بابُ
ذِكْرِ الإِمام القائم
بَعْدَ أَبي الحسن موسى عَليه السلامُ مِنْ ولده ،
وتاريخِ مَوْلِدِه ودلائلِ إِمامتهِ ، ومَبْلَغِ سِنِّهِ ،
ومُدَّة خِلافَتِهِ ، ووَقْتِ وَفاتِهِ وسَبَبِها ، ومَوْضِعِ
قَبْرِه ، وعَدَدِ أَوْلادِهِ ، ومُخْتَصَرٍ مِنْ أَخْبارِهِ

وكانَ الإمامُ بَعْدَ أَبي الحسن موسى بن جعفر ابنَه أَبا الحسن عليَّ بن
موسى الرضا عليهما السلامُ لِفَضْلهِ على جماعةِ إِخْوَتهِ وأَهْلِ بَيْتِهِ ، وظُهورِ
عِلْمِهِ وحِلْمِهِ ووَرَعِهِ واجْتهادِهِ ، واجْتماعِ الخاصّةِ والعامّةِ على ذلك فيه
ومَعْرِفَتِهِمْ به منه ، وبِنَصِّ أَبيهِ على إِمامَتِهِ عليه السلام من بَعْده وأشارته إِليه
بذلك دونَ جَماعَةِ إِخْوَتهِ وأَهْلَ بَيْتِهِ .

وكانَ مَوْلدُهُ بالمدينةِ سنةَ ثمانٍ وأَربعينَ ومائة . وقًبضَ بطوسٍ من
أَرْضِ خُراسان ، في صفر من سنة ثلاثٍ ومائتين ، وله يومئذٍ خمسٌ
وخمسونَ سنة، وأمُّه أُمُ ولدٍ يُقالُ لها : أُمّ البنين . وكانَتْ مُدَّةُ إِمامَتِهِ وقِيامِهِ
بَعْدَ أَبيه في خِلافتهِ عشرين سنةً .
فصل

فممَّنْ رَوَى النَصَّ على الرضا عليِّ بن موسى عليهما السلامُ بالإمامة
(248)
من أَبيه والإشارةِ اليه منه بذلك ، من خاصّتهِ وثِقاتِهِ وأَهلِ الوَرَعِ والعِلْمِ
والفِقْهِ من شيعته : داودُ بن كَثير الرَقّي ، ومحمّدُ بن إِسحاق بن عمّار، وعليُّ
بن يَقْطينَ ، ونُعَيمُ القابوسيّ ، والحسينُ بن المختار، وزيادُ بن َمروان ،
والمخَزومي ، وداودُ بن سليمان ، ونَصر بن قابوس ، وداود بن زرَبْيّ، ويزيد
ابن سَليط ، ومحمّد بن سِنان .

أَخْبَرَني أَبُو القاسم جعفرُ بن محمد بن قولويه ، عن محمدِ بن
يعقوب ، عن أَحمدَ بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن سنان
وإسماعيل بن غياث القصري جميعاً عن داود الرَقّي قالَ : قُلْتُ لأبي
إِبراهيم عليه السلام : جُعِلْتُ فِداكَ ، إِنّي قَدْ كَبُرت سِنِّي فَخُذْ بِيَدِي
وأنقِذْني ِمن النارِ، مَنْ صاحِبُنا بَعْدَكَ ؟ قالَ : فأَشارَ إِلى ابْنِهِ أَبي الحسن فقالَ :
«هذا صاحِبُكم مِنْ بَعْدي »
(1) .

أَخْبَرَني أَبُو القاسم ُ جعفر بن محمد، عن محمد يعقوب الكليني ،
عن الحسين
(2) بن محمد، عن معلّى بن محمد ، عن أَحمد بن محمد بن
عبد الله ، عن الحسن ، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن إسحاق بن عمّار
قالَ : قُلْتُ لأبي الحسن الأول عليه السلامُ : أَلا تَدُلني على مَنْ آخُذُ
____________
(1) الكافي1: 249| 3، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 23| 7، غيبة الطوسي : 34|
9، الفصول المهمه لابن الصباغ : 243 ، اعلام الورى : 304، ونقله العلامة المجلسي في
البحار 49 : 23 | 34 .
(2) في «م » : ظاهره الحسن بن محمد، وهو الموجود في «ش» ، وفي «ح » :الحسين ، وهو الصواب وفقاً
للكافي وهو متكرر في اسناد الكافي ، وهو الحسين بن محمد بن عامر الأشعري الذي يروي كتب
معلى بن محمد البصري كما في رجال النجاشي : 1117|418 ، وشرست الشيخ :
732|165، ونظيرهما في رجال الشيخ 515| 132 ، ومشيخة الصدوق 4 : 136 .
(249)
عنه ديني ؟ فقالَ : «هذا ابني علي ، إنّ أبي أخَذ بيدَي فأدْخَلَني إلى قبر رَسُول
اللهِّ صلّى اللّهُ عليهِ والهِ ، فقالَ لي : يا بُنَيَّ ، إِنَّ اللهَّ جَلَ وعَلا قالَ : (
إِنْي
جَاعِلٌ في الأرْضِ خَليفَةً
ً)
(1) وإنَّ اللّهَ إذا قالَ قَوْلاً وَفى بِهِ »
(2) .

