
وروَوْا :أن رجلاً حضرته الوفاة فوصّى بجُزء من ماله ولم يُعَيّنه ،
فاختلف الوُرّاث بعده في ذلك ، وترافعَوا إلى أمير المؤمنين عليه السَلام
فقضى عليهم بإخراج السُبع من ماله وتلا عليه السلام قولَه عزّ اسمه :
(
لَهَا سَبْعَةُ اَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْء مَقْسُومٌ)(1) (2).
وقضى عليه السلام في رجل وَصّى عند الموت بسَهْم من ماله ولم
يُبَيّنه ، فلمّا مضى اختلف الوَرثة في معناه ، فقضى عليه السلام بإِخراج
الثًمن من ماله ، وتلا قولَه جلت عَظَمته : (اِنّما ألصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء
والمساكينِ وَالعَامِلينَ عَلَيْهَا)(3) إلى آخر الآية ، وهم ثمانيةُ أصناف لكل
صنفٍ منهم سَهْمٌ من الصدقات (4).
وقضى عليه السلام في رجل وَصّى فقال : اعتقوا عني كلّ عبد
قديم في ملْكي ، فلمّا مات لم يَعْرِف الوصيّ ما يَصْنَع ، فساله عن ذلك
فقال : «يعْتِقَ عنه كلَّ عبدٍ له في ملكه ستّة أشهُر» وتلا قوله تعالى :
(وَالْقَمَرَ قَدَرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَديم) (5) وقد ثبت أنّ
العُرْجون إنما ينتهي إلى الشبه بالهلال في تقوّسه وضؤولته بعد ستة
_________
=
40 : 264 / ذح 33و 104 : 395 / ذح 34.
(1) الحجر15 : 44 .
(2) روي نحوه في كنز الفوائد 2 : 99 ، مناقب ال أبي طالب 2 : 382 ، ونقله العلامة
المجلسي في البحار 40 : 34/265 .
(3) التوبة 9 : 60 .
(4) روي نحوه في كنز الفوائد 2 : 99 ، مناقب آل أبي طالب 2 : 382 ، ونقله العلامة
المجلسي في البحار 40 : 265 / 34.
(5) يس 36 : 39 .
( 222 )
أشهُرمن أخذ الثمرة منه
(1) .

وقضى عليه السلام في رجل نذرأن يصوم حيناً ولم يُسَمّ
وقتاً بعينه ، أن يصوم ستّة أشهر ، وتلا قوله تعالى ذكره : (
تُؤْتي أُكُلَهَا
كُلَّ حينٍ بإِذْنِ رَبِّهَا)(2) وذلك في كلّ ستة أشهر(3) .
وجاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّه كان بين
يدي تمر ، فبدرت زوجَتي فأخذت منه واحدةً فألقتها في فيها ، فحلفْتُ أنها لا
تأكلها ولا تَلْفِظها ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «تأكل نصفها
وترمي نصفها ، وقد تخلّصْتَ من يمينك»(4) .
وقضى عليه السلام في رجل ضرب امرأة فألقت عَلَقَةً أنّ عليه
ديتها أربعين ديناراً ، وتلا قوله عزّ وجلّ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأنْسَانَ مِنْ
لسُلالَةٍ مِنْ طينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا
ألنّطْفَةَ عَلَقَةً فخًلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فخلقنا المضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَلمَ لَحمَاً ثُمَّ أنْشأناه
خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَك اللهُ اَحْسَنُ الْخَالِقينَ )(1) ثمّ قال : «في النُطْفة عشرون
ديناراً ، وفي العَلَقَة أربعون ديناراً ، وفي المُضْغَة ستّون ديناراً ، وفي
العَظْم قَبْلَ أن يستوي خَلْقاً ثمانون ديناراً ، وفي الصورة قبل أن
_________
(1) كنز الفوائد 2 : 99 ، مناقب آل أبي طالب 2 : 382 باختلاف يسير ، ونقله العلامة
المجلسي في البحار 40 : 265 .
(2) ابراهيم 14 : 25.
(3) ورد مختصراً في تفسير العياشي 2 : 224 ، مناقب آل أبي طالب 2 : 382 ، ونقله العلامة
المجلسي في البحار 40 : 266 / ذح 34.
(4) نقله العلامة المجلسي في البحار 40 : 35/266 .
(5) المؤمنون 23 : 12 - 14 .
( 223 )
تلِجَها الروح مائةُ دينار ، وإذا وَلجتها
(1) الروح كان فيها ألفُ دينار»
(2) .
فهذا طرف من ذكر قضاياه عليه السلام وأحكامه الغريبة
التي لم يَقْضِ بها أحدٌ قبله ، ولا عرفها من العامّة والخاصّة أحد إلاّ
عنه ، واتّفقت عترته على العمل بها ، ولو مُني غيره بالقول فيها لظهر
عجزه عن الحقّ في ذلك ، كما ظهر فيما هو أوضح منه ، وفيما أثبتناه
من قضاياه على الاختصار كفاية فيما قصدناه إن شاء الله.
فصل
في مختصر من كلامه عليه السلام
في وجوب المعرفة بالله والتوحيد له ونفي التشبيه عنه
والوصف لعدله وصُنوف الحكمة والدلائل والحجّة

