
أخبرني أبو عبيدالله قال : حدَّثني (أحمدُ بن عيسى الكرخي)
(1) قال :
حدَّثنا أبو العَيْناء محمّد بن القاسم قاّل : حدَّثنا (محمّد بن عائشة)
(2) ،عن
إسماعيل بن عمرو البَجَلي قال : حدَّثني عُمَر بن موسى ، عن زيد بن
علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي عليه السلام ، قال :
«شكوتُ إلى رسول الله صلّى اللّه عليه واله حَسَد الناس إيّاي ، فقال : يا
عليّ ، إنّ اوّلَ أربعةٍ يدخُلون الجنةَ : أنا وأنت والحسن والحسين ، وذُرّيّتنا
خَلْف ظهورنا ، وأحبّاؤنا خَلْفَ ذُرّيّتنا ، وأشياعُنا عن أيماننا وشمائلنا»
(3) .

أخبرني أبو الجَيْش المُظَفّر بن محمّد البَلْخي قال : حدَّثنا
(4)أبوبكر
محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج قال : حدَّثنا جعفرُ بن محمّد العَلَوي قال :
_________
(1) كذا في النسخ ، وفي هامش «م» : الكوفي والكرجي والكرخي وتحت الكلمة الأخيرة
علامة التصحيح.
(2) كذا في متن النسخ ، وفي هامش «ش» و «م» : ابن عائشة، وقد تقدم ما ينفع المقام في
فصل : موضع قبرأمير المؤمنين عليه السلام، فليراجع .
(3) مقتل الخوارزمي : 108 ، منتخب كنز العمال 5: 94 ، تذكرة الخواص : 291 ،
فرائد السمطين 2 : 42 / 375 ، مجمع الزوائد 9 : 131 ، وفي تاريخ دمشق - ترجمة الأمام
أمير المؤمنين عليه السلام - 2 : 835/329 أفاض الشيخ المحمودي في الهامش ذكر
مصادر الحديث باسانيدها ومتونها ومظانها ، فراجع .
(4) في «م» و«ح» وهامش «ش» : أخبرنا، وما أثبتناه من متن «ش» .
( 44 )
حدَّثنا أحمدُ بن عبدِ المًنْعِم قال : حدَّثنا عبدالله بن محمّد الفزاري ، عن
جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام ، عن جابر بن عبداللّه قال :
«سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وآله يقول لعلي بن أبي طالب عليه
السلام : ألا أسرك ؟! ألا أمنَحُك ؟! ألا أبشّرك ؟! فقال : بلى يارسول اللّه
بشرّني . قال : فإنّي خُلقت أنا وأنت من طينة واحدة ، ففضلت منها فضلة
فخلق اللّه منها شيعتنا، فإذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسماء امهاتهم
سوى شيعتنا فإنّهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم»
(1) .

أخبرني أبو إلجيش المظفر بن محمد، عن محمد بن أحمد بن أبي
الثلج قال : حدثنا (محمد بن سلم الكوفي )
(2) ، قال : حدثنا عبيداللّه
(3) بن
كثير قال : حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين الزُهْري قال : حدثنا عبيداللّه
ابن موسى ، عن إسرائيل
(4) ، عن أبي خصَين ، عن عِكرِمة، عن ابن
عباس : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : «إذا كان يوم القيامة يدعى
(5)
الناس كلّهم باسماء أمهاتهم ، ما خلا شيعتنا فإنهم يدعون باسماء آبائهم
لطيب مواليدهم»
(6) .
_________
(1) أمالي المفيد : 311 ، أمالي الطوسي 2 : 71 ، اعلام الورى :165 ، بشارة المصطفى :
14 ، 94 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 27 : 155 /28 .
(2) كذا في متن «ش» و«م» وفي «ح» وهامش «ش» و«م» عن نسخة : محمد بن مسلم ، وكأنّ
في هامش «م» علامة التصحيح .
(3) في «ح» : عبد الله .
(4) كذا في متن النسخ ، وفي هامش «ش» : أبي اسرائيل «ج» : وهامش «م» أبي اسرائيل .
والظاهر صحة ما أثبتأه ، فقد ذكر في تهذيب التهذيب 7 : 51رواية عبيدالله بن موسى بن
أبي المختار عن اسرائيل .
(5) في «م» وهامش «ش» : دعي .
(6) اعلام الورى :165 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 27 : 156 /29 .
( 45 )

اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد القمي قال : حدَّثنا أبوعلي محمد
ابن هَمّام بن سُهَيْل الأسكافي
(1) قال : حدثني جعفر بن محمد بن مالك
قال : حدَّثنا محمد بن نعمة السلولي قال : حدثنا عبداللة بن القاسم ، عن
عبداللّه بن جَبَلة، عن أبيه قال : سمعت جابر بن عبدالله بن حرام
الأنصاري يقول : كنّا عند رسول اللّه صلّى الله عليه وآله ذات يوم - جماعة
من الأنصار- فقال لنا : «يا معشر
(2) الأنصار، بوروا
(3) أولادكم بحبّ علي
ابن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنّه لِرَشْدة
(4) ومن أبغضه فاعلموا أنّه
لغَيّة
(5)»
(6) .