أَخْبرَني أَبوُ القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
محمد بن يحيى ، عن أَحمدَ بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب ،
عن الحسين
(3) بن نُعَيمْ الصحّاف قالَ : كُنْتُ أَنا وهُشامُ بن الحكم وعليّ
ابن يقطين ببغداد، فقالَ عليُّ بن يقطين : كُنْتُ عند العبدِ الصالحِ
فقالَ لي : «يا عليَّ بن يقطين ، هذا علي سيدُ ولدي ،أما إنّي قد نَحَلْتُهُ
كنيتي » وفي روايةٍ أُخْرى «كًتُبي » فَضَرَب هشامُ براحَتِهِ جَبْهَتَه ، ثمَّ قالَ :
وَيْحَكَ ، كَيْفَ قُلْتَ؛ فقالَ عليُّ بن يقطين : سمعتُهُ واللّهِ منه كما قُلْتُ ،
فقالَ هُشامُ : إِنَّ الأمْرَ واللّهِ فيه من بَعْدِهِ
(4) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
عدّةٍ من أَصْحابهِ ، عن أحمدَ بن محمد بن عيسى ، عن معاوية بن حكيم ،
عن نُعَيْم القابوسي ، عن أَبي الحسن موسى عليه السلامُ قالَ : «ابْني علي
أَكْبَرُ ولدي ، وأثرهُم عندي ، وأَحَبُّهُمْ إِليَّ ، وهو يَنْظُر معي في الجَفْرِ، ولم
____________
(1)البقرة 2 : 30 .
(2) الكافي1 : 249 | 4 ، غيبة الطوسي : 34| 10 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 : 24 |
35 .
(3) كذا في «م » وهو الموجود في الكافي ، وفي «ش » و«ح » : الحسن ، وهو تصحيف كما يعلم من
رجال النجاشي : 53| 120 ، وفهرست الشيخ : 56 | 217 ، ورجال الشيخ : 463 | 11.
(4)الكافي 1: 248| 1 ، عيون اخبار الرضا عليه السلام 1: 21| 3، غيبة الطوسي : 35 | 11.
(250)
يَنْظُرْ فيه إِلا نبيٌّ أَووَصِيُّ نبيٍّ »
(1) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن أحمدَ
ابن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن سنان ، وعليّ بن الحكم -جميعاً-
عن الحسين بن المختار قالَ : خَرَجَتْ إِلينا أَلْواحٌ من أبي الحسن موسى
عليه السلامُ وهو في الحبس : «عهدي إِلى أكبر ولدي أَن يَفْعَلَ كذا وأَنْ
يَفْعَلَ كذا ، وفلانٌ لا تُنِلْه شَيْئاً حتى أَلقاكَ أَويَقْضيَ اللهُّ عَلَيَّ الموتَ »
(2) .

وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن (زياد
ابن مروان القندي
(3) ، قال : دَخَلت على أَبي إبراهيم وعنده أَبو الحسن
ابنُه عليهما السلام فقالَ لي : «يا زياد، هذا ابني فلان ،كتابُه كتابي ،
وكلامه كلامي ، ورسولُه رسولي ، وما قالَ فالقَوْلُ قَوْلي »
(4) .

وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن
الفُضَيْل قالَ : حَدَّثَني المخزومي - وكانَتْ أُمُّه من ولد جعفر بن أبي طالب -،
قالَ : بَعَثَ إِلينا أَبو الحسن موسى فَجَمَعَنا ثم قالَ : «أَتَدْرونَ لِمَ
____________
(1) الكافي1: 249| 2 ، عيون اخبار الرضا عليه السلام 1 : 1 3| 27 ،وفيه «واسمعهم لقولي
وأطوعهم لأمري »بدل : «وآثرهم عندي واحبهم الي » غيبة الطوسي : 36| 12 ، مناقب
ابن شهرآشوب 4 : 367 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 : 24 | 36 .
(2) الكافي 1 : 250 | 8، عيون اخبار الرضا عليه السلام 1 : 30| 23 ، مختصراً، غيبة
الطوسي : 36| 13 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 : 24 | 37 .
(3) قال الصدوق - رحمة الله عليه - في عيون أخبار الرضا عليه السلام : ان زياد بن مروان القندي
روى هذا الحديث ثم انكره بعد مضي موسى عليه السلام ، وقال بالوقف وحبس ما كان عنده
من مال موسى بن جعفر عليه السلام .
(4) الكافي 1 : 249| 6، عيون اخبار الرضا عليه السلام 1 : 1 3| 25 ، غيبة الطوسي : 37|
14 ، الفصول المهمة : 244 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 : 19 | 23 .
(251)
جَمَعُتكُمْ ؟» فقلُنْا : لا ، قال : «اشْهَدُوا أَنَّ ابني هذا وَصِّي ، والقَيِّمُ بأَمْريَ ،
وخليفتي من بعدي ، مَنْ كان له عندي دَيْنٌ فَلْيَأْخذْه من ابني هذا، ومَنْ
كانَتْ له عندي عِدَةٌ فَلْيَتَنَجزْها منه ، ومَنْ لم يَكُنْ له بدٌ من لقائي فلا
يَلْقَني إلا بِكتابهِ »
(1) .

وبهذا الإسناد عن محمد بن علي ، عن أَبي علي الخزاز، عن داود بن
سليمان قالَ : قُلْتُ لأبي إبراهيم عليه السلامُ : إنّي أَخافُ أنَ يَحْدُثَ
حَدَثٌ ولا أَلقاك ، فأَخْبِرْني مَن الإمامُ بعدك ؟ فقالَ : «ابني فلانٌ » يعني أَبا
الحسن عليه السلامُ
(2) .

وبهذا الإسناد عن ابن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن سعيد بن أَبي
الجهم ، عن نصر بن قابوس ، قالَ : قُلْتُ لأبي إبراهيم عليه السلامُ : إِنّني
سَأَلْتُ أَباك : مَن الذي يكون من بعدك ؟ فأَخْبَرَني أَنَّكَ أَنْتَ هُو، فَلَمّا تُوفَي
أَبو عبد الله عليه السلامُ ، ذهب الناسُ يميناً وشمالاً، وقُلْتُ بك أَنا
وأَصحابي ، فأَخْبرْني مَن الذي يكون بعدك من ولدك ؟ قالَ : «ابني
فلانٌ »
(3) .

