واجْتَمَعَ النساءُ والصبيانُ يَنْتَظِرونَ خُروجَه ، وصارَ جميعُ القوّادِ والجُنْدِ
إِلى بابه ، فوَقَفُوا على دَوابِّهِمْ حتى طَلَعَتِ الشمسُ .

فاغْتَسَلَ أَبو الحسن عليه السلامُ ولَبسَ ثِيابَه وتَعَمَّمَ بعَمامةٍ بيضاءٍ
من قُطْنٍ، أَلقى طَرَفاً منها على صَدْرِه وطَرَفاً بين كَتِفَيهِ ، ومَسٌَ شَيْئاً من
الطيبِ ، وأَخَذَ بيدِه عُكّازةً ، وقال لمواليه : «إِفْعَلوا مثْلَ ما فَعَلْتُ » فَخَرجُوا
بين يديه وهو حافٍ قد شَمَّر سَراويلَه إِلى نصفِ الساقِ وعليه ثيابٌ
مشمّرة، فمشى قليلاً ورَفَعَ رَأْسَهُ الى السماءِ وكَبّرَ وكَبَّرَمواليه معه ، ثم
مَشى حتى وقَفَ على البابِ ، فلمّا رآه القُوّاد والجُنْدُ على تلك الحال
(1)
سَقَطُوا كُلُّهم عن الدوابّ إِلى الأرضِ وكانَ أَحْسَنَهم حالاً من كان معه
سِكّينٌ قَطَعَ بها شرّابةَ جاَجيلتهِ ونَزَعَها وتَحَفّى .

وكَبَّرَ الرضا عليه السلام على الباب وكَبَّرَ الناسُ معه ، فخُيِّل إِلينا أَنّ
السماءَ والحيطانَ تُجاوِبُهُ ، وتَزَعْزَعَتْ مَرْوُ بالبكاء والضجيج لمّا رَأوْا أَبا
الحسن عليه السلامُ وسَمِعوا تَكْبيرهُ .

وبَلَغَ المأمونَ ذلك فقالَ له الفضلُ بن سهل ذو الرئاستين : يا أَميرَ
المؤمنينَ ، إِنْ بَلَغَ الرضا المُصلّى على هذا السبيل افْتَتَنَ به الناسُ وخِفْنا
كلُّنا على دمائِنا، فأَنفذ إِليه أَنْ يَرْجِعَ ، فبَعَثَ إِليه المامونُ : قد كَلَفْناك
شَطَطاً وأتعَبْناك، ولَسْنا نحِبُّ أَن تَلْحَقَك مَشقَّةٌ فَارْجِعْ وَليصَلِّ بالناس
مَنْ كان يُصلّي بهم على رَسْمِه . فدَعا أَبو الحسن عليه السلام بخُفَه فَلبسَه
ورَكِبَ ورَجَعَ ، واخْتَلَفَ أَمْرُ الناس في ذلك اليومِ ،ولَمْ يَنْتَظِمَْ في
____________
(1) في هامش «ش » و«م » : الصورة.
(266)
صلاتهِم
(1) .

أخْبرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ
ابن إبراهيم ، عن ياسر قالَ : لمّا عَزَمَ المأمونُ على الخروجِ مِنْ خراسان إِلى
بغداد، خَرَجَ وخَرَجَ معه الفَضْلُ بن سَهْل ذو الرئاستين ، وخَرَجْنا مع أَبي
الحسن الرضا عليه السلامُ فوَرَدَ على الفَضْلِ بن سَهْل كتابٌ من أَخيه
الحسنِ بن سهل ونحنُ في بعض المنازلِ : إنّي نَظَرْت في تحويلِ السنةِ
فوَجَدْتُ فيه أَنَّك تَذوقُ في شهرِ كذا وكذا يومَ الأربعاء حَرَّ الحديدِ وحر
النارِ، وأَرى أَنْ تَدْخُلَ أَنت وأَمير المؤمنين والرضا الحمّامَ في هذا اليومِ
وتَحْتَجِمَ فيه وتصُبَّ على بدنك الدمَ ليزولَ عنك نَحْسُه .

فكَتَبَ ذو الرئاستين إِلى المأمونِ بذلك ، فسَألَه أَنْ يَسْأَلَ أَبا الحسن
عليه السلامُ ذلك ، فكَتَبَ المأْمونُ إِلى أَبي الحسن عليه السلامُ يَسْأَلُه فيه ،
فأَجابَه أَبو الحسن : «لَسْتُ بداخلِ الحمّام غداً» فأَعادَ عليه الرُقْعَةَ مرّتين
فكَتَبَ إِليه أَبو الحسن عليه السلامُ : «لَسْتُ داخلاً الحمّامَ غداً، فإِنّي
رَأَيْتُ رسولَ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ والهِ في هذه الليلةِ فقالَ لي : يا عليّ ، لا
تَدْخلِ الحمّامَ غَداً، فلا أرى لَكَ - يا أميرَ المؤمنين - ولا للفضلِ أَنْ
تَدْخلا الحمامَ غدا» فكَتَبَ إليه المأمونُ : صَدَقْتَ - يا أَبا الحسن -
وصَدَقَ رَسولُ اللّهِ صلّى اللهّ عليهِ والهِ ، لَسْتُ بداخلِ الحمّام غداً، والفضلُ
أَعْلَمُ .
____________
(1) الكافي 1 : 7|408، وباختلاف يسير في عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 : 150 ،
والفصول المهمة : 261 ، وذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب 4 : 371، ونقله
العلامة المجلسي في البحار 49 : 136 .
(267)
*
قالَ : فقالَ ياسرُ: فلمّا أَمْسَيْنا وغابَتِ الشمسُ ، قالَ لنا الرضا عليه
السلامُ : «قوُلوا: نَعوُذ باللهِّ مِنْ شَرِّ مايَنْزِلُ في هذه الليلةِ» فلَم نَزَلْ نَقُولُ
ذلك ، فلمّا صلّى الرضا الصُبحَ قالَ لي: «اِصْعَد السطحَ ، استَمِعْ هل تَجِدُ
شَيْئاً؟» فلما صعِدْتُ سَمعتُ الضّجّةَ وكَثُرَت وزادَتْ فلم نَشْعُرْ بشيءٍ فإِذا
نحنُ بالمأمونِ قد دَخَلَ من الباب الذي كانَ مِنْ دارهِ إِلى دارِ أَبي الحسن عليه
السلامُ وهو يَقُولُ : يا سيدي ، يا أًبا الحسن ، آجَرَك اللّه في الفَضْل ، فإِنَّه دَخَلَ
الحمّامَ ودَخَلَ عليه قومٌ بالسُّيوفِ فقَتَلُوه ، وأُخِذَ ممَّن دَخَلَ عليه ثلاثةُ نفرٍ ،
أَحَدُهم ابن خاله الفَضْلُ بن ذي القلمين .

قالَ : واجْتَمَعَ الجُنْدُ والقُوّادُ ومَنْ كانَ مِن رجالِ الفَضْل على باب المأمون
فقالُوا : هو اغْتالَه ، وشَغَبوا
(1) عليه وطَلِبوا بدَمِهِ ، وجاؤوا بالنيرانِ ليحْرِقوا
البابَ ، فقالَ المأمونُ لأبي الحسن عليه السلامُ : يا سيدي ، نَرى أَنْ تَخْرُجَ
إِليهم وتُرفق بهم حتى يتفرقوا، قالَ : «نعم » ورَكِبَ أَبو الحسن عليه
السلامُ وقالَ لي : «يا ياسرُ اركَبْ » فرَكِبْتُ فلمّا خَرَجْنا من باب الدارِ نَظَرَ
إِلى الناسِ وقد ازْدَحَموا عليه ، فقالَ لهم بيده : «تَفَرَّقوا» قالَ ياَسرُ: فأَقْبَلَ
الناسُ واللهِّ يَقَعُ بَعْضمهُمْ على بعضٍ ، وما أَشارَ إِلى أحَدٍ إِلا رَكَضَ
ومَضى لوجهِه
(2) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُبن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن معلّى
ابن محمد، عن مسافر قالَ : لمّا أَراد هارونُ بن المسيّب أَنْ يواقعَ محمّدَ بنَ
____________
(1) في هامش «ش » و«م »: وشَنَعُوا.
(2) الكافي1 : 409 |8 ، وباختلاف يسير في عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 : 159 |ضمن
حديث 24 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49: 6|170 .
(268)
جعفر قالَ لي أَبو الحسن الرضا عليه السلامُ : «اِذْهَبْ إِليه وقُلْ له : لا
تَخْرُجْ غَداً، فإنك إِنْ خَرَجْتَ غداً هُزمْتَ وقُتِلَ أَصحابُك ، فإِن قالَ لك :
مِنْ أَينَ عَلِمتَ هذا؟ فقُلْ : رأَيْتُ في النومِ » قالَ : فاَتَيْتُهُ فقُلْتُ له :جُعِلْتُ
فداك ، لا تَخْرُجْ غداً ، فإِنَك إِنْ خَرَجْتَ هُزِمْتَ وقتِلَ أَصحابُك ، فقالَ لي :
من أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قُلْتُ في النوم ، فقالَ : نامَ العبدُ ولم يَغْسِل اسْتَه ،
ثم خَرَجَ فانْهَزَم وقُتِلَ أَصحابُه
(1) .
*
*
*
____________
(1) الكافي1: 410 |9 ، مناقب آل ابي طالب 4 : 339، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49 :
71|57 .
(269)
باب
ذِكْرِ وفاةِ الرضا عليِّ بن موسى
عليه السلامُ وسببها، وطَرَفٍ من الأخبارِ في ذلك

وكانَ الرضا عليُّ بن موسى عليهما السلامُ يَكْثُرُ وَعْظَ المأمونِ إِذا خَلا
به ويُخَوِّفُه باللهِ ويقَبِّحُ له ما يَرْتَكِبه من خِلافِه ، فكانَ المأموُنُ يظهرُ قَبولَ
ذلك منه ويبطِنُ كراهَتَه واستثقالَه .

ودَخَل الرضا عليه السلامُ يوماً عليه فرآه يَتَوَضَّأُ للصلاةِ والغلامُ
يَصُبُّ على يدِه الماءَ ، فقالَ : «لا تُشْرِكْ - يا أميرَ المؤمنينَ - بعبادةِ ربِّك أحداً»
فصَرَفَ المأمونُ الغلامَ وتَوَلّى تمامَ وُضوئه بنفسِهِ وزادَ ذلك في غَيْظِهِ
ووَجْدِه.

وكانَ عليه السلامُ يُزْري
(1) على الحسنِ والفضلِ - ابنَي سهلٍ -عند
المأمونِ إذا ذَكَرَهما ويَصِفُ له مَساوِئهما ويَنْهاه عن الإصغاءِ إِلى قولهما، وعَرَفا
ذلك منه فجَعَلا يَحْطِبانِ
(2) عليه عند المأمونِ ويَذْكُرانِ له عنه ما يُبْعِده منه
ويخَوِّفانِه من حَمْلِ الناسِ عليه ، فلم يَزالا كذلك حتى قَلَبا رَأيَه ، وعَمِلَ
على قَتْلِهِ عليه السلامُ ، فاتَّفَقَ أَنّه أَكَلَ هو والمأمونُ يوماً طعاماً، فاعْتَلَّ منه
الرضا عليه السلام
(3) وأَظْهَرَ المأمونُ تمارضاً .
____________
(1) الازراء : التهاون بالشيء . « الصحاح - زرى - 6 : 2368» .
(2) في هامش «ش »: حطب فلان واحتطب : جذب عليه شراً.
(3) في مقاتل الطالبيين : 566 بعده : ولم يزل الرضا عليلاً حتى مات .
(270)

فَذَكَرَمحمدُ بن علي بن حمزة، عن منصور بن بشير، عن أخيه
عبدالله بن بشير قالَ : أَمَرَني المأمونُ أَنْ أُطوِّلَ أَظْفاري عن العادةِ ولا أُظْهرُ
لأحدٍ ذلك ففَعَلْتُ ، ثم اسْتَدْعاني فأَخْرَجَ إِليَّ شيئأ شبْهَ التمرِ الهِنْدي
وقالَ لي : اعْجِن هذا بيدَيْك جميعاً ففَعَلْت ، ثم قامَ وتَرَكَني فدَخَلَ على
الرضا عليه السلامُ فقالَ له : ما خَبَرك ؟ قالَ : «أَرْجُوأَنْ أَكونَ صالحاً» قالَ
له : أَنا اليومَ بحمدِ اللهِ أيضاً صالحٌ ، فهل جاءك أحدٌ من المترَفّقِين في هذا
اليوم ؟ قالَ : «لا» فغَضِبَ المامونُ وصاحَ على غِلْمانِه ، ثم قالَ : خُذْ ماءَ
الرمانِ الساعةَ، فإِنَّه مما لا يُسْتَغْنى عنه ، ثم دَعاني فقالَ : ائْتِنا برُمّانٍ ،
فأَتَيْتُه به ، فقالَ لي : اِعْصرْه بيديك ، ففَعَلْتُ وسَقاهُ المأمونُ الرضا عليه
السلامُ بيده ، فكان ذلك سبَب وفاتِه ، فَلم يلبثْ إِلا يومين حتى ماتَ
عليه السلامُ .

وذُكِرَ عن أَبي الصلْت الهروي أَنه قالَ : دَخَلْت على الرضا عليه
السلامُ وقد خَرَجَ المأمونُ من عنده ، فقالَ لي : «يا أَبَا الصلت قد فَعَلُوها»
وجَعَلَ يُوَحِّدُ اللّهَ ويمُجّدُه
(1) .

ورُوي عن محمد بن الجهم أَنّه قالَ : كانَ الرضا عليه السلام يُعْجِبُه
العنبُ ، فأُخِذَ له منه شيءٌ فجُعِلَ في موضعِ أقْماعِه
(2) الإبرُ أَيّاماً ثم
نُزِعَتْ منه ، وجِيء به إليه فأَكَلَ منه وهو في عِلَّتهِ التي ذكرناها فقَتَلَه ، وذُكِرَ
____________
(1) مقاتل الطالبيين : 566 ، اعلام الورى : 325، ونقله العلامة المجلسي في البحار 49:
18|308 ، وذيل الحديث في مناقب آل ابي طالب 4: 374 .
(2) في هامش «ش »: اقماع : جمع قمع وقِمَع ، وهوموصل حبة العنب بالعنقود.
(271)
أَنَّ ذلك من لطيف السمومِ
(1) .

ولَمّا تُوفِّي الرضا عليه السلامُ كَتَمَ المأمونُ مَوْتَه يوماً وليلة، ثم أَنْفَذَ
إِلى محمّد بن جعفر الصادق وجماعة من آل أَبي طالب الّذين كانوا عنده ،
فلما حَضَروه نَعاهُ إليهم وبكى وأَظْهَرَ حُزْناً شديداً وتَوَجُعاً، وأَراهم إيّاه
صحيحَ الجسدِ، وقالَ : يَعز عَلَيَّ يا أَخي أَنْ أراك في هذه الحال ، قد كُنْتُ
آمُلُ أَنْ أُقَدَّمَ قَبْلك ، فأَبَى اللهُ إلا ما أَرادَ، ثمّ أَمَرَ بغسْلِه وتكْفينه وتَحْنيطه
وخَرَجَ مع جنازته يَحْمِلُها حتى انتهى إلى الموضعِ الذي هو مدفونٌ فيه الآن
فدَفَنَه. والموضعُ دارُ حُمَيْد بن قَحْطَبة
(2) في قرية يُقالُ لها : «سناباد» على
دعوة
(3) من «نوقان »
(4) بأَرضِ طوسٍ ، وفيها قبرُ هارونِ الرشيد
(5) ، وقَبْرُ
أَبي الحسن عليه السلام بين يديه في قِبْلَتِهِ .

ومَضَى الرضا عليُّ بن موسى عليه السلام ولم يَتْرُكْ ولَداً نَعْلَمُه إلا
ابنَه الإمامَ بَعْدَه أَبا جعفر محمد بن عليّ عليهما السلامُ وكانت سنُه يومَ
وفاة أَبيه سبعَ سنين وأَشهراً .
____________
(1) مقاتل الطالبيين : 567 ، اعلام الورى : 325، مناقب آل ابي طالب 4 : 374 ، ونقله
العلامة المجلسي في البحار 49 : 358 .
(2) في هامش «ش »: كان قحطبة قد وجهه الخليفة الى بعض الأمور فانجح فقال له : انت
قحطبة. فقال : يا أميرالمؤمنين وما معنى ذلك ؟ فقال : اردت هبط حق فقلبتُ لئلا يوقف
عليه .
(3) على دعوة: يعني مسافة بلوغ الصوت .
(4) نوقان : احدى قصبتي طوس ، والاخرى طابران «معجم البلدان 5: 311».
(5)انظر: مقاتل الطالبيين : 567.
(272)
(273)
باب
ذِكْرِ الإمام بعد أبي الحسن عليِّ بن موسى
عليهما السلامُ ، وتاريخ مولدهِ ، ودلائلِ إِمامتهِ
وطَرَفٍ من أخباره ، ومدّةِ إِمامتِه ، ومبلغِ سنه ، وذكرِ وفاتِه
وسببها ، وموضعِ قَبْرِه ، وعددِ أولادِه ، ومختصر من أخبارهم

وكان الإمامُ بعد الرضا علي بن موسى عليهما السلام ابنَه محمَّدَ بن عليّ
المرتضى بالنصِّ عليه والإِشارةِ من أبيه إليه ، وتكاملِ الفَضْلِ فيه ، وكانَ مولده
عليه السلام في شهر رمضان سنةَ خمسٍ وتسعين ومائة، وقُبِضَ ببغداد في
ذي القعدة سنةَ عشرين ومائتين وله يومئذٍ خمس وعشرون سنة، وكانت
مُدَةُ خلافته لأبيه وِإمامتِه من بعده سبعَ عشرة سنة، وأُمّهُ أُمُّ ولد يُقالُ لها :
سَبِيكة ، وكانت نوبيةً
(1) .
____________
(1) في هامش «ش »: النوبة : جنس من السمر.
النوب والنوبة ، والواحد نوبي : بلاد واسعة للسودان ، وأيضاً جبل من السودان : «لسان
العرب -نوب - 1 : 776».
(274)
باب
ذكرِ طَرَفٍ من النص على أبي جعفر
محمد بن عليّ عليهما السلامُ بالإمامةِ،
والإشارةِ بها إليه من أبيه عليهما السلامُ

فممَّن رَوَى النصَّ عن أَبي الحسن الرضا على ابنهِ أَبي جعفر عليهما
السلامُ بالإمامةِ : عليُّ بن جعفر بن محمّد الصادق ، وصَفوانُ بن يحيى،
ومَعمَرُ بن خَلاَد، و(الحسينُ بن يسار
(1) ، وابنُ أَبي نَصْر البَزَنطيّ ، (وابنُ
____________
(1) كذا في «ش » و «م » وكان اصلهما : بشاراً فصحح بيسار، وفي «ح » : بشار، وهذا الاختلاف
يوجد عند ذكر روايته أيضاً، ونسخ الكافي مختلفة هناك أيضاً، وفي رجال الكشي : الحسين بن
بشار .
وفي المصادر اختلاف في اسم هذا الرجل ، فقد أورده البرقي في اصحاب الامام الجواد عليه
السلام : 56 بعنوان الحسن بن بشار، لكن في نسخة : بسر أويسار، ويمكن ان يكون الحسن
خطأ مطبعياً ، اذ أورده في فهرست الكتاب : الحسين بن بشار، وأورده في باب اصحاب الامام
الكاظم عليه السلام بعنوان : الحسين بن يسار.
وأورده الشيخ في اصحاب الكاظم عليه السلام بعنوان الحسين بن بشار، وفي اصحاب
الرضا والجواد عليهما السلام : الحسين بن يسار على ما في كثيرمن النسخ ، كنسخة ابن
سراهنك المؤرخة سنة 533 وفي بعضها في كلا البابين : بشار، وعبارة الشيخ في أصحاب الرضا
عليه السلام بعد عنوانه : مدائني ، مولى زياد ثقة صحيح ، روى عن أبي الحسن موسى عليه
السلام ، وأورده الشيخ في باب اصحاب الجواد عليه السلام أيضاً : الحسن بن يسار، فظاهره
تغاير الحسين بن يسار مع الحسن بن يسار.
وقد ترجم العلامة الحلي للحسين بن بشار المدائني ، وضبط بشار: بالباء المنقطة تحتها
والشين المعجمة المشددة . (الخلاصة 49 | 6)، وأورده ابن داود بعنوان : الحسن بن بشار
- بالباء المفردة والشين المعجمة - (رجال ابن داود 72| 400) .
والروايات الواردة عن هذا الرجل مختلفة أيضاً، فقد ذكر في اكثرها : الحسين بن بشار، وقد
(275)
قياما الواسطِيّ)
(1) ، والحسنُ بن الجَهْم ، وأَبو يحيى الصنعانيّ ، والخَيْرانيّ
(2) ،
ويحيى بن حبيب الزَيّات ، في جماعةٍ كثيرة يَطُولُ بذِكْرِهم الكتابُ .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ
ابن إِبراهيم بن هاشم ، عن أَبيه و
(3) علي بن محمد القاساني جميعاً عن زكريا
ابن يحيى بن النعمان قالَ : سَمِعْتُ علي بن جعفر بن محمد يُحدِّثُ الحسنَ
ابن الحسين بن عليّ بن الحسين فقالَ في حديثه : لقد نَصَرَ اللهُ أَبا الحسن
الرضا عليه السلام لمّا بَغى عليه إِخوتُه وعُمومتُه ، وذَكَرَحديثاً طويلاً حتّى
انْتَهى إِلى قوله : فقُمتُ وقَبَضْتُ على يَدِ أَبي جعفرمحمد بن عليِّ الرضا عليه
السلامُ وقلْتُ له : أَشْهَدُ أَنَّك إِمامٌ
(4) عند اللّهِ ، فبَكَى الرضا عليه السلامُ
ثم قال: «يا عمّ ، أَلم تَسْمَعْ أَبي وهو يَقوُل : قالَ رَسولُ اللّه صلّى اللّهُ عليهِ
____________
ـ
بدّل الحسين في بعضها أو في بعض نسخها بالحسن ، وكذلك بدّل بشار بيسار، وقد وصفه في
بعض الروايات بالواسطي ، وفي رواية بالمدائني ، انظر: معجم رجال الحديث 4 : 290 ، 5 :
116 و 202 و 204 ، 6 : 115 ، والكشي رقم 747 و 766 و 786 و 942، بصائر الدرجات :
71 و 193 و 447 ، والرجعة : 209 ، واكمال الدين : 136 ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام
1 : 118 و 2 : 209، والتوحيد: 136 .
والظاهر كون الصواب : الحسين بن بشّار، لكن الجزم به اعتماداً على ضبط العلامة الحلي
وتأثره بضبط ابن داود مشكل ، لاحتمال اعتمادهما في الضبط على بعض النسخ المصححة
بنظرهما.
(1) اثبتناه من هامش «ش » و «م » ، وفي هامش «ش » عليه علامة النسخة، ولم يذكروه في متن
النسخ ، ولعل وجه عدم الاتيان به في بعض النسخ - مع ذكر روايته في ما بعد -كونه واقفياً،
والمعهود في الكتاب الاستدلال بروايات الثقات من اصحاب الامام السابق . فتأمل .
(2) يروي الخيراني النصّ عن أبيه - كما ياتي - وليس هو الراوي بالمباشرة، ولا يعلم توصيف والده
بالخيراني في كتب الرجال أيضاً . ويأتي في ص 298 ، 299 .
(3) كذا في «م» و«ح» ، وفي «ش » وهامش «م» : عن ، وهو تصحيف كما يظهر من سائر الاسناد،
ومن كلمة (جميعاً) في نفس السند.
(4) في هامش «ش » و«م » : امامي .
(276)
وآلهِ : بأَبي ابنُ خِيرَةِ الإماء النُوبيّة الطيِّبة، يكُونُ من ولده الطريدُ
الشريدُ ، المَوْتورُ بأَبيه وجدِّه ، صاحبُ الغيبة ، فيُقالُ : ماتَ أَو هَلَكَ أيَّ
وادٍ سَلَكَ؟» فقلْتُ : صَدَقْتَ جعِلْتُ فداك
(1) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد
ابن يحيى،عن أَحمدَ بن محمد، عن صفوان بن يحيى قالَ : قُلْت للرضا عليه
السلامُ : قد كُنّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنَ يَهَبَ اللّهُ لك أَبا جعفرٍ فكُنْتَ تَقولُ :
«يَهَبُ اللهُّ لي غُلاماً» فقد وَهَبهَ اللهُ لك وقَرَّ عُيوُننا به، فلا أَرانا اللهُّ يومَك ،
فإِن كانَ كونٌ فإلى مَنْ ؟ فأَشارَ بيده إِلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه ،
فقُلْتُ له : جُعِلْتُ فداك ، وهذا ابنُ ثلاث سنين ، قالَ : «وما يَضُرُّ من
ذلك! قد قامَ عيسى بالحجةِ وهو ابنُ أَقل من ثلاث سنين »
(2) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
محمد بن يحيى، عن أَحمدَ بن محمد بن عيسى، عن معمربن خلاد قالَ :
سَمِعْتُ الرضا عليه السلامُ وذَكَرَ شَيئاً
(3) فقالَ : «ما حاجتكم إِلى ذلك ،
هذا أَبوجعفر قد أجْلَسْتهُ مجلسي وصَيَّرْتُه مكاني » وقالَ : «إنّا أَهْلُ بَيْتٍ
يَتَوارَثُ أَصاغِرُنا عن أَكابِرِنا القُذَّةُ بالقُذَة
(4) »
(5) .
____________
(1) الكافي 1 : 14|259 ، اعلام الورى : 330، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50:
7|21 .
(2) الكافي1 : 258| 10 ، اثبات الوصية :185 ، الفصول المهمة :265 ، ونقله العلامة
المجلسي في البحار 50 : 21|8 ، وذكر نحوه الخزاز في كفاية الأثر: 279 .
(3) قال العلامة المجلسي (ره) في البحار 50: 22 : وذكر شيئاً أي من علامات الامام وأشباهه
وربما يقرأ على المجهول من باب التفعيل .
(4) يضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان . «النهاية - قذذ - 4 : 28 ».
(5) الكافي 1 : 256 |2 ، الفصول المهمة :265 ، اعلام الورى : 331، ونقله العلامة المجلسي
=
(277)

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
عدّةٍ من أصحابنا، عن أحمدَ بن محمد، عن جعفربن يحيى، عن مالك
ابن أشيم ، عن الحسين بن يسار
(1) قالَ : كَتَبَ ابنُ قياما
(2) إِلى أَبي الحسن
الرضا عليه السلامُ كتاباً يقولُ فيه : كيف تَكُونُ إِماماً وليس لك ولدٌ؟
فأجابَه أَبو الحسن عليه السلامُ : «وما عِلْمُك أَنَّه لا يكونُ لي ولدٌ ؟! واللّهِ لا
تَمضي الأيّامُ والليالي حتّى يَرْزُقَني اللهُ ذَكَراً يُفرِّقُ بين الحقِّ والباطلِ»
(3) .

حَدٌثَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
بعض أَصحابه ، عن محمد بن عليّ ، عن معاوية بن حكيمِ ، عن ابن أبي
نصر البزنطي قالَ : قالَ لي ابنُ النجاشي : مَنِ الإمامُ بعدَ صاحبِك ؟
فاُحِبُّ أَنْ تَسْأَله حتى أَعلَمَ . فدَخَلْت على الرضا عليه السلامُ فاَخْبَرْته ،
قال :فقالَ لي :«الإمام :اِبْني » وليس له ولدٌ ،ثم قالَ : هل يَجْتَرِئُ أَحَدٌ أَن
يَقُولَ : اِبْني ، وليسَ له ولد؟! ولم يَكُنْ وُلِدَ أَبوجعفرعليه السلامُ ، فلم
تَمْضِ الأيامُ حتّى وُلِدَ صلّى اللّهُ عليهِ
(4) .

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
(أحمدَ بن محمد)
(5) ، عن محمد بن عليّ ، عن ابن قياما الواسطي - وكانَ
____________
=
في البحار 50: 9|21، وذكر الكليني قطعة منه بطريق آخرعن معمربن خلاد 1 : 6|257 .
(1)كذا في «ش » و«م »، وفي «ح» : بشّار، وقد تقدم الكلام عنه آنفاً.
(2) في هامش «ش » : ابن قياما الواسطي .
(3) الكافي 1 : 257 | 4 ، رجال الكشي : 553 | 1044 ، اعلام الورى : 331، ونقله العلامة
المجلسي في البحار 50: 22| 10 ، وذكر نحوه الطبري في دلائل الامامة : 189 ، والمسعوديَ
في اثبات الوصية : 183 .
(4) الكافي 1 : 557|2، اعلام الورىَ : 331، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 22| 11
(5) كذا في «م » و «ح » ومثله في السندين الآتيين ، وهو الموجود في هامش «ش» في الموارد الثلاثة
=
(278)
واقِفاً - قالَ : دَخَلْتُ على عليّ بن موسى ، فقُلْتُ له : أَيكونُ إِمامان ؟ قالَ :
«لا، إلا أَنْ يكونَ أحَدُهما صامتاً» فقُلْتُ له : هو ذا أَنت ، ليس لك
صامتٌ؟ فقالَ لي : «واللهِ ليَجْعَلَنَّ اللهُ منّي ما يُثْبِتُ به الحق وأهْلَه ،
ويَمْحَقُ
(1) به الباطل وأَهْلَه » ولم يَكنْ في الوقت له وَلَدٌ ، فولدَ له أَبو
جعفرعليه السلام بعدَ سنة
(2) .

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
أحمدَ بن محمد
(3) ، عن محمد بن عليّ ، عن الحسن بن الجهم قالَ : كُنْتُ
مع أَبي الحسن عليه السلامُ جالساً فدعا بابنه وهو صغير فاجْلَسَه في
حِجْري وقالَ لي : «جَرِّدْه ، اِنْزَع قَميصَه » فنَزَعْتُه فقالَ لي : «اُنْظرْ بين
كَتِفَيْه » : فنَظَرْتُ ، فإِذا في إِحدى كَتِفَيه شبهُ الخاتَم داخلَ اللحم ، ثم
قالَ لي : «أَترى هذا؟ مثلُه في هذا الموضعِ كانَ من أَبي عليه
السلامُ »
(4) .
____________
=
وقد جعل في جنبه هنا علامة النسخة ، وفي السندين الأتيين علامة التصحيح ، وفي متن «ش » :
أحمد بن هارون ، وهو أصل نَسخ «م » ثم غيّر وصحّح بأحمد بن محمد .
وهذه الروايات وردت في الكافي 1: 7|257 و 8 و 9 وسند حديث 6 هكذا: أحمد بن
مهران عن محمد بن علي عن معمر بن خلاد. . وسند حديث 7: أحمد عن محمد بن علي . .
وسند حديث 8 : أحمد عن محمد بن علي . . وسند حديث 9 : عنه عن محمد بن علي . . وفي
بعض النسخ المعتبرة (عنه) في السندين 7 و 8 أيضاً .
ولعل الموجود في نسخة الكافي التي عند المصنف (قده) في سند الحديث 6 : أحمد بن محمد
بدل أحمد بن مهران ، فاخذ المفيد سائر الروايات منها، وأرجع الضميرإلى مرجعه أو أضاف
(ابن محمد) بعد أحمد توضيحاً.
(1)في «ش »:يمحو.
(2) الكافي 1 : 257| 7 و 288| 11 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 22| 12 .
(3) مرّ آنفاً ما يتعلق به .
(4) الكافي 1 : 257| 8، اعلام الورى : 332، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50:
=
(279)

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
أحمدَ بن محمد
(1) ، عن محمد بن عليّ ، عن أبي يحيى الصنعاني قالَ : كُنْتُ
عند أبي الحسن عليه السلامُ فجيءَ بابنه أَبي جعفرٍ عليه السلامُ وهو
صغيرٌ ، فقالَ : «هذا المولود الذي لم يُولَدْ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ على شيعتنا
بركةً منه »
(2) .

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
(الحسين بن محمد)
(3) ، عن الخيراني ، عن أَبيه قالَ : كنت واقفاً بين يدَيْ
أَبي الحسن الرضا عليه السلامُ بخُراسان ، فقآلَ قائلٌ : يا سيّدي إِنْ كانَ
كَوْنٌ فإِلى مَنْ ؟ قالَ : «إِلى أَبي جعفر ابني » فكأَن القائَل استصْغَرَ سنَّ أَبي
جعفر عليه السلامُ فقالَ أَبو الحسن عليه السلامُ : «إِنَّ اللّهَ سبحانَه بَعَثَ
عيسى بَن مريم رسولاً نبيّاً صاحبَ شريعةٍ مُبْتَدَأةٍ في أصْغَرَمن السنِّ
الذي فيه أَبوجعفر عليه السلام »
(4) .

أخْبَرَني (أَبو القاسم)
(5) ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ بن محمد،
____________
=
23| 13.
(1) مرّ آنفاً ما يتعلق به .
(2) الكافي 1 : 958|2، اعلام الورى: 332، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50:
4|123 ، وذكر المسعودي في اثبات الوصية : 184 ، نحوه .
(3) كذا حكاه في البحار عن الارشاد، وهو الصواب الموافق للكافي وسائر الاسناد . وفي النسخ :
الحسن بن محمد.
(4) الكافي 1 : 258 |13 ، اعلام الورى: 331، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50:
23 | 15 ، وذكره باختلاف الطبري في دلائل الامامة : 204 ، والمسعودي في اثبات الوصية :
186.
(5) في «ش » و«م » و «ح » : جعفر بن محمد، لكن جعل عليه في «ش » علامة الزيادة، وضرب
عليه خطأ في «م ».
(280)
عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يحيى بن حبيب الزيات قالَ :
أَخْبَرَني مَنْ كانَ عند أَبي الحسن عليه السلام جالساً، فلمّا نَهَضَ القَومُ
قالَ لهم أَبو الحسن الرضا عليه السلام : «القَوْا أَبا جعفر فسَلِّمُوا عليه
وأَجِدُّوا به عَهْداً« فلمّا نَهَضَ القوم الْتَفَتَ إِليَ فقالَ : «يَرْحَمُ اللّهُ
المُفَضَّلَ ، إِنّه كانَ لَيَقْنَعُ بدون هذا»
(1) .
*
*
*
____________
(1) الكافي 1 : 256| 1 ، اعلام الورى : 332، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50:
24| 16 ، ورواه الكشي في رجاله 2 : 593|620، بسند آخر، عن محمد بن حبيب ،
باختلاف يسير.
(281)
باب
طَرَفٍ من الأخبارِ عن مناقب
أَبي جعفر عليه السلامُ ودلائِلهِ ومُعْجِزاتِه

وكانَ المأمونُ قد شُعِفَ
(1) بأَبي جعفر عليه السلام لمّا رَأى مِن فضلهِ
مع صِغَر سنِّه ، وبُلوغِه في العلمِ والحكمةِ والأَدبِ وكمالِ العقلِ ما لم
يُساوِه فيه أحدٌ من مشايخ أَهلِ الزمانِ ، فزوَجه ابْنَتَه أُمَّ الفضلِ وحَمَلَها
معه إِلى المدينةِ ، وكان مُتَوَفِّراً على إكرامِه وتعظيمِه وِإجلالِ قَدْرِه .

روى الحسنُ بن محمّد بن سليمان ، عن عليّ بن إبراهيم بن
هاشم ، عن أَبيه ، عن الريان بن شبيب قالَ : لمّا أَرادَ المأمونُ أَن يُزوِّج
ابْنَتَه أمَّ الْفَضْل أَبا جعفر محمد بن عليّ عليهما السلامُ بَلَغَ ذلك العباسيّين
فغَلُظَ عليهم واسْتَكْبَروه ، وخافُوا أَنْ يَنْتَهِيَ الأمرُ معه إِلى ما انتَهى مع
الرضا عليه السلامُ فخاضوا في ذلك ، واجْتَمَعَ منهم أَهلُ بيته الأدْنَونَ منه
فقالوا له : ننشدُك اللّهَ - يا أَميرَ المؤمنين - (أَنْ تُقيمَ)
(2) على هذا الأمرِ الذي
قد عَزَمْتَ عليه من تزويج ابن الرضا، فإنّا نخَافُ أَن يَخْرُجَ به عنّا أَمرٌ
قد ملَّكَنَاهُ اللّهُ ، ويُنْزَعَ مِنّا عزٌّ قد أَلبَسَناه اللهُّ وقد عَرَفْتَ ما بيننا وبين
هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاءُ الراشدون قَبْلَكَ من
تبعيدهم والتصغيرِ بهم ، وقد كُنّا في وَهْلةٍ من عَمَلِك مع الرضا ما
عَمِلْتَ ، حتى كَفانَا اللّهُ المهمَّ من ذلك ، فاللّهَ اللّهَ أَنْ تَرُدَّنا إِلى غمٍّ قد
____________
(1) شعفت به وبحبه أي غشّى الحبُّ القلب من قوقه . «القاموس -شعف -3 : 159 » .
(2) في هامش «ش»: أي أن لا تقيم .
(282)
انْحَسَرَ عنّا، واصْرِفْ رَأْيَك عن ابن الرضا واعْدِلْ إِلى مَنْ تراه من أَهل
بيتك يَصْلَحً لذلك دونَ غيره .

فقالَ لهم المأمونُ : أَمّا ما بينكم وبينَ ال أَبي طالب فأَنتُمُ السَبَبُ
فيه ، ولو أَنْصَفْتُمُ القَوْمَ لكانَ أَولى بكم ، وأَمّا ما كان يَفْعَله مَنْ كانَ
قبلي بهم فقد كانَ قاطِعاً للرحِم ، أَعوذ باللهِّ من ذلك ، وواللّهِ ما نَدِمْتُ
على ما كانَ منّي من استخلافِ الرضا، ولقد سَألته أنْ يَقوُمَ بالأمْرِ وانزَعُه عن
نفسي فأَبى ، وكانَ أَمْرُ اللّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ، وأَمّا أَبوجعفر محمّدُ بن عليّ فقد
اخْترْته لتبريزه على كافةِ أَهْلِ الْفَضْلِ في العلمِ والْفَضْلِ مع صِغَرِ
سِنِّه ، والأعجُوبة فيه بذلك ، وأَنا أَرْجُو أَنْ يَظْهَرَ للناسِ ما قد عَرَفْتُه منه
فيَعْلَموا أَنّ الرأيَ ما رَأَيْتُ فيه .

فقالوُا : إِنَ هذا الصبي وانْ راقَكَ منه هَدْيُه ، فإِنّه صبي لا معرفةَ
له ولا فِقْهَ ، فأَمْهِلْه ليتأَدَّبَ ويَتَفَقَّهَ في الدين ، ثم اصْنَعْ ما تراه بعد ذلك .

فقالَ لهم : ويحْكُم إِنّني أَعْرَفُ بهذا الفتى منكم ، وِانّ هذا من
أَهل بَيْتٍ عِلْمُهم من اللّه ومَوادِّه والهامه ، لم يَزَلْ آباؤه أَغنياءَ في علمِ
الدينِ والأدبِ عن الرعايا الناقصةِ عن حدِّ الكمالِ ، فانْ شِئْتُمْ فامْتَحِنُوا أَبا
جعفرٍ بما يَتَبَيٌنُ لكم به ماوَصَفْتُ من حالِه .

قالوا له : قد رَضِيْنا لك يا أَميرَ المؤمنين ولانفُسِنا بامْتِحانِه ، فخلِّ
بيننا وبينه لنَنْصِبَ مَنْ يَسْأله بحَضْرَتِك عن شيءٍ من فِقْه الشريعة، فإِنْ
أَصابَ في الجواب عنه لم يَكُنَْ لنا اعتراض في أَمْرِه وظَهَرَ للخاصةِ والعامةِ
سَديد رَأْي أَميرِ المؤمنين ، وإنْ عَجَزَ عن ذلك فقد كُفْينا الخَطْبَ في معناه .

فقالَ لهم المأمونُ : شأنَكم وذاك متى أَرَدْتُم. فخَرجوا من عنده
(283)
وأَجْمَعَ رَأيهُم على مسألةِ يحيى بن أَكْثَم وهويومئذٍ قاضي القضاة
(1) على أَنْ
يَسْألَه مسألةً لا يَعْرِفُ الجوابَ فيها، ووَعَدوهُ باَمْوالٍ نفيسةٍ على ذلك ،
وعادُوا إلى المأمونِ فَسَأَلوه أَنْ يَخْتارَ لهم يوماً للاجتماع ، فأَجابَهُم إلى ذلك .

واجْتَمَعُوا في اليوم الذي اتفَقوا عليه ، وحَضَرَ معهم يحيى بن
أَكْثَم ، وأَمَرَ المأمونُ أَنْ يُفْرَشَ لأبي جعفرعليه السلامُ َدست
(2) ، وتُجْعَلَ له
فيه مِسْوَرتان
(3) ، ففُعِلَ ذلك ، وخَرَجَ أَبو جعفر عليه السلامُ وهويومئذٍ ابنُ
تسع سنين وأشهُر، فجَلَسَ بين المِسْوَرتَيْن ، وجَلَسَ يحيى بن أكثم بين
يديه ، وقامَ الناسُ في مَراتبِهِم والمأمونُ جالسٌ في دَست مُتَّصِل بدَست
أَبي جعفر عليه السلامُ .

فقالَ يحيى بن أَكثم للمأمونِ : يَأذَنُ لي أَمير المؤمنينَ أَنْ أَسْأَلَ أَبا
جعفر؟ فقالَ له المأمونُ : اسْتَأْذِنْه في ذلك ، فاَقْبَلَ عليه يحيى بن أَكثم فقالَ :
أَتَاْذَنُ لي - جُعِلْتُ فداك - في مَسْألَةٍ ؟ فقالَ له أَبوجعفر عليه السلامُ :
«سَلْ إِنْ شِئْتَ » قالَ يحيى : ما تَقولُ -جُعِلْتُ فداك -في مُحرِمِ قَتَلَ
صَيْداً؟

فقال له أَبو جعفر: «قَتَلَه في حِلٍّ أَو حَرَم ؟ عالماً كانَ المُحْرِمُ أَم
جاهلاً ؟ قَتَلَه عَمْداً أَو خَطَأ ؟ حُراً كانَ المُحْرِمُ أَم عَبْدا ً؟ صَغيراً كانَ أَم
كبيراً؟ مُبْتَدِئاً بالقتلِ أَمْ مُعيداً؟ مِنْ ذَواتِ الطيرِ كانَ الصيدُ أَمْ من
غيرِها؟ مِنْ صِغارِ الصيد كانَ أَم كِبارِها
(4) مصُرّاً على ما فَعَلَ أَو نادِماً ؟ في
____________
(1) في « م» وهامش « ش»: الزما ن .
(2) أي جانب من البيت ، وهي فارسية معرّبة .
(3) في هامش «ش » : المسورة : متكأ من أدَم .
(4) في «م» وهامش «ش» : كباره .
(284)
الليلِ كانَ قَتْلَهُ للصيدِ أَم نَهاراً؟ مُحْرِماً كانَ بالعُمْرةِ إذْ قَتَلَه أَو بالحجِّ
كانَ مُحْرِماً»؟

فتَحَيَّرَيحيى بن أَكثم وبانَ في وجهه الْعَجْزُ والانقطاعُ ولَجْلَجَ حتى
عَرَفَ جمَاعَةُ أَهْلِ المجلس أمْرَه ، فقالَ المأمونُ : الحمدُ لله على هذه
النعمة والتوفيقِ لي في الرأْي . ثم نَظَرَ إِلى أَهْلِ بَيْتِه وقالَ لهم : أَعَرَفتمُ
الآنَ ما كُنْتُم تُنْكِرُونَه ؟
*
ثم أَقْبَلَ على أَبي جعفر عليه السلامُ فقالَ له : أَتَخْطُب يا أَبا
جعفر؟ قالَ : «نعم يا أميرَ المؤمنين » فقالَ له المأمونُ : اُخْطُبْ ، جُعِلْتُ فداكَ
لِنَفْسِكَ ، فقد رَضيتُكَ لِنَفْسي وأَنا مُزَوِّجُكَ أُمَّ الفَضْل ابَنتي وِان رَغَمَ قومٌ
لذلك .

فقال أَبو جعفر عليه السلامُ : «الحمد للهّ إِقراراً بنعمتِه ، ولا إِلهَ إلا
اللّه إِخْلاصاً لوَحْدانِيتهِ ، وصَلىّ اللّهُ على محمّدٍ سيِّدِ بَرِيَّتِه والأصْفياءِ من
عترتهِ.

أَمّا بَعْدُ: فقد كانَ من فَضْل اللّه على الأنام أَنْ أَغناهُم بالحلالِ
عن الحَرامِ ، فقالَ سُبْحانَه : (
وَأَنكَحُوا الأيَامىَ مِنْكُمْ وَألصّالحِينَ مِنْ
عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّهُ وَاسِعٌ
عَليمٌ
)
(1) ثمَّ إِنَّ محمّد بن عليّ بن موسى يَخْطُبُ أُمَّ الفَضْلِ بنْتَ عبداللهِّ
المأمونِ ، وقد بَذَلَ لها من الصداقِ مَهْرَ جَدَّتِه فاطمة بنت محمّد علَيهما السلامُ
وهو خمسمائة درهم جياداً، فهَلْ زَوَّجْتَه يا أَميرَ المؤمنين بها على هذا الصداقِ
المذكور؟ » .
____________
(1) النور 24 : 32 .