الصفحة الرئيسية

   

بسم الله الرحمن الرحيم

عمدة الطالب في أنساب آل أبى طالب

تأليف: جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة المتوفى سنة 828 هجرية

الطبعة الثانية 1380هـ - 1960م

عنى بتصحيحه محمد حسن آل الطالقاني
منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الاشرف

 

مقدمة الكتاب بقلم علامة كبير تمهيد في أهمية النسب :
النسب أساس الشرف ، وجذم الفضيلة ، ومناط الفخر ، ومرتكز لواء العظمة ومنبثق روائها ، وبه يعرف الصميم من اللصيق ، والمفتعل من العريق فيذاد عن حوزة الخطر من ليس له بكفؤ ، ويزوى عن حومته من أقصته الرذائل جاءت الحنيفية البيضاء باكرام الشريف ، وتحرى المنابت الكريمة في الزواج وأداء حق الرسالة بالمودة في القربى ، إلى غيرها من الاحكام ، وكلها منوطة بمعرفة الانساب . النسب مجلبة للعز ، ومدعاة للقوة ، فمتى عرفت أفراد من البشر أو قبائل منهم أنه تلفهم جامعة النسب فان قلب كل منهم يحن للآخر ، ونفسه تنزع للاحتكاك به والتزلف إليه ، وإدنائه منه والاخذ بناصره ، والقيام بصالحه ودفع الضيم عنه وسد إعوازه ، ولا تدور هذه الهاجسة في خلد أي منهم إلا ويجد مثلها من صاحبه ، قضية الجبلة البشرية ، وقد أكد ذلك دين الاسلام فأمر بصلة الارحام ووعد لها المثوبات الجزيلة ، وتوعد على قطعها لئلا تتخاذل الايدى وتتدابر النفوس فيفشل الانسان في حاجياته ورقيه ، ويفشل في مؤنه واقتصاده ويفشل في علمه وأدبه ، ويفشل في دنياه وآخرته ، وهل تعرف الارحام الموصولة إلا بمعرفة القبائل والافخاذ والفصائل التى هي موضوع علم النسب ؟ وقد أمر الله سبحانه نبيه الاعظم صلى الله عليه وآله في بدء بعثته أن ينذر عشيرته الاقربين ليكونوا ردء له دعوته وحصنا عن عادية العتاة من قومه ، ومن ذلك قول المردة من قوم شعيب ( ع ) يوم عتوا عن أمره : ولولا رهطك لرجمناك . كما حكاه عنهم القرآن الكريم ، ففى متشج الاواصر مناخ العزة ومرتبض الشوكة ومأوى الهيبة ، قال الامام أمير المؤمنين على عليه السلام في وصيته لابنه الامام الحسن عليه السلام : " أكرم عشيرتك فانهم جناحك الذى به تطير وأصلك الذى إليه تصير ، ويدك التى بها تصول ، ولا يستغنى الرجل عن عشيرته وإن كان ذا مال ، فانه يحتاج إلى دفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم ، وهى أعظم الناس حيطة من ورائه وألمهم لشعثه ، وأعظمهم عليه إن نزلت به نازلة أوحلت به مصيبة ، ومن يقبض يده عن عشيرته فانما يقبض عنهم يدا واحدة وتقبض عنه أيد كثيرة " . وفى مشتبك الانساب سر من أسرار التكوين نوه به القرآن الكريم بقوله عز من قائل : " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " . فما هذا التعارف ؟ فهل يريد أنهم يتعارفون فيما بينهم فيعرف كل فرد أنه تجمعه وافراد القبيلة واشجة نسب فيوجب كل على نفسه النهوض بما عليه من رعاية حقوق العشيرة من التعاضد والمناصرة ؟ أو أنه يعرف كل من القبائل القبيلة الاخرى فيرعى النواميس الثابتة بين العشائر ، ويتحامى عن الجور على أي من أفرادها والبخس لحقه بما هما من جزئيات هاتيك النواميس ، أو حذار بادرة القبيلة المضامة أو المضام فرد منها وفى كل من الوجهين قوام العظمة ، واستقرار الابهة ، وجمام النفوس ، ولا بأس بان يراد كل منهما فتكون الآية من جوامع الكلم ( والقرآن كله جوامع الكلم ) ، إن في معرفة النسب مندفعا إلى مكارم الاخلاق كما أن فيها مزدجرا عن الملكات الرذيلة فمتى عرف الانسان في أصله شرفا ، وفى عوده صلابة ، وفى منبته طيبا - ولا أقل من أن يحسب هو في نفسه خطرا باتصال نسبه إلى أصل معلوم - فانه يأنف عن تعاطى دنايا الامور وارتكاب الرذائل حيطة على سمعته من التشويه وحذرا على ذكره من شية العار ، وتنزيها لسلفه من سوء الاحدوثة وربما حاذر لائمة الغير له بعدم ملائمة ما يقترفه شرف الاصل ومنعة النسب أو تنديد حامته له بألصاقه النقص والعيب بهم باجتراحه السيئات وربما كاشفوه على منعه عن المخازى وهذا الامام السبط الحسين " ع " يوبخ زبانية الالحاد بقوله : ( يا شيعة آل أبى سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعرابا ) فقد أنكر الامام عليه السلام عليهم أن يكون ما ارتكبوه من خطتهم الخشناء وركبوه من الطريق الوعر وأبدوه من النفسيات القاسية من شناشن ذوى الاحساب ، أو مشابها لما يؤثر من صفات العرب من النخوة والشهامة وحماية الجار والدفاع عن النزيل والاحتفاء بالشرفاء والاحتفال بأمرهم ورعاية الحرمات وحفظ العهود وخفر الذمم ، وأمرهم بالرجوع إلى أحسابهم والسير على ما يلائم خطر أنسابهم ولكن هل وجد داعية الشرف لقيله مجيبا أو لهتافه واعيا ؟ لا ، لانه لم يكن بين القوم شريف قط فمن خليفة للعواهر ، ومن أمير للمومسات ، ومن قائد للبغايا وتحت الرايات كل ابن خنا وحلف الشهوات ألقح الفجور منابتهم بمائه الآسن وحملت البغيات ومنهم كل ابن جماعة ، ولولا ذلك لما حبذوا قطيعة رحم رسول الله صلى الله عليه وآله ، تلك القطيعة الممقوتة التى لم يسبق بمثليها أشقى الاولين ولا لحقهم إلى شرواها أشقى الآخرين ، فاحتقبوها خزيا سرمدا وجنوا ثمرة غراسهم عذابا أبدا . وجاء في فقه الشريعة أن دية قتل الخطأ مع شروطه العشرة على العاقلة وهم الاب والمتقرب به من الرجال والاولاد فيكون الرجل رهن الانفعال منهم لمنتهم عليه بدفع الدية فلا يعود إلى مثله ، أو أنهم إذا فعلوا ذلك يكونون رقباء عليه حتى يردعوه عن مثله ولا يدعوه يتورط في ما يحدوه إلى لدته ، وهذه إحدى فوائد الانساب والحاكم إذا عرفها ألزمهم الحكم ، وفى باب المواريث فوائد جمة تشبه هذه ، وزبدة المخض أن علم الانساب من أهم ما يجب على العالم أن يتطلبه للدين والدنيا ، للشرف والفضيلة ، للاخلاق والتهذيب . ولهذه كلها وما يماثلها من فضائل النسب وفوائد المعرفة به بادر العلماء منذ القرون الاولى لتدوينه علما برأسه وكثر فيه التأليف ، غير أن أول من أفرده بالتدوين هو النسابة أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبى المتوفى 206 ه‍ كما اعترف به الجلبى في ( كشف الظنون ) ج 1 ص 157 فانه صنف فيه خمسة كتب : 1 - المنزلة 2 - الجمهرة 3 - الوجيز 4 - الفريد 5 - الملوك ، والكلبي تعلم العلم عن الامام الصادق عليه السلام كما في ( رجال النجاشي ) ص 305 وأخذ شيئا من الانساب عن أبيه ابى النضر محمد بن السائب كما ذكره ابن النديم في ( الفهرست ) ص 140 نقلا عن محمد بن سعد كاتب الواقدي ، وكان أبو النضر من أصحاب الامامين الباقر والصادق عليهما السلام كما في ( رجال الشيخ الطوسى ) مخطوط وتوفى سنة 146 ه‍ وأخذ أبو النضر نسب قريش عن أبى صالح عن