الصفحة 70

إكرامها بطعام الجنّة

33 ـ بحار الأنوار: قال المجلسي: وجدت في بعض مؤلّفات أصحابنا أنّه روي مرسلا عن جماعة من الصحابة قالوا: دخل النبيّ (صلى الله عليه وآله) دار فاطمة (عليها السلام)، فقال: يا فاطمة إنّ أباك اليوم ضيفك.

فقالت: يا أبت، إنّ الحسن والحسين يطالباني بشيء من الزاد فلم أجد لهما شيئاً يقتاتان به.

ثمّ إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) دخل وجلس مع عليّ والحسن والحسين وفاطمة (عليها السلام)

الصفحة 71
وفاطمة متحيّرة ما تدري كيف تصنع.

ثمّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) نظر إلى السّماء ساعة وإذا بجبرئيل قد نزل وقال: يا محمّد العلي الأعلى يقرئك السّلام ويخصّك بالتحيّة والإكرام ويقول لك: قل لعليّ وفاطمة والحسن والحسين: أيّ شيء يشتهون من فواكه الجنّة؟

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي ويا فاطمة ويا حسن ويا حسين إنّ ربّ العزّة علم أنّكم جياع، فأيّ شيء تشتهون من فواكه الجنّة.

فأمسكوا عن الكلام ولم يردّوا جواباً حياء من النبيّ (صلى الله عليه وآله).

فقال الحسين (عليه السلام): عن إذنك يا أباه يا أمير المؤمنين، وعن إذنك يا اُمّاه يا سيّدة نساء العالمين، وعن إذنك يا أخاه الحسن الزّكي: اختار لكم شيئاً من فواكه الجنّة، فقالوا جميعاً: قل يا حسين ما شئت فقد رضينا بما تختاره لنا.

فقال: يا رسول الله قل لجبرئيل: أنا نشتهي رطباً جنيّاً.

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): قد علم الله ذلك، ثمّ قال: يا فاطمة قومي وادخلي البيت واحضري إلينا ما فيه فدخلت فرأت فيه طبقاً من البلور مغطّى بمنديل من السندس الأخضر وفيه رطب جنّي في غير أوانه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة أنّى لك هذا؟

قالت: "هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب" ـ كما قالت مريم بنت عمران ـ، فقام النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتناوله وقدّمه بين أيديهم، ثمّ قال: بسم الله الرّحمن الرّحيم، ثمّ أخذ رطبة واحدة فوضعها في فم الحسين (عليه السلام) فقال: هنيئاً مريئاً لك يا حسين.

ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن وقال: هنيئاً مريئاً [لك](1) يا حسن.

____________

1 ـ كلمة: "لك" ساقطة من الأصل واضفناها مشاكلة لما سيأتي في هذا الحديث.


الصفحة 72
ثمّ أخذ رطبة ثالثة، فوضعها في فم فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقال لها: هنيئاً مريئاً لك يا فاطمة الزهراء.

ثمّ أخذ رطبة رابعة، فوضعها في فم عليّ (عليه السلام) وقال: هنيئاً مريئاً لك يا علي، ثمّ ناول عليّاً رطبة أخرى والنبي (صلى الله عليه وآله) يقول له: هنيئاً مريئاً لك يا علي، ثمّ وثب النبيّ (عليه السلام) قائماً، ثمّ جلس، ثمّ أكلوا جميعاً من ذلك الرطب، فلمّا اكتفوا وشبعوا ارتفعت المائدة إلى السماء بإذن الله تعالى.

فقالت فاطمة: يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجباً؟!

فقال: يا فاطمة أمّا الرطبة الأولى الّتي وضعتها في فم الحسين وقلت له هنيئاً يا حسين، فإنّي سمعت ميكائيل وإسرافيل يقولان: هنيئاً لك يا حسين.

فقلت أيضاً موافقاً لهما في القول.