أخبرني أبو الجيش المظفر بن محمد البلخي قال : أخبرنا
(7) أبو بكر
محمد بن أحمد بن أبي الثلج
(8) قال : أخبرني الحسين بن أيوب ، عن محمد
_________
(1) في هامش «ش» و«م» : اسكاف ناحية بالعراق من النهروان الى البصرة .
(2) في «م» وهامش « ش» : معاشر .
(3) نبور : نختبر، ومنه الحديث : «كنّا نبور أولادنا بحب عليّ» . « النهاية - بور - 1 : 161» .
(4) هو لرشدة : أي صحيح النسب . «مجمع البحرين - رشد-3 : 51».
(5) ولد غيّة : أي ولد زنا. «القاموس المحيط -غوي - 4 : 372».
(6) اعلام الورى : 165 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 27 : 156 / 30 .
(7) كذا في متن «ش» وفي «م» وهامش «ش» : أخبرني .
(8) في «م» و«ح» : محمد بن أبي الثلج ، وهو أيضاً صحيح نسبة الى الجدّ.
( 46 )
ابن غالب ، عن (علي بن الحسن ، عن الحسن بن محبوب )
(1) عن أبي حمزة
الثمالي ،عن أبي اسحاق السبيعي ، عن بشير الغفاري ، عن أنس بن مالك
قال : كنت خادم رسول الله صلّى اللّه عليه واله فلمّا كانت ليلة أُمّ حبيبة بنت
أبي سفيان ، أتيت رسول الله صلّى الله عليه وآله بوَضُوء فقال لي : «يا أنَس
ابن مالك ، يدخُل عليك من هذا الباب الساعة أميرُ المؤمنين وخيرُ الوصييِن ،
أقدمُ الناس سِلماً، وأكثرُهم علماً، وأرجحُهم حِلماً» فقلتُ : اللهمَّ اجعله
من قومي . قال : فلم ألبَثْ أن دَخَل عليُّ بن أبي طالب عليه السلام من
الباب ورسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله يَتَوضّأ، فردّ رسولُ اللّه صلّى الله عليه
وآله الماءَ على وجه عليّ عليه السلام حتّى امتلأت عيناه منه ، فقال علي : «يا
رسولَ الله ، أحَدَثَ فيّ حَدَثٌ ؟» فقال له النبي صلّى اللّه عليه واله : «ما حَدَثَ
فيك إلاّ خيرٌ ، أنت منّي وأنا مِنك ، تُؤدّي عنّي وتَفي بذمّتي ، وتغسلني
وتُواريني في لَحْدي ، وتُسْمِع ، الناسَ عنّي وتبُينّ لهم من بعدي» . فقال علي عليه
السلام : «يا رسول الله ، أوَما بَلّغْتَ ؟ قال : بلى، ولكن تُبيّنُ لهم ما
يختلفون فيه من بعدي»
(2) .
_________
(1) كذا صححه في هامش «ش»، ونسبه في هامش «م» إلى نسخة، وفي متن النسخ : علي
ابن الحسن بن محبوب ، وكتب في «ش» فوقه علامة (ج )، والظاهر صحة ما أثبتناه في المتن ، ولم
نجد راوٍ بهذا الأسم في ضمن الروايات ، وأما الحسن بن محبوب فانه يروي عن أبي حمزة
الثمالي بكثرة وهو رواي كتابه في فهرست الشيخ : 41 /137 ويروي عن ابن محبوب
علي بن الحسن بن فضّال وعلي بن الحسن الطاطري ، وقد روى المصنف عين هذا
السند في اماليه : 18 عن محمد بن غالب عن علي بن الحسن عن عبد الله بن جبلة ، وروى
الصدوق في التوحيد : 157 بسنده الى ابن أبي الثلج عن الحسين بن ايوب عن محمد
ابن غائب ، عن علي بن الحسين ، وفي تهذيب الشيخ 4 : 165 / 468 بسند آخر عن
محمد بن غالب عن علي بن الحسن بن فضال.
(2) اليقين :35 ، مصجاح الأنوار: 199 نحوه ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 37 :
=
( 47 )

أخبرَني أبو الجيش المًظَفَّر بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج
قال : حدَّثني جدّي قال : حدَّثنا عبداللّه بن داهر قال: حدَّثني أبي داهر بن
يحيى الأحمري المُقْرئ ،عن الأعْمَش ، عن عَبايَة الأسْدي
(1) ، عن ابن
عبّاس أنّ النبي صلّىَ الله عليه واله قال لاُمّ سلمة رضِي اللّه عنها:
«إسمَعي وأشْهَدي ، هذا عليّ أمير المؤمنين وسيُد الوصيين
(2)»
(3) .

وبهذا الإسناد عن محمد بن أبي الثلج قال : حدَّثني جدّي قال : حدَّثنا
عبد السلام بن صالح قال : حدَّثني يحيى بن اليَمان قال : حدَّثني سُفيان
الثَوري ، عن أبي الجَحّاف ، عن معاوية بن ثَعْلَبَة قال: قيل لأبي ذَرٍّ رضي
اللّه عنه : أوْص ، قال : قد أوصيتُ ، قيل : إلى من ؟ قال : إلى أمير
المؤمنين ، قيل : عثمان ؟ قال : لا، ولكن إلى أمير المؤمنين حَقِّاً أميرِ المؤمنين علي
ابن أبي طالب ، إنّه لَزِرّ
(4) الأرض ، ورَبّانيّ
(5) هذه الأمّة ، لو قد فقدتموه
_________
=
330 / 66 .
(1) كذا في متن النسخ ، وفي هامش «ش» و « م» : الازدي ، ولم يعلم كونه تفسيراً أو نسخة
بدل ، وعلى أي حال كتب في هامش «ش» و«م» : هو عباية بن كليب الازدي .وهامش آخر
في «م» : هو الازدي ابدلت السين من الزاي ، هذا ولكن لا يبعد كون المراد من عباية
الاسدي هو عباية بن ربعي الأسديَ ، فقد عنونه ابن ابي حاتم في الجرح والتعديل 7 : 29
وصرحّ بروايته عن ابن عباس ورواية الأعمش عنه ونقل عن والده : كان من عتق الشيعة،
انظر ميزان الاعتدال 2 : 387 أيضاً .
(2)في «م» وهامش «ش»: في نسخة : المسلمين.
(3) مناقب آل ابي طالب 3 : 54، اليقين: 29 ، 35، ونقله العلامة المجلسي في البحار 37 :
330/ 67.
(4) زرّ الأَرض : أي قوامها ، واصله من زر القلب، وهو عُظَيْم صغير يكون قوام القلب به
«النهاية-زرر- 2 : 300».
(5) الرباني : الكامل في العلم والعمل . «مجمع البحرين - ربب - 2 :65» ، وفي «م» وهامش
«ش»: في نسخة : وربي.
( 48 )
لأنكرتم الأرضَ ومَن عليها
(1) .