وبهذا الإسناد عن محمد بن علي ، عن الضحّاك بن الأشعث ، عن
____________
(1) الكافي1: 249 | 7، عيون اخبار الرضا عليه السلام 1 : 27 | 14 ، غيبة الطوسي : 37|
15 ، الفصول المهمة : 244 ، ونقله المجلسي في البحار 499 : 16 | 12 .
(2) الكافي1 : 250| 11 ، عيون اخبار الرضا عليه السلام 1 : 23| 8، باختلاف يسير، غيبة
الطوسي : 38| 16 ، ونقله المجلسي في البحار 49 : 24 | 38 .
(3) الكافي : 1 : 250| 12 ، عيون اخبار الرضا عليه السلام 1 : 31| 26 ، وفيه : ابني علي ،
رجال الكشي : 451| 849 ، غيبة الطوسي : 38| 17 ، ونقله المجلسي في البحار 49 :25|
39 .
(252)
داود بن زَربِيّ قالَ : جِئْتُ إِلى أَبي إِبراهيم عليه السلامُ بمالٍ ، فأَخَذَ بَعْضَه
وتَرَكَ بَعْضَه ، فقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّهُ لأيِّ شيءٍ تَرَكْتَه عندي ؟ فقالَ : «إِنَّ
صاحبَ هذا الأمر يَطْلُبه منك » فَلَمّا جاءَ نَعْيُه بَعَثَ إِليَّ أَبو الحسن الرضا
عليه السلامُ فَسَأَلَني ذلكَ المالَ فَدَفَعْتُه إِليه
(1) .

وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن عليّ بن
الحكم ، عن عبد الله بن إِبراهيم بن عليّ بن عبد الله بن جعفر بن أَبي
طالب ، عن يزيد بن سليط - في حديث طويل - عن أَبي إِبراهيم عليه
السلام أَنّه قالَ في السنة التي قُبِضَ عليه فيها : «إِنّي أؤخَذُ في هذه السنة،
والأمرُ إِلى ابني عليٍّ سَمِيُّ عليِّ وعليٍّ ، فأَمّا علي الأوٌلُ فعَليًّ بن أَبي طالب ،
وأَمّا علي الآخر فعليّ بن الحسينَ - صلوات اللهّ عليهم - أُعْطِيَ فَهْمَ الأوَّلِ
وحِلْمَه ونَصْرَه ووَرَعَه ووِرْدَه ودينَه ، ومِحْنَةَ الآخرَ وصَبْرهَ على ما يَكْرَه »
(2) في
الحديثِ
(3) بطولهِ .

أَخْبَرَني أَبُو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد، عن محمد بن علي وعُبَيْدِالله بن
المرْزبان ، عن ابن سنان قالَ : دَخَلْتُ على أبي الحسن موسى عليه السلام
من قبل أَن يقْدَمَ العراقَ بسنةٍ ، وعلي ابنهُ جالسٌ بين يديه ، فنَظَر الَىٌ وقالَ :
«يا محمّد، إِنّه سَيَكُون في هذه السنة حَرَكَةٌ فلا تَجْزَعْ لذلكَ » .
____________
(1) الكافي 1 : 250 | 13 ، غيبة الطوسي : 93| 18 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 368، وذكره
بإختلاف يسير الكشي في رجاله : 313| 565 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 :25|
(2) الكافي 1 : 252 | ذيل الحديث 14 ، غيبة الطوسي : 40 | 19 .
(3) في هامش «ش» : يعني المَروي أو الموُرد.
(253)

قال : قلت : وما يكونُ جَعَلَني اللهُ فداك فقد أَقْلَقْتَني ؟

قالَ : «أَصيرُ إِلى هذه الطاغية ، أَما إِنّه لا يَنْداني
(1) منه سوء، ولامِن
الذي يكون من بعده » .

قال : قلت : وما يكون ، جَعَلَني اللهُ فداك ؟

قالَ : (
يُضِلُّ اللّهُ الظّاِلمينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ
)
(2) .

قالَ : قُلْتُ : وما ذاك ، جَعَلَني اللهُ فداك ؟

قالَ : «مَنْ ظَلَمَ ابني هذا حَقَّه وجَحَدَه إِمامَته من بعدي ، كانَ كمن
ظَلَم عليَّ بن أَبي طالب عليه السلام إمامَته وجَحَدَه حقَّه بعد رسولِ اللهِ
صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ ».

قالَ : قُلْتُ : واللهِ لئن مَدَّ اللهّ لي في العمر لأسَلَمَنَّ له حقَّه ولأقِرنّ
بإمامته.

قالَ : «صَدَقْتَ - يا محمّد- يَمُدُّ اللهُ في عُمْركَ ، وتُسَلّم له حقَّه ، وتُقِرّ
له بإِمامته وإمامة مَنْ يكونُ من بعده » .

قالَ : قُلْتُ : ومَنْ ذاك ؟

قالَ : «ابنُه محمّد» .

قالَ : قُلْتُ : له الرّضى والتسليم
(3) .
____________
(1) في هامش «ش » : لا ينداني : أي لا يصيبني ، وهومن حر الكَلام .
(2) ابراهيم 14 : 27 .
(3) الكافي 1 : 256 | 16 ، غيبة الطوسي : 8|32 ، وأورده الصدوق في عيون اخبار الرضا عليه
السلام 1 : 32| 29 ، باختلاف ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 : 22 |27 .
(254)
باب
ذكر طرَفٍ من دلائلهِ وأَخْبارِه

أَخْبَرَني جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوبِ ، عن محمد بن يحيى ،
عن أحمدَ بن محمد، عن ابن محبوب ، عن هشام بن أَحمر قالَ : قالَ لي أبو
الحسن الأوّلُ عليه السلامُ : «هل عَلِمتَ أحداً من أَهل المغرب قَدِمَ ؟»
قُلْتُ : لا، قالَ : «بلى، قد قَدِمَ رَجُلٌ من أَهلِ المغرب المدينَة ، فانَطلِقْ بنا»
فرَكِبَ ورَكِبْتُ معه حتى انتهينا إِلى الرجل ، فإِذا رجلٌ من أَهلِ المغرب
معه رقيقٌ ، فقُلْتُ له : إِعرِضْ علينا، فعَرَضَ عليناسبْعَ جَوارٍ كلُّ ذلكَ
يَقُولُ أَبو الحسن عليه السلام : «لا حاجةَ لي فيها» ثم قالَ : «اعرِضْ
علينا» فقالَ : ما عندي إِلا جاريةٌ مريضةٌ ، فقالَ له : «ما عليك أن تَعْرِضَها؟»
فأَبى عليه ، فانْصَرفَ .

