عليك عسكري؟ قال: نعم، فدعا الله سبحانه فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون فغشي على الخليفة، فقال له أبو الحسن (عليه السلام) لما أفاق من غشيته: نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، فلا عليك مني مما تظن بأس).

أقول: وفي مدينة المعاجز عن ثاقب المناقب مثله.

الإمام (عليه السلام) يأمر السبع بابتلاع الهندي المشعبذ

الثاني عشر: الهداية لابن حمدان، بإسناده عن محمد بن أحمد الحضيني قال: (ورد على المتوكل رجل من أهل الهند، مشعبذ يلعب الحقة، فأحضره المتوكل فلعب بين يديه بأشياء طريفة، فكثر تعجبه منها، فقال للهندي: يحضر الساعة عندنا رجل فالعب بين يديه بكل ما تحسن وتعرض به، واقصد لخجله، فحضر سيدنا أبو الحسن (عليه السلام) ولعب الهندي وهو ينظر إليه، والمتوكل يعجب من لعبه حتى تعرض الهندي لسيدنا وقال: ما لك أيها الشريف لا تهش للعبي، أحسبك جائعا وضرب الهندي يده إلى صورة في البساط وقال: ارتقى، فأراهم أنها رغيف وقال: امض يا رغيف إلى هذا الجائع حتى يأكلك ويفرح بلعبي، فوضع سيدنا أبو الحسن (عليه السلام) إصبعه على صورة سبع في البساط، وقال له: خذه، فوثب من تلك الصورة سبع عظيم، فابتلع الهندي ورجع إلى صورته في البساط، فسقط المتوكل لوجهه وهرب من كان قائما، فقال المتوكل -وقد أثاب إليه عقله- :يا أبا الحسن، أين الرجل؟ رده، قال له أبو الحسن (عليه السلام): إن ردت عصا موسى ما تلقفت رد هذا الرجل ونهض).

أقول: هذا الخبر من مشهورات الأخبار، وهو متكرر في الكتب، وقد رواه الراوندي في الخرائج، والبرسي في المشارق، وصاحب ثاقب المناقب وغيرهم؛ غير أن في رواية الخرائج وصاحب المناقب (أن الهندي قال للمتوكل: تقدم بأن يخبز رقاق خفاف، واجعلها على المائدة، وأقعدني إلى جنبه، ففعل إلى أن قال: فمد الإمام يده إلى رقاقة فطيرها المشعبد في الهواء، فمد يده إلى أخرى، فطيرها ذلك في الهواء، ومد إلى أخرى، فطيرها فتضاحك الجميع).

وزير المتوكل يتشيع بعدما يرى من برهانهم

الثالث عشر: الخرائج روى أبو القاسم البغدادي عن زرافة قال: (أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) يوم السلام، فقال له وزيره: إن في هذا شناعة عليك وسوء مقالة فلا تفعل، قال: لا بد من هذا، قال: فإن لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد والأشراف كلهم حتى لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره، ففعل ومشى (عليه السلام) وكان الصيف فوافى الدهليز وقد عرق، قال: فلقيته فأجلسته في الدهليز ومسحت وجهه بمنديل، وقلت: ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك، فقال: إيها عنك ﴿تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ قال زرافة: وكان عندي معلم يتشيع، وكنت كثيرا أمازحه بالرافضي، فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء وقلت: تعال يا رافضي حتى أحدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم، قال لي: وما سمعت؟ فأخبرته بما قال، فقال: أقول لك فاقبل نصيحتي، قلت: هاتها، قال: إن كان علي بن محمد قال بما قلت فاحترز واخزن كل ما تملكه؛ فإن المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام، فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يدي، فخرج، فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان من هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرني ذلك، قال: فركبت إلى دار المتوكل، فأخرجت كل ما كان لي فيها، و فرقت كل ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيرا أقعد عليه، فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل، وسلمت أنا ومالي وتشيعت عند ذلك، فصرت إليه ولزمت خدمته، وسألته أن يدعو لي وتوليته حق الولاية).

أقول : ورواه المجلسي  في البحار عن المهج والكتاب العتيق الغروي بما يقرب من هذا ببعض المغايرة ورواه مختصرا صاحب عيون المعجزات والحسين بن حمدان في الهداية .

لا تجدي نفعا محاولات المتوكل في قتل الإمام (عليه السلام)

الرابع عشر: وفيه روى أبو سعيد سهل بن زياد قال: (حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، ونحن في داره بسامرة فجرى ذكر أبي الحسن، فقال: يا أبا سعيد إني أحدثك بشيء حدثني به أبي، قال: كنا مع المعتز وكان أبي كاتبه، قال: فدخلنا الدار، وإذا المتوكل على سريره قاعد، فسلم المعتز ووقف، ووقفت خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحب به ويأمره بالقعود، فأطال القيام، وجعل يرفع قدما (رجلا) ويضع أخرى، وهو لا يأذن له بالقعود، ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقبل على الفتح بن خاقان، ويقول:  هذا الذي تقول فيه ما تقول، ويردد القول، والفتح مقبل عليه يسكنه، ويقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين، وهو يتلظى ويشطط ويقول: والله لأقتلن هذا المرائي الزنديق، وهو الذي يدعي الكذب ، ويطعن في دولتي، ثم قال: جئني بأربعة من الخزر جلاف لا يفهمون(لا يفقهون)، فجيء بهم ودفع إليهم أربعة أسياف، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن، وأن يقبلوا عليه بأسيافهم (فيخطبوه ويعلقوه وهو يقول: والله لأحرقنه بعد القتل، وأنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر، فما علمت إلا بأبي الحسن قد دخل، وقد بادر الناس قدامه، وقالوا: قد جاء، والتفت ورأى فإذا أنا به وشفتاه تتحركان، وهو غير مكترث ولا جازع، فلما بصر به المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه، وهو يسبقه ، فانكب عليه يقبل بين عينيه ويديه وسيفه بيده، وهو يقول: يا سيدي يا بن رسول الله، يا خير خلق الله، يا بن عمي يا مولاي، يا أبا الحسن، وأبو الحسن (عليه السلام) يقول: أعيذك يا أمير المؤمنين بالله اعفني من هذا، فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال: جاءني رسولك، فقال: المتوكل يدعوك، فقال: كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي من حيث جئت، يا فتح يا عبيد الله يا معتز شيعوا سيدكم وسيدي، فلما بصر به الخزر خروا سجدا مذعنين، فلما خرج دعاهم المتوكل، ثم أمر  الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: لم لم تفعلوا ما أمرتم؟ قالوا: شدة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم، فمنعنا ذلك عما أمرت به، وامتلأت قلوبنا من ذلك رعبا، فقال المتوكل: يا فتح هذا صاحبك -وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه- وقال: الحمد لله الذي بيض وجهه، وأنار حجته).

النبي وأوصياءه أكرم على الله تعالى من سليمان (عليه السلام)

الخامس عشر: المناقب لابن شهر آشوب، عن أبي محمد الفحام بالإسناد، عن سلمة الكاتب قال: (قال خطيب يلقب بالهريسة للمتوكل: ما يعمل أحد بك ما تعمله بنفسك في علي بن محمد، فلا في الدار إلا من يخدمه، ولا يتعبونه بشيل الستر لنفسه، فأمر المتوكل بذلك، فرفع صاحب الخبر أن علي بن محمد دخل الدار، فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه الستر، فهب هواء فرفع الستر حتى دخل وخرج، فقال: شيلوا له الستر بعد ذلك فلا نريد أن يشيل له الهواء) قال صاحب المناقب، وفي تخريج أبي سعيد العامري رواية، عن صالح بن الحكم بياع السابري قال: (كنت واقفيا فلما أخبرني حاجب المتوكل بذلك أقبلت أستهزئ به؛ إذ خرج أبو الحسن فتبسم في وجهي من غير معرفة بيني وبينه وقال: يا صالح إن الله تعالى قال في سليمان: ﴿فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً﴾ حيث أصاب، ونبيك وأوصياء نبيك أكرم على الله تعالى من سليمان، قال: وكأنما انسل من قلبي الضلالة، فتركت الوقف).