وحديث بًرَيْدَة بن الحُصَيب الأسلَمي - وهو مشهور معروف بين
العلماء ، بأسانيد يطول شرحها - قال : إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه واله
أمّرني سابعَ سبعة، فيهم أبو بكر وعُمَر وطًلْحَة والزُبَير، فقال : «سلّموا على
عليّ بإمْرَة المؤمنين» فسلّمنا عليه بذلك ، ورسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله
حيّ بين أظهرنا
(2) .

في أمثال هذه الأخبار يطول بها الكتاب .
فصل

فأمّا مناقبه الغنيّةُ- بشهرتها، وتواتُر النقل بها، وإجماع العلماء
عليها - عن إيراد أسانيد الأخبار بها، فهي كثيرةٌ يطولُ بشرحها
(3)
الكتاب ، وفي رَسْمِنا منها طرفاً كفاية عن إيراد جميعها في الغرض الذي
وضعنا له الكتاب ، ان شاء اللّه .

فمن ذلك : أنّ النبي صلّى اللّه عليه واله جَمَعَ خاصّةَ أهله وعشيرته ،
في ابتداء الدعوة الى الاسلام ، فعَرَضَ عليهم الإيمان ، واستنصرهم على
أهل الكفر والعُدوان ، وضَمِنَ لهم على ذلك الحُظْوةَ في الدنيا، والشرفَ
_________
(1) اليقن : 16باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار 37 : 331 / 68. .
(2) ورد نحوه في مصباح الأنوار: 154 ، وبشارة المصطفى : 185، واليقين : 44 و 54 و 98 ،
وإرشاد القلوب : 325 .
(3) في «م» وهامش «ش» : بذكرها .
( 49 )
وثوابَ الجنان ، فلم يُجبه أحدٌ منهم إلاّ أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه
السلامَ فنَحَلَه بذلك تحقيقَ الأخوّة والوزارة والوصيّة والوراثة
والخلافة، وأوجَبَ له به الجنّة .
وذلك في حديث الدار، الذي أجمع على صحّته نُقّاد الآثار، حين
جَمَعَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بني عبد المطّلب في دارأبي طالب ، وهم
أربعون رجلاً - يومئذ - يَزيدون رجلاً أو يَنْقصُون رجلاً - فيما ذكره الرُواة-
وأمر أن يُصْنَع لهم فَخِذُ شاةٍ مع مُدّمن البُرّ، ويُعَدَّ لهم صاعٌ من اللبن ،
وقد كان الرجل منهم معروفاً باكل الجَذَعَة في مقام
(1) واحد، ويَشرب
الفَرق
(2) من الشراب في ذلك المَقام ، وأراد عليه السلام بإعداد قليل
الطعام والشراب لجماعتهم إظهارَ الآية لهم في شِبعِهم وريّهم ممّا كان لا
يُشْبِع الواحدَ منهم ولا يًروِيْه .

ثمّ أمر بتقديمه لهم ، فأكَلَت الجماعةُ كلها من ذلك اليسيرحتّى
تملّؤوا منه ، فلم يَبِن ما أكَلُوه منه وشرَبوه فيه ، فبَهَرَهم بذلك ، وبَيّنً لهم
اية نُبوّته ، وعلامةَ صدقه ببرهان اللّه تعالى فيه .

ثمّ قال لهم بعد أن شَبِعوا من الطعام ورَوُوْا من الشراب : «يا بني
عبد المطّلب ، إنّ اللّه بعثني إلى إلخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة،
فقال عزّ وجلّ : (
واَنذرْ عَشِيرَتكَ الأقْرَبينَ ) (3)وأنا أدعوكم إلى كلِمتين
خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان ، تَمْلِكون بهما العَرَب والعَجَم ،
_________
(1) في هامش «ش ، م ، ح» : في نسخة : مقعد.
(2) الفرق: مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وفي هامش « ش» و «م»: «في نسخة : الزق» ، وهو
السقاء ، انظر « الصحاح - فرق - 4 : 1540» .
(3) الشعراء 26 : 214 .
( 50 )
وتنقادُ لكم بهما الأُممُ ، وتَدْخُلون بهما الجنة، وتنجُوْن بهما من النار،
شهادةِ أن لا إلهَ إلاّ اللّه وأنّي رسولُ اللّه ، فَمنْ يُجِبْني إلى هذا الأمر ويُؤازرْني
عليه وعلى القيام به ، يَكُنْ أخي ووصيّ ووزيري ووارثي وخليفتي من
بعدي» فلم يجب أحد منهم .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «فقمتُ بين يديه من بينهم - وأنا
إذ ذاك أصغرُهم سنّاً ، وأحمَشُهم
(1) ساقاً ، وأرمَصُهم
(2) عيناً - فقلتُ : أنا
- يا رسول اللّه - أؤازرُك على هذا الأمر. فقال : اجْلِسْ ، ثم أعاد القول
على القوم ثانيةً فاُصْمِتوا، وقمتُ فقلتُ مثلَ مقالتي الأولى، فقال :
اجْلِسْ . ثمّ أعاد على القوم مقالَتَه ثالثةً فلم يَنْطِقْ أحدٌ منهم بحرفٍ ،
فقلتُ : أنا أؤازرك - يا رسولَ اللّه ـ على هذا الأمر، فقال : اجْلِس، فانت
أخي ووصّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي» .

فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب : يا أبا طالب ، لِيَهْنِك
(3)
اليوم إن دَخَلْتَ في دين ابن أخيك ، فقد جَعَل ابْنَك أميراً عليك
(4) .
فصل

وهذه منقبة جليلة اختَصّ بها أميرُ المؤمنين عليه السلام ولم يَشْرَكْه
_________
(1) رجل أحمش الساقين : دقيقهما «الصحاح - حمش -3: 1002».
(2) الرَمَصُ : وسخ يجتمع في مجرى الدمع . «انظر: الصحاح - رمص - 3 : 1042» .
(3) في هامش «ش» و«م» : ليهنئك ، وكلاهما بمعنى ليسرّك .
(4) انظر مصادر حديث الدار في تاريخ دمشق - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - 1 : 97 -
103 والغدير 2 : 278 - 289 .
( 51 )
فيها أحدٌ من المهاجرين الأوّلين ولا الأنصار، ولا أحدٌ من أهل الإسلام ،
وليس لِغيره عِدلٌ لها من الفضل ولا مقاربٌ على حال ، وفي الخبر بها ما
يُفيد أنَّ به عليه السلام تَمَكّنَ النبي صلّى اللّه عليه وآله من تبليغ الرسالة،
وإظهار الدعوة، والصدع بالإسلام ، ولولاه لم تَثْبُتِ الملّة ، ولا
استقرّتِ الشريعة ، ولا ظَهَرَتِ الدعوة . فهوعليه السلام ناصرُ الإسلام ،
ووزيرُ الداعي إليه من قِبَلِ ّ الله - عزّ وجلّ - وبضمانه لنبيّ الهدى عليه
السلام النصرةَ تَمّ له في النبوّة ما أراد، وفي ذلك من الفضل ما لا
تُوازنه
(1) الجبالُ فضلاً، ولا تعُادله الفضائلُ كلّها محلاً وقدراً .
فصل

ومن ذلك أن النبيّ عليه السلام لما أًمِرَ بالهجرة - عند اجتماع الملأ
من قريش على قتله ، فلم يتمكن عليه السلام من مُظاهَرَتهم - بالخروج
من
(2) مكّة ، وأراد الأستسرارَ بذلك وتعميةَ خبره عنهم ، لِيَتِمَّ له الخروجُ
على السلامة منهم ، ألقى خبرَه إلى أمير المؤمنين عليه السلام واستكتمه إيّاه ،
وكَلَّفه الدفاعَ عنه بالمبيت على فراشه من حيث لا يعلمون أنّه هو البائت على
الفِراش ، وبَظُنّون أنّه النبيّ صلّىالله عليه وآله بائتاً
(3) على حاله التي كان
يكون عليها فيما سلف من الليالي .
_________
(1) في هامش «ش» و «م» : توازيه .
(2)في «م» و«ش»:عن .
(3) في هامش «م» : نائماً .
( 52 )

فوَهَب أميرُ المؤمنين عليه السلام نفسَه للّه وشراها من الله في
طاعته ، وبَذَلها دونَ نبيّه عليه وآله السلام ليَنْجُوَ به من كيد الأعداء،
وتَتِمً له بذلك السلامةُ والبقاءُ، وينتظم له به الغرضُ في الدعاء إلى الملّة
وإقامة الدين واظهار الشريعة . فبات عليه السلام على فِراش رسول اللّه
صلّى اللّه عليه واله مستتراً
(1) بازاره ، وجاءه القومُ الذين تمالَؤُوا
(2) على قتله
فأحْدَقُوا به وعليهم السِلاح ، يرصدُون طلوعَ الفجر لِيَقْتُلوه ظاهراً ،
فيذهَبَ دمُه فِرغاً
(3) بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل ، ولا يَتِمّ
لهم الأخذُ بثاره منهم ، لا شتراك الجماعة في دمه ، وقعودِ كل قبيل عن
قتال رَهْطه ومباينة أهله .

فكان ذلك سببَ نجاة رسول الله صلّى اللّه عليه واله وحفظِ
دمه ، وبقائهِ حتى صدع بأمر ربه ، ولولا أميرُ المؤمنين عليه السلام وما فعلّه
من ذلك ، لما تَمَّ لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه واله التبليغُ والأداء ، ولا استدام له
العمرُ والبقاء ، ولظَفَرَ به الحَسَدةُ والأعداء .

فلمّا أصبح القومُ وأرادوا الفَتْكَ به عليه السلام ثار إليهم ، فتفرّقوا
عنه حين عَرَفوه ، وانصرفواعنه وقد ضلّت حِيَلهم
(4) في النبي صلى اللّه
عليه وآله ،وانتقض ما بَنَوه من التدبيرفي قتله ، وخابت ظُنونهم ، وبَطَلتْ
آمالهم ، فكان بذلك انتظامُ الإيمان ، وإرغامُ الشيطان ، وخِذلانُ أهل
الكفر والعُدوان .
_________
(1) في «م» وهامش «ش»: متستراً.
(2) تمالؤوا : اجتمعوا . «الصحاح - ملأ - 1 : 73» .
(3) ذهب دمه فرغاًَ أي هدراً «الصحاح - فرغ - 4 : 1324». وفي «ح»: هدراً.
(4) في هامش «ش» و «م» : حيلتهم .
( 53 )

ولم يَشْرك أميرَ المؤمنين عليه السلام في هذه المنقبة أحدٌ من أهل
الإسلام ، ولا اختصَّ بنظير لها على حال ، ولا مقاربِ لها في الفَضْل
بصحيح الأعتبار.

