الإرشاد الجزء الثاني
باب
ذِكْرِ ورود أبي الحسن عليه السلامُ
من المدينة إِلى العسكرِ، ووفاتِه بها
وسببِ ذلك ، وعَدَدِ أولادِه ، وطَرَفٍ من أخبارِه
وكانَ سَبَبُ شخوص أبي الحسن عليه السلامُ إلى سُرّ مَنْ رأى : أنّ عبدالله بن محمّد كانَ يتولىَّ الحَرْبَ والصلاةَ في مدينةِ الرسول عليه السلامُ فسَعى بأَبي الحسن عليه السلامُ إِلى المتوكّلِ ، وكانَ يَقْصُدُه بالأذى، وبَلَغَ أَبا الحسن سِعايتُه به ، فكَتَبَ إِلى المتوكّل يَذْكُرُ تَحافلَ عبدِالله بن محمّد ويكذٌبه فيما سعى به ، فتَقَدَّمَ المتوكل بإجابتهِ عن كتابه ودُعائه فيه إِلى حُضور العسكرِعلى جَميلٍ من الفِعْلِ والقَوْلِ ، فخَرَجَتْ نُسخة الكتاب وهي :

بسم الله الرحمن الرحيم
أَمّا بعدُ: فإِنَّ أَميرَ المؤمنينَ عارفٌ بقَدْرِكَ ، راعٍ لِقَرابتكَ ، موُجِبٌ لحقِّكَ ، مُؤْثرٌ من الأمور فيك وفي أَهل بيتك ما يُصْلِحُ اللهُ به حالَك وحالَهم ، ويُثبِتُ به عِزَّك وعِزَّهم ، ويُدْخِلُ الأمْنَ عليك وعليهم ، يَبْتَغي بذلك رضى ربِّه وأداءَ ما اْفتُرِضَ عليه فيك وفيهم ، وقد رَأى أميرُالمؤمنين صَرْفَ عبدلله بن محمد عمّا كان يَتَوَلاّه من الحربِ والصلاةِ بمدينةِ الرسولِ صلّى الله عليهِ وآلهِ إِذ كانَ على ما ذَكَرْتَ من جَهالتهِ بحقِّك
(310)
واستخفافهِ بقَدْرك ، وعندما قَرَفَك (1) به ونسبكَ إِليه من الأمر الذي عَلِمَ أَميرُ المؤمنين براءَتك منه ، وصِدْقَ نِيَّتك في بِرِّك وقَوْلك ، وأنكَ لم تُؤَهِّلْ نَفْسَك لما قُرِفْتَ بطَلَبِه ، وقد وَلّى أَميرُالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّدَ ابن الفَضْل ، وأَمَرَه بإِكرامِك وتَبْجيلِكَ والانتهاءِ إِلى أَمْرِك ورأيِك ، والتقرّب إِلى اللهِ والى أميرِ المؤمنين بذلك .
وأَميرُ المؤمنين مُشْتاقٌ إِليك ، يُحِبُّ إِحْداثَ العَهْدِ بك والنظَرَ إليك ، فإِنْ نَشِطْتَ لزيارته والمُقام قِبَلَه ما أَحْبَبْتَ شَخَصْتَ ومَن اخْتَرْتَ من أَهْل بيتك ومَواليك وحَشَمِك ، على مُهلَةٍ وطُمَأْنينَةٍ ، تَرْحَلُ إِذا شِئْتَ وتنزِلُ إذا شِئْتَ وتَسيرُ كيف شِئْتَ ، وإنْ أحْبَبْتَ أنْ يَكُونَ يحيى بن هَرْثَمةَ مولى أَمير المؤمنين ومن معه من الجُنْدِ يَرْتَحِلونَ برَحيلكَ ويَسيرونَ بسَيْرك فالأمرُ في ذلك إِليك ، وقد تَقَدَّمْنا إِليه بطاعَتِك ، فاسْتَخرِ اللهَ حتى تُوافيَ أميرَ المؤمنين ، فما أَحَدٌ من إِخوته وولدِه وأَهلِ بيته وخاصّتهِ أَلْطَفَ منه مَنْزِلةً، ولا أحْمدَ لَه أثَرة، ولا هو لهم أَنْظَرَ، وعليهم أشْفَقَ ، وبهم أبَرَّ، وإليهم أَسْكَنَ ، منه إِليك . والسلامُ عليك ورحمة الله وبركاته .
وكَتَبَ إِبراهيم بن العباس في شهر كذا من سنة ثلاث وأَربعين ومائتين (2) .
فلمّا وَصَلَ الكتابُ إِلى أَبي الحسن عليه السلامُ تَجَهَّزَ للرحيل ،
____________
(1)قرفك : اتهمك «الصحاح - قرف -4 : 1415 ».
(2) الكافي 1 : 7|419، عن محمد بن يحيى، عن بعض اصحابنا قال : اخذت نسخة كتاب المتوكل الى ابي الحسن الثالث عليه السلام من يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث واربعين ومائتين . . . .

(311)
وَخَرَجَ معه يحيى بن هرثمة حتى وَصَلَ إلى سُرَّ من رأى، فلمّا وَصَلَ إليها تَقَدَّمَ المتوكّلُ بأَن يُحْجَبَ عنه في يومه ، فنَزَلَ في خانٍ يُعْرَفُ بخانِ الصَعاليك وأَقامَ فيه يومَه ، ثم تَقَدَّمَ المتوكّلُ بإِفرادِ دارٍ له فانْتًقَلَ إِليها .
أَخْبَرَني جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أحمدَ بن محمد بن عبدالله ، عن محمد بن يحيى، عن صالح بن سعيد قالَ : دَخَلْتُ على أَبي الحسن عليه السلامُ يومَ وُروده فقلت له : جُعِلْت فداك ، في كلِّ الأمور أرادوا إِطْفاءَ نورك والتقصيرَ بك ، حتى أَنْزَلوكَ هذا الخانَ الأشْنعَ خانَ الصَعاليك . فقالَ : «هاهنا أَنْتَ يا بْنَ سعيد!» ثم أَوْمَأَ بيده فإِذا بَرْوضاتٍ أُنُفاتٍ (1) ، وأَنهارٍ جارياتٍ، وجِنانٍ فيها خيراتٌ عَطِراتٌ، ووِلْدانٌ كاَنَّهُنَّ اللؤلؤُ المكنونُ ، فحارَ بَصَري وكثُرَ تَعَجُّبي ، فقالَ لي : «حيثُ كُنّا فهذا لنا- يا ابن سعيد- لَسْنا في خانِ الصعاليك » (2) .
وأقامَ أبو الحسن عليه السلامُ مُدّةَ مقامه بسُرّ مَنْ رأى مُكْرَماً في ظاهرحاله ، يَجْتَهِدُ المتوكّل في إِيقاعِ حيلةٍ به فلا يَتَمَكَّنُ من ذلك . وله معه أحاديثٌ يَطولُ بذكرها الكتابُ ، فيها آياتٌ له وبيّناتٌ ، إِنْ قَصَدْنا لإيراد ذلك خَرَجْنا عن الغرض فيما نحوناه .
* وتُوُفِّي أبو الحسن عليه السلامُ في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، ودُفِنَ في داره بسُرَّمَنْ رأَى، وخَلَّفَ من الولد أَبا محمد الحسنَ ابنَه وهو
____________
(1) في هامش «ش »: أنيقات .
الروض الأنُف : هو الروض الذي لم يَرْعَه أحد . «الصحاح - انف - 4 : 1332 » .
(2) الكافي 1 : 417 |2 ، اعلام الورى : 348، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 202 .

