الصفحة الرئيسية

   

بسم الله الرحمن الرحيم

عمدة الطالب في أنساب آل أبى طالب

تأليف: جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة المتوفى سنة 828 هجرية

الطبعة الثانية 1380هـ - 1960م

عنى بتصحيحه محمد حسن آل الطالقاني
منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الاشرف

 

ديباجة المؤلف:
/ صفحة 17 /
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ، ورفع بعض الانام على بعض فصيره أفخم قدرا ، وأعظم ذكرا ، وأحل نبيه محمدا المختار من شريف النسب في المجد الصراح ، واصطفاه للايثار بمنيف الحسب وسرة البطاح ، وأطلع شمس فخره في أفق العلى ساطعة الشعاع ، ووصل حسبه ونسبه يوم القيامة بعدم الانقطاع فهذا أكرم البرية نفسا وآلا ، وأفضلها حالا ومآلا وأتم العالم جمالا ، وأكمله تفصيلا واجمالا ، فصل اللهم عليه صلاة تجارى سابق فخره . وتبارى باسق قدره ، وعلى آله المتفرعين من دوحة نبوته ، المترفعين إلى ذروة الشرف بمنحة نبوته ، وعلى أصحابه المغترفين من شرب العناية ، المعترفين بنشر القبول من مهب الرعاية ، ما أضحك مدمع السحاب ثغور الروض ، واتصل حبلا العترة والكتاب حتى يردا على الحوض . أما بعد : فان علم النسب علم عظيم المقدار ، ساطع الانوار ، أشار الكتاب الآلهى إليه فقال سبحانه وتعالى : " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " . وحث النبي الامي عليه ، فقال : " تعلموا أنسابكم لتصلوا أرحامكم " ، لاسيما نسب آل الرسول عليه السلام ، لوجوب توخيهم بالاجلال والاعظام ، كما وضح فيه البرهان ، ودل عليه القرآن ، وكيف لاوهم خيرة الله التى اختارها ورفع في البلاد والعباد منارها ، ولم تزل أنسابهم التى إليها يعتزون على تطاول الايام مضبوطة ، وأحسابهم التى بها يتميزون على تداول الاقوام عن الخلل / صفحة 18 / محوطة " إلا أنى رأيت أوان تغربي في أكثر البلاد التى وطئتها تشابها عظيما بين الهجان والهجين . وتساويا شديدا بين اللجين واللجين . يكابر الدعى العلوى فلا ينكر عليه ، ويتنازعان الشرف فما من عارف بشأنهما يرجعان إليه وكثيرا يتعصب في الظاهر للدعى ، توصلا بذلك إلى الطعن في آل النبي ( ع ) وكم من قائل ، لو عرفت سيدا صحيح النسب لتبركت بترابه ، ووضعت خدى تواضعا على عتبة بابه ، هذا لعمر الله محض اللجاج ، والعناد الذى لا يطمع له في علاج ، هذه بيوتات العلوية العارية عن العار متوافرة ، وقبايل الفاطمية الطاهرة عن الغبار متكاثرة ، وقد قام بتصحيح اتصالهم في زمان علامون من الامة ، ونهض بتنقيح حالاتهم في كل أوان فهامون من الائمة . فحركتني العصبية وبعثتني النفس الابية . على أن أصنف في أنساب الطالبيين كتابا يجمع بين الفروع والاصول ، ويضم الاجذام إلى الذيول ، ويستوعب شعب هذا العلم ويستقصيها ولا يغادر من فوائده صغيرة ولا كبيرة إلا ويحصيها . والايام بذلك المطلب تماطل ، وتحول دون ما احاول ، حتى بعد ذلك الفن عهدي . ولم يبق منه غير أثارة عندي ، وكيف لا وأنا في زمان ظاهر الغباوة مجاهر العلم والشرف بالعداوة . قد ارتفعت فيه إرادة العلم من القلوب . وعد النسب الفاطمي من أعظم العيوب ، بحيث أشرفت أنوار الشرف أنوار الشرف على الانطماس . وآذنت آثار دروس العلم بالاندراس ، فالتمس منى أعز الناس على ، واكرمهم لدى وهو المولى الاعظم ، والماجد الاكرم . مرتضى ممالك الاسلام . مبين مناهج الحلال والحرام ، ناظم درر المواهب . في سلوك الرغايب ، ومقلد جيد الوجود بوشاح المناقب ، ملاذ قروم آل أبى طالب ، في المشارق والمغارب مفيض لجج الحقايق بجواهر المطالب ، على الاباعد والاقارب . الغنى / صفحة 19 / عن الاطناب في الالقاب ، بكمال النفس وعلو الجناب : تجاوز قدر المدح حتى كأنه بأحسن ما يثنى عليه يعاب المؤيد بكواكب العز والتمكين ، نور الحقيقة والدين ، جلال الدين الحسن بن على بن الحسن بن على بن الحسن بن محمد بن على بن أحمد ابن على بن على بن الحسن بن الحسن بن يحيى بن الحسين بن أحمد المحدث بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن على زين العابدين المعصوم بن الحسين بن على بن أبى طالب عليه السلام زيدت فضائله وإفضاله ، أن أهز صارم الصريمة وأوجه وجه العزيمة إلى جمع مختصر يجمع نسب الطالبية وقواعده ، ويحوى خفى أسراره ويضبط معاقده ، منبها على ما وقفت عليه من خلاف مشيرا إلى ما كان من نفى أو غمز بانصاف ، أنقل كلام الرواة كما وقع إلى ، وأتحرى نصوص الثقات كما يجب على ، لم أتعمد إثباتا لمنفى ولا نفيا لثابت ، ولم أقصد من عندي إيضاحا لخفى ولا طعنا في غير متهافت ، بل اعتمد على الحق الصريح ، وأتحرى الصدق في إبطال وتصحيح ، فجاء بحمد الله كتابا نفيس المطالب ، كما يفرح الطالب في أنساب آل أبى طالب . قرب إلى إيجاز الالفاظ إطناب المعاني واحتوى على مهمات الضوابط مع سهولة المباني . يحتاج المبتدى إلى مطالعته . ولا يستغنى المنتهى عن مراجعته ، وحيث وجب التوفيق بين المسمى واسمه انتخب له اسما علما منى بأنه نعم علما موافقا فسميته ( عمدة الطالب ) في نسب آل أبى طالب ثم أهديته إلى الحضرة العلية . علما منى بأنه نعم الهدية فانه لا ينبغى لاحد بعده و ( معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ) . وأنا أرجو أن يتلقاه من القبول قبائل وييسر منه إلى السؤل وسائل : / صفحة 20 / وما أنا بالباغى على الحب رشوة ضعيف هوى يبغى عليه ثواب وما شئت إلا أن أدل عواذلى على أن رأيى في هواك صواب وأعلم قوما خالفوني ويمموا سواك بأنى قد ظفرت وخابوا فما أجود ذلك المجلس الشريف بالاعجاب بهذا الكتاب ، وما أجدر هناك المحل المنيف بأن يحقق لديه الانتساب ، وقد رتبته على مقدمة وثلاثة أصول وجعلت كل أصل فصولا إعانة للسالك على الوصول ، وهذا أوان الشروع في المرام ، متوكلا على الملك العلام ، إنه باغاثة من توكل عليه كفيل وهو سبحانه حسبنا ونعم الوكيل ،