ثم أرْسَلَني من الغدِ فقالَ لي : «قُلْ له : كمْ كانَ غايَتُك فيها؟ فإِذا
قالَ لك : كذا وكذا، فقُلْ : قد أَخَذْتها» فأَتَيْتُه فقالَ : ما كُنْتُ أُريدُ أَنْ
أَنْقُصَها من كذا وكذا، فقُلْتُ : قد أَخَذْتُها. قالَ : هي لك ، ولكن
أَخْبِرْني مَنْ الرجل الذي كانَ معك بالأمْس ؟ قُلْتُ : رَجلٌ من بني هاشم ،
قال : من أَيّ بني هاشم ؟ فقُلْتُ : ما عندي أَكثرمن هذا. فقالَ : أُخْبرك أَنّي
اشْتَرَيْتُها من أَقصى المغرب ، فلقِيَتْني امرأةٌ من أَهلِ الكتاب فقالَتْ : ما
هذه الوصيفةُ معك ؟ قُلْتُ : اشتَرَيتُها لنفسي ، فقالَتْ : ما يَنْبغيَ أَن تكونَ
هذه عند مِثْلِك ، إِنَّ هذه الجارية ينبغي أَن تَكُونَ عند خَيْر أَهْلِ
(255)
الأرِضِ ، فلا تَلبثُ عنده إلا قليلاً حتى تَلِدَ غُلاماً لم يوُلَدْ بشرق الأرض
ولا غَرْبها مِثلُه . قالَ : فَأَتَيْتُه بها فلم تَلْبثْ عنده إلا قليلاً حتى وَلَدَتْ
الرضا عليه السلامُ
(1) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
محمد بن يحيى، عن أَحمدَ بن محمد
(2) ، عن صفوان بن يحيى قالَ : لمّا
مَضى أَبو إِبراهيم عليه السلامُ وتَكَلَّمَ أَبو الحسن الرضا عليه ألسلامُ
خِفْنا عليه من ذلك ، فقيلَ له : إِنّك قد أَظْهَرْتَ أَمْراً عظيماً، وِانّا نخاف
عليك هذا الطاغيةَ، فقالَ : «ليَجْهَدْ جَهْدَه فلا سبيلَ له عَلَيَّ »
(3) .

أخْبَرَني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن
محمد، عن ابن جمهور، عن إبراهيم بن عبدالله ، عن (أحمد بن عبيد الله)
(4) ،
عن الغفاري قالَ : كانَ لرجلٍ من الِ أبي رافع - مولى رسول اللهِ صلّى
اللهُ عليهِ وآلهِ - يقالُ له : فلان ، عَلَيَّ حق فتقاضاني وألحَّ علَيّ ،فلمّا رَأَيْتُ
ذلك صَلّيْتُ الصُبحَ في مسجدِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ ، ثمّ
تَوَجهْتُ نَحْوَ الرضا عليه السلام -وهويومئذٍ بالغرَيْضِ
(5) - فلمّا قَربْتُ من
____________
(1) الكافي1: 406 | 1 ، عيون اخبار الرضا عليه السلام 1 : 17 | 4 ، دلائل الامامة :175 ،
اثبات الوصية : 170 ، عيون المعجزات : 106 ، الخرائج والجرائح 2 : 653| 6 ، ونقله
العلامة المجلسي في البحار 49 : 8| 11 .
(2) في الكافي هنا زيادة : عمٌن ذكره . . . ، وما هنا أوفق بسائر الاسناد .
(3) الكافي 1 : 406 |2 ، عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 : 226 |4 ، مناقب آل ابي طالب
4 : 0 34، الفصول المهمة : 245 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 : 114 |3 .
(4) كذا في النسخ الثلاث والبحار، وفي الكافي : أحمد بن عبدالله .
(5) ذكر صاحب تاريخ قم نقلاً عن بعض الرواة : أن العُرَيْض من قرى المدينة على بُعد فرسخ
منها ، وكانت القرية ملكاً للامام الباقر عليه السلام ، وأوصى الامام الصادق عليه السلام بهذه
القرية الى ولده علي العريضي . تاريخ قم : 224 .
(256)
بابه إِذا هو قد طَلَعَ على حمارٍ وعليه قَميص ورِداءٌ ، فلَمّا نَظَرْتُ إِليه
اسْتَحْيَيْتُ منه ، فلمّا لَحِقَني وَقَفَ ونَظَرَ إِلَيَّ فسَلَّمْت عليه - وكانَ شهرُ
رمضانَ - فقُلْتُ : جعْلْتُ فداك ، إِنَّ لمولاك فلان عَليَّ حقّاً، وقد واللهِ
شَهَرَني؛ وأَنا أَظُنُّ في نفسي أَنّه يَأْمُرُه بالكفِّ عنّي، وواللّهِ ما قُلْتُ له كَمْ
له عليٌ ولا سَمَّيْتُ له شيئاً، فأَمَرَني بالجلوسِ إِلى رجوعِه .

فَلمْ أَزَلْ حتى صَلَّيْتُ المغربَ وأَنا صائمٌ ، فضاقَ صَدْري وأَرَدْتُ
أَن أَنصرِفَ ، فإِذا هو قد طَلَعَ عَلَيَّ وحوله الناسُ ، وقد قَعَدَ له السؤّالُ
وهو يتصدق عليهم ، فمضى فدَخَلَ بَيْتَه ثم خَرَجَ ، ودعاني فقُمْتُ إِليه
ودَخَلْتُ معه ، فَجَلَسَ وجَلَسْتُ معه فجَعلْتُ أحَدِّثُهُ عن ابن المسيّب
(1) - وكانَ
كثيراً ما أُحَدِّثه عنه - فلمّا فَرَغْت قالَ : «ما أظُنُّك أَفْطَرْتَ بعدُ» قُلْتُ :
لا، فدَعا لي بطعامٍ فوضعَ بين يَدَيَ ، وأَمَرَ الغلامَ أَن يَاْكُلَ معي ،
فأَصَبْتُ والغلام من الطعام ، فلمّا فَرَغْنا قالَ : «ارفَع الوسادةَ وخذْ ما
تحتها» فرَفَعْتُها فإِذا دنانير فأَخَذْتُها ووَضَعْتُها في كُمّي .