قصة زينب الكذابة

السادس عشر: وفيه عن أبي الهلقام وعبد الله بن جعفر الحميري والصقر الجبلي وأبو شعيب الحناط وعلي بن مهزيار قالوا: (كانت زينب الكذابة تزعم أنها ابنة علي بن أبي طالب، فأحضرها المتوكل وقال: اذكري نسبك؟ فقالت: أنا زينب ابنة علي، وأنها كانت حملت إلى الشام فوقعت إلى بادية من بني كلب، فأقامت بين ظهرانيهم، فقال لها المتوكل: إن زينب بنت علي قديمة وأنت شابة! فقالت: لحقتني دعوة رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) بأن يرد شبابي في كل خمسين سنة، فدعا المتوكل وجوه آل أبي طالب، فقال: كيف يعلم كذبها؟ فقال الفتح: لا يخبرك بهذا إلا ابن الرضا، فأمر بإحضاره وسأله، فقال (عليه السلام) : إن في ولد علي (عليه السلام) علامة، قال: وما هي؟ قال: لا تعرض لهم السباع، فألقها إلى السباع، فإن لم تعرض لها فهي صادقة، فقالت: يا أمير المؤمنين الله الله في، فإنما أراد قتلي، وركبت الحمار وجعلت تنادي: ألا إنني زينب الكذابة، وفي رواية: أنه عرض عليها ذلك، فامتنعت فطرحت للسباع فأكلتها، قال علي بن مهزيار: فقال علي بن الجهم: جرب هذا على قائله، فأجيعت السباع ثلاثة أيام، ثم دعي بالإمام (عليه السلام) وأخرجت السباع، فلما رأته لاذت به وتبصبصت بأذنابها، فلم يلتفت الإمام إليها وصعد السقف وجلس عند المتوكل، ثم نزل من عنده والسباع تلوذ به وتبصبص حتى خرج وقال: قال النبي حرم لحوم أولادي على السباع).

أقول: وفي الخرائج ببعض المغايرة مثله وكذا عن ثاقب المناقب هذا، وروى محمد بن طلحة في كتابه مطالب السئول قصة زينب الكذابة في حق الرضا(عليه السلام)، وكذا صاحب راحة الأرواح عن كتاب المفاخر للشيخ أبي عبدالله الحافظ، عن علي بن محمد بن يحيى الواعظ، عن أبي الفضل بن أبي نصر الواعظ، عن كتاب علي بن موسى القماني ورواه أيضا عن كتاب المفاخر المذكور صاحب ثاقب المناقب على ما نقل عنه السيد العلامة البحراني في مدينة المعاجز، وقال صاحب ثاقب المناقب في آخره: أني وجدت في تمام هذه الرواية (بأنه من السباع سبع مريض ضعيف، فهمهم شيئا في أذنه، فأشار (عليه السلام) إلى أعظم السباع بشيء وضع رأسه له، فلما خرج قيل له: ما قال لك الأسد الضعيف، وما قلت للآخر؟ قال: انه شكى إلي وقال: إني ضعيف فإذا طرح علينا فريسة لم أقدر على أن آكلها، فأشر الكبير بأمري، فأشرت إليه، فقبل قال: فذبحت بقرة وألقيت إلى السباع، فجاء الأسد ووقف عليها ومنع السباع أن تأكلها حتى شبع الضعيف، ثم ترك السباع حتى أكلوها)، هي.

 ويمكن أن يكون هذا سهوا من الرواة من جهة اشتراك الاسم والكنية بين الإمامين، ويمكن أن يكون هذا أيضا واقعة أخرى، والله أعلم.

الإمام (عليه السلام) يحذر جعفر الملاح من سوء العاقبة

السابع عشر: أعلام الورى للطبرسي، عن كتاب الواحدة للحسن بن محمد ابن جمهور العمي قال: (وحدثني أبو الحسين سعيد بن سهيل البصري وكان يلقب بالملاح قال: وكان يقول بالوقف جعفر بن القاسم الهاشمي البصري، وكنت معه بسر من رأى إذ رآه أبو الحسن في بعض الطرق، فقال له: إلى كم هذه النومة، أما آن لك أن تنتبه منها؟ فقال لي جعفر: سمعت ما قال لي علي بن محمد، قد والله قدح في قلبي شيء ،فلما كان بعد أيام حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها، ودعا أبا الحسن معنا فدخلنا فلما رأوه أنصتوا إجلالا له، وجعل شاب في المجلس لا يوقره، وجعل يلفظ ويضحك، فأقبل عليه فقال له: يا هذا أتضحك مل‏ء فيك، وتذهل عن ذكر الله، وأنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور، قال: فقلنا: هذا دليل حتى ننظر ما يكون، قال: فأمسك الفتى وكف عما هو عليه وطعمنا وخرجنا، فلما كان بعد يوم اعتل الفتى ومات في اليوم الثالث من أول النهار ودفن في آخره).

الإمام (عليه السلام) يبين علة اصفرار الآس ويأمر بكتمان خبره

الثامن عشر: عن ثاقب المناقب، عن المنتصر بن المتوكل قال: (زرع والدي الآس في بستان وأكثر منه، فلما استوى الآس كله وحسن، أمر الفراشين أن يفرشوا له على دكان في وسط البستان، وأنا قائم على رأسه، فرفع رأسه إلي وقال: يا رافضي، سل ربك الأسود عن هذا الأصل الأصفر، ماله من بين ما بقى من هذا البستان قد اصفر، فأنك تزعم أنه يعلم الغيب؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنه ليس يعلم الغيب، فأصبحت وغدوت إلى أبي الحسن (عليه السلام) من الغد وأخبرته بالأمر، فقال: يا بني امض أنت واحفر الأصل الأصفر، فإن تحته جمجمة نخرة، واصفراره لبخارها ونتنها، قال: ففعلت ذلك، فوجدت كما قال، ثم قال لي: يا بني لا تخبرن أحدا بهذا إلا بمن يحدثك بمثله).

الإمام (عليه السلام) يعلم بما تحمل السحاب

التاسع عشر: البحار عن الكتاب العتيق الغروي، عن أبي الفتح غازي بن محمد الطرائفي، عن علي بن عبد الله الميموني، عن محمد بن علي بن معمر، عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي (ح) ، مدينة المعاجز قال: حدث أبو الفتح غازي بن محمد الطرائفي بدمشق سلخ شعبان سنة تسعة وتسعين وثلاثمائة، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبدالله الميموني قال: حدثني أبو الحسين محمد بن علي بن معمر قال: حدثني علي بن يقطين بن موسى الأهوازي -واللفظ لمدينة المعاجز لسقوط بعض الفقرات في النسخة التي كانت عند المجلسي  كما يظهر من بيانه- قال: (كنت رجلا أذهب مذاهب المعتزلة، وكان يبلغني من أمر أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) ما استهزئ به ولا أقبله، فدعتني الحال إلى دخولي سر من رأى للقاء السلطان، فدخلها، فلما كان يوم وعد السلطان للناس أن يركبوا الميدان، فلما كان من الغد ركب الناس في غلائل القصب بأيديهم المراوح، وركب أبو الحسن صلوات الله عليه على زي الشتاء، وعليه لبادة وبرنس، وعلى سرجه بخناق طويل وقد عقد ذنب دابته، والناس يهزؤون به وهو يقول: ألا إن موعدهم الصبح، أ ليس الصبح بقريب؟ فلما توسطوا الصحراء وجاءوا بين الحائطين ارتفعت سحابة وارخت السماء عزاليها، وخاضت الدواب إلى ركبها في الطين ولوثتهم أذنابها، فرجعوا في أقبح زي، ورجع أبو الحسن صلوات الله عليه في أحسن زي، ولم يصبه بشيء مما أصابهم، فقلت: إن كان الله عز وجل أطلعه على هذا السر فهو حجته، وجعلت في نفسي أن أسأله عن عرق الجنب، وقلت: إن هو أخذ البرنس عن رأسه، وجعله على قربوس سرجه ثلاثا، فهو حجة، ثم إنه لجأ إلى بعض الشعاب فلما قرب نحى البرنس، وجعله على قربوس سرجه ثلاث مرات، ثم التفت إلي وقال: إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال، و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام، فصدفته وقلت بفضله، ولزمته، فلما أردت الانصراف جئت لوداعه، فقلت: زودني بدعوات فدفع إلي هذا الدعاء، وأوله «اللهم إني أسألك وجلا من انتقامك حذرا من عقابك» والدعاء طويل).

