الارشاد الجزء الثاني
باب
ذِكْرُ طُرَفٍ مِنْ فَضائِلهِ ومَناقِبِهِ
وخِلالِه التي بانَ بها في الفَضْلِ مِنْ غَيْرِهِ
وَكانَ أَبو الحسن موسى عليه السلام أَعْبدَ أَهْلِ زَمانِه وأَفْقَهَهمْ وأَسْخاهم كَفّاً وأَكْرَمَهم نَفْساً .
ورُوِي : أَنَّه كانَ يُصلّي نوافلَ الليلِ ويَصِلُها بصلاةِ الصًّبْحِ ، ثمَّ يُعقِّبُ حتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ويخرُّ للّهِ ساجِداً فلا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الدعاءِ والتمْجيدِ(1) حتّى يَقْرُبَ زوالُ الشَمسِ (2) . وَكانَ يَدْعُو كثيراً فَيَقُولُ : « اللهمَ إِنّي أَسْأَلكَ الراحةَ عِنْدَ المَوْتِ ، والْعَفْوَ عِنْدَ الحساب »(3) ويكرر ذلكَ.
وكانَ مِنْ دُعائِهِ : «عَظُمَ الذَنْبُ مِنْ عَبْدِك فليَحْسُن العَفْوُ مِنْ عندك »(4) .
وكانَ يَبْكي مِنْ خَشْيَةِ اللهِّ حتّى تَخْضَلَّ لِحْيَتُهُ بالدُموعِ . وكانَ أَوصَلَ الناسِ لأهْلِهِ ورَحِمِهِ ، وكانَ يَفْتَقِدُ فُقَراءَ المدينةِ في اللَّيْلِ فَيَحْمِلُ
____________
(1) في « م » وهامش « ش » : والتحميد .
(2) أشار إلى نحو ذلك الخطيب في تاريخه 13 : 31، وابن الصباغ في الفصول المهمة : 238 ، وذكره الطبرسي في اعلام الورى : 296 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 48 : 101 |5.
(3) اعلام الورى : 296 ، مناقب ال أبي طالب 4 : 318، الفصول المهمة : 237 .
(4) تاريخ بغداد 13 : 27 ، ومناقب ابن شهر آشوب 4: 318 باختلاف يسير.

(232)
إِليهمْ فيه العَيْنَ (1) والوَرِقَ (2) والأدِقّة(3) والتُمورَ، فيوصِلُ إِليهم ذلك ، ولايَعْلَمونَ مِنْ أَيّ جهةٍ هُو(4) .
أَخْبَرني الشَّريفُ أَبومحمد الحسن بن محمد بن يحيى ، قال : حَدَثَنا جَدّي يحيى بن الحسن بن جعفر، قال : حَدَّثَنا إِسماعيل بن يعقوب ، قال : حدَّثَنا محمد بن عبدالله البَكْري ، قال : قَدِمْتُ المدينةَ أَطلُبُ بها دَيْناً فأَعْياني ، فقُلْتُ : لَوْ ذَهَبْتُ إِلى أَبي الحسن موسى عليهِ السلامُ فَشَكَوْتُ إِليهِ ، فأتَيتُهُ بنَقَمَى(5) في ضَيْعَتِهِ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ ومعه غلام معهُ مِنْشَفٌ (6) فيه قَدِيدٌ مُجَزَّعٌ (7) ، ليس معه غيرُهُ ، فأَكَلَ وأَكَلْتُ معه ، ثم سَأَلَني عن حاجتي ، فَذَكَرْتُ له قِصَّتَي ، فدَخَلَ ولم يُقِمْ إِلا يسيراً حتى خَرَجَ إِلَيَّ ، فقالَ لغُلامِهِ : «اذهب » ثم مَدَّ يَدَهُ إِليَّ فَدَفَعَ إِليَ صُرَّةً فيها ثلاثمائة دينارٍ ، ثم قامَ فَوَلّى ، فقُمْت ورَكِبْتُ دابَّتي وانصرفتُ (8) .
____________
(1) العين : الذهب والدنانير. « الصحاح - عين - 6 : 2170 » .
(2) الورق : الفضة والدراهم . « الصحاح - ورق - 4 : 1564 » .
(3) الأدقة : جمع دقيق وهو الطحين « الصحاح - دقق - 4 : 1476 » .
(4) ذكره ابن شهرآشوب في المناقب 4 : 318 ، والطبرسي في اعلام الورى : 296 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 48 : 101 | ذيل الحديث 5.
(5) نَقَمَى : موضع من ريف المدينة المنورة كان للآل أبي طالب عليهم السلام . «معجم البلدان 5: 300».
وفي النسخ الخطية بنُقمَى، لكن الصحيح «بنَقَمَى» . كما في نسخة العلامة المجلسي رحمه الله من بحاره للارشاد 48 : 102 ، وفي تاريخ بغداد 13 : 28 : ونقَمَى موضع .
(6) في هامش «ش » : «المنشف : إزار له زِئبر» أي خمل كالقطيفة .
(7) في هامش «ش » : المجزع : الأبيض والأحمر.
المجزّع : المقطع بألوان مختلفة من الجَزْع . بمعنى القطع . «لسان العرب -جزع - 8: 48 » .
(8) تاريخ بغداد 13 : 28 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 48 : 102 | 6 .