وفي أمير المؤمنين عليه السلام ومبيته على الفِراش ، أنزل اللّه تعالى
(
وَمِنَ ألنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّه وَاللّه رَؤوفٌ
بِالْعِبَادِ)(1 و 2) .
فصل

ومن ذلك أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله كان أمينَ قريش على
وَدائعهم ، فلمّا فجأه من الكفّار ما أحْوَجَه الى الهَرب من مكّة بغتةً ، لم
يَجِد في قومه وأهله مَنْ يأتَمِنهُ على ما كان مؤتمناً عليه سوى أمير المؤمنين
عليه السلام فاستخلفه في ردّ الودائع إلى أربابها، وقضاءِ ما عليه من دَيْن
لمستحقّيه ، وجَمْع بَناته ونساء أهله وأزواجه والهِجرة بهم إليه ، ولم يَرَ أنّ
أحداً يَقوم مقامه في ذلك من كافّة النَاس ، فوَثق بامانته ، وعَوّلَ على
نجْدته وشَجاعته ، واعتمد في الدفاع عن أهله وحامَّته على بأْسه
وقدرته ، واطمأن إلى ثقته على أهله وحُرَمه ، وعَرَفَ من ورعه وعصمته
_________
(1) البقرة 207:2.
(2) ورد حديث المبيت في تاريخ مدينة دمشق - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - 1: 153-
155 ، تاريخ بغداد 13 : 191 ، أُسد الغابة 4 : 19، تاريخ اليعقوبي 2 : 39 ،
المستدرك على الصحيحين 3 : 4 ، مسند أحمد 1: 348 ، التفسير الكبير للفخر
الرازي 15 : 155 ، ذخائر العقبى : 87 .
( 54 )
ما تَسْكُن النفسُ معه إلى ائتمانه
(1) على ذلك .

فقام عليه السلام به أحسنَ القيام ، وردّ كلَّ وديعة إلى أهلها،
وأعطى كلَّ ذي حقّ حقّه ، وحَفظَ بناتِ نبيّه عليه السلام واله وحُرمه ،
وهاجر بهم ماشياً على قَدَمِه
(2)، يَحوُطُهم من الأعداء، ،يكْلَؤُهم
(3) من
الخُصَماء، ويَرفق بهم في المسير حتى أوردهم عليه المدينة، على أتمّ
صيانة وحَراسة ورِفْق ورَأفة وحسن تدبير، فأنزله النبي صلّى الله عليه وآله
عند وروده المدينةَ دارَه ، وأحلّه قرارَه ، وخَلَطَه بحرُمَه وأولاده ، ولم يُميّزه من
خاصّة نفسه ، ولا احتشمه في باطن أمره وسرّه.

وهذه منقبة تَوَحّد بها عليه السلام من كافّة أهل بيته وأصحابه ،
ولم يَشْركه فيها أحدٌ من أتباعه وأشياعه ، ولم يحصُل لغيره من الخلق
فضلٌ سواها يُعادلها عند السَبْر ، ولا يُقاربها على الأمتحان ، وهذه
(4)
مُضافَةٌ إلى ما قدّمناه من مناقبه ، الباهرِ فضْلُها القاهرِ شرفُها قلوبَ
العقلاء
(5).
فصل

ومن ذلك أنّ اللّه تعالى خصّه بتلافي فارِطِ من خالَفَ نبيَّه صلّى اللّه
_________
(1) في هامش «ش» و«م» : امانته .
(2) في هامش «ش» و«م»: قدميه .
(3) في هامش «ش» و«م» : نسخة اُخرى: ويكنفهم .
(4) في «م» وهامش «ش» نسخة اُخرى : وهي .
(5) انظر- على سبيل المثال لا الحصر- في قضية رد ودائع النبي صلّى اللّه عليه وآله الى
=
( 55 )
عليه وآله في أوامره ، وإصلاحِ ما أفسدوه ، حتّى انتظمت به أسبابُ
الصَلاح ، واتَّسق بيُمْنه وسعادةِ جَدّهِ وحُسْنِ تدبيره والتوفيقِ اللازم له أمورُ
المسلمين ، وقام به عمودُ الدين .

ألا ترى أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله أنفذ خالد بن الوَليد إلى بني جُذيمَة
داعياً لهم إلى الإسلام ، ولم ينفْذه مُحارِباً ، فخالف أمرَه صلّى ّ الله عليه
واله ونَبَذَ عَهْدَه ، وعاند دينَه ، فقتل القومَ وهم على الإسلام ، وأخْفَرَ ذمّتهم
وهم أهلُ الإيمان ، وعَمِلَ في ذلك على حَمِيّة الجاهليّة وطريقةِ أهل الكفر
والعدوان، فشانَ فعالُه الإسلامَ ، ونَفَّرَ به عن نبيّه عليه وآله السلام من
كان يدعوه إلى الإيمان ، وكاد أن يَبْطلَ بفعله نظام التدبير في الدين .