فمن ذلك ما رواه أبو بكر الهُذَليّ ، عن الزهري وعيسى بن يزيد ،
عن صالح بن كيسان : أنّ أميرَ المؤمنين عليه السلام قال في الحَثّ على
معرفة الله تعالى والتوحيد له : «أوّلُ عبادةِ الله معرفتُه ، وأصلُ معرفته
توحيدُه ، ونظامُ تَوْحيدِه نفيُ التشبيه عنه ، جَلَّ عَنْ أنْ تَحلّه
الصفات ، لشهادة العقُول أنَّ كلَّ مَنْ حَلّته الصفات مصنوعٌ ، وشهادةِ
العقول أنّه - جَلّ جلالُه - صانع ليس بمصنوع ، بصُنْع الله يُسْتدَلّ
_________
(1) في الاصل : ولجها ، واثبتنا ما في نسخة البحار.
(2) نقله العلامة المجلسي في البحار 40 : 266/ ذ ح 35 و 104 : 426 / 7.
( 224 )
عليه ، وبالعقول تُعْتَقَد معرفتُه ، وبالنظر تَثْبُتُ حجَّتُه ، جَعَل الخلقَ
دليلاً عليه ، فكشَفَ به عن رُبُوبيّته ، هو الواحد الفَرْد في أزَليّته ، لا
شريكَ له في إلهيّته ، ولأ نِدّ له في ربُوبيّته ، بمضُادّته بينَ الأشياءِ
المتَضادة عُلِمَ أنْ لا ضِدَّ له ، وبمُقارَنَته بينَ الأمور المُقْترِنة عُلِمَ أنْ
لا قرينَ له»
(1).

في كلام يطول بإِثباته الكتاب .

وممّا حفظ عنه عليه السلام في نفي التشبيه عن الله عز اسمه ، ما
رواه الشعبي قال : سمع أميرُ المؤمنين عليه السلام رجلاً يقول : والذي
احْتَجَب بسبع طباق ، فعلاه بالدرّة
(2) ، ثمّ قال له : «يا ويلك ، إنّ الله
أجلّ من أن يحتجب عن شيء ، أويحتجب عنه شيء ، سبحان الذي
لا يَحْوِيه مكان ، ولا يَخْفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء» فقال
الرجل : أفأُكَفِّر عن يميني ، يا أميرَ المؤمنين ؟ قال : «لا لَمْ تحلف بالله
فتَلْزَمُك كفّارة ، وانّما حلفتَ بغيره»
(3) .

وروى أهل السيرة وعلماء النقلة : انّ رجلاً جاء إِلى أميرالمؤمنين عليه
السلام فقال له : يا أميرالمؤمنين ، خبّرني عن الله تعالى ، أرأيته حين
_________
(1) وردت الخطبة في الاحتجاج : 200 ، وباختلاف يسير في تحف العقول : 43 ،
وبعضها في الكافي 1 : 4/108 ، التوحيد : 308 ، وامالي المرتضى 1 : 103 ، ونهج
البلاغة 2 : 144 / 181 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 4 : 253 .
(2) الدِرّة : التي يًضرب بها «الصحاح - درر - 2 : 656» .
(3) ورد نحوه في الغارات 1 : 112 ، والتوحيد : 184 ، ونثر الدر 1 : 296 ، وذكره المؤلف
باختلاف يسير في الفصول المختارة : 38 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 3 : 310 / 3
و 104 : 205 / 1.
( 225 )
عبدتَه ؟ فقال له أمير إلمؤمنين عليه السلام : «لم أكُ بالذي
(1) أعْبُدُ مَنْ لم
أرَه» فقال له : كيف رأيتَه ؟ فقال له : «يا وَيحَك لم تَرَه العيون
بمشاهَدَة الأبصار ، ولكنْ رأته القلوب بحَقائق الإيمان ، معروفٌ
بالدِلالات ، منعوتٌ بالعلامات ، لا يُقاس بالناس ، ولا تُدركه الحواسّ»
فانصرف الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالاته
(2) .

وفي هذا الحديث دليل على أنّه عليه السلام كان ينفي عن الله
سبحانه رؤية الأبصار.

وروى الحسن بن أبي الحسن البصري قال : جاء رجل إِلى أمير
المؤمنين عليه السلام بعد انصرافه من حرب صِفّين فقال له : يا أمير
المؤمنين ، خَبِّرنا عمّا كان بيننا وبين هؤلاء القوم من الحرب ، أكان ذلك
بقضاء من الله تعالى وقَدَر؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «ما
عَلَوْتم تَلْعَةً ولا هَبَطْتُم وادياً ، إلاّ وللهّ فيه قضاء وقَدَر» فقال الرجل :
فعند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين ، فقال له : «ولِمَ ؟» قال : إذا
كان القضاء والقدر ساقانا إلى العمل ، فما وجهُ الثواب لنا على
الطاعة؟ وما وجهُ العقاب لنا على المعصية؟ فقال له أمير المؤمنين عليه
السلام : «أوَظَنَنْت يا رجَلُ أنّه قضاء حَتْم ، وقدرٌ لازم ، لا تظُنَّ
ذلك فإِنّ القولَ به مقالُ عَبَدَةِ الأوثان ، وحِزْب الشيطان ، وخُصَماء
الرحمن ، وقَدَريَةِ هذه الأُمّةِ ومَجُوسِها ، إِنّ الله جلَّ جلاله أمَرَ تخييراً ،
ونهى تحذيراً ، وكلّف يَسيراً ، ولم يُطَع مُكْرهاً ، ولم يًعْصَ مغلوباً ،
_________
(1) بالذي : سقطت من «ش» و «م» واثبتناها من «ح» .
(2) الاحتجاج : 209 ، وامالي المرتضى 1 : 104 ، وفيه : عن الامام الصادق عليه السلام .
ونقله العلامة المجلسي في البحار 4 : 8/32.
( 226 )
ولم يَخْلق السماء والأرض وما بينهما باطلاً (
ذَلِكَ ظَنُّ ألذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النار)(1)» فقال له الرجل : فما القضاء
والقَدَر الذي ذكرتَه يا أمير المؤمنين ؟ قال : «الأمرُ بالطاعة ، والنهيُ عن
المعصية ، والتمكينُ من فعل الحسنة وترك السيئة ، والمعونةُ على القربة
إِليه ، والخِذْلانُ لمن عصاه ، والوعدُ والوعيدُ والترغيبُ والترهيبُ ،
كلُّ ذلك قضاء الله في أفعالِنا وقدرهُ لأعمالِنا ، فأمّا غيرذلك فلا
تظنّه ، فإِنّ الظن له مُحبِط للأعمال» فقال الرجل : فرّجتَ عنّي يا أميرَ
المؤمنين فرَّج الله عنك ، وأنشأ يقول :
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته * يومَ المَآب مِنَ الرَّحمن غفْرانا
أوضحتَ مِنْ دينِنا ما كان مُلْتَبِساً * جزاك ربًك بالإحسانِ إحسانا(2)