(233)

أخْبَرَني الشريفُ أبومحمد الحسنِ بن محمد ، عن جَدِّه ، عَنْ غير واحد مِن أَصْحابهِ ومَشايِخِهِ : أَنّ رَجُلاً مِنْ ولد عمر بن الخطاب كانَ بالمدينةِ يُؤْذي أَبا الحسن موسى عليهِ السلامُ ويَسُبُّهُ إِذا رَآه َشْتِمُ عَلياً عليهِ السلامُ .
فقَال لَه بَعْضُ جُلَسائِهِ يَوْماً : دَعْنا نَقْتُلُ هذا الفاجِرَ، فَنَهاهُم عَنْ ذلك أَشدَّ النَّهْي وزَجَرَهُمْ أَشدَّ الزَجْر، وسَأَلَ عن العُمَرِيّ ، فَذُكِرَ أَنه يَزْرعُ بِناحِيَةٍ من نَواحي المدينةِ، فَرَكَبَ فَوَجَدَهُ في مَزْرَعَةٍ ، فَدَخَلَ المزْرَعَةَ بحِمارِهِ، فصاحَ بِهِ العُمَرِيُّ : لا تُوْطئْ زَرْعَنا، فتوطّأهُ أَبو الحسن عليهِ السَلامُ بالحِمارِ حَتّى وَصَلَ إِليه فَنَزَلَ وجَلَسَ عِنْدَه وباسَطَهُ وضاحَكَه ، وقالَ له : «كَمْ غَرِمْتَ في زَرْعِكَ هذا؟» فقالَ له : مائةَ دينارٍ ، قال : «وكَمْ تَرْجُو أَنْ تُصيب فيه ؟» قالَ : لَسْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ ، قال : «إِنّما قُلْتُ لكَ : كَمْ تَرْجُو أَنْ يَجيئكَ فيه » قالَ : أَرْجُو فيه مِائَتَي دينارٍ . قالَ : فأَخْرَجَ له أَبو الحسن عليهِ السلامُ صُرَّةً فيها ثلاثُ مائةِ دينارٍ وقال : «،هذا زَرْعكَ على حالِهِ ، واللهُّ يَرْزُقُكَ فيه ما تَرْجُو» قالَ : فقامَ العُمَريّ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وسَأَله أَنْ يَصْفَحَ عَنْ فارِطِهِ ، فَتَبَسَّمَ إِليهِ أَبو الحسن عليهِ السلامُ وَانْصَرَفَ .
قال : وراحَ إِلى المسجدِ فَوَجَدَ العُمَريَّ جالساً، فلَمّا نَظَرَ إِليه قالَ : اللهّ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ . قالَ : فَوَثَبَ أَصْحابُه إِليهِ فقالُوا: ما قِصّتُك ؟ قد كنتَ تقول غيرَ هذا، قالَ : فَقالَ لهُم : قد سَمِعْتُمْ ما قُلْتُ الآن ، وجَعَلَ يَدْعُو لأبي الحسن عليهِ السلامُ فخاصَمُوهُ وخاصَمَهُمْ ، فَلمّا رَجَعَ أَبو الحسن إِلى دارهِ قالَ لجُلَسائِهِ الَّذينَ سَأَلوهُ في قَتْلِ العُمَريّ : «أَيُّما كانَ خَيْراً ما أَرَدْتُمْ أَو ما أَرَدْتُ ؟ إِنَّني أَصْلَحْتُ أَمْرَهُ
(234)
بالمقدارِ الذي عَرَفْتُتم ، وكَفَيْتُ به شَرَّه »(1) .
وذَكَرَ جَماعةٌ من أَهْلِ العلمِ : أَنَّ أَبا الحسن عليهِ السلامُ كانَ يَصِلُ بالمِائتَيْ دينارٍ إِلى الثلاثمائةِ دينارٍ ، وكانَتْ صِرار أَبي الحسن موسى مَثَلاً(2) .
وذَكَرَ ابن عمّار - وغَيْرُه من الرُّواة -: أَنَّه لمّا خَرَجَ الرشيدُ إِلى الحَجِّ وَقَرُبَ من المدينةِ اسْتَقْبَلَتْهُ الوُجُوهُ من أَهْلِها يَقْدُمُهُم موسى بن جعفر عليهما السلامُ عَلى بَغْلةٍ ، فقالَ لَهُ الرَّبيعُ : ما هذه الدابَّةُ التي تَلَقَّيْتَ عليها أميرَ المؤمنينَ ، وأَنتَ إِن طَلَبْتَ عليها لم تُدرِك ، وِان طُلِبْتَ لم تَفُتْ ، فقال : «إنّها تَطَأْطَأَت عن خُيَلاءِ الخَيْل ، وَارْتَفَعَتْ عن ذِلّةِ العَيْر(3) ، وخَيْرُ الأمُورِ أَوساطُها» (4)
قالُوا : وَلمّا دَخَلَ هارونُ الرَّشيدُ المدينةَ تَوَجَّهَ لزِيارَةِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ ومَعَهُ الناس ، فتَقَدَّمَ إِلى قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليهِ وآلهِ وقالَ : السلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ابنَ عَمِّ؛ مُفْتَخِراً بذلك على غيْرِهِ ، فَتَقدَّمَ أَبُو الحسن عليه السلامُ إِلى الْقَبْرِ فقالَ : «السَّلامُ عليكَ يا رَسُولَ اللهِّ ، السَّلامُ عليك يا أَبه » فَتَغيَّرَ وجْهُ الرَّشيد
____________
(1) اخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 13 : 28 ، باختلاف يسير، ورواه مختصراً ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين : 499 ، وابن شهرآشوب في المناقب 4 : 319، والطبرسي في اعلام الورى : 296 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 48 : 102 |7 .
(2) مقاتل الطالبيين : 499 ، تاريخ بغداد 13 : 28 ، اعلام الورى : 296 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 318.
(3) العَيرُ: الحمار الوحشي والاهلي ايضاً «الصحاح - عير- 2 : 762» .
(4) مقاتل الطالبيين : 500 ، اعلام الورى : 296 ، مناقب آل ابي طالب 4: 320، باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار 48 : 103 .