ففَزِعَ رسولُ اللّه صلّى الله عليه وآله في تلافي فارطه ، وإصلاحِ ما
أفسده ، ودفعِ المَعَرّة عن شَرْعِه بذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام
فانفذه لعَطْف القوم وسَلِّ سخائمهم والرِفْق بهم ، في تثبيتهم على
الإيمان ، وأمَرَه أن يَدِيَ القتلى ، ويرضي بذلك أولياءَ دمائهم الأحياءَ .

فبَلَغ أميرُ المؤمنين عليه السلام من ذلك مبلغَ الرضا، وزاد على
الواجب بما تبرّع به عليهم من عَطِيّة ما كان بقي في يده من الأموال ،
وقال لهم : «قد اَدّيتُ
(1) ديات القَتْلى ، وأعطيتُكم بعدَ ذلك من المال ما
تعودون به على مُخَلّفيهم
(2) ليرضى اللّه عن رسوله صلّى اللّه عليه واله
وترضَوْن بفضله عليكم» وأظهر رسولُ الله صلّى اللّه عليه وآله بالمدينة ما
_________
=
اصحابها وقضاء ما كان عليه من دين : طبقات ابن سعد 3 : 22 ، تاريخ مدينة دمشق
1 : 154 - 155 ، اُسد الغابة 4 : 19 .
(1) في« م» وهامش « ش» : وديت .
(2) في «ش» : مُخلّفيكم .
( 56 )
اتّصل بهم من البراءة من صَنيع خالِد بهم ، فاجتمع براءة رسول اللّه
صلّى اللّه عليه واله ممّا جناه خالِد، واستعطاف أمير المؤمنين عليه السلام
القومَ بما صَنَعَه بهم ، فتَمّ بذلك الصلاحُ ، وانقطعت به موادّ الفَساد، ولم
يتولَّ ذلك أحدٌ غيرُ أمير المؤمنين عليه السلام ولا قام به من الجماعة
سواه ، ولا رَضيِ رسولُ الله صلّى اللّه عليه واله لتكليفه أحداً ممنّ عداه .

وهذه منقبة يزيد شرفها على كلّ فضل يُدَّعى لغير أمير المؤمنين
عليه السلام ـ حقّاً كان ذلك أم باطلاً - وهي خاصة لأمير المؤمنين عليه
السلام لم يَشْركه فيها أحدٌ منهم ، ولا حَصَلَ لغيره عِدْلٌ لها من
الأعمال
(1) .
فصل

ومن ذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وآله لما أراد فتحَ مكّة ، سأل الله - جلّ
اسمه - أن يعَمِّيَ أخبارَه على قريش ليَدْخُلَها بغتةً ، وكان عليه وآله السلام
قد بنى الأمرَ في مسيره إليها على الأستسرار بذلك ، فكتب حاطِب بن أبي
بلتعة إلى أهل مَكّة يُخبِرهم بعزيمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على
فتحها، وأعطَى الكتابَ امرأةً سَوْداء
(2) كانت وَرَدت المدينةَ تستميح بها
_________
(1) انظر تاريخ اليعقوبي 2 : 61 ، مغازي الواقدي 3 : 875 ، الطبقات الكبرى 2 :
147 ، دلائل النبوة 5 :113 - 118، سيرة ابن هشام 4 : 70 - 73 ، فتح الباري 8 : 6 4 ،
تاريخ الطبري 5 : 66 - 67 ، الكامل في التاريخ 2 : 255 - 256 .
(2) في هامش «ش» و«م» : كان اسمها سارة .
( 57 )
الناس وتَسْتَبِرُّهم
(1)، وجعل لها جُعٍلاً على أن تُوصِلَه إلى قوم سمّاهم لها من
أهل مَكّة، وأمَرَها أن تَأخُذَ على غير الطريق .

فنزل الوحيُ على رسول الله صلى اللّه عليه وآله بذلك ، فاستدعى
أميرَ المؤمنين عليه السلام وقال له : «إنّ بعضَ أصحابي قد كتَبَ إلى أهل
مكّة يخُبرهم بخَبَرنا، وقد كنتُ سألتُ الله أن يُعَمِّيَ أخبارَنا عليهم ،
والكتابُ مع امرأةٍ سودْاء قد أخَذَتْ على غير الطريق ، فَخُذْ سيفَك
والحَقْها وانتزِعِ الكتابَ منها وخَلّها وصرْ به إليّ» ثمّ استدعى الزبير بن
العَوّام فقال له : «امض مع عليّ بن أبي طالب ، في هذه الوجه» فمضيا وأخذا
على غير الطريق فأدْركا المرأةَ، فسَبَق إليها الزُبيرُ فسألها عن الكتاب
الذي معها، فأنكرتْه وحَلَفَتْ أنّه لا شيءَ معها وبكت ، فقال الزُبير: ما
أرى- يا أبا الحسن - معها كتاباً ، فارجع بنا إلى رسول الله صلّى اللّه عليه
وآله لنخْبِره ببراءة ساحتها.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «يُخْبِرُني رسولُ الله صلّى اللّه
عليه وآله أنّ معها كتاباً ويأمُرُني بأخذه منها، وتقول أنت أنَّه لا كتاب
معها» ثمّ اخترط السيفَ وتَقَدَّمَ إليها فقال : «أما واللّه لئن لم تُخْرِجِي
الكتابَ لأكْشِفَنّك ، ثمّ لأَضرِبَنَّ عُنُقَك» فقالت له : إذا كان لا بُدَّ من
ذلك فاعْرِضْ يا ابنَ أبي طالب بوجهِك عنّي ، فاعْرَض عليه السلام
بوجهه عنها فكشفَتْ قِناعَها ، وأخرجت الكتاب من عَقِيصَتها
(2).