وأمر أربعةً من عَبيده أن يكونوا معي حتى يَبْلغوا بي منزلي ، فقُلْتُ : جعلت
فداك إِنَّ طائفَ
(2) ابن المسيب يَقْعُدُ وأَكْرَهُ أَنْ يَلْقاني ومعي عَبِيدُك ، فقالَ
لي : «أَصَبْتَ ، أَصابَ اللّهُ بك الرشادَ» وأَمَرهُم أَنْ يَنْصَرِفوا إِذا رَدَدْتُهم .

فلمّا قربت من منزلي وأَنِسْتُ رَدَدْتًهم وصِرْتُ إِلى منزلي ودَعَوْتُ
السِراجَ ونَظَرْتُ إِلى الدنانير، فإذا هي ثمانيةٌ وأَربعونَ ديناراً ، وكانَ حَقُّ الرجلِ
عَلَيَّ ثمانيةً وعشرين ديناراً ، وكانَ فيها دينارٌ يَلُوحُ فأَعْجَبَني حُسْنُه فأَخَذْتُه
____________
(1) هو هارون بن المسيب كان والي المدينة .
(2) الطائف : العاسّ بالليل . «العين - طوف - 7 : 458» .
(257)
وقَرَّبته من السراجِ فإِذا عليه نقشٌ واضحٌ : «حقّ الرجلِ ثمانيةٌ وعشرونَ
ديناراً، وما بقي فهولك » لا واللّه ما كُنْتُ عَرَّفْت ما لَهُ عَلَيَّ على التحديد
(1) .

أَخْبرني أَبو القاسمِ جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ
ابن إِبراهيم ، عن أَبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أَبي الحسن الرضا عليه
السلام أنّه خَرجَ من المدينةِ - في السنة التىِ حجََّ فيها هارونَ - يُريد الحج
فانتهى الِى جبل على يسار الطريق يُقال له : فارعٌ ، فنَظَرَ إِليه أبو الحسن
عليه السلامُ ثمّ قالَ : «يا فارع
(2) ، وهادِمُه يًقَطَّعُ اِرْباً ارباً» فلمْ نَدْرِ ما مَعْنى
ذلك . فلمّا بَلَغَ هارونُ ذلك المكان
(3) نَزَلَه وصعد جعفرُ بن يحيى الجبَلَ
وأَمَرَ أَن يُبْنى له فيه مجلسٌ، فلمّا رَجَعَ من مكة صَعِدَ إِليه وأَمَرَ بهَدْمِه ، فلمّا
انْصرَفَ إِلى العراقِ قُطِّعَ جعفرُ بن يحيى إِرْباً إرْبا
(4) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن أَحمدَ
ابن محمد،عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عيسى، عن (محمد بن حمزة
ابن الهيثم)
(5) ، عن إِبراهيم بن موسى قالَ : أَلْححْتُ على أبي الحسن
____________
(1) الكافي 1 : 407|4 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 : 97| 12 .
(2) في الكافي والمناقب : باني فارع .
(3) في «م » وهامش «ش » : الموضع .
(4) الكافي 1 : 407 |5، مناقب ال ابي طالب 4 : 340، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 :
70|56.
(5) كذا في النسخ ، والظاهر انّ الصواب محمد بن حمزة بن القاسم ،كما في الكافي والاختصاص
والبصائر، وفيه : محمد بن حمزة بن القاسم أوعمّن أخبره عنه قال : أخبرني ابراهيم بن موسى ،
ولا يبعد اتحاده مع محمد بن حمزة بن القاسم الذي عده الشيخ (قده) في اصحاب الامام
الرضا عليه السلام : 392| 67، والموجود في نقل دلائل الامامة للخبر: محمد بن حمزة
الهاشمي ، فيحتمل قوياً كونه محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن علي بن أبي
طالب ، وقد أورد اسمه في المجدي : 22 ، وذكر ان ابناءه قتلوا مع الكوكبي ، والحسين
=
(258)
الرضا عليه السلامُ في شيءٍ اطلبه منه فكانَ يَعِدُني ، فخَرَجَ ذاتَ يوم
يَسْتَقْبِلُ والي المدينة وكُنْتُ معه ، فجاءَ إِلى قُرْب قَصْرِ فلانٍ فَنَزَلَ عنده تحتَ
شَجَراتٍ ، ونَزَلْتُ معه وليسَ معنا ثالثٌ فقُلْتُ : جُعِلْتُ فداك ، هذا العيدُ
قد أظَلَّنا ، ولا واللهِّ ما أَمْلِكُ درهماً فما سواه ، فحَكَّ بسَوْطِه الأرضَ حَكّاً
شديداً، ثم ضرَبَ بيده فتناوَلَ منه سَبيكةَ ذهبٍ ثم قالَ : «اسْتَنْفِعْ بها
واكتُمْ ما رَأيْتَ »
(1) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
الحسين بن محمد، عن معلِّى بن محمد، عن مسافر قالَ : كُنْتُ مع أَبي
الحسن الرضا عليه السلامُ بمنى فمرَّ يحيى بن خالد فغَطّى وَجْهَه من
الغبار، فقالَ الرضا عليه السلامُ : «مساكينُ لا يَدْرُونَ ما يحلُّ بهم في هذه
السنة» ثم قالَ : «وأَعْجَبُ من هذا ، هارون وأَنا كهاتين » وضَمَّ إِصْبَعَيْه ،
قالَ مُسافر: فواللهِّ ما عَرَفْت معنى حديثهِ حتّى دَفَنّاه معه
(2) .
____________
=
الكوكبي خرج سنة 250 كما في مروج الذهب ، فيناسب كون والد المقتولين معه من اصحاب
الرضا عليه السلام .
(1) بصائر الدرجات : 394| 2 ، الكافي 1 : 408 | 6 ، دلائل الامامة : 190 ، الاختصاص :
270 ، الخرائج والجرائح 1 : 2|337 ، بتفصيل ، ونقله العلامة المجلسي في البحار
49 : 48 .
(2) الكافي1: 410 |ذيل الحديث 9 ، عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 :225|2 و 226| 1
و 2 ، اعلام الورى : 312، مناقب آل ابي طالب 4 : 340 الى قوله : اصبعيه ، الفصول
المهمة : 245 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 : 44| 56.
(259)
فصل