أما : المقدمة ففى إسم أبى طالب ونسبه ، أما اسمه فقيل ، إنه عمران . وهى رواية ضعيفة رواها أبو بكر محمد بن عبد الله العبسى الطرطوسى النسابة . وقيل : اسمه كنيته ويروى ذلك عن أبى على محمد بن ابراهيم بن عبد الله بن جعفر الاعرج ابن عبد الله بن جعفر قتيل الحرة ابن أبى القاسم محمد بن على بن أبى طالب النسابة وله مبسوط في علم النسب ، وزعم ! انه رأى خط أمير المؤمنين على عليه السلام في آخره : ( وكتب على بن أبو طالب ) . ( مصحف بخط على عليه السلام احترق ) وقد كان بالمشهد الشريف الغروى مصحف في ثلاث مجلدات بخط / صفحة 21 / أمير المؤمنين على عليه السلام احترق حين احترق المشهد سنة خمس وخمسين وسبعمائة ، يقال انه كان في آخره : وكتب على بن أبو طالب . ولكن حدثنى السيد النقيب السعيد تاج الدين أبو عبد الله محمد بن القاسم بن معية الحسنى النسابة ، وجدى لامى المولى الشيخ العلامة فخر الدين أبو جعفر محمد بن الحسين ابن حديد الاسدي رحمه الله : أن الذى كان في آخر ذلك المصحف على بن أبى طالب ، ولكن الياء مشتبهة بالواو في الخط الكوفى الذى كان يكتبه على عليه السلام . وقد رأيت أنا مصحفا بالمذار في مشهد عبيد الله بن على بخط أمير المؤمنين عليه السلام في مجلد واحد في آخره بعد تمام كابة القرآن المجيد : " بسم الله الرحمن الرحيم كتبه على بن أبى طالب " . ولكن الواو تشتبه بالياء في ذلك الخط كما حكياه لى عن المصحف بالمشهد الغروى ، واتصل بى بعد ذلك أن مشهد عبيد الله احترق واحترق المصحف الذى فيه ، والصحيح أن اسم أبى طالب عبد مناف وبذلك نطقت وصية أبيه عبد المطلب حين أوصى إليه برسول الله صلى عليه وآله وسلم وقوله : أوصيك يا عبد مناف بعدى بواحد بعد أبيه فرد وقوله : وصيت من كنيته بطالب عبد مناف وهو ذو تجارب وكان أبو طالب مع شرفه وتقدمه جم المناقب غزير الفضائل ، ومن أعظم مناقبه كفالته رسول الله صلى الله عليه وآله قيامه دونه ومنعه إياه من كفار قريش حتى حصروه في الشعب ثلاث سنين مع بنى هاشم عدا أبى / صفحة 22 / لهب ، وكتبوا صحيفة أن لا يبايعوا بنى هاشم ولا يناكحوهم ولا يوادوهم وعلقوها في الكعبة والقصة مشهورة لا يليق ذكرها بهذا المختصر ، ومن أشعاره في ذلك : ألا أبلغا عنى على ذات رأيها قريشا ، وخصا من لوى بنى كعب ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا نبيا كموسى خط في أول الكتب وله من أخرى : تريدون أن نسخو بقتل محمد ولم تختضب سمر العوالي من الدم وترجون منا خطة دون نيلها ضراب وطعن بالوشيج المقوم كذبتم وبيت الله لا تقتلونه وأسيافنا في هامكم لم تحطم إلى غير ذلك ، ولما اجتمعت قريش على عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسألت أبا طالب أن يدفعه إليهم وتحالفوا على ذلك وخشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التى يعوذ فيها بحرم مكة الشريف ويذكر مكانه منها ، ويذكر فيها أشراف قريش وهو مع ذلك بخبرهم وغيرهم أنه غير مسلم رسول الله صلى عليه وآله وسلم ولا تاركه لشئ ابدا ، وهى طويلة جدا منها : كذبتم وبيت الله يبزى محمد ولما نطا عن دونه ونناضل / صفحة 23 / ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل فأيده رب العباد بنصره وأظهر دينا حقه غير باطل ومن قوله لابنيه على وجعفر : إن عليا وجعفرا ثقتى عند ملم