فاخذه أميرالمؤمنين عليه السلام وصار به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه
_________
(1) في هامش «ش»: تستبرهم : أي تطلب منهم البرّ.
(2) العقيصة : الضفيرة . «الصحاح -عقص -3 : 1046».
( 58 )
وآله فأمرأن يُنادى بالصلاة جامعةً ، فنودي في الناس فاجتمعوا إلى المسجد حتّى
امتلأ بهم ، ثمّ صَعِدَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله المِنْبرَ وأخَذَ الكتابَ بيده
وقال : «أيّها الناس ، إنّي كنتُ سألتُ اللّه عزّ وجلّ أن يُخْفِيَ أخبارَنا
(1) عن
قريش وإنّ رجلاً منكم كتب إلى أهل مكّة يُخْبِرهُم بخبرنا، فليَقُمْ
صاحبُ الكتاب ، وإلاّ فضَحَه الوحي» فلم يَقُمْ أحدٌ ، فأعاد رسولُ
اللّه صلّى اللّه عليه وآله مقالته ثانيةً، وقال : «ليَقُمْ صاحبُ الكتاب وإلاّ
فَضَحَه الوحي» فقام حاطِب بن أبي بَلْتَعَةَ وهو يُرْعَدُ كالسَعفة في يوم
الريح العاصف فقال : يا رسول اللّه أنا صاحبُ الكتاب ، وما أحْدَثتُ
نفاقاً بعدَ إسلامي ، ولا شكّاً بعد يقيني . فقال له النبي صلّى اللّه عليه وآله :
«فما الذي حَمَلَك على أن كتبتَ هذا الكتاب ؟» فقال : يا رسول اللّه ، إنّ لي أهلاً
بمكّة ، وليس لي بها عَشيرة ، فاشفقت أن تكون الدائرةُ لهم علينا ، فيكونُ
كتابي هذا كفاً لهم عن أهلي ، ويداً لي عندهم ، ولم أفعل ذلك لشكٍ في
الدين .

فقال عمر بن الخَطّاب : يا رسولَ اللّه مُرني بقتله فإنّه قد نافق .

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه واله : «إنّه من أهل بدر، ولعلّ اللّه تعالى
اطّلع عليهم فغفرلهم . أخرِجُوه من المسجد».

قال : فجعل الناس يَدْفَعون في ظَهْره حتّى أخرجوه ، وهو
يَلتفِت
(2) إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله ليرقّ عليه
(3)، فامرالنبي صلّى اللّه عليه
_________
(1) في هامش «ش» و «م» : نسخة اخرى : آثارنا .
(2) في هامش «ش» و«م» : يتلفّت .
(3) في هامش «ش» و «م» : نسخة اخرى : له .
( 59 )
وآله بردّه وقال له : «قد عَفَوْتُ عنك وعن جُرمك ، فاستغفرْ ربّك
(1)
ولاتعُدْ لمثل ما جَنَيْتَ»
(2).
فصل

وهذه المنقبة لاحقة بما سلف من مناقبه عليه السلام وفيها أنّ به
عليه السلام تَمَّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله التدبيرُ في دخول مَكّة ،
وكُفِيَ مؤونة القوم وما كان يَكْرَهُهُ من معرفتهم بقَصْده إليهم حتى فجأهم
بَغْتةً ، ولم يَثِق في استخراج الكتاب من المرأة إلا بأميرالمؤمنين عليه السلام
ولا استنصح في ذلك سواه ، ولا عَوَّل على غيره ، فكان به عليه السلام
كفايتُه المهمّ ، وبلوغهُ المرادَ ، وانتظامُ تدبيره ، وصلاحُ أمر المسلمين ، وظهورُ
الدين .

ولم يكن في إنفاذ الزُبَير مع أمير المؤمنين عليه السلام فضل يُعْتدّ به ، لأنّه
لم يَكْفِ مهمّاً ، ولا أغنى بمُضيّه شيئاً، وإنمّا أنفذه رسول الله صلّى اللّه
عليه واله لأنّه في عِداد بني هاشم من جهة اُمّه صَفِيّة بنتِ عبد المطّلب ،
فأراد عليه السلام أن يَتَولّى العملَ ـ بما استسرّ به من تدبيره - خاص أهله ،
وكانت للزبير شَجاعةٌ وفيه إقدام ، مع النسب الذي بينه وبين أمير
المؤمنين عليه السلام فعَلِم أنّه يُساعده على ما بعثه له ، إذْ كان تمامُ
_________
(1) في هامش «ش» : نسخة اخرى: فاستغفر اللّه لذنبك .
(2) انظر تاريخ اليعقوبي 2 : 58 ، صحيح البخاري 5: 184 ، صحيح مسلم 4 :
2494/1941 ، مسند أحمد 1 : 79 ، سيرة ابن هشام 4 : 40 ، تاريخ الطبري 3 :
48 ، دلائل النبوة للبيهقي 5: 14 ، المستدرك على الصحيحين 3: 301 .
( 60 )
الأمر لهما فراجَعَ إليهما بما يَخصُّهما ممّا يَعُمُّ بني هاشم من خيرأو
شر. فكان الزبير تابعاً لأمير المؤمنين عليه السلام ووَقَع منه فيما
أنفذه
(1) فيه ما لم يُوافِق صوابَ الرأي ، فتداركه أميرُ المؤمنين عليه
السلام .