الإمام (عليه السلام) ينقذ ابن الموالي لهم وينتقم من الحاجب

العشرون: مدينة المعاجز، عن ثاقب المناقب، عن الحسن بن محمد بن علي قال: (جاء رجل إلى علي بن محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) وهو يبكي وترتعد فرائصه، فقال: يا بن رسول الله إن الوالي أخذ ابني و اتهمه بموالاتك، فسلمه إلى حاجب من حجابه، وأمره أن يذهب به إلى موضع كذا فيرميه من أعلى جبل هناك، ثم يدفنه في أصل الجبل، فقال (عليه السلام): فما تشاء؟ فقال: ما يشاء الوالد الشفيق لولده، فقال: اذهب فإن ابنك يأتيك غدا إذا أمسيت، ويخبرك بالعجب من أمره، فانصرف الرجل فرحا، فلما كان عند ساعة من آخر النهار غدا إذا هو بابنه (عند مساء غد إذا بابنه) قد طلع عليه في أحسن صورة فسره، فقال: ما خبرك يا بني؟ فقال: يا أبت فلانا -يعني الحاجب- صار بي إلى أصل ذلك الجبل، فأمسى عنده إلى هذا الوقت يريد أن يبيت هناك، ثم يصعدني من غداة إلى أعلى (من غد) الجبل ويدهدهني لبئر حفر لي قبرا في هذه الساعة، فجعلت أبكى وقوم موكلون بي يحفظونني، فأتاني جماعة عشرة لم أر أحسن منهم وجوها و أنظف منهم ثيابا و أطيب منهم روائح و الموكلون بي لا يرونهم، فقالوا لي: ما هذا البكاء و الجزع و التضرع؟ فقلت: ألا ترون قبرا محفورا، وجبلا شاهقا، وموكلون لا يرحمون يريدون أن يدهدهوني منه ويدفنوني فيه، قالوا: بلى، أرأيت لو جعلنا الطالب مثل المطلوب فدهدهناه من الجبل ودفناه في القبر؟ أتحترز بنفسك فتكون خادما لقبر رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)؟ قلت: بلى والله، فمضوا إلى الحاجب، فتناولوه وجروه وهو يستغيث، ولا يسمعون به أصحابه ولا يشعرون، ثم صعدوا به الجبل ودهدهوه ،فلم يصل إلى الأرض حتى تقطعت أوصاله، فجاء أصحابه وضجوا (فصاحوا) عليه بالبكاء، واشتغلوا عني، فقمت وتناولني العشرة فطاروا بي إليك في هذه الساعة، وهم وقوف ينتظرونني ليمضوا بي إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) لأكون خادما، ومضى، وجاء الرجل إلى علي بن محمد (عليه السلام) فأخبره، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى جاء الخبر أن قوما أخذوا ذلك الحاجب فدهدهوه ومن ذلك الجبل، ودفنه أصحابه في ذلك القبر، وهرب ذلك الرجل الذي كان أراد أن يدفنه(الصبي الذي يريدون أن يدفنوه) في ذلك القبر فجعل علي بن محمد (عليه السلام) يقول للرجل: إنهم لا يعلمون ما نعلم، ويضحك)،هي.

أقول ورواه ابن شهر آشوب مختصرا.

كاتب ديار ربيعة يموت على النصرانية على الرغم من رؤيته الدلائل المقنعة منهم (عليه السلام)

الحادي والعشرون: الخرائج قال: روي عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي: (أنه كان بديار ربيعة كاتب نصراني، وكان من أهل كفرتوثا يسمى يوسف بن يعقوب، وكان بينه و بين والدي صداقة، قال: فوافى فنزل عند والدي، فقال له: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: دعيت إلى حضرة المتوكل ولا أدري ما يراد مني؛ إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، وقد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) معي، فقال له والدي: قد وفقت في هذا، قال: وخرج إلى حضرة المتوكل، وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحا مستبشرا، فقال له والدي: حدثني حديثك؟ قال: صرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في دار وقلت: أحب أن أوصل المائة إلى ابن الرضا (عليه السلام) قبل مصيري إلى باب المتوكل، وقبل أن يعرف أحد قدومي، قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب، وأنه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا لا آمن أن يبدر بي، فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره، قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد، فلا أمنعه من حيث يذهب لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحدا، قال: فجعلت الدنانير في كاغدة، وجعلتها في كمي وركبت، فكان الحمار يخترق الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار ابن الرضا، فقلت: الله أكبر دلالة والله مقنعة، قال: وإذا خادم أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم، قال: انزل، فنزلت، فأقعدني في الدهليز، فدخل، فقلت في نفسي: وهذه دلالة أخرى؛ من أين عرف هذا الغلام اسمي  وليس في هذا البلد من يعرفني ولا دخلته قط؟ قال: فخرج الخادم فقال: مائة دينار التي في كمك في الكاغد هاتها، فناولته إياها، فقلت: وهذه ثالثة، ثم رجع إلي فقال: ادخل، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده فقال: يا يوسف أما آن لك؟ فقلت: يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى، فقال: هيهات إنك لا تسلم، ولكن سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا، فقال: يا يوسف إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالكم، كذبوا والله، إنها لتنفع أمثالك، امض فيما وافيت له، فإنك سترى ما تحب، قال: فمضيت إلى باب المتوكل فقلت كل ما أردت فانصرفت، قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا -يعني بعد موت أبيه- وهو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية، وأنه أسلم بعد موت أبيه، وكان يقول: أنا بشارة مولاي (عليه السلام)).

اسلام يزداد وتشيعه بما رآه من علم الإمام (عليه السلام) بما يدور في صدره

الثاني والعشرون: عن دلائل الطبري قال: حدثني أبو عبد الله القمي (يعني الحسين بن إبراهيم بن عيسى) قال: حدثني ابن عياش قال: حدثني أبو الحسين محمد بن إسماعيل الكاتب بسر من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة قال: حدثني أبي قال: (كنت بسر من رأى أسير في درب الحصى، فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بغا، فسايرني وأفضى الحديث إلى أن قال: أترى هذا الجدار؟ أتدري من صاحبه؟ قلت: ومن صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي -يعني علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام)- وكنا نسير في فناء داره، قلت ليزداد: نعم، فما شأنه؟ قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو، قلت: وكيف ذاك؟ قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبدا ولا غيرك من الناس، ولكن لي الله عليك كفيل وراع أن لا تحدث به عني أحدا، فإني رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان، و بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه لئلا ينصرف إليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم -يعني عن بني العباس- قلت: لك علي ذلك، فحدثني به وليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد مما تحدث به من هؤلاء، قال: نعم أعلمك أني لقيته منذ أيام وهو على فرس أدهم، وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء، وهو أسود اللون فلما بصرت به وقفت إعظاما له، وقلت في نفسي: لا والمسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس، وقلت في نفسي: ثياب سود ودابة سوداء ورجل أسود سواد في سواد، فلما بلغ إلي وأحد النظر قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد، قال أبي  : قلت له: أجل فلا تحدث به أحدا، فما صنعت؟ وما قلت له؟ قال: سقط في يدي فلم أجد جوابا، قلت له: أفما ابيض قلبك؟ قال: الله أعلم، قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إلي فحضرت عنده، فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواده، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله، وأن علي بن محمد حجة الله على خلقه و ناموسه الأعلم (م:الأعظم)، ثم مات في مرضه ذلك، فحضرت الصلاة عليه ).

