13 - باب امامة موسى بن جعفر عليه السلام
56 - محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب، عن أبي جعفر الضرير، عن أبيه، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده إسماعيل ابنه، فسألته عن قبالة الارض، فأجابني فيها(1).
فقال له إسماعيل: يا أبة، انك لم تفهم ما قال لك ! قال: فشق ذلك علي، لانا كنا يومئذ نأتم به بعد أبيه، فقال: إني كثيرا ما أقول لك: (الزمني، وخذ مني) فلا تفعل.
قال: فطفق إسماعيل وخرج، ودارت بي الارض، فقلت: إمام يقول لابيه: (انك لم تفهم) ويقول له أبوه: (إني كثيرا ما أقول لك أن تقعد عندي، وتأخذ مني، فلا تفعل !) قال: فقلت: بأبي أنت وأمي، وما على إسماعيل أن لا يلزمك ولا يأخذ عنك، إذا كان ذلك وأفضت الامور إليه، علم منها الذي علمته من أبيك حين كنت مثله؟ ! قال: فقال: إن إسماعيل ليس مني كأنا من أبي.
قال: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون، فمن
___________________________________
1 - ورد هذا السؤال، والجواب عنه، بصورة كاملة في الكافي (5 / 269) عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبي نجيح عن الفيض بن المختار، ورواه في تهذيب الاحكام (7 / 199) ووسائل الشيعة (13 / 208).
(*)
[67]
بعدك؟ - بأبي أنت وأمي - فقد كانت في يدي بقية من نفسي، وقد كبرت سني، ودق عظمي، وجاء أجلي، وأنا أخاف أن أبقى بعدك.
قال: فرددت عليه هذا الكلام ثلاث مرات، وهو ساكت لا يجيبني، ثم نهض في الثالثة، وقال: لا تبرح.
فدخل بيتا كان يخلو فيه، فصلى ركعتين، يطيل فيهما، ودعا فأطال الدعاء.
ثم دعاني، فدخلت عليه، فبينا أنا عنده، إذ دخل عليه العبد الصالح، وهو غلام حدث، وبيده درة، وهو يبتسم ضاحكا.
فقال له أبوه: بأبي أنت وأمي، ماهذه المخفقة التي أراها بيدك؟ فقال: كانت مع إسحاق يضرب بها بهيمة له، فأخذتها منه.
فقال: أدن مني.
فالتزمه، وقبله، وأقعده إلى جانبه، ثم قال: إني لاجد بابني هذا ما كان يعقوب يجد بيوسف.
قال: فقلت: بأبي أنت وأمي، زدني.
فقال: ما نشأ فينا - أهل البيت - ناشئ مثله.
قال: فقلت: زدني.
قال: فقال: ترى ابني هذا؟ إني لاجد به كما كان أبي يجد بي.
قال: قلت: يا سيدي زدني.
قال: إن أبي كان إذا دعا، فأحب أن يستجاب له، وقفني عن يمينه، ثم دعا وأمنت، واني لافعل ذلك بابني هذا، ولقد ذكرتك أمس في الموقف فدعوت لك - كما كان أبي يدعو لي - وابني هذا يؤمن، وإني لا أحتشم منه كما كان أبي لا يحتشم مني.
قال: فقلت: يا سيدي زدني.
قال: أترى ابني هذا؟ إني لائتمنه على ما كان أبي يأتمنني عليه.
فقلت: يا مولاي، زدني.
فقال: إن أبي كان إذا خرج إلى بعض أرضه، أخرجني معه فرآني انعس في
[68]
الطريق(2)، أمرني فأدنيت راحلتي من راحلته، ثم وسدني ذراعي(3)، وناقتانا(4) مقترنان مايفترقان، فنكون كذلك الليلتين والثلاث، وإن ابني يصنع هذا، على ماترى من حداثة سنه، كما كنت أصنع.
قال: قلت: يا مولاي، زدني.
قال: ان أبي كان يأتمنني على كتب رسول الله صلى الله عليه وآله بخط علي بن أبي طالب عليه السلام، واني لائتمن إبني هذا عليه، فهي عنده اليوم.
قال: قلت: يا مولاي، زدني.
قال: قم، فخذ بيده فسلم عليه، فهو مولاك وإمامك من بعدي، لا يدعيها - فيما بيني وبينه - أحد الا كان مفتريا.
يا فلان، إن أخذ الناس يمينا وشمالا، فخذ معه، فانه مولاك وصاحبك، أما إنه لم يؤذن لي في أول ما كان منك.
قال: فقمت إليه، فأخذت بيده، فقبلتها وقبلت رأسه، وسلمت عليه، وقلت: أشهد أنك مولاي وإمامي.
قال: فقال لي: أجل، صدقت، وأصبت، وقد وفقت، أما إنه لم يؤذن لي في أول ما كان منك.
قال: قلت له: بأبي أنت وأمي، أخبر بهذا؟ قال: نعم، فأخبر به من تثق به، وأخبر به فلانا وفلانا - رجلين من أهل الكوفة - وأرفق بالناس، ولا تلقين(5) بينهم أذى.
قال: فقمت فأتيت فلانا وفلانا، وهما في الرحل، فأخبرتهما الخبر.
وأما فلان: فسلم وقال: سلمت ورضيت، وأما فلان: فشق جيبه وقال: لا والله، لا أسمع ولا أطيع ولا أقر حتى أسمع منه.