(235)
وتَبينَ الغَيْظُ فيهِ (1) .
ورَوى أَبو زَيْد قالَ : أَخْبَرَنَي عَبْدُ الحميدِ قالَ : سَأَلَ محمَّدُ بن الحسن أَبا الحسن موسى عليهِ السلامُ بمَحْضرَ مِنَ الرَّشيد -وُهُمْ بمكّة - فقالَ له : أَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُظَلِّلَ عليه محمِلَه؟ فقالَ له موسى عليهِ السلامُ : «لا يَجُوز له ذلك مع الاختيارِ» فقالَ له محمَّد بن الحسن : أَفيَجُوزُ أَن يَمْشي تَحْتَ الظِلالِ مُخْتاراً؟ فقال له : «نعَمْ » فتَضاحَكَ محمدُ بن الحسن من ذلك ، فقال لَه أَبو الحسن موسى عليهِ السلامُ : «أتَعْجَبُ من سُنَّةِ النَبِيِّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وتَسْتَهْزِئ بها ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُّ عليهِ وآلهِ كَشَفَ الظِلالَ في إِحرامِهِ ، ومَشى تَحْتَ الظِلالِ وهوُ مُحْرِمٌ ، وِانَّ أَحْكامَ اللهّ - يا محمدُ - لا تُقاسُ ، فَمَنْ قاسَ بَعْضَها على بَعْضِ فَقَدْ ضلَّ عنْ سَواءِ السَّبيلِ «فسَكَتَ محمّدُ بن الحسن لايَرْجعُ جَواباً(2) .
وقد رَوَى النّاسُ عن أَبي الحسن موسى عليه السلامُ فأَكْثَرُوا ، وكانَ أَفقهَ أَهْلِ زمانِه - حَسَبَ ما قَدَّمْناهُ - وأَحْفَظَهُمْ لِكتاب الله ، وأحْسَنَهم صَوْتاً بالقرآنِ ، وكانَ إِذا قَرَأ يَحْدُرُ(3) ويبكي ويبكي السَامعونَ لِتِلاوَتِهِ ، وكانَ النّاسُ بالمدينةِ يُسمُّونَه زَيْنَ المتَهجِّدينَ . وسُمِّيَ بالكاظمِ لمِا كَظَمَهُ
____________
(1) تاريخ بغداد 13 : 31، كفاية الطالب : 457 ، تذكرة الخواص : 314 ، اعلام الورى : 297 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 0 32، الاحتجاج : 393، ونقله العلامة المجلسي في البحار 48 : 103 .
(2) اعلام الورى : 298 ، الاحتجاج : 394، ونقله العلامة المجلسى في البحار 99 : 176 | 1 .
(3) في «م »: يُحَزن .

(236)
مِنَ الْغَيْظِ ، وصَبَرَعليه من فِعْلِ حَبْسِهِمْ ووَثاقِهِمْ . الظالمينَ بِهِ ، حتى مَضى قَتيلاً في حبسهم ووثاقهم.