(312)
الإمام من بَعْدِه ، والحسينَ ، ومحمّداً ، وجعفراً ، وابنَته عائشة .
وكان مُقامه بسُرَّ مَنْ رَأى إلى أنْ قُبِضَ عَشْرَ سنين وأشهراً . وتوفِّيَ وسِنُّه يومئذٍ على ما قَدَّمناه إحدى وأربعون سنة.
* * *

(313)
باب
ذِكْرِ الإمام القائمِ بَعْدَ أبي الحسن عليِّ
ابن محمد عليهماَ السلامُ وتاريخِ مَوْلِدِه ، ودلائِل
إمامتِه ، والنصِّ عليه من أبيهِ ، ومَبْلَغِ سنَه ومُدَّةِ
خلافتِه ، وذِكْرِ وفاتِه ومَوْضِعِ قَبْرِه ، وطَرَفٍ من أخْبارِه
وكانَ الأمامُ بعد أَبي الحسن عليِ بن محمد عليهما السلامُ ابْنَه أَبا محمد الحسن بن عليّ لاجْتماعِ خِلالِ الفَضْلِ فيه ، وتَقَدُّمِه على كافّةِ أَهلِ عَصْرِه فيما يُوجِبُ له الإمامةَ ويَقْتَضي له الرئاسةَ، من العلمِ والزهدِ وكمالِ العقلِ والعِصْمَةِ والشُجاعةِ والكَرَمِ وكَثْرَةِ الأعْمالِ المُقَربَة إلى اللهِ ، ثمَّ لِنَصِّ أَبيه عليه السلامُ عليه وإشارته بالخلافةِ إِليه .
وكانَ مَوْلدُه بالمدينة في شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين .
وقُبِضَ عليه السلامُ يَوْمَ الجمعةِ لثمانِ ليالٍ خَلَوْنَ من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ، وله يومئذٍ ثمان وعشرون سنة، ودُفِنَ في دارِه بسُرَّمَنْ رأى في البيت الذي دُفِنَ فيه أَبو عليه السلام .
وأُمُّه أُمُّ ولدٍ يُقالُ لها : حَدِيث .
وكانت مدَّةُ خلافتِه ستَّ سنين .
* * *

(314)
باب
ذِكْرِ طَرَفٍ من الخبرِ
الواردِ بالنصِّ عليه من أبيه عليهما
السلامُ والإشارةِ إِليه بالإمامةِ من بَعْدِه
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن (يحيى بن يسار الَعنبري) (1) قالَ : أَوْصى أَبو الحسن عليُّ بن محمّد إِلى ابنه الحسن عليهما السلام قَبْلَ مُضيِّه بأَربعة أشهر، وأَشارَ إِليه بالأمْرِ من بعده ، وأَشْهَدَني على ذلك وجماعةً من الموالي (2) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن (يسار بن أحمد البصري) (3) ، عن عليِّ بن عمرو (4) النوفلي قالَ : كُنْت مع أَبي الحسن عليه السلامُ في صحن داره فَمرَّ بنا محمّدُ ابنُه فقُلْتُ : جُعِلْتُ فداك ، هذا صاحِبُنا
____________
(1) في مطبوعة الكافي واعلام الورى : القنبري ، لكن في عدة من النسخ المعتبرة من الكافي : العنبري ، وكذا في نسخ الارشاد، وفي غيبة الطوسي : بشار بدل يسار.
(2) الكافي 1 : 261| 1 ، غيبة الطوسي : 200 | 166 ، اعلام الورى : 351، الفصول المهمة : 284 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 246| 21 .
(3) في الكافي واعلام الورى هنا وفي السند الآتي : بشار، لكن في بعض النسخ المعتبرة من الكافي في السند الآتي : يسار، وفي غيبة الطوسي : سيار بن محمد البصري .
(4) في مطبوعة الكافي : عمر، وفي بعض نسخه : عمرو كما هنا.

(315)
بَعْدَك ؟ فقالَ : «لا، صاحِبُكم بعدي الحسنُ » (1) .
وبهذا الاسنادِ عن يسار بن أحمد، عن عبدالله بن محمد الأصبهاني قالَ : قالَ أَبو الحسن عليه السلامُ : «صاحِبُكم بعدي الذي يُصَلِّي عَلَيَّ » قالَ : ولم نكُنْ نَعْرِفُ أَبا محمّد قَبْلَ ذلك ، قالَ : فَخَرَجَ أَبو محمّد بَعْدَ وفاتِه فصَلَّى عليهِ (2) .
وبهذا الإسنادِ عن (يسار بن أَحمد) (3) ، عن موسى بن جعفر بن وهب ، عن عليِّ بن جعفر قالَ : كُنْتُ حاضراً أبا الحسن عليه السلامُ لَمّا تُوُفِّيَ ابْنُه محمّدُ فقالَ للحسن : «يا بني، أَحْدِثْ للهِ شُكراً فقد أحْدَثَ فيك أمْراً» (4) .

____________
(1) الكافي 1 : 262| 2، وعنه اعلام الورى : 350، غيبة الطوسي : 198 | 163 ، ونقله 13 |العلامة المجلسي في البحار 50: 243 .
(2) الكافي 1: 262| 3، وعنه اعلام الورى : 350، مناقب آل أبي طالب 4 : 422 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 14|243.
(3) أورد الخبرمع الخبرين المتقدمين في الكافي 1 : 262| 2 و 3 و 4 ، ونص سند الحديث 2 : علي ابن محمد عن جعفر بن محمد الكوفي عن بشار بن أحمد البصري . . وسند الحديث 3 : عنه ، عن بشار (يسارخ ل) بن أحمد عن عبدالله بن محمد الاصفهاني . . وسند الحديث4: عنه ، عن موسى بن جعفر بن وهب . . . وكان المصنف (قده) أرجع الضميرالى يساربن أحمد، والى مثله ذهب الطبرسي في اعلام الورى، لكن الظاهر وحدة مرجع الضمير في السندين 3 و 4 ، وأنّه جعفر بن محمد الكوفي .
وقد وقع نظيرالسند في الكافي 1 : 22|341 وصورته : علي بن محمد عن جعفر بن محمد عن موسى بن جعفر البغدادي ، وروى جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن موسى بن جعفر ابن وهب في غيبة النعماني : 252 .
(4) الكافي 1 : 262| 4 ، اعلام الورى : 350، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 15|244، ونحوه في الغيبة للشيخ الطوسي : 203| 170 .

(316)

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أحمدَ بن محمد بن عبدالله بن مروان الأنباري قالَ : كُنْتُ حاضراً عند مُضِيِّ أَبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلامُ ، فجاءَ أَبوالحسن عليه السلامُ فوُضِعَ له كُرْسِيٌّ فجَلَسَ عليه ، وحَوْله أَهلُ بيته وأَبومحمّد ابنُه قائمٌ في ناحية، فلمّا فَرَغَ من أَمْرِ أَبي جعفر الْتَفَتَ إِلى أَبي محمد عليه السلامُ فقالَ : «يا بُنَيّ ، أحْدِثْ للهِ شُكْراً، فقد أحْدَثَ فيك أَمْراً» (1) .
أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد، عن محمد بن أحمد القلانسي ، عن عليّ بن الحسين بن عمرو، عن عليّ بن مهزيار، قالَ : قُلْتُ لأبي الحسن عليه السلامُ : إِن كانَ كَوْنٌ - وأَعُوذُ بالله - فإِلى مَنْ ؟ قالَ : «عَهْدي إِلى الأكْبَرِ من ولدي» يعني الحسن عليه السلامُ (2) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ بن محمد الأسترابادي (3) ، عن عليّ بن عمرو العطّار، قالَ : دَخَلْتُ على أَبي الحسن عليه السلامُ وابْنُه أَبوجعفر يُحيّا وأَنا أَظُنُّ أَنّه هو الخَلَفُ من بَعْدِه ، فقُلْتُ له : جُعِلْتُ فداك ، مَنْ أَخُصًّ من ولدك ؟ فقالَ : «لا تَخُصُّوا أحَداً حتى يَخْرجَ إليكم أمْري » قال : فكَتَبْتُ إليه بَعْدُ : في مَنْ يكُونُ
____________
(1) بصائر الدرجات : 492 |13 ، الكافي 1 : 262 |5 ، اعلام الورى : 350، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 6|241 .
(2)الكافي 1 : 262| 6 ، اعلام الدين : 350 ، ونقله العلامه المجلسي في البحار 50 : 244| 16 .
(3) كذا في نسخة الكتاب ، وفي المطبوعة السابقة واعلام الورى : عن علي بن محمد عن أبي محمد الاسترآبادي ، وكذا حكاه العلامة المجلسي (قده) عن الارشاد .