وكانَ المأمونُ قد أَنْفَذَ إِلى جماعةٍ من آل أَبي طالب ، فحَمَلَهم إِليه
من المدينةِ وفيهم الرضا عليُّ بن موسى عليهما السلامُ ، فأُخِذَ بهم على
طريقِ البصرةِ حتى جاؤوه بهم ، وكانَ المتولّي لإشْخاصِهم المعروف
بالجَلودي
(1) ، فقَدِمَ بهم على المأمون فأَنْزَلَهم داراً، وأنزَلَ الرضا عليَّ بن
موسى عليهما السلامُ داراً ، وأَكْرَمَه وعَظّمَ أَمْرَه ، ثم أنْفَذَ إِليه :إِنّي أُريدُ أَنْ
أَخْلَعَ نفسي من الخلافةِ وأُقَلِّدك إِيّاها فما رَأيُك في ذلك ؟ فأَنْكَرَ الرضا عليه
السلامُ هذا الأمرَ وقالَ له : «اُعيذك بالله - يا أمير المؤمنين - من هذا
الكلامِ ، وأَنْ يَسْمَع به أَحَدٌ« فرَدَّ عليه الرسالةَ : فإِذ أَبَيْتَ ما عَرَضْتُ
عليك فلا بُدّ من ولايةِ العهد من بعدي ، فأَبى عليه الرضا إِباءاً شديداً ،
فاسْتَدْعاه إِليه وخَلا به ومعه الفَضْلُ بن سَهْل ذو الرئاستين ، ليس في المجلسِ
غَيْرهم وقالَ له : إِنّي قد رَأَيْتُ أَنْ أُقَلِّدك أَمْرَ المسلمين ، وأَفْسَخَ ما في رَقَبَتي
وأَضَعه في رَقَبَتِكَ ، فقالَ له الرضا عليه السلامُ : «اللّهَ اللّهَ -يا أمير المؤمنين -
إِنّه لا طاقةَ لي بذلك ولا قوّة لي عليه » قالَ له : فأني مُولّيك العهدَ من بعدي ،
فقالَ له : «أَعْفِني من ذلك يا أَميرَ المؤمنين » فقالَ له المأمون كلاماً فيه كالتهدُّدِ
له على الامتناعِ عليه ، وقالَ له في كلامه : إِنَّ عمرَ بن الخطّابِ جَعَلَ
الشورى في ستّةٍ أحَدهم جَدُّك أَميرُ المؤمنين عليُّ بن أَبي طالب وشَرَطَ
فيمن خالَفَ منهم أَن تُضْرَبَ عُنُقُه ، ولا بُدَّ من قبولك ما أُريدُه منك ،
____________
(1)هو عيسى بن يزيد الجلودي .
(260)
فإِنَّني لا أجدُ مَحيصاً عنه ، فقالَ له الرضا عليه السلامُ : «فإِنّي أجيبُك
(1)
إِلى ما تُريدُ من ولايةِ العَهْدِ، على أَنّني لا آمُر ولا أَنهى ولا اُفْتي ولا أَقْضي
ولا أُوَلّي ولا أَعْزلُ ولا أُغَيِّرُ شَيْئاً ممّا هو قائم » فأَجابَه المأَمونُ إِلى ذلك
كلِّه .

أَخْبَرني الشريفُ أبو محمد الحسنُ بن محمد قالَ : حدَّثنا جَدِّي قالَ :
حدَّثني
(2) موسى بن سلمة قالَ : كُنْتُ بخراسان مع محمّد بن جعفر،
فسَمِعْتُ أَنَّ ذا الرئاستين خَرَجَ ذاتَ يَوْمِ وهو يقولُ : وا عجباه وقد رَأَيْتُ
عَجَباً، سَلُوني ما رَأَيْتُ؛ فقالوا : وما رَأَيْت أَصلَحكَ اللهُّ ؟ قالَ : رَأَيْتُ المأمون
أَميرَ المؤمنينَ يَقولُ لعليّ بن موسى الرضا: قد رَأَيْتُ أَنْ اقلدك أُمورَ
المسلمينَ ، وأَفْسَخَ ما في رقَبتي وأَجْعَلَه في رَقَبَتِك ، ورأَيْتُ عليَّ بن موسى
يَقُولُ : «يا أَميرَ المؤمنين لا طاقَة لي بذلك ولا قوّة» فما رَأَيْتُ خلافة قَطُّ
كانت أَضْيَعَ منها، إِنّ أَميرَ المؤمنينَ يَتَفَصّى
(3) منها ويَعْرِضُهَا على عَليِّ بن
موسى وعَليُّ بن موسى يَرْفُضُها ويأبى
(4) .

