ـ 7 ـ سورة الأعراف (وفيها ست آيات) |
(1) ((فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إليهمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)) الآية: 6 (2) ((وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ)) الآية: 43 (3) ((وَعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ)) الآية: 46 (4) ((وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) الآية: 160 (5) ((وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً)) الآية: 161 (6) ((وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ)) الآية: 181
((فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إليهمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ))الأعراف/ 6روى العلاّمة البحراني عن العالم (الحنفي) أبي المؤيّد موفّق بن أحمد الخوارزمي في كتاب (فضائل علي) (بإسناده المذكور) عن أبي برزة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) ـ ونحن جلوس ذات يوم ـ: (والّذي نفسي بيده لا تزول قدمُ عبدٍ يوم القيامة حتّى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن جسده فيما أبلاه؟ وعن ماله ممّا اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن حبّنا أهل البيت؟)[1]. (أقول) مقتضى هذا الحديث، وأحاديث أخرى أيضاً أنّ الأنبياء والأمم السابقين أيضاً يُسألون عن حبّ أهل البيت (عليهم السلام). ولا شكّ في أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) من أهل البيت، فالسؤال يعمُّ حبّها أيضاً، فتكون الآية في فضلها.
((وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أن هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ))الأعراف/ 43روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو سعد السّعدي (بإسناده المذكور) عن الحسن بن علي (بن أبي طالب) قال: فينا ـ والله ـ نزلت (قوله تعالى): ((وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ)) الآية[2]. (أقول) تكرّر منّا أنّ هذه الضمائر، مثل (نا) و (نحن) في أمثال هذه الموارد يُراد بها أهل البيت الشامل لسيّدة النساء، البتول الزهراء (عليها السلام)، وهذه الآية نظير قوله تعالى: ((إنّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)). أي أنّ الغلّ نزعه الله تعالى عن صدور أهل البيت (عليهم السلام) في الدنيا والآخرة، فصدورهم طاهرة مطهّرة من كلّ عيب ونقص، ومنه الغلّ. ((وَعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ)) الأعراف/ 46 روى العلاّمة الشيخ سليمان القندوزي عن الحاكم، (بسنده المذكور) عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنت عند علي (رضي الله عنه) فأتاه ابن الكوّاء فسأله عن هذه الآية فقال: ويحك يا بن الكوّاء نحن نقف يوم القيامة بين الجنّة والنّار، فمن أحبّنا عرفناه بسيماه، فأدخلناه الجنّة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فدخل النّار[3]. (أقول) المقصود بـ (نحن) هنا هم أهل البيت، أصحاب الكساء، أي: رسول الله، وعليّ، فاطمة، والحسن والحسين (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) كما نصّت بذلك روايات عديدة مرويّة في الصحاح والمسانيد.
((وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))الأعراف/ 160روى الحافظ الحنفي سليمان القندوزي في ينابيعه بسنده عن أبي جعفر الباقر في تفسير هذه الآية: ((وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) فالله جلّ شأنه وعظُم سلطانه، ودام كبرياؤه أعزّ وأرفع وأقدس من أن يُعرض له ظلم، ولكن أدخل ذاته الأقدس فينا أهل البيت فجعل ظلمنا ظلمه فقال: ((وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))[4] (أقول): حيث إنّ أهل البيت شامل لفاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت الآية الكريمة تعدُّ فيما ورد في فضلها أيضاً من القرآن الحكيم. ملاحظة: هذه الآية بنصّها قد تكررت في القرآن مرّتين: مرةً: في سورة البقرة. وأخرى: في سورة الأعراف. وقد ذكرناها في سورة البقرة أيضاً، ولكن حيث إنّهما آيتان من القرآن، فورودهما في القرآن بهذا التفسير، يفصح عن كونهما آيتين في أهل البيت لا آية واحدة، ولذلك كرّرنا نحن أيضاً ذكرها في السّورتين، وذلك لأمور: أحدهما: ما دام هما آيتين، فكونهما في أهل البيت ـ ومنهم فاطمة الزهراء (عليها السلام) ـ معناه كون آيتين في أهل البيت. ثانيها: لعلّ من يعلم بوجودها في أحد الموردين دون الآخر، فيجده كلّما بحث عنها. ثالثها: لما في تكرار القرآن الحكيم من الإبداع، والبلاغة المعجزة الّتي ذكرها علماء (علوم القرآن) وأوضحوا بعض جوانب عظمتها، ففي الحقيقة لا تكرار في القرآن، إذا عمل (بالتدبّر في القرآن) كم أمر القرآن نفسه. قال الأستاذ العفيفي: (إنّ ـ أحكام القرآن وتفصيله ـ هو العلم الذي يضمن لنا أننا كلّما احتجنا إلى أي مفردة قرآنية وجدناها بأيّ موضع من مواضعها، كالحرف الواحد في الكلمة ـ يعني: المكرّر في كلمة واحدة ـ التي تجمع حروفها جميعاً في جملتها، فإذا كل حرف بموضعه الخاص به تفصيلاً ـ يعني: كل حرف غير الآخر، لا أنّه مكرّر ـ وإذا الحروف جميعاً تامّة الارتباط بها كلها إجمالاً)[5]. وفي هذا الصّدد يقول الإمام الغزالي في ((إحيائه)): (يقول بعض العارفين: إنّ القرآن يحوي سبعمائة وسبعين ألف علم، ومائتي علم (200و770) إذ كلّ كلمةٍ علمٌ)[6]. إذاً فتكرار هذه الآية هنا وفي سورة البقرة ليس تكراراً إلاّ للّفظ، وإنّما هو في كل معنىً إبداعي معجز. ولاستعلام ذلك كتب خاصة، لكننا نذكر بعض ما ذكره أساطين هذا الفن. يقول المؤلفون عن (علوم القرآن): التكرار اللّفظي موجود في القرآن. أمّا التكرار الحقيقي ـ والمعنوي فلا يوجد في القرآن. (وذلك) لأنّ المقصود من كل كلمة (تكرّر لفظها) في القرآن، غير نفس تلك الكلمة في مكان آخر.. فإذا كُرّرت لفظة في القرآن مرتين، فاللفظ واحدٌ، لكنّ المعنى والمقصود اثنان. وإنْ كُرّرت لفظة أو آية في القرآن خمس مرّات، فاللفظ واحدٌ، لكن المعاني والمقاصد خمسة. وهكذا دواليك.. ويسمّون ذلك بـ ((علم الأحكام والتفاصيل))[7]. ولا بأس لبيان ذلك من نقل كلمات عن كتب كُتبت بهذا الصّدد لبيان هذا الموضوع المهم: نصوص العلماء: قال الأستاذ العفيفي المعاصر، في كتابه (القرآن القول الفصل) بصدد بيان هذا المعنى، وهو: عدم التكرار المعنوي في القرآن، وإنّما التكرار لفظي فقط ـ: فإذا تعدّدت المواضع في القرآن كلِّه بآية، أو جملة أصغر من آية، أو كلمة، أو حرف[8] كان كلٌّ من ذلك ثابتاً في نصّه بلا تبديل، وإنّما لكلّ مفردة منه عملٌ جديدٌ، بكلّ موضع جديد، حتّى إذا احتاج أيُّ إنسان منّا بأيّ زمانٍ أو مكانٍ إلى النظر فيما تصلنا