بسم الله
الرحمن الرحيم
عمدة الطالب في أنساب آل أبى طالب
تأليف: جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة المتوفى سنة 828
هجرية
الطبعة الثانية 1380هـ - 1960م
-
عنى بتصحيحه محمد حسن آل الطالقاني
-
منشورات المطبعة الحيدرية في النجف
الاشرف
الاصل الثالث في ذكر عقب أمير المؤمنين على
بن أبى طالب عليه السلام:
/ صفحة 58 / الاصل الثالث في ذكر عقب أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه
السلام . وكان أصغر اخوته وبينه وبين أخيه طالب ثلاثون سنة كاملة ، كان كل
واحد من بنى أبى طالب الاربعة أصغر من الآخر بعشر سنين ، طالب أكبرهم ، ثم
عقيل ، ثم جعفر ، ثم على ، ولد بمكة في بيت الله الحرام يوم الجمعة الثالث
عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت
الله الحرام سواه إكراما له وتعظيما من الله تعالى واجلالا لمحله في
التعظيم ، وأمه فاطمة بنت أسد ابن هاشم بن عبد مناف رضى الله عنها ، وكان
قد ولد وأبوه غائب فسمته / صفحة 59 / فاطمة بنت أسد باسم أبيها فلما قدم
أبو طالب سماه عليا ، ومن هاهنا يسمى أمير المؤمنين على حيدر لان حيدرة من
أسماء الاسد ، وقد ذكر ذلك في شعره يوم خيبر فقال عليه السلام : انا الذى
سمتنى أمي حيدرة . ويكنى أبا الحسن وأبا تراب وكانت أحب كنيته إليه لان
رسول الله صلى الله عليه وآله كناه بها ، وسبب ذلك أنه صلى الله عليه وآله
دخل على ابنته فاطمة الزهراء " ع " فقال لها : أين ابن عمك ؟ فقالت : رأيته
غضبانا وخرج . فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسجد يطلبه فوجده
نائما قد الصقت الحصى بجبينه فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله ينفض الحصى
عنه ويقول : قم أبا تراب قم أبا تراب . رباه رسول الله صلى الله عليه وآله
فجمع الله له أسباب الخير في ذلك ، وذلك أن قريشا أجدبت ذات سنة وكان أبو
طالب فقيرا لا مال له فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس عمه : ألا
نذهب إلى أبى طالب لنخفف عنه بعض عياله فقال : نعم فذهبا إليه فقالا : جئنا
لنخفف عنك فقال : إذا تركتما لى عقيلا فاصنعا ما شئتما وكان يحب عقيلا حبا
شديدا فأخذ العباس جعفرا وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عليا " ع " فلم
يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه ولم يزل على ( ع ) عند رسول الله
صلى الله عليه وآله حتى هاجر . وقد روى كثير من أئمة الحديث أنه لا خلاف في
أن أول من أسلم على بن ابى طالب " ع " وانما الخلاف / صفحة 60 / في سنة يوم
أسلم ، وفضائله أشهر من أن نحصى وقد أفرد فيها المصنفات ، ومضى شهيدا ضربه
عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله سحر ليلة التاسع عشر من رمضان سنة أربعين ،
وتوفى ليلة الحادى والعشرين منه وشرح ذلك مذكور في المطولات. ولقد كان أمير
المؤمنين " ع " في ذلك الشهر يفطر ليلة عند الحسن " ع " وليلة عند الحسين "
ع " وليلة عند عبد الله بن جعفر " رض " لا يزيد على ثلاث لقم ويقول : أحب
ان ألقى الله وأنا خميص . فلما كانت الليلة التى ضرب فيها أكثر الخروج
والنظر إلى السماء ويقول : والله ما كذبت ولا كذبت وانها الليلة التى /
صفحة 61 / وعد الله فلما كان وقت السحر وأذن المؤذن بالصلاة خرج فصاح به
أوز كان للصبيان في صحن الدار ، فأقبل بعض الخدم يطردهن فقال : دعوهن فانهن
نوائح فقالت ابنته زينب : مر جعدة فليصل بالناس فقال : مروا جعدة فليصل
بالناس . ثم قال : لا مفر من القدر ، وأقبل يشد ميزره ويقول : أشدد حيازيمك