وهذا الحديث موضح عن قول أمير المؤمنين عليه السلام في
معنى العدل ، ونفي الجبر ، وِاثبات الحكمة في أفعال الله تعالى ، ونفي
العبث عنها .
_________
(1) ص 38 : 27.
(2) التوحيد : 380 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 138 ، مصباح الأنوار : 187 ،
الفصول المختارة : 42 ، تحف العقول : 349 ، الاحتجاج : 208 باختلاف في الالفاظ ،
ونقله العلامة المجلسي في البحار5 : 125 /74.
( 227 )
فصل
ومن كلامه عليه السلام في مدح العلماء
وتصنيف الناس وفضل العلم والحكمة

ما رواه أهل النقل عن كُمَيل بن زياد - رحمه الله -أنّه قال : أخذ
بيدي أميرُ المؤمنين عليه السلام ذاتَ يوم من المسجد حتّى أخْرَجَني
منه ، فلمّا أصْحَرَ تَنَفّس الصُعَداء ثمّ قال : «يا كميل ، إِنّ هذه
القلوب أوعِيَةٌ ، فخيرُها أوعاها ، احفَظْ عنّي ما أقولُ :

الناسُ ثلاثة : عالمٌ ربّاني ، ومُتعلِّم على سبيل نَجاة ، وهَمَج
رَعاع أَتباعُ كلِّ ناعقٍ ، يميلون مع كلِّ ريحٍ ، لم يَسْتضيؤوا
بنور العلم ، ولم يَلجؤوا إِلى رُكنٍ وَثيقٍ.

يا كميل ، العلم خيرٌ من المال ، العلمُ يَحْرسك ، وأنت
تَحْرس المال ، والمال تَنْقُصُه النفقة ، والعلم يَزْكو على الإنفاق .
يا كميل ، صُحْبَة العالم
(1) دِينٌ يُدان به ، وبه تَكْمِلةُ
الطَاعَة في حَياته ، وجميلُ الأحدُوثَةِ بعد مَوْته ، والعلم حاكم والمال
محكوم عليه .

يا كميل ، مات خُزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماءُ باقون ما
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : محبة العالم.
( 228 )
بقيَ الدَهر ، أعيانُهم مفقودةٌ وأمثالهُم في القلوب موجودة ، هاه هاه
إِنّ هاهنا علماً جَمّاً - وأشار بيده إِلى صدره - لوأصَبتُ له حَمَلَةً ، بل
أُصيب لَقِناً غيرَ مأمونٍ ، يَسْتَعمِلُ الة الدين للدنيا ، ويستظهرُ
بحُجَج الله على أوليائه ، وبنِعَمِه على كتابه ؟أومُنْقاداً للحكمة لا بصيرةَ
له في اخباته ، يَقْدَحُ الشكً له في قلبه بأوّل عارضٍ من شبهة ،ألا لاذا
ولا ذاك ، فمنهوم
(1) باللذاتِ سَلِسُ القِياد للشهوات ، أو مُغْرم
(2) بالجمع
والادّخار ، ليسا منِ رُعاة الدين ، أقربُ شَبَهاً بهما الأنعامُ السائِمة ،
كذلك يَموت العلم بموت حامليه ، اللّهم بلى ، لا تَخْلُو الأرضُ
من حجّة لك على خلقك ، إِمّا ظاهراً معلوماً أو خائِفاً (مغموراً ،
لئلا)
(3) تبْطُل حُججك وبيناتُك ، وأين أُولئك ؟ الأقلَّون عَدَداً ،
الأعظمون قَدْراً ، بهم يَحْفَظُ اللهُ تعالى حُجَجَه حتّى يوُدِعوها قلوبَ
أشباههم ، هَجَمَ بهم العلمُ على حقائق الايمان ، فاستلانوا رُوْحَ اليقين ،
فأنِسوا بما استوحش منه الجاهلون ، واستلانوا ما استَوْعَره المُتْرَفون ،
صَحِبُوا الدنيا بأبدان أرواحُها معلّقةٌ بالمحلّ الأعلى ، أُولئك خلفاءُ
الله في أرضه ، وحُجَجُه على عباده - ثمّ تنفس الصعداء وقال - هاه
هاه ، شَوْقاً إِلى رُؤيتهم» ونَزَع يده عن يدي وقال لي : «انصَرِفْ إِذا
شئت»
(4) .
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : فمنهوماً.
(2) في «م» وهامش «ش» : مغرماً.
(3) في هامش «ش» : مغلوباً كي لا.
(4) الغارات 1 : 148 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 205 ، العقد الفريد 2 : 81 ، الخصال :
186 / 257 ، كمال الدين : 290 ، تحف العقول : 113 ، آمالي المفيد : 247 / 3 ، امالي
الطوسي 1 : 19 ، تاريخ بغداد 6 : 379 وفيه الى قوله : . . يستعمل آلة الدين في الدنيا ،
=
( 229 )
فصل
ومن كلامه عليه السلام في الدُعاء
إلى معرفته وبيان فضله وصفة العلماء ،
وما ينبغي لمتعلّم العلم أن يكون عليه

ما رواه العلماء بالأخبار في خُطبةٍ تركنا ذكرَ صدرِها إلى قوله : «والحمد للّه
الذي هدانا من الضَلالة ، وبصّرنا من العَمى ، ومَنَّ علينا
بالإسلام ، وجَعَل فينا النُبوّة ، وجعلنا النُجَباء ، وجعل أفراطَنا
أَفراط الأنبياء ، وجعلنا خيرَ أُمّة أُخْرِجَتْ للناس ، نأمُرُ بالمعروف ،
وتنهى عَنِ المنكر ، ونعبدُ الله ولانُشْرِكُ به شيئاً ، ولا نَتّخِذُ من دونِهِ
وَليّاً ، فنحن شهداءُ الله ، والرسولُ شهيدٌ
(1) علينا ، نَشْفَعُ فنُشَفَّعُ
فيمن شَفَعْنا له ، وندعو فيستَجاب دعاؤنا ويُغْفَر لمن ندعو له
ذنوبه ، أخْلَصنا للهِّ فلم ندع من دونه وَليّاً.