(317)
هذا الأمرُ؟ قالَ : فكَتَبَ إِلَيَّ : « في الأكْبَرِمن ولدي » قالَ : وكان أَبو محمد عليه السلام أكبرمن جعفر (1) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى، وغيره ، عن سعد بن عبدالله ، عن جماعة من بني هاشم منهم (الحسن بن الحسين الأفطس) (2) : أَنَهم حَضَرُوا يَوْمَ تُوُفَيَ محمّدُ بن عليّ بن محمّد دارَ
____________
(1) الكافي 1 : 262/ 7، اعلام الورى: 350، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 17/244 .
(2) في الكافي : الحسن بن الحسن الافطس، والأفطس هو الحسن بن علي بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على المشهور في كتب الانساب ، لكن البخاري قال : وبعض الناس يقول : إنّ الأفطس هو الحسين بن الحسن بن علي لا الحسن بن علي والحسن الافطس أراد قتل الصادق عليه السلام ، وقد جزّاه عليه السلام بإِيصاء شيء له صلة للرحم ، وله أولاد :
منهم الحسين المعروف بابن الافطس : ظهر بمكة أيام أبي السرايا وأخذ مال الكعبة (المجدي : 213 ، عمدة الطالب : 337، مروج الذهب 3 : 440)
ومنهم الحسن المكفوف : غلب على مكة أيام ابي السرايا وأخرجه من مكة الى الكوفة ورقاء ابن يزيد، كذا ذكره في المجدي : 215 ، وعمدة الطالب : 338، لكن خروج أبي السرايا في سنة 199 وقتله في سنة 200 ، ويبعد في النظر ظهور كلا الأخوين في هذه المدة القصيرة في مكة، ويحتمل وقوع خلط هنا، فليحقق .
وكيف كان ،يبعد بقاء هذين الأخوين الى ان يروي عن احدهما سعد بن عبدالله (المتوفى في حدود سنة 300) ولا يبعد كون الصواب الحسين بن الحسن الافطس وقد وقع في نسبه اختصار، وهو أبو الفضل الحسين بن الحسن بن الحسين بن الحسن الافطس ، وقد ذكر في ترجمة تاريخ قم : 228 : أن أبا الفضل الحسين جاء من الحجاز الى قم وتوفي بها وكان من الفقهاء الذين رووا عن الحسن بن علي عليه السلام .
فيناسب رواية سعد بن عبدالله القمي عنه وهو قد هنّأ الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام بولادة ابنه المهدي عجل الله تعالى فرجه كما في تاريخ قم : 205 ، وغيبة الشيخ : 230 وفيه : أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي ، وص 251 وفي نسبه سقط . اكمال الدين باب 43 وفيه : أبو الفضل الحسن بن الحسين العلوي ،وهوتصحيف ، وقد ذكره في المنتقلة : 255 وأخوه علي الدينوري ذكره في عمدة الطالب : 338 وقال : كان أبوجعفر محمد الجواد قد

=


(318)
أبي الحسن عليه السلامُ وقد بُسِطَ له في صَحْنِ دارِه ، والناسُ جُلوسٌ حَوْلَه ، فقالُوا : قَدٌرْنا أَنْ يَكُونَ حَوْلَه من آل أَبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مَواليه وسائرِ الناسِ ، إِذْ نَظَرَ إِلى الحسن بن عليّ عليهما السلامُ وقد جاءَ مشقوقَ الجَيْب حتى قامَ عن يمينه ونَحْنُ لا نَعْرِفُه ، فَنَظَرَ إِليه أَبو الحسن عليه السَلامُ بَعْدَ ساعةٍ من قيامِهِ ، ثمَّ قالَ له : «يا بُنَيَّ ، أَحْدِثْ للهِ شُكْراً ، فقد أَحْدَثَ فيك أَمرْاً» فبَكَى الحسنُ عليه السلامُ واسْتَرْجَعَ فقالَ : « الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، وإيّاه أَسأَلُ تمامَ نِعَمه علينا، إنا لله وإنّا إليه راجعونَ » .
فسَألْنا عنه ، فقيلَ لنا: هذا الحسنُ ابنُه ، فقَدَّرْنا له في ذلك الوقتِ عشرين سنة ونَحْوها، فيَوْمئِذٍ عَرَفْناه وعَلِمْنا أَنّه قد أَشارَ إِليه بالإمامةِ وأَقامَه مقامَه (1) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى قالَ : دَخَلْتُ على أَبي الحسن عليه السلام بعد مُضِيِّ أَبي جعفر- ابْنِه - فعَزَّيْتُه عنه ، وأَبو محمّد جالسٌ ، فبَكى أَبو محمّد، فأَقْبَلَ عليه أَبو الحسن عليه السلامُ فقالَ : « إِنَ الله تعالى قد جَعلَ فيك خَلَفاً منه فاحْمدِ اللهَ عزَّ وجل» (2) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد، عن إِسحاق بن محمد، عن أَبي هاشم الجعفري قالَ : كُنْتُ عند أَبي الحسن
____________
=
أمره ان يحلّ بالدينور، ففعل .
(1) الكافي 1: 262| 8، اعلام الورى : 351، ونقله العلامة المجلسي في البحار50 : 245 |18 .
(2) الكافي 1 : 9|263، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 246| 20 .

(319)

عليه السلامُ بعدما مَضى ابْنُه أَبوجعفر، وانّي لاُفكَرُ في نفسي أُريدُ أَنْ أَقولَ : كأنّهما - أعني أَبا جعفر وأَبا محمد - في هذا الوقتِ كأَبي الحسن موسى وِاسماعيل ابنَيْ جعفرِ بن محمّد عليهما السلام وِانَّ قِصَّتَهما كقِصَّتِهما، فاَقْبَلَ عَلَيَّ أَبو الحسن قَبْلَ أَنْ أنْطِقَ فقالَ : «نعَمْ - يا أبا هاشم - بدا للهِ في أَبي محمّد بعد أَبي جعفر ما لم يَكنْ يُعْرَفُ له ، كما بَدا له في موسى بعد مُضِيِّ إِسماعيل ما كُشِفَ به عن حالِه ، وهوكما حَدَّثَتْكَ نَفْسُك وِانْ كَرِهَ المُبْطِلونَ؛ أَبومحمّد- ابني - الخَلَف من بعدي ، عنده عِلْمُ ما يُحْتاجُ إِليه ، ومعه آلةُ الإمامةِ» (1) .
وبهذا الإسنادِ عن إِسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى بن رئاب (2) ، عن أَبي بكرٍ الفَهْفَكي قالَ : كَتَبَ إِلَيَّ أبو الحسن عليه السلام : «أَبو محمّد ابني أَصحُّ آلِ محمد غريزةً، وأَوْثَقُهُمْ حجّةً ، وهو الأكبرُ من ولدي وهو الخَلَفُ ، وِاليه تنْتهي عُرَى الإمامةِ وأحكامُها ، فما كنْتَ سائِلي عنه فاسْأَلْه عنه ، فعِنْدَه ما تَحتْاجُ إِليه » (3) .
وبهذا الإسناد عن إِسحاق بن محمد، عن شاهوية (4) بن عبدالله
____________
(1) الكافي 1 : 263| 10 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 7|241، وذكره باختلاف الشيخ الطوسي في غيبته : 167|200 .
(2) هكذا في النسخ ، وفي الكافي هنا وفي الحديث الاسبق محمد بن يحيى بن درياب وبه ذكره الشيخ في رجاله في باب أصحاب الامام الهادي عليه السلام : 424 | 30 .
(3)الكافي 1 : 263| 11 ، اعلام الورى : 351، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50:
245| 19.
(4) قد وضعت نقطتان على الهاء في النسخ الثلاث بوضوح ، لكن الموجود في الكافي والمعهود من امثال هذا التركيب كسيبويه ونفطويه وقولويه هو الهاء لا التاء.