الخطوب والكرب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما أخى لامى من بينهم ، وأبى إلى غير ذلك ومن مناقبه : انه أستسقى بعد وفاة أبيه عبد المطلب فسقى وأم أبى طالب فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم بن مرة بن كعب بن لوى بن غالب . وفاطمة هذه ايضا أم عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم يشركهما في ولادتها غير الزبير بن عبد المطلب وقد انقرض الزبير ، وهذه فضيلة عظيمة إختص بها أبو طالب وولده دون باقى بنى عبد المطلب ، وأما نسبه : فهو ابن عبد المطلب ، واسمه شيبة ويقال ، شيبة الحمد ، وقد قيل : إن اسمه عامر ، والصحيح الاول ، ويقال : سمى شيبة لانه ولد وفى رأسه شعرة بيضاء . ويكنى أبا الحارث ، ويلقب الفياض لجوده ، وإنما سمى عبد المطلب لان أباه هاشما مر بيثرب في بعض أسفاره فنزل على عمرو بن زيد ، وقيل زيد بن عمرو بن خداش بن امية بن لبيد بن غنم بن عدى بن النجار وراوي الاول يقول : عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمر بن الخزرج وهو المعتمد ، فرأى ابنته سلمى / صفحة 24 / فخطبها إليه فزوجه إياها وشرط عليه أنها إذا حملت أتى بها لتلد في دار قومها وبنى عليها هاشم بيثرب ومضى بها إلى مكة فلما أثقلت أتى بها إلى يثرب في السفرة التى مات فيها ، وذهب إلى الشام فمات هناك بغزة من أرض الشام . وولدت سلمى عبد المطلب وشب عند أمه فمر به رجل من بنى الحارث بن عبد مناف وهو مع صبيان يتناضلون فرآه أجملهم وأحسنهم إصابة وكلما رمى فأصاب قال : أنا ابن هاشم سيد البطحاء ، فاعجب الرجل ما رأى منه ودنا إليه وقال : من انت ؟ قال : أنا شيبة بن هاشم ، أنا ابن سيد البطحاء بن عبد مناف . قال : بارك الله فيك وكثر فينا مثلك . قال : ومن أنت يا عم ؟ قال : رجل من قومك . قال : حياك الله ومرحبا بك . وسأله عن أحواله وحاجته فرأى الرجل منه ما أعجبه فلما أتى مكة لم يبدأ بشئ حتى أتى عبد المطلب بن عبد مناف فأصابه جالسا في الحجر فخلا به وأخبره خبر الغلام وما رأى منه فقال المطلب : والله لقد أغفلته . ثم ركب قلوصا ولحق بالمدينة وقصد محلة بنى النجار فإذا هو بالغلام في غلمان منهم فلما رآه عرفه وأناخ قلوصه وقصد إليه فأخبره بنسبه ( بنفسه خ ل ) وانه قد جاء للذهاب به ، فما كذب ان جلس على عجز الرحل وركب المطلب القلوص ومضى به ، وقيل : بل كانت امه قد علمت بمجيئ المطلب ونازعته فيه فغلبها عليه ومضى به إلى مكة وهو خلفه ، فلما رأته قريش قامت إليه وسلمت عليه وقالوا : من أين أقبلت ؟ قال من يثرب . قالوا : ومن هذا الذى معك ؟ قال : عبد ابتعته . فلما اتى محله اشترى له حلة ألبسه إياها وأتى به مجلس بنى عبد مناف ، فقال : هذا ابن أخيكم هاشم . وأخبرهم خبره فغلب عليه المطلب لقول عمه إنه عبد ابتعته ، وساد عبد المطلب قريشا وأذعنت له سائر العرب بالسيادة والرياسة وأخباره مشهورة مع أصحاب الفيل وفى حفر زمزم وفى سقياه حين استسقى مرتين مرة لقريش ومرة لقيس إلى غير ذلك من فضائله واخباره . / صفحة 25 / وأشعاره تدل على