ثمّ أخذت الثانية، فوضعتها في فم الحسن فسمعت جبرئيل وميكائيل يقولان: هنيئاً لك يا حسن. فقلت: أنا موافقاً لهما في القول.

ثمّ أخذت الثالثة، فوضعتها في فمك يا فاطمة، فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان وهنّ يقلن: هنيئاً لك يا فاطمة، فقلت: موافقاً لهنّ بالقول ولمّا أخذت الرابعة، فوضعتها في فم عليّ سمعت النداء من قبل الحقّ سبحانه وتعالى يقول: هنيئاً مريئاً لك يا عليّ فقلت: موافقاً لقول الله عزّ وجلّ، ثمّ ناولت عليّاً رطبة اُخرى ثمّ اُخرى وأنا أسمع صوت الحقّ سبحانه وتعالى يقول: هنيئاً مريئاً لك يا علي، ثمّ قمت أجلالا لربّ العزّة جلّ جلاله فسمعته يقول: يا محمّد وعزّتي وجلالي لو ناولت عليّاً من هذه السّاعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت له: هنيئاً مريئاً بغير

الصفحة 73
انقطاع(1).

فهذا هو الشرف الرفيع والفضل المنيع.

وقد نظم بعضهم هذا المعنى شعراً
الله شرّف أحمداً ووصيهوالطيبين سلالة الأطهار
جاء النبي لفاطم ضيفاً لهاوالبيت خال من عطا الزوار
والطهر والحسنان كانوا حضّراواذا بجبريل من الجبار
ما يشتهون أتاهم من ربهمرُطب جِني ما يُرى بديار

34 ـ تفسير فرات: عبيد بن كثير معنعنا عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم فقال: يا فاطمة، هل عندك شيء تغذينيه؟

قالت: لا والّذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصيّة ما أصبح الغداة عندي شيء اغذيكاه(2) وما كان شيء اُطعمناه مذ يومين إلاّ شيء كنت اُؤثرك به على نفسي

____________

1 ـ بحار الأنوار 43: 311 ومثله: مدينة المعاجز: 51 و230.

قال المؤلّف: وروى الحافظ البرسي في مشارق أنوار اليقين، عن ابن عباس، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه استدعى يوماً ماءً وعنده أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام فشرب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ ناوله الحسن (عليه السلام) فشرب، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): هنيئاً مريئاً يا أبا محمّد.

ثمّ ناوله الحسين (عليه السلام) فشرب، ثمّ قال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): هنيئاً مريئاً.

ثمّ ناوله الزهراء (عليها السلام) فشربت، فقال لها النبيّ (صلى الله عليه وآله): هنيئاً مريئاً يا اُمّ الأبرار الطاهرين.

ثمّ ناوله عليّاً، قال: فلمّا شرب سجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) فلمّا رفع رأسه قالت له: بعض أزواجه يا رسول الله، شربت ثمّ ناولت الماء للحسن عليه السلام فلمّا شرب قلت: هنيئاً مريئاً، ثمّ ناولته الحسين (عليه السلام) فشرب فقلت كذلك، ثمّ ناولته فاطمة فلمّا شربت قلت لها: ما قلت للحسن والحسين، ثمّ ناولته عليّاً فلمّآ شرب سجدت، ممّا ذلك؟

فقال لها: اني لما شربت الماء قال لي: ـ جبرئيل والملائكة معه ـ هنيئاً مريئاً يا رسول الله، ولمّا شرب الحسن قالوا له كذلك، فلمّا شرب الحسين وفاطمة قال جبرئيل والملائكة: هنيئاً مريئاً، فقلت: كما قالوا ولمآ شرب أمير المؤمنين قال الله له: هنيئاً مريئاً يا وليّي وحجّتي على خلقي، فسجدت لله شكراً على ما أنعم عليّ في أهل بيتي. (عن مشارق أنوار اليقين، بحار الأنوار 73:57).

2 ـ كذا في الأصل ولعلّ الصحيح: اغذيكه.