(320)
قالَ : كَتَبَ إِلَيَ أَبو الحسن عليه السلامُ في كتاب : «أَرَدْتَ أنْ تَسْأَلَ عن الخَلَفِ بَعْدَ أَبي جعفر وقَلِقْتَ لذِلك ، فلا تَقْلَقْ فإِنَّ اللهَ لا يُضِلُّ قوماً بَعْدَ إِذْ هَداهمْ حتّى يُبَيِّنَ لهم ما يَتَّقونَ ، صاحِبك أَبي محمّد ابني ، وعِنْدَه ما تَحتاجُونَ إِليه ، يقدِّمُ اللهُ ما يشاء ويؤخرُ مايشاء و( مَانَنْسَخْ مِنْ ايَةٍ اوننْسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْمِثْلِهَا ) (1) » (2) .
وفي هذا بيانٌ وِاقْناع لذي عَقْلٍ يَقْظان .
أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد، عن رجل ذَكَرَه ، عن محمد بن أحمد العلوي ، عن داود بن القاسم الجعفري قالَ : سَمِعْتُ أَبا الحسن عليه السلامُ يَقُولُ : «الخَلَفُ من بعدي الحسنُ ، فكيف لكم بالخَلَفِ من بَعْدِ الخَلَفِ !» فقُلْتُ : ولم ؟ جَعَلَني الله فداك!؟ فقالَ : «إِنّكم لا تَرَوْنَ شَخْصَه ، ولا يَحِلُّ لكم ذِكْرُه باسْمِه » فقلْتُ : فكيف نَذْكُرُه ؟ فقالَ : «قولوا الحجَّةُ من الِ محمّد عليه السلامُ وعليهم » (3) .
والأخْبارُ في هذا الباب كثيرةٌ يَطولُ بها الكتابُ .
* * *

____________
(1) البقرة 2 : 106 .
(2) الكافي 1 : 263| 12 ، غيبة الطوسي : 200| 168 ، ومختصراً فِى اعلام الورى: 351، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 243.
(3) الكافي 1 : 264 |13 ، إكمال الدين : 381| 5و 648 | 4 ، علل الشرائع : 245 | 5 ، اثبات الوصية : 224 ، كفاية الأثر: 288 ، غيبة الطوسي : 202 | 169 ، اعلام الورى : 351 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 240 | 5. إلأ أنّه في العلل واثبات الوصية وكفاية الأثر وإكمال الدين : والخلف من بعدي «ابني» الحسن .

(321)
باب
ذِكْرِ طرفٍ من أخْبارِ
أبي محمد عليه السلامُ ومَناقِبه واياتِه ومُعْجزاتهِ
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين (1) بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما، قالُوا : كانَ أحمدُ ابن عبيداللهّ بن خاقان على الضياعِ والخَراجِ بـ (قُمْ) فَجَرى في مَجْلِسِه يوماً ذكرُ العَلَويٌةِ ومذاهبِهم ، وكان شديدَ النَصْب والانحرافِ عن أَهلِ البيتِ عليهمُ السلامُ فقالَ : ما رَأيتُ ولا عَرَفْتُ بسُرّ مَنْ رأى من العلويةِ مِثْلَ الحسنِ بن عليّ بن محمد بن الرضا في هَدْيِه وسُكونه وعَفافِه ونبلِه وكِبْرَتِه عنْدَ أهْلِ بَيْتِه وبني هاشمٍ كافّة، وتَقْديمِهِمْ إِيّاه على ذوي السنِّ منهم والخَطَرِ، وكذلك كانَتْ حالهُ عند القُوّادِ والوُزَراءِ وعامّةِ الناسِ .
فأَذكُرُ أَنّني كُنْتُ يوماً قائماً على رَأْس أَبي وهو يَوْمُ مَجْلِسهِ للناس ، إِذ دَخَلَ حُجّابُه فقالُوا : أَبو محمد ابن الرضا بالباب ، فقالَ بصَوْتٍ عالٍ : ائْذَنُوا له ، فَتَعَجَّبْتُ ممّا سَمِعْتُ منهم ومن جَسَارَتِهمْ أَنْ يُكَنُّوا رجلاً بحضرة أَبي ، ولم يَكُنْ يُكَنّى عنده إِلا خليفةٌ أَو وَليُّ عهدٍ أَو مَنْ أمَرَ السلطانُ أَنْ يُكَنّى . فدَخَلَ رَجُلٌ أَسمر حسنُ القامةِ جميلُ الوجه جَيِّدُ البدنِ حَدِيثُ السِنِّ ، له جلالة وهيئة حسنةٌ ، فلمّا نَظَرَ إِليه أَبي قامَ فمَشى إِليه خُطىً، ولا أَعْلَمُهُ فَعَلَ هذا بأَحدٍ من بني هاشمٍ والقُوّادِ، فلمّا
____________
(1) كذا في« ح »، وفي «ش» و«م »: الحسن ، وهوتصحيف .
(322)

دَنا منه عانَقَه وقَبَّلَ وَجْهَه وصَدْرَه ، وأَخَذَ بيدِه وأَجْلَسَه على مُصلاّه الذي كانَ عليه ، وجَلَسَ إِلى جَنْبِه مُقْبِلاً عليه بوَجْهِه ، وجَعَلَ يُكَلِّمُه ويُفَدِّيه بنفسهِ ، وأَنا متَعجَبٌ مما أَرى منه ، إِذ دَخَلَ الحاجِبُ فقالَ : الموفقُ (1) قد جاءَ ، وكانَ الموفَّقُ إِذا دَخَلَ على أَبي يَقْدُمُه حُجّابُه وخاصّةُ قُوّادِه ، فقامُوا بينَ مَجْلسِ أَبي وبين باب الدار سِماطَيْن إِلى أَنْ يَدْخُلَ ويَخْرُجَ . فلمْ يَزَلْ أَبي مُقْبِلاً على أَبي محمّد يُحدِّثُه حتى نَظَرَ إِلى غلْمان الخاصّةِ فقالَ حينَئذٍ له : إِذا شِئْتَ جَعَلَني اللهُ فداك ، ثم قال لحُجّابِه : خُذُوا به خَلْفَ السِماطَيْن لا يَراهُ هذا - يَعْني الموفّق - فقامَ وقامَ أبي فعانَقَه ومضى .
فقُلْتُ لحُجّاب أَبي وغِلْمانه : ويْلَكمُ مَنْ هذا الذي كَنَّيتُموه بحَضْرَة أَبي وفَعَلَ به أَبي هذاَ الفِعْلُ ؟ فقالوُا: هذا عَلَويٌّ يُقالُ له : الحسنُ بن عليّ يُعْرَفُ بـ: ابن الرضا، فازْدَدْتُ تَعَجُّباً، ولمْ أَزَلْ يَوْمي ذلك قَلقاً مُفَكّراً في أَمْرِه وأَمرِ أَبي وما رَأَيْتُه منه حتى كانَ الليلُ ، وكانَتْ عادَتُه أَنْ يُصَلِّيَ العتمةَ ثم يَجْلِسُ فَينَظُرُ فيما يَحْتاجُ إِليه من المؤامَرات وما يَرْفَعُه إِلى السلطانِ .
فلمّا صَلَّى وجَلَسَ جئْتُ فجَلَسْتُ بين يدَيْه ، وليسَ عنْدَه أحَد، فقالَ لي : يا أَحمدُ، أَلك حاجةَ؟ فقُلْتُ : نعَمْ يا أَبه ، فإِنْ أَذِنْتَ سَأَلْتُك عنها، فقالَ : قد أَذِنْتُ ، قُلْتُ : يا أَبه ، مَنِ الرجلُ الذي رَأَيْتُك بالغَداةِ فَعَلْتَ به ما فَعَلْتَ من الإجْلالِ والكَرامةِ والتبجيلِ وفدٌَيتَه بنَفْسِك وأبَوَيك ؟ فقالَ : يا بُنَيّ ذاك إِمامُ الرافِضَةِ الحسنُ بن عليّ ، المعروف بـ: ابن الرضا، ثم سَكتَ ساعةً وأَنا ساكِتٌ ، ثم قالَ : يا بُنيَ ، لو زالَت الإمامَةُ عن خُلفائِنا بني العباس مَا اسْتَحقَّها أحَدٌ من بني هاشمِ غَيْرُه ، لِفَضْلِه وعَفافِه وهَدْيِه
____________
(1) هو أبو أحمد بن المتوكل العباسي وأخو الخلفاء المعتزّ والمهدي والمعتمد .
(323)
وصِيانتِه وزُهْدِه وعِبادتِه وجميلِ أَخلاقِه وصَلاحِه ، ولو رَأَيْتَ أَباه رَأَيْتَ رجلاً جَزْلاً نَبيلاً فاضلاً.فازْدَدْتُ قلقاً وتَفَكُّراً وغَيْظاً على أَبي وما سمعتُ منه فيه ، ورَأَيْتُ من فِعْلِه به ، فلم يَكُنْ لي هِمَّةٌ بعد ذلك إِلا السؤالَ عن خَبَرِه والبَحْثَ عن أَمْرِه .
فما سَأَلْتُ أَحَداً من بني هاشم والقُوّادِ والكُتّاب والقُضاةِ والفُقهاءِ وسائرِ الناسِ إلا وَجدْتُه عِنْدَه في غاية الإجلالَِ والإعظامِ والمحلِّ الرفيعِ والقولِ الجميلِ والتقديمِ له على جميع أَهل بيتهِ ومشايخه ، فعَظُمَ قَدْرُه عندي إِذْ لم أَرَ له وَلِيّاً ولا عَدُوّاً إلا وهو يحسِنُ القَوْلََ فيه والثناءَ عليه .
فقالَ له بعضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَه من الأشعريّينَ : فما خبرُ أَخيه جعفرٍ ، وكيفَ كانَ منه في المحلِّ ؟
فقالَ : ومَنْ جعفرُ فيُسْأَلَ عن خبره أويُقْرَنَ بالحَسَن ؟! جعفرمُعلِنُ الفُسوقِ (1) فاجرٌ شِرّيب للخُمور، أَقلُّ مَنْ رأَيْتُه من الرجالِ وأَهْتَكُهُم لنَفْسِه ، خفيفٌ قليلٌ في نَفْسِهِ ، ولقد وَرَدَ على السلطان وأَصحابه في وقتِ وفاةِ الحسنِ بن عليّ ما تَعَجَّبْتُ منه ، وما ظَنَنْتُ أَنّه يكونُ ،وذلك أًنّه لمّا اعْتَلَّ بُعِثَ إِلى أَبي : أَنَّ ابنَ الرضا قد اعْتَل، فرَكِبَ من ساعتِه إِلى دارِ الخلافةِ ، ثَم رَجَعَ مُسْتَعْجِلاً ومعه خمسة من خَدَمِ أَمير المؤمنينَ كُلهم من ثقاتِه وخاصّتِه ، فيهم نِحرير، وأَمَرَهم بلزوم دارِ الحسن وتَعَرُّفِ خَبَرِه وحالهِ ، وبعثَ إلى نَفَرٍ من المتَطَبِّبينَ فأَمَرَهُم بالاخْتلافِ إِليه وتَفَقُده صَباحَ مساء.
____________
(1) في «م » وهامش «ش » : الفسق .
(324)