أنه كان يعلم أن سبطه محمدا نبى وهو ابن ( هاشم ) واسمه عمرو ويقال له عمرو العلى ، ويكنى أبا نضلة ، وإنما سمى هاشما لهشمه الثريد للحاج وكانت إليه الوفادة والرفادة ، وهو الذى سن الرحلتين رحلة الشتاء إلى اليمن والعراق ورحلة الصيف إلى الشام ، ومات بغزة من أرض الشام ، وفيه يقول مطرود بن كعب الخزاعى : عمرو العلى هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف وكان هاشم يدعى القمر ويسمى زاد الركب وقد سمى بهذا آخرون من قريش ايضا ، وهو ابن ( عبد مناف ) واسمه المغيرة ، وإنما سمته عبد مناف أمه : ومناف اسم صنم كان مستقبل الركن الاسود ، وكان يدعى القمر لجماله ويدعى السيد لشرفه وسؤدده ، وهو ابن ( قصى ) واسمه زيد ، وانما سمى قصيا لان امه فاطمة بنت سعد بن شبل الازدية من أزد شنؤه ، تزوجت بعد أبيه كلاب بن ربيعة بن حزام بن سعد بن زيد القضاعى ، فمضى بها إلى قومه ، وكان زهرة بن كلاب كبيرا فتركته عند قومه وحملت زيدا معها لانه كان فطيما فسمى قصيا ، لانه أقصى عن داره وشب في حجر ربيعة بن حزام بن سعد لا يرى إلا أنه أبوه إلى أن كبر فتنازع مع بعض بين عذرة فقال له العذري : الحق بقومك / صفحة 26 / فانك لست منا ! . قال : وممن انا ؟ قال : سل أمك تخبرك . فسألها فقالت : والله أنت أكرم منهم نفسا ووالدا ونسبا ، أنت ابن كلاب بن مرة وقومك آل الله في حرمه وعند بيته ، فكره قصى المقام دون مكة فاشارت عليه أمه أن يقيم حتى يدخل الشهر الحرام ثم يخرج مع حجاج قضاعة ففعل . ولما صار إلى مكة تزوج إلى حليل بن حبشة الخزاعى ابنته جى وكان حليل يلى أمر الكعبة ، وعظم أمر قصى حتى استخلص البيت من خزاعة وحاربهم وأجلاهم عن الحرم وصارت إليه السدانة والرفادة والسقاية ، وجمع قبائل قريش وكانت متفرقة في البوادى فاسكنها الحرم ولذلك سمى مجمعا قال الشاعر : أبوكم قصى كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر وبنى دار الندوة ، وهى أول دار بنيت بمكة فلم يكن يعقد أمرا تجتمع فيه قريش إلا فيها ، فصار له مع السدانة والرفادة والسقاية النداوة واللواء ، وهو ابن ( كلاب ) واسمه حكيم ، وانما سمى كلابا لانه كان يحب الصيد فجمع كلابا كثيرة يصطاد بها وكانت إذا مرت على قريش قالوا هذا كلاب بن مرة يعنون حكيما فغلبت عليه وفيه يقول الشاعر : حكيم بن مرة ساد الورى ببذل النوال وكف الاذى أباح العشيرة إفضا له وجنبها طارقات الردى وهو ابن ( مرة ) بن كعب بن ( لوى ) بن ( غالب ) بن ( فهر ) وهو في كثير من الاقوال جماع قريش فكل من ولده فهو قرشي ، وهو ابن ( مالك ) وهو جامع قريش في قول آخر ، وهو ابن ( النضر ) واسمه قيس ، وإنما سمى النضر لوضاءته وجماله ، وهو جامع قريش في أصح الاقوال ، وانما سميت هذه القبيلة قريشا لتجمعها والتجمع والتقرش بمعنى واحد وقيل : لابل لجمعها لانهم كانوا تجارا . وقيل : بل التقرش التفحص والتفتيش ، وكان النضر أو ابنه مالك أو فهر يتفحص عن الرجال المحتاجين والمضطرين ليعينهم ، وقيل : بل كان دليلهم إلى الشام رجل / صفحة 27 / منهم يقال له