به كل مفردة من هذه المفردات في سياقها من أي موضع، وجدنا لها حساباً، فيه تعميم إلهي معجز، من حيث تقدير جملة مواضع كلِّ مفردة، ومن حيث جملة ما تربطنا به من المقاصد. كما أنَّ من هذا الحساب تخصيصاً معجزاً من حيثُ ربط كلِّ مفردة في سياقها من كل موضع نحتاج إليها به، بالمقصد المتفرّد الّذي يعمل معه الفارق بينه وبين أي مقصد آخر نحتاج إليه في القرآن كله، فننظر بكلِّ موضع لكلِّ مفردة، تتفق مع نوع حاجتنا إلى القرآن كأن ننظر (بآية) مثل ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)) المكرّرة في سورة (الرحمن) عدّة مرات (أو جملة أصغر من آية) مثل تكرار جملة: ((فَسْئَلُوا أهل الذِّكْرِ أن كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) في سورة (النّحل) آية (43) وسورة (الأنبياء) آية (7). إذ البشر عاجزون عن (التعميم) حتى يستطيعوا تثبيت القدر المطلوب من الكلام، بلا زيادة ولا نقصان. (كما) أنّهم عاجزون عن تخصيص عدد مواضع أيِّ مفردةٍ من مفردات كلامهم كلِّه أو بعضه، على نحو ثابت لا زيادة فيه ولا نقصان، فضلاً عن عجزهم عن تقدير جملة المقاصد التي يحتاجون إليها في كلامهم أو علمهم بذلك[9]. وقال الخطيب الإسكافي في كتابه (درّة التنزيل وغرّة التأويل) في بيان مثل لاختصاص كل مفردة قرآنية بجديد من العلم وجديد من المعنى: إنَّ قوله تعالى في سورة النبأ: ((كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ)) 4 ـ 5/ النبأ يدلُّ على اختصاص الآية الرابعة من سورة النبأ بالعلم في الدنيا ، ثم اختصاص الآية الخامسة من هذه السّورة بالعلم في الآخرة فهو إذن ليس بتكرارٍ، ولم يُرد بالتالي ما أراد بالأول....[10]. وقال تاج القرّاء الكرماني في كتابه (أسرار التكرار في القرآن) في مقام إعطاء مَثَلٍ آخر لعدم التكرار المعنوي في القرآن، ما مؤدّاهُ: إنَّ قوله تعالى في سورة الفاتحة (عليهم) في موضعين بهذه الآية ((صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ (عَلَيْهِمْ) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ (عَلَيْهِمْ) وَلاَ الضَّالِّينَ)) لا تكرار فيه، لأنّ المراد بالأول الارتباط بمعنى الإنعام، أمّا المراد بالثاني فهو الارتباط بمعنى الغضب[11]. وقال العلاّمة الزركشي في كتابه (البيان في علوم القرآن) بصدد توضيح للاصطلاح المعروف (أحكام القرآن وتفصيله) ومعناه: ((إنّ أحكام القرآن وتفصيله)) هو: العلم الذي يضمن لنا أنّنا كلّما احتجنا إلى أي مفردة قرآنية، وجدناها بأيّ موضع من مواضعها كالحرف الواحد في الكلمة التي تجمع حروفها جميعاً في جملتها، فإذا كلّ حرف بموضعه الخاصّ به تفصيلاً وإذا الحروف جميعاً تامة الارتباط بها كلها إجمالاً، وليس كذلك كلام البشر، الذي نرى كيف أنّنا لا نعلم له جملة كما نُقل مثل ذلك عن القاضي أبي بكر بن العربي حيث يقول: (إنَّ ارتباط آي القرآن بعضها ببعض، حتى تكون كالكلمة الواحدة علم عظيم فتح الله لنا فيه، فلمّا لم نجدْ له حملة ووجدنا الخلق بأوصاف البطلة، ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبين الله، ورددناه إليه[12]. وقال ابن القيّم أبو عبد الله محمد بن أبي بكر في كتابه (أعلام الموقعين عن ربّ العالمين) نقلاً عن بعض الصحابة: (حيث سُئل عن (الكلالة) فتوقّف عن إبداء رأيه في ذلك، حتى رجع إلى كلمة (كلالة) وكلمة (الكلالة) ليجدها في موضعين، قرآنيين). (أولهما) بقوله تعالى:
((وَإِنْ كان رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أو أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ))النساء/ 12.(وثانيهما) قوله تعالى: ((يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ أن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها أن لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ)) النساء/ 176 [13] ثم قال العفيفي تعقيباً على ذلك: فها نحن نرى أنّ النظر في كلّ موضع من الموضعين المخصّصين لكلمة (الكلالة) وكلمة (كلالة) قد وصلنا بمقصد جديد، من مقاصد القرآن، وهذا هو الشأن دائماً في ارتباط أيّ قارئ للقرآن بأيّ قول قرآني ينظر إليه بسياقه من موضعه الّذي يجده به[14]. وقال القاضي أبو بكر (الباقلاني) في كتابه (إعجاز القرآن) ـ بعد تفصيل من نقل أقوال الأشاعرة والمعتزلة في المسائل المرتبطة بهذا الموضوع من قريب وبعيد، ومسألة خلق القرآن بالذات، إلى أن قال رأيه الأخير بذلك ـ: (لقد علمنا أنّ الله تحدى المعارضين بالسّور كلّها ولم يخصْ، فعلم أنّ جميع ذلك معجز). وذلك: لأنّ الكلمات المكرّرة لفظاً هي ذات معان جديدة بعد تكرارها: وقال السّيد رشيد رضا في كتابه (الوحي المحمدي): (لو أنّ عقائد الإسلام المنزّلة في القرآن من الإيمان بالله، وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر وما فيه من الحساب، والجزاء، ودار الثواب، ودار العقاب، جمعت مرتبةً في ثلاث سور، أو أربع أو خمس ـ مثلاً ـ لكتب العقائد المدوّنة: ولو أنّ عباداته من الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والدعاء، والأذكار، وضع كل منها في بضع سور أيضاً مبوّبة ذات فصول لكتب (الفقه) المصنفة. ـ إلى أنْ قال ـ: ولو أنّ قواعده التشريعية وأحكامه الشخصية، والسياسية والحربية والمالية، والمدنية، وحدوده وعقوباته التأديبية رتبت في عدة سور خاصة بها كأسفار (القوانين الوضعية). ثم لو أنّ قصص النبيّين والمرسلين وما فيها من العبر والمواعظ والسنن الإلهية سردت في سورها مرتّبة (كدواوين التاريخ). لو أنّ كل مقاصد القرآن التي أراد الله بها إصلاح شؤون البشر جُمع كلّ نوع منها وحده كترتيب أسفار (التوراة) التاريخ الذي لا يعلم أحد مرتبها، أو كتب العلم والفقه، والقوانين البشرية (لفقد) القرآن بذلك أعظم مزايا هدايته المقصودة من التشريع وحكمة التنزيل، وهو التعبّد به واستفادة كل حافظ للكثير أو للقليل من سوره، حتى القصيرة منها، كثيراً من مسائل الإيمان، والفضائل والأحكام والحكم المنبّئة في جميع السور، لأنّ السورة الواحدة لا تحوي في هذا الترتيب المفروض إلاّ مقصداً واحداً من تلك المقاصد، وقد تكون (أحكام الطلاق) أو (الحيض) فمن لم يحفظ إلاّ سورةً طويلةً في موضع واحد، يتعبد بها وحدها فلا شكّ أنّه يملُّها. وأمّا السورة المنزلة بهذا الأسلوب الغريب والنظم العجيب فقد يكون في الآية الواحدة الطويلة، والسورة الواحدة القصيرة عدّة ألوان من الهداية وإنْ كانت في موضع واحد[15]. وقال العلاّمة مصطفى صادق الرافعي في كتابه (إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة) ـ بعد بحث طويل يذكر فيه نصوص المفردات القرآنية التي تحمل الإعجاز في مجموعها كمجموع فيقول: (إنّها هي الحروف، والكلمات، والجمل)[16] ويقول أيضاً في أوائل كتابه: نزل القرآن الكريم بهذه اللغة على نمطٍ يعجز قليله وكثيره معاً، فكان أشبه شيءٍ بالنور في جملة نسقه، إذ النورُ جملةٌ واحدةٌ، وإنّما يتجزأ باعتبار لا يخرجه من طبيعته[17]. وقال