الصفحة 74
وعلى ابنيّ هذين الحسن والحسين.

فقال عليّ (عليه السلام): يا فاطمة، ألا كنت اعلمتني فأبغيكم شيئاً.

فقالت: يا أبا الحسن، إنّي لأستحي من إلهي أن اُكلّف نفسك ما لا تقدر عليه فخرج علي بن أبي طالب من عند فاطمة (عليها السلام) واثقاً بالله بحسن الظنّ، فاستقرض ديناراً فبينا الدّينار في يد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يريد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم، فتعرض له المقداد بن الأسود في يوم شديد الحرّ، قد لوّحته الشمس(1) فلمّا رآه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أنكر شأنه، فقال: يا مقداد ما أزعجك هذه السّاعة من رحلك؟

قال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي.

فقال: يا أخي إنّه لا يسعني أن تجاوزني حتّى أعلم علمك.

فقال: يا أبا الحسن رغبة إلى الله وإليك أن تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي.

فقال له: يا أخي إنّه لا يسعك أن تكتمني حالك.

فقال: يا أبا الحسن إمّا إذا أبيت فوالّذي أكرم محمّداً (صلى الله عليه وآله) بالنّبوة، وأكرمك بالوصيّة، ما أعجني من رحلي إلاّ الجهد، وقد تركت عيالي يتضوّرون(2) جوعاً، فلماً سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض فخرجت مهموماً راكباً رأسي(3)، هذه حالي وقصّتي.

فانهملت عينا عليّ (عليه السلام) بالبكاء حتى بلت دمعته لحيته، فقال له: أحلف بالّذي

____________

1 ـ لوحته الشمس: غيّرته.

2 ـ كذا في البحار ولعلّ الصحيح: يتضوّعون أي يتضورون.

3 ـ أي عاجلا رأسي على ركبتي وهي حالة يتخدها المهموم عادة. وقد وردت الكلمة هكذا: "راكب" في البحار.


الصفحة 75
حلفت ما ازعجني من رحلي إلاّ الّذي أزعجك، فقد اسقرضت ديناراً [فهاكه](1)فقد آثرتك على نفسي.

فدفع الدّينار إليه، ورجع حتى دخل مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فصلّى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلمّا قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغرب مرّ بعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو في الصفّ الأوّل، فغمزه برجله، فقام عليّ (عليه السلام) معقباً خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى لحقه على باب من أبواب المسجد، فسلّم عليه، فردّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا أبا الحسن هل عندك شيء نتعشاه فنميل معك؟ فمكث مطرقاً لا يحير جواباً(2)، حياءً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو يعلم ما كان من أمر الدّينار، ومن أين أخذه، وأين وجّهه، وقد كان أوحى الله تعالى إلى نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) أن يتعشّى تلك اللّيلة عند عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام)، فلمّا نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سكوته فقال: يا أبا الحسن مالك لا تقول لا فانصرف، أو تقول نعم فأمضي معك؟

فقال حيّاءً وتكرماً: فأذهب بنا.

فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فانطلقا حتّى دخلا على فاطمة الزهراء (عليه السلام) وهي في مصلاّها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة تفور دخاناً(3).

فلمّا سمعت كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رحلها خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه، وكانت أعزّ الناس عليه، فردّ (عليها السلام) ومسح بيده على رأسها وقال لها: يا بنتاه كيف امسيت رحمك الله، عشينا غفر الله لك و[قد] فعل.

فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعليّ بن أبي طالب عليهما

____________

1 ـ كلمة: "فهاكه" زيادة أخذناها من بعض مصادر الحديث، اُنظر الحديث الآتي.

2 ـ أي لا يرجع جواباً.

3 ـ المقصود: انّ البخار كان يتصاعد منها.


الصفحة 76
الصلاة والسلام فلمّا نظر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الجفنة والطعام وشمّ ريحه، رمى فاطمة ببصره رمياً شحيحاً.