* * *

(237)
بابُ
ذِكْرِ السَّبَب في وفاته
وطُرَفٍ مِنْ الَخَبَرِ في ذلك
وكانَ السببُ في قَبْضِ الرشيدِ على أَبي الحسن موسى عليهِ السلامُ وحَبْسِهِ وقَتْلِهِ ، ما ذَكَرَهُ أحمدُ بن عُبيدالله بن عمٌار، عن علي بن محمد النوفلي ، عن أَبيه؛ وأَحمدُ بن محمد بن سعيد، وأَبو محمد الحسنُ ابن محمد بن يحيى ، عن مشايخِهِمْ قالوُا: كانَ السَّببُ في أَخْذِ موسى بن جعفر عليهِما السلامُ أَنَّ الرَشيدَ جَعَلَ ابْنَهُ في حِجْرِ جعفر بن محمد بن الأشعث ، فَحَسَدَه يحيى بن خالد بن بَرْمَك على ذلك ، وقالَ : إِنْ أَفْضَتْ إِليهِ الخِلافَةُ زالَتْ دَوْلَتي ودَوْلَةُ ولدي ، فاحْتالَ على جعفر بن محمد - وكانَ يَقُولُ بالإمامَةِ - حتى داخَلَهُ وأَنِسَ اليه ، وكانَ يُكْثِرُ غِشْيانَهُ في مَنْزِلِه فَيَقِفُ على أَمْرِهِ ويَرْفَعُه إِلى الرَّشيدِ، ويَزيدُ عليه في ذلك بما يَقْدَحُ في قَلْبِهِ .
ثمَّ قالَ يَوْماً لبَعْضِ ثِقاتِه : تَعْرِفُون لي رَجُلاً من آلِ أَبي طالبٍ لَيْسَ بواسِعِ الحالِ ، يُعرِّفُني ما أَحتاجُ إِليه ، فدُلَّ عَلى عَليّ بن إِسماعيل بن جعفر بن محمد، فحَمَلَ إِليه يحيى بن خالد مالاً، وكانَ موسى بن جعفر عليهِ السلامُ يأنَسُ بعَليّ بن إِسماعيل ويَصِلُهُ ويَبرهٌّ. ثَم أَنْفَذَ إليه يحيى بن خالد يُرَغِّبُهُ في قَصْدِ الرَّشيدِ ،يَعِدُهُ بالإحْسانِ إِليه ، فعَمِلَ على ذلك ، وأَحَسَّ به موسى عليهِ السلامُ فدَعاهُ فقالَ له : «إلى أيْنَ يَا بْنَ أَخي ؟» قال : إلى بغداد. قال : «وما تَصْنَعُ ؟» قالَ : عَلَيَّ دَيْنٌ وأنا مُعْلِقٌ. فقالَ لَه موسى : «فأَنا أَقْضي دَيْنَكَ وأَفْعَلُ بك وأَصْنَعُ » فلَمْ يَلْتَفِتْ إِلى ذلك ، وعَمِلَ على
(238)
الخروج ، فاسْتَدْعاهُ أَبو الحسن فَقالَ له : «أَنتَ خارِجٌ ؟» قالَ : نعَمْ ، لا بُدّ لي مِنْ ذلك . فقالَ له :«اُنْظُرْ- يَا بْنَ أَخي - واتَّقِ اللهَّ ، ولاتؤتم أَوْلادي » وأَمَرَ له بثلاثمائةِ دينارٍ وأَربعةِ آلافِ درهمٍ ، فَلمّا قام من بين يديه قالَ أَبو الحسن موسى عليهِ السلامُ لِمَنْ حضره : «والله ليَسْعَينًّ في دَمي ، وُيؤْتمنَّ أوْلادي » فقالُوا له : جَعَلَنا اللهُ فداكَ ، فأَنْتَ تَعْلَمُ هذا مِنْ حالِهِ وتُعْطِيه وتَصلُه! قالَ لهم : «نعمْ ، حَدَّثَني أَبي ، عَنْ آبائِهِ ، عَنْ رَسوُلِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ والهِ ، أَنَّ الرَّحِمَ إِذا قُطِعَتْ فَوُصِلَتْ فَقُطِعَتْ قَطَعَها الله ، وِانَّني أَرَدْتُ أَنْ أَصِلَهُ بَعْدَ قَطْعِهِ لي ، حتّى إِذا قَطَعَني قَطَعَهُ اللهُ ».
قالُوا : فَخَرَجَ علي بن إِسماعيل حتّى أَتى يحيى بن خالد، فَتَعرَّفَ مِنْه خَبَر موسى بن جعفر عليهما السلامُ ورَفَعَهُ الى الرَّشيدِ وزادَ عليه ، ثم أَوْصَلَهُ إِلى الرًشيدِ فَسَأَله عَنْ عَمِّهِ فَسَعى به إِليه وقالَ له : إنَ الأَموال تُحمَلُ إِليه من المَشْرِقِ والمَغْرِب ، وأنه اشترى ضيعةً سمّاها اليَسيرَةَ بثلاثين أَلف دينار، فقالَ له صاحِبُهَا - وقَدْ أَحْضَره المال - لا اخُذُ هذا النَّقْدُ ، ولا آخُذُ إِلا نَقْدَ كذا وكذا، فأَمَرَ بذلك المال فرُدَّ وأَعطاه ثلاثين أَلف دينارٍ من النَّقْدِ الَّذي سَأَلَ بعَيْنِه . فَسَمِعَ ذلك منه الرَّشيدُ وأمَرَ له بمائتي أَلفِ درهمٍ تَسْبيباً(1) على بَعْضَِ النَّواحي ، فاخْتارَ بَعْضَ كُوَرِ المَشْرِقِ ، ومَضَت رُسُلُه لِقَبْضِ المالِ وأَقامَ يَنْتَظِرهُمْ ، فَدَخَلَ في بَعْضِ تلك الأيام إِلى الخلاءِ فَزَحَر زَحْرَةً خَرَجَتْ منها حشْوَتُهُ(2) كُلُّها فَسَقَطَ ، وجَهَدُوا في
____________
(1) في «م » وهامش «ش » : سُبِّبَ .
وسبِّبَ مشتق من السبب ، وهو كل ما يتوصل به الى الشيء ، ومن هذا الباب تسببُ مالِ الفيء ، لانّ المسبّب عليه المال جعل سبَباً لوصول المال الى من وجب له من أهل الفيء . «تهذيب اللغة- سبب - 12 : 314، لسان العرب -سبب - 1 : 458».
(2) في هامش «ش » : الحشوة: ما في البطن .