أيّها الناس ، تعاوَنوا على البرّ والتقوى ، ولا تَعاوَنُوا على الاثم
والعُدوان ، واتّقوا الله إِنّ الله شديدُ العقاب .

أيّها الناسُ إنّي ابن عمِّ نبيّكم ، وأولاكم بالله ورسوله ،
فاسالوني ثمّ اسالوني ، فكانّكم بالعلم قد نَفِدَ ، وإِنّه لا يَهلِك
_________
=
مناقب الخوارزمي :365 / 383 ، والتفسير الكبير للفخر الرازي 2 : 192 وفيهما الى قوله :
والمال محكوم عليه .
(1) في هامش «ش» : شاهد.
( 230 )
عالمٌ إِلاّ هَلَكَ معه بعضُ علمه ، وِإنّما العلماء في الناس كالبَدْر في
السماء ، يَضِيء نورُه على سائر الكواكب ، خذوا من العلم ما بدا
لكم ، وِإيّاكم أن تطلبوه لخِصالٍ أربع : لتُباهوا به العُلَماء ، أو تُماروا
به السُفهاء ، أو تراؤا به في المجالس ، أو تَصرِفوا وجوه الناس إِليكم
للترؤّس ، لا يَستوي عندالله في العقوبة الذين يعلمون والذين لا
يعلمون ، نَفَعَنا اللهُ وِايّاكم بما عَلِمْنا ، وجَعَلَه لوجْهِهِ خالِصاً إِنّه
سميعٌ مجيبٌ»
(1) .
فصل
ومن كلامه عليه السلام في صفة العالم وأدب المتعلم

ما رواه الحارث الأعور قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول :
«من حقّ العالم أن لا يُكْثَر عليه السؤالُ ،ولا يُعْنَت في الجواب ،ولا يُلَحّ
عليه إِذا كَسِل ، ولا يؤْخَذ بثوبه إذا نَهَض ، ولا يُشارَ إليه بيدٍ في حاجة ،
ولا يُفْشى له سرٌّ ، ولا يُغْتاب عنده أحدٌ ، ويُعَظَّم كما حَفِظَ أمرَ الله ، ولا
يَجْلسِ المتعلمُ أمامَه ، ولا يَغْرَضُ
(2) من طولِ صحبته ، وِاذا جاءه
طالبُ العلم وغيره فوجَدَه في جماعةٍ عَمَّهم بالسلام وخَصّه بالتحيّة ،
وليحفِظَه شاهداً وغائباً ، وليَعْرِفَ له حَقَّه ، فإِنّ العالم أعظمُ أجراً من الصائم القائم
المجاهد في سبيل الله ، وإذا ماتِ العالم ثلم في الإِسلام ثلمة لا يسدّها إلاّ
_________
(1) نقلها الديلمي في أعلام الدين : 94 ، والعلامة المجلسي في البحار 2 : 31/ 19 .
(2) الغَرَض : الضجر والملال . « الصحاح - غرض - 3 : 1093» .
( 231 )
خبّرتُكَ به ، ولولا أنّ الّذي سألتَ عنه يَعسرُ برهانهُ لأخبرتُكَ به ، ولكنْ
آيةُ ذلكَ ما نبّأْتُ به عن لعنتِكَ وسَخْلِكَ الملعونِ» وكان ابنُه في ذلكَ
الوقتِ صبيّاً صغيراً يَحبو
(1) فلمّا كانَ من أمرِ الحسينِ عليهِ السّلامُ ما
كانَ تولّى قَتْلَه ، وكانَ الأمرُ كما قالَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ
(2) .
فصل