قالت له فاطمة: ما أشحّ نظرك واشده، هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنباً استوجبت به السخطة؟

قال: واي ذنب أعظم من ذنب اصبتيه، أليس عهدي إليك اليوم الماضي وأنت تحلفين بالله مجتهدة ـ ما طعمت طعاماً مذيومين؟!

قال: فنظرت إلى السّماء فقالت: إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه إنّي لم أقل إلاّ حقّاً.

فقال لها: يا فاطمة أنّى لكِ هذا الطّعام الّذي لم أنظر إلى مثل لونه قطّ، ولم أشمّ مثل ريحه قطّ، وما أكل أطيب منه قطّ؟

قال: فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفّه الطيّبة المباركة بين كتفي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فغمزه ثم قال: يا عليّ هذا بدل دينارك وهذا جزاء دينارك من عند الله "إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب"(1).

ثمّ استعبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) باكياً، ثمّ قال: الحمد لله الذي أبي لكم أن تخرجا من الدّنيا حتى يجزيكما، ويجريك يا علي مجرى زكريّاً، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران {كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقاً} (2)(3).

قال الإربلي في كشف الغمة ـ بعد نقله لهذا الحديث ـ: قلت: حديث الطّعام قد

____________

1 ـ آل عمران: 3/37.

2 ـ سورة آل عمران 3:33.

3 ـ البحار 93:147 و43:59 و37:103 و105 والعوالم:78 وأمالي الطوسي 1:37 و2:228 وناسخ التواريخ 2:374.


الصفحة 77
أورده الزمخشري في كشّافه (ج 1 ص 303) عند تفسير قوله تعالى: "كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقاً"(1).

35 ـ بحار الأنوار: عن بعض كتب المناقب بإسناده عن أحمد بن محمّد الثعلبي عن عبد الله بن حامد، عن أبي محمّد المزني، عن أبي يعلي الموصلي، عن سهل بن زنجلة الرازي، عن عبد الله بن صالح، عن إبن لهيعة، عن محمّد بن المنّكدر، عن جابر ابن عبد الله: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أقام أيّاماً لم يطعم طعاماً حتّى شقّ ذلك عليه وطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهنّ شيئاً، فأتى فاطمة فقال: يا بنيّة هل عندك شيء آكله فإنّي جائع؟

فقالت: لا والله بأبي أنت واُمّي.

فلمّا خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها، فوضعته في جفنة لها وغطّت عليها. وقالت: لأوثرنّ بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) على نفسي وعلى غيري، وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً وحسيناً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرجع إليها، فقالت: بأبي أنت واُمّي قد أتانا الله بشيء فخبأتُة قال: هلميّ.

فأتته فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً فلماً نظرت إليه بهتت وعرفت أنّها كرامة من الله عزّ وجلّ فحمدت الله وصلّت على نبيّه (صلى الله عليه وآله) وقدمته إليه، فلما رآه حمد الله وقال (صلى الله عليه وآله): من أين لك هذا يا بنيّة؟

فقالت: "هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب"(2).

____________

1 ـ كشف الغمّة 1:141 وذكر معناه العياشي في تفسيره 1:172 والزمخشري في الكشاف عند ذكره لقصّة زكريّا ومريم (عليها السلام) في 1:275 وفي مدينة المعاجز: 49 عن أبي جعفر الطوسي في كتاب مصباح الأنوار بحذف الإسناد عن أبي سعيد الخدري، وكذا نقله: في مجالسه، ورواه البحراني في غاية المرام: 187 عن أمالي الشيخ.

2 و 2 ـ آل عمران 3:37.


الصفحة 78
فحمد الله عزّ وجلا وقال: الحمد لله الّذي جعلك شبيهة بسيدة نساء العالمين في نساء بني اسرائيل في وقتهم فإنّها كانت إذا رزقها الله تعالى فسئلت عنه.