للموت فان الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا وخرج فلما دخل
المسجد أقبل ينادى : الصلاة الصلاة فشد عليه ابن ملجم لعنة الله عليه فضربه
على رأسه بالسيف فوقعت ضربته في موضع الضربة التى ضربه إياها عمرو بن عبد
ود يوم الخندق ، وقبض على عبد الرحمن المغيرة ابن نوفل بن الحرث بن عبد
المطلب ضربه على وجهه فصرعه وأقبل به إلى الحسنين ( ع ) فامر أمير المؤمين
بحبسه وقال : أطعموه واسقوه فان أعش فأنا ولى دمى وأن أمت فاقتلوه ضربة
بضربة . وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : قاتل على
أشقى هذه الامة وقبض ليلة الاحد ليلة أحد وعشرين من رمضان وله يومئذ ثلاث
وستون سنة ، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن العباس ودفن في ليلته قبل
انصراف الناس من صلاة الصبح ( وقد اختلف الناس في موضع قبرة والصحيح أنه في
الموضع المشهور الذى يزار فيه اليوم . / صفحة 62 / فقد روى : أن عبد لله بن
جعفر سئل : أين دفنتم أمير المؤمنين ؟ قال : خرجنا به حتى إذا كنا بظهر
النجف دفناه هناك . وقد ثبت أن زين العابدين وجعفر الصادق وابنه موسى عليهم
السلام زاروه في هذا المكان ، ولم يزل القبر مستورا لا يعرفه إلا خواص
أولاده ومن يثقون به بوصية كانت منه " ع " لما عمله من دولة بنى أمية من
بعده واعتقاداته وما ينتهون إليه فيه من قبح الفعال والمقال بما تمكنوا من
ذلك : فلم يزل قبره عليه السلام مخفيا حتى كان زمن الرشيد هارون بن محمد بن
عبد الله العباسي فانه خرج ذات يوم إلى ظاهر الكوفة يتصيد وهناك حمر وحشية
وغزلان ، فكان كلما ألقى الصقور والكلاب عليها لجات إلى إلى كثيب رمل هناك
فترجع عنها الصقور ، فتعجب الرشيد من ذلك ورجع إلى الكوفة وطلب من له علم
بذلك فأخبره بعض شيوخ الكوفة أنه قبر أمير المؤمين على عليه السلام . فيحكى
أنه خرج ليلا إلى هناك ومعه على بن عيسى الهاشمي ، وأبعد أصحابه عنه وقام
يصلى عند الكثيب ويبكى ويقول : والله يا ابن عم انى لاعرف حقك ، ولا أنكر
فضلك . ولكن ولدك يخرجون على ويقصدون قتلى وسلب ملكى . إلى أن قرب الفجر
وعلى بن عيسى نائم فلما قرب الفجر أيقظه هارون وقال : قم فصل عند قبر ابن
عمك . قال : وأى ابن عم هو ؟ قال : امير المؤمنين على بن ابى طالب ، فقام
على بن عيسى فتوضأ وصلى وزار القبر ، ثم إن هارون / صفحة 63 / أمر فبنى
عليه قبة وأخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم حوله ، إلى ان كان زمن عضد
الدولة فنا خسرو بن بويه الديلمى فعمره عمارة عظيمة وأخرح على ذلك أموالا
جزيلة وعين له أوقافأ ، ولم تزل عمارته باقية إلى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
، وكان قد ستر الحيطان بخشب الساج المنقوش ، فاحترقت تلك العمارة وجددت
عمارة المشهد على ماهى عليه الآن ، وقد بقى من عمارة عضد الدولة قليل ،
وقبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق ، وكان لامير المؤمنين ( ع ) في
اكثر الروايات ستة وثلاثون ولدا ثمانية عشر ذكرا وثماني عشرة أنثى وروى :
خمسة وثلاثون . / صفحة 64 / وحكى الشيخ العمرى : أنه وجد بخط شيخ الشرف
العبيدلى النسابة ما صورته قال محمد بن محمد - يعنى نفسه - مات من أولاد
على " ع " الذكور وهم تسعة عشر ستة في حياته وورثه منهم ثلاثة عشر قتل منهم
بالطف ستة والله اعلم . ( والعقب ) من أمير المؤمنين على " ع " في خمسة
رجال الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس شهيد الطف ، وعمر الاطرف
فلنذكر أعقابهم في خمسة فصول .
جمعيـة تنزيـه
النسـب العلـوي |