وذَكَر جماعةٌ من أَصحاب الأخْبارِ ورُواة السِيَر والآثارِ وأيامِ الخُلفاءِ : أَنَّ
المأمون لمّا أَرادَ العقدَ للرضاَ عليِّ بن موسى عليه السلامُ وحَدَّثَ نَفْسَه
بذلك ، أَحْضَر الفَضْلَ بن سهل فأَعْلَمَه ما قد عَزَمَ عليه من ذلك وأَمَرَه
بالاجتماعِ مع أَخيه الحسن بن سهل على ذلك ، ففَعَلَ واجْتَمعا بحضرته ،
____________
(1)في «م »:مجيبك .
(2) في هامش «ش » : حدثنا، وكان في جنبه علامة التصحيح .
(3) في هامش «ش » و«م »: يتفصّى : اي يتنصّل .
(4) عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 : 141 |6، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 :
136 | 11 .
(261)
فَجَعَل الحسن يُعَظِّمُ ذلك عليه ويُعَرِّفه ما في إِخْراجِ الأمْرِ منِ أهْله عليه ، فقالَ
له المأمون : إِنّي عاهَدْتُ اللّهَ أَنَّني إِنْ ظَفِرْتُ بالمَخْلوع
(1) أَخْرَجْتُ الخلافَةَ إِلى
أَفَضَلِ آل أَبي طالب ، وما أَعْلَمُ أَحَداً أَفْضَلَ من هذا الرجل على وَجْهِ
الأرْضَ .

فلمّا رأَى الحسنُ والفضلُ عزيمتَه على ذلك أَمسَكا عن مُعارَضَته
فيه ، فاَرْسَلَهما إِلى الرضا عليه السلامُ فعَرَضا ذلك عليه فامْتَنَعَ منه ، فلم
يَزالا به حتى أَجابَ ، ورَجَعا إِلى المأمونِ فعَرَّفاه إِجابتَه فَسُرَّ بذلك وجَلَسَ
للخاصّة في يوم خميسٍ ، وخَرَجَ الفَضْلُ بن سهل فأَعْلَمَ الناسَ برأي المأمون
في عليّ بن موسى ، وأنٌه قد ولاّه عَهْدَه وسمّاه الرضا، وأَمَرَهم بلبْس الخُضْرةِ
والعَوْدِ لبيعته في الخميس الآخر، على أَنْ يَأْخُذُوا رِزْقَ سَنَةٍ .

فلمّا كانَ ذلك اليوم رَكِبَ الناسُ على طبقاتهم من القُوّادِ والحُجّابِ
والقُضاة وغيرهم في الخُضْرة، وجَلَسَ المأمون ووَضَعَ للرضا وسادتين
عظيمتين حتى لَحِقَ بمجلسه وفَرْشِه ، وأَجْلَسَ الرضا عليه السلام عليهما في
الخُضْرة وعليه عمامةٌ وسَيْف ، ثم أَمَرَ ابنَه العبّاس بنَ المأمون يُبايعُ له أَوّلَ
الناس ، فرَفَعَ الرضا عليه السلامُ يَدَه فتَلَقّى بها وجهَ نَفْسِهِ وبِبَطْنِها
وجوههم ، فقالَ له المأمون : اُبسُط يَدَك للبيعة، فقالَ الرضا عليه السلامُ :
«إِنَّ رسولَ اللهّ صلّى اللّهُ عليهِ وآلهِ ، هكذا كان يبايعُ » فبايَعَه الناسُ ويَدُه فوقَ
أَيْديهم ، ووُضِعَت البدَر
(2) وقامَتِ الخطباءُ والشعراء فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ فَضْلَ
الرضا عليه السلامُ ، وَما كانَ من المأمونِ في أَمره .
____________
(1) المخلوع : هو محمد بن هارون الامين .
(2) البِدَر: جمع بدرة، وهي عشرة آلاف درهم . «الصحاح - بدر- 2 : 587» .
(262)

ثم دَعا أبو عَبّاد بالعباس بن المأمون ، فوَثَبَ فدَنا من أَبيه فَقبَّلَ يَدَه ،
وأَمَرَه بالجلوسِ ، ثم نُودِيَ محمّدُ بن جعفر بن محمد وقالَ له الفَضْلُ بن
سهل : قُمْ ، فقامَ فمشى حتى قَرُبَ من المأمونِ فوَقَفَ ولم يُقبِّل يَدَه ، فقيل
له : امْضِ فخُذْ جائِزَتَك ، وناداه المأمون : ارْجِعْ يا أباجعفر إِلى مَجْلِسِك ،فرَجَعَ ، ثم جَعَلَ
أَبو عبّادٍ يَدْعُو بعَلَوِيّ وعَبّاسِيٍّ فيَقْبضان جوائزَهما حتى نَفِدَت الأموالُ ، ثم
قالَ المأمون للرضا عليه السلامُ : اُخطُب الناسَ وتَكَلَّمْ فيهم ، فحَمدَ اللّهَ
واثْنى عليه وقالَ : «إِنَّ لنا عليكم حقّاً برسولِ اللّه ، ولكم علينا حقّاً به ،
فإِذا أَدَّيْتُمْ إِلينا ذلك وَجَبَ علينا الحقُّ لكم » ولم يُذْكَرْ عنه غير هذا في
ذلك المجلس .

وأَمَرَ المأمونُ فضُرِبَتْ له الدراهم وطُبِعَ عليها اسمُ الرضا عليه
السلام ، وزَوَّجَ إِسحاقَ بن موسى بن جعفر بنتَ عمِّه إسحاق بن جعفر
ابن محمّد، وأَمَرَه فحجّ بالناس
(1) ، وخُطِبَ للرضا عليه السلام في كلِّ بلد
بولايةِ العَهْدِ
(2) .

فرَوى أَحمدُ بن محمد بن سعيد قالَ : حَدَّثَني يحيى بن الحسن العلوي
قالَ : حَدَّثَني من سَمِعَ (عَبْدَ الجبار بن سعيد)
(3) يَخْطُبُ في تلك السنةِ على
منبرِ رسولِ اللّه صلّى اللّهُ عليهِ وآلهِ ، بالمدينةِ، فقالَ في الدعاء له : وليٌُ عهد
المسلمينَ عليُّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن
____________
(1) في هامش «ش » : فحج بالناس : أي صار أمير الحاج .
(2) مقاتل الطالبيين : 562 - 565 ، الفصول المهمة : 255 ، اعلام الورى : 320 ، ونقله
العلاّمة المجلسي في البحار 49 :145 |13 .
(3) كذا في النسخ ، وفي العيون : عبد الجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي ، وفي البحار عن
ألارشاد: عبد الحميد بن سعيد.
(263)
أبي طالب عليهم السلامُ .
ستة اباءٍ هُم ما همُ * أَفضَلُ مَنْ يَشربُ صَوْبَ الغَمامِ (1)

وذَكَر المدائني عن رجاله قالَ : لمّا جَلَسَ الرضا عليُّ بن موسى عليه
ألسلامُ ، في الخِلَعِ بولايةِ العَهْدِ، قامَ بين يديه الخُطباءُ والشُعراءُ وخَفَقَتِ الألوِلَةُ
على رَأْسِهِ ، فذُكِرَعن بَعْضِ مَنْ حَضَرَممَّن كانَ يَخْتَصُّ بالرضا عليهِ
السلامُ ، أنّه قال : كُنْتُ بين يديه في ذلك اليوم ، فنَظَرَ إِليَّ وأَنا مستبشر بما
جَرى، فاَوْمَأ إِليَّ أَنْ أدْنُ منّي فدَنَوْتُ منه ، فقالَ لي من حيث لا يَسْمَعُه
غيري : «لا تَشْغَلْ قَلْبَكَ بهذا الأمْرِولا تَسْتَبْشِرْ به ، فإِنّه شيءٌ لا يَتُمُّ »
(2) .

وكانَ فيمَنْ وَرَدَ عليه من الشُعراءِ دِعْبلُ بن عليِّ الخُزاعيّ ، فَلمّا دَخَلَ
عليه قالَ : إِنّي قد قُلْتُ قَصيدةً وجَعَلْتُ على نفسي ألا اُنشِدَهَا أَحَداً
قبلَك ، فأمَرَه بالجلوسِ حتى خفًّ مَجْلِسُه ، ثم قالَ له : «هاتِها» قال : فأَنْشَدَه
قصيدَتَه التي أَوَّلهُا :
مَدارسُ آياتٍ خَلَتْ مِن تِلاوة * فِي ومَنْزِلُ وَحي مُقْفَرُالعَرَصاتِ

حتى أَتى على اخِرها
(3) ، فَلمّا فَرَغَ من إِنشاده قامَ الرضا عليه
السلامُ فدَخَلَ إِلى حُجْرَتِه وبَعَثَ إِليه خادِماً بخِرْقَةِ خَزٍّ فيها ستمائةُ دينارٍ ،
____________
(1) مقاتل الطالبيين : 565 ، عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 : 145 | 14، وفيه : سبعة آباء هم ،
مناقب آل ابي طالب 4 : 364، الفصول المهمة : 256 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار
49 : 146 ، كما ان الشعر هو للنابغة الذبياني ، راجع ديوانه : 117 ، وفيه :خمسة آباء هم ،
وانظر خزانة الادب 1 : 288 ، وفيه : من يثرب صفو المدام .
(2) الفصول المهمة : 256 ، اعلام الورى : 321 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 : 147 .
(3) انظر القصيدة في الديوان : 124 .
(264)
وقالَ لخادِمه : «قُلْ له : اسْتَعِنْ بهذه على سَفَرِك واعذِرْنا» فقال له دِعْبل : لا
واللهِّ ما هذا أَرَدْتُ ولا له خَرَجْتُ ، ولكن قُلْ له : أكسني ثوباً من أَثوابك ،
وردها عليه ، فردها عليه الرضا عليه السلامُ وقالَ له : «خُذْها» وبَعَثِ إِليه
بِجُبَّةٍ من ثيابه.

فخَرَجَ دِعْبِلُ حتى وَرَدَ «قُم » فلما رأَوا الجُبّةَ معه أَعْطَوه بها أَلفَ دينارٍ
فأَبى عليهم وقالَ : لا واللّهِ ولا خِرْقَةَ منها بألفِ دينارِ، ثم خَرَجَ من «قُم »،
فاتَّبَعوه وقَطَعوا عليه وأَخَذوا الجُبَّةَ، فرَجَعَ إِلى «قُم » وكلَمَهم فيها فقالُوا :
ليس إِليها سبيلٌ، ولكن إِنْ شِئْتَ فهذه أَلفُ دينار، قالَ لهم : وخِرقَةٌ منها،
فأَعْطَوْه أَلفَ دينار وخِرْقَةً من الجبَّةِ
(1) .
*
وروى عليُّ بن إِبراهيم ، عن ياسر الخادم والريّان بن الصَلْت جميعاً
قالا: لمّا حَضَرَ العيد وكانَ قد عُقِدَ للرضا عليه السلامُ الأمرُ بولايةِ
العهدِ، بَعَثَ اليه المأمونُ في الركوب إِلى العيدِ والصلاةِ بالناسِ والخُطبةِ
بهم ، فبَعَثَ إِليه الرضا عليه السلامُ : «قد عَلِمْتَ ما كانَ بيني وبينَك من
الشروط في دخول الأمرِ، فاعْفني من الصلاةِ بالناسِ » فقالَ له المأمون : إِنّما
أريدُ بذلك أَنْ تَطْمَئنَّ قُلوبُ الناس ويَعْرِفُوا فَضْلَكَ ، ولم تَزَل الرُسلُ
تَرَدّدَ بينهما في ذلك ، فلمّا أَلحَّ عليه المَأمونُ أَرْسَلَ إِليه : «إِنْ أعْفَيْتَني فهوأحَبُّ
إِليّ ، وإنْ لم تُعْفِني خَرَجْتُ كما خَرَجَ رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ والهِ وأَميرُ
المؤمنين عليُّ بن أَبي طالب عليه السلامُ » فقالَ له المأمونُ : أُخرُجْ كيف
شِئْتَ . وأَمَرَ القُوّادَ والناسَ أَن يُبَكِّرُوا إِلى بابِ الرضا عليه السلامُ .

قالَ : فقَعَدَ الناسُ لأبي الحسن عليه السلام في الطُرُقاتِ والسُطوحِ ،
____________
(1) رجال الكشي: 504 | 970، عيون اخبار الرضا عليه السلام 2: 263 ـ 265.