قريش بن يخلد ، وكانت قافلتهم إذا قدمت قيل قدم قريش ثم غلبت على القبيلة ، والقول الاشهر : أنهم سموا باسم دابة في البحر عظيمة لا تذر شيئا الا أتت عليه يسميها أهل الحجاز القرش وتصغر وذلك لشدة هذه القبيلة وشوكتها ، وفى ذلك يقول الشاعر: وقريش هي التى تكسن البحر بها سميت قريش قريشا سلطت بالعلو في لجة البحر على ساكنى البحور جيوشا يأكل الغث والسمين ولايتر ك فيها لذى الجناحين ريشا هكذا في الانام حى قريش يأكلون الانام أكلا كشيشا ولهم آخر الزمان نبى يكثر القتل فيهم والخموشا تملا الارض خيله برجال يحشرون المطى حشرا كميشا وهو ابن ( كنانة ) ويكنى أبا قيس ، وهو ابن ( خزيمة ) بن ( مدركة ) واسمه عمرو ، وإنما سمى مدركة لان إبلا لهم نفرت فتفرقت فذهب عمرو في إثرها فأدركها فسمى مدركة ، وصاد أخوه عامر أرنبا فطبخه فسمى طابخة وانقمع أخوهما عمير في البيت فسمى قمعة ، وخرجت أمهم خلف ابنيها تسعى فقال لها ابوهم : مالك تخندفين ؟ فسميت خندف ، والخندفة نوع من المشى ، وكان مدركة يكنى أبا الهذيل ، وقيل : أبا حزيمة . وهو ابن ( الياس ) بن ( مضر ) ويقال لعقبه : مضر الحمراء وربما قيل له ذلك أيضا ، بل هو الاصل في هذه التسمية ولها قصة عجيبة مشهورة تركناها خوف الاطالة ، وهو ابن ( نزار ) / صفحة 28 / ابن ( معد ) بن ( عدنان ) إليه انتهى النبي صلوات الله وسلامه عليه في الانتساب ثم قال صلى الله عليه وآله : كذب النسابون . وفيما بعد عدنان وابراهيم عليه السلام إختلاف كثير ، وقد اشتهر فيما بين النساب : أنه ابن أد بن أدد بن اليسع ابن الهميسع بن سلامان بن النبت بن حمل بن قيذار بن اسماعيل بن ابراهيم . وروى الكلبى : أنه ابن ادد بن هميذع بن سلامان بن عوض ين ثور بن قوال بن أبى بن العوام بن ناشد بن حذار بن تدلاس بن تدلاف بن صالح بن حاجم بن ناخش بن ماحى بن عبقى بن عبقر ابن عبيد بن الدعا بن احمد بن سنتين بن تيرز بن بحرز بن ملحس بن أرغون ابن عبق بن ريسان بن عبصر بن اقتاد بن ابهامى بن مقصر بن ناحث بن رازخ ابن شما بن مزى بن عوض بن عرام بن قيذار . وعن بعض أهل الكتاب ان بورخ بن باريا كاتب أرميا قال : قال عدنان بن أدد بن هميذع بن هميسع بن سلامان بن عوض بن لوارى بن شوخى بن نعماني بن كدانى بن قلدسانى بن يدلافى بن طهبى بن بحش بن معحاكى بن عاوني بن عافادى بن ابداعى بن همداني بن بشنانى بن بترانى بن عرانى بن ملحانى بن رعوانى بن عاقاني بن ديشانى بن عاصارى بن ميادى ابن ثامانى بن مقصارى بن فاحث بن رازخ بن شما بن يزى بن صفا بن جعم ابن قيذار . وقد روى غير ذلك ، ففى هاتين الروايتين قد بلغ ما بين عدنان وابراهيم / صفحة 29 / على نبينا وعليه الصلوة والسلام أربعين رجلا ، وفى الرواية الاولى تسعة رجال وربما روى ستة رجال إلى أكثر من ذلك ، فربما وصل إلى خمسة عشر والى عشرين ، ويشبه أن تكون الروايات التى دلت على ما قل عن الاربعين مختصرة أو مصنوعة ، فان بين رسول الله صلى عليه وآله وسلم وبين عدنان عشرين ابا وبضعا ، فروايات المقلين تقتضي أن يكون بين رسول الله صلى