الإمام (عليه السلام) يرفع الشك والوهم من صدر فتح

الثالث والعشرون: عن دلائل الحميري، عن فتح بن يزيد الجرجاني قال: (ضمني وأبا الحسن طريق منصرفي من مكة إلى خراسان، وهو سائر إلى العراق فسمعته وهو يقول: من اتقى الله يتقى، ومن أطاع الله يطاع، قال: فتلطفت إلى الوصول إليه، فسلمت عليه فرد علي السلام، وأمرني بالجلوس، وأول ما ابتدأني به أن قال: يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار عن الإحاطة به، جل عما يصفه الواصفون، و تعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، و قرب في نأيه، فهو في نأيه قريب و في قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال كيف، و أين الأين فلا يقال أين إذ هو منقطع الكيفية و الأنية، هو الواحد الأحد الصمد ﴿لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ فجل جلاله، أم كيف يوصف بكنهه محمد، قد قرنه الجليل باسمه، و شركه في عطائه، وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته إذ يقول: ﴿وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ وقال: يحكي قول من ترك طاعته وهو يعذبه بين أطباق نيرانها وسرابيل قطرانها: ﴿يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ وقال: ﴿وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ و قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها﴾ وقال: ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله والرسول والخليل وولد البتول، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا، فنبينا أفضل الأنبياء، وخليلنا أفضل الأخلاء، ووصينا أكرم الأوصياء، واسمهما أفضل الأسماء، وكنيتهما أفضل الكنى وأحلاها، لو لم يجالسنا إلا كفو لم يجالسنا أحد، ولو لم يزوجنا إلا كفو لم يزوجنا أحد، أشد الناس تواضعا أعظمهم حلما و أنداهم كفا وأمنعهم كنفا، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما، فاردد إليهما الأمر وسلم إليهم، أماتك الله مماتهم، وأحياك حياتهم، إذا شئت رحمك الله، قال فتح: فخرجت، فلما كان الغد تلطف في الوصول إليه، فسلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: يا بن رسول الله، أ تأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟ قال: سل وإن شرحتها فلي، وإن أمسكتها فلي، فصحح نظرك وتثبت في مسألتك، واصغ إلى جوابها سمعك، ولا تسأل مسألة تعنت، واعتن بما تعتني به، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش، وأما الذي اختلج في صدرك ليلتك؛ فإن شاء العالم أنبأك إن الله لم يظهر عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ، فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم، وكل ما اطلع عليه الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه؛ كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته، يا فتح عسى الشيطان أراد اللبس عليك، فأوهمك في بعض ما أودعتك وشككك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد أزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم، فقلت: متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب، معاذ الله إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله داخرون راغبون فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به، فقلت: جعلت فداك فرجت عني وكشفت ما لبس الملعون علي بشرحك، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب، قال: فسجد أبو الحسن (عليه السلام) وهو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي، داخرا خاضعا، قال: فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي، ثم قال: يا فتح كدت أن تهلك وتهلك وما ضر عيسى إذا هلك من هلك (النصارى)، انصرف إذا شئت رحمك الله، قال: فخرجت وأنا فرح بما كشف الله عني من اللبس بأنهم هم، وحمدت الله على ما قدرت عليه، فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه و هو متكئ و بين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا إذ كان ذلك آفة، والإمام غير ذي آفة فقال: اجلس يا فتح، فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ، وكل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرازق لأنه جسم الأجسام، وهو لم يجسم، ولم يجزأ بتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص مبرأ من ذاته ما ركب في ذات من جسمه الواحد الأحد الصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، منشئ الأشياء مجسم الأجسام، وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الرءوف الرحيم تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، لو كان كما يوصف لم يعرف الرب من المربوب، ولا الخالق من المخلوق، والمنشئ من المنشأ ولكنه فرق بينه وبين جسمه وشيء الأشياء، إذ كان لا يشبهه شيء يرى ولا يشبه شيئا).

زوال الشك بالإمام (عليه السلام) لما عثر على الأثر والسيف

الرابع والعشرون: الخرائج روى أبو محمد البصري، عن أبي العباس خال شبل كاتب إبراهيم بن محمد قال: (كنا أجرينا ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال لي: يا أبا محمد لم أكن في شيء من هذا الأمر، وكنت أعيب على أخي وعلى أهل هذا القول عيبا شديدا بالذم والشتم، إلى أن كنت في الوفد الذين أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن (عليه السلام)، فخرجنا إلى المدينة، فلما خرج وصرنا في بعض الطريق طوينا المنزل وكان يوما صائفا شديد الحر، فسألناه أن ينزل، فقال: لا، فخرجنا ولم نطعم ولم نشرب، فلما اشتد الحر والجوع والعطش فينا؛ ونحن إذ ذاك في أرض ملساء لا نرى شيئا، ولا ظل ولا ماء نستريح إليه، فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه، فقال: ما لكم أحسبكم جياعا وقد عطشتم؟ فقلنا: إي والله يا سيدنا وقد عيينا يا سيدنا، قال: عرسوا وكلوا واشربوا، فتعجبت من قوله و نحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئا نستريح إليه، ولا نرى ماء ولا ظلا، قال: ما لكم عرسوا؟ فابتدرت إلى القطار لأنيخ، ثم التفت إذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظل تحتهما عالم من الناس وإني لأعرف موضعهما، أنه أرض براح قفراء، و إذا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء وأبرده، فنزلنا وأكلنا و شربنا واسترحنا، وإن فينا من سلك ذلك الطريق مرارا، فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب وجعلت أحد النظر إليه وأتأمله طويلا، وإذا نظرت إليه تبسم وزوي وجهه عني، فقلت في نفسي: والله لأعرفن هذا كيف هو، فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي ووضعت عليه حجرين، وتغوطت في ذلك الموضع وتهيأت للصلاة، فقال أبو الحسن: استرحتم؟ قلنا: نعم، قال: فارتحلوا على اسم الله، فارتحلنا فلما أن سرنا ساعة رجعت على الأثر، فأتيت الموضع فوجدت الأثر والسيف كما وضعت والعلامة، وكأن الله لم يخلق ثم شجرة ولا ماء وظلالا ولا بللا، فتعجبت من ذلك ورفعت يدي إلى السماء فسألت الله بالثبات على المحبة والإيمان به والمعرفة منه، وأخذت الأثر ولحقت القوم، فالتفت إلي أبو الحسن (عليه السلام) وقال: يا أبا العباس فعلتها؟ قلت: نعم يا سيدي، لقد كنت شاكا، ولقد أصبحت وأنا عند نفسي من أغنى الناس بك في الدنيا والآخرة، فقال: هو كذلك هم معدودون معلومون، لا يزيد رجل، ولا ينقص رجل).

يأتي جواب الإمام (عليه السلام) عن الأسئلة وهي تحت المصلاة

الخامس والعشرون: وفيه قال روي عن محمد بن الفرج قال: قال لي علي بن محمد (عليه السلام): (إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها، وضع الكتاب تحت مصلاك ودعه ساعة، ثم أخرجه وانظر فيه، قال: ففعلت، فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا فيه).

أقول: ويشابه هذا ما رواه السيد ابن طاوس في كشف المحجة من كتاب الرسائل الكليني  عمن سماه قال: (كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) إن الرجل يحب أن يفضي إلى إمامه ما يحب أن يفضي إلى ربه، قال: فكتب إن كان لك  حاجة؛ فحرك شفتيك، فإن الجواب يأتيك).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

 

 

باب معجزات الإمام الهمام والولي الزكي التقي النقي

أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام

والعدد يبنى على السابق

الإمام العسكري (عليه السلام) يسد الأفق

السادس والعشرون: كتاب الحسين بن حمدان وهو غير كتاب الهداية قال: حدثني جعفر بن محمد الرامهرمزي قال: (نظرت إلى سيدي أبى محمد (عليه السلام) وجماعة من إخواننا فقلت في نفسي: أني لأحب أن أرى من فضل سيدي أبي محمد بن علي (عليه السلام) برهانا تقر به عيني، فرأيته قد ارتفع نحو السماء بحيث سد الأفق فقلت لأصحابي: ما ترون ما أرى؟ فقالوا لي: ما هو؟ فأشرت إليه، فإذا هو قد رجع بهيأته الأولى ودخل المسجد) هي.