ومن ذلكَ ما رواه إِسماعيلُ بنُ صَبِيْحٍ ، عن يَحيى بن المُساوِرِ
العابدِ ، عن إِسماعيل بن زيادٍ قالَ : إِنّ عليّاً عليهِ السّلامُ قالَ للبَراَءِ بنِ
عازبِ يوماً
(3) : «يا بَرَاءُ ، يُقتَلُ ابني الحسينُ وانتَ حيٌّ لا تنصرُه»
فلمّا قُتِلً الحسينُ بنُ عليّ عليهما السّلامُ كانَ البَراءُ بنُ عازب يقولُ : صدقَ
- الله - عليُّ بنُ أبي طالبٍ ، قُتِلَ الحسينُ ولم أنصُرْه . ثمّ يُظهرُ الحسرة
على ذلكَ والنّدمَ
(4) .
_________
(1) اختلفت الروايات والمصادر في من تولى قتل الحسين عليه السلام هل كان شمر بن ذي الجوشن
الضبايى ، أو سنان بن أنس الأصبحي ، فالسائل عن شعر رأسه ولحيته أبو احد هذين ، وأما
عمر بن سعد بن ابي وقاص فقيل انه ولد في عصر النبي صلى الله عليه وآله ،وعده ابن فتحون
في الصحابة ، وقيل ولد عام مات عمر بن الخطاب ، ومهما كان لم يكن آنذاك صبياً يحبو.
(2) شرح ابن ابي الحديد 2 : 286 و10 : 14 ، وأخرج نحوه بسند آخر ابن قولويه في
كامل الزيارة : 74 ، والصدوق في اماليه : 115 / 1 ، ومرسلاً ذكره الشريف الرضي في
خصائص الأئمة عليهم السلام : 62 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 44 :
7/258.
(3) في «م» وهامش «ش» : ذات يوم .
(4) شرح ابن ابي الحديد 10 :15 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 44 : 18/262 .
( 232 )
جهلاً في جهّالِ عشوة
(1) ، غارّ
(2) بأَغباش الفتنة ، عمٍ عن
الهدى ، قد سماه ، اشباه الناس عالماً ولم يغن فيه يوماً سالماً ، بكّر فاستكثر
مِنْ جَمْع ما
(3) قلّ منه خيرممّا كَتُر ، حتى اذا ارتوى من آجنٍ ، واستكثرمن غير
طائل ، جلس للناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره ، إن
خالف مَن سبقه لم يأمن مِنْ نَقْض حُكْمه مَنْ يأتي بعده ، كفِعله بمَنْ
كان قبله ، وان نَزَلت به إِحدى المُبْهمات هَيّأ لها حَشْواً مِنْ رأيه ثمّ
قَطَعَ عليه ، فهومن لَبْسِ الشُبُهات في مثل غَزْل العنكبوت ، لا
يَدرِي أَصابَ أم أخطأ ، ولا يَرى أنّ مِن وراءِ ما بَلَغَ مَذْهباً ، إِنْ قاسَ
شيئاً بشيءٍ لم يًكذّب رأيَه ، وان أظْلَمَ عليه أَمر اكتَتَم به ، لمِا يعلم
من نفسه في الجهل والنَقْص والضرورة كيلا يُقال أنّه لا يَعْلم ، ثمّ
أقْدَم بغير علم ، فهو خائضُ عَشَواتٍ ، رَكّابُ شُبُهاتٍ ، خَبّاط
جَهَالاتٍ ، لا يعتذرُ ممّا لا يعلم فيسلم ، ولا يَعَضُّ في العلم بضِرس
قاطعٍ فيغنم ، يُذرِي الروايات ذروَ الريحِ الهشيم ، تَبكِي منه
المواريث ، وتَصْرَخُ منه الدماء ، ويستحلّ بقضائه الفَرْج الحرام ، ويُحَرِّم
به الحلال ، لا يسْلَم بإِصدار ما عليه وَرَد ، ولا يَنْدَم على ما منه فَرط .

أيّها الناس : عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تُعْذَرون بجهالته ، فإِنّ
العلم الذي هَبَط به آدم وجميعَ (ما فضلَتْ به )
(4) النبيّون إلى خاتم النبيين ، في
عترة محمّد
(5)صلى الله عليه وآله فأين يُتاهُ بكم ؟ بل أين تذهبون؟! يا من
_________
(1) في «م» هامش «ش» : جهّالٍ غشوه .
(2) غار : غا فل . « الصحاح - غرر - 2 : 768» .
(3) في «ش» و «م» : مما ، وما اثبتأه من هامشهما .
(4) في «م» و هامش «م» : فصلت ، وفسره في هامش «م» : أي أتت . وما أثبتناه من هامش «ش» و«م» .
(5) في «م» وهامش «ش» : عترة نبيكم محمّد.
( 233 )
نُسِخَ من أصلاب أصحاب السفينة ، هذه
(1) مثلها فيكم فاركَبوها ،
فكما نجا في هاتِيك مَنْ نجا ، فكذلك يَنْجُوفي هذه من دخلها ، أنا
رهينٌ بذلك قسماً حقّاً وما أنا مِن المتكلّفين ، والويلُ لمِن تَخلّف ثمّ
الويل لمن تخلّف ! أما بَلَغكم ما قال فيهم نبيُّكم صلّى الله عليه واله
حيثُ يقول في حَجّةِ الوداع :إِنّي تاركٌ فيكم الثقلين ، ما إِن تمسّكتُم
بهما لن تَضِلّوا : كتابَ اللهِ وعترتي أهلَ بيتي ، وِانّهما لن يفتَرِقا حتّى
يرِدا عليَّ الحوض فانظُروا كيفَ تَخْلُفوني فيهما . ألاّ هذا عَذْبٌ فُرات
فاشرَبوا ، وهذا مِلحٌ أُجاج فاجتنبوا»
(2).
ومن كلامِهِ عليه السلامُ في
صِفةِ الدنيا والتحِّذيرِ منها

«أمّا بعدُ : فإنَّما مَثَلُ الدُّنيا مَثْل الحَيَّةِ ، لَينٌّ مَسُّها ، شَديدٌ
نهسها ، فأعْرض عمّا يُعْجِبُكَ منها لِقِلَّةِ مايَصْحَبُكَ منها ، وكُنْ أسَرَّ
ما تَكونُ فيها ، أحذَرَ ما تَكونُ لها ، فإِنَّ صاحِبَها كُلَّما اطْمَأنَّ منها إِلى
سُرورٍ أسْخَطَهُ منها مَكروهٌ ، والسَّلام»
(3) .
_________
(1) في هامش «ش» : نسخة الشيخ ، هذا . وما في المتن نسخة اخرى في هامش «ش» .
(2) وردت قطع من هذه الخطبة في تاريخ اليعقوبي 2 : 211 ، ونثر الدر 1 : 308 ، أمالي
الطوسي 1 : 240 ، تاريخ دمشق 3 : 221 ، الكافي 1 : 6/44 ، الاحتجاج : 262 ، نهج
البلاغة 1 : 6/47 1 ، ونقله المجلسي في البحار 2 : 99 / 59.
(3) دستور معالم الحكم : 37 ، تنبيه الخواطر 1 : 47 1 ، شرح النهج لابن ميثم 5 : 218 ،
ونقله العلامة المجلسي في البحار 73 : 101/105 .
( 234 )
ومن كلامِهِ عَليهِ السَّلامُ في التَّزوُّدِ
لِلاخرةِ ، وأَخْذِ الأهْبَةِ لِلقاءِ اللهِ تعالى ،
والوَصيَّةِ لِلنَّاسِ بالعَمَلِ الصَّالحِ