(239)
رَدِّها فَلَمْ يَقْدِروا ، فوَقَعَ لمِا بِهِ(1) ، وجاءهُ المالُ وهُو َيَنْزِعُ ، فقالَ : ما أَصْنَعُ به وأَنا في الموتِ ؟!
وخَرَجَ الرَّشيدُ في تلْكَ السَّنةِ إِلى الْحَجِّ ، وبدَأ بالمدينةِ فَقبضَ فيها على أَبي الحسن موسى عليه السلامُ . ويقالُ : انَّه لَمّا وَرَدَ المدينةَ اسْتَقْبَلهُ موسى بن جعفر في جَماعَةٍ من الأشرافِ ، وانْصرَفُوا مِنْ اسْتِقْبالهِ ، فمَضى أَبو الحسن إِلى المسجد على رَسْمِهِ ، وأَقامَ الرَّشيدُ إِلى الليل وصارَ إِلى قَبْرِ رَسُولِ اللهِّ صلّى اللهُّ عليهِ وآلهِ ، فقالَ : يا رَسُولَ الله ، إِنَّي أَعْتَذِرُ إِليك مِنْ شيءٍ أُريدُ أَنْ أفْعَله ، أُريدُ أَنْ أحْبسَ موسى بنَ جعفر، فإِنَّهُ يُريدُ التَّشْتيتَ بَيْنَ أُمَّتِك وسَفْكَ دِمائِها .
ثم أمَرَ به فأُخِذَ مِنَ المَسْجِدِ فأُدْخِلَ إِليه فَقَيَّده ، واسْتَدْعى قبتين فَجَعَلَه في إِحْداهما على بَغْلٍ ، وجَعَلَ القُبَّةَ الأخْرى على بَغْلٍ اخَرَ، وخَرَجَ البَغْلانِ مِنْ دارِهِ عليهما القُبتانِ مَسْتُورَتانِ ، ومع كلِّ واحدةٍ منهما خَيْلٌ ، فافْتَرَقَتِ الخَيْلُ فمَضى بَعْضُها مع إِحدى القُبَتَيْنِ على طريق البصرةِ، والأخرى على طريق الكوفةِ، وكانَ أَبو الحسن عليه السلامُ في القُبّةِ التي مُضِيَ بها على طريق البصرةِ . وانَّما فَعَلَ ذلك الرشيدُ ليُعمّي على الناس الأَمرَ في باب أَبي الحسن عليهِ السلامُ .
وأَمَرَ القَوْمَ الّذينَ كانوا مع قُبّةِ أبي الحسن أَنْ يُسلِّمُوه إِلى عيسى بن جعفر بن المنصور، - وكانَ على البصرةِ حينئذٍ - فَسُلِّمَ إِليه فَحَبَسَه عِنْدَه سَنَةً، وكَتَبَ إِليه الرَّشيدُ في دَمِهِ ، فاستدعى عيسى بنُ جعفر بَعْضَ خاصَّتِهِ وثِقاتِهِ فَاسْتَشارَهُمْ فيما كَتَبَ به الرَّشيدُ، فاشاروا عليه
____________
(1) لما به : اي ان حالته حالة الموت .
(240)
بالتَوَقفِ عن ذلك والاسْتِعْفاءِ منه ، فكَتَبَ عيسى بن جعفر إِلى الرَّشيدِ يَقُولُ لَه : قد طالَ أَمْرُ موسى بن جعفر ومًقامُهُ في حَبْسي ، وقَدْ اخْتَبَرْتُ حالَه ووَضَعْتُ عليه الْعُيُونَ طُولَ هذهِ المُدّة، فَما وَجَدْتُه يَفْتُرُعن العبادةِ، ووَضَعْتُ مَنْ يَسْمَعُ منه ما يَقُولُ في دعائِهِ فَما دَعا عليك ولا عَلَيَّ ولا ذَكَرَنا في دُعائِهِ بسوءٍ ، وما يَدْعُو لِنَفْسِهِ إِلا بالمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ ، فإِنْ أَنْتَ أَنْفَذْتَ إِلَيَ مَنْ يَتَسَلّمُهُ مِنّي وإلا خَلَّيْتُ سَبيلَه فإِننّي مُتَحَرِّجٌ من حَبْسِهِ .
ورُوي : أنَّ بَعْضَ عُيونِ عيسى بن جعفر رَفَعَ إِليه أَنّه يَسْمَعُهُ كثيراً يَقُولُ في دعائِهِ وهو مَحْبوُسٌ عِنْدَه : «اللهم إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنّي كُنْتُ أَسْاَلكَ أَنْ تُفَرغَني لعبادتِكَ ، اللهُمَّ وقَدْ فَعَلْتَ فلك الحمدُ» .