قالت: "هو من عندالله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب"(1).

فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عليّ (عليه السلام)، ثمّ أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته جميعاً وشبعوا وبقيت الجفنة كما هي.

قالت فاطمة: فأوسعت منها على جميع جيراني وجعل الله فيها البركة والخير كما فعل الله بمريم (عليه السلام) (2).

قال المؤلّف: وقد نقله القندوزي في ينابيع المودّة ص 199 مع تفاوت يسير.

36 ـ قال الزمخشري في الكشّاف عند ذكر قصّة زكريّا ومريم: وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه جاء في زمن قحط فاهدت له فاطمة رغيفين وبضعة لحم آثرته بها فرجع بها إليها فقال: هلميّ يا بنيّة وكشف عن الطّبق فإذا هو مملوّ خبزاً ولحماً فبهتت وعلمت أنّها نزلت من الله، فقال لها: أنّى لك هذا؟

قالت: "هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب".

فقال (صلى الله عليه وآله): الحمد لله الّذي جعلك شبيهة سيّدة نساء بني إسرائيل.

ثمّ جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته حتى شبعوا وبقي الطّعام كما هو واوسعت فاطمة على جيرانها(3).

____________

2 ـ المناقب 3:117، وعنه البحار 43:68 والعوالم 11:84 وناسخ التواريخ 1:29 و393.

قلت: وذكر عماد الدين أبي جعفر الطوسي هذا الحديث في كتابه الثاقب في المناقب: 295 بإختلاف يسير وما بين المعقوفات أخذناها منه.

3 ـ الكشاف 1:275، وعنه ـ أيضاً ـ عوالم العلوم 11:117 وتفسير جوامع الجامع 1:171 والإقبال:29. وقد ذكر المجلسي ما يقرب منه في البحار 43:27 و29 و35 و255 أيضاً.


الصفحة 79
قال المؤلّف: ونقله الثعلبي في قصص الأنبياء ص 513 والسيوطي في الدرّ المنثور في ذيل تفسير الآية نقلا عن أبي يعلي: أنّه أخرج عن جابر، وقال الثعلبي: أخبرنا عبد الله بن حامد بإسناده عن جابر (إلى آخره)(1).

37 ـ دلائل الإمامة: حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد الله قال: حدّثنا عبد الرّزاق بن سليمان الأزدي بارباح قال: حدّثنا أبو عبد الغني، عن الحسن بن عباس، عن ربيعة السعدي، عن حذيفة بن اليمان، قال: لمّا خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أرسل معه النجاشي قدحاً من غالية وقطيفة منسوجة بالذهب هدية إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فلمّا قدم جعفر(رحمه الله) والنبيّ (صلى الله عليه وآله) في خيبر أتاه جعفر بالهدية: القدح والقطيفة.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لادفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله فمدّ أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أعناقهم إليها، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): أين عليّ؟ [فوثب عمّار بن ياسر(رضي الله عنه) فدعا عليّاً (عليه السلام) ](2) فلمّا جاءه قال له النبي (صلى الله عليه وآله): يا عليّ خذ هذه القطيفة إليك، فأخذها عليّ (عليه السلام) وامهل حتى قدم المدينة فانطلق إلى البقيع وهو سوق المدينة، فأمر صائغاً ففصّل القطيفة سلكاً سلكاً، فباع الذهب وكان ألف مثقال، ففرّقه عليّ (عليه السلام) على فقراء المهاجرين والأنصار، ثمّ رجع إلى منزله ولم يبق من الذهب لا قليل ولا كثير.

فلقيه النبي (صلى الله عليه وآله) في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمّار فقال: يا عليّ إنّك أخذت بالأمس ألف مثقال فاجعل غذائي اليوم وأصحابي عندك ـ ولم يكن عليّ

____________

1 ـ فضائل الخمسة 2:146.