ما رَواهُ العُلَماءُ بالأَخبار ، ونَقَلَةُ السِّيْرة والآثار : أَنَّهُ كان عليهِ
السَّلامُ يُنادِي في كُلِّ لَيلةٍ حِينَ يَأْخُذُ النَّاسُ مَضاجِعَهمْ لِلْمَنامِ ،
بصوتٍ يَسْمَعُهُ كافَّةُ أَهْلِ المَسْجِدِ ومَنْ جاوَرَهُ مِنَ ألنَّاسِ : « تزودوا
- رَحمَكُمُ اللهُ - فقدْ نُودِي فيكُمْ بالرَّحيلِ ، وأَقِلوا العُرْجَةَ على الدُّنيا ،
وانْقَلِبوا بِصالحِ ما يَحضُرُكُمْ مِنَ الزَّادِ ، فإِنَّ أَمامَكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً ،
ومَنازِلَ مَهُولَةً ، لا بُدَّ مِنَ الممرِّ بها ، والوُقُوفِ عَليها ، فإِمّا برَحْمةٍ مِنَ اللهِ
نَجَوْتُمْ مِنْ فَظَاعَتِها ، وامّا هَلَكَة ليسَ بَعْدَها انجبار ، يا لَها حَسْرةً على
ذِيْ غَفْلَةٍ أنْ يَكونَ عُمرُهُ عَليهِ حُجّةً ، وتؤدِّيهِ أيّامُهُ إِلى شِقْوَةِ ،
جَعَلَنا اللهُ وِايّاكًمْ مِمَّنْ لا ِتًبطرُهُ نِعْمَةٌ ، ولا تَحُلُّ بهِ بَعْدَ الموتِ
نِقْمَةٌ ، فإِنّما نَحنُ بِهِ وله ، وبيدِهِ الخَيْرُ وهوَ على كُلِّ شيءٍ قَديرٌ»
(1) .
ومِنْ كلامِهِ عليهِ السّلامُ في التَّزهيدِ
في الدُّنيا ، والتَّرغيبِ في أعمالِ الآخرةِ

«يا ابن آدمَ ، لا يَكُنْ أكبرَ همِّك يومُكَ الذي إِنْ فاتَكَ لم يَكُنْ
_________
(1) أمالي الصدوق : 402 /7 ، أمالي المفيد : 198 ، خصائص الرضي : 98 ، نهج البلاغة 2 :
=
( 235 )

من أجلِكَ ، فإِنَّ كلَّ يومٍ تَحْضُرُهُ يَأْتي اللهُ فيهِ برزقِكَ ، واعْلَمْ أنَّكَ
لنْ تكتسِبَ شَيئاً فوقَ قُوْتكَ إلاّ كُنتَ فيهِ خازناً لغيرِكَ ، يَكْثُرُ في
الدُنيا بهِ نَصَبُكَ ، ويحظى بهِ وارِثكَ ، ويَطولُ مَعَهُ يومَ القِيامَةِ
حِسابُكَ ، فاسْعَدْ بمالِكَ في حَياتِكَ ، وقَدِّمْ لِيَوْمِ مَعَادِكَ زاداً
يَكونُ أمامَكَ ، فإِنَّ السَّفَرَ بَعيدٌ ، والمَوْعِد القيامةُ ، والمَوْرد الجَنَّةُ أَوِ
النار»
(1) .
ومن كلامهِ عليهِ السلامُ في مثلِ ذلكَ ، ما
اشتهرَ بينَ العلماءِ ، وحَفِظهُ ذَوو الفَهْمِ والحُكماءُ

«أمّا بعد : أيّها الناسُ ، فإِنَّ الدُّنيا قد أدبرتْ وآذنتْ بوَداعٍ ،
وِانَّ الآخرةَ قدْ أظلَّتْ وأشرفتْ باطّلاع ، ألا وانّ المِضمارَ اليومَ وغداً
السباقُ ، والسبْقةُ الجنّةُ ، والغايةُ النارُ ، أَلا وِانّكمْ في أيامِ مَهَل من
ورائِهِ أجَلٌ يحثّهُ عَجَلٌ ، فمَنْ أخلصَ للّهِ عملَهُ لم يضره أملُهُ ،ومن
بطأ
(2) به عملُهُ في أيامِ مَهَلِهِ قبلَ حضورِ أجَلهِ فقد خَسِرَعملُهُ
وضرّه أملُهُ .

ألا فاعملوا في الرغبةِ والرهبةِ ، فإِن نزلتْ بكمْ رغبةٌ فاشكروا الله
واجمعوا معَها رهبةً ، وإنْ نزلتْ بكمْ رهبةٌ فاذكروا َ الله واجمعوا معَها
_________
=
209 / 199باختلاف في الفاظه ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 73 : 106 / 102 .
(1) وردت قطع منه في مروج الذهب 4 : 175 ، والخصال : 16 ، ونزهة الناظر : 52 / 26 ، ونثر الدر 1 :295 .
(2) في هامش «ش» و«م» : أبطأ .
( 236 )
رغبةً ، فإِنّ اللهَ قد تاذَّنَ للمُحسنينَ بالحسنى ، ولمن شكرَهُ بالزيادةِ ، ولا
كسبَ خير من كَسبْ ليومٍ تُدَّخَرُ فيه الذخائرُ ، وتجمعُ فيه الكبائرُ ،
وتُبلى فيه السرائرُ ، وإنًّي لم أرَ مثلَ الجنّةِ نامَ طالبها ، ولا مثلَ النارِ نانم
هاربُها .

ألا وإنّهُ من لا ينفعُهُ اليقينُ يضرُّهُ الشكُّ ، ومن لا ينفعُهُ حاضرُ لُبِّه
ورأيهِ فغائبهُ عنه أعجزُ. ألا وإنّكم قد أُمرتُمْ بالظَّعْنِ ودًلِلتمْ على
الزَادِ ، وإِنّ أخوفَ ما أتَخوّفُ عليكم اثنان : اتّباع الهوى ، وطولُ
الأملِ ، لأنّ اتّباعَ الهوى يصُدُّ عن الحقِّ ، وطول الأملِ ينسي
ا لآخرةَ.