الشّيخ محمد عبد الله دراز في كتابه (دستور الأخلاق في القرآن) ملخّصاً بعض جوانب الإعجاز القرآني ـ بعد تفصيلها ـ في إيجاز فيقول ـ: (استطاعت الشريعة القرآنية أنْ تبلغ كمالاً مزدوجاً لا يمكن لغيرها أنْ يحقق التوافق بين شقّيه، لطف في حزم، وتقدُّم في ثبات، وتنوّع في وحدة)[18]. وللتوسّع الأكثر في هذا الموضوع يمكن الاستفادة من كتابين مهمّين من العلماء السابقين، وكتابين حديثين، للمتأخرين، وهي الكتب التالية: 1 ـ أحكام القرآن، تأليف أبي بكر أحمد بن علي الرّازي (الجصاص) الذي كان إماماً للمذهب الحنفي في زمانه. 2 ـ الإتقان في علوم القرآن، تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر (السّيوطي) الذي كان إماماً للمذهب الشافعي في عصره. 3 ـ إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة، للأستاذ مصطفى صادق الرافعي. 4 ـ القرآن القول الفصل، للأستاذ محمد العفيفي. (أقول) إنّما ذكرنا هذا ـ الموجز ـ من هذا البحث العميق الطويل، لكي يتضح أنّ كلّ واحدة من الآيات أو الكلمات المتكرّرة ممّا ورد في القرآن فهو في الحقيقة ليس تكراراً.
((وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ))الأعراف/ 161أخرج الحافظ الهيثمي الشافعي في (مجمع الزوائد) عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلّم) يقول: (إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حِطّة في بني إسرائيل من دخله غفر له)[19]. (أقول) يعني: ومن تمسّك بأهل بيتي وأحبّهم غفر له. وسيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) من أهل البيت فتكون الآية في شأنها وحقّها.
((وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ))الأعراف/ 181روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال: في كتاب (فهم القرآن) عن جعفر الصادق (رضي الله عنه) في معنى قوله (تعالى): ((وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)). قال: هذه الآية لآل محمد (صلى الله عليه وسلّم)[20]. (أقول) سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) من آل محمد بنصِّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) في متواتر الروايات. |
[1] غاية المرام / 261. [2] شواهد التنزيل 1/ 200ـ 201. [3] ينابيع المودّة / 102. [4] ينابيع المودّة / 358. [5] القرآن القول الفصل / 55. [6] إحياء علوم الدين/ ج1، ص523. [7] أنظر تقديم (الشيخ عطية صقر) الأمين بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، على كتاب ( القرآن القول الفصل) تأليف الأستاذ المعاصر الحصفي المحقق محمد العفيفي، ص7. [8] أو (كلمة) مثل تكرار كلمة (عليهم) في سورة الفاتحة (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) أو حرف مثل واو العطف المتكرّر في سورة الفاتحة في آيتين (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين وغير المغضوب عليهم ولا الضالين) وهكذا أشباههما. [9] القرآن القول الفصل / 16. [10] درّة التنزيل وغرّة التأويل / 516. [11] أسرار التكوين في القرآن / 21. [12] البيان في علوم القرآن 1/ 36. [13] أعلام الموقعين عن ربّ العالمين 1/ 82. [14] القرآن القول الفصل / 214. [15] الوحي المحمدي / 142. [16] إعجاز القرآن والبلاغة النبوية/ ص211 و47. [17] إعجاز القرآن والبلاغة النبوية / ص211 و47. [18] دستور الأخلاق في القرآن / 11. [19] مجمع الزوائد 9/ 168. [20] شواهد التنزيل 1/ 204. |