الإمام يكلم (عليه السلام) الغلمان بلغاتهم

السابع والعشرون: الكافي بسنده عن إسحاق، عن أحمد بن محمد بن الأقرع قال: حدثني أبو حمزة نصير الخادم قال: (سمعت أبا محمد غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم ترك وروم وصقالبة فتعجبت من ذلك، وقلت هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن (عليه السلام) ولا رآه أحد: فكيف هذا؟ أحدث نفسي بذلك، فأقبل علي فقال: إن الله تبارك وتعالى بين حجته من سائر خلقه بكل شيء، ويعطيه اللغات، ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق). 

النوم لا يغير من حال الإمام شيئا

الثامن والعشرون: وفيه عن إسحاق، عن الأقرع قال: (كتبت إلى أبي محمد أسأله عن الإمام هل يحتلم؟ وقلت في نفسي بعدما فصل الكتاب الاحتلام شيطنة، وقد أعاذ الله تبارك وتعالى أولياءه من ذلك، فورد الجواب: حال الأئمة في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئا، وقد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك).

أقول : وزاد في رواية عيون المعجزات، قال الله تعالى: إن عبادي ليس عليهم سلطان، هي.

الإمام (عليه السلام) يحذر الشائي مما علق بقلبه

التاسع والعشرون: وفيه عن إسحاق قال: أخبرني محمد بن الربيع الشائي قال: (ناظرت رجلا من الثنوية بالأهواز، ثم قدمت سر من رأى وقد علق بقلبي شيء من مقالته، فإني لجالس على باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد (عليه السلام) من دار العامة يؤم الموكب؛ فنظر إلي وأشار بسبابته: أحد أحد فرد، فسقطت مغشيا علي).

 

الإمام (عليه السلام) والسباع في سجن النحرير

الثلاثون: وفيه علي بن محمد، عن بعض أصحابنا قال: (سلم أبو محمد (عليه السلام) إلى نحرير فكان يضيق عليه ويؤذيه، قال: فقالت له امرأته: ويلك اتق الله لا تدري من في منزلك؟ وعرفته صلاحه وقالت: إني أخاف عليك منه، فقال: لأرمينه بين السباع، ثم فعل ذلك به؛ فرئي (عليه السلام) قائما يصلي وهي حوله)    

أقول: وفي الخرائج بعد قوله لأرمينه بين السباع، ثم استأذن في ذلك، فأذن له فرمى به إليها، ولم يشكوا في أكلها له، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال؛ فوجدوه قائما يصلي وهي حوله، فأمر بإخراجه.

تفسير قوله: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا..."

الحادي والثلاثون: عن دلائل الحميري، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال: (سألته (روي عن أبي هاشم أنه سأله) عن قوله تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله﴾ قال: كلهم من آل محمد الظالم لنفسه، الذي لا يقر بالإمام، والمقتصد العارف بالإمام، والسابق بالخيرات الإمام، فجعلت أفكر في نفسي عظم ما أعطى الله آل محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)، وبكيت فنظر إلي وقال: الأمر أعظم مما حدثت به نفسك من عظم شأن آل محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)، فاحمد الله أن جعلك متمسكا بحبلهم، تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم إنك على خير)

الإمام (عليه السلام) يزور أصحابه وهو في الحبس

الثاني والثلاثون: عن عيون المعجزات قال: وحدثني أبو التحف المصري يرفع الحديث برجاله إلى أبي يعقوب إسحاق بن أبان قال: (كان أبو محمد (عليه السلام) يبعث إلى أصحابه وشيعته: صيروا إلى موضع كذا وكذا، وإلى دار فلان بن فلان العشاء، والعتمة في ليلة كذا، فإنكم تجدوني هناك، وكان الموكلون به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه (عليه السلام) بالليل والنهار، وكان يعزل في كل خمسة أيام الموكلين ويولي آخرين بعد أن يجدد عليهم الوصية بحفظه، والتوفر على ملازمة بابه، فكان أصحابه وشيعته يصيرون إلى الموضع، وكان (عليه السلام) قد سبقهم إليه، فيرفعون حوائجهم إليه فيقضيها لهم على منازلهم وطبقاتهم، وينصرفون إلى أماكنهم بالآيات والمعجزات، وهو (عليه السلام) في حبس الأضداد)

الإمام (عليه السلام) يحذر أصحابه من الغلو

الثالث والثلاثون: مناقب ابن شهر آشوب، عن إدريس بن زياد الكفرتوثائي قال: (كنت أقول فيهم قولا عظيما، فخرجت إلى العسكر للقاء أبي محمد (عليه السلام) فقدمت، وعلى أثر السفر ووعثائه، فألقيت نفسي على دكان حمام، فذهب بي النوم، فما انتبهت إلا بمقرعة أبي محمد قد قرعني بها حتى استيقظت، فعرفته فقمت قائما أقبل قدميه وفخذه، وهو راكب والغلمان من حوله، فكان أول ما تلقاني به أن قال: يا إدريس بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، فقلت: حسبي يا مولاي، وإنما جئتك أسألك عن هذا، قال: فتركني ومضى). 

حادثة فصد الطبيب للإمام (عليه السلام) وإسلام الراهب

الرابع والثلاثون: الخرائج قال: (حدث بطريق نصراني متطبب بالري قد أتى عليه مائة سنة ونيف وقال: كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل، وكان يصطفيني، فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام): أن يبعث إليه بأخص أصحابه عنده ليفصده، فاختارني وقال: قد طلب مني ابن الرضا من يفصده فصر إليه، وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به، فمضيت إليه، فأمرني إلى حجرة وقال: كنإلى أن أطلبك، قال: وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيدا محمودا للفصد، فدعاني في وقت غير محمود له، وأحضر طشتا عظيما، ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطشت، ثم قال لي: اقطع، فقطعت وغسل يده وشدها، وردني إلى الحجرة، وقدم من الطعام الحار والبارد شيء كثير، وبقيت إلى العصر، ثم دعاني فقال: سرح، ودعا بذلك الطشت، فسرحت، وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت، فقال: اقطع، فقطعت وشديده، وردني إلى الحجرة، فبت فيها فلما أصبحت وظهرت الشمس، دعاني وأحضر ذلك الطشت وقال: سرح، فسرحت، فخرج مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت، ثم قال: اقطع، فقطعت وشديده، وقدم لي بتخت ثياب وخمسين دينارا، وقال: خذ هذا واعذر وانصرف، فأخذت وقلت: يأمرني السيد بخدمة؟ قال: نعم تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول، فصرت إلى بختيشوع وقلت له القصة، فقال: أجمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمنان من الدم، وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا وأعجب ما فيه اللبن، ففكر ساعة، ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصة ذكرا في العالم، فلم نجد ثم قال: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول، فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى، فخرجت وناديته فأشرف علي وقال: من أنت؟ قلت: صاحب بختيشوع، قال: معك كتابه؟ قلت: نعم، فأرخى لي زنبيلا، فجعلت الكتاب فيه، فرفعه وقرأ الكتاب ونزل من ساعته فقال: أنت الرجل الذي فصدت؟ قلت: نعم، قال: طوبى لأمك، وركب بغلا ومر فوافينا سر من رأى، وقد بقي من الليل ثلثه، قلت: أين تحب دار أستاذنا أو دار الرجل؟ قال: دار الرجل، فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأول، ففتح الباب وخرج إلينا غلام أسود: أيكما راهب دير العاقول؟ فقال: أنا جعلت فداك، فقال: انزل، وقال لي الخادم: احتفظ بالبغلين، وأخذ بيده ودخلا، فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار، ثم خرج الراهب وقد رمى بثياب الرهبانية ولبس ثيابا بيضاء، وقد أسلم فقال: خذ بي إلى دار أستاذك، فصرنا إلى باب بختيشوع، فلما رآه بادر يعدو إليه فقال: ما الذي أزالك عن دينك؟ قال: وجدت المسيح فأسلمت على يده، قال: وجدت المسيح؟ قال: أونظيره، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلا المسيح، وهذا نظيره في آياته وبراهينه، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات).