ألا وإِنّ الدنيا قد ترحلتْ مُدبِرةً ، وإنَّ الآخرةَ قد ترحَّلت
(1) مقبلةً ،
ولكلِّ واحدةٍ منهما بنونَ ، فكونوا إِنِ استطعتُمْ مِن ابناءِ الأخرةِ ، ولا
تكونوا من أبناءِ الدنيا ، فإِنّ اليومَ عملٌ ولا حسابَ ، وغداً حسابٌ
ولاعملَ»
(2) .
ومن كلامِهِ عليهِ السلامُ في
ذكرِ خِيارِ الصحابةِ وزُهّادِهمْ

ما رواهُ صَعْصَة بنُ صوْحانَ العبديّ ، قال : صلّى بنا أميرُ المؤمنينَ
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : دنت .
(2) ورد بعضه في نثر الدر 1 : 223 ، البيان والتبيين 2 : 27 ، العقد الفريد 4 : 159 ، الكافي
8 : 58/ 21 ، مروج الذهب 2 : 424 ، 3 : 413 ، من لا يحضره الفقيه 1 : 327 ، أمالي
المفيد : 93 ، 207 ، نهج البلاغة 1 : 66 / 27 ، مصباح المتهجد : 605 ، أمالي الطوسي 1 :
=
( 237 )
عليهِ السلامُ ذاتَ يومِ صلاةَ الصُبحِ ، فلمّا سلّمَ أقبلَ على القبلةِ بوجهِهِ
يذكرُ اللهَ تعالى ، لا يلتفَتُ يميناً ولا شِمالا حتّى صارتِ الشمسُ على حائطِ
مسجدِكُمْ هذا - يعني جامعَ الكوفةِ - قيسَ رُمحٍ ، ثُم أقبلَ علينا
بوجهِهِ عليهِ السلامُ فقال : «لقدْ عَهِدتُ اقواماً على عهدِ خَليلي
رسولِ الله صلّى الله عليه وآله ، وِانّهم لَيراوحونَ في هذا الليلِ بينَ
جِباهِهِمْ وركبهم ، فإِذا أصبحوا أصبحوا شعثآً غُبرْاً بينَ أعينِهِمْ شبهُ
ركَب المِعْزى ، فإِذا ذَكَروا
(1) مادُوا كما تَميدُ الشجرُ في الريحِ ، ثُمَّ
انهملَتْ عُيونُهم حتى تَبلَّ ثِيابَهم» ثمّ نهضَ عليهِ السلامً وهو يقول : «كأنَّما
القومُ باتُوا غافلينَ»
(2).
ومن كلامِهِ عليهِ السلامً في صِفةِ شيعتِهِ المخلصيْنَ

ما رواهُ نَقَلةُ الاثارِ : أنّه خَرجَ ذاتَ ليلةٍ مِنَ المسجدِ ، وكانتْ ليلةً
قمراءَ ، فأمَ الجَبّانَة ولَحِقَهُ جماعةٌ يَقْفونَ أثَرَهُ ، فوقفَ ثُمَّ قالَ : «مَنْ
أنتم ؟» قالوا : نحنُ شيعتُك يا أميرَ المؤمنين ، َفتفرّس في وجوهِهِم َثم
قالَ : «فما لي لا أرى عليكُمْ سِيْماءَ الشيعةِ ؟ » قالوا : وما سِيْماءُ
الشيعةِ يا أميرَ المؤمنين ؟ فقال : «صُفْرُ الوجوهِ من ِ السهر ، عُمْشُ
العيونِ منَ البكاءِ ، حُدْبُ الظهورِ من القيام ، خُمْصُ البطونِ منَ
_________
=
236 ، تذكرة الخواص : 116 .
(1) في هامش «ش» و«م» : ذُكِّروا .
(2) روإه الكليني في الكافي 2 : 185 / 22 ، والمصنَف في أماليه : 196 ، والآبي في نثر الدر 1 :
325 ، وابن الجوزي في تذكرة الخواص : 129 .
( 238 )
الصيامِ ، ذُبْلُ الشِّفاهِ منَ الدعاءِ ، عليهِمْ غبرةُ الخاشعينَ»
(1) .
فصل
ومن كلامِهِ عليهِ السلامُ ومواعظِهِ وذِكرهِ الموتَ

ما استفاضَ عنه من قولهِ : « الموتُ طالبٌ ومطلوبٌ حَثِيثٌ ، لا
يُعجِزُهُ المُقيمُ ، ولا يَفوتُهُ الهاربُ ، فأقدموا ولا تَنْكُلوا ، فإِنّه ليسَ عنِ
الموتِ مَحيصٌ ، إِنّكم إِنْ لا تُقْتَلوا تَموتوا ، والذي نَفسُ عليٍّ بيدِهِ ، لألفُ
ضربةٍ بالسيفِ على الرأسِ ، أيسرُ منْ موتٍ على فِراش»
(2).

ومن ذلكَ قولُهُ عليهِ السلامُ : «أيُّها الناسُ ، أَصبحتُمْ أغراضاً
تَنْتَضلُ فيكُمُ المنايا ، وأموالكُم نَهْبٌ للمصائبِ ، ما طَعِمتم في الدنيا
منْ طعام فَلَكُم فيهِ غَصَصٌ ، وما شَرِبتُم منْ شرابٍ فَلَكُم فيهِ
شَرَقٌ ، وأًشهدُ باللهِ ما تنالونَ مِنَ الدنيا نعمةً تَفرحونَ بها إلاّ بفراقِ
أُخرى تَكرهونَها ، أَيُّها الناسُ ، إِنّاخُلِقْنا وإِيّاكُم للبقاء لا للفناءِ ، لكنًكمِ من دارٍ
إِلى دارٍ تُنْقَلونَ ، فتزوَّدوا لمِاَ أنتم صائرونَ إِليهِ وخالدون فيهِ ،
وا لسلامُ»
(3) .
_________
(1) أمالي الطوسي 1 : 219 ، مشكاة الانوار : 58 ، صفات الشيعة : 89/ 20 و33/95 ،
وفيه مختصراً ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 68 : 150 /4 .
(2) تاريخ اليعقوبي 2 : 209 ، الكافي 5 : 53 ، ورواه الطوسي في أماليه 1 : 172 باختلاف
يسير.
(3) أمالي الطوسي 1 : 220 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 73 : 106 / 103 .
( 239 )
ومن كلامِهِ عليهِ السلامُ في
الدعاءِ إلى نفسهِ ، والدّلالةِ على فضلِهِ ،
والإبانةِ عن حقًهِ ، والتعريضِ بظالمِهِ ،
والأشارةِ إِلى ذلكَ والتنبيهِ عليه