2 ـ كذا في الأصل، بين معقوفتين ولعلّه مأخوذ عن نسخة.


الصفحة 80
يرجع يومئذ إليّ شيء من العروض من الذهب والفضّة ـ. فقال حياء منه أو تكرماً: نعم يا رسول الله أدخل أنت وأصحابك على الرحب والسعة.

قال: فدخل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومن معه، قال حذيفة، وكنّا خمسة نفر أنا وعمّار وسلمان وأبوذر والمقداد، فدخل عليّ (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) يلتمس عندها زاداً، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور وعليها عراق كثير(1) وكأنّ رائحتها المسك، فحملها عليّ (عليه السلام) ووضعها بين يدي النبيّ ومن حضر، فأكلنا منها حتّى شبعنا ولم ينقص منها شيءٌ، فقام النبيّ (صلى الله عليه وآله) ودخل على فاطمة (عليه السلام) وقال: أنّى لك هذا الطّعام يا فاطمة؟ فأجابته ـ ونحن نسمع ـ: {هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب} (2).

فخرج النبيّ إلينا مستبشراً وهو يقول: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت لإبنتي فاطمة، ما رأى زكريّاً لمريم، كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً فيقول لها: يا مريم أنّى لك هذا؟ فتقول: هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب(3).

38 ـ سعد السعود: عن كتاب (ما نزل القرآن الكريم في النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)) تأليف محمّد بن العباس بن عليّ بن مروان قال: حدّثنا محمّد بن القاسم ابن عبيد البخاري، عن جعفر بن عبد الله العلويّ، عن يحيى بن هاشم، عن جعفر بن سليمان، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: اهديت إلى رسول

____________

1 ـ العراق: العظم بلحمه.

2 ـ سورة آل عمران 3:37.

3 ـ دلائل الإمامة: 51 ـ 52 وعنه البحار 21:19، ومدينة المعاجز: 48 وفيه: وروى هذا الحديث أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في كتاب مناقب فاطمة عليها السلام بسنده.


الصفحة 81
الله (صلى الله عليه وآله) قطيفة منسوجة بالذهب اهداها له ملك الحبشة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لأعطينّها رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.

فمدّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعناقهم إليها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أين علي (عليه السلام)؟

قال عمّار بن ياسر: فلمّا سمعت ذلك وثبت حتّى اتيت عليّاً (عليه السلام)، فأخبرته، فجاء، فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) القطيفة إليه، فقال: أنت لها.

فخرج بها إلى سوق اللّيل (المدينة) فنقضها سلكاً سلكاً فقسّمها في المهاجرين والأنصار، ثمّ رجع إلى منزله وما معه منها دينار.

فلمّا كان من غد استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبا الحسن أخذت أمس ثلاثة آلاف مثقال من ذهب، فأنا والمهاجرون والأنصار نتغدّى عندك غداً.

فقال علي (عليه السلام): نعم يا رسول الله.

فلمّا كان الغد أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المهاجرين والأنصار، حتّى قرعوا الباب فخرج إليهم، وقد عرق من الحياء، لأنّه ليس في منزله قليل ولا كثير، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودخل المهاجرون والأنصار، حتّى جلسوا، ودخل عليّ على فاطمة، فإذا بجفنة مملوءة ثريداً وعليها عراق يفور منها ريح المسك الأذفر، فضرب عليّ بيده عليها، فلم يقدر على حملها، فعاونته فاطمة على حملها، حتّى أخرجها فوضعها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فدخل (صلى الله عليه وآله) على فاطمة (عليها السلام) فقال: أي بنيّة أنّى لك هذا؟ قالت: يا أبت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحمد لله الذي لم يخرجني من الدّنيا حتى رأيت في

الصفحة 82
إبنتي ما رأى زكريّا في مريم بنت عمران.

فقالت فاطمة: يا أبه أنا خير أم مريم؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت في قومك ومريم في قومها(1).