فوجّه الرشيدُ مَنْ تَسَلَّمَهُ من عيسى بن جعفر، وصَيَّرَ به إِلى بغداد، فسُلِّم إِلى الفَضْل بن الربيع فبقي عِنْدَه مُدّةً طويلةَ فأَرادَهُ الرشيدُ على شيءٍ من أَمْرِهِ فأَبى، فكَتَبَ إِليه بتسليمهِ إِلى الفَضْل بن يحيى فَتَسَلَّمَهُ منه ، وجَعَلَهُ في بَعْض حُجَرِ دارهِ ووَضَعَ عليه الرَّصَدَ، وكانَ عليه السلامُ مَشْغُولاً بالعبادةِ يُحيي اللّيَلَ كُلَّه صلاةً وقراءةً للقرآنِ ودُعاءاً واجتهاداً، ويَصُوم النَهارَ في أَكْثَرِ الأيّامِ ، ولا يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ المِحْرابِ ، فَوَسَّعَ عليه الفَضْلُ بن يحيى وأَكْرَمَة.
فاتَّصل ذِلك بالرشيد وهو بالرَّقَّةِ(1) فكَتَبَ إِليه يُنكِرُ عليه تَوْسِعَتَه على موسى ويأمُرُه بقَتْلِهِ ، فَتَوَقَفَ عن ذلك ولم يُقْدِمْ عليه ، فاغْتاظَ الرَّشيدُ
____________
(1) الرَقة : مدينة مشهورة على الفرات معدودة في بلاد الجزيرة لأنها من جانب الفرات الشرقي ، وهي الآن احدى مدن سوريا ، انظر «معجم البلدان 3 : 59 » .
(241)
لذلك ودَعا مَسْرُوراً الخادمَ فقالَ له : اُخْرُجْ على البريدِ(1) في هذا الوقتِ إِلى بغداد، وادْخُلْ من فَوْرك على موسى بن جعفر، فإِنْ وَجَدْتَه في دَعَةٍ ورَفاهيةٍ فأَوْصِلْ هذا الكتابَ إِلى العبّاسِ بن محمّد ومُرْهُ بامْتِثالِ ما فيه . وسَلَّمَ إليه كتاباً آخرَ إِلى السِنْدي بن شاهَك يَأْمُرُه فيه بطاعةِ العباس بن محمد.
فقَدِمَ مَسْرُورٌ فَنَزَلَ دارَ الفضل بن يحيى لا يَدْري أَحَدُ ما يُريد، ثَم دَخَلَ على موسى بن جعفرعليه السلام فَوَجَدَه على ما بَلَغَ الرَّشيدَ، فَمضَى مِنْ فَوْرِه الى العبّاس بن محمّد والسنديّ بن شاهَكَ فَأَوْصَلَ الْكتابَيْنِ إِليْهِما، فلم يَلْبث الناسُ أَنْ خَرَجَ الرسُولُ يَرْكُضُ إِلى الفضل بن يحيى ، فَرَكِبَ معه وخَرَجَ مَشْدُوهاً دَهِشاً حتى دَخَلَ على العباس بن محمد ، فدَعا العباسُ بِسِياط وعقَابَينِ (2) وأَمَرَ بالْفَضْل فجُرِّدَ وضرَبَه السِندي بين يَدَيْه مائةَ سَوْطٍ ، وخَرَجَ مُتَغَيِّرَ اللوْنِ خِلافَ ما دَخَلَ ، وجَعَلَ يُسلِّمُ على النّاس يَميناً وشِمالاً .
وكَتَبَ مَسْرُورٌ بالخبرِ إِلى الرشيدِ، فأمَرَ بتسليم موسى عليه السلامُ إِلى السِنديّ بن شاهَكَ ، وجَلَسَ الرَّشيدُ مَجْلِساً حافِلاً وقالَ : أَيُّها النّاسُ ، إِنّ الفضلَ بن يحيى قد عَصاني وخالَفَ طاعَتي ، ورأَيْتُ أَنْ أَلعَنَه فالْعنُوه لَعَنَه اللهُّ . فَلَعَنَه النّاسُ مِنَ كُلِّ ناحيةٍ ، حتى ارتجَّ البَيْتُ والدارُ بلَعْنِهِ .
وبَلَغَ يحيى بن خالد الخَبَرُ، فَركِبَ إِلى الرشيدِ فَدَخَلَ من غَيْر
____________
(1) في هامش «ش »: حُمل فلان على البريد، وخرج على البريد: اذا كان رُتب له في كل مرحلة مركوب فينزل عن المعييٌ الوجع ويركب القارّ المتودع ، وكذا في جمع المنازل .
(2) في هامش «ش»: العقابان : آلة من آلات العقوبة لها طرفان اذا شال احدهما نزل الآخر وبالعكس حتى تأتيا على روحه .