ما رواه الخاصّةً والعامةُ عنه ، وذَكَرَ ذلكَ أبو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثنى
وغيرُهُ مِمَّنْ لا يَتَهمُه خُصوم الشيعةِ في روايتِهِ : أنّ أميرَالمؤمنينَ عليهِ السلامُ قالَ
في أوّلِ خُطبةٍ خَطَبها بعدَ بيعةِ الناسِ له على الأمر ، وذلك بعدَ قتل
عُثمان بن عَفّانَ :

«أمّا بعدُ : (فلا يُرْعِيَنَّ مُرْع )
(1) إِلاّ على نفسِهِ ، شُغِلَ عَنِ الجنةِ
مَنِ النارُ أمامَهُ ، ساع مجتهِد ، وطالبٌ يَرجو ، ومقصِّرٌ في النارِ ،
ثلاثة ، واثنان : مَلَكٌ طارَ بجَناحَيهِ ، ونبي أخذَ اللهُ بضبْعَيْهِ
(2) ، لا
سادسَ . هَلكَ مَنِ ادَّعى ، ورَدِي
(3) مَنِ اقتحمَ . اليمينُ والشِّمالُ
مَضلَّةٌ ، والوُسْطى الجادّةُ ، مَنهجٌ عليهِ باقي
(4) الكتاب والسنةِ وآثار
النبوةِ . إِن الله تعالى داوى هذِه الأًمّةَ بدواءين : السوطَ والسيف ،
لا هوادةَ عندَ الإمامَ ، فاستتروا ببيوتكم ، وأصلحوا فيما بينَكم ، والتوبة
_________
(1) في «ش» و«م» : فلايرعين مرعيّ ، وفي «ح» : فلا يرعين مرعى ، وفي هامشها : يَدّعين مدع ،
وما أثبتناه من نسخة العلامة المجلسي في البحار.
(2) في «م» وهامش «ش» : بيديه .
(3) رَدِيَ : هلك «لسان العرب - ردي - 14 : 316».
(4) في «م» وهامش «ش» : ما في .
( 240 )
من ورائكم ، مَنْ أبدى صفحتَهُ للحقِّ هَلكَ .

قد كانتْ أُمورٌ لم تكونوا عندي فيها معذورِينَ ، أما إِنّي لوأشاءُ أن
أقولَ لَقلتُ ، عفا اللهُ عمّا سلفَ ، سَبقَ الرجلانِ ، وقامَ الثالثً
كالغُراب همّتُهُ بطنُهُ ، وَيلَهُ لو قُصَّ جَناحاهُ وقُطِعَ رأسُهُ لَكانَ
خيراً لهُ .َ انظُروا فإِنْ أَنكرتُمْ فأنكِروا ، وإنْ عَرفتُمْ فبادِروا
(1) ، حق
وباطلٌ ولكلٍّ أهلٌ ، ولَئن أمِرَ
(2) الباطلُ لَقديماً فَعلَ ، ولَئن قل الحقُّ
فلرُبَّما ولعلَّ ، ولَقل ما أدبرَ شيء فأقبلَ ، ولَئن رَجَعتْ إِليكم نُفوسُكُم
إِنّكم لَسُعَداءُ ، وإِنّي لأخشى أنْ تَكونوا في فَترةٍ ، وما عَلَيَّ إِلاّ الاجتهادُ .

ألا إِنّ أبرارَ عِترتي وأطايبَ أَرُومَتي
(3) ، أَحلمُ
(4) الناسِ
صِغاراً ، وأعلمُ الناسِ كِباراً ، أَلا وإِنّا أهل بيت
مِنْ عِلْمِ اللهِ علمنا ، وبحكمِ اللهِ حكمنا ، وبقولٍ صادقٍ
أخذنا ، فإِنْ تَتبعوا اثارنا تَهتدوا ببصائرنا ، وِان لم تفعلوا يُهلككُمُ اللهُ
بأيدينا ، مَعَنا رايةُ الحقِّ ، مَنْ تَبِعَها لَحِقَ ، ومَنْ تأخّر عنها غَرِقَ ، ألا
وِبِنا تُدْرَكُ تِرَةُ كلِّ مؤمنٍ ، وبنا تُخْلَعُ رقبَةُ الذلِّ مِن أعناقِكُم ، وبِنا
فُتِحَ لابِكُم ، وبِنا يُخْتَمُ لا بِكُم»
(5) .
_________
(1) في «م» وهامش «ش» : و«ح» : فادروا .
(2) أمِرَ : كثر «لسان العرب - أمر - 4 : 28» .
(3) الأرومة : الأصل . «القاموس - أرم - 4 : 74» .
(4) في هامش «ش» : أحكم .
(5) البيان والتبيين 2 : 65 ، العقد الفريد 4 : 157 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 275 ، عيون
الأخبار لابن قتيبة 2 : 236 وفيه الى قوله ولقلّ ما أدبر شيء فأدبر ، ونثر الدر 1 : 0 27 وفيه
الى قوله وما عليً إلاّ الاجتهاد ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 8 : 391 (ط /ح ).