الإمام (عليه السلام) يزور جرجان لإجابة مسائلهم

الخامس والثلاثون: وفيه وروى أحمد بن محمد، عن جعفر بن الشريف الجرجاني قال: (حججت سنة، فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) بسر من رأى، وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئا من المال، فأردت أن أسأله إلى من أدفعه فقال قبل أن قلت لهذلك؟ ادفع ما معك إلى المبارك خادمي، قال: ففعلت وخرجت، وقلت: إن شيعتك بجرجان يقرءون عليك السلام، قال: أولست منصرفا بعد فراغك من الحج؟ قلت: بلى، قال: فإنك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة وسبعين يوما، وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار، فأعلمهم أني أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار، فامض راشدا فإن الله سيسلمك ويسلم ما معك، فتقدم على أهلك وولدك، ويولد لولدك الشريف ابن فسمه الصلت بن الشريف بن جعفر بن الشريف، وسيبلغه الله ويكون من أوليائنا، فقلت: يا بن رسول الله إن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني هو من شيعتك، كثير المعروف إلى أوليائك يخرج إليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم، وهو أحد المتقلبين في نعم الله بجرجان، فقال: شكر الله لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعه إلى شيعتنا، وغفر له ذنوبه ورزقه ذكرا سويا قائلا بالحق، فقل له: يقول لك الحسن بن علي سم ابنك أحمد، فانصرفت من عنده وحججت، فسلمني الله حتى وافيت جرجان في يوم الجمعة في أول النهار من شهر ربيع الآخر، على ما ذكر(عليه السلام)، وجاءني أصحابنا يهنئوني فوعدتهم أن الإمام (عليه السلام) وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم، فتأهبوا لما تحتاجون إليه، واغدوا في مسائلكم وحوائجكم كلها، فلما صلوا الظهر والعصر اجتمعوا كلهم في داري، فو الله ما شعرنا إلا وقد وافانا أبو محمد (عليه السلام)، فدخل إلينا ونحن مجتمعون، فسلم هو أولا علينا فاستقبلناه وقبلنا يده، ثم قال: إني كنت وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم في آخر هذا اليوم، فصليت الظهر والعصر بسر من رأى وصرت إليكم لأجدد بكم عهدا، وها أنا قد جئتكم الآن، فاجمعوا مسائلكم وحوائجكم كلها، فأول من انتدب لمسائلته النضر بن جابر قال: يا بن رسول الله إن ابني جابرا أصيب ببصره منذ شهر، فادع الله له أن يرد عليه عينيه؟ قال: فهاته، فمسح بيده على عينيه، فعاد بصيرا، ثم تقدم رجل فرجل يسألونه حوائجهم وأجابهم إلى كل ما سألوه حتى قضى حوائج الجميع، ودعا لهم بخير وانصرف من يومه ذلك).

 

نور الإمام (عليه السلام) يسطع إلى السماء

السادس والثلاثون: وفيه عن إسحاق بن يعقوب، عن بذل مولى أبي محمد (عليه السلام) قال: (رأيت من رأس أبي محمد (عليه السلام) نورا ساطعا إلى السماء وهو نائم).

 القلم يكتب والإمام (عليه السلام) يصلي

السابع والثلاثون: البحار عن عيون المعجزات، عن أبي هاشم قال: (دخلت على أبي محمد (عليه السلام) وكان يكتب كتابا، فحان وقت الصلاة الأولى فوضع الكتاب من يده وقام (عليه السلام) إلى الصلاة، فرأيت القلم يمر على باقي القرطاس من الكتاب ويكتب، حتى انتهى إلى آخره، فخررت ساجدا، فلما انصرف من الصلاة أخذ القلم بيده وأذن للناس).

سقوط الإمام (عليه السلام) في البئر صغيراً

الثامن والثلاثون: الخرائج روي عن محمد بن عبد الله قال: (وقع أبو محمد (عليه السلام) وهو صغير في بئر الماء، وأبو الحسن (عليه السلام) في الصلاة، والنسوان يصرخن، فلما سلم قال: لا بأس فرأوه، وقد ارتفع الماء إلى رأس البئر، وأبو محمد (عليه السلام) على رأس الماء يلعب بالماء)   

  

الإمام (عليه السلام) يجيب على أسئلة كتبت بلا مداد

التاسع والثلاثون: المناقب لابن شهر آشوب، عن محمد بن عياش قال: (تذاكرنا آيات الإمام فقال ناصبي: إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت أنه حق، فكتبنا مسائل وكتب الرجل بلا مداد على ورق، وجعل في الكتب، وبعثنا إليه، فأجاب عن مسائلنا، وكتب على ورقة اسمه واسم أبويه، فدهش الرجل، فلما أفاق اعتقد الحق).

الإمام (عليه السلام) يكشف الراهب المدعي بالاستسقاء

الأربعون: الخرائج والمناقب، عن علي بن الحسن بن سابور -واللفظ للأول- قال: (قحط الناس بسر من رأى في زمن الحسن الأخير (عليه السلام)، فأمر الخليفة الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيام متوالية إلى المصلى  ويدعون فما سقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ومعه النصارى والرهبان، وكان فيهم راهب، فلما مد يده هطلت السماء بالمطر، فشك أكثر الناس وتعجبوا، وصبوا إلى دين النصرانية، فأنفذ الخليفة إلى الحسن (عليه السلام) وكان محبوسا، فاستخرجه من محبسه وقال: الحق أمة جدك فقد هلكت، فقال: إني خارج في الغد ومزيل الشك إن شاء الله تعالى، فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه، وخرج الحسن (عليه السلام) في نفر من أصحابه، فلما بصر بالراهب وقد مد يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين إصبعيه ففعل، وأخذ من بين سبابتيه عظما أسود، فأخذه الحسن(عليه السلام) بيده ثم قال له: استسق الآن فاستسقى، وكان السماء متغيما فتقشعت، وطلعت الشمس بيضاء، فقال الخليفة: ما هذا العظم يا أبا محمد؟ قال (عليه السلام): هذا رجل مر بقبر نبي من الأنبياء، فوقع إلى يده هذا العظم، وما كشف من عظم نبي إلا وهطلت السماء بالمطر)

رد على بعض النواصب لعنه الله

يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: قال بعض منافقي النواصب بعد ذكر هذا الخبر في كتابه ما هذا لفظه، أقول: هكذا رأيت في بعض الكتب، ويخالفه ما هو المستفيض بين العلماء أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء والله أعلم.

أقول : هذا الرجل كتب كتابه هذا ظاهرا في مناقب أصحاب العبا، وذكر أحوال جميع الأئمة، ولكنه مع ذلك دأبه دائما إلقاء التشكيك في بعض الأخبار، ولا سيما في ذكر القائم (عليه السلام)، وقد مر عنه أيضا التشكيك في حضور الجواد (عليه السلام) عند الرضا (عليه السلام) بخراسان، والذي يظهر لي أنه من منافقي النواصب، وقد جعل عنوان تأليفه هذا في اللفظ عنوان المناقب، ومقصوده في الباطن إلقاء الشكوك في بعض المطالب، فحاله أشبه بحال إبليس حين توصل بتوسط الحية والطاووس إلى الجنة لإخراج آدم وحواء منها بالوسوسة، ومن وساسه هذا الذي سمعت وهو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب، فإن أخذ العظم لا يدل على بلي الجسد وأكل الأرض له حتى يكون هذا موجبا للمخالفة بالبديهة؛ إذ من الجائز كشط اللحم وقطع جزء من العظم منهو ولا يعد فيه بوجهو فإن من الأمم السابقة من كانوا قد أخذوا نبيهم، وقطعوه إربا إربا وفرقوا أجزاءه بعضها من بعض، ولم يمنعهم الله من التمكين في ذلك، فأي مانع منه بعد الموت! نعم يشكل هذا في الظاهر بناء على أصولنا من عدم بقاء أجساد الأنبياء والأوصياء في قبورهم أكثر من أربعين يوما على بعض الروايات، ومن ثلاثة أيام على بعض آخر، ورفع روحهم وعظمهم ولحمهم إلى العرش، وبيان دفع الإشكال قد سبق منا في الجزء الأول من القسم الأول من الكتاب، ولا إقبال في القلب الآن على التكرار، فراجع ما ثمة إن كنت ممن يفهم الدقائق ويتصرف في الحقائق، وإلا فالكلام مع غيرك والسلام.