فلمّا كانَ بعد ذلك بيومين أَو ثلاثة أُخْبرَ أَنّه قد ضَعفَ ، فأَمَرَ المُتَطبَبينَ بلزومِ دارِه ، وبعَثَ إِلى قاضي القُضاةِ فَاَحْضَرَه مَجْلِسَه وأَمَرَه أَنْ يَخْتارَ عَشرةً ممّن يُوثَقُ به في دينِهِ ووَرَعِهِ وأمانَتِهِ ، فأَحْضَرهم فبَعَثَ بهم إِلى دارِ الحسن وأَمَرَهم بلزومِه ليلاً ونهاراً ، فلم يَزالُوا هناك حتّى تُوُفَيَ عليه السلامُ ، فلما ذاعَ خَبَرُ وفاتِه صارَتْ سُرّ مَنْ رأى ضَجّة واحِدَةً، وعُطِّلتِ الأسْواقُ ، ورَكِبَ بنو هاشمٍ والقُوّادُ وسائرُ الناسِ إِلى جَنازتِه ، فكانَتْ سُرّ مَنْ رأى يومئذٍ شبيهاً بالقيامة، فلمّا فَرَغوا من تَهْيئتِهِ بَعَثَ السلطانُ إلى أبي عيسى بن المتوكل يأْمُرُه بالصلاةِ عليه ، فلمّا وُضعَتِ الجَنازةُ للصلاةِ عليه دَنا أَبو عيسى منه فكَشَفَ عن وَجْهِهِ ، فعَرَضَه على بني هاشم من العَلَويٌةِ والعبّاسيةِ والقُوّادِ والكُتّابِ والقُضاةِ والمعدٌلينَ ، وقالَ : هذا الحسنُ بن علي ابن محمّد بن الرضا ماتَ حَتْفَ أَنْفِه على فِراشِهِ ، وحَضَرَه من خَدَم أَمير المؤمنينَ وثِقاتِه فلانٌ وفلانٌ وفلان ، ومن القُضاةِ فلانٌ وفلانٌ ، ومن المُتًطَببينَ فلانٌ وفلانٌ ، ثم غَطّى وَجْهَه وصَلّى عليه وأَمَرَبحَمْلِه .
ولمّا دُفِنَ جاء جعفرُ (1) بن علي أَخوه إِلى أَبي فقالَ : اجْعَلْ لي مَرْتبةَ أَخي وأَنا أُوصِلُ إِليك في كلّ سنة عشرينَ أَلف دينارٍ ، فزَبرَه أَبي وأَسْمَعَه ما كَرِهَ ، وقالَ له : يا أَحمقُ ، السلطانُ - أَطالَ اللهُّ بقاءه - جَرَّدَ سَيْفَه في الذين زَعَموا أَنَ أَباك وأَخاك أَئمَّةً ، ليَرُدَّهم عن ذلك فلم يَتَهَيأ له ذلك ، فإِنْ كُنْتَ عند شيعةِ أَبيك وأَخيك إِماماً فلا حاجة بك إِلى السلطانِ لِيُرَتِّبَكَ مراتِبَهم ولا غيرِ السلطانِ ، واِن لم تَكُنْ عندَهم بهذهِ المنزلةِ لم تَنَلْها بنا، فاسْتَقَلَه أَبي
____________
(1) في هامش «ش» و «م » : جعفر هذا يلقب بالكذاب ويلقب أيضاً بزق الخمر لانهماكه فيها وكان يسعى باخيه ابي محمد عليه السلام الى المتوكل .
(325)

عند ذلك واسْتَضْعَفَه وأَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عنه ، فلم يَأْذَنْ له في الدخولِ عليه حتى ماتَ أَبي . وخَرَجْنا وهو على تلك الحالِ ، والسلطانُ يَطْلُبُ أَثراً لولدِ الحسن بن عليّ إلى اليومِ وهو لا يَجِدُ إِلى ذلك سبيلاً، وشيعتُه مُقيمونَ على أَنّه ماتَ وخَلّفَ وَلَداً يقومُ مَقامَه في الإمامةِ (1) .
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد، عن محمد بن إِسماعيل بن إِبراهيم بن موسى بن جعفر قالَ : كَتَبَ أَبو محمد إِلى أَبي القاسم إِسحاق بن جعفر الزُبيريّ قَبْلَ مَوْتِ المُعْتَزّ بنحوٍ من عشرين يوماً : «إِلزَمْ بَيْتَك حتى يَحْدُثَ الحادثُ لما فلمّا قُتِلَ تُرُنجة (2) كَتَبَ إِليه : قد حَدَثَ الحادِثُ ، فما تَأْمُرُني؟ فكَتَبَ إِليه : «ليس هذا الحادثُ ، الحادثُ الأخَر» فكانَ من المعتزّ ما كان .
قالَ : وكَتَبَ إِلى رجلٍ آخَرَ: «بقتلِ [ ابن] (3) محمد بن داود» قَبْلَ قَتْلِه بعشرة أيّامٍ ، فلمّا كانَ في اليومِ العاشِر قُتِلَ (4) .
____________
(1) الكافي 1 : 421 | 1 ، اعلام الورى : 357، وذكره باختلاف يسير الصدوق في إكمال الدين : 40، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 2| .
(2) كذا في النسخ ، وفي الكافي ونقل العلامة المجلسي عن الارشاد : بريحة ، والظاهر ان الصحيح : ابن أترجة، وهو عبدالله بن محمد بن داود الهاشمي بن أُترجة من ندماء المتوكل والمشهور بالنصب والبغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد قتل بيد عيسى بن جعفر وعلي بن زيد الحسنيين بالكوفة قبل موت المعتز بايام . انظر: الكامل لابن الأثير 7 : 56 ، تاريخ الطبري 9 : 388 .
(3) في النسخ الخطية من الارشاد ونسخة البحار: محمد بن داود، والظاهر ان الصحيح : ابن محمد ابن داود - كما في الكافي - وهو عبدالله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بـ(ابن أُترجة) المشار اليه في صدر الحديث .
(4) الكافي 1 : 23 4 |2 ، مناقب آل ابي طالب 4 : 436 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 51|277.