(242)
الباب الذي تَدْخُلُ الناسُ منه ، حتى جاءهُ مِنْ خَلْفِهِ وهو لا يَشْعُرُ، ثمَّ قالَ لَه : الِتفتْ - يا أَميرَ المؤمنين -إِليٌ ،فأَصْغى إِليه فَزِعاً، فقالَ له : إِنَّ الْفَضْلَ حَدَثٌ ، وأَنا أَكْفيكَ ما تريد، فانْطَلَقَ وَجْهُهُ وسُرَّ، وأَقبَلَ على النّاسِ فقالَ : إِنَّ الفَضْلَ كانَ قد عَصاني في شيءٍ فَلَعَنْتُه ، وقد تابَ وأَنابَ إِلى طاعَتي فَتَوَلّوْهُ . فقالُوا: نَحْنُ أَولياءُ مَنْ والَيْتَ ، وأَعداءُ مَنْ عادَيْتَ وقد تَوَليناه .
ثمَّ خَرَجَ يحيى بن خالد على البريدِ حتّى وافى بغداد، فماجَ النّاسُ وأَرجَفُوا بكلِّ شيءٍ، وأَظْهَرَ أَنّه وَرَدَ لتعديِل السَّوادِ والنَّظَرِ في أمْرِ العُمّال ، وتَشاغَلَ ببعضِ ذلك أَيّاماً، ثم دَعا السِندي فأَمَرَه فيه بأَمْرهِ فامْتَثَله.
وكانَ الذي تَوَلّى به السِندي قَتْلَهُ عليه السلامُ سمّاً جَعَلَهُ في طعامِ قَدَّمَه إِليه ، ويقال: انَّه جَعَلَه في رُطَبِ أَكَلَ منه فأَحَسَّ بالسُّمِّ ، ولَبثَ ثلاثاً بَعْدَه مَوْعُوكاً منه ، ثم ماتَ في اليًوْمِ الثالثِ (1) .
وَلمّا ماتَ موسى عليه السلام أَدْخَلَ السندي بن شاهَك عليه الفقهاءَ ووُجُوهَ أَهْل بغداد، وفيهم الهَيْثَم بن عَدِيّ وغَيْرُه ، فنَظَرُوا إِليه لا أَثَرَ به من جَراحٍ ولا خَنْقٍ ، وأَشْهَدَهُم على أَنّه ماتَ حَتْفَ أَنفِهِ فَشَهدُوا على ذلك .
وأُخْرِجَ ووُضعَ على الجسرِ ببغداد، ونُودِيَ : هذا موسى بن جعفر قد ماتَ فَانْظُرُوا إِليه ، فَجَعَلَ النّاسُ يَتَفَرَّسُونِ في وَجْهِهِ وهو
____________
(1) في هامش «ش» : روي انه أذاب الرصاص فصبّه في حلق الكاظم عليه السلام فكان سببَ موته .
(243)
ميِّتٌ ، وقد كانَ قَوْمٌ زَعَمُوا في أَيّامِ موسى أَنّه القائمُ المُنْتَظَرُ، وجَعَلَوا حَبْسَه هو الغيبةَ المذكورةَ للقائمِ ، فأَمَرَ يحيى بن خالد أَنْ ينادى عليه عِنْدَ مَوْتِه : هذا موسى بن جعفر الذي تَزَعَمُ الرّافِضَةُ أَنّه لا يَمُوتُ فَانْظُرُوا إِليه ، فَنَظَرَ النّاسُ إِليه ميِّتاً . ثم حُمِلَ فدُفِنَ في مَقابِرِ قُرَيْشٍ (1) في باب التّبن (2) ، وكانَتْ هذهِ المَقْبَرةُ لبني هاشمٍ والأشرافِ مِنَ النّاسِ قَديماً .
ورُوِيَ : أنٌه عليه السلامُ لمّا حَضَرَتْهُ الوفاةُ سَأَلَ السنديَّ بن شاهَكَ أَنْ يحُضِرَه مَوْلىً له مَدَنيّاً يَنْزِلُ عِنْدَ دارِ العباسِ بن محمّد في مَشرعَةِ القَصَب (3) ، ليتوَلّى غُسْلَه وتَكْفينَه ، ففَعَلَ ذلك . قالَ السِّنْدي بن شاهَك : وكُنْتُ أَسْأًلُه في الإذْنِ لي في أَنْ أُكَفِّنَهُ فأَبى ، وقالَ : «إنّا أَهْلُ بَيْتٍ ، مُهورُ نسائنا وحَجُّ صرُورَتِنا وأَكْفانُ موتانا مِنْ طاهِر أَمْوالِنا، وعِنْدي كَفَنٌ ، وأُريدُ أَنْ يَتَوَلّى غُسْلي وجَهازي مولايَ فلان » فَتَوَلّى ذلك منه (4) .