وفيما شرحناه من هذه القصّة بيانُ اختصاص أمير المؤمنين عليه
السلام من المنقبة والفضيلة بما لم يَشْرَكه فيه غيرُه ، ولا داناه سواه بفضل
يُقارِبُه فضلاً عن أن يُكافِئه ، والله المحمود.
فصل

ومن ذلك أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أعطَى الرايةَ (في يوم )
(2) الفَتْح
سَعْدَ بنَ عُبادة ، وأمره أن يدْخُلَ بها مكّة أمامه ، فاخذها سعد وجعل يقول :
اَليومُ يومُ المَلْحَمَه * اَليومُ تُسْتَحلُّ (3)الحُرمه

فقال بعضُ القوم للنبي صلّى اللّه عليه وآله : أما تَسْمَع ما يقول
سعدُ بن عُبادة ؟ واللّه إنّا نخاف أن يَكُون له اليوم صولة في قريش . فقال
عليه وآله السلام لأمير المؤمنين عليه السلام :«أدْرِكْ - يا علي - سَعْداً وخُذ
الرايةَ منه ، فكُنْ أنت الذي تَدْخُلُ بها» .
_________
(1) في «ح» وهامش «ش» و «م» : اُنْفِذَ .
(2)في «م» وهامش «ش» : يوم .
(3)في هامش «ش» و«م» : تسبى .
( 61 )

فاستدرك رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بأمير المؤمنين صلوات اللّه
عليه ما كاد يَفوت من صواب التدبير، بتهجّم سعد وإقدامه على أهل
مكة، وعَلِمَ أن الأنصارَ لا تَرضى أن يَأخُذَ أحدٌ من الناس من سيدها
سعدٍ الراية، ويَعْزلَه عن ذلك اَلمقام ، إلاّ مَنْ كان في مثل حال النبيّ صلّى
الله عليه وآله من جَلالة القدر، ورفيع المكان ، وفَرْضِ الطاعة ، ومن لا
يَشيِنُ سَعْدَاَّ الأنصراف به عن تلك الولاية.

ولوكان بحَضرة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله من يَصْلَحُ لذلك سوى
أمير المؤمنين عليه السلام لعَدَلَ بالأمر إليه ، وكان مذكوراً هناك
بالصَلاح لمثل ما قام به أميرُ المؤمنين عليه السلام ، وإذا كانت الأحكامُ إنّما
تجب بالأفعالِ الواقعة ، وكان ما فعله النبيُ صلّى اللّه عليه واله بأمير
المؤمنين عليه السلام من التعظيم والإجلال ، والتأهيل لمِا أهَّلَه له من
إصلاح الأُمور، واستدراكِ ما كان يَفوُت بعمل غيره على ما ذكرناه ،
وجب القضاءُ في هذه المنقبة بما يَبينُ بها ممّن سواه ، ويَفْضُلُ بشرفها على
كافّة من عداه
(1).
فصل

ومن ذلك ما أجمع عليه أهلُ السير
(2):أنّ النبيَ صلّى اللّه عليه وآله
_________
(1) انظر مغازي الواقدي 2 : 822 ، سيرة ابن هشام 4 : 49 ، تاريخ الطبري 3 : 56 ، شرح
نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17 : 272 .
(2) في «م» وهامش «ش» : السيرة .
( 62 )
بعث خالِد بن الوليد إلى أهل اليَمَن يَدْعوهم إلى الإسلام ، وأنفذ معه
جماعةٌ من المسلمين فيهم البَراء بن عازِب - رحمه اللّه - فاقام خالد على
القوم ستّةَ أشْهُريَدْعُوهم ، فلم يُجبْه أحدٌ منهم ، فساء ذلك رسولَ صلّى
اللّه عليه واله فدعا أميرَ المؤمنين علَي بن أبي طالب عليه السلام وأمَرَهُ أن
يُقْفِلَ
(1) خالداً ومن معه . وقال له : «إن أراد أحدٌ ممن مع خالد أن يُعقِّبَ
معك فاتْرُكْه» .

قال البراء : فكنتُ فيمن عَقَّبَ معه ، فلمّا انتهينا إلى أوائل أهل اليمن ، بَلَغَ
القوم الخبرُفتجمّعوا له ، فصلّى بنا عليُّ بن أبي طالب عليه السلام الفجرَ
ثمّ تقدّم بين أيدينا، فحَمِد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قرأ على القوم كتابَ
رسولِ اللّه صلّى اللّه عليه وآله فأسلمت هَمْدان كلُّها في يومٍ واحد،
(وكتب بذلك أمير المؤمنين عليه السلام إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله )
(2) فلمّا قَرَأ كتابَه استبشر وابتهج ، وخَرَّ ساجداً شكراً للّه عزّ وجلّ
ثمّ رَفَعَ رأسَه فجلس وقال : «السلامُ على هَمْدان السلام على هَمْدان»
وتتابع بعد إسلام هَمْدان أهلُ اليمن على الإسلام
(3).

وهذه أيضاً منقبة لأميرالمؤمنين عليه السلام ليس لأحد من الصحابة
مثلها ولا مقاربُها، وذلك أنّه لمّا وَقَفَ الأمر فيما بُعِث له خالد وخيف
الفسادُ به ، لم يوُجَدْ من يَتَلافى ذلك سوى أمير المؤمنين عليه السلام
فَنُدِبَ له فقام به أحسنُ قيام ، وجرَى على عادة اللّه عنده في التوفيق لما
_________
(1) القفول: الرجوع من السفر. « الصحاح ـ قفل ـ 5: 1803».
(2) في هامش «ش» و «م» : (وكتب أمير المؤمنين عليه السلام بذلك كتاباً الى رسول الله).
(3) اُنظر صحيح البخاري 5: 206، دلائل النبوة 5: 396، تاريخ الطبري 3: 131.
الكامل في التاريخ 2 : 300، دخائر العقبى : 109.