(326)

أخْبَرَني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن (عليّ بن محمد بن إبراهيم ، المعروف بابن الكردي)(1) ، عن محمد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفرقالَ : ضاقَ بنا الأمرُفقالَ لي أبي : امْضِ بنا حتى نصيرُ إِلى هذا الرجل - يعني أبا محمّد - فإِنّه قد وُصِفَ عنه سماحَةٌ ، فقُلْتُ : تَعْرِفُه ؟ قالَ : ما أَعْرِفُه ولا رأتيه قطُّ ، قالَ : فقَصَدْناه فقالَ لي أبي وهو في طريقه : ما أحْوَجَنا إلى أنْ يَأْمُرَ لنا بخَمْسِ مائة درهم : مائتَيْ درهم للكِسْوَة، ومائتيْ درهم للدقيقِ ، ومائةِ درهمٍ للنفقةِ . وقُلْتُ في نفسي : لَيْتَه أمَرَ لي بثلاث مائة درهمٍ : مائة أشتري بها حماراً ، ومائة للنفقةِ، ومائة للكِسوة، فأخْرُجَ إِلي الجبلِ (2) .
قالَ : فلمّا وافَيْنا البابَ خَرَجَ إِلينا غلامُه فقالَ : يَدْخُلُ عليٌ بن إبراهيم ومحمد ابنُه ، فلمّا دَخَلْنا عليه وسَلَّمْنا قالَ لأبي : «يا عليّ ، ما خَلَّفَك عنّا إِلى هذا الوقت ؟» قالَ : يا سيدي ، اسْتَحْيَيْتُ أنْ ألقاكَ على هذه الحال .
فلمّا خَرَجْنا من عنده جاءنا غلامُه ، فناوَلَ أبي صُرّة وقالَ : هذه خمسمائة درهم : مائتانِ للكِسوةِ ، ومائتانِ للدقيقِ ، ومائة للنفقةِ . وأعْطاني صُرّةً وقالَ : هذه ثلاث مائة درهم : فاجْعَلْ مائة في ثمن حمار، ومائةً
____________
(1) كذا في النسخ ، وفي البحار: علي بن ابراهيم المعروف بابن الكردي ، والظاهر ان الصواب ما في الكافي حيث رواه عن علي بن محمد عن محمد بن ابراهيم المعروف بابن الكردي ، فقد يأتي في ذيل الحديث : قال محمّد بن ابراهيم الكردي .
(2) في «م » وهامش «ش » : الخيل .
الجبل والجبال اسم علم لعراق العجم ، وهي ما بين اصفهان الى زنجان وقزوين وهمدان والدينور وقرميسين (كرمانشاه) والري وما بين ذلك . «معجم البلدان 2 : 99».

(327)
للكِسوة، ومائةً للنفقةِ، ولا تَخْرُجْ إِلى الجبلِ (1) وصِرْ إِلى سوْراء(2) .
قالَ :فصارَ إِلى سُوْراء . وتَزوَّجَ امْرَاة منها، فدَخْلُه اليومَ ألفا دينار، ومع هذا يقولُ بالوقفِ .
قالَ محمّدُ بن ابراهيم الكردي : فقُلْتُ له : وَيحَكَ أتُريدُ أمْراً أبْيَنَ من هذا؟!
قالَ : فقالَ : صَدَقْتَ ، ولكنا على أمرٍ قد جَرَيْنا عليه (3) .
أخْبَرَني أبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ ابن محمد، عن محمد بن علي بن إِبراهيم قالَ : حَدَّثَني أحمدً بن الحارث القزويني قالَ : كُنْتُ مع أبي بسُرَّمَنْ رأى،وكانَ أبي يتعاطى البَيْطرة في مربطِ أبي محمّد عليه السلام ، قالَ : وكانَ عند المستعين بَغْلٌ لم يُرَمثلُه حُسْناً وكِبَراً، وكانَ يَمْنَعُ ظَهْرَه واللِجامَ ، وقد كان جَمَعَ عليه الرُوّاضُ فلم يَكُنْ لهم حيلةٌ في ركوبهِ ، قالَ : فقالَ له بعضُ ندمائِه : يا أميرَ المؤمنين ، ألا تَبْعَثُ إِلى الحسن بن الرضا حتى يجيء فإمّا أنْ يَرْكبَه وِامّا أنْ يَقْتُلَه .
قال : فبعَثَ إلى أبي محمّد ومَضى معه أبي .
قالَ : فلمّا دَخَلَ أبومحمّد الدارَ كُنْتُ مع أبي ، فنَظَرَ أبومحمّد إِلى البَغْلِ واقِفاً في صحنِ الدارِ فعَدَلَ إِليه فوَضَعَ يَدَه على كَفَلِه (4) .
____________
(1) في «ش» و «م » : الخيل ، وما أثبتناه من هامشهما.
(2) سوراء : موضع بالعراق من أرض بابل ، قريبة من الحلة «معجم البلدان 3: 278 ».
(3) الكافي 1 : 424 |3، مناقب آل ابي طالب 4 : 437 بحذف آخره ، وكذلك ثاقب المناقب : 569| 514، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 278| 52.
(4) في هامش «ش »: كتفه .

(328)

قالَ : فنَظَرْتُ إِلى البَغْلِ وقد عَرِقَ حتى سالَ العرَقُ منه . ثم صارَ إِلى المستعين فسَلَّمَ عليه ، فرَحَّبَ به وقَرَّبَ وقالَ : يا أبا محمد ، ألجْمْ هذا البَغْلَ . فقالَ أبومحمد لأبي : «ألجمه يا غلام » فقالَ له المستعينُ : ألْجمْه أنْتَ ، فوَضَعَ أبو محمد طَيْلَسانَه ثم قامَ فألْجَمَه ، ثم رَجَعَ إِلى مَجلَسِهِ وجَلَسَ ، فقالَ له : يا أبا محمد ، أسرجْهُ ، فقالَ لأبي : «يا غلامُ أسرجْهُ» فقالَ له المستعينُ : أسْرِجْهُ أنت ، فقامَ ثانيةً فأسْرَجَهَ ورَجَعَ ، فقالَ له : ترى أنْ تَرْكبَه ؟ فقالَ أبو محمد: «نعَمْ » فرَكِبَه من غَيْر أنْ يَمْتَنِعَ عليه ، ثم رَكَضَه في الدارِ، ثم حَمَلَه على الهَمْلجَة(1) فمَشى أحْسَنَ مشي يَكُونُ ، ثم رَجَعَ فنزل . فقالَ له المستعينُ : يا أبا محمد، كيفَ رأيته ؟ قالَ : «ما رَأيت مِثْلَه حُسْناً وفراهةً» فقالَ له المستعينُ : فإِنَّ أميرَالمؤمنينَ قد حمَلَكَ عليه ، فقالَ أبو محمد لأبي : «يا غلامُ خُذْه فأخَذه أبي فقادَه (2) .
ورَوى (أبو عليّ بن راشد)(3) ، عن أبي هاشم الجعفري قالَ : شَكَوْتُ إِلى أبي محمد الحسن بن عليّ عليهما السلامُ الحاجةَ، فحكَّ
____________
(1) الهَمْلَجَة : مشي شبيه الهرولة . «مجمع البحرين - هملج - 2 : 337» .
(2) الكافي 1 : 424 | 4 ، الخرائج والجرائح 1 : 432 | 11 ، ثاقب المناقب : 579 |528 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 266 .
قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول 6 : 151 تعليقاً على هذا الحديث : يشكل هذا بأن الظاهر ان هذه الواقعة كانت في أيام امامة أبي محمد بعد وفاة أبيه عليهما السلام وهما كانتا في جمادى الأخرة سنة 254 كما ذكره الكليني وغيره ، فكيف يمكن ان تكون هذه في زمان المستعين .
فلابد اما من تصحيف المعتز بالمستعين ، وهما متقاربان صورة،أو تصحيف أبي الحسن بالحسن ، والاول اظهر للتصريح بابي محمد في مواضع ، وكون ذلك قبل امامته عليه السلام في حياة والده وان كان ممكناً، لكنه بعيد .
(3) كذا في «ش» و«م » والبحار، وفي «ح » : علي بن راشد ، ورواه في الكافي عن علي عن أبي أحمد ابن راشد .