الإمام (عليه السلام) لا ظل له

الحادي والأربعون: عن دلائل الحميري: قال أبو جعفر: (رأيت الحسن بن علي (عليه السلام) يمشي في أسواق سر من رأى ولا ظل له) 

الإمام (عليه السلام) يغيب ويرجع بحوت عظيم

الثاني والأربعون: وعنه قال أبو جعفر: قلت للحسن بن علي: (أرني معجزة خصوصية أحدث بها عنك، فقال: يا بن جرير لعلك ترتد، فحلفت له ثلاثا، فرأيته غاب في الأرض تحت مصلاه، ثم رجع ومعه حوت عظيم، فقال: جئتك به من الأبحر السبعة، فأخذته معي إلى مدينة السلام، وأطعمت جماعة من أصحابنا) 

الإمام (عليه السلام) يسد دين أصحابه

الثالث والأربعون: مدينة المعاجز، عن ثاقب المناقب، عن أبي هاشم الجعفري قال: (ركب أبو محمد (عليه السلام) يوما إلى الصحراء، فركبت معه فبينا نسير وهو قدامي وأنا خلفه إذ عرض لي فكر في دين كان علي، فجعلت أفكر في أي وجه يكون قضاؤه، فالتفت إلي وقال: الله يقضيه، ثم انحنى على قربوس سرجه، فخط بسوطه خطة في الأرض، وقال: يا أبا هاشم انزل وخذ واكتم، فنزلت وإذا سبيكة ذهب، قال: فوضعتها في خفي وسرنا، فعرض لي الفكر فقلت: إن كان فيها تمام الدين، وإلا فإني أرضي صاحبه بها، ويجب أن ننظر الآن في وجه نفقة الشتاء، وما نحتاج إليه من كسوة، فالتفت إلي ثم انحنى ثانية وخط بسوطه خطة مثل الأولى، ثم قال: انزل فخذ واكتم، فنزلت فإذا سبيكة مثل الأولى إلا أنها فضة، فجعلتها في خفي الآخر، وسرنا يسيرا، ثم انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي، فجلست وحسبت ذلك الدين وعرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب فخرجت بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت).

أخذ العهد والميثاق في عالم الذر

الرابع والأربعون: وفيه عن ثاقب المناقب، وعن أبي هاشم(كنت عند أبي محمد فسأله محمد بن صالح الأرمني عن قول الله تعالى: ﴿وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم﴾ الآية. قال: ثبتوا المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ومن رازقه، قال أبو هاشم: فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليه من جزيل ما حمله، فأقبل أبو محمد (عليه السلام) علي فقال: الأمر أعجب مما عجبت منه يا أبا هاشم؛ وأعظم  ظنك بقوم من عرفهم عرف الله، ومن أنكرهم أنكر الله، ولا (يكون) مؤمن حتى يكون بولايتهم مصدقا وبمعرفتهم موقنا).

الإمام (عليه السلام) يخبر عن آثار الأنبياء والأوصياء في البساط

الخامس والأربعون: بحار الأنوار ، أقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا، عن علي بن عاصم الكوفي الأعمى قال: (دخلت على سيدي الحسن العسكري (عليه السلام) فسلمت عليه فرد علي السلام، وقال: مرحبا بك يا بن عاصم، اجلس هنيئا لك يا بن عاصم، أتدري ما تحت قدميك؟ فقلت: يا مولاي إني أرى تحت قدمي هذا البساط كرم الله وجه صاحبه، فقال لي: يا ابن عاصم اعلم أنك على بساط جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين، فقلت: يا سيدي ليتني كنت لا أفارقك ما دمت في دار الدنيا، ثم قلت في نفسي: ليتني كنت أرى هذا البساط، فعلم الإمام (عليه السلام) ما في ضميري، فقال: ادن مني، فدنوت منه فمسح يده على وجهي، فصرت بصيرا بإذن الله، ثم قال: هذا قدم أبينا آدم، وهذا أثر هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا أثر إدريس، وهذا أثر هود، وهذا أثر صالح، وهذا أثر لقمان، وهذا أثر إبراهيم، وهذا أثر لوط، وهذا أثر شعيب، وهذا أثر موسى، وهذا أثر داود، وهذا أثر سليمان، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر دانيال، وهذا أثر ذي القرنين، وهذا أثر عدنان، وهذا أثر عبد المطلب، وهذا أثر عبد الله، وهذا أثر عبد مناف، وهذا أثر جدي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)، وهذا أثر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال علي بن عاصم: فأهويت على الأقدام كلها فقبلتها وقبلت يد الإمام (عليه السلام) وقلت له: إني عاجز عن نصرتكم بيدي، وليس أملك غير موالاتكم والبراءة من أعدائكم، واللعن لهم في خلواتي، فكيف حالي يا سيدي؟ فقال (عليه السلام): حدثني أبي عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) قال: من ضعف على نصرتنا أهل البيت ولعن في خلواته أعداءنا بلغ الله صوته إلى جميع الملائكة، فكلما لعن أحدكم أعداءنا صاعدته الملائكة ولعنوا من لا يلعنهم، فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له وأثنوا عليه، وقالوا: اللهم صل على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده، ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل، فإذا النداء من قبل الله تعالى يقول: يا ملائكتي إني قد أحببت دعاءكم في عبدي هذا، وسمعت نداءكم وصليت على روحه مع أرواح الأبرار، وجعلته من المصطفين الأخيار)، هي. أقول : وروى هذا الحديث الحسين بن حمدان الخضيني، وفي الهداية، عن علي بن عاصم ببعض الزيادات والنقيصة وزاد في أسماء بعض الأنبياء والأوصياء، وأسماء الأئمة (عليه السلام) إلى القائم المهدي (عليه السلام) وكذا رواه الحافظ البرسي  في اللوامع ببعض المغايرة لكلتا الروايتين، ولكن المقصود حاصل من الجميع.

النصارى أعرف بحق الإمام من المسلمين

السادس والأربعون: الهداية للحسين بن حمدان بإسناده عن أبى جعفر أحمد   القصير البصري قال: (حضرنا عند سيدنا أبى محمد (عليه السلام) بالعسكري، فدخل عليه خادم من دار السلطان جليل القدر، فقال له: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام، ويقول لك: كاتبنا أنوش النصراني يريد أن يطهر ابنين له، وقد سألنا مسألتك أن تركب إلى داره، وتدعو لابنيه بالسلامة والبقاء، فأحب أن تركب وتفعل ذلك، فإنا لم نجشمك هذا العناء إلا لأنه قال: نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة والرسالة، فقال مولانا (عليه السلام): الحمد لله الذي جعل النصراني أعرف بحقنا من المسلمين، ثم قال: اسرجوا لنا، فركب حتى وردنا أنوش، فخرج إليه مكشوف الرأس حافي القدمين، وحوله القسيسون والشمامسة  والرهبان، وعلى صدره الإنجيل، فتلقاه على باب داره وقال له: يا سيدنا أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعرف به منا إلا غفرت لي ذنبي في عناك؛ وحق المسيح عيسى ابن مريم وما جاء به من الإنجيل من عند الله، ما سألت من أمير المؤمنين مسألتك هذه إلا لأنا وجدناكم في هذا الإنجيل مثل المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) عند الله، فقال مولانا (عليه السلام): الحمد لله، ودخل على فرسه، والغلامان على منصة، وقد قام الناس على أقدامهم فقال: أما ابنك هذا فباق عليك، وأما الآخر فمأخوذ منك بعد ثلاثة أيام، وهذا الباقي يسلم ويحسن إسلامه ويتولانا أهل البيت، فقال أنوش: والله يا سيدي إن قولك الحق، ولقد سهل على موت ابني هذا لما عرفتني أن الآخر يسلم ويتولاكم أهل البيت، فقال له بعض القسيسين: مالك لا تسلم ؟ فقال له أنوش: أنا مسلم ومولانا يعلم ذلك، فقال مولانا: صدق، ولولا أن يقول الناس أنا أخبرناك بوفاة ابنك ولم يكن كما أخبرناك لسألنا الله بقاءه عليك، فقال أنوش: لا أريد يا سيدي إلا ما تريد، قال أبو جعفر: أحمد القصير مات والله ذلك الابن بعد ثلاثة أيام، وأسلم الآخر بعد سنة، ولزم الباب معنا إلى وفاة سيدنا أبى محمد (عليه السلام)  ) ،هي. 