39 ـ تفسير العياشي: عن سيف، عن نجم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إنّ فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت(2)، وضمن لها عليّ (عليه السلام) ما كان خلف الباب: من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً، يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والّذي عظّم حقّك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيّام شيء نقريك به قال: أفلا أخبرتيني؟ قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لا تسألي ابن عمّك شيئاً، إن جاءك بشيء عفو وإلاّ فلا تسأليه.

قال: فخرج (عليه السلام)، فلقى رجلا، فاستقرض منه ديناراً ثمّ أقبل به وقد أمسى، فلقى مقداد بن الأسود فقال: للمقداد ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال: الجوع ـ والّذي عظّم حقّك يا أمير المؤمنين ـ.

قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حيّ؟! قال: ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حيّ.

قال: فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً وسأوثرك به فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً وفاطمة تصلّي وبينهما شيء مغطّى فلمّا فرغت احضرت ذلك الشيء فإذا جفنه من خبر ولحم.

قال: يا فاطمة أنّى لك هذا؟ قالت: "هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير

____________

1 ـ سعد السعود: 90 وعنه البحار 43:76 وعوالم العلوم 11:94.

قال المؤلّف: وقال الخوارزمي: في مقتله 76 والسيوطي في الخصائص الكبرى: عن أبي هريرة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): قال: أوّل شخص يدخل عليّ الجنّة فاطمة، مثلها في هذه الاُمة كمثل مريم بنت عمران في بني إسرائيل.

2 ـ قم البيت: كنسه. ومنه القمامة وهو ما يجتمع من أثر الكنس.


الصفحة 83
حساب".

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا اُحدّثك بمثلك ومثلها؟! قال: بلى.

قال: مثل زكريّا إذ دخل على مريم المحراب، فوجد عندها رزقاً، قال: "يا مريم أنّى لك هذا قالت: هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب" فأكلوا منها شهراً، وهي الجفنة الّتي يأكل منها القائم (عليه السلام) وهي عندنا(1).

40 ـ بحار الأنوار: عن كتاب المناقب عن أبي الفرج محمّد بن أحمد المكّي، عن المظفّر بن أحمد بن عبد الواحد، عن محمّد بن عليّ الحلواني، عن الكريمة بنت أحمد بن محمّد المروزيّ، وأخبرني ـ أيضاً به عالياً ـ قاضي القضاة محمّد بن الحسين البغدادي، عن الحسين بن محمّد بن عليّ الزينبي، عن الكريمة فاطمة بنت أحمد بن محمّد المروزية، بمكّة حرسها الله تعالى، عن أبي عليّ زاهر بن أحمد، عن معاذ بن يوسف الجرجاني، عن أحمد بن غالب، عن عثمان بن أبي شيبة، عن ابن نمير، عن محاهد، عن إبن عباس، قال: خرج أعرابي من بني سليم يتبدى(2) في البريّة، فإذا هو بضبّ قد نفر من بين يديه فسعى وراءه حتّى اصطاده، ثمّ جعله في كمّه وأقبل يزدلف نحو النبيّ (صلى الله عليه وآله) فلمّا أن وقف بإزائه ناداه: يا محمّد، يا محمّد، وكان من أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا قيل له: يا محمّد، قال: يا محمّد، وإذا قيل له: يا أحمد، قال: يا أحمد، وإذا قيل له: يا أبا القاسم، قال: يا أبا القاسم، وإذا قيل له: يا رسول الله، قال: لبيّك وسعديك، ويتهلّل وجهه فلمّا ناده الأعرابي: يا محمّد يا محمّد، قال له النبيّ: يا محمّد، يا محمّد.

____________

1 ـ تفسير العياشي 1:171 وعنه بحار الأنوار 43:31 وعوالم العلوم 11:97.

2 ـ أي يطلب البادية: وهي الصحراء وقال المجلسي في البحار 43:75، تبدّى الرجل: أقام بالبادية.