(329)

بسَوْطِهِ الأرْضَ فأخَرَجَ منها سبيكة فيها نحو الخمس مائة دينارٍ ، فقالَ : «خُذْها يا أبا هاشم وأعْذِرْنا» (1)
أخْبَرَني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد، عن أبي عبدالله بن صالح ، عن أبيه ، عن أبي عليّ (المطهّري)(2) : أنّه كَتَبَ إِليه من القادِسيّةِ يُعْلِمُه انْصِرافَ الناسِ عن المضيُّ إِلى الحجِّ ، وأنه يَخافُ العَطَشَ إِنْ مَضى ، فكَتَبَ عليه السلامُ : «اِمضوا فلا خَوْفَ عليكم إنْ شاءَ اللهُّ » فمَضى مَنْ بَقِيَ سالمينَ ولم يِجِدُواعطَشَاً(3) .
أخْبَرَني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد، عن عليّ بن الحسن بن الفضل اليماني قالَ : نَزلَ بالجعفري من آل جعفر خَلْقٌ كثيرُ لا قِبَلَ له بهم ، فكَتَبَ إِلى أبي محمد عليه السلامُ يَشْكُو ذلك ، فكَتَبَ إِليه : «تَكْفُونَهم إِنْ شاءَ الله ». قالَ : فخَرجً إِليهم في نفرِ يسيرٍ - والقومُ يزيدونَ على عشرين ألف نفسٍ ، وهو في أقلِّ من أَلفٍ - فاسْتَباحَهُمْ (4) .
وبهذا الإسنادِ، عن محمد بن إِسماعيل العلوي قالَ : حُبسَ أبومحمد عليه السلامُ عند (عليِّ بن اوتامِش)(5) - وكانَ شديدَ العَدَاوةِ في لآل محمّد
____________
(1) الكافي 1 : 425 |5 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 431 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 279 | 53 .
(2) في الكافي : المطهّر.
(3) الكافي 1 : 425 |6 ، مناقب آل ابي طالب 4 : 431 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 279 | 54 .
(4) الكافي 1 : 425 |7، مناقب آل ابي طالب 4 : 431 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 280 | 55 .
(5) في الكافي : علي بن نارمش (نارش خ . ل)، وفي اعلام الورى : علي بن اوتاش .

(330)
عليه وعليهم السلامُ غليظاً على الِ أبي طالبٍ - وقيلَ له : اِفعَلْ به وافعَلْ . قالَ : فما أقامَ إلاّ يَوْماً حتى وَضَعَ خَدَّيه له ، وكانَ لا يَرْفَعُ بَصَرَه إليه إجْلالاً له وإعْظاماً، وخَرَجَ من عنده وهو أحسَنُ الناسِ بصيرةً وأحْسَنهم قولاً فيه (1) .
ورَوى إسحاقُ بن محمد النخعي قالَ : حَدَّثَني أبو هاشمِ الجعفري قالَ : شَكَوْتُ إلى أبي محمّد عليه السلامُ ضيْقَ الحَبْس وكَلَبَ القَيْدِ، فكَتَبَ إليَّ : «أنتَ مُصَلّي اليومَ الظهرَ في منزلك » فأخرِجْتُ وَقْتَ الظهرِ فصَلَيْتُ في مَنْزلي كما قالَ . وكُنْتُ مُضِيقاً فأرَدْتُ أنْ أطْلُبَ منه معونةً في الكتاب الذي كَتَبْتُه فاسْتَحْيَيْتُ ، فلمّا صِرْتُ إلى مَنْزِلي وَجهَ لي بمائة دينارٍ وكَتَب إلَيَّ : «إذا كانَتْ لك حاجةٌ فلا تَسْتَحي ولا تَحْتَشمْ ، واطْلُبْها تَأتِك على ما تُحِبُّ إن شاءَ الله »(2) .
وبهذا الإسنادِ، عن أَحمدَ بن محمد الأقرع قالَ : حَدَّثَني (أَبو حمزة نصير الخادم)(3) قالَ : سَمِعْتً أَبا محمد عليه السلامُ غَيْرَ مَرٌةٍ يُكلمُ
____________
(1) الكافي 1 : 8|425، اعلام الورى 359، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 307| 4.
(2) الكافي 1 : 462 | 10 ، اعلام الورى : 354 ، الخرائج والجرائح 1 : 435 |13 ، وذكر صدره ابن شهرآشوب في المناقب 4 : 432 ، وذيله في 4 : 439 ، وذكرقطعاً منه المسعودي في اثبات الوصية : 211 ، وعماد الدين الطوسي في ثاقب المناقب 276| 525، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 27|267 .
(3) كذا في النسخ ، ونسخ الكافي هنا مختلفة بين نصر ونصير، رقد ورد في الفقيه 2 : 827|184، وفي نسخه اختلاف أيضاً، وهو من شهود وصية أبي جعفر الثاني عليه السلام الى ابنه علي عليه السلام ، وكتب شهادته بيده (الكافي 1 : 3|261 والموجود هنا نصر لا غير) وفي الغيبة للشيخ ؟ 213|245 : روى محمد بن علي الشلمغاني في كتاب الاوصياء قال :حدثني حمزة بن نصر غلام أبي الحسن عليه السلام عن أبيه قال : لما ولد السيد عليه السلام تباشر أهل الدار

=


(331)

غِلْمانَه بلُغاتِهم ، وفيهم تُرْكٌ ورومٌ وصَقالبة، فتَعجبْتُ من ذلك وقُلْتُ : هذا وُلدَ بالمدينة، ولم يَظْهَرْ لأحَدٍ حتى مَض أَبو الحسن عليه السلامُ ولا رَآه أَحَدٌ ،فكيفَ هذا؟! أُحدِّثُ نَفْسي بذلك ، فاَقَبَلَ عليٌ فقالَ : «إن اللهَ جَلَّ ذِكْرُه أَبانَ حجٌتَه من سائرِ خَلْقِه ، وأَعْطاه مَعْرِفَةَ كُلِّ شيءٍ ، فهو يَعْرفُ اللغات والأسباب والحوادثَ ، ولولا ذلك لم يكُنْ بين الحجّةِ والمحجوجَ فرقُ »(1) .
وبهذا الإسنادِ قالَ : حَدَّثَني الحسنُ بن طريف قالَ : اخْتَلَجَ في صَدْري مسألتان أَرَدْتُ الكتابَ بهما إلى أَبي محمد عليه السلامُ ، فكَتَبْتُ أَسْأَلهُ عن القائمِ إذا قامَ بمَ يَقْضي ، وأَيْنَ مَجْلِسُه الذي يَقْضي فيه بين الناس ؟ وأَرَدْت (أَنْ أَسْألَه)(2) عن شيءٍ لحُمّى الرِبع فاَغْفَلْتُ ذِكرَ الحمّى ، فجاءَ الجوابُ : «سَأَلْتَ عن القائمِ ، واذا قامَ قَضى بين الناسِ بعِلمِه كقَضاءِ داود لا يَسْأل البَيِّنةَ، وكُنْتَ أَرَدْتَ أنْ تَسْألَ عن حُمّى الربع فاُنسيتَ ، فاكتُبْ في َورَقةٍ وعَلِّقْه على المحموم :( يَا نَارُكُوني بَرْدَاً وسلاماً على اِبْراهِيم )(3) » فكَتَبْتُ ذلك وعَلَّقْتهُ على المحَمومِ (4) فاَفَاقَ وبرىء (5) .
____________
=
بذلك الخبر، والظاهر ان نصر والد حمزة في هذا السند هو أبو حمزة نصر الخادم الذي نبحث عنه، فحينئذٍ الاظهر صحة نصر وكون نصيرتصحيفاً .
(1) الكافي 1 : 426 | 11 ، اعلام الورى : 356، الخرائج والجرائح 1 : 436 | 14 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 28|268 ، وذكره مختصراً المسعودي في اثبات الوصية : 214 ، وابن شهرآشوب ني المناقب 4 : 28 4 .
(2) في «م » وهامش «ش » : ان اكتب اليه اسأله .
(3) الانبياء 21: 69 .
(4) في «م »:محموم لنا.
(5) الكافي 1 : 426 |13 ، دعوات الراوندي : 209 |567 ، اعلام الورى : 357 ، الخرائج والجرائح 1 : 431 | 10 ، ومختصراً في مناقب آل ابي طالب 4 : 431 ، ونقله العلامة المجلسي

=


(332)