توقيع الإمام (عليه السلام) إلى أصحابه في الدسكرة

السابع والأربعون: وفيه بإسناده عن محمد بن داود القمي ومحمد بن عبد الله الطلحي قالا: (حملنا ما لا اجتمع من خمس ونذر وعين وورق وجوهر وحلي وثياب من قم وما يليها، فخرجنا نريد سيدنا أبا الحسن علي بن محمد (عليه السلام)، فلما صرنا إلى دسكرة الملك تلقانا رجل راكب على جمل ونحن في قافلة عظيمة، فقصدنا ونحن سائرون في جملة الناس وهو يعارضنا بجملة حتى وصل إلينا، وقال: يا احمد بن داود ومحمد بن عبد الله الطلحي معي رسالة إليكما، فقلنا: ممن يرحمك الله؟ قال: من سيدكما أبي الحسن على بن محمد (عليه السلام) يقول لكما: أنا راحل إلى الله في هذه الليلة فأقيما مكانكما حتى يأتيكما أمر ابني أبي محمد الحسن، فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا، وأخفينا ذلك ولم نظهره، ونزلنا بدسكرة الملك واستأجرنا منزلا، وأحرزنا ما حملناه فيه، وأصبحنا والخبر شايع في الدسكرة بوفاة مولانا أبي الحسن (عليه السلام) فقلنا: لا اله إلا الله أترى الرسول الذي جاء برسالة أشاع الخبر في الناس؟ فلما أن تعالى النهار رأينا قوما من الشيعة على أشد قلق مما نحن فيه، فأخفينا أثر الرسالة ولم نظهره فلما جن علينا الليل جلسنا بلا ضوء حزنا على سيدنا أبى الحسن (عليه السلام) نبكي ونشتكوا إلى الله فقده، فإذا نحن بيد قد دخلت علينا من الباب، فأضاءت كما تضيء المصباح وقائل يقول: يا أحمد ويا محمد هذا التوقيع، فاعملا بما فيه، فقمنا على أقدامنا فأخذنا التوقيع، فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم من الحسن المستكين لله رب العالمين إلى شيعته المساكين، أما بعد، فالحمد لله على ما نزل بنا منه، ونشكره إليكم جميل الصبر عليه، وهو حسبنا في أنفسنا وفيكم ونعم الوكيل، ردوا ما معكم فليس هذا أوان وصوله إلينا، فإن هذه الطاغية قد بث عسسه وحرسه حولنا، ولو شئنا ما صدكم وأمرنا يرد عليكم، ومعكما صرة فيها سبعة عشر دينارا في خرقة حمراء لأيوب بن سليمان الآبي، فرداها عليه فإنه ممتحن بما فعله، وهو ممن وقف على جدي موسى بن جعفر (عليه السلام) فردا صرته عليه ولا تخبراه». فرجعنا إلى قم، فاقمنا بها سبع ليال، فإذا قد جاءنا أمره «قد أنفذنا إليكم إبلا غير إبلكما، فاحملا ما قبلكما عليها وخلياها السبيل، فإنها واصلة إلينا» قالا: وكانت الإبل بغير قائد ولا سائق، توقيع بها الشرح، وهو مثل ذلك التوقيع الذي أوصلته إلينا بالدسكرة تلك اليد، فحملنا ما عندنا واستودعناها الله، وأطلقناها فلما كان من قابل خرجنا نريده (عليه السلام)، فلما وصلنا إلى سر من رأى دخلنا عليه فقال: يا احمد يا محمد ادخلا من الباب الذي بجانب الدار، فانظرا إلى ما حملتماه إلينا على الإبل، فلن تفقدا منه شيئا، فدخلنا فإذا نحن بالمتاع كما دعيناه وشددناه لم يتغير منه شئ، ووجدنا فيه الصرة الحمراء والدنانير تحتها، وكنا رددناها على أيوب، فقلنا إنا لله وإنا إليه راجعون هذه الصرة أ ليس قد رددناها على أيوب، فما تصنع هيهنا فوا سوأتاه من سيدنا، فصاح بنا من مجلسه: مالكما سوأتكما، فسمعنا الصوت، فانثينا إليه فقال: «آمن أيوب في وقت رد الصرة عليه، فقبل الله إيمانه وقبلنا هديته» فحمدنا الله وشكرناه على ذلك)، هي.

 العراق تشكو قلة المطر

الثامن والأربعون: عن دلائل الحميري قال: (دخل على الحسن بن علي (عليه السلام) قوم من سواد العراق يشكون إليه قلة المطر، فكتب لهم كتابا فأمطروا، ثم جاءوا يشكون كثرته فختم في الأرض، فأمسك المطر)هي.

الإمام (عليه السلام) يعطي من عرفه ومن لم يعرفه

التاسع والأربعون: الكافي عن علي بن محمد، عن محمد بن إبراهيم المعروف بابن الكردي، عن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال: (ضاق بنا الأمر، فقال: لي أبي امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل يعني أبا محمد فإنه قد وصف عنه سماحة، فقلت: تعرفه، فقال: ما أعرفه ولا رأيته قط، قال: فقصدناه، فقال لي: أبي وهو في طريقه ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مائتا درهم للكسوة، ومائتا درهم للدين، ومائة للنفقة، فقلت في نفسي: ليته أمر لي بثلاثمائة درهم مائة أشتري بها حمارا، ومائة للنفقة، ومائة للكسوة، وأخرج إلى الجبل قال: فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه، فقال: يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي: يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت، فقال: يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه، فناول أبي صرة فقال: هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة، ومائتان للدين، ومائة للنفقة، وأعطاني صرة فقال: هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار، ومائة للكسوة، ومائة للنفقة، ولا تخرج إلى الجبل، وصر إلى سوراء، فصار إلى سوراء وتزوج بامرأة فدخله اليوم ألف دينار، ومع هذا يقول بالوقف، فقال محمد بن إبراهيم فقلت له: ويحك أ تريد أمرا أبين من هذا؟ قال: فقال: هذا أمر قد جرينا عليه)  .

الإمام (عليه السلام) يثبت لأحدهم علمه بالغيب

الخمسون: عن كتاب النجوم لابن طاووس  قال: نقلت من خط من حدثه محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال: حدثنا محمد بن هارون قال: (أنفذني والدي مع بعض أصحاب أبي القلا صاعد النصراني لأسمع منه ما روي عن أبيه من حديث مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، فأوصلني إليه فرأيت رجلا معظما وأعلمته السبب في قصدي، فأدناني وقال: حدثني أبي أنه خرج وإخوته وجماعة من أهله من البصرة إلى سر من ‏رأى للظلامة من العامل فإذا بسر من‏ رأى في بعض الأيام؛ إذا بمولانا أبي محمد (عليه السلام) على بغلة وعلى رأسه شاشة وعلى كتفه طيلسان فقلت في نفسي: هذا الرجل يدعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب، وقلت: إن كان الأمر على هذا فيحول مقدم الشاشة إلى مؤخرها، ففعل ذلك، فقلت: هذا اتفاق ولكنه سيحول طيلسانه الأيمن إلى الأيسر والأيسر إلى الأيمن، ففعل ذلك وهو يسير، وقد وصل إلي فقال: يا صاعد لم لا تشغل بأكل حيدانك عما لا أنت منه ولا إليه، وكنا نأكل سمكا).   

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.