___________________________________
2 - وفي الكشى: فنعس وهو على راحلته.
3 - كذا في النسختين، وفى الكشى: فوسدته ذراعى.
4 - هذا هو الصحيح، وكان في النسختين: وناقتان.
5 - هذا هو الظاهر، وكان في النسختين: لا تلقون.
(*)
[69]
ثم نهض مسرعا من فوره - وكانت فيه أعرابية - وتبعته، حتى انتهى إلى باب أبي عبدالله عليه السلام. قال: فاستأذنا، فأذن لي قبله، ثم أذن له، فدخل.
فقال له أبو عبدالله عليه السلام: يا فلان (أيريد كل امرئ منكم أن يؤتى صحفا منشرة)(6)؟ إن الذي أتاك به فلان الحق، فخذ به. قال: فقلت: بأبي أنت وأمي، أنا أحب أن أسمعه من فيك.
فقال: ابني موسى (عليه السلام) إمامك ومولاك (من - خ) بعدي، لا يدعيها أحد فيما بيني وبينه إلا كاذب ومفتر.
قال: فالتفت إلي - وكان رجلا(7) له قبالات يتقبل بها، وكان يحسن كلام النبطية - فالتفت إلي فقال: (رزقه)(8).
قال: فقال أبو عبدالله: إن (رزقه) بالنبطية: خذ هذا، أجل خذها(9).
___________________________________
6 - مقتبس من الآية (52) من سورة المدثر.
7 - في النسختين: وكان رجل.
8 - كذا في البحار، في الموضعين، وكانت الكلمة مهملة في نسختي كتابنا وكأنها بالفاء.
9 - روى المسعودي في اثبات الوصية (ص 187) عن (ابراهيم بن مهزيار) بسنده مثله، وروى الصفار في البصائر (ص 336) عن محمد بن عبدالجبار، عن اللؤلؤي، عن أحمد بن الحسن، عن الفيض بن المختار، قطعة منه نحوه، ونقله عنه في البحار (47 / 83 و 48 / 14)، ورواه الكليني في الكافي (1 / 309) عن محمد بن يحيى و أحمد بن ادريس، عن محمد بن عبدالجبار بسنده كما في البصائر.
وعن الكافي في اعلام الورى (297) واثبات الهداة (5 / 470)، وروى الكشي (ص 354 رقم 663) عن جعفر بن أحمد بن أيوب، عن الميثمي، عن ابن أبي نجيح، عن الفيض بن المختار، وعنه، عن علي بن اسماعيل، عن أبي نجيح عن الفيض، مثله، وعنه البحار (48 / 26) وروى في ارشاد المفيد (324) عن عبد الاعلى عن الفيض، قطعة منه.
واعلم أن الكشي ذكر (في الموضع المذكور) أن الفيض هو أول من سمع من أبي عبد الله عليه السلام نصه على ابنه موسى بن جعفر عليه السلام، وبما أنا لا نحتمل التعدد في رواية هذا الحديث الطويل، فان من المحتمل قويا أن يكون (أبوجعفر الضرير) هو محمد بن الفيض بن المختار، راويا عن أبيه الفيض.
وأما ما ذكره النجاشي في ترجمة الفيض من رجاله (ص 240) من أن الفيض بن المختار له كتاب يرويه ابنه جعفر، فنحتمل فيه التصحيف، وأن الصحيح: ابنه (أبو) جعفر.
وذلك لانا لم نجد للفيض ابنا يروي الحديث غير (محمد) وقد جاءت روايته في الاقبال (ص 10) في زيارة = *)
[70]
57 - محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد(10)، قال: قال أبو عبدالله عليه السلام يوما، ونحن عنده، لعبد الله: اذهب في حاجة كذا وكذا، فقال له: وجه فلانا، فانه لا يمكنني، ونحو ذلك، قال: فرأيت الغضب في وجه أبي عبدالله عليه السلام، وهو يقول: اللهم العنه، أبى الله أن لا يعبد، وان رغم أنفك، يا فاجر.
ثم دعا أبا الحسن موسى عليه السلام، فقال لنا: عليكم بهذا بعدي، فهو - والله - صاحبكم(11).
58 - وعنه، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن حمزة القمي، عن محمد بن علي بن إبراهيم القرشي، عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام، يقول: لعن الله عبدالله، فلقد كذب على أبي عليه السلام، فادعى أمرا كان لله سخطا في السماء(12).
___________________________________
= الصادق عليه السلام نقله في البحار (ج 101 / ص 98) كما انا لا نجد لجعفر بن الفيض ذكرا في كتب الرجال، بل المذكور، هو محمد بن الفيض بن المختار، كما في رجال الشيخ (ص 298 رقم 287) مضافا إلى أن المسمى بمحمد يكنى بأبي جعفر عادة.
10 - لاحظ الحديث (65) المتحد مع هذا الحديث سندا في صفوان وما بعده، كما أن الهدف منهما واحد، وهو تحرز الامام عليه السلام من عبدالله، والسعي في ابعاده عن الحديث المتداول بين الامام وأصحابه.
11 - ورواه الكليني في الكافي (1 / 310) عن أحمد بن ادريس عن محمد بن عبدالجبار، عن (صفوان) بسنده، وأورد ذيله من قوله ثم دعا ... - الخ - ونقله عنه في البحار: 48 ص 19 ح 25.
12 - لم نعثر له على مصدر تخريج.
(*)
[71]