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ ابن محمد ، عن إسحاق بن محمد النخعي قالَ : حَدَّثَني إسماعيلُ بن محمد ابن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبدالله بن العباس قالَ : قَعَدْتُ لأبي محمّد عليه السلامُ على ظَهْرِ الطريقِ ، فلمّا مَرَّ بي شَكَوْتُ إليه الحاجَةَ، وحَلفْتُ أَنّه ليس عندي درهمٌ فما فوقَه ولا غداءَ ولا عَشاءَ، قالَ ، فقالَ : «تَحْلِفُ بالله كاذباً! وقد دَفَنتَ مائتي دينارٍ ، وليس قَوْلي هذا دفعاً لك عن العطّيةِ ، أَعْطِه يا غلامُ ما معك » فأَعْطاني غلامُه مائةَ دينارٍ ، ثمّ أقْبَلَ عليً فقالَ لي : «إنَّكَ تحْرَمُ الدنانيرَ التي دَفَنْتَها أحْوَجَ ما تَكُونُ إليها» وصَدَقَ عليه السلامُ ،وذلك أَنَّني أَنْفَقْتُ ما وَصَلَني به واضْطررْتُ ضرورةً شديدةً إلى شيءٍ أُنْفقُه ، وآنغَلَقَتْ عَلَيَّ أَبْوابُ الرِزْقِ ، فنَبَشْتُ عن الدنانيرِالتي كُنْتُ دَفَنْتُها فلم أجِدْها، فَنَظَرْتُ فإذا (ابنُ عمٍّ لي)(1) قد عَرَفَ مَوْضِعها فأخَذَها وهَرَبَ ، فما قَدَرْتُ منها على شيءٍ (2) .
وبهذا الإسنادِ، عن إسحاقِ بن محمد النخعي قالَ : حَدَّثَنا عليُّ بن زيد بن عليّ بن الحسين قالَ : كانَ لي فرسُ وكُنْتُ به مُعْجَباً أُكْثِرُذِكْرَه في المجالسِ ، فدَخَلْتُ على أَبي محمد عليه السلامُ يوماً فقالَ : «ما فَعَلَ فرسُك ؟» فقُلْتُ : هو عندي ، وهُو ذا ، هو على بابك ، الآن نَزَلْتُ عنه ، فقالَ لي : «اسْتَبْدِل به قبلَ المساء إِنْ قَدَرْتَ على مُشْتٍر ولا تُؤَخَرْ ذلك »
____________
=
في البحار 265:50.
(1) في «م » وهامش «ش» : ابن لي .
(2) الكافي 1 : 426 | 14 ، اعلام الورى : 352 ، ثاقب المناقب : 578 | 527 ، الفصول المهمة : 286 ، وذكره مختصراً المسعودي في اثبات الوصية : 214 ، والراوندي في الخرائح والجرائح 1 : 427 |6، وابن شهرآشوب في المناقب 4 : 432 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 56|280.

(333)

ودَخَلَ علينا داخلٌ فانْقَطَعَ الكلامُ ، فقُمْتُ مُفكِّراً ومَضَيْتُ إِلى مَنْزلي فأخْبَرْتُ أخي فقالَ : ما أدْري ما أقُولُ في هذا، وشَحَحْتُ به ونَفِسْتُ على الناسِ ببيعهِ ، وأمْسَيْنا فلمّا صَلَّيْتُ العَتَمةَ جاءني السائس فقالَ : يا مولاي ، نَفَقَ فَرَسُك الساعةَ، فاغْتَمَمْتُ وعَلِمْتُ أنَّه عَنى هذا بذلك القولِ . ثَم دَخَلْتُ على أبي محمد عليه السلامُ بعدَ أيام وأنا أقولُ في نفسي : لَيْتَه أخْلَفَ عليًٌ دابّةً، فلمّا جَلَسْتُ قالَ قَبْلَ أنْ أُحَدِّثَ (1) بشيء : «نعَمْ نُخْلف عليك ، يا غلامُ أعْطِهِ برذوني الكميت » ثمَّ قالَ : اهذا خَيْرٌ من فرسِك وأوْطَأ وأطْوَلُ عُمراً»(2) .
وبهذا الإسنادِ قالَ : حدَثَني محمدُ بن الحسن بن شمّون قالَ : حدَثَني أحمدُ بن محمد قالَ : كَتَبْتُ إِلى أبي محمد عليه السلامُ حينَ أخَذَ المهتدي في قَتْلِ الموالي (3) : يا سيدي ، الحمدُ للهِ الذي شَغَلَه عنّا، فقد بَلَغَني أنّه يَتَهدَدُك ويقولُ : واللهِ لأجلِّيَنَّهم عن جَدَد(4) الأرضِ . فوَقَّعَ أبومحمد عليه السلامُ بخطٌه (5) : «ذلك أقْصَرُ لعُمرِه ، عُدَّ من يومِك هذا خمسةَ أيّامٍ ، ويقتَلُ في اليوم السادس بَعْدَ هَوانٍ واستخفافٍ يَمرٌ به » وكانَ كما قالَ عليه السلامُ (6) .
____________
(1) في «م » وهامش «ش » : اتحدث .
(2) الكافي 1 : 427 | 15 ، اعلام الورى : 352، الخرائج والجرائح : 1 : 434 |12 ، ثاقب المناقب : 572| 516 ، وذكره مختصراً المسعودي في اثبات الوصية : 215 ، وابن شهرآشوب في مناقب آل ابي طالب 4 : 430 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 : 267 .
(3) في هامش «ش»: أي موالي نفسه .
(4) في «م » وهامش «ش» : جديد . وفي «ش» هامش آخر: جديد الارض أي ظهرها .
(5) قتل المهتدي يوم الثلاثاء لاربع عشر بقين من رجب سنة 256، فتوقيع الامام كان في 8 رجب سنة 256 .
(6) الكافي 1 : 427 | 16 ، اعلام الورى : 356، ومختصراً في مناقب آل ابي طالب 4 : 436 ،

=


(334)

أخْبَرَني أبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب ، عن عليِّ ابن محمد، عن محمد بن إِسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر(1) قالَ : دَخَلَ العباسيونَ على (صالح بن وصيف)(2) عندما حُبسَ أبو محمد عليه السلامُ فقالُوا له : ضَيِّقْ عليه ولا تُوَسِّعْ ، فقالَ لهم صالَح :ما أصْنَعُ به ؟! قد وَكلْتُ به رجلين شرَّ مَنْ قَدَرْتُ عليه ، فِقد صارا من العبادة والصلاةِ والصيام إِلى أمْرٍ عَظيمٍ . ثم أمَرَ بإحضارِ الموَكَّلَينِ فقالَ لهما: ويَحْكما ما شأْنكما فيَ أمْرِ هذا الرجلِ ؟ فقالا له : ما نقولُ في رجلٍ يَصومُ النهار َويَقُومُ الليلَ كُلَّه ، لا يَتَكلَّمُ ولا يَتَشاغَلُ بغيرِ العبادةِ، فإذا نَظَرَ الينا ارْتَعَدَتْ (3) فرائصُنا وداخَلَنا ما لا نَمْلِكُه من أنْفُسِنا . فلمّا سَمِعَ ذلك العباسيون انْصَرَفوا خاسِئين (4) ، (5) .
أخْبَرَني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليٌ بن محمد، عن جماعةٍ من أصْحابنا قالوا : سلمَ أبو محمد عليه السلامُ إلى نِحْريرٍ (6) وكانَ يُضَيِّقُ عليه ويُؤْذيه ، فقالَتْ له امْرَاته : اتقِ اللهَ ، فإنَك لا تَدْري مَنْ في مَنْزِلك ، وذَكَرَتْ له صَلاحَه وعبادَته ، وقالَتْ : إِنّي أخافُ عليك منه ، فقالَ : واللهِ لأرْمِيَنَّه بين السباعِ . ثم اسْتأْذَنَ في ذلك فاُذِنَ له ، فرَمى به إليها، ولم
____________
=
ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 5|308.
(1) كذا في النسخ والبحار ، وفي الكافي زيادة : عن علي بن عبد الغفار هنا.
(2) صالح بن وصيف رئيس الامراء في خلافة المهتدي قتل سنة 256 . «دول الاسلام : 141 ».
(3) في «م » و «ح» وهامش «ش»: اُرْعِدَت .
(4) في هامش «ش » : خائبين .
(5) الكافي 1 : 429 |23 ، باختلاف يسير، اعلام الورى : 360، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50: 6|308 .
(6) هو نحرير الخادم من خواص خدم بني العباس .

(335)
يَشُكُّوا في أكْلِها له ، فَنظَروُا إلى الموضعِ ليَعْرِفوا الحالَ ، فوَجَدُوه عليه السلامُ قائماً يُصَلِّي وهي حَوْلَه ، فاُمِرَ بإخْراجِه إلى دارِه (1) والرواياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ ، وفيما أثْبَتْناه منها كفايةٌ فيما نَحَوْناه إِنْ شاءَ اللهُ تعالى .
* * *

____________
(1) الكافي 1: 430 |26 ، باختلاف يسير، اعلام الورى : 360، ثاقب المناقب : 580| 530 ، ومختصراً في المناقب لابن شهرآشوب 4 : 430، وفيه : انه سلم الى يحيى بن قتيبة،عوض «نحرير» . ونقله العلامة المجلسي فى البحار 50: 309 |7 .