عليه وآله وسلم وبين ابراهيم " ع " أقل من أربعين ابا ، وبعضها يوجب أقل من ثلاثين ، وبين وفاة اسماعيل عليه السلام ومولد رسول الله صلى عليه وآله وسلم ألفان وستمائة وبضع عشرة سنة ، وتناسق هذه الولادات في مقدار هذه المدة مستنكر فان أحالوا على طول الاعمار اعتبرنا من ضبط نسبه من بنى اسرائيل وهم رؤوس رجالاتهم الذين تنتهى أنسابهم إلى سليمان بن داود عليهما السلام ، فان تلك الانساب محفوظة مدونة رواية وكتابة متواترا ، فقد وجدنا بين من لحق عصر رسول الله صلى الله عليه وآله منهم وبين ابراهيم عليه السلام بضعا وستين أبا ، وهذا الاعتبار يوجب أن يكون بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين ابراهيم ( ع ) هذا القدر أو ما يقاربه لان الطرافة والعقود - وإن كانا يتفقان بقدر العادة - فيهما مضبوطة ، وانما يقع مثل ذلك ايضا في الواحد من القبيلة وفى القبيلة من الامة كما وقع لعبد الصمد بن عبد الله بن عباس ، فانه أدرك أولاد الرشيد وهو هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس ، ومتى روى في نسب عدنان روايات يوجب بعضها إتفاق ولادات بنى اسماعيل واسحاق وأوجبت الاخرى بعد التفاوت الخارج عن العادة ، فالموافق لا محالة أولى بالتقديم ولعل الاختلاف الواقع في الاسماء الواقعة في الروايتين اللتين توجبان أن بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبراهيم عليه السلام وبين عدنان أربعين ابا لاختلاف اللغتين ، ويقوى هذا ايضا اعتبارات أخر تركناها للاختصار / صفحة 30 / نسب ابراهيم الخليل عليه السلام وأما نسب ابراهيم خليل الرحمن على نبينا وعليه السلام إلى نوح " ع " ففيه ثلاث روايات أشهرها : أنه ابن ( تارخ ) بن ناحور بن شروغ بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح صاحب السفينة . ثم اختلف فيما بين نوح وآدم على نبينا وعليه السلام على خمسة أقوال أشهرها أنه نوح بن مشخد ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن اليارذ بن مهلائيل ابن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم على نبينا وعليه السلام . فهذا ما أردنا ذكره في هذه المقدمة . وقد كان أبو طالب أولد أربعة بنين طالبا وعقيلا وجعفرا وعليا رضوان الله عليهم أجمعين ، وكان كل منهم أكبر من الآخر بعشر سنين فيكون طالب أسن من على بثلاثين سنة . وبه كان يكنى أبوه وأمهم أجمع فاطمة بنت أسد ابن هاشم بن عبد مناف بن قصى ، وهى أول هاشمية ولدت لهاشمي وكانت جليلة القدر كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوها امى ، ولما توفيت صلى عليها ودخل قبرها وترحم عليها . أما طالب فأكرهته قريش على الخروج إلى بدر ففقد فلم يعرف له خبر ، ويقال إنه أكره فرسه بالبحر حتى غرق وهو القائل حين أخرجته قريش كرها : يا رب إما خرجوا بطالب في مقنب من هذه المقانب فليكن المطلوب غير الطالب والرجل المغلوب غير الغالب إلى آخره ، وليس لطالب عقب ولكل من إخوته عقب متصل ذكرناه في أصل فصارت الاصول ثلاثة :
 

 

جمعيـة تنزيـه النسـب العلـوي