* * *

____________
(1) مقابر قريش: هي مدينة الكاظمية الحالية.
(2 ، 3) باب التبن ومشرعة القصب من مناطق بغداد في تلك الايام .
(4) رواه ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين : 501 ، وقد سقطت منه بعض الفقرات ، والشيخ الطوسي في الغيبة : 26 |6 مثل ما في الارشاد ، وذكره مختصراً الطبرسي في اعلام الورى : 299 ، وابن الصباغ في الفصول المهمة : 238، ونقله العلامة المجلسي في البحار 48 : 234 | 39 .

(244)

باب
عَدَدِ أَولادِهِ وطرفٍ مِنْ أخْبارِهِمْ
وكانَ لأبي الحسن موسى عليه السلامُ سَبْعَةٌ وثلاثونَ وَلَداً ذَكَراً وأنثى مِنْهم : عليُّ بن موسى الرضا عليهما السلامُ ، وابراهيمُ ، والعباسُ ، والقاسمُ ، لأمهاتِ أَولادٍ .
وإسماعيلُ ، وجعفرُ، وهارونُ ، والحسينُ ، لأمّ ولدٍ .
وأَحمدُ ، ومحمدُ ، وحمزةُ ، لأمّ ولدٍ .
وعبدُ اللّهِ ، وإسحاقُ ، وعُبَيْدُ الله ، وزيد، والحسنُ ، والفضلُ ، وسليمانُ ، لأمَّهاتِ أَولادٍ .
وفاطمةُ الكبرى، وفاطمةُ الصغرى، ورُقَيّةُ، وحَكيمةُ، وأُمّ أَبيها، ورُقيّةُ الصُغرى ، وكلثم، وأمّ جعفرٍ ، ولُبابَةُ ، وزينبُ ، وخديجةُ ، وعُلَيّةُ ، وآمِنة ، وحَسَنَةُ ، ،وبريهةُ ، وعائشةُ ، وأُمُّ سلمة ، وميمونةُ ، وأُمُّ كلثوم ، لأمّهات أَولادٍ .
وكانَ أَفضلَ ولد أَبي الحسن موسى عليهم السلامُ وأنبَهَهُم وأَعْظَمَهُم قَدْراً وأَعلَمَهُمْ وأَجْمعَهم فَضْلاً أَبو الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلامُ .
وكانَ أحمدُ بن موسى كريماً جليلاً وَرِعاً، وكانَ أَبو الحسن موسى عليه السلامُ يُحِبّه ويُقَدِّمه ، وَوَهَبَ له ضَيْعَتَه المعروفةَ بالْيَسيرةِ . ويُقالُ : إِنّ
(245)
أحمد بن موسى رَضِيَ اللّهُ عنه أَعْتَقَ أَلفَ مَمْلوك .
أخْبَرَني الشريفُ أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى قالَ : حَدَّثَنا جَدِّي قالَ : سمعت إِسماعيلَ بن موسى يَقُولُ : خَرَجَ أبي بوَلَدِه إِلى بَعْض أَمْوالِه بالمدينةِ - وأَسْمى ذلك المالَ إلا أَنَّ أَبا الحسين يحيى نَسِيَ الاسْمَ - قالَ : فكُنَّا في ذلك المكانِ ، وكانَ مع أَحمد بن موسى عشرونَ من خَدَمِ أَبي وحَشَمِهِ ، إِنْ قامَ أَحمدُ قاموا معه ، وان جَلَسَ جَلَسُوا معه ، وأَبي بعد ذلك يَرْعاهُ بِبَصَرِهِ ما يَغْفُلُ عنه ، فما انْقَلَبْنا حتى انْشَجّ (1) أحمد بن موسى بيننا(2) .
* وكانَ محمدُ بن موسى من أهلِ الفضلِ والصَّلاحِ. أَخْبَرَني أَبو محمد الحسن بن محمّد بن يحيى قالَ : حَدَّثني جدِّي قالَ : حَدَّثَتْني هاشميةُ مولاة رُقَيَّة بنت موسى قالَتْ : كان محمَّدُ بن موسى صاحبَ وُضوء وصَلاةٍ ، وكانَ لَيْلَهُ كلَّه يتوضأ ويُصَلِّي فَنَسْمَعُ سَكْبَ الماءِ والوُضوء ثمَّ يُصَلِّي لَيْلاً ثمَّ يَهْدَأ ساعَةً فيَرقُدُ، ويَقُومُ فَنَسْمَعُ سَكْبَ الماءِ والوضوء ثَم يُصَلِّي ثمَّ يَرْقُد سًويعةً ثمَّ يَقُومُ فَنَسمَعُ سكْبَ الماءِ والوُضوء، ثمَّ يصّلِّي فلا يَزالُ ليلَه كذلك حتى يُصبِحَ ، وما رَأيْتهُ قَطُّ إِلا ذَكَرْتُ قَوْلَ اللهِ تعالى :( كَانُوا قَليلاً مِنَ اللَيْلِ مَا يَهْجَعًونَ )(3) ، (4) .
وكان إِبراهيمُ بن موسى سَخِيّاً شجاعاً كَريماً، وتَقَلَّد الإمْرَةَ على
____________
(1) في هامش «ش » و«م » : أي اصابته مع تلك المراعاة العظيمة اصابته شجٌة .
(2) نقله العلامة المجلسي في البحار 48 : 287| 2 .
(3) الذاريات 51: 17 .
(4) ذكره مختصراً ابن الصباغ في الفصول المهمة : 242 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 48 : 287 |3 .

(246)
اليمن في أَيّام المأمونِ من قِبَلِ محمد بن زيد(1) بن عليّ بن الحسين بن عليِّ ابن أبي طالبَ الذي بايَعَهُ أَبو السرايا بالكوفةِ ، ومَضى إِليها فَفَتَحَها وأَقامَ بها مدّةً إِلى أَنْ كانَ مِنْ أمرِ أَبي السرايا ما كان ، فأُخِذَ له الأمانُ مِنَ المَأمونِ.
ولكلِّ واحدٍ من ولد أَبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلامُ فَضْلٌ ومَنْقَبَةٌ مشهورةٌ ، وكانَ الرضا عليه السلامُ المقدَّمَ عليهم في الْفَضْلِ حَسَبَ ما ذَكَرْناهُ .
* * *

____________
(1) هذا نسبة الى الجدّ، وهو محمد بن محمد بن زيد كما صرّح به الطبري في تاريخه 8 : 529، والنجاشي في ترجمة علي بن عبيد اللّه بن حسين العلوي : 256| 671 .