عقيل بن أبى طالب ( رض ) وذكر ابن النديم فهرست كتب الكلبى الكثيرة التى اكثرها في الانساب ص 140 من فهرسته ، وأوردها ايضا النجاشي في فهرسته ص 305 وقد فات سيدنا الحجة المرحوم السيد حسن الصدر الكاظمي في ( تأسيس الشيعة الكرام لفنون الاسلام ) أن يذكر أول من ألف في علم الانساب من الشيعة وهو النسابة الكلبى هذا ثم لحق هشاما مؤلفو الفريقين فاكثروا وأجادوا إلا أن لخصوص النسب الهاشمي شرفا وضاحا لا يجارى ، وشاوا بعيدا لا يلحق ، وكرامة ظاهرة لا تدرك ، وحسبه من المفاخر والماثر قول النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم : " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي " وأكد صلى الله عليه وآله في الاصحار بشرف آله الانجبين بأساليب من البيان وأنحاء من من القول حتى جعل ودهم أجر رسالته فأوجبه على أمته جمعاء ، فهو من فرائض الدين الحنيف وأهم واجباته ، وبه فسر قوله لما بعث أمير المؤمنين عليا عليه السلام لينادي عنه باللعن على ثلاثة أحدهم ( من خان أجيرا على أجرته ) فكان هو الاجير على بث الدعوة الالهية ، وأجر رسالته محبة سلالته ، وتضافرت الاخبار عنه صلى الله عليه وآله في الامر بحبهم وألحض على الاخذ بصالحهم ، وسد إعوازهم ، وإقامة أمرهم ، وإكبار مقامهم ، والاحتفاء بهم ، وقضاء حاجتهم وجعل ذلك كله يدا عنده مشكورة لمن عمل بشئ منها ، وللاشراف من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذوى القربى المنصوص به في الذكر الحكيم واليهم يعود سهم مشرفهم الاعظم بعد عود سهم الله تعالى إليه ، فهى ضرائب مقررة جعلها الله لهم بعد أن أربى بهم عن أخذ الصدقات الواجبة أو مطلقا لانها أوساخ يجب أن يترفع عن التلمظ بها آل محمد صلى الله عليه وآله . فالعمل بآى من هذه الفرائض يستدعى الوقوف على الانساب ومعرفة الصميم من الدخيل ، وقد حمل ذلك علماء الامامية على الاكثار من التأليف في خصوص البيت الهاشمي وأنسابهم ، واستساغوا له المتاعب بين جفلة وهبوط واغتراب وإقامة وضرب في الارض للحصول على الغاية والاشراف على البيوت والقبائل وأنسابهم ومن يمت بهم أو يذاد عنهم ، حرصا على الابقاء على هذه الشجرة الطيبة التى ( أصلها ثابت وفرعها في السماء ) منزهة عما عسى أن يلم بها من أدناس الملتصقين وتحقيقا لموضوع فرائض صدع بها النبي الامين صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد أحصى من ألف في أنساب الطالبيين العلامة البارع السيد شهاب الدين الحسينى نزيل قم المشرفة في كتاب مفرد سماه ( طبقات النسابين ) فجاءت عدتهم تقارب خمسمائة رجل . وتجد ذكرهم مثبوتا على صفحات كتاب ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) لشيخنا الامام العلامة الطهراني . ومن أهم هاتيك الكتب كتاب ( عمدة الطالب ) الذى تزفه ( المكتبة الحيدرية ) إلى القراء الكرام ، وليست هذه بباكورة من خدماتها للعلم والادب فهى لم تبرح وجهدها المتواصل وسعيها المتتابع وعزمها الفتى ومنتها القوية مصروفة إلى نشر الآثار المهمة والكتب القيمة في أبهج حلة وأجمل زى ، وإن مما يقدر لها نهوضها باعادة طبع هذا الكتاب الثمين الذى أتت الطبعات الاولى - الهندية - على بهجته وذهبت بنضارته وأخمدت ضوءه وكادت أن تودي به بأغلاطها الشائنة وسقطها المخل ، فما كان من الجائز الركون إليها لاحتمال الغلط في كل سطر والسقط في كل صفحة فاتيح لهذه المكتبة الحصول على ثلاث نسخ مخطوطة صحيحة تعد من ذخائر المكتبات الراقية . 1 - نسخة صحيحة متقنة في مكتبة العلامة المصلح الحجة الشيخ محمد الحسين ابن العلامة الشيخ على ابن العلامة الشيخ محمد رضا آل الفقيه الاوحد المصلح بين الدولتين الشيخ موسى ابن الشيخ الاكبر الشيخ جعفر كاشف العطاء ابن الفقيه الشيخ خضر الجناجى النجفي رحمه الله ، ولم نعرف تاريخ كتابتها لنقصانها من آخرها وقد تمم نقصانها بخطه المرحوم الشيخ على المذكور ولكن الذى يظهر من كتابتها أنها اختطت في عصر المؤلف أو قريب من عصره ، وفيها زيادات مهمة لم تكن في النسختين الاخريين . 2 - نسخة صحيحة في مكتبة العلامة الكبير ناشر ألوية الفضل والادب الاستاذ الشيخ محمد طاهر السماوي النجفي ، كتبها ناسخها عبد القادر العلوى السبزواري وقد طمس تاريخ كتابتها من آخرها غير أن الذى يترجح في النظر انها اختطت في القرن التاسع أو العاشر وقد سمح بها - رحمه الله - للمكتبة الحيدرية كما انه يرجع إليه الفضل في ظهور هذه المطبوعة بحلة قشيبة وصحة واتقان ولا زالت المكتبة تستمد منه الآراء في مطبوعاتها القيمة فيمدها بآرائه الصائبة ونظرياته المقدرة ومعلوماته الواسعة ، وإنها لتقدر له جهوده العظيمة وهمته السامية فجزاه الله عن العلم وأهله خيرا . 3 - نسخة بخط العلامة الكبير السيد حسين بن مساعد بن حسن بن مخزوم ابن ابى القاسم بن عيسى الحسينى الحائري فرغ من نسخها في اليوم 29 من شهر ربيع الاول سنة 893 ه‍ ، وقد زينها بتعليقاته الثمينة وفوائده النفيسة ، وذكر في آخرها أنه كتبها على نسخة كتبت على نسخة بخط المؤلف فرغ من كتابتها غرة شهر رمضان سنة 812 ه‍ أي قبل وفاته ب‍ 16 سنة ، وكانت من ممتلكات السيد محمد كاظم الشريف الحسينى الحسنى العريضى النجفي الحائري كتب باخرها صورة تملكه - 29 جمادى الثانية سنة 1164 - وله عليها تعليقات ثمينة كتبها بخطه في مواضع عديدة نقل اكثرها المصحح في الهامش ، وهى تمتاز عن النسختين الاوليتين بالصحة والاتقان ، وقد نقل الاكثر من تعليقاتها المهمة المصحح لهذه المطبوعة في الهامش ورمز إليها - عن هامش المخطوطة - وكانت هذه المخطوطة الثمينة في مكتبة العلامة الكبير الحجة المرحوم الشيخ عبد الرضا ابن الفقيه الشيخ مهدى آل الفقيه الاكبر الشيخ راضى ابن الشيخ محمد ابن الشيخ محسن آل الفقيه الورع الشيخ خضر الجناجى النجفي رحمه الله ، وقد سمح بها للمكتبة ولداه الفاضلان الاديبان الشيخ محمد كاظم والشيخ محمد جواد خدمة لنشر العلم وإن المكتبة الحيدرية تشكرهما على هذه الخدمة الجليلة وتقدر لهما هذه الهمة العالية جزاهما الله عن العلم خيرا . وقد جاء الكتاب - بحمد الله - غاية في الاتقان والصحة ، وممن يجب شكره وتقديره العلامة البارع منبثق أنوار الفضل والشرف السيد محمد صادق آل بحر العلوم لوقوفه على تصحيح الكتاب والنظر فيه ، والتعليق عليه تعاليق مهمة أبقاها مأثرة له خالدة ويدا مسداة إلى الطالبين أجمع ، وإن خدماته الجمة للعلم والادب في تعاليقه على الكتب القيمة المطبوعة وغيرها ، وتقييد أنظاره الراقية ونتائج اطلاعه الواسع فيها كلها مقدرة مشكورة وفقه الله تعالى لنشر العلم والادب .
 

 

جمعيـة تنزيـه النسـب العلـوي