عليه السلامُ ، فبَيْنا أَنا ذات ليلةٍ في موضعي مُقْبلٌ على المحرابِ أَذْكُرُ اللهَّ
تعالى، إِذْ رَأَيْتُ شخصاً بين يَدَيَّ ، فنَظَرْتُ إِليَه فقال لي : «قُمْ »، فقُمْتُ
معه فمَشى بي قليلاً فإِذا أَنَا في مسجد الكوفةِ، فقالَ لي : «أتَعْرِفُ هذا
المسجد؟» فقُلْتُ : نعَمْ هذا مسجدُ الكوفة، قالَ : فصَلّى فصَلَّيْتُ معه
ثم انْصَرَفَ وانْصرَفْتُ معه ، فمَشى قليلاً فإِذا نحن بمسجد الرسول
عليه السلام فسلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليهِ والهِ وصلّى وصلّيت معه ، ثمَّ
خَرَجِ وخَرَجْتُ فمَشى قليلاً فإِذا أَنا بمكّة، فطافَ بالبيت وطُفْتُ معه ،
ثم خرَجَ فمَشى قليلاً فإِذا أَنا بموضعي الذي كُنْتُ أَعْبُدُ اللّهَ تعالى فيه
بالشام ، وغابَ الشخصُ عن عَيني ، فبَقيتُ مُتَعَجِّباً حولاً ممّا رَأَيْتُ .
فلمّا كانَ في العام المقبل رَأيْتُ ذلكَ الشخصَ فاسْتَبْشَرْتُ به ،
ودَعاني فأَجَبْتُه ، ففَعَلَ كما فَعَلَ في العام الماضي ، فلمّا أَرادَ مُفارقَتي بالشام
قُلْتُ له : سأَلْتُكَ بحقّ الذي أَقْدَرَك على ما رَأَيْتُ منك إِلا أَخْبَرتَني مَنْ
أَنت ؟ فقالَ : «أَنا محمّدُ بن عليّ بن موسى بن جعفرِ».
فَحدّثْتُ مَنْ كانَ يَصيرُإِلَيَّ بخَبَرِه ، فرُقِيَ ذلك إِلى محمد بن
عبدالملك الزيّات ، فبَعَثَ إِلَيَّ فأخَذَني وكَبلَني في الحديد وحَمَلَنيَ إلى العراقِ
وحُبِسْتُ كما ترى، وَادُّعِيَ عَلَيَّ المحالُ .
فقُلْتُ له : فأَرْفَعُ عنك قصّةً إِلى محمد بن عبد الملك الزيّات .
فقالَ : افْعَل .
فكَتَبْتُ عنه قصةً شرًحْتُ أَمْرَه فيها ورَفَعْتُها الى محمد بن عبد الملك
الزيّات ، فوَقَّعَ في ظَهْرِها: قُلْ للَذي أَخْرَجَك من الشام في ليلةٍ إِلى
(291)
الكوفة ومن الكوفة إِلى المدينة ومن المدينة الى مكّة ورَدَّكَ من مكّة إِلى
الشام ، أَنْ يُخْرِجَكَ من حَبْسِك هذا .
قالَ عليُّ بن خالد : فغَمَّني ذلك من أَمْره ورَققْتُ له وانْصَرَفْتُ مَحْزُوناً
عليه . فلمّا كانَ من الغدِ باكَرْتُ الحَبْسَ لأعْلِمَهُ بالحال وآمرُه بالصبرِ
والعزاءِ، فوَجَدْتُ الجُنْدَ وأَصحابَ الحَرَسِ وأَصحابَ السجنِ وخَلْقاً
عظيماً من الناسِ يُهْرَعونَ ، فسَأَلْتُ عن حالِهم فقيلَ لي : المحمول من
الشام المُتَنَبِّى افْتُقِدَ البارحةُ من الحَبْسِ ، فلا يُدْرى أخُسِفَتْ به الأرض
أَو اخْتَطًفَتْه الطيرُ!
وكانَ هذا الرجلُ - أَعْني عليَّ بن خالد - زيديّاً ، فقالَ بالإمامةِ لمّا
رَأَى ذلك وحَسُنَ اعْتقادُه (1) .
أَخبرني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن محمد بن عليّ ، عن محمد بن
حمزة، عن محمد بن عليّ الهاشمي قالَ : دخَلْتُ على أَبي جعفر عليه
السلامُ صَبيحةَ عُرْسِهِ ببنتِ المأمون ، وكُنت تَناوَلت من الليلِ دَواءً، فاول
مَنْ دَخَلَ عليه في صَبيحتهِ أَنا وقَدْ أَصابَني العَطَشُ ، وكَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوَ
بالماءِ، فنَظَرَ أَبو جعفر عليه السلامُ في وَجْهي وقالَ : «أَراك عَطْشان ؟»
قُلْتُ : أَجَلْ ، قالَ : «يا غلامُ اسْقِنا ماء » فقًلْتُ في نفسي : الساعة يَأْتُونَه
بماءٍ مسمومٍ واغْتَمَمْتُ لذلك ، فأَقْبَلَ الغلامُ ومعه الماءُ، فتَبَسَّمَ في وَجْهي
____________
(1) بصائر الدرجات : 422 | 1 ، الكافي 1 : 411 | 1 ، دلائل الامامة : 214 ، الاختصاص :
320، اعلام الورى : 332، الخرائج والجرائح 1 :380| 10 ، واخرج نحوه ابن الصباغ في
الفصول المهمة : 271 ، ومختصراً في مناقب آل ابي طالب 4 : 393، ونقله العلامة المجلسي
في البحار 50: 40 .
(292)
ثمَّ قالَ : «يا غلامُ ناوِلني الماءَ» فتَناوَلَ الماء فشَرِبَ ثمّ ناوَلَني فشَرِبْتُ ،
وأَطَلْتُ عندَه فعَطِشْتُ ، فدَعا بالماءِ ففَعَلَ كما فَعَلَ في المرّة الأولى
فشَرِبَ ثم ناوَلني وتَبَسمَ .
قالَ محمّدُ بن حمزة : فقالَ لي محمّد بن عليّ الهاشمي : واللّهِ إنني أَظُنُّ
أَنّ أَبا جعفر يَعْلَمُ ما في النفوسِ كما تَقُول الرافِضةُ(1) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
عدّةٍ من أَصحابه ، عن أَحمدَ بن محمد، عن الحجّال وعمرو بن عثمان ، عن
رجل من أَهل المدينة، عن المُطَرِّفي قالَ : مَضى أَبو الحسن الرضا عليه
السلامُ وَلي عليه أَربعةُ آلاف درهم لم يَكُنْ يَعرِفُها غَيْري وغَيْرُه ، فأَرْسَلَ
إلي أَبو جعفر عليه السلام : «إذا كان في غدٍ فَأْتِني» فأَتَيْتُه من الغدِ
فقالَ لي : «مضَى أَبو الحسن ولكَ عليه أَربعةُ الاف درهمٍ ؟» فقُلْتُ :
نعَمْ ، فرَفَعَ المُصَلّى الذي كانَ تحْتَه فإذا تحته دنانير فدَفَعها إلَيّ ، فكانَ
قيمتُها في الوقت أَربعةَ آلاف درهم (2) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد،
عن معلّى بن محمد، [عن عليّ بن أسباط ](3) قالَ : خَرَجَ عَلَيَّ أَبوجعفرعليه
____________
(1) الكافي 1: 414 | 6 ، دلائل الامامة :215 ، الخرائج والجرائح 1 : 379| 9 ، ورواه بحذف
اوله ابن شهرآشوب في المناقب 4 : 390، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 54| 28 .
(2)الكافي 1 :415| 11 ، اعلام الورى : 334، وذكره باختلاف يسير ابن شهرآشوب في المناقب
4 : |391 ، ونحوه في الخرائج والجرائح1: 7|378، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 54| 29.
(3) ما ببن المعقوفتين سقط من السند في النسخ مع انّه الراوي للخبر في المصادر، وقد نقل العلامة
المجلسي في البحار الخبرعن الارشاد، وفيه : معلى بن محمد عن ابن اسباط ، وهو اختصارعلي
ابن اسباط كما هو المعلوم من دأبه .
(293)
السلامُ (حدثانَ مَوْتِ أَبيه)(1) فنَظَرْتُ إلى قَدِّهِ لأصِفَ قامَتَه
لأصْحابي (2) ، فقَعَدَ ثمَّ قالَ : «يا علي (3) ، إنَّ اللهّ احْتَجَّ في الإمامةِ بمثل ما
احْتَجَّ به في النُبُوَّةِ فقال : (
وَآتَينَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً
)(4) »(5) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد، عن
سهل بن زياد، عن داود بن القاسم الجعفَري قالَ : دَخَلْتُ على أَبي جعفر
عليه السلامُ ومعي ثلاثُ رِقاعٍ غير مُعَنْوَنَةٍ واشْتَبَهَتْ عَلَيَّ فاغْتَمَمْتُ
فتَناوَلَ إحداها وقالَ : «هذه رقعةُ رَيّان بن شبيب » ثُمَّ تناوَلَ الثانيةَ فقالَ :
«هذه رقعةُ فلانٍ » فبُهِتُ أَنْظُرُ إِليه ، فتَبَسَّمَ وأَخَذَ الثالثةَ فقالَ : «هذه
رُقْعةُ فلان »فقلْتُ : نعَمْ جُعِلْتُ فداك .
فأَعْطاني ثلاث مائة دينار وأَمَرَني أَنْ أَحْمِلَها إِلى بعضِ بني عمّه
وقالَ : «أَما إنَّه سَيَقُولُ لك : دُلَّني على حَريفٍ يَشْتَري لي بها مَتاعاً فدُلَّه
عليه » قالَ : فأتيته بالدنانير فقالَ لي : يا أَبا هاشم دُلّنِي على حريفٍ يشتري
لي بها متاعاً، فقُلْتُ : نعَمْ .
وكَلَّمَني في الطريقِ جَمّالٌ سَأَلَني أَنْ أُخاطِبَهُ في إِدْخالِه مع بَعْضِ
____________
(1)في هامش «ش »: قريباً من موت ابيه .
(2) في هامش «ش»: لاصحابنا .
(3)كذا في «ح » لكن لم يأت فيه بعلي بن اسباط كما مرّ، والمناسب لعدم وجوده هو(يا معلى) وكان
في «م »و«ش» في الاصل : يا علي ، ثم صحح فيهما بـ (معلّى).
(4) مريم 19 : 12 .
(5) ذكر الخبر الصفار في بصائر الدرجات : 258| 10 ؟ والكليني في الكافي 1: 7|315
و 3|413، والمسعودي في اثبات الوصية : 184 ، والطبرسي في مجمع البيان 3: 506 ،
والراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 384| 14 ، وابن شهراشوب في المناقب 4 : 389،
باختلاف يسير، ونقله المجلسي في البحار 50 : 37| 1 .
(294)
أَصْحابه في أُمُورِه ، فدَخَلْت عليه لأكلَمَهُ فوَجَدْتُه يَأْكُلُ ومعه جماعةٌ ، فلَمْ
أَتمَكَّن من كلامه ، فقالَ : «يا أبا هاشم كُلْ »، ووَضَعَ بين يَدَيَ ما آكُلُ منه ،
ثم قالَ ابتداءً من غير مسألةٍ : «يا غلامُ اُنْظُر الجمّالَ الذي أَتانا به أَبو
هاشم فضُفَه إِليك » .
قالَ أَبو هاشم : ودَخَلْتُ معه ذاتَ يوم بُسْتاناً، فقُلْتُ له : جُعِلْتُ
فدِاك ، إِنّي مُولَع بأَكْلِ الطينِ ، فادْعُ اللّهَ لي ، فسَكَتَ ثمَّ قالَ لي بعدَ أَيامٍ
ابتداءً منه : «يا أَبا هاشم ، قد أَذهَبَ اللهّ عنك أَكْلَ الطينِ » قالَ أَبوهاشم :فما
شيءٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ منه اليومَ (1) .
والأخْبارُ في هذا المعنى كثيرةٌ ، وفيما أَثْبَتْناه منها كفايةٌ فيما قَصَدْنا له
إِنْ شاءَ اللهُّ .
____________
(1) الكافي 1 : 414 | 5 ، والطبرسي في اعلام الورى : 333 عن كتاب اخبار ابي هاشم ألجعفري ،
والقطب الراوندي في الخرائج والجرائح 2 : 664 - 665| 1 و 2 و 3 و 4 ، وابن شهرآشوب في
المناقب 4 : 390، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 41|4 ، 5، 6، 7 .
قد تَقَدَّمَ القولُ في مَوْلدِ أَبي جعفر عليه السلامُ وذَكَرْنا أَنّه وُلِدَ
بالمدينةِ ، وأنه قبِضَ ببغداد .
وكانَ سَبَبُ وُروده إِليها إِشخاصَ المعتصم له من المدينة ، فوَردَ بغداد
لليلتين بَقِيَتا من المحرَّم من سنة عشرين ومائتين ، وتُوُفَيَ بها في ذي القعدة من
هذه السنة .
وقيل : إِنَّه مَضى مَسْمُوماً(1) ولم يَثْبُتْ بذلك عندي خبرفأشْهَدُ به .
ودفِنَ في مقابر قُريش في ظَهْرِ جَدِّه أَبي الحسن موسى بن جعفر
عليهما السلامُ ، وكانَ له يومَ قُبِضَ خمسٌ وعشرون سنة وأَشْهُر.
وكان منعوتاً بالمْنتَجَب والمرتَضى، وخَلَّفَ بعده من الولد عليّاً ابْنَه
الإمام من بعده ، وموسى ، وفاطمة واُمامة ابنتَيْه ، ولم يُخَلِّفْ ذَكَراً غيرَ مَنْ
سمّيناه .
____________
(1) كما في تفسير العياشي 1 : 320، ونقله ابن شهرآشوب عن ابن عياش في المناقب 4 : 379 .
وكان الأمامُ بعد أَبي جعفرعليه السلام ابنَه أَبا الحسن عليَّ بن محمّد،
لاجتماع خصال الإمامة فيه ، وتكامل فَضْلِه ، وأنه لا وارثَ لمقام أَبيه
سواه ، وثُبوتِ النصِّ عليه بالإمامةِ والإشارةِ اليه من أَبيه بالخلافةِ .
وكانَ مَولده بِصَريا(1) من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثْنَتَيْ
عشرة ومائتين ، وتُوُفِّيَ بُسر مَن رَأَى في رجب سنة أَربع وخمسين ومائتين ،
وله يومئذٍ إِحدى وأَربعون سنة وأشهر. وكانَ المتوكّلُ قد أشْخَصَه مع
يحيى بن هَرْثمة بن أَعْيَن من المدينة إِلى سُرَّمَنْ رأى، فأَقامَ بها حتى مَضى
لسبيله . وكانَتْ مُدّةُ إِمامتِه ثلاثاً وثلاثين سنة، وأُمُّه أمّ ولدٍ يقالُ لها :
سُمَانة .
____________
(1) صريا: هي قرية اسسها موسى بن جعفر عليه السلام على ثلاثة اميال من المدينة . «مناقب
آل أبي طالب 4 : 382» .
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ
ابن إبراهيم ، عن أَبيه ، عن إسماعيل بن مهران قال : لمّا أُخْرجَ أَبو جعفر عليه
السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولة من خَرْجَتَيه قُلْت له عند
خُروجِه : جُعِلْتُ فداك ، إِنّي أَخافُ عليك مِنْ هذا الوجه ، فإِلى مَنِ
الأمْرُ بعدك ؟ قالَ : فكَرَّ بوجهه إِلَيَّ ضاحكاً وقالَ : «ليس حيث (1) ظَنَنْتَ
في هذه السنة»، فلمّا اسْتُدْعِيَ به إِلى المعتصم صِرْتُ إليه فقلْتُ له : جُعِلْتُ
فداك ، أَنت خارج ، فإِلى مَنْ هذا الأمرُ من بعدك ؟ فبَكى حتى اخْضَلّتْ لِحْيَته
ثم الْتَفَتَ إِلَيَّ فقالَ : «عند هذه يُخافُ عَلَيَّ ، الأمرُ مِنْ بعدي إِلى ابْني عليّ »(2) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
الحسين (3) بن محمد ، عن الخيراني ، عن أَبيه أَنّه قالَ : كُنْتُ أَلزمُ بابَ أَبي
جعفر عليه السلامُ للخِدْمَةِ التي وُكِّلْتُ بها، وكان أحمدُ بن محمّد بن
____________
(1) في هامش «ش»و«م»: كما.
(2) الكافي 1 : 260 | 1 ، اعلام الورى : 339، مناقب آل أبي طالب 4 : 408 ، ونقله العلامة
المجلسي في البحار 50 :118 |2 ،وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة : 277 خروج الامام
عليه السلام المرة الثانية من المدينة فقط .
(3) كذا في «ح » وهو محتمل «ش»، وفي «م» : الحسن ، والصواب ما أثبتناه موافقاً للكافي .
(299)
عيسى الأشعريّ يجيء في السَحَر من اخِرِ كلِّ ليلة ليَتَعَرَّفَ خَبَرَعِلةِ
أَبي جعفر عليه السلامُ ، وكانَ الرسولُ الذي يَخْتَلِفُ بين أَبي جعفر وبين
الخيراني إذا حَضَرَ قامَ أَحمدُ وخَلا به .
قالَ الخيراني : فَخَرَجَ ذاتَ ليلة وقامَ أحمدُ بن محمّد بن عيسى عن
المَجْلِس ، وخَلا بي الرسول ، واسْتَدارَ أحمدُ فوَقَفَ حيثُ يَسْمَعُ
الكلامَ ، فقالَ الرسول : إِنَّ مولاك يَقْرَأُ عليك السلامَ ، ويَقُولُ لك :
«إِنّي ماضٍ ، والأمْرُ صائِرٌ إلى اِبني عليٍّ ، وله عليكم بعدي ما كانَ لي
عليكم بعدَ أَبي » .
ثم مَض الرسولُ ورَجَعَ أحمدُ إِلى مَوْضِعهِ ، فقالَ لي : ما الَّذي قالَ
لك ؟ قُلْتُ : خَيْراً، قالَ : قد سَمِعْتُ ما قالَ ، وأَعادَ عليٌ ما سَمِعَ ،
فقُلْتُ له : قد حَرَّمَ اللهُّ عليك ما فَعَلْتَ ، لأنَّ اللهَّ تعالى يقولُ : (
وَلاَ
تَجَسَّسُوا
)(1) فإِذا سَمِعْتَ فاحْفَظِ الشهادةَ لَعَلَّنا نَحْتاجُ إِليها يوماً ما،
وايّاك أَنْ تُظهِرَها إِلى وقتها .
قالَ : وأَصْبَحْتُ وكَتَبْتُ نُسّخةَ الرسالة في عَشْر رِقاع ، وخَتَمْتُها
ودَفَعُتُها إِلى عَشرة من وُجوه أَصحابنا ، وقُلْتُ : إِن حَدَث بي حَدَثُ الموت
قَبْلَ أَنْ أطالِبكم بها فافْتَحُوها وَاعْمَلوا بما فيها.
فلمّا مَضى أبو جعفر عليه السلامُ لَمْ أَخْرُجْ من مَنْزلي حتى
عَرَفْتُ أَنّ رؤساء العصابة قد اجْتَمَعوا عند محمّد بن الفرَج (2) ،يتفاوَضون
في الأمْرِ. وكَتَبَ إلَيَّ محمّدُ بن الفَرج يُعْلِمُني باجْتماعِهم عندَه ويقولُ :
____________
(1) الحجرات 49 : 12 .
(2) هو محمد بن الفَرج الرُخجي من اصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام.
(300)
لولا مخافةُ الشُهرة لَصِرْتُ معهم إليك ، فاُحِبّ أَنْ تَرْكَبَ إِلَيَّ .
فرَكِبتُ وصِرْتُ إِليه ، فوَجَدْتُ القَوْمَ مُجْتَمعينَ عِنْدَه ، فتجاريْنا في
الباب (1) ، فوَجَدْتُ أَكْثَرَهم قد شَكُّوا، فقُلْتُ لمَنْ عندَه الرِقاعُ - وهم
حُضورٌ -:أَخْرِجُوا تلك الرِقاعَ ، فاَخْرَجُوها، فقُلْتُ لهم : هذا ما أمرْتُ
به.
فقالَ بَعْضهم : قد كُنّا نحِبُّ أَنْ يَكُونَ معك في هذا الأمرِآخَرُ
ليتأكَدَ القولُ .
فقُلْتُ لهم : قد أَتاكُم اللهُّ بما تُحِبُّونَ ، هذا أَبو جعفرٍ الأشعريّ
يَشْهَدُ لي بسماعِ هذه الرسالةِ فاسْأَلُوه ، فسَأَلَه القومُ فَتَوَقَّفَ عن
الشهادةِ ، فدَعَوْتُه إلى المباهَلة ، فخافَ منها وقَالَ : قد سَمِعْتُ ذلك ، وهي
مَكرمةٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لرجلٍ من العربِ ، فاَمّا مع المباهَلة فلا
طريقَ إلى كتمان الشهادة، فلم يَبْرَحِ القومُ حتى سَلَّموا لأبي الحسن
عليه السلامُ (2) .
والأخبارُ في هذه الباب كثيرةٌ جدّاً إنْ عَمِلْنا على إثباتها طالَ بها
الكتابُ ، وفي إجماعِ العصابةِ على إمامةِ أَبي الحسن عليه السلام ، وعَدَمِ
مَنْ يَدَّعيها سواه في وقته مِمَّنْ يَلْتَبِسُ الأمْرُ فيه غنىً عن إيراد الأخْبارِ
بالنصوصِ على التفصيلِ .
____________
(1) في هامش «ش» : الباب : صاحب السرّ الذي يتوصل إلى الامام به .
(2) الكافي 1: 20|26، اعلام الورى:340، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50:
119 | 3.
أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن الوشاء، عن خَيران
الأسباطي ، قالَ : قَدِمْتُ على أَبي الحسن عليَ بن محمّد عليهما السلامُ
المدينةَ فقالَ لي : «ما خَبَرُ الواثق عندك ؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فداك خَلفْتُه
في عافيةٍ ، أَنا مِنْ أقْرَب الناس عهداً به ، عَهْدي به مُنْذُ عشرةِ أَيّام . قالَ :
فقالَ لي : «إنَ أَهلَ المدَينة يَقولونَ : إِنه ماتَ » فقُلْتُ : أَنا أقْرَبُ الناسِ به
عَهْداً . قالَ : فقالَ لي : «إِنَ الناسَ يَقولون :إِنّه ماتَ» فلمّا قالَ لي : إِنَّ الناسَ
يَقُولونَ ، عَلِمْتُ أَنَّه يَعْني نَفْسَه .
ثم قالَ لي : «ما فَعَلَ جعفر؟» قُلْتُ تَرَكْتُه أسْوأ الناسِ حالاً في
السجنِ ، قالَ : فقالَ : (أَما إِنه صاحبُ الأمْرِ، ما فَعَلَ ابنُ الزيّات ؟» قُلْتُ :
الناسُ معه والأمْرُ أَمْرُه ، فقالَ : «أَما إِنَّه شُؤْمٌ عليه ».
قالَ : ثمَّ سَكَتَ وقالَ لي : «لا بُدّ أَنْ تَجْرِيَ مقاديرُ اللهِ وأَحكامُه ، يا
خَيرانُ ماتَ الواثقُ ، وقد قَعَدَ المتوكلُ جعفرُ، وقد قُتِلَ ابنُ الزيّات»
قُلْتُ : متى جُعِلْتُ فداك ؟ قالَ : «بَعْدَ خُروجِكَ بستةِ أَيّامٍ »(1) .
____________
(1) الكافي 1 : 416 | 1 ، اعلام الورى : 341 ، ونقله باختلاف يسير ابن شهرآشوب في المناقب
4 : 410، والراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 407 |13 ، وابن الصباغ في الفصول المهمة :
=
(302)
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
(علي بن محمد،عن إِبراهيم بن محمد الطاهري)(1) قالَ : مَرِضَ المتوكّلُ من
خراج (2) خَرَجَ به فأَشْرَفَ منه على الموت ، فلم يَجْسُرْ أَحدٌ أَن يَمَسَّه
بحديدةٍ ، فنَذَرَتْ أُمّه إِن عُوفيَ أَنْ تَحمِلَ إِلى أَبي الحسن عليّ بنِ محمّد
مالاً جليلاً من مالها.
وقالَ له الفتحُ بن خاقان : لَوْ بَعَثْتَ إِلى هذا الرجلِ - يَعْني أَبا
الحسن - فسأَلته فإنَّه ربما كانَ عِنْدَه صفةُ شيءٍ يُفرج اللهُ به عنك .
فقالَ : ابْعَثُوا إليه . فمَضىَ الرسولُ ورَجَعَ فقالَ : خُذُوا كُسْبَ (3) الغَنَم
فديفُوه بماء وَرْدٍ ، وضُعوه على الخُراجِ ، فإنَّه نافعٌ بإذن الله . فجَعَلَ مَنْ
بحَضْرة المتوكّل يَهزَأ من قوله ، فقالَ لهم الفتحُ : وما يضُر من تَجْرِبة ما
قال ، فواللهِ إنّي لأرْجُو الصلاحَ به ، فاُحْضِرَ الكُسْبُ وديفَ بماءِ الوَرْدِ
ووُضِعَ على الخراجِ ، فانْفَتَحَ وخرَجَ ما كان فيه .
____________
=
279 ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 158 |48 .
(1) كذا نقل العلامة المجلسي في البحار عن نسخة الارشاد، وهو الموجود في الكافي الذي هو
مصدر الحديث ، والنسخ هنا مشوشة، فقد ورد في «ش» و«م» : علي بن ابراهيم بن محمد،
وفي «ح » : علي بن ابراهيم عن ابراهيم بن محمد، والظاهر صحة ما أثبتناه فقد يأتي في متن
الحديث : قال ابراهيم بن محمد .
ثم ان عمدة الاختلاف في النسخ في لقب ابراهيم بن محمد، ففي «ش » : الطاهي وكتب
في ذيله : هكذا، وفي هامش «ش » : الطائفي ع صح ، وأيضاً في هامش «ش» نسخة اخرى :
الطاهري وجعل فوقه علامة التصحيح وكتب تحته : لا غير، وفي «م » : الطائفي وفوقه علامة
التصحيح وجعل (الطاهري) في هامشه نسخة، وفي «ح » غير واضحة مردٌدة بين الطاهي
والطائفي .
(2) الخُراج : ما يخرج في البدن من القروح . «الصحاح - خرج - 1 : 309».
(3)في هامش «ش» و«م » : يعني الكُسْبَ الذي يُعلِفه الغنم .
(303)
فبُشرِّتْ أُمّ المتوكّل بعافيتهِ فحَمَلَتْ إِلى أَبي الحسن عليه السلامُ
عشرةَ آلاف دينار تحتَ خَتْمها، واسْتَقَلَّ المتوكّلُ من عِلّتهِ .
فلمّا كانَ بعدَ أَيام سَعى البَطْحاني بابي الحسن عليه السلامُ إِلى
المتوكلِ وقالَ : عندَه سِلاحٌ وأمْوالٌ ، فتَقَدَّمَ المتوكّلُ إِلى سعيد الحاجب أَنْ
يَهْجُمَ ليلاً عليه ، وياْخُذَ ما يَجِدُ عِنْدَه من الأمْوالِ والسِلاحِ ويحْمِلَه إِليه .
قالَ إِبراهيمُ بن محمّد : فقالَ لي سعيدُ الحاجب : صِرْتُ إِلى دارِ أَبي
الحسن عليه السلامُ بالليل ، ومَعي سُلَّمٌ فصَعِدْتُ منه إِلى السَطْحِ ،
ونَزَلْتُ من الدَرَجةِ إلى بَعْضِها في الظلمة ، فلم أَدْرِ كَيْفَ أَصِلُ إلى
الدارِ، فناداني أَبو الحسن عليه السلامُ من الدارِ: «يا سعيدُ ، مكانَك
حتى يَاْتُوكَ بشَمْعةٍ» فلَمْ أَلْبثْ أَنْ أَتَوْني بشَمْعَةٍ ، فَنزَلْتُ فوَجَدْتُ عليه
جُبَّة صُوفٍ وقَلَنسُوَة منها وسَجّادَتُه على حصير بين يديه وهو مُقْبِلٌ على
القِبْلَة . فقالَ لي : «دونَك البيوتَ» فدَخَلْتُها وفَتَشْتًها فلم أَجِدْ فيها شيئاً،
ووَجَدْتُ البَدْرَة مختومةً بخاتَم أُمِّ المتوكل وكِيْساً مَخْتوماً معها، فقالَ لي أَبو
الحسن عليه السلامُ : «دونكَ المصلّى» فرَفَعْتُه فوَجَدْتُ سَيْفاً في جَفْنٍ
مَلْبوسٍ .
فاَخَذْتُ ذلك وصِرْتُ إليه ، فلمّا نَظَرَ إِلى خاتَمِ أُمِّهِ على البَدْرَة بَعَثَ
إِليها فَخرَجَتْ إِليه ، فسَألَها عن البَدْرَة . فاَخْبَرَني بعضُ خَدَم الخاصّة أَنّها
قالَتْ : كُنْتُ نَذَرْتُ في عِلَّتِك إنْ عُوفيتَ أَن أحملَ إِليه من مالي عشرةَ
آلاف دينار، فحَمَلْتُها إليه ،وهذا خاتَمُك (1) على الكِيس ما حَركَه ، وفَتَحَ الكيسَ
____________
(1) هكذا في النسخ الخطية ونقل العلامة المجلسي عنه ، والظاهر ان الصحيح : خاتمي ، كما في
الكافي واعلام الورى .
(304)
الآخَرَ فإِذا فيه أَربعُمائة دينارٍ ، فأمَرَ أَنْ يُضَم إِلى البَدْرَة بَدْرةٌ أُخْرى ، وقالَ
لي : اِحْملْ ذلك إِلى أَبي الحسن ، واردُدْ عليه السيفَ والكيسَ بما فيه .
فحَمَلْتُ ذلك إليه واسْتَحْيَيْتُ منه ، فقُلْتُ له : يا سيدي ، عزَّ عليٌ
بدخولِ دارِك بغير إذْنِك ولكنّي مَأْمورٌ ، فقالَ لي : (
سَيَعْلمُ الَذِينَ ظَلَمُوا أي
مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُونَ
)(1) »(2) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن
الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ،
عن عليّ بن محمد النوفلي قالَ : قالَ لي محمدُ بن الفرج الرُخَّجي : إِنَّ ابا
الحسن عليه السلامُ كَتَبَ إِليه : «يا محمد ، أَجمِعْ أَمْرَكَ وخُذْ حِذْرَكَ » .
قالَ : فأَنا في جَمْعِ أَمْري لَسْتُ أَدْري ما المرادُ(3) بما كَتَبَ به إِلَيَّ ،
حتى وَرَدَ عَلَيَّ رسولُ حَمَلَني من مصرمُصَفداً بالحديد، وضَرَبَ على كُلِّ
ما أمْلِكُ ،فمَكَثْتُ في السجنِ ثمانيَ سنين ثم وَرَد عَلَيَّ كتابي منه وأَنا ني
السجنِ : «يا محمَدَ بن الفَرَج ، لا تَنْزِلْ في ناحية الجانب الغَربيّ » فقَرَأْتُ
الكتابَ وقُلْتُ في نفسي : يَكْتُبُ أَبو الحسن إِليٌَ بهذا وأَنا في السجنِ ! إِنَ
هذا لعَجَبٌ . فما مَكَثْتُ إلا أَيّاماً يَسيرةً حتى أُفْرِجَ عنّي وحُلتْ قُيودي
وخلّيَ سبيلي .
____________
(1) الشعراء 26 : 227 .
(2) الكافي1 : 417 | 4 ، اعلام الورى : 344 ، دعوات الراوندي : 202 | 555 ، الخرائج
والجرائح 1 : 8|676، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 198 | 10 ، وذكره باختلاف
يسير ابن الصباغ في الفصول المهمة : 281 ، وذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب 4 : 415 .
(3) في «م » وهامش «ش » : ما الذي أراد .
(305)
قالَ : فكَتَبْتُ إِليه بعد خُروجي أَسْأَلُه أَنْ يَسْأَلَ اللّهَ أَنْ يَردَ علي
ضِياعي ، فكَتَبَ إِلَيَّ : «سوف تُرَد عليك ، وما يَضُرُّك أَلا تُرَد عليك ».
قالَ عليُّ بن محمّد النوفلي : فلمّا شَخَصَ محمّدُ بن الفرج الرُخَّجِي
الى العَسْكَر، كُتِبَ له بردِّ ضياعِه ، فلم يَصِلِ الكتابُ حتى ماتَ (1) .
قالَ : عليُّ بن محمد النَوْفَليّ : وكَتَبَ عليُّ بن الخصيب (2) إِلى محمّد بن
الفَرَج بالخروجِ إِلى العَسْكَرِ، فكَتَبَ إِلى أَبي الحسن عليه السلامُ يُشاوِرُه ،
فكَتَبَ إِليه أَبو الحسن عليه السلام : «أُخْرُجْ فإِنَّ فيه فَرَجَك إِن شاءَ
اللهُ » فخرَجَ فلَمْ يَلْبثْ إلاٌ يسيراً حتى ماتَ (3) .
ورَوى (أحمدُ بن عيسى)(4) قالَ : أَخْبَرَني (أَبويعقوب)(5) قالَ : رَأَيْتُ
____________
(1) الكافي 1 : 418 |5 ، اعلام الورى : 341، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 141،
وذكره بحذف آخره المسعودي في اثبات الوصية : 196 ، والقطب الراوندي في الخرائج
والجرائح 2 : 679| 9 ، وابن شهرآشوب في مناقب آل ابي طالب 4 : 414 .
(2) كذا في النسخ وفي ما نقله الطبرسي في اعلام الورى عن الكافي ، وقد جعله العلامة
المجلسي في البحار عن الارشاد : نسخة، وفي مطبوعة الكافي : أحمد بن الخضيب وفي بعض
نسخه المعتبرة: أحمد بن الخصيب ، وهو الوارد في متن البحار، والظاهر صحته . فقد ذكره
في اصحاب الامام الهادي عليه السلام الشيخ في رجاله : 409 |5 ، والبرقي : 60 وفيه وفي
بعض نسخ رجال الشيخ : الخضيب ، ثم انّه يأتي ذكرأحمد بن الخصيب في بعض الأحاديث
الآتية ، وهو الوزير أبو العباس وزير المنتصر وبعده للمستعين ، ثم نفاه المستعين الى المغرب ،
وتوفي سنة265 ، انظر ترجمته في سير اعلام النبلاء 12 : 553| 211 ومصادره .
(3) الكافي 1 : 418 |ذيل الحديث 5 ، اعلام الورى : 342، ونقله العلامة المجلسي في البحار50 : 141
(4) كذا في النسخ ، لكن ذكرالخبر وما بعده الطبرسي في اعلام الورى عن أحمد بن محمد
ابن عيسى، وكذلك حكاه العلامة المجلسي في البحار عنه وعن الارشاد، وسند الكافي
للخبرين : الحسين بن محمد عن رجل عن أحمد بن محمد قال أخبرني أبو يعقوب .
(5) نقل في هامش «ش» عن نسخة : ابن يعقوب .
(306)
محمّدَ بن الفَرَج قَبْلَ مَوْته بالعَسْكرِ في عَشِيَّةٍ من العشايا، وقد اسْتَقْبَلَ أَبا
الحسن عليه السلامُ فنَظَرَ إِليه نظراً شافياً، فاعْتَلَّ محمّدُ بن الفَرَج من
الغدِ، فدَخَلْتُ عليه عائداً بَعْدَ أَيّامٍ من عِلَّته ، فحدَّثَني أَنَّ أَبا الحسن
عليه السلامُ قد أَنْفَذَ إِليه بثوبٍ وأَرانيه مدْرَجاً تَحْتَ رَأْسِه ، قالَ : فكُفِّنَ
فيه والله (1) .
وذَكَرَ أَحمد بن عيسى قالَ : حَدَّثَني أَبو يعقوب قالَ : رَأَيْتُ أَبا الحسن
عليه السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران ، وقد قَصَرَأَبو الحسن عليه
إلسلام عنه ، فقالَ له ابنُ الخصيب : سِرْ جُعِلْتُ فداك ، فقالَ أَبو
الحسن : «أًنتَ المقدَّمُ » فما لَبِثْنا إِلا أَربعةَ أَيّامٍ حتى وُضِعَ الدهقُ (2) على
ساق ابن الخصيب (وقُتِل) (3) .
قالَ : وأَلَحَّ عليه ابنُ الخصيب في الدارِ التي كان قد نَزَلها وطاَلبَه
بالانتقالِ منها وتَسْليمِها إِليه ، فبَعَثَ إِليه أَبو الحسن عليه السلامُ : «لأقعُدَنَّ
بك من اللهِ مَقْعَداً لا يَبْقى لك معه باقيةٌ» ، فأَخَذَه اللهُ في تلك الأيامِ (4) .
____________
(1) الكافي 1 : 419 |6 ، باختلاف يسير، اعلام الورى : 342، ومختَصرَاً في مناقب آل ابي
طالب 4 : 414.
(2)الدهق : نوع من التعذيب « الصحاح - دهق - 4 : 1478 .»
(3) كذا في نسخة «ش » و «م » وهو الموجود في اعلام الورى، وفي الكافي بدله : ثم نُعيَ ، وقد
خلت نسخة «ح » منه وهو الصواب ، فان أحمد بن الخصيب مات سنة265 أي بعد وفاة
الامام الهادي عليه السلام باحدى عشرة سنة ، والظاهر ان الخبر ناظر الى نفيه فقط . فقد نفاه
المستعين الى المغرب في جمادى الآخرة سنة 248 والظاهر انّه المراد من : (فاخذه الله) في
الخبر الآتي أيضاً .
(4) الكافي 1 : 419 | ذيل الحديث 6 ، باختلاف يسير، اعلام الورى : 342 ، الخرائج
والجرائح 2 : 681| 11 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 139 |23 .
(307)
ورَوى الحسينُ بن الحسن الحسني قالَ : حَدَّثَني أَبو الطيب يعقوبُ
ابن ياسر، قالَ : كانَ المتوكّلُ يقولُ : َويحكُم قد أَعْياني أَمرُ (ابن
الرضا) (1) وجَهَدْتُ أَنْ يَشْرَبَ معي وأَنْ يُنادِمَني فامْتَنَع ، وجَهَدْتُ أَنْ
اَجِدَ فُرصةً في هذا المعنى فلَمْ أَجِدْها. فقالَ له بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: إِنْ لم
تجِدْ من ابن الرضا ما تريدُه من هذه الحال ، فهذا أَخوه موسى قَصّاف
عَزّاف (2) يأَكلُ ويَشْرَبُ ويَعْشَقُ ويَتَخالَعُ فأَحْضِرْه واشْهَره ، فإِنَّ الخبَرَ
يَشيعُ عن ابن الرضا بذلك ولا يُفَرِّقُ الناسُ بَيْنَه وبين أَخيه ، ومَنْ عَرَفَه
اتَّهَمَ أَخاه بمثل فَعاله .
فقالَ : اكْتُبُوا بإِشْخاصِه مكْرَماً. فأُشْخِصَ مُكْرَماً فتَقَدَّمَ المتوكلُ أَنْ
يَتَلَقّاه جميعُ بني هاشم والقوّادُ وسائرُ الناسِ ، وعَمِلَ على أَنّه إِذا وافى أَقْطَعَه
قطيعةً وبنى له فيها وحَوَّل إِليها الخمّارين والقِيان (3) ، وتَقَدَّمَ بصلَتِه وبِرِّه ،
وأَفْرَدَ له منزلاً سَرِيّاً (4) يَصْلَحُ أَنْ يَزُورَه هو فيه .
فلمّا وافى موسى تَلَقّاه أَبو الحسن عليه السلام في قَنْطرة وصيفٍ
- وهوموضعٌ يُتَلَقّى فيه القادمون - فسَلَّمَ عليه ووَفّاه حَقَّه ثم قال له : «إِنَّ
هذا الرجل قد أحْضَرَك ليَهْتِكَك ويَضَعَ منك ، فلا تُقِرّ له أَنّك شَربْتَ
نبيذاً قطّ ، واتَقِ اللهَ يا أَخي أَنْ تَرْتَكِبَ محظوراً» فقالَ له موسى : إِنّما
دعاني لهذا فما حيلتي؟ قالَ : «فلا تَضَعْ من قَدْرِك ، ولاتَعْصِ رَبَك ، ولا
____________
(1) المراد به أبو الحسن الثالث عليه السلام ، واطلاقه على أبي جعفر الجواد وابي محمد العسكري
عليهما السلام صحيح ايضاً.
(2) في هامش «ش » : القصف : اللهو واللعب ، والعزف : أيضاً اللعب .
(3)القيان : الاماء المغنيات . «مجمع البحرين - قين - 6 : 301».
(4) في هامش «ش » : السرو: الكرم ، سرياً : كريماً.
(308)
تَفْعَلْ ما يَشِينك ، فما غَرَضه إِلا هَتْكُك ». فأبى عليه موسى، فكررَعليه
أَبو الحسن عليه السلامُ القولَ والوَعْظَ ، وهو مُقيمٌ على خلافه ، فلمّا
رَأَى أَنه لا يُجيبُ قالَ له : أَما إِنّ المجلسَ الذي تُريدُ الاجتماعَ معه عليه
لا تَجْتَمعُ عليه أَنت وهوأَبداً .
قالَ : فاَقامَ موسى ثلاثَ سنين يُبَكِّر كل يوم إِلى باب المتوكّلِ ،
فيُقالُ له : قد تَشاغلَ اليوم ، فيَرُوحُ ، فيقالُ له : قد سَكِرَ، فيُبَكِّرُ فيقالُ
له : قد شَرِبَ دواءً. فمازالَ على هذا ثلاث سنين حتى قُتِلَ المتوكّل ، ولم
يَجْتَمِعْ معه على شراب (1) .
ورَوى محمّدُ بن عليّ قالَ : أَخْبَرَني زيدُ بن عليّ بن الحسين بن زيد
قالَ : مَرِضْتُ فدَخَلَ الطبيبُ عَلَيَّ ليلاً ووَصَفَ لي دواءً آخُذُه في السحرِ
كذا وكذا يوماً، فلم يُمكنٌي تحصليهُ من الليل ، وخَرَجَ الطبيبُ من
الباب ، ووَرَدَ صاحبُ أَبي الحسن عليه السلامُ في الحال ومعه صُرةٌ فيها
ذلك الدواءُ بعينه ، فقالَ لي : أَبو الحسن يُقْرِئُك السلامَ ويَقولُ : «خُذْ
هذا الدواءَ كذا وكذا يوماً» فأَخَذْتُه فشرِبْتُ فَبرَأْتُ .
قالَ محمّدُ بن عليّ : فقالَ لي زيدُ بن عليّ : يا محمد، أَين الغلاةُ عن
هذا الحديثِ (2) ؟ !
____________
(1) الكافي 1: 420 |8، باختلاف يسير وكذا اعلام الورى : 345، ومختصراً في مناقب آل أبي
طالب1: 409 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 3|6 .
(2) الكافي 1 :420 | 9، باختلاف يسير، الخرائج والجرائح 1: 406| 12 ، وذكره الخصيبي في(
الهداية : 314 بتفصيل ، وبحذف آخره في مناقب ال ابي طالب 4 : 408 ، ونقله العلامة
المجلسي